بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-07-19

تحميل كتاب الفتاوى للشيخ محمد متولي الشعراوي 672 صفحة على صيغة (PDF)


تحميل كتاب الفتاوى للشيخ محمد متولي الشعراوي 672 صفحة على صيغة (PDF)

للتحميل تنقر على الرابط بزر الفأرة الأيمن ثم احفظ الهدف (Save Target As) .

للمطالعة انقر على الرابط بزر الفأرة الأيسر ثم انتظر قليلا حتى يتم فتح الكتاب .

تحميل او فتح كتاب الفتاوى..
كل ما يهم المسلم في حياته ويومه وغده


دعواتكم في ظهر الغيب لكل من ساهم في هذا العمل ولك بالمثل بإذن الله حين الدعاء

الرجاء ابلاغنا عن اي رابط لايعمل

تحميل الفقه الإسلامي الميسر للشيخ محمد متولي الشعراوي في مجلدين على صيغة (PDF)


تحميل الفقه الإسلامي الميسر للشيخ محمد متولي الشعراوي في مجلدين على صيغة (PDF)

الفقه الإسلامي الميسر وأدلته الشرعية على طريقة السؤال والجواب

للتحميل تنقر على الرابط بزر الفأرة الأيمن ثم احفظ الهدف (Save Target As) .

للمطالعة انقر على الرابط بزر الفأرة الميسر ثم انتظر قليلا حتى يتم فتح الكتاب.

الفقه الإسلامي الميسر - 1

الفقه الإسلامي الميسر - 2

دعواتكم في ظهر الغيب لكل من ساهم في هذا العمل ولك بالمثل بإذن الله حين الدعاء

الرجاء ابلاغنا عن اي رابط لايعمل

تحميل الأحاديث القدسية للشيخ محمد متولي الشعراوي في مجلدين على صيغة (PDF)


تحميل الأحاديث القدسية للشيخ محمد متولي الشعراوي في مجلدين على صيغة (PDF)

للتحميل تنقر على الرابط بزر الفأرة الأيمن ثم احفظ الهدف (Save Target As) .

للمطالعة انقر على الرابط بزر الفأرة الأيسر ثم انتظر قليلا حتى يتم فتح الكتاب .

الأحاديث القدسية - 1

الأحاديث القدسية - 2

دعواتكم في ظهر الغيب لكل من ساهم في هذا العمل ولك بالمثل بإذن الله حين الدعاء

الرجاء ابلاغنا عن اي رابط لايعمل

تحميل كتاب هذا ديننا للشيخ محمد متولي الشعراوي بصيغة (PDF)


تحميل كتاب هذا ديننا للشيخ محمد متولي الشعراوي بصيغة (PDF)
مايجب أن يعرفه المسلم عن الإسلام.. الإيمان.. الإعتقاد.. واليوم الاخر. 560 صفحة

للتحميل انقر على الرابط بزر الفأرة الأيمن ثم احفظ الهدف (Save Target As) .

للمطالعة انقر على الرابط بزر الفأرة الأيسر ثم انتظر قليلا حتى يتم فتح الكتاب .

إضغط هنا لتحميل أو فتح كتاب هذا ديننا

دعواتكم في ظهر الغيب لكل من ساهم في هذا العمل ولك بالمثل بإذن الله حين الدعاء

الرجاء ابلاغنا عن اي رابط لايعمل

تحميل مباشر لمجلدات معجزة القرآن الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله -10 مجلدات-

تحميل مباشر لمجلدات معجزة القرآن الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله -10 مجلدات-

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني أن أقدم لكم مجلدات معجزة القرآن للشيخ محمد متولي الشعراوي
وعددها 10 مجلدات على صيغة (PDF)
تحميل مباشر
ملفات  معجزة القرآن الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى ونفعنا بعلمه.
للتحميل إضغط على الرابط بزر الفأرة الأيمن
ثم احفظ المجلد (Save Target As)
للمطالعة والقراءة انقر على الرابط بزر الفأرة الأيسر ثم انتظر قليلا حتى يتم فتح المجلد

المجلدات كاملة

كتاب المعجزة الأول 136 صفحة
كتاب المعجزة الثاني 132 صفحة

كتاب المعجزة الثالث 160 صفحة
كتاب المعجزة الرابع 164 صفحة

كتاب المعجزة الخامس 152 صفحة
كتاب المعجزة السادس 136 صفحة

كتاب المعجزة السابع 148 صفحة
كتاب المعجزة الثامن 156 صفحة

كتاب المعجزة التاسع 180 صفحة
كتاب المعجزة العاشر 168 صفحة

دعواتكم في ظهر الغيب لكل من ساهم في هذا العمل ولك بالمثل بإذن الله حين الدعاء

الرجاء ابلاغنا عن اي رابط لايعمل

2014-07-18

تحميل مباشر: مجلدات خواطر تفسير القرأن للشيخ الشعراوي رحمه الله -20 مجلد-


تحميل مباشر: مجلدات خواطر تفسير القرأن للشيخ الشعراوي رحمه الله -20 مجلد-
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني أن أقدم لكم مجلدات خواطر تفسير القرأن الشيخ محمد متولي الشعراوي
عددها 20 مجلدا على صيغة (PDF)
تحميل مباشر
ملفات خواطر تفسير القرأن الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى ونفعنا بعلمه.
للتحميل إضغط على الرابط بزر الفأرة الأيمن
ثم احفظ المجلد (Save Target As)
للمطالعة والقراءة انقر على الرابط بزر الفأرة الأيسر ثم انتظر قليلا حتى يتم فتح المجلد

المجلدات كامله

المجلد الأول - 640 صفحة
المجلد الثاني - 640 صفحة

المجلد الثالث - 640 صفحة
المجلد الرابع - 640 صفحة

المجلد الخامس - 640 صفحة
المجلد السادس - 640 صفحة

المجلد السابع - 640 صفحة
المجلد الثامن - 640 صفحة

المجلد التاسع - 640 صفحة
المجلد العاشر - 640 صفحة

المجلد الحادي عشر - 640 صفحة
المجلد الثاني عشر - 640 صفحة

المجلد الثالث عشر - 640 صفحة
المجلد الرابع عشر - 640 صفحة

المجلد الخامس عشر - 640 صفحة
المجلد السادس عشر - 640 صفحة

المجلد السابع عشر - 640 صفحة
المجلد الثامن عشر - 640 صفحة

المجلد التاسع عشر - 640 صفحة
المجلد العشرون - 640 صفحة

دعواتكم في ظهر الغيب لكل من ساهم في هذا العمل ولك بالمثل بإذن الله حين الدعاء

الرجاء ابلاغنا عن اي رابط لايعمل

عرض وتحليل لكتاب ’’ كيف لم أعد يهوديـاً؟ ’’ لشلومو ساند


عرض وتحليل لكتاب ’’ كيف لم أعد يهوديـاً؟ ’’ لشلومو ساند

*الكتاب الأخير من ثلاثية يفتح المؤلف من خلالها النار على مجموعة كبيرة من المسلمات الصهيونية الصنميّة الكاذبة *

(*) رام الله - صدر حديثًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار وفي الوقت نفسه عن منشورات المكتبة الأهلية في عمان، كتاب "كيف لم أعد يهودياً؟- وجهة نظر إسرائيلية"، من تأليف البروفسور شلومو ساند، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، وذلك في ترجمة عربية أنجزها وقدّم لها أنطـوان شلحـت.

ويشكل هذا الكتاب جزءاً أخيراً من ثلاثية يعرض من خلالها المؤلف إعادة نظر جذرية في عدّة مسلمات صهيونية صنميّة كاذبة بواسطة إخضاعها إلى محاكمة تاريخية صارمة.

وكان الجزءان الأول والثاني منها، وهما كتاب "اختراع الشعب اليهودي" وكتاب "اختراع أرض إسرائيل"، قد صدرا أيضاً بترجمة عربية عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- "مدار".

في الجزء الأول كان جهد ساند منصبّاً على تفكيك أراجيف متعلقة بإعادة كتابة وقائع الماضي اليهودي من طرف "كتّاب أكفاء" عكفوا على تجميع شظايا ذاكرة يهودية- مسيانية واستعانوا بخيالهم المجنّح كي يختلقوا، بواسطة هذه الشظايا، شجرة أنساب متسلسلة لـ "الشعب اليهودي".

وفي الجزء الثاني
انصرف جهده نحو تفكيك أراجيف متعلقة بتوكيد صلة هذا "الشعب اليهودي" المختلـق بفلسطين التي تم اختراع اسم لها هو "أرض إسرائيل" في سبيل إثبات تلك الصلة، وجرى استخدامه كأداة توجيه ورافعة للتَخيُّل الجغرافي بشأن الاستيطان الصهيوني منذ أن بدأ قبل أكثر من مئة عام. وفي سياق ذلك قام الكاتب بتقويض أسطورة كون "أرض إسرائيل" الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وأثبت أن الحركة الصهيونية هي التي سرقت هذا المصطلح ("أرض إسرائيل") وهو ديني في جوهره وحولته إلى مصطلح جيو- سياسي، وبموجبه جعلت تلك "الأرض" وطن اليهود، وذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

وفي هذا الجزء الثالث
يسلسل ساند العوامل والأسباب التي تجعله يقرّر أن يكفّ عن كونه يهودياً مشيراً على وجه الخصوص إلى أن التزوير وعدم الاستقامة والتبجّح صفات محفورة عميقاً في جميع أشكال تعريف اليهودية في دولة إسرائيل، وإلى أن تعريف الدولة بـأنها "يهودية"، عوضاً عن تعريفها بأنها "إسرائيلية"، ليس تعريفا غير ديمقراطي فحسب، وإنما أيضاً يشكل خطراً على مجرد وجودها وبقائها.

في هذا الإطار يركّز الكاتب على أن ثمة علاقة وثيقة بين تعريف اليهود كـ "إثنوس" أو شعب ـ عرق أبدي وبين سياسة دولة إسرائيل، سواء حيال مواطنيها الذين لا يعتبرون يهوداً، أو حيال مهاجري العمل الذين قدموا إليها يائسين من شواطئ بعيدة، أو - بالتأكيد - حيال جيرانها مسلوبي الحقوق الواقعين تحت وطأة احتلالها المستمر منذ نحو خمسين عاماً.

ويلفت إلى أن من الصعب التنكر لحقيقة جارحة ومؤلمة فحواها أن تنمية هوية يهودية جوهرانية لا دينية، تشجع على التمسك بمواقف استعراقية (متمحورة حول العرق)، عنصرية أو شبه عنصرية، لدى أوساط عديدة واسعة، في إسرائيل وفي خارجها على حد سواء. بالإضافة إلى هذا ثمة علاقة وطيدة بين فهم اليهودية كهوية أبدية ولاتاريخانية وبين الدعم الجارف الذي يبديه جزء كبير ممن يعتبرون أنفسهم يهوداً لسياسة الإقصاء البنيوية، التي ينطوي عليها مجرد تعريف دولة إسرائيل لذاتها، ولسلطة الاحتلال المتواصل في مناطقها الكولونيالية.

وأشار شلحت في سياق تقديمه إلى أن ساند يرمي أساساً من خلال هذا الكتاب إلى دحض مفهوم اليهودية العلمانية الذي كرّسته الصهيونية، إلى جانب تفنيد مفهوم الانتماء الإثني الواحد لليهود. وفي هذا الإطار يشدّد على أنه لا وجود قطّ لـ "ثقافة يهودية علمانية"، نظراً إلى غياب أي لغة مشتركة أو نمط حياة مشترك بين اليهود العلمانيين، وانعدام أي أعمال فنية أو أدبية يهودية علمانية، على الرغم من أنه بالإمكان التعرّف على ملامح ثقافة علمانية يهودية في فكر كارل ماركس وألبرت أينشتاين وسيغموند فرويد مثلاً، غير أنّ هؤلاء عبّروا عنها انطلاقاً من ثقافاتهم الخاصّة، ولم يُرسوا أي أسس لـ "فكر يهودي علماني". ويرى أنّ التوفيق ما بين العلمانية والانتماء إلى اليهودية أمرٌ مستحيل، وقد ينطبق هذا الأمر على سائر الأديان أيضاً.

وأضاف أنه بعد ذلك يستعرض ساند أصول الديانة اليهودية والجذور التاريخية لـ "رُهاب اليهود" في أوروبا، ثم يتوقف عند الممارسات العنصرية في إسرائيل ضدّ العرب الفلسطينيين على وجه الخصوص، وعند موجات التهويد التي لا تنبع من إيمان ديني راسخ، بل تهدف إلى الوقوف في وجه الفلسطينيين لأنّ "المرء كي يكون يهوديّاً في إسرائيل، عليه قبل أي شيء ألّا يكون عربيّاً". ويتساءل: في ظل هكذا ظروف، كيف يستطيع شخصٌ ليس مؤمناً متديّناً، بل إنسانوي ديمقراطي أو ليبرالي يتمتّع بحدٍّ أدنى من النزاهة، أن يستمرّ بالتعريف عن نفسه على أنّه يهودي؟.

عرض وتحليل لكتاب ’’اختراع أرض إسرائيل ’’لشلومو ساند


عرض وتحليل لكتاب ’’اختراع أرض إسرائيل ’’لشلومو ساند

*كتاب ثان ضمن ثلاثية يفتح المؤلف من خلالها النار على مجموعة كبيرة من الأساطير الصهيونية الملفقة*

(*) رام الله - صدر حديثًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار وفي الوقت نفسه عن منشورات المكتبة الأهلية في عمان، كتاب "اختراع أرض إسرائيل"، من تأليف البروفسور شلومو ساند، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، وذلك في ترجمة عربية أنجزها أنطوان شلحت وأسعد الزعبي.

ويؤكد المؤلف في مقدمته الخاصة للطبعة العربية أن الاسم الإقليمي (الجغرافي) "أرض إسرائيل" لم يكن قومياً على الإطلاق لدى ظهوره لأول مرة، ولم يكن من الممكن أن يكون كذلك أيضاً، بل كان مصطلحاً لاهوتياً- دينياً. فلقد اعتبر المكان خلال مئات الأعوام في نظر اليهود والمتهودين نقطة انطلاق لبداية الخلاص الغيبي الذي سيحل على العالم بقدوم المسيح.

وأوضح أيضاً أنه راودته ووجهته عندما ألّف هذا الكتاب ثلاثة أسئلة رئيسة: 1) هل كان المكان دائما وطنا لليهود كما تعلم في صغره في المدارس الإسرائيلية؟؛ 2) إلى أي مدى يعتبر هذا المكان اليوم وطناً للذين يعرفون أنفسهم كيهود في أنحاء العالم؟؛ 3) كيف صارت إسرائيل وطن الإسرائيليين الذين يعيشون فيه؟.

قدّم للكتاب باسم مركز "مدار" الكاتب أنطوان شلحت فأشار إلى أنه الجزء الثاني مما يمكن اعتباره ثلاثية يقدّم من خلالها البروفسور شلومو ساند، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة تل أبيب، إعادة نظر جذرية في جملة من المسلمات الصهيونية الصنميّة الكاذبة عبر إخضاعها إلى محاكمة تاريخية متأنية وصارمة ومدروسة.

وكان الجزء الأول منها هو كتاب "اختراع الشعب اليهودي"، وسبق أن صدر بترجمة عربية عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار.

أمّا الجزء الثالث منها فهو كتاب بعنوان "كيف لم أعد يهودياً؟"، وصدر باللغة العبرية العام 2013.

وأضاف شلحت: من نافل القول إن الوقائع التي يوردها ساند، شأنها شأن الاستنتاجات التي يتوصل إليها، توسّع دائرة الضوء كثيراً حول الأراجيف التي لجأت الحركة الصهيونية إليها لتدعيم تلك المسلمات من جهة، ومن جهة أخرى موازية ومكملة لتبرير مشروعها المتعلق باستعمار فلسطين وما ترتب عليه من آثار كارثية مدمرّة بالنسبة إلى سكانها الفلسطينيين الأصلانيين.

ويرى ساند بحق أن هدف الحركة الصهيونية من وراء هذه الأراجيف مجتمعة هو الاستفادة منها في الحد الأقصى ضمن سياق اختلاق قومية جديدة وشحنها بغايات استعمار فلسطين باعتبارها "وطن" أبناء هذه القومية الجديدة منذ أقدم العصور.

وقد تمثل الهدف الأهم من وراء الترويج لتلك الأراجيف في الإقناع بأن هذا "الوطن" (فلسطين) يعود إلى "الشعب اليهودي" وإليه فقط، لا إلى أولئك "القلائل" (الفلسطينيون) الذين أتوا إليه بطريق الصدفة ولا تاريخ قومياً لهم، وفقاً لمزاعم الحركة الصهيونية. وبناء على ذلك فإن حروب ذلك الشعب لاحتلال "الوطن" وبعد ذلك لـ "حمايته" من كيـد الأعداء المتأصل هي حروب عادلة بالمطلق، أمّا مقاومة السكان المحليين الأصلانيين فإنها إجرامية، وتسوّغ ما ارتكب ويُرتكب بحقهم من آثام وشرور مهما تكن فظاعتها.

وتابع: بينما انصب جهد ساند في الجزء الأول على تفكيك الأراجيف المتعلقة بإعادة كتابة الماضي اليهودي، وأساساً من طرف كتّاب أكفاء عكفوا على تجميع شظايا ذاكرة يهودية- مسيانية واستعانوا بخيالهم المجنّح كي يختلقوا، بواسطتها، شجرة أنساب متسلسلة لـ "الشعب اليهودي"، فإن جهده في هذا الجزء الثاني منصب على تفكيك الأراجيف المتعلقة بتأكيد صلة "الشعب اليهودي" بفلسطين التي تم اختراع اسم لها هو "أرض إسرائيل" في سبيل إثبات تلك الصلة، وجرى استخدامه كأداة توجيه ورافعة للتَخيُل الجغرافي للاستيطان الصهيوني منذ أن بدأ قبل أكثر من مئة عام.

وفي سياق ذلك يقوّض الكتاب أسطورة كون "أرض إسرائيل" الوطن التاريخي للشعب اليهودي، ويثبت أن الحركة الصهيونية هي التي سرقت مصطلح "أرض إسرائيل" وهو ديني في جوهره وحولته إلى مصطلح جيو- سياسي، وبموجبه جعلت تلك "الأرض" وطن اليهود في العالم أجمع، وذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

وختم شلحت مؤكداً أن المساهمة الأساسية لهذا الكتاب المهم تبقى كامنة، كما أهمية الكتاب السابق، في نبش الماضي وإيضاح صيرورة الحاضر، بواسطة فتح النار على مجموعة كبيرة من الأساطير الصهيونية الملفقة.

تقديم: وقائع اختراع "أرض إسرائيل" / بقلم: انطوان شلحت

هذا الكتاب هو الجزء الثاني
مما يمكن اعتباره ثلاثية يقدّم من خلالها البروفسور شلومو ساند، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة تل أبيب، إعادة نظر جذرية في جملة من المسلمات الصهيونية الصنميّة الكاذبة عبر إخضاعها إلى محاكمة تاريخية متأنية وصارمة ومدروسة.

وكان الجزء الأول منها هو كتاب "اختراع الشعب اليهودي"، وسبق أن صدر بترجمة عربية عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار. - تم عرضه سابقا -

أمّا الجزء الثالث منها فهو كتاب بعنوان "كيف لم أعد يهودياً؟"، وصدر باللغة العبرية العام 2013. - سيتم عرضه لاحقا -

من نافل القول إن الوقائع التي يوردها ساند، شأنها شأن الاستنتاجات التي يتوصل إليها، توسّع دائرة الضوء كثيراً حول الأراجيف التي لجأت الحركة الصهيونية إليها لتدعيم تلك المسلمات من جهة، ومن جهة أخرى موازية ومكملة لتبرير مشروعها المتعلق باستعمار فلسطين وما ترتب عليه من آثار كارثية مدمرّة بالنسبة إلى سكانها الفلسطينيين الأصلانيين.

ويرى ساند بحق أن هدف الحركة الصهيونية من وراء هذه الأراجيف مجتمعة هو الاستفادة منها في الحد الأقصى ضمن سياق اختلاق قومية جديدة وشحنها بغايات استعمار فلسطين باعتبارها "وطن" أبناء هذه القومية الجديدة منذ أقدم العصور.

وقد تمثل الهدف الأهم من وراء الترويج لتلك الأراجيف في الإقناع بأن هذا "الوطن" (فلسطين) يعود إلى "الشعب اليهودي" وإليه فقط، لا إلى أولئك "القلائل" (الفلسطينيون) الذين أتوا إليه بطريق الصدفة ولا تاريخ قومياً لهم، وفقاً لمزاعم الحركة الصهيونية. وبناء على ذلك فإن حروب ذلك الشعب لاحتلال "الوطن" وبعد ذلك لـ "حمايته" من كيـد الأعداء المتأصل هي حروب عادلة بالمطلق، أمّا مقاومة السكان المحليين الأصلانيين فإنها إجرامية، وتسوّغ ما ارتكب ويُرتكب بحقهم من آثام وشرور مهما تكن فظاعتها.

وبينما انصب جهد ساند في الجزء الأول على تفكيك الأراجيف المتعلقة بإعادة كتابة الماضي اليهودي، من طرف كتّاب أكفاء عكفوا على تجميع شظايا ذاكرة يهودية- مسيانية واستعانوا بخيالهم المجنّح كي يختلقوا، بواسطتها، شجرة أنساب متسلسلة لـ "الشعب اليهودي"، فإن جهده في هذا الجزء الثاني منصب على تفكيك الأراجيف المتعلقة بتأكيد صلة "الشعب اليهودي" بفلسطين التي تم اختراع اسم لها هو "أرض إسرائيل" في سبيل إثبات تلك الصلة، وجرى استخدامه كأداة توجيه ورافعة للتَخيُل الجغرافي للاستيطان الصهيوني منذ أن بدأ قبل أكثر من مئة عام.

وفي سياق ذلك يقوّض الكتاب أسطورة كون "أرض إسرائيل" الوطن التاريخي للشعب اليهودي، ويثبت أن الحركة الصهيونية هي التي سرقت مصطلح "أرض إسرائيل" وهو ديني في جوهره وحولته إلى مصطلح جيو- سياسي، وبموجبه جعلت تلك "الأرض" وطن اليهود، وذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

ويلفت من ضمن أمور أخرى إلى أن أتباع الحركة البيوريتانية- وهي الحركة "التطهّرية" التي انبثقت عن البروتستانتية في بريطانيا- وخلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، كانوا أول من قرأ التناخ (العهد القديم) على أنه كتاب تاريخي، ونظراً إلى كون هؤلاء متعطشين إلى الخلاص فقد ربطوا بين حركتهم ونهضة "شعب إسرائيل" في أرضه. ويشدّد على أن هذه الرابطة لم تنشأ نتيجة قلقهم على اليهود الذين كانوا يعانون الأمرّين، وإنما أساساً بدافع الرؤيا القائلة إنه فقط بعد عودة "بني إسرائيل" إلى صهيون سيحلّ الخلاص المسيحي على البشرية جمعاء، وفي إطار صفقة الرزمة طويلة الأمد هذه من المفترض أن يتنصّر اليهود، وعندها سيحظى العالم برؤية عودة يسوع المتجددة. وفي ضوء ذلك يؤكد المؤلف أن هؤلاء الذين يُطلق عليهم اسم "الصهاينة الجدد"، لا اليهود، هم الذين اخترعوا "أرض إسرائيل" كمصطلح جيو - سياسي معاصر.

ولدى الربط بين هذا الكتاب الجديد والكتاب السابق ينوّه ساند بأنه قرر تأليف "اختراع أرض إسرائيل" عقب الانتقادات التي جرى توجيهها إلى كتاب "اختراع الشعب اليهودي". وفي هذا الإطار يشير إلى أن المؤرخ البريطاني المؤيد للصهيونية سايمون شاما ادعى أن كتابه السابق فشل في محاولة فصم العلاقة بين "أرض الآباء" والتجربة اليهودية، فيما كتب نقاد آخرون أنه كان في نيته تقويض "الحق التاريخي لليهود في وطنهم القديم: أرض إسرائيل". وهو يؤكد أنه فوجئ كثيراً، إذ إنه لم يفكر قطّ أن الكتاب يقوّض هذا الحق لعدم وجود اعتقاد لديه على الإطلاق بأن لليهود حقاً تاريخياً في البلاد. ولم يكن يتصوّر أن يكون هناك في مطلع القرن الحادي والعشرين نقاد يبرّرون إقامة دولة إسرائيل بواسطة ادعاءات على غرار أنها "أرض الآباء" أو من خلال التذرّع بحقوق تاريخية عمرها آلاف الأعوام. وأوضح أنه عندما دافع عن وجود اليهود وحقوقهم هنا كان سبب ذلك يعود إلى ضائقتهم التي تفاقمت بدءا من نهاية القرن التاسع عشر عندما تقيأتهم أوروبا من داخلها، وأغلقت الولايات المتحدة أبوابها أمامهم في مرحلة معينة، لا بسبب توق قومي معتّق أو حق تاريخي.

ويشير إلى أنه بعد الانتقادات التي تعرّض لها الكتاب السابق أدرك أنه يعتوره نقص يجب تلافيه من خلال تأليف كتاب آخر بشأن طبيعة اختراع "أرض إسرائيل" كحيّز إقليمي للشعب اليهودي يتغيّا تحقيق هدفين:

- أولاً، كيف تدحرج هذا الاختراع في الهستوريوغرافيا الصهيونية والممارسات الاستيطانية الصهيونية على مدار الأعوام المئة والعشرين الفائتة؛

- ثانياً، تفنيد الأسطورة القائلة بأن "أرض إسرائيل" كانت دائماً مُلكاً لـ "الشعب اليهودي" بوعد من الله الذي أودع في أيدي رسله كوشاناً هو التناخ قامت الصهيونية رغماً عن كونها حركة علمانية بتأميمه وحولته إلى كتاب تاريخ في كل شيء.

كما يشير إلى أنه عندما كان شابا فإن مصطلح "أرض إسرائيل" شكّل جزءا من قاموسه على الرغم من كونه يسارياً، وكان واثقا من أنه مصطلح تناخي، وفجأة تبين له أنه لا توجد "أرض إسرائيل" في التناخ بعد أن دقق في مكانتها فيه وفي الأدبيات اليهودية القديمة. ويقول إن كلمة "وطن" تظهر تسع عشرة مرة في جميع أسفار التناخ ونصفها في سفر التكوين، لكن هذا المصطلح يتعلق بمسقط الرأس أو المكان الذي يدل على أصل عائلة، لا بإقليم جيو - سياسي مثلما كانت الحال لدى اليونان أو الرومان. وليس هذا وحسب بل أيضاً لم يخرج أبطال التناخ بتاتاً للدفاع عن وطنهم كي يحظوا بالحرية أو بدافع وطنية سياسية. ويشدّد على أن النصوص التناخية تشير إلى أن "الديانة اليهودية"- نسبة إلى يهوه- لم تنم في أرض كنعان وأن نشوء التوحيد حدث خارج "أرض الميعاد".

وفيما يتعلق بنشوء مصطلح "أرض إسرائيل" يقول إن اسم البلاد في التناخ كان كنعان، وفي فترة "الهيكل الثاني" كان المصطلح الشامل هو "أرض يهودا". ومصطلح "أرض إسرائيل" يظهر في الميشناه، لكنه ليس مطابقا لبلاد الوعد الإلهي الذي مُنح إلى إبراهيم. و"أرض إسرائيل" كاسم ورقعة تظهر في التلمود بصيغ يعدّدها في الكتاب، وفي تقديره فإن المصطلح ظهر بعد أن غير الرومان اسم يهودا إلى سورية - بلسطينا، وعندها بدأوا في التشديد على مصطلح "أرض إسرائيل". لكن وفقا للتلمود فإن هذه منطقة تمتد جغرافياً من جنوب عكا إلى شمال عسقلان، ويظهر المصطلح كفريضة، أي أن "أرض إسرائيل" التلمودية ليست مصطلحا جيو - سياسيا، وإنما هي مصطلح ثيوقراطي يتطرّق إلى أرض مقدسة تسري على سكانها فرائض خاصة مرتبطة بالبلاد. ويلفت إلى أن قلائل فقط مستعدون لأن يقرّوا بأن "أرض إسرائيل" في أسفار التناخ لم تشمل القدس والخليل وبيت لحم، وأن التناخ استخدم الاسم الفرعوني للمنطقة وهو "أرض كنعان".

ولدى بحث ساند في أدبيات المكابيين ومخطوطات فيلون الإسكندراني وكتب المؤرخ اليهودي يوسيفوس فيلافيوس التي تجمل معظم فترة "الهيكل الثاني"، لم يتعثر بأي ذكر لمصطلح "أرض إسرائيل" ولو مرة واحدة.

بطبيعة الحال يضيق المجال للإحاطة بكل الوقائع التي يوردها هذا الكتاب فيما يتعلق باختراع "أرض إسرائيل".

ويعيد المؤلف تأكيد الحقيقة بأن اليهود لم يكونوا شعباً مختاراً موزّعاً على وجه البسيطة، بل إن الديانة اليهودية كانت ديناً ديناميكياً جديداً انتشر وحقق رواجاً كبيراً. وجماهير المتهودين وذراريهم كانوا يتطلعون، بشجاعة وقوة نفسية، إلى المكان المقدس الذي كان يفترض أن ينبلج منه الخلاص، ولم يخطر في بالهم جدياً قطّ أن يهاجروا إليه ولم يفعلوا ذلك حقاً. ولم تكن الصهيونية استمراراً لليهودية مطلقاً بل كانت نقضاً لها، ولذا فقد رفضتها هذه الأخيرة رفضاً قطعياً. لكن، على الرغم من كل هذا ثمة منطق تاريخي معيّن استحوذ على الأسطورة وساهم في تحقيقها جزئياً.

إن المساهمة الأساسية لهذا الكتاب المهم كامنة، كما الكتاب السابق، في نبش الماضي وإيضاح صيرورة الحاضر، بواسطة فتح النار على الأساطير الصهيونية الملفقة.

ويخصص المؤلف خاتمة كتابه لإطلاق دعوة من أجل أن تثبت جامعة تل أبيب حيث يعمل عند مدخلها لوحة تذكارية لمهجري الشيخ مونّس، القرية الوادعة التي اختفت كما لو أنها لم تكن، مشيراً إلى أنه يحرص على تعليم طلابه، في مستهل أي مسار تعليمي، أن أي ذاكرة جماعية هي بهذا القدر أو ذاك نتاج هندسة ثقافية تعديلية تخضع، على الدوام تقريباً، لاحتياجات الحاضر ومزاجه السائد، وإلى أن من عادته التأكيد، بوجه خاص، أنه لدى الحديث عن تاريخ الأمم، فليس الماضي هو الذي يخلق الحاضر، بل إن "الحاضر القومي" هو الذي يعجن الماضي ويصوغه لنفسه، بصورة حرة تماماً، بينما يشمل هذا الماضي دائما ثغرات كبيرة جداً من النسيان.

ولا شك في أن ساند يصوغ رؤيا تتعلق بالمستقبل تبدو مستاءة للغاية من الحاضر ومسنودة بفهم الماضي فهماً براغماتياً. وما يتبين، على نحو جليّ، من رؤيته هذه هو أنه مناهض للكينونة التي تحكم إسرائيل على نفسها البقاء في خضمها والتي يرى أنها تنذر بأوخم العواقب.

في الكتاب السابق أعرب عن اعتقاده بأن المشروع المثالي لحل الصراع المحتدم منذ مئة عام ولحفظ الوجود المنضفر والوثيق الصلة إقليمياً بين اليهود والعرب، يتمثل في قيام دولة ديمقراطية ثنائية القومية تمتد من البحر الأبيض المتوسط وحتى نهر الأردن، لكنه رأى أنه لن يكون من الحكمة بمكان مطالبة الشعب اليهودي- الإسرائيلي، بعد كل هذا الصراع الدامي والطويل، وفي ضوء التراجيديا التي مرّ بها كثيرون من مؤسسيه المهاجرين في القرن العشرين الفائت، أن يتحوّل بين عشية وضحاها إلى أقلية في دولته. لكن "إذا كان من السخف والبلاهة مطالبة اليهود الإسرائيليين بتصفية دولتهم"، على حدّ تعبيره، فإن من الواجب الإصرار على ضرورة أن يكفوا عن الاحتفاظ بها لأنفسهم كدولة منغلقة تمارس الإقصاء والتمييز بحق جزء كبير من مواطنيها الذين ترى فيهم غرباء غير مرغوب فيهم، في إشارة إلى الفلسطينيين في الداخل.

وقد أعاد الكرّة بهذا الشأن تحديداً في هذا الكتاب بلفت انتباه القراء العرب إلى أنه إذا لم تكن إسرائيل وطن يهود العالم رغم الصلة المجرّدة للكثير منهم بها، إلا إنها وطن الإسرائيليين الذين يعيشون فيها. وبرأيه ارتُكبت أخطاء كثيرة جداً عندما تجاهل الزعماء والمثقفون العرب ولفترة طويلة جداً حقيقة جزم بأنها تاريخية مؤداها أن "الاستيطان الصهيوني نجح في أن ينتج في فلسطين شعباً جديداً (الشعب اليهودي- الإسرائيلي) علاقته بالمكان تحمل ملامح قومية ووطنية جلية". وبطبيعة الحال، كان هذا الاستيطان على حساب السكان المحليين، وأدى إلى خراب لم يدفع ثمنه، لكن "الذراري الحاليين لهذا الاستيطان غير قادرين على التخلي عن كل أجزاء الإقليم الذي سيطر عليه آباؤهم بالقوة بل وحتى من خلال العمى الأخلاقي".

عرض وتحليل لكتاب ’’اختراع الشعب اليهودي’’لشلومو ساند


عرض وتحليل لكتاب ’’اختراع الشعب اليهودي’’لشلومو ساند

*هذا الكتاب أثار ولا يزال يثير مناقشات عاصفة في إسرائيل وخارجها نظرًا لكونه أحد أكثر الكتب إثارة وتحديًا مما لم تألفه الأبحاث الإسرائيلية منذ فترة طويلة بشأن موضوعة الشعب اليهودي*

صدر هذا الكتاب عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" وفي الوقت نفسه عن منشورات المكتبة الأهلية في عمان كتاب "اختراع الشعب اليهودي"، من تأليف البروفسور شلومو ساند، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، وذلك في ترجمة عربية راقية أنجزها سعيد عيّاش ودققها أسعد زعبي وراجعها وقدّم لها أنطوان شلحت.

ويعتبر هذا الكتاب واحدًا من أكثر الدراسات المثيرة إن لم يكن الأكثر إثارة في تاريخ اليهود التي رأت النور خلال السنوات الأخيرة. ويقوم ساند فيه برحلة نبش تمتد على مدار آلاف السنوات إلى الوراء. وكانت حصيلتها النهائية طرح مسهب يثبت أن اليهود الذين يعيشون اليوم في إسرائيل وفي أماكن أخرى من العالم ليسوا على الإطلاق أحفاد "الشعب العتيق" الذي عاش في "مملكة يهودا" إبان فترة "الهيكل الثاني". وبحسب ما يقوله فإن أصولهم تعود إلى شعوب متعددة اعتنقت اليهودية على مرّ التاريخ في أماكن شتى من حوض البحر الأبيض المتوسط والمناطق المجاورة، وإن هذا يشمل أيضاً يهود اليمن (بقايا مملكة حمير في شبه الجزيرة العربية التي اعتنقت اليهودية في القرن الرابع الميلادي) ويهود أوروبا الشرقية الإشكنازيين (وهم من بقايا مملكة الخزر البربرية التي اعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي).

وخلافاً للـ "مؤرخين الإسرائيليين الجدد" الآخرين، الذين سعوا إلى تقويض مسلمات الهستوريوغرافيا الصهيونية وحسب، فإن ساند لا يكتفي في هذا الكتاب بالعودة إلى سنة 1948 أو إلى بداية الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، بل يبحر آلاف السنين إلى الوراء، ساعياً إلى إثبات أن الشعب اليهودي لم يكن أبداً "شعبا عرقيا" ذا أصل مشترك، وإنما هو خليط كبير ومتنوع لمجموعات بشرية تبنت خلال مراحل مختلفة من التاريخ الديانة اليهودية. وبحسب قوله فإن النظرة الميثولوجية إلى اليهود كشعب عريق أدّت بعدد من المفكرين الصهيونيين إلى تبني فكر عنصري تماماً.

ويقول ساند "كانت هناك فترات في أوروبا إذا ما قال فيها أحد بأن جميع اليهود ينتمون إلى شعب ذي أصل غير يهودي فإن مثل هذا الشخص كان يُنعت فوراً باللاسامية. أما اليوم فإذا ما تجرأ أحد ما على القول إن الذين يعتبرون يهوداً في العالم (...) لم يشكلوا أبداً شعباً أو قومية، وإنهم ليسوا كذلك حتى الآن، فإننا نجده يوصم في الحال بكراهية إسرائيل".

وهو يرى أن وصف اليهود كشعب مشرد ومعزول من المنفيين الذين "عاشوا في تنقل وترحال على امتداد الأيام والقارات ووصلوا إلى أقاصي الدنيا وفي نهاية المطاف استداروا مع ظهور الحركة الصهيونية كي يعودوا جماعياً إلى وطنهم الذي شردوا منه" ما هو إلاّ "خرافة قومية" فاقعة.

ويضيف أنه "في مرحلة معينة من القرن التاسع عشر أخذ مثقفون من أصل يهودي في ألمانيا على عاتقهم مهمة اختراع شعب بأثر رجعي، وذلك من منطلق رغبتهم الجامحة في اختلاق قومية يهودية عصرية. ومنذ المؤرخ هاينريخ غيرتس شرع كتاب ومثقفون يهود بإعادة كتابة تاريخ اليهود كتاريخ شعب تحول إلى شعب مشرد وانعطف في نهاية المطاف ليعود إلى وطنه".

وتتصدّر كتاب "اختراع الشعب اليهودي" مقدمة كتبها المؤلف إلى قراء الطبعة العربية وأشار فيها، ضمن أمور أخرى، إلى أنه أنجز هذا الكتاب بعد التقدم المفاجئ للهستوريوغرافيات المسماة في إسرائيل "ما بعد صهيونية". وأضاف: لقد تلقفت إنجازات علوم الآثار الإسرائيلية الجديدة، وأضفت لذلك تحليلا لأبحاث تاريخية قديمة منسية ودمجتها سوية مع نظريات عصرية في بحث الأمة والقومية. وربما لم أكتشف أي جديد في هذا الكتاب، ومع ذلك فقد أزلت الغبار عن مواد جرى تهميشها ونظمت المعلومات بشكل نقدي لم يسبق، وفقا لمعرفتي، أن تم طرحه قبل ذلك. وقد اتهمني المؤرخون الصهاينة بأني منكر الشعب اليهودي. ورغم أن نيتهم غير الشريفة من استعمال هذا المصطلح هي التذكير بالجرم القبيح المسمى "إنكار المحرقة" فلا بد لي من الاعتراف بأنهم كانوا على حق. فعلى الرغم من أن مصطلح "شعب" فضفاض، وغير واضح جداً، إلا إني لا أعتقد بأنه كان في أي زمن مضى شعب يهودي واحد مثلما لم يكن هناك شعب مسلم واحد. لقد كان هناك ولا يزال يهود ومسلمون في التاريخ، وتاريخهم غني، متنوع ومثير. واليهودية، شأنها شأن المسيحية والإسلام، كانت على الدوام حضارة دينية مهمة وليست ثقافة - شعبية قومية. إن الذي وحد اليهود على مر التاريخ هو مكونات عقائدية قوية وممارسة طقوس غارقة في القدم. ولكن، مثلما نعلم جميعا فإنه لا موطن للإيمان، وخلافا لذلك فإن الشعوب ينبغي أن يكون لها وطن. لذلك اضطرت الصهيونية إلى تأميم الديانة اليهودية وتحويل تاريخ الجماعات اليهودية إلى سيرة شعب "إثني".

وأكد مركز مدار، في كلمات التقديم، أن المساهمة الأساسية لهذا الكتاب المهم كامنة في نبش الماضي وإيضاح صيرورة الحاضر، بواسطة فتح النار على الاعتقاد الملفق بالأصل الواحد للشعب اليهودي العرقي. وهو يُعدّ الإيضاح المحدّث، من حيث تناوله الطروحات المتداولة في هذا الشأن حتى الفترة الراهنة، بما في ذلك ضمن مجال الدراسات البيولوجية والوراثية. وفضلاً عن ذلك فإن ساند يصوغ رؤيا تتعلق بالمستقبل تبدو مسنودة بفهم الماضي فهمًا واقعيًا. وما يتبين على نحو جليّ من رؤيته هذه هو أنه مناهض للكينونة التي تحكم إسرائيل على نفسها البقاء في خضمها والتي يرى أنها تنذر بأوخم العواقب.

وكان كتاب "اختراع الشعب اليهودي" قد أثار منذ صدوره لأول مرة باللغة العبرية في العام 2008 ولا يزال يثير مناقشات عاصفة في إسرائيل وخارجها، نظرًا لكونه "أحد أكثر الكتب إثارة وتحديًا، مما لم تألفه الأبحاث الإسرائيلية منذ فترة طويلة بشأن موضوعة الشعب اليهودي المشحونة"، وفقًا لأقوال أحد كبار المؤرخين في إسرائيل. كما أنه تُرجم إلى لغات عديدة في العالم. وقال عنه المفكر العالمي المعروف إريك هوبسباوم إنه بمثابة "تمرين ضروري في حالة إسرائيل من أجل تفكيك الخرافة القومية التاريخية والدعوة إلى إسرائيل التي يتشارك فيها على قدم المساواة سكانها كافة". أمّا المؤرخ توني جادت فأشار إلى أن ساند "أعاد بناء تاريخ اليهود وقام بإدماجه في القصة العامة للبشرية، بدلا من أسطورة الأمة الفريدة والمصير الخصوصي- الشعب المطرود، المعزول، التائه، والعائد أخيرا إلى وطنه الحق". وأشار الكاتب اللبناني إلياس خوري إلى أن "مقولات ساند تذهب إلى المحرّم وتفككه، وهو بهذا ينقل النقاش التاريخي الإسرائيلي من إطار المؤرخين الجدد الذين كشفوا وقائع النكبة والطرد المنظم العام 1948، إلى أفق جديد قوامه إعادة نظر جذرية في المسلمات الصهيونية وإخضاعها لمحاكمة تاريخية جذرية". ورأى الأستاذ الجامعي الدكتور خالد الحروب أن الأطروحة الأساسية لهذا الكتاب "هي أنه لا وجود لقومية يهودية نقية أو شعب يهودي واحد يعود في أصوله الإثنية والبيولوجية إلى جذر منفرد كما يزعم الفكر الصهيوني. هناك الدين اليهودي وأتباعه ينتسبون إلى قوميات وإثنيات وجغرافيات متنوعة ومتباعدة، ولا يربطهم سوى الانتساب إلى هذا الدين، كما هي حال المسيحيين أو المسلمين أو غيرهم في التاريخ الماضي والحاضر. والمشروع الصهيوني الذي تطورت بذوره في القرن التاسع عشر متأثراً بالقومية الألمانية وبزوغ وتجذر عصر القوميات في أوروبا قام عبر استنساخه التجربة الأوروبية بخلق واختراع قومية يهودية ليست موجودة من ناحية تاريخية وعلمية". وأكّد الدكتور ماهر الشريف أن الكتاب حمل له "متعة اكتشاف مقاربة جديدة، ومتميّزة، لتاريخ اليهود".

2014-07-16

مناظرة بين أئمة الإسلام الأربعة :


مناظرة بين أئمة الإسلام الأربعة :

في التاريخ الاسلامى كان هناك فقهاء عاشوا بفقههم في القرن الثاني عشر الثامن الميلادي.
وحملوا في حياتهم وبعد مماتهم لقب: إمام من علماء عصرهم وتلاميذهم وعلماء الأجيال التالية...
لأنهم كانوا مجتهدين وأصحاب مناهج في الفقه الاسلامى.
وكانوا علماء يستنبطون الاحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية معتمدين في أسس هذا الاستنباط على فهمهم لنصوص القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والسنة المأثورة,
ففي التاريخ الاسلامى يوجد طريقان رئيسيان في الفقه الاسلامى هما:
طريق أهل السنة أو الجماعة
وطريق الشيعة العلويين
وفى كل من الطريقين كان أئمة وعلى رأس أئمة أهل السنة كان فقهاء أربعة عظام عاشوا كفقهاء أئمة هم :
- الإمام أبو حنيفة النعمان
- الإمام مالك بن أنس
- الإمام الشافعي
- الإمام احمد بن حنبل
وكانوا من جيل تابعي التابعين ... والتابعون هم من تبعوا صحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعايشوهم حياة وعلماً، وتابعوا التابعين هم من لم يروا الصحابة... وعرفوا علم الصحابة من التابعين حين تتلمذوا على أيديهم.
وكل المتفقهين من الصحابة وتابعيهم كانوا يضعون لبنات أولى في صروح الفهم: لعلم القرآن، وعلوم الحديث، وآثار السنة، والسلف الصالح... ويستنبطون الأحكام الشرعية في ضوء فهمهم لنصوص القرآن والسنة... ويفتون فيما يستجد من الوقائع والحوادث بعد الفتوحات الإسلامية باستنباط الأحكام في ضوء نصوص القرآن والسنة بالرأي وبالقياس فيما عرف بفتاوى الصحابة وفتاوى التابعين.
الأئمة الأربعة المفقهون على جيل التابعين جمعوا هذه اللبنات وأضافوا إليها وساروا بها في طرائق أربعة:

طريق الرأي وإمامه "أبو حنيفة النعمان".
طريق أهل السنة وإمامه "مالك بن انس".
طريق يجمع بين هذين الطريقين هو طريق النقل والعقل معا وإمامه "الشافعي".
طريق الأتباع وإمامه "احمد بن حنبل" وهو طريق يقترب كثيرا من طريق الإمام مالك ويبتعد كثيرا عن طريق الإمام أبى حنيفة النعمان.
وبهؤلاء الأئمة الأربعة جمع الفقه المتناثر الأبواب والموضوعات في حقبتي الصحابة والتابعين وأضيف له الكثير ووضعت له الأسس والأصول ودونت فيه الكتب في أبواب وفصول وصار علما متعدد الدروب غنيا بثروته الفقيه والتشريعية في زمن لا يزيد عن مائة عام إلا قليلا وفى مدائن أربعة... بغداد والمدينة ومكة والقاهرة ففي هذه المدائن أو في إحداها نما فقه كل فقيه إمام وتفرع وتطور ثم انتشر في العالم الاسلامى وتفاوت انتشار فقه كل فقيه من عصر إلى عصر ومن مكان إلى مكان في العبادات وفى المعاملات وفى القضاء.
والفقه معناه عند هؤلاء الأئمة هو العلم بالأحكام الشرعية المأخوذة من أدلتها التفصيلية ...وفى إطار هذا التخصيص كانت جهود أئمة الإسلام الأربعة وكانت اجتهادات هؤلاء الأئمة الفقهاء عن: أفعال المكلف وحكمها ودليلها في العبادات والمعاملات.
المرجع: من كتاب أئمة الإسلام الأربعة...لسليمان فياض

سيتبع هذا المقال دراسة مفصلة عن كل إمام من الأئمة الأربعة .
الإمام أبو حنيفة النعمان...إمام أهل الرأي.
الإمام مالك بن أنس (إمام أهل السنة).
الإمام الشافعي وأثره في وضع علم "أصول الفقه".
الإمام أحمد بن حنبل/ إمام الإتباع.

الإمام أحمد بن حنبل/ إمام الإتباع.


الإمام أحمد بن حنبل/ إمام الإتباع.
قليل من الناس من ينال الخلود بعلمه وعقله وهو حي يسعى على قدمين ...
ففي حياة الإمام أحمد ذاع علمه واشتهرت مواقفه ويروى أن أحمد سعيد الرازي وهو أحد شيوخ الإمام احمد قال عنه - وهو شاب ( ما رأيت أسود الرأس أحفظ لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا أعلم بفقهه من أحمد بن حنبل).
وكان الإمام الشافعي أحد شيوخ الإمام أحمد وحين غادر الشافعي بغداد إلى مصر واستقر بها قال الشافعي لتلميذه حرملة المصري "خرجت من بغداد وما خلفت بها أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل".

حياة الإمــــــــام
عام 164هـ ولد أحمد بن حنبل بمدينه بغداد وكانت أمه حاملا به حين عادت من مدينة "مرو" بوسط آسيا إلى مدينة بغداد.
وأحمد بن حنبل عربي شيباني من جهتين معا: أبوه وأمه... وقبيلة شيبان التي ينتسب إليها
أحمد قبيلة ربعيه (نسبة إلى بني ربيعه) عدنانية وقبيلة شيبان كانت أبرز القبائل الربعية.
وكانت منازل شيبان بالبصرة بعد إنشاء عمر بن الخطاب لها سنة 16 هـ وكانت أسره أحمد وأسرة أمه مقيمتين ببيداء البصرة.
وكان عبد الملك بن سوادة بن هند من رجلاً من وجوة شيبان، وجداً لأسرة أحمد ويستضيف قبائل العرب عندما ينزلون البصرة.

وكان لآل شيبان بالبصرة مسجد هو مسجد "مازن" ولقد اعتاد أحمد أن يصلى فيه كلما نزل إلى البصرة ويقول لمن يسأله إنه مسجد أبائى.
والجد الأقرب لأحمد هو "حنبل بن هلال" وكان هذا الجد قد انتقل بأسرته إلى خرسان حين صار واليا في العهد الأموى ولقد انضم هذا الجد إلى صفوف الداعين ضد بني أميه.

وأبو أحمد هو "محمد بن حنبل" وكان جنديا بالجيش العباسي ويقال إنه كان قائدا يرتدى زى الغزاة فيما وراء الحدود الإسلامية ولقد مات هذا الأب شابا وعمره ثلاثون سنة.
وعم أحمد كان من عيون الولاة في بغداد يرسل إليهم بالأخبار ليعلم بها الخليفة العباسي وكان أحمد يتورع وهو في صغره عن مشاركة عمه في عمله وكان عمه قد صار عليه وصيا إثر وفاه أبيه.
نشأ أحمد يتيما مثلما نشأ شيخه الشافعي يتيما... فلم ير أحمد أباه ولا جده وكان على أمه وأسرة أبيه القيام على تربيته. ولحسن حظ أحمد فقد كان له من ميراث أبيه ببغداد... منزل يسكنه مع أمه ومنزل آخر به حوانيت (دكاكين) يدر عليه عائدا يتيح له كفافا من العيش فاستغنى بهذا العائد عما في أيدى الناس ووجد المأوى.

ودفع أحمد يتمه وشرف نسبه وحرمانه من ترف العيش وقناعته ونزوعه للتقوى إلى أن يكون سامي النفس وأن يكرس مواهبه من ذكاء العقل إلى طلب العلم.

وحفظ أحمد القرآن الكريم ثم أخذ يتردد على الديوان ليتمرن على الكتابة والتحرير.

وكان أحمد وهو صبى صغير محل ثقة الرجال والنساء الذين ذهب أبناؤهم أو أخواتهم أو أباؤهم إلى ساحات القتال فقد كانوا يستكتبونه وهو لا يزال صغيرا ببغداد رسائل ذويهم المقاتلين فيكتبها لهم ويجيبون إليه بالردود فيقرأاها عليهم.
ومنذ الصبا كانت في أحمد رجولة وصبر وجد وقدرة على احتمال ما يكره بروح من التقوى... ولقد دفعت هذه الروح (الهيثم بن جميل) إلى أن يقول عن أحمد "إن عاش هذا الفتى فسيكون حجه على أهل زمانه".

وفى بغداد اتجه أحمد إلى طلب العلم وكانت بغداد آنذاك منارة لعلوم الدين واللغة والرياضة والفلسفة والتصوف... واختار أحمد علم الحديث، وبه بدا ثم أردفه بطلب الفقه. وبدأت مسيره أحمد في طلب الحديث ببغداد بين عام 179 هـ، 186 هـ ثم توالت أسفاره في طلب الحديث خارج بغداد.
وكتب أحمد نحوا من ثلاثة آلاف حديث عن الحج وبعض التفسير وكتاب القضاء وكتبا أخرى صغيرة من كتب (أبواب) الحديث.
ولقد توالت رحلات أحمد في طلب الحديث خلال عمره وبينها خمس رحلات إلى البصرة وخمس رحلات إلى الحجاز... وفى أولى رحلاته إلى مكة التقى بالشافعي وعمره 24 سنة حين كان يؤدى فريضة الحج لأول مرة ماشيا على قدميه من بغداد إلى مكة.
وفى هذه الرحلات كان أحمد معنيا بتدوين كل ما يسمعه من أحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) وأثار أصحابه ولا يعتمد على ذاكرته وحدها.
وحين كان أحمد يحدث الناس بالحديث لم يكن يحدثهم من ذاكرته وحدها خشيه أن يضل وينسى وإنما كان يحدثهم بما كتبه ونقله حرصا على التقوى والدقة مع أنه كان كثير الحفظ قوى الذاكرة.
ومع تعلم أحمد للحديث سماعا وحفظا وتدوينا كان يتعلم الاستنباط والتحري وفهم النصوص وغاياتها ويطلب لقاء الفقهاء وكطلبه للقاء المحدثين... وكان الإمام الشافعي هو أشهر من التقى به أحمد وتعلم على يديه التخريج الفقهي وأصول الاستنباط للأحكام ومناهجه.
ولقد جمع ابن حنبل في رحلة حياته فتاوى أصحابه مع جمعه للأحاديث ومعانيها الفقهيه.... فالتقى بذلك الحديث والفقه معا في شخص أحمد بن حنبل ومسنده ومذهبه كإمام.
في سن الأربعين جلس أحمد بن حنبل للتحديث والفتوى بمساجد بغداد ومساجد المدائن الإسلامية التي يرتحل إليها في الوقت نفسه طلبا لمزيد من العلم... فكان في وقت واحد عالما وطالب علم.

وبدأ أحمد مجلسه العلمي كإمام في بغداد سنة 204 هـ وهى السنة التي توفى فيها الإمام الشافعي بالقاهرة فلم يستسغ احمد أن يجلس للتحديث والفتوى وبعض من شيوخه الكبار حي يحدث ويفتى.
ولم يحدْ احمد في مجالسه وحياته على السواء عن إتباع السنة فهو يفعل كل ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يفعله ولا يفعل ما لم يكن يفعله.

ولم يكتم أحمد طوال حياته عن احد علما ولا حديثا لأن الله تعالى نهى عن كتمان العلم.... ولأن الدين يوجب إفشاء أحاديث الرسول ونشرها.

للدرس والإفتــــــاء

فقد كان الازدحام على درسه شديدا ولقد بلغ عدد المستمعين إلى درسه في المجلس الواحد خمسة آلاف.

ومجلس أحمد كان مجلسا يسوده الوقار والتواضع واطمئنان النفس… وطوال أربعين عاما لم يقل أحمد فيها أحاديث من ذاكرته إلا مائه حديث وإذا سئل في موضوع فقهي يضطر إلى استنباط حكم فيها لم يسمح لتلاميذه أن يدونوا استنباطه أو ينقلوه عنه وكان أبغض الأشياء لديه أن يرى فتوى له مكتوبة.
وقد عاش أحمد بن حنبل حياة فقيرة يؤثر خصاصة العيش على أن يكون ذا مال لا يعرف انه حلال… أو فيه منه العطاء، ويعمل بيديه ليكسب عيشه وينسخ كتابا أو يؤجر نفسه في عمل يعمله حين ينقطع به الطريق في سفر ولا مال معه مؤثرا العمل على أن يقبل عطاء من احد يعجز عن رده في زمن قريب.
كان أحمد إذن يؤثر تعب الجسم على تعب النفس ويؤثر أن تكون يده العليا ولا يأخذ عطاء ويفي بسداد ما اقترضه ويعانى مكاسب العيش لكي يكون حرا وهو إمام يشار إليه بالبنان.
كان الخليفة المأمون صاحبا للمعتزلة ومن بينهم اختار وزراءه وأصحابه وكان يقول مثلما يقولون… ومن بين ما يقولونه في مسائل العقائد في علم الكلام أن القرآن الكريم مخلوق ومحدث ولقد أراد المأمون من أحمد بن حنبل أن يؤيد هذا الكلام بأن القرآن مخلوق ومحدث فأبى أحمد ذلك القول وأصر على قوله بان القرآن كلام الله فكانت محنته محنة مدوية استمرت في عهد المأمون وفى عهدي المعتصم والواثق من بعده ومحنة لقي فيها العذاب وسجن وعذب في كل يوم طوال ثماني وعشرين شهرا كان أحمد يضرب بالسياط إلى أن يغمى عليه وحين يئس معذبوه رحموه وأطلقوا سراحه وأعادوه إلى بيته لا يقوى على السير وقد انتصر بتقاه وهزم أصحاب السياط.
ومنع أحمد بن حنبل من خروجه من بيته والصلاة في المسجد طوال خمس سنوات من سنة 225 هـ إلى سنة 232 هـ والى أن مات الخليفة الواثق.
وجاء المتوكل بعد الواثق فأوقف الاضطهاد وحارب الاعتزال وعندئذ عاد أحمد عزيزا مكرما إلى التدريس والتحديث في المسجد وفى غير المسجد.
تتلمذ أحمد بن حنبل على يد الشيخ "هشيم" وهو بخارى الأصل وقد لازمه أحمد نحوا من خمس سنوات إلى سن العشرين من عمره وفى هذه السنوات تكونت النواة الأولى في علم أحمد بالحديث.
أما الشيخ الثاني بعد وفاه "هشيم" هو الإمام "الشافعي" وقد التقى به أحمد في مكة وأعجب أحمد بعقل الشافعي الفقهي وأخذ عنه "الفقه".
لم يكتب أحمد بن حنبل إلا الحديث.. ولم يكتب أحمد كتابا في الفقه يمكن أن يعد أصلا ومرجعا… ولكن له أبوابا متناثرة مكتوبة في الفقه فيها فهم للنصوص القرآنية والأحاديث وليس فيها رأى مبتدع ولا قياس… من هذه الأبواب رسالة في الصلاة ورسالتين في المناسك ورسالة كتبها إلى (إمام مسجد) صلى أحمد وراءه فأساء في صلاته… وكلها كتب حديث فى موضوعات فقهيه وفى مجال العبادات لا المعاملات.
ولأحمد رسائل أخرى يرد بها على الزنادقة والجهمية ويبين فيها مذهبه في فهم القرآن.

وكان مذهب أحمد من بعده قويا ووجد أرضا نما فيها بأمور ثلاثة: بأصوله وفتاويه وبالتخريج فيه وبرجاله من الحنابلة الذين أبقوا على باب الاجتهاد في المذهب الحنبلي مفتوحا.
وقد ترك أحمد للفقهاء جميعا حنابلة وغير حنابلة حصادا من نصوص الحديث والآثار وحصادا من فهمه لهذه النصوص يرتكز عليها ويلجأ إليها سائر الفقهاء عندما يفتون بالمصالح المرسلة وعندما يفتون بالقياس والرأى حين لا يجدون نصا من كتاب أو سنه.
وأتباع مذهب أحمد من العامة قليلون إلى يومنا لأنه كان آخر المذاهب الأربعة وجودا ولأن هؤلاء الأتباع صاروا متعصبين بسبب المحنة الكبيرة التي نزلت بأحمد ولأنهم كانوا متشددين في التمسك بما جاء عن أحمد في الفروع الفقهية. ولأنهم بسبب هذا التعصب فرضوا أنفسهم محتسبين متزمتين على الخاصة والعامة والأسواق ولأن السلطان والناس حاربوه لتعصب معتنقيه من العامة.
وقد انتشر المذهب الحنبلي أول انتشاره في العراق ثم ضعف بالعراق بسبب فتن التعصب التي أثارها أتباعه ولم يظهر المذهب الحنبلي في مصر إلا في القرن السابع الهجري وبين قله قليلة… إلى أن انتشر في العصر الحاضر بين بلاد الحجاز وفى نجد التي اتبع فيها النجديون المذهب الوهابي وهو صدى لمذهب بن تيميه وهو بدوره صدى وامتداد للمذهب الحنبلي.

حُســـــن الخاتـــمة

ومرض الإمام وتسامع الناس من أطراف بغداد وضواحيها وما حولها بمرض الإمام فاقبلوا عليه يعودونه.
وأمر أولاده أن يوضئوه فجعلوا يوضئونه وأشار إليهم أن يخللوا أصابعه وهو آخذ في ذكر الله تعالى حتى إذا أكملوا وضوءه فاضت روحه.
كانت وفاته يوم الجمعة في الثاني عشر من ربيع الأول سنه إحدى وأربعين ومائتين... وله من العمر سبع وسبعون سنة.
وحضر غسله حوالي مائه من بيت الخلافة من بني هاشم وأخذوا يقبلون ما بين عينيه ويدعون له ويترحمون عليه.

وخرج بنعشه من الخلائق ما لا يحصى عددهم حتى قدرهم بعضهم بثمانمائة ألف من الرجال وستين ألفا من النساء وقيل أكثر من ذلك.
وفى ذلك دليل على تقدير الناس له وحبهم إياه وحزنهم عليه.
المرجع : من كتاب أئمة الإسلام الأربعة...لسليمان فياض

الإمام الشافعي في وضع علم "أصول الفقه"


الإمام الشافعي في وضع علم "أصول الفقه"

الإمام الشافعي له أثر فيما يتعلق بتكوين العلم الاسلامى...ولما كان وصف الأثر العلمي للإمام يستدعى تصوير شخصيته التي صدر عنها هذا الأثر نتحدث عن قسمين:
ما يتعلق بالشافعى في خاصة نفسه من نشأته وسيرته.
ما يتعلق بأثر الشافعي في وضع علم (أصول الفقه).

أولا: نشأة الشافعي وسيرته:
إن الفقيه الشافعي رضي الله عنه هو: "محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مره بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانه".

يجتمع مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في عبد مناف بن قصي ...
والنبى(صلى الله عليه وسلم) "محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف".
فالنبي (صلى الله عليه وسلم) هاشمي والشافعي مطلبي وهاشم والمطلب إخوان ابنا عبد مناف.

منشأه رضي الله عنه:
خرج والد الشافعي رضي الله عنه من المدينة مهاجراً يفر من الظلم أو الفقر أو كليهما وأقام في غزة زمنا مع زوجة... وولد الشافعي سنة 150 هـ وبعد ولادته رضي الله عنه بقليل توفى والده... وفى نفس عام مولده توفى أبو حنيفة كما ذكر بن حجر وغيره.

وبمناسبة ذلك التوقيت هناك مزحة بين أصحاب الشافعية وأصحاب الحنفية. فأصحاب الحنفية يقولون "كان إمامكم مخفيا حتى ذهب إمامنا". وأصحاب الشافعية يردون بقولهم "لما ظهر إمامنا هرب إمامكم". وهكذا يمزح المتفقهون.

وأرجح الروايات تقول إن أم الشافعي هي "فاطمة بنت عبد الله المحض بن الحسن المثني بن الحسن بن على" وهذه السيدة التي يختلفون في نسبها ويختلفون في اسمها هي التي كفلت طفلها يتيما غريبا فقيرا ولم تزل ترعاه بعنايتها وتتولاه بهديها حتى أصبح بين المسلمين إماما.

وعندما بلغ الشافعي سنتين حملته أمه إلى مكة لينشأ بين قومه في قريش وذكر إن الشافعي رضي الله عنه كان في أول الزمان فقيرا، كان منزله بمكة في شعب الخيف.

وتعلم القرآن كله لسبع سنين – وقيل لما ختم القرآن دخل المسجد ليجالس العلماء.

وكان الشافعي يجيد حفظ القرآن وتدبره ويكثر من تلاوته وكان يختم القرآن في كل شهر ثلاثون ختمة وفى شهر رمضان ستين ختمة – ختمة بالليل وختمة بالنهار.

ويروى أنه كان يقرئ للناس في المسجد الحرام وهو ابن ثلاث عشر سنة وكان حسن الصوت في القراءة.

صفاته
نعت أحدهم الشافعي لبعض ملوك الشام بأنه كان رضي الله عنه طويلا سائل الخدين – قليل لحم الوجه – طويل العنق – طويل القصب – اسمر – خفيف العارضين – يخضب لحيته بالحناء الحمراء القانية – حسن الصوت – عظيم العقل – حسن الوجه – حسن الخلق – مهيبا – فصيحا – من أذرب الناس لساناً إذا اخرج لسانه بلغ أنفه.

وبسبب حسن وجه وحسن خُلقه أحبه أهل مصر من الفقراء والنبلاء والأعيان ووصفوه أهل مصر بقولهم " قدم رجل من قريش وشاهدناه وهو يصلى فما رأينا أحسن صلاة منه ولا أحسن وجها وعندما يتكلم ما رأينا أحسن كلاما منه فافتتنا به ".

وكان إذا تكلم كأن صوته جرس من حسنه. وقال بعضهم إذا كنا نريد البكاء "يقولون بنا نذهب إلى هذا الفتى المطلبى" الذي يقرا القرآن فإذا أتيناه استفتح القرآن حتى يتساقط الناس بين يديه ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته...فإذا رأى ذلك أمسك...وكان الشافعي واسع العلم بالتفسير حتى قيل عنه انه إذا اخذ في التفسير كأنه شاهد التنزيل.

ويظهر أن الشافعي كان يعرف جياد الخيل ولعله كان من فرسانها وكان الشافعي متأثرا في خلقه بالرياضة البدنية التي شغف بها منذ الصغر فكان جسمه جسم رياضيين وكان خلقه خلق الرياضيين.

وكان لديه منذ طفولته نهم في شيئين: في الرمي وطلب العلم. تزوج الشافعي "حميدة" بنت نافع بن عنبسه بن عمرو بن عثمان بن عفان. فولدت له "أبا عثمان محمدا" وكان قاضيا لمدينه حلب "فاطمة وزينب".

ثانيا: ما يتعلق بأثر الشافعي في وضع علم "أصول الفقه"
قال الشافعي " وخرجت من مكة بعد أن بلغت. فلزمت نزيلا بالبادية أتعلم كلامها وآخذ اللغة .
يقول الرازي اعلم أن المتقدمين من أئمة اللغة والمتأخرين منهم اعترفوا للشافعي بالتقدم في علم اللغة واقروا له بكمال الفصاحة.
تفقه الشافعي أول أمره على مسلم بن خالد الزنجي مفتى مكة وبعدها قال مسلم للشافعي "أفت يا أبا عبد الله فقد آن لك أن تفتى وكان الشافعي حينئذ دون عشرين سنة".

ثم رحل الشافعي إلى المدينة ليطلب العلم على "مالك بن أنس" فقرأ الموطأ على مالك بعد أن حفظه عن ظهر قلب في مدة يسيرة وأقام بالمدينة إلى أن توفى مالك... تلقى الشافعي في المدينة عن غير مالك كإبراهيم بن أبى يحي...وخرج الشافعي إلى اليمن بعد موت مالك.

قال الشافعي: لما مات مالك كنت فقيرا فاتفق أن والى اليمن قَدم المدينة فكلمه بعضهم أن اصحبه لليمن وذهبت معه واستعملني في أعمال كثيرة وكاد الشافعي يُشغل بهذا العمل عن العلم وانتبه لهذا.

ثم بعد اليمن قدم الشافعي إلى بغداد فأقام سنتين واشتغل بالتدريس والتأليف ومن أشهر كتبه كتاب (الحجة) واشتهر الشافعي في العراق- رحمه الله- وسار ذكره في الأفاق واعترف بفضله الموافقون والمخالفون واستفاد منه الصغار والكبار من الأئمة والأحبار من أهل الحديث والفقه... ورجع كثير منهم عن مذاهب كانوا عليها إلى مذهبه.

ومن أاخذ عنهم الشافعي في العراق (وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاس ابو سفيان الكوفي الحافظ)، (وحماد بن أسامة الهاشمي الكوفي) وغيرهم.

الشافعي بين أهل الرأي وأهل الحديث

ولكنى نفهم هذا لابد أن نذكر الفقه من عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى عهد الشافعي.
كان التشريع في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) يقوم على الوحي من الكتاب والسنة وعلى الرأى من النبي ومن اهل النظر والاجتهاد من أصحابه بدون تنازع ولا شقاق بينهم.

ومضى عهد النبي عليه الصلاة والسلام وجاء بعده عهد الخلفاء الراشدين ولم يكن يفتى منهم إلا حمله القرآن الذين كتبوه وقرأوه وفهموا وجوه دلالته وناسخه ومنسوخه وكانوا يسمون "بالقراء".

ثم كان عصر بني أميه وتكاثر الممارسون للقراءة والكتابة من العرب ودخلت في دين الله أمم ليست أميه... هنالك استعمل لفظ العلم للدلالة على حفظ القرآن ورواية السنن والآثار وسمى أهل هذا الشأن "بالعلماء".

واستعمل لفظ "الفقه" للدلالة على استنباط الأحكام " الشرعية وسمى أهل هذا الشأن "بالفقهاء".

ولما انقرض عهد الصحابة انتقل أمر " الفُتيا والعلم بالأحكام" إلى الموالى إلا قليلا.

وصارت كتابة العلم أمرا لازما... وجاء عهد العباسيين وشجع الخلفاء الحركة العلمية وأمدوها بسلطانهم فكان طبيعيا إن تنتعش العلوم الدينية في ظلهم.

وفى صدر العهد العباسى انقسم الفقه إلى طريقتين:
طريقة أهل الرأى والقياس وهم أهل العراق.
طريقة أهل الحديث وهم أهل الحجاز.

فلما أقام الشافعي في العراق زمنا غير قصير ودرس في كتب أهل الرأى وفى الوقت نفسه أن الشافعي كان متأثرا بمذهب أهل الحديث.
وبوضع الشافعي مذهبه القديم في بغداد كان في جل أمره ردا على مذهب أهل الرأي وكان قريبا إلى مذهب أهل الحديث.
وكان غرض الشافعي في وضع أصول الفقه إن يقرب الشقة بين أهل الرأي وأهل الحديث ويمهد للوحدة التي دعا إليها الإسلام.
ثم خرج الشافعي إلى مكة وعاد إلى بغداد مرة أخرى وقام بها أشهرا ثم خرج إلى مصر في عام 198 هـ.
ويقال إن الشافعي رضي الله عنه قدم إلى مصر سنة 199 ـ في أول خلافه المأمون وكان سبب قدومه لمصر إن العباس بن عبد الله استصحبه فصحبه وكان العباس هذا خليفة لأبيه على مصر.

وليس معنى ذلك أن الشافعي إنما خرج إلى مصر لمجرد الرغبة في مصاحبه الوالي فقد كان يتشوق إلى مصر من قبل.

وإذا كان الشافعي قد خرج إلى مصر يلتمس نشر مذهبه فهو إنما أراد إن يلتمس لأرائه ميدانا جديدا بعد إن أدرك النصر في الحجاز والعراق.
وصنف كتبه الجديدة كلها بمصر وسار ذكره في البلدان وقصده الناس من الشام والعراق واليمن وسائر النواحي للأخذ عنه وسماع كتبه الجديدة.

ثم خرج من مصر للعراق وأقام بها شهرا ثم عاد لمصر وأقام بها إلى أن مات سنة 204 هـ .
وكان في آخر عمره عليلا شديد العلة في البواسير وبسببه أصيب بنزيف مستمر ومن أسباب موت الشافعي ما بذله من جهد عنيف في السنين الأربع التي أقامها بمصر ما بين التأليف والتدريس والمناظرة وسعيه في بث مذهبه و مدافعه كيد خصومه.
قال الربيع تلميذه: أقام الشافعي ههنا أربع سنين فأملى ألفا وخمسمائة ورقه، وخرج كتاب "الأم" ألفى ورقه وكتاب السنن وأشياء كثيرة كلها في مده أربع سنين وكان عليلا شديد العلة.

وكان يلازم الاشتغال بالتدريس والإفاده في جامع عمرو. وكان يجلس في حلقته إذا صلى الصبح فيجيئه أهل القرآن فيسألونه. فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه عن معانيه وتفسيره... فإذا ارتفعت الشمس قاموا واستوت الحلقة للمناظرة والمذاكرة فإذا ارتفع النهار تفرقوا وجاء أهل العربية والعروض والشعر والنحو حتى يقرب انتصاف النهار ثم ينصرف إلى منزله.
وقد يكون هذا الجلوس المتوالي فى الجامع من أسباب ما أصيب به الإمام من مرض.

الإمام الشافعى فى مصر
هبط الإمام الشافعي مصر ومعه تلميذه أبو بكر الحميدى وسأله بعض الأكابر أن ينزل عنده فقال: أريد أن أنزل عن أخوالي من الأزد (قبيلة أمه) فذلك درس في الوفاء تعلمه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما هاجر إلى المدينة فنزل عند أخواله بني النجار.

وبعد وفود الإمام إلى مصر تم التعارف بينه وبين السيدة نفيسة رضي الله عنها وتوثقت بينهما الصلات وقد ربط بينهما نزوع إلى خدمة العقيدة الإسلامية وحرصهما على رفع منارها كل بطريقته وأسلوبه.

وكانت دار السيدة كريمة الدارين بمثابة الجزيرة المطمئنة القائمة وسط بحر صاخب متلاطم الأمواج.

وقد اعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط وفى طريق عودته إلى داره وفى غير ذلك من الأوقات.

وكان من عادته إذا ذهب لزيارتها صحبه بعض أصحابه ومع جلال قدر الإمام الشافعي وعلو درجته فانه إذا ذهب إليها سألها الدعاء متلمسا بركاتها.

وقد سمع منها أحاديث جدها المصطفى عليه السلام... وإذا أصابه مرض جعله يتخلف عن زيارتها أرسل رسولا من تلاميذه فيقرئها سلامة ويقول لها: "أن ابن عمك الشافعي مريض ويسألك الدعاء".

فترفع بطرفها إلى السماء وتدعو له فلا يرجع رسوله إلا وقد عوفى الإمام من مرضه.

ولما مرض مرضه الأخير أرسل لها على عادته يلتمس منها الدعاء فقالت للقاصد " متعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم" وسأله الإمام الشافعي ماذا قالت له السيدة نفيسة رضي الله عنها فقال له ما قالت فعلم انه ميت وأوصى أن تصلى عليه فلما توفى سنة أربعة ومائتين مروا به على بيتها فصلت عليه مأمومة.

وكان الذي صلى بها إماما أبو يعقوب الويطى احد أصحابه رضي الله عنه.

وكان مرور جنازة الإمام الشافعي على بيتها بأمر "السري أمير مصر" لأنها سألته في ذلك إنفاذا لوصية الإمام الشافعي رضي الله عنه لأنها لم تتمكن من الخروج إلى جنازته لضعفها من كثرة العبادة.

وقد قال بعض الصالحين ممن حضر جنازته أن الله قد غفر لكل من صلى على الشافعي بالشافعي ... وغفر للشافعي بصلاة السيدة نفيسة عليه رضي الله عنهما.

ومات الشافعي فقيرا ولم يبلغ من العمر أكثر من 54 سنة ودفن بالقرافة الصغرى بمصر رحم الله الشافعي ورضي عنه.

وجاء ذكر الشافعي بعد وفاته في مجلس فقالت السيدة نفسية تمتدحه وتترحم عليه (رحم الله الشافعي فقد كان رجلا يحسن الوضوء) وقالت عنه أيضا "كان الإمام الشافعي صبورا بكل ما في الصبر من معنى يتلقى الشدائد بقلب ثابت ويسعى هادئا ليزيل ما ألم به معتمدا على الله حق الاعتماد ومتوكلا عليه حق التوكل ... شاكرا ما ابتلاه ضارعا أن يكشف عنه الضر مستبشراً باجر من عند الله بقدر ما يتحمل من آلام ويظل هكذا دون أدنى ضجر أو ملل حتى يزيل الله ما نزل به وحينئذ يصلى لله شاكرا فهو عند الابتلاء كان شكورا... وعند دفع الضر كان من الشاكرين".

ترجمة المرحوم الشيخ / مصطفى عبد الرازق.

الإمام مالك بن أنس ( إمام أهل السنة )


الإمام مالك بن أنس ( إمام أهل السنة )
مقدمة
لا احد يعطى صوره صادقه وحية عن أحد مثل معاصريه ومريديه من العلماء والتلاميذ من رفاق العلم وأهل العلم وطلاب العلم... وشهادات هؤلاء تضع مالكا في مرتبه الإمام، فهو في الذروة من العلم بالسنة، وهو في الذروة من العلم بالفقه، فقد بلغ فيه درجة جعلته فقيه الحجاز الأوحد وهو بين المحدثين إمام.
ويُعد مِن أول من دون علم الحديث في كتابه (الموطأ)... أول صحيح مجموع مدون للحديث، وهو بين الفقهاء ثاقب النظر يجمع في فقهه بين الإلتزام بنصوص القرآن والسنة، وفتاوى الصحابة ومراعاة مصالح الناس في كل فتاواه... بل إنه الفقيه المحدث كان اشد الفقهاء مراعاة للمصالح الدنيوية للناس في فقهه.

شهادة العلماء له:
قال سفيان بن عُيينة: رحم الله مالكا ما كان أشد إنتقاءه للرجال وما نحن عند مالك... إنما كنا نتتبع آثار مالك، فهو لا يبلغ من الحديث إلا حديثا صحيحا، ولا يحدث إلا عن ثقات الناس... وما أرى المدينة إلا ستخرب بعد مالك بن أنس.
وقال الليث بن سعد إمام أهل مصر: علم مالك علم تُقي... أمان لمن أخذ عنه من الأنام.
وقال الإمام الشافعي: إذ جاءك الأثر عن مالك فَشُدّ به، وإذا جاء الخبر فمالك النجم، وإذا ذكر العلماء فمالك النجم، ولم يبلغ احد في العلم مبلغ مالك لحفظه وإتقانه وصيانته... ومن أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك.
وقال الإمام احمد بن حنبل: مالك سيد من سادات أهل العلم وهو إمام في الحديث والفقه ومن مثل مالك متبع لآثار من مضى مع عقل وأدب.

نشأة مالك بن انس
ولد الإمام مالك بن أنس أبو عامر الاصبحى اليمنى سنة 93هـ وأمه هي "العالية بنت شريك الأزدية" فهو عربي الأب والأم.
ذهب جده الأعلى (أبو عامر) إلى المدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقر بها... وتزوج من بني تميم، فربط بينه وبين بني تميم حلف وثقته علاقة الصهر.
وفى المدينة نشأ مالك بن أنس في بيت اشتغل بعلم الأثر وفى بيئة كلها للأثر والحديث، وكان آل بيته مشتغلين بعلم الحديث وأستطلاع آثار السلف وأخبار الصحابة وفتاويهم.
فجِد مالك كان من كبار التابعين وعلمائهم... وأسرة الإمام مالك من الأسر المشهورة بالعلم... وكان لمالك أخ اسمه النُضر يكبره عمراً، يلازم العلماء ويتلقى العلم عليهم، وقد أفاد مالك منه كثيرا في نشأته ولشهرة أخيه دونه آنذاك... كان الناس يعرفون مالكا بأخى النضر فلما ذاع صيت مالك العلمي بين شيوخه وأهل المدينة صار الناس يعرفون النُضرر بأنه اخو مالك.
وفى المدينة حفظ مالك القرآن الكريم وتوجه من بعده إلى حفظ الحديث تحرضه عليه أسرته ويشجعه على الحفظ مناخ المدينة العلمي ... ويروى انه طلب من أهله ان يأذنوا له بالذهاب إلى مجالس العلماء ليكتب عنهم العلم ويدرسه على أيديهم وفى طريق عودته لمنزله ينتهي من حفظ ما تلقاه من علم.
ويروى أن الفقيه "إبن هرمز" قال يوما لخادمته وقد سمعا طرقا على الباب انظري من بالباب – وفتحت الخادمة فلم ترى إلا مالكا فرجعت وأخبرته قائلة "ما وجدت بالباب غير ذلك الأشقر". فقال لها "ادعيه للدخول فذلك عالم الناس"... وقد تأثر الإمام مالك بشخصية الإمام ابن هرمز تأثرا شديدا.
وقد جاء فى بعض الروايات أن السبب الأول فى إكثار الإمام مالك من قول لا أدرى التى كان يجيب بها عما لايعلم هو أنه كان يقتدى بابن هرمز.
ولم يدخر مالك في طلبه للعلم مالا، فلقد نقض سقف بيته وباع خشبه ليتمكن من مواصلة العلم وعاش زمنا في بيت بلا سقف وتعلم بهذا الإصرار.

وقد تلقى أحاديث الرسول صلى الله عله وسلم متتبعا من أجله رواة الحديث في المدينة ومنتقيا الثقات في رواية الحديث.
في المسجد النبوي إتخذ مالك له مجلسا للدرس والإفتاء وهو يدور حول الأربعين من عمره فجلس فى مجلس التابعين وقد صار له حظ كبير من العلم وكان في مجلسه إجلال واحترام وتوقير يحرص هو عليها ويحرص على أن ينالها من الناس ويحرص على أن يسأل شيوخه عن حسن مجلسه في نظر الناس.
وكان لمالك في المدينة مجلسان:
مجلس في المسجد النبوي الشريف: في المكان الذي كان يجلس فيه عمر بن الخطاب للشورى والحكم والقضاء، وهو المكان نفسه الذي كان يجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومجلس في مسكنه: وكان يسكن في دار عبد الله بن مسعود، وفى المجلسين كان مالك يقتفى أثر عمر، وأثر عبد الله بن مسعود ويتأثر بهما يؤثر في فتاواه أن يكون متبعا لا مبتدعا.
ولم يلازم مالك المسجد النبوي في درسه طول حياته... فقد لزم بدرسه مجلسه في بيته عندما مرض بسلس البول وانقطع عن الخروج إلى الناس وعن عقد مجلس علمه في المسجد النبوي لكنه لم ينقطع عن الخروج للصلاة في المسجد.... ولم ينقطع عن الحديث والعلم والدرس والفتوى في بيته.... يشهد الصلوات، والجمعة،والجنائز، ويعود المرضى، ويقضى الحقوق، ويسارع بالعودة إلى بيته.

ولقد عاش مالك طويلا فقارب بعمره التسعين سنة... واجبره مرضه في السنوات الأخيرة من حياته على ملازمة بيته فلا يغادره لاى سبب... فلم يبيح طوال حياته لأحد إنه مريض بمرض سلس البول إلا في لحظة وداعه للدنيا لمن حوله في لحظة الوداع هذه قال "لولا أنى في أخر يوم ما أخبرتكم – مرضى سلس بول وكرهت أن آتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير وضوء – وكرهت أن أذكر علتي فأشكو ربى".

شخصية الإمام مالك
كان مالك منذ صباه حافظة تعي، وصبورا ومثابرا ومخلصا في طلب العلم وصاحب فراسة نفاذه وهيبة ووقار واكتسب الصفتين الأخيرتين في كهولته.
آية حفظه انه كان يسمع في المجلس الواحد نيفا (بضع) وأربعين حديثا مرة واحدة فيحفظها وهو يكتبها عن شيخه... ولقد بلغت أصول أحاديثه المكتوبة أثنى عشر ألف حديث من حديث أهل المدينة كان يحفظها حديثا حديثا برواياتها ولم يحدث مالك طلابه إلا بنحو من ثلثها أو ربعها فهي التي صحت عنده.
كان مالك يقول أنى لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة ما اتفق لي فيها رأى إلى الآن, وربما وردت على مسألة فاسهر فيها عامة ليلتي ... وكان إذا سئل عن مسألة قال للسائل : انصرف حتى انظر فينصرف ويتردد (مالك مفكرا) فيها فحدثناه في ذلك التأجيل فبكى وقال " إنى أخاف الله ... ومن أحب أن يجيب عن مسالة فليعرض نفسه على الجنة والنار وكيف يكون خلاصة في الآخرة".

شكل الإمام مالك
كان مالك من أحسن الناس وجها وأحلاهم عينا وأنقاهم بياضا وأتمهم طولا في جودة بدن كان طويلا جسيما عظيم الهامة أبيض الرأس واللحية شديد البياض في لونه أعين (واسع العينين) حسن الصورة، أشم الأنف عظيم اللحية تبلغ لحيته صدره في سعة وطول وكان يأخذ أطراف شاربه ولا يحلقه ولا يخفيه وكان يترك لشاربه سبلتين طويلتين ويفتل شاربه إذا أهمه أمر.
كان أنس والد مالك صانعا للنبال... لكن مالكا لم يأخذ صنعه أبيه فقد إتجه لطلب العلم وهو حدث صغير، وشارك أخاه النضر بأربعمائة دينار في تجارة البز (الحرير) وكان مالك يبيع معه ويتجر ومن هذه الدنانير الأربعمائة كان يعيش هو وأسرته ويعانى شظف العيش إلى أن أقبلت عليه الدنيا بهدايا فقيه مصر: الليث بن سعد وهدايا الخلفاء من بني العباس.
ففي كل عام كان الليث بن سعد وكان من أغنياء مصر يرسل إلى صديقه الفقيه مالك ابن انس بحمل مائة بعير من خيرات مصر... وبين الحين والحين كان الخلفاء العباسيون يرسلون إليه بالهدايا فتقبلها من المنصور ومن المهدي ومن الهادي والرشيد ولم يكن مالك من المتزهدين في أموال الخلفاء ولم يشك في أخذها كما كان يشك أبو حنيفة لكن مالكا كان يتعفف أن يأخذ ممن دونهم إلا من صديق زاده الله من نعمته.
ويبدو أن مالكا كان يقبل هدايا الخلفاء وعطاياهم على مضض فهو يعرف أنها وسيلة اختبار من الخلفاء للعلماء وعرف أن أموالهم فيها شيء يريب ولذلك كان مالك ينهى غيره عن قبول هذه الهدايا خشية إلا تكون له مثل نيته في دفع حاجته وسد حاجة المحتاجين وأيواء الطلاب الفقراء .
في المسجد النبوي وفى بيته كان درس مالك في أول أمره ثم صار درسه في بيته وحده وفي الحالتين كان مالك يلتزم في درسه الوقار والسكينة والبعد عن لغو القول... ضاربا بذلك المثل لطلاب العلم الجالسين من حوله وكان يقول لطلابه:
من آداب العالم ألا يضحك إلا مبتسماً.

حق على من طلب العلم أن يكون فيه وقار وسكينة وخشية... وان يكون متبعا لآثار من مضى وينبغي لأهل العلم أن يخلوا أنفسهم من المزاح وبخاصة إذا ذكروا العلم.
ولقد اخذ أبو حنيفة نفسه بهذا النهج أكثر من خمسين سنة... ولم يأخذ احد عليه لغوا في قول أو مزحة أو تندر بنادرة فمالك كان يعرف التبسط مع طلاب العلم وأصدقائه حين لا يكون في حال درس فإذا اخذ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تهيبنا كلامه وكأنه ما عرفنا ولا عرفناه .
كان مالك يدخل مغتسلهٍ فيغتسل ويتطيب ويلبس ثيابا جديدة ويضع على رأسه ساجه (لباس رأس كلباس الملوك) ويتعمم ويوضع العود ويخرج إلى القائمين الذين أتوا إليه من المشرق والمغرب كان العلماء وطلاب العلم يفدون إلى مالك لسماع الحديث ويعرفهم حكم المسائل التي يسألون عنها من الكتاب والسنة.
ولقد ازدحمت على بابه الوفود خاصة في مواسم الحج وبسبب هذا الازدحام صار له في تلك المواسم حاجب كالملوك وحراس من تلاميذه ومريديه (يشبهون الشرطة الخاصة اليوم).
وفى الحديث كان مالك يحث أصحابه على أن يحفظوا ويكتبوا ما حفظوه فقد ينسى العقل وتضعف الذاكرة لكنه في الفتاوى لم يكن يحرض أصحابه على كتابة فتاوى ولم يكن يمنعهم منها بل قد يستنكر أحيانا أن يكتبوا عنه كل شيء قائلا لمن يكتب:( لا تكتبها فإنى لا أدرى أأثبت عليها غدا أم لا).
وهو نفسه ما كان يقوله أبو حنيفة لتلاميذه حين تكون الفتوى ظنا أو استحسانا لرأى ولم تكن قاطعة بنص من كتاب أو سنة أو إجماع للصحابة... وكان مالك يستنكر سب الصحابة ويعتبر ذلك جرما كبيرا ويرى إنه إن ساد في بلدهً سب أصحاب من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وجب الخروج منها – ولا ينبغي الإقامة في أرض يكون العمل فيها بغير الحق والسب للسلف"، ومع نهى مالك عن سب الصحابة كان يمتنع عن المفاضلة بينهم خشية أن تؤدى المفاضلة إلى المنازعة وانتقاص أقدار بعضهم.

شيوخ وتلاميذ مالك

ولمالك كان شيوخ و كان له تلاميذ، وتلاميذ تلاميذه.

وتلاميذ مالك وتلاميذهم كانوا هم نقلهً فقهه والواضعون لأصوله فلم يضع مالك لفقهه أصولا مثلما فعل الشافعي من بعده ومن هؤلاء التلاميذ: ابن وهب وعبد الرحمن بن القاسم وأسد بن الفرات وغيرهم.
تلاميذ تلاميذ مالك: سحنون وعبد الملك بن حبيب العتيبى ولهولاء التلاميذ كتب في الفقه المالكي أمهات هي المدونة والواضحة والعتبية والموازية والمدونة دونها أسد، وشرحها سحنون، وراجعها ابن القاسم، وقد تلقاها العلماء المالكيون بالقبول.
وشيوخ مالك المباشرون كانوا سبعة تلقوا علمهم عن ثمانية شيوخ وهؤلاء تلقوا علمهم عن أعلام الصحابة في العلم.

وشيوخ مالك المباشرون هم: ابن هرمز، وأبو الزناد ،وربيعة الرأى، والأنصارى، ونافع، وبحر العلم بن شهاب الذي نهى علمه عن سعيد ابن المسيب وأبو سلمة وغيرهم.
وشيوخ مالك كانوا فريقين: فريق اخذ عنه الفقه والرأى وفريق اخذ عنه الحديث.

واخطر ما استند إليه مالك من أصول بعد القرآن والسنة هو في المصالح المرسلة فالفقه الاسلامى في جملته أساسة مصالح الأمة فما هو مصلحة فيه مطلوب للناس جاءت الأدلة بطلبه... وما هو ضرر منهي عنه تضافرت الأدلة على منعه. فالمصالح المرسلة تعنى سد الذرائع، فوسيلة المحرم محرم، ووسيلة الواجب واجبة، ومآلات الأفعال إليه إن إتجهت نحو المصالح مطلوبة، وإذا عارضتها محرمة، فالدنيا تقوم على مصالح العباد وعلى القسطاس والعدل والقصد الحسن والوسيلة الحسنة.

ومالك يرجع بالنظر إلى الواقع لا إلى المقاصد في الأخذ بالمصالح المرسلة فغاية المصالح تكون في دورانها وجوداً وعدماً مع الواقع وما يقتضيه... وأصول مالك الفقهيه مرنة تخضع عام النص للتخصيص، ومطلق النص للتقييد، وتحقق المصلحة من أقرب طريق، وتجعلها أساسا في الإستدلال... مثل سد الذرائع والأخذ بالعرف، رفعا للحرج، ودفعا للمشقة كلها أصول يكمل بعضها بعضا من القرآن الكريم إلى الأخذ بالعرف والعادات الحسنة.
وبمذهب مالك إختص أهل المغرب والأندلس، منذ أن كان يرحلون للحج إلى مكة وللزيارة للمدينة وقد انتشر هذا المذهب بالبصرة والحجاز وتونس وصقلية والسودان وساد فترة من الزمان في مصر إلى أن غلب عليها المذهب الشافعي.
لمرونة المذهب المالكي كثر الإجتهاد في أصحاب مالك فكانوا (بين مجتهدين منتسبين) هم أصحاب الوجوه الذين لهم حق مخالفة مالك في الفتوى في الفروع و(مجتهدين مخرجين) (وليس لهم حق مخالفة) مالك في الفتوى في الفروع ولهم حق الترجيح فقط (ومجتهدين نفسيين) (وليس لهم حق الفتوى عند البعض ولهم حق الفتوى عند البعض الأخر عند الضرورة).
المرجع : من كتاب أئمة الإسلام الأربعة...لسليمان فياض

الإمام أبو حنيفة النعمان... إمام أهل الرأي

الإمام أبو حنيفة النعمان... إمام أهل الرأي
مقدمة:
في رأي الشيخ الإمام محمد أبو زهرة أن تاريخ الفقه الإسلامي لم يعرف إماما في الفقه كثر مادحوه و كثُر ناقدوه مثل الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه لأنه كان فقيها مستقلا سلك في تفكيره الإجتهادي مسلكا مستقلا ...
و لكن تاريخ الفقه الإسلامي و بعد أن إستوت مذاهبه و مدارسه أنصف أبا حنيفة فقيه العراق من كيد معاصريه له، بين الناس، و عند السلطان، و من افتراء الكذب عليه بعد وداعه للدنيا.
وقال عنه معاصريه إن أبا حنيفة كان رجلا فقيها معروفا بالفقه، واسع المال، معروفاً بالأفضال علي كل من يطيف به، صبورا علي تعلم العلم بالليل و النهار، حسن الصوت، قليل الكلام حتى يُسأل عن شيء من الفقه... تفتح و يسيل كالوادي وتسمع له دويا و جهاره بالكلام .
و قال عنه معاصروه (مليح بن وكيع ) كان أبو حنيفة عظيم الأمانة و كان يؤثر رضا ربه ولو أخذته السيوف .

و أبو حنيفة وصفه معاصره تلميذه الورع التقي (عبد الله بن المبارك ) بأنه (مُخ العلم ).
و روي التاريخ عن الأمام مالك أن أبا حنيفة وضع ثلاثا و ثمانين ألف مسألة في الفقه الإسلامي، منها ثماني و ثلاثون ألف مسألة ( هي) أصل في العبادات... و خمس و أربعون ألف مسألة (هي) أصل في المعاملات .
هذا هو الأمام ((أبو حنيفة النعمان )) الذي منحته الأجيال لقب ((الإمام الأعظم )) فكيف عاش أو كيف كانت نظرته في فقه الإسلام ... ؟
ولد أبو حنيفة النعمان في سنة 80 من الهجرة النبوية، بالكوفة أبوه فارسي النسب إسمه- ثابت بن زوطي – كان جده زوطي من أهل كابل و هي مدينة بأفغانستان التي كانت تابعة لفارس و قد أُسر جده عند فتح العرب لبلاد فارس ثم أسلم و أُعتق ثم ولد أبو حنيفة النعمان حراً ومن قبله ولد أبوه حراً .
إذن كان أبو حنيفة من الموالي (غير العرب ) و الموالي في زمانه كانوا هم حملة الفقه و لهذه الظاهرة أسباب:
فالعرب في عصر الدولة الأموية كانت لهم السيادة و السلطان و كان عليهم الحرب و النزال فشُغلوا عن الدرس و البحث ... و تقدم الموالي حيث كانوا ينتسبون إلي أمم عريقة ذات ثقافات و علوم و بفقدانهم سلطانهم في بلادهم فقد لجأوا إلي العلم و المعرفة... يدفعهم في ذلك حرمانهم للوصول إلي الكمال و بلغوا في العلم و سيطروا به علي الفكر العربي الإسلامي تاركين للعرب الغُلب المادي و كان أبو حنيفة النعمان واحداً من الموالي .
و بالكوفة نشأ أبو حنيفة و بها تربي في بيت أبيه تاجر الحرير، الموسر، و المسلم الحسن الإسلام ، و كان أبوه ثابت قد التقي و هو صغير بالكوفة بالإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه و رأي ثابت أباه زوطي و قد و ضع الإمام علي رضي الله عنه كفه علي رأس أبيه و دعا له بالبركة فيه و في ذريته .
و في سن الصبا حفظ أبو حنيفة القرآن الكريم و اخذ قراءته للقرآن عن عاصم احد القراء السبعة... و أشع عقله في مجتمع يعيش فيه العرب و السريان و الفرس وأبناء خراسان و بلاد ما وراء النهر و تلتقي فيه فلسفة اليونان بحكمة الفرس و تتحاور فيه في العقائد مذاهب النصرانية و أراء الشيعة و الخوارج و المعتزلة ولقد راح ابو حنيفة يُجادل دفاعا عن الإسلام مع المجادلين و ينازل أصحاب الأهواء بفطرته السليمة المستقيمة .

و في سن الصبا و إلي سن الثانية و العشرين من عمره كان ابو حنيفة النعمان يشتغل بتجارة الحرير مثل أبيه ... و بجانب ذلك كان يحضر حلقات العلم في المسجد في بعض الأحيان النادرة مثل عامة المسلمين إلي أن إستوقفه يوما الفقيه (إبراهيم الشعبي ) و قد رأي فيه ذكاء و لمح وراء ذكاءه عقلا علميا و قد نصحه الفقيه بقوله (لا تغفل و عليك بالنظر في العلم و مُجالسة العلماء فاني أري فيك يقظة و حركة ) .
و وقعت نصيحة الشعبي موقعا طيبا من قلب أبي حنيفة و ترك أمر متجره إلي شريكه و اكتفي بمراجعته و الإشراف علي عمله من خلال ذلك الشريك و يفرغ جل وقته للتردد علي حلقات العلم... كان عُمر أبو حنيفة النعمان حين جلس إلي أستاذه حماد بن سليمان في مسجد الكوفة إثنين و عشرين عاما و قد عرف قدراً من النحو و الأدب و الشعر والحديث و قدراً اكبر في علم الكلام و استفاد بعد أن صار فقيها من قدرة علماء الكلام في المناقشة و الحوار و الجدل و ضرب المتشابهات في القياس... عليماً في فهمه لأصول الدين، و مجادلته لأهل الفرق حين يدخلون عليه مسجد الكوفة و هو منصرف إلي الفقه ابتغاء إحراجه و تكفيره في أصول الإعتقاد ولزم أبو حنيفة أستاذه حماد ملازمة تامة حتى مات بعد ثماني عشر سنة.
و مع ملازمة أبي حنيفة لحماد فقد جلس إلي غيره من الفقهاء و المحدثين و خصوصا التابعين الذين اتصلوا بالصحابة و كانوا ممتازين في الفقه و الاجتهاد فتلقي عنهم فقه عمر بن الخطاب و فقه عبد الله بن مسعود و فقه عبد الله بن عباس تلقاه عن أصحابهم من العرب و الموالي .
وكان أبو حنيفة كثير الرحلة إلي بيت الله الحرام حاجاً و لذلك كان يلتقي في مكة و المدينة بالعلماء و منهم كثيرون من التابعين و كان لقاؤه بهم لقاءً علميا يروي عنهم الأحاديث و يذاكرهم الفقه و يدارسهم ما عنده من طرائف وكانوا من مدارس مختلفة .

و لما توفي حماد أستاذ أبي حنيفة عام 120 هـ و كان أبو حنيفة في سن الأربعين وإثر وفاته أجلسه تلاميذ حماد و رفاقه في مجلس شيخه و شيخهم بمسجد الكوفة، و راح أبو حنيفة يدارس تلاميذه من الرفاق السابقين و القادمين الجدد ما يعرض له ولهم من فتاوي فقد كان يؤثر مشاركة الغير له في البحث عن الحق ويقيس الأشياء بأشباهها، و الأمثال بأمثالها، بعقل قوي و منطق سديد حتى وضع بهم و معهم الطريقة الفقهية التي اشتق منها المذهب الحنفي (طريقة القياس و الرأي ) .

لم يكد ابو حنيفة النعمان يجلس في مجلس شيخه حماد بمسجد الكوفة فقيها مفتيا حتى قامت ثورات العلويين ضد الأمويين و كانت عواطف أبي حنيفة كإنسان و فقيه مع العلويين المضطهدين من بني أمية و استغرقت هذه الثورات عشر سنوات عاني فيها العلويين من الأمويين العذاب و تكبد فيها الأمويين من العلويين المشاق و كانت ثورات يؤازرها العلماء و الفقهاء في السر بالمال و في العلن بالتأييد، و اشتدت الفتن و نال أبو حنيفة قسطا من الظلم وسُجن و جُلد ثم أفرج عنه و أعد نفسه و أهل بيته ودوابه للرحيل لسفر طويل ليلا إلي مكة و كان هروبه في سنة 130 هـ .
أقام أبو حنيفة بمكة ست سنوات و لحق به تلاميذه الحريصون علي علمه و الأخذ عنه ولم يستقر أبو حنيفة في الكوفة إلا في زمن أبي جعفر المنصور سنة136 هـ حين استقرت الأحوال بالعراق .
في عهد الخليفة المنصور صار أبو حنيفة عزيزا عليه، يدنيه منه و يعلي مكانته عنده و يرفع قدره في مجلسه، ويحاول بين حين و أخر أن يعطيه العطايا الجزيلة و لكن أبا حنيفة لم يكن يري أن يقبل الفقهاء هدايا الخلفاء و لذلك كان يرد عطاء المنصور و هداياه في رفق و حيلة سواء جاءت من المنصور بطريق مباشراً أو غير مباشر .
و انتهت أيام الصفو بين أبي حنيفة و المنصور حين سجن المنصور عبد الله العلوي.
و ظهرت تباشير هذه النهاية في الكلام القليل الناقم علي العباسيين الذي كان يخرج من شفتي أبي حنيفة بين الحين و الحين و يكشف عن ولائه لأبناء علي بن أبي طالب خاصة .

شخصية الفقيه :
توصف شخصية الفقيه بصفات تجعله في الذروة بين العلماء فقد كان من طراز الرجال الذين يسيطرون علي مشاعرهم ممن لاتعبث بهم الكلمات العارضة ولا تبعدهم عن الحق العبارات النابية.
وأية ضبط أبي حنيفة لنفسه و سيطرته علي مشاعره أن حية سقطت في حجره و هو جالس في مسجد الكوفة فتفرق الناس لسقوطها من حوله و لكنه استمر في حديثه و نحاها بيده و كأنها ليست حية بها سم زعاف .
وآية سيطرته علي مشاعره انه كان يناقش مسألة أفتي فيها واعظ العراق الحسن البصري فقال أبو حنيفة:
"أخطأ الحسن ".
فانبري له رجل من بين الجالسين قائلا له في تعصب:
أأنت تقول أخطأ الحسن يا ابن الزانية ؟
ولم يتغير وجه أبي حنيفة و لم يؤاخذ الرجل علي حدته و قال مؤكدا في هدوء :
والله أخطأ الحسن وأصاب عبد الله بن مسعود.
ثم قال أبو حنيفة :
اللهم من ضاق بنا صدره فأن قلوبنا تتسع له.
و كان أبو حنيفة مستقلا في تفكيره فلم يكن يأخذ بفكره غيره إلا بعد أن يعرضها علي عقله... و لم يكن يخضع عقله كفقيه إلا لنص من كتاب أو سنة أو فتوي مجمع عليها من الصحابة.
عاش أبو حنيفة في عصرين كانت البلاد الإسلامية تموج فيهما بمسائل في الفكر الديني عقيدة و فقها و سياسة و علما وحياة اجتماعية... تموج بحضارات أمم و علومها و بشعوب مختلفة العادات والتقاليد و الأعراف و بفتن الصراع الديني بين السنة و الشيعة و الخوارج و الصراع الاجتماعي بين الأمويين و العلويين والعباسيين ثم بين العباسيين و العلويين و بعقائد هؤلاء و هؤلاء و سياستهم و بفقه هؤلاء و هؤلاء يتوقف الفقه هنا عند آراء السلف و يتجدد هناك عند أهل الرأي.

و كان علي" أبي حنيفة" أن يتمثل حصاد ذلك كله خاصة ما يتصل بالفقه الإسلامي عند أهل الحديث و عند أهل الرأي فلسوف يكون فقيها مفتيا، و الإفتاء في الفقه مرحلة عليا لا ينالها إلا الصابرون في طلب العلم و لايبلغها إلا من أحاط علما بحياة الناس و سياسة الناس و معتقداتهم.
و فقه أبي حنيفة بالعراق يعتمد علي مصادر من الكتاب و السنة وفقه الصحابة و القياس و الاستحسان و العُرف علي حين كان معاصره الإمام (مالك بن أنس ) يأخذ بالكتاب و السنة و فقه الصحابة و عمل أهل المدينة و القياس والاستحسان و المصالح المرسلة.
و لقد أُتهم أبو حنيفة في حياته و بعد وفاته بمخالفة السنة و لقد نفي أبو حنيفة عن نفسه هذه التهمة و يقول (إنا نأخذ أولا بكتاب الله ثم السنة ثم بأقضية الصحابة و نعمل بما يتفقون عليه فان اختلفوا قسنا حكماً علي حكم بجامع العلة بين المسألتين حتى يتضح المعني ) .
و فقه أبي حنيفة كان يميل إلي إطلاق الحرية الشخصية في الملك و المال و الوقف وولاية المرأة لأمر زواجها بنفسها بشرط الكفاءة.
و فقه أبي حنيفة به فروع تكشف عن عقليته كتاجر خبير بالأسواق يُقسم وقته بين التجارة و الفقه و العبادة قسمة عادلة في أخذه بالاستحسان في المعاملات و في عنايته بأحكام عقود البيوع علي أساس من الأمانة و حفظ الحقوق .
عاش أبو حنيفة خمسين سنة من حياته في العصر الأموي، و عشرين سنة في العصر العباسي لم يتوقف طوالها عن الإشتغال بالتجارة منذ أن شب عن الطوق إلي أن لقي وجه ربه .
لم يكتب أبو حنيفة أقواله الفقهية بيده بل قام بتدوينه تلاميذه و كانوا يقرأون عليه أقواله في الفروع و يبوبوها في كتب و يضيفون إليها في مؤلفاتهم و أقوالهم في الفقه الحنفي .
و من تلاميذ أبي حنيفة كان أبو يوسف و محمد بن الحسن الشيباني و علي الرازي و غيرهم كانوا من فرسان الفقه الحنفي في الطبقة الأولي من العلماء الأحناف .

و بعد رحيل أبي حنيفة عن الدنيا اكتسب مذهبه نفوذاً في الدولة العباسية من وقت أن صار تلميذه أبو يوسف قاضياً للقضاة في عهود الخلفاء العباسين ( المهدي – الهادي – الرشيد ) و شاع في أكثر البقاع الإسلامية في مصر و الشام و بلاد الروم و العراق و ما وراء النهر و في الهند و الصين حيث لا منافس له و لا مز احم .

و قد بدأ مذهب أبي حنيفة يكتسب نفوذه في أول أمره بسبب اختيار الخلفاء للقضاة من أئمته و المجتهدين فيه ثم تجاوز هذا النفوذ الرسمي له بنشاط علمائه فيه و عملهم علي نشره.
المرجع: من كتاب أئمة الإسلام الأربعة...لسليمان فياض

من قصص الأنبياء / محمد عليه السلام


من قصص الأنبياء / محمد عليه السلام

نبذة:

النبي الأمي العربي، من بني هاشم، ولد في مكة بعد وفاة أبيه عبد الله بأشهر قليلة، توفيت أمه آمنة وهو لا يزال طفلا، كفله جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب، ورعى الغنم لزمن، تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد وهو في الخامسة والعشرين من عمره، دعا الناس إلى الإسلام أي إلى الإيمان بالله الواحد ورسوله، بدأ دعوته في مكة فاضطهده أهلها فهاجر إلى المدينة حيث اجتمع حوله عدد من الأنصار عام 622 م فأصبحت هذه السنة بدء التاريخ الهجري، توفي بعد أن حج حجة الوداع.

سيرته:

بهذا النبي الكريم ختم الله سبحانه وتعالى سلسلة هداة البشرية من الأنبياء. وقد تم تناول السيرة النبوية الشريفة بشكل مفصل.

ويوجد بالموقع قسم متعمق يختص بالسيرة النبوية المطهّرة.. ونلخص هنا بعض المعلومات:

أسمائه صلى الله عليه وسلم
وكلها نعوت ليست أعلاما محضة لمجرد التعريف ، بل أسماء مشتقة من " - ص 85 -" صفات قائمة به توجب له المدح والكمال .
فمنها محمد ، وهو أشهرها ، وبه سمي في التوراة صريحا كما بيناه بالبرهان الواضح في كتاب " جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام " وهو كتاب فرد في معناه لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها ، بينا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه ، وصحيحها من حسنها ومعلولها ، وبينا ما في معلولها من العلل بيانا شافيا ، ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد ، ثم مواطن الصلاة عليها ومحالها ، ثم الكلام في مقدار الواجب منها ، واختلاف أهل العلم فيه وترجيح الراجح وتزييف المزيف ، ومخبر الكتاب فوق وصفه .
والمقصود أن اسمه محمد في التوراة صريحا بما يوافق عليه كل عالم من مؤمني أهل الكتاب .
ومنها محمد ، وهو الاسم الذي سماه به المسيح لسر ذكرناه في ذلك الكتاب .
ومنها : المتوكل ، ومنها الماحي ، والحاشر ، والعاقب ، والمقفي ، ونبي التوبة ، ونبي الرحمة ، ونبي الملحمة ، والفاتح ، والأمين .
ويلحق بهذه الأسماء : الشاهد ، والمبشر ، والبشير ، والنذير ، والقاسم ، والضحوك ، والقتال ، وعبد الله ، والسراج المنير ، وسيد ولد آدم ، وصاحب لواء الحمد ، وصاحب المقام المحمود ، وغير ذلك من الأسماء ؛ لأن أسماءه إذا كانت أوصاف مدح فله من كل وصف اسم ، لكن ينبغي أن يفرق بين الوصف المختص به أو الغالب عليه ويشتق له منه اسم ، وبين الوصف المشترك فلا يكون له منه اسم يخصه .
" - ص 86 -" وقال جبير بن مطعم : سمى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أسماء ، فقال : ( : أنا محمد ، وأنا محمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، والعاقب الذي ليس بعده نبي ) .

وأسماؤه صلى الله عليه وسلم نوعان :
أحدهما : خاص لا يشاركه فيه غيره من الرسل ، كمحمد ، وأحمد ، والعاقب ، والحاشر ، والمقفي ، ونبي الملحمة .
والثاني : ما يشاركه في معناه غيره من الرسل ولكن له منه كماله ، فهو مختص بكماله دون أصله ، كرسول الله ، ونبيه ، وعبده ، والشاهد ، والمبشر ، والنذير ، ونبي الرحمة ، ونبي التوبة .
وأما إن جعل له من كل وصف من أوصافه اسم تجاوزت أسماؤه المائتين ، كالصادق ، والمصدوق ، والرءوف الرحيم ، إلى أمثال ذلك . وفي هذا قال من قال من الناس : إن لله ألف اسم ، وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم ، قاله أبو الخطاب بن دحية ، ومقصوده الأوصاف .
وكلها نعوت ليست أعلاما محضة لمجرد التعريف ، بل أسماء مشتقة من " - ص 85 -" صفات قائمة به توجب له المدح والكمال .
فمنها محمد ، وهو أشهرها ، وبه سمي في التوراة صريحا كما بيناه بالبرهان الواضح في كتاب " جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام " وهو كتاب فرد في معناه لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها ، بينا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه ، وصحيحها من حسنها ومعلولها ، وبينا ما في معلولها من العلل بيانا شافيا ، ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد ، ثم مواطن الصلاة عليها ومحالها ، ثم الكلام في مقدار الواجب منها ، واختلاف أهل العلم فيه وترجيح الراجح وتزييف المزيف ، ومخبر الكتاب فوق وصفه .
والمقصود أن اسمه محمد في التوراة صريحا بما يوافق عليه كل عالم من مؤمني أهل الكتاب .
ومنها محمد ، وهو الاسم الذي سماه به المسيح لسر ذكرناه في ذلك الكتاب .
ومنها : المتوكل ، ومنها الماحي ، والحاشر ، والعاقب ، والمقفي ، ونبي التوبة ، ونبي الرحمة ، ونبي الملحمة ، والفاتح ، والأمين .
ويلحق بهذه الأسماء : الشاهد ، والمبشر ، والبشير ، والنذير ، والقاسم ، والضحوك ، والقتال ، وعبد الله ، والسراج المنير ، وسيد ولد آدم ، وصاحب لواء الحمد ، وصاحب المقام المحمود ، وغير ذلك من الأسماء ؛ لأن أسماءه إذا كانت أوصاف مدح فله من كل وصف اسم ، لكن ينبغي أن يفرق بين الوصف المختص به أو الغالب عليه ويشتق له منه اسم ، وبين الوصف المشترك فلا يكون له منه اسم يخصه .
" - ص 86 -" وقال جبير بن مطعم : سمى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أسماء ، فقال : ( : أنا محمد ، وأنا محمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، والعاقب الذي ليس بعده نبي ) .
وأسماؤه صلى الله عليه وسلم نوعان :
أحدهما : خاص لا يشاركه فيه غيره من الرسل ، كمحمد ، وأحمد ، والعاقب ، والحاشر ، والمقفي ، ونبي الملحمة .
والثاني : ما يشاركه في معناه غيره من الرسل ولكن له منه كماله ، فهو مختص بكماله دون أصله ، كرسول الله ، ونبيه ، وعبده ، والشاهد ، والمبشر ، والنذير ، ونبي الرحمة ، ونبي التوبة .
وأما إن جعل له من كل وصف من أوصافه اسم تجاوزت أسماؤه المائتين ، كالصادق ، والمصدوق ، والرءوف الرحيم ، إلى أمثال ذلك . وفي هذا قال من قال من الناس : إن لله ألف اسم ، وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم ، قاله أبو الخطاب بن دحية ، ومقصوده الأوصاف .

في نسبه صلى الله عليه وسلم

وهو خير أهل الأرض نسبا على الإطلاق ، فلنسبه من الشرف أعلى ذروة ، وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك ، ولهذا شهد له به عدوه إذ ذاك أبو سفيان بين يدي ملك الروم ، فأشرف القوم قومه ، وأشرف القبائل قبيلته ، وأشرف الأفخاذ فخذه .
فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
إلى هاهنا معلوم الصحة متفق عليه بين النسابين ، ولا خلاف فيه البتة ، وما فوق " عدنان " مختلف فيه . ولا خلاف بينهم أن " عدنان " من ولد إسماعيل " - ص 71 -" عليه السلام ، وإسماعيل : هو الذبيح " - إسماعيل أم إسحاق - " على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم .
وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجها ، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول : هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب ، مع أنه باطل بنص كتابهم ، فإن فيه : إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره ، وفي لفظ : وحيده ، ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده ، والذي غر أصحاب هذا القول أن في التوراة التي بأيديهم : اذبح ابنك إسحاق ، قال : وهذه الزيادة من تحريفهم وكذبهم لأنها تناقض قوله : اذبح بكرك ووحيدك ، ولكن اليهود حسدت بني إسماعيل على هذا الشرف وأحبوا أن يكون لهم ، وأن يسوقوه إليهم ويحتازوه لأنفسهم دون العرب ، ويأبى الله إلا أن يجعل فضله لأهله . وكيف يسوغ أن يقال : إن الذبيح إسحاق ، والله تعالى قد بشر أم إسحاق به وبابنه يعقوب ، فقال تعالى عن الملائكة : إنهم قالوا لإبراهيم لما أتوه بالبشرى : ( لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) [ هود : 70 - 71 ] فمحال أن يبشرها بأنه يكون لها ولد ثم يأمر بذبحه ، ولا ريب أن يعقوب رضي الله عنه داخل في البشارة ، فتناول البشارة لإسحاق ويعقوب في اللفظ واحد ، وهذا ظاهر الكلام وسياقه .
فإن قيل : لو كان الأمر كما ذكرتموه لكان " يعقوب " مجرورا عطفا على " - ص 72 -" إسحاق ، فكانت القراءة ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) أي : ويعقوب من وراء إسحاق . قيل لا يمنع الرفع أن يكون يعقوب مبشرا به ؛ لأن البشارة قول مخصوص ، وهي أول خبر سار صادق . وقوله تعالى : ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) جملة متضمنة لهذه القيود ، فتكون بشارة ، بل حقيقة البشارة هي الجملة الخبرية . ولما كانت البشارة قولا كان موضع هذه الجملة نصبا على الحكاية بالقول ، كأن المعنى : وقلنا لها : من وراء إسحاق يعقوب ، والقائل إذا قال : بشرت فلانا بقدوم أخيه وثقله في أثره لم يعقل منه إلا بشارته بالأمرين جميعا . هذا مما لا يستريب ذو فهم فيه البتة ، ثم يضعف الجر أمر آخر وهو ضعف قولك : مررت بزيد ومن بعده عمرو ، ولأن العاطف يقوم مقام حرف الجر ، فلا يفصل بينه وبين المجرور ، كما لا يفصل بين حرف الجر والمجرور . ويدل عليه أيضا أن الله سبحانه لما ذكر قصة إبراهيم وابنه الذبيح في سورة ( الصافات ) قال : ( فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ) [ الصافات : 103 - 111 ] . ثم قال تعالى : ( وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) [ الصافات : 112 ] . فهذه بشارة من الله تعالى له شكرا على صبره على ما أمر به ، وهذا ظاهر جدا في أن المبشر به غير الأول ، بل هو كالنص فيه .
فإن قيل : فالبشارة الثانية وقعت على نبوته ، أي لما صبر الأب على ما أمر به وأسلم الولد لأمر الله جازاه الله على ذلك بأن أعطاه النبوة .
قيل : البشارة وقعت على المجموع : على ذاته ووجوده ، وأن يكون نبيا ، ولهذا نصب " نبيا " على الحال المقدر ، أي : مقدرا نبوته ، فلا يمكن إخراج البشارة أن تقع على الأصل ، ثم تخص بالحال التابعة الجارية مجرى الفضلة ، هذا محال من الكلام ، بل إذا وقعت البشارة على نبوته فوقوعها على وجوده أولى وأحرى .
" - ص 73 -"
وأيضا فلا ريب أن الذبيح كان بمكة ، ولذلك جعلت القرابين يوم النحر بها ، كما جعل السعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار تذكيرا لشأن إسماعيل وأمه ، وإقامة لذكر الله ، ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بمكة دون إسحاق وأمه ، ولهذا اتصل مكان الذبح وزمانه بالبيت الحرام الذي اشترك في بنائه إبراهيم وإسماعيل ، وكان النحر بمكة من تمام حج البيت الذي كان على يد إبراهيم وابنه إسماعيل زمانا ومكانا ، ولو كان الذبح بالشام كما يزعم أهل الكتاب ومن تلقى عنهم لكانت القرابين والنحر بالشام لا بمكة .
وأيضا فإن الله سبحانه سمى الذبيح حليما ؛ لأنه لا أحلم ممن أسلم نفسه للذبح طاعة لربه . ولما ذكر إسحاق سماه عليما ، فقال تعالى : ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون ) الذاريات : 24 - 25 ] إلى أن قال : ( قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم ) [ الذاريات : 28 ] وهذا إسحاق بلا ريب لأنه من امرأته ، وهي المبشرة به ، وأما إسماعيل فمن السرية ، وأيضا فإنهما بشرا به على الكبر واليأس من الولد ، وهذا بخلاف إسماعيل ، فإنه ولد قبل ذلك .
وأيضا فإن الله سبحانه أجرى العادة البشرية أن بكر الأولاد أحب إلى الوالدين ممن بعده ، وإبراهيم عليه السلام لما سأل ربه الولد ووهبه له تعلقت شعبة من قلبه بمحبته ، والله تعالى قد اتخذه خليلا ، والخلة منصب يقتضي توحيد المحبوب بالمحبة ، وأن لا يشارك بينه وبين غيره فيها ، فلما أخذ الولد شعبة من قلب الوالد جاءت غيرة الخلة تنتزعها من قلب الخليل ، فأمره بذبح المحبوب ، فلما أقدم على ذبحه وكانت محبة الله أعظم عنده من محبة الولد خلصت الخلة حينئذ من شوائب المشاركة ، فلم يبق في الذبح مصلحة ، إذ كانت المصلحة إنما هي في العزم وتوطين النفس عليه ، فقد حصل المقصود فنسخ الأمر وفدي الذبيح ، وصدق الخليل الرؤيا ، وحصل مراد الرب .
" - ص 74 -" ومعلوم أن هذا الامتحان والاختبار إنما حصل عند أول مولود ، ولم يكن ليحصل في المولود الآخر دون الأول ، بل لم يحصل عند المولود الآخر من مزاحمة الخلة ما يقتضي الأمر بذبحه ، وهذا في غاية الظهور .
وأيضا فإن سارة امرأة الخليل صلى الله عليه وسلم غارت من هاجر وابنها أشد الغيرة ، فإنها كانت جارية ، فلما ولدت إسماعيل وأحبه أبوه اشتدت غيرة " سارة " فأمر الله سبحانه أن يبعد عنها " هاجر " وابنها ويسكنها في أرض مكة لتبرد عن " سارة " حرارة الغيرة ، وهذا من رحمته تعالى ورأفته ، فكيف يأمره سبحانه بعد هذا أن يذبح ابنها ويدع ابن الجارية بحاله ، هذا مع رحمة الله لها وإبعاد الضرر عنها وجبره لها ، فكيف يأمر بعد هذا بذبح ابنها دون ابن الجارية ، بل حكمته البالغة اقتضت أن يأمر بذبح ولد السرية ، فحينئذ يرق قلب السيدة عليها وعلى ولدها ، وتتبدل قسوة الغيرة رحمة ، ويظهر لها بركة هذه الجارية وولدها ، وأن الله لا يضيع بيتا هذه وابنها منهم ، وليري عباده جبره بعد الكسر ، ولطفه بعد الشدة ، وأن عاقبة صبر " هاجر " وابنها على البعد والوحدة والغربة والتسليم إلى ذبح الولد آلت إلى ما آلت إليه من جعل آثارهما ومواطئ أقدامهما مناسك لعباده المؤمنين ، ومتعبدات لهم إلى يوم القيامة ، وهذه سنته تعالى فيمن يريد رفعه من خلقه أن يمن عليه بعد استضعافه وذله وانكساره . قال تعالى : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) [ القصص : 5 ] وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .
ولنرجع إلى المقصود من سيرته صلى الله عليه وسلم وهديه وأخلاقه لا خلاف أنه ولد صلى الله عليه وسلم بجوف مكة ، وأن مولده كان عام الفيل " - الرسول عليه السلام - " ، وكان أمر الفيل تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته ، وإلا فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كتاب ، وكان دينهم خيرا من دين أهل مكة إذ ذاك ؛ لأنهم كانوا عباد أوثان فنصرهم الله على " - ص 75 -" أهل الكتاب نصرا لا صنع للبشر فيه ، إرهاصا وتقدمة للنبي صلى الله عليه وسلم الذي خرج من مكة ، وتعظيما للبيت الحرام .
واختلف في وفاة أبيه عبد الله ، هل توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل " - عبد الله أبو الرسول - " ، أو توفي بعد ولادته ؟ على قولين : أصحهما : أنه توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل .
والثاني : أنه توفي بعد ولادته بسبعة أشهر . ولا خلاف أن أمه ماتت بين مكة والمدينة " بالأبواء " منصرفها من المدينة من زيارة أخواله ، ولم يستكمل إذ ذاك سبع سنين .
وكفله جده عبد المطلب ، وتوفي ولرسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ثمان سنين " - جد الرسول - " ، وقيل : ست ، وقيل : عشر ، ثم كفله عمه أبو طالب ، واستمرت كفالته له ، فلما بلغ ثنتي عشرة سنة خرج به عمه إلى الشام ، وقيل : كانت سنه تسع سنين ، وفي هذه الخرجة رآه بحيرى الراهب وأمر عمه ألا يقدم به إلى الشام خوفا عليه من اليهود ، فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة ، ووقع في كتاب الترمذي وغيره أنه بعث معه بلالا ، وهو من الغلط الواضح ، فإن بلالا إذ ذاك لعله لم يكن موجودا ، وإن كان فلم يكن مع عمه ولا مع أبي بكر . وذكر البزار في " مسنده " هذا الحديث ولم يقل : وأرسل معه عمه بلالا ، ولكن قال : رجلا .
فلما بلغ خمسا وعشرين سنة خرج إلى الشام في تجارة ، فوصل إلى " - ص 76 -" " بصرى " ثم رجع فتزوج عقب رجوعه خديجة بنت خويلد ، وقيل تزوجها وله ثلاثون سنة ، وقيل إحدى وعشرون ، وسنها أربعون ، وهي أول امرأة تزوجها ، وأول امرأة ماتت من نسائه ، ولم ينكح عليها غيرها ، وأمره جبريل أن يقرأ عليها السلام من ربها .
ثم حبب الله إليه الخلوة والتعبد لربه ، وكان يخلو بـ " غار حراء " يتعبد فيه الليالي ذوات العدد ، وبغضت إليه الأوثان ودين قومه ، فلم يكن شيء أبغض إليه من ذلك .
فلما كمل له أربعون ، أشرق عليه نور النبوة وأكرمه الله تعالى برسالته ، وبعثه إلى خلقه واختصه بكرامته ، وجعله أمينه بينه وبين عباده . ولا خلاف أن مبعثه صلى الله عليه وسلم كان يوم الاثنين ، واختلف في شهر المبعث . فقيل : لثمان مضين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل ، هذا قول الأكثرين ، وقيل : بل كان ذلك في رمضان ، واحتج هؤلاء بقوله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) [ البقرة : 185 ] قالوا : أول ما أكرمه الله " - ص 77 -" تعالى بنبوته أنزل عليه القرآن ، وإلى هذا ذهب جماعة منهم يحيى الصرصري حيث يقول في نونيته :
وأتت عليه أربعون فأشرقت شمس النبوة منه في رمضان

والأولون قالوا : إنما كان إنزال القرآن في رمضان جملة واحدة في ليلة القدر إلى بيت العزة ، ثم أنزل منجما بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة .
وقالت طائفة : أنزل فيه القرآن ، أي في شأنه وتعظيمه وفرض صومه .
وقيل : كان ابتداء المبعث في شهر رجب .
وكمل الله له من مراتب الوحي مراتب عديدة :
إحداها :
الرؤيا الصادقة ، وكانت مبدأ وحيه صلى الله عليه وسلم ، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح .
الثانية : ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله ، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته ) .
" - ص 78 -"
الثالثة : أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل له الملك رجلا فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له ، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانا .
الرابعة : أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس ، وكان أشده عليه ، فيتلبس به الملك حتى إن جبينه ليتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد ، وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها . ولقد جاء الوحي مرة كذلك وفخذه على فخذ " - ص 79 -" زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت ترضها .
الخامسة : أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها ، فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه ، وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله ذلك في [ النجم : 7 ، 13 ] .
السادسة : ما أوحاه الله وهو فوق السماوات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها .
السابعة : كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك ، كما كلم الله موسى بن عمران ، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعا بنص القرآن ، وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء .
وقد زاد بعضهم مرتبة ثامنة ، وهي تكليم الله له كفاحا من غير حجاب ، وهذا على مذهب من يقول : إنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه تبارك وتعالى ، وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف ، وإن كان جمهور الصحابة بل كلهم مع عائشة كما حكاه عثمان بن سعيد الدارمي إجماعا للصحابة .