بحث هذه المدونة الإلكترونية

2016-03-14

المناضلة الثائرة الأديبة الشاعرة المعلمة ماري بنت عبدو بن يوسف عجمي

 المناضلة الثائرة الأديبة الشاعرة المعلمة ماري بنت عبدو بن يوسف عجمي
ماري بنت عبدو بن يوسف عجمي ( 1306 - 1385 هـ) - ( 1888 - 1965 م)، شاعرة سورية ولدت في دمشق وتوفيت فيها، وعاشت في سورية، ولبنان، والعراق، وفلسطين، ومصر.

http://esyria.sy/sites/images/suweda/community/088817_2009_03_15_16_10_40.image1.jpg

http://esyria.sy/ecal/sites/default/files/imagecache/400xY/aroos.jpg

التحقت بالمدرسة الإرلندية في دمشق، ثم بالمدرسة الروسية، ثم درست التمريض في الجامعة الأمريكية في بيروت (1906)، غير أنها لأسباب صحية لم تكمل دراستها فعادت إلى دمشق.

عملت معلمة في مدارس عدة في المدن والبلدان: مدينة زحلة بلبنان (1903- 1904)، ومدينة بورسعيد بمصر (1908)، ومدينة الإسكندرية (1909)، والمدرسة الروسية ومعهد الفرنسيسكان بدمشق، كما عملت في فلسطين والعراق.


أنشأت أول مجلة نسائية باسم «العروس» في الإسكندرية (1910)، ثم نقلت نشاطها إلى دمشق، واستمرت في الصدور حتى (1914) ثم توقفت بسبب الحرب العالمية الأولى، وعاودت الصدور (1918 - 1926).

أسست النادي الأدبي النسائي في دمشق، وجمعية نور الفيحاء وناديها، ومدرسة لبنات الشهداء (1920)، وكانت عضو الرابطة الأدبية التي تأسست في دمشق أوائل العشرينيات.

إلتزمت في شعرها بالوزن والقافية، وتناولت القضايا الإجتماعية والسياسية والوطنية في فترة الحكم العثامني والفرنسي، ودافعت عن قضايا المرأة.
  • لها «دوحة الذكرى»: مجموعة مختارة تضم بعض آثارها الشعرية والنثرية - تقديم عفيفة صعب - مطابع وزارة الثقافة والإرشاد القومي - دمشق 1969 .
  • لها تعريب لرواية بعنوان: «المجدلية الحسناء» - مطبعة قسطنطين بني - حمص 1913، وترجمة عن الإنجليزية لكتاب «أمجد الغايات» - 1927.
فازت بالجائزة الأولى في مسابقة درس الكتاب المقدس الإرلندي (1901)، وفازت قصيدتها «الفلاح» بالجائزة الأولى في مسابقة إذاعة لندن (1946)، كما أنها فازت بالجائزة الأولى في العام التالي. أقام لها اتحاد الجمعيات النسائية حفل تأبين بجامعة دمشق شارك فيه كثير من أدباء وأديبات الشام.

 "إن أمة هان على أبنائها بذل الدماء، لا يصعب عليها الانتصار في ميادين العمل"..
عبارة خطتها ماري عجمي منذ مائة عام، تستنهض شعبها في مواجهة الاستبداد والظلم الإستعماري في فترة عصيبة عاشتها سوريا، عهدي الاحتلال العثماني ومن بعده الفرنسي، وما خلفاه من طغيان ومحاولات محو الهوية القومية.
في زمن تحطم فيه المرأة السورية كل جدران الخوف، نستحضر ماري عجمي وجهاً أنثوياً شعَّ في تاريخ سوريا، المرأة الدمشقية الأديبة والشاعرة والخطيبة، الثائرة في وجه الاستبداد، والمناضلة لأجل حرية المرأة. فما زالت الحرية تستسقي دماءنا، والمرأة الأم والأخت والابنة والرفيقة شريكة حقيقية للرجل في المظاهرات والمعتقلات وشهادة الدم لأجل الحرية والكرامة والمساواة.
ولدت ماري في دمشق في الرابع عشر من شهر أيار 1888 ،أنتقل جدها من حماه إلى دمشق في القرن الثامن عشر، وبما إنه كان يرحل إلى بلاد العجم للمتاجرة بالحلي سمّي بالعجمي. درست اللغتين الروسية والإنكليزية، ونالت شهادة الثانوية في مدارس دمشق1903. التحقت بمدرسة التمريض في الكلية الأمريكية في بيروت، لكنها لم تكمل. وعادت إلى دمشق، إذ عينت معلمة من درجة أولى. علّمت ماري في عدة معاهد و علّمت كذلك في فلسطين والعراق ومصر. ولمعت كخطيبة بليغة في الجمعيات والنوادي، وكأديبة ومترجمة وشاعرة.
أنشأت ماري سنة 1910 مجلة العروس أول مجلة نسائية سورية، استمرت حتى عام 1914 لتتوقف خلال سنوات الحرب، وتعاود إصدارها 1918 حتى العام 1926.
كتبت ماري تقدِّم مجلتها: "إلى الذين يؤمنون أن في نفس المرأة قوة تميت جراثيم الفساد وأن في يدها سلاحاً يمزق غياهب الاستبداد، وأن في فمها عزاء يخفف وطأة الشقاء البشري- إلى الذين بهم الغيرة والحمية- إلى الذين يمدون أيديهم لإنقاذ بنات جنسهم من مهاوي هذا الوسط المشوه بانتشار الأوهام، أقدم مجلتي لا كغريبة تثقل بها عواتقهم، بل كتقدمة إلى من يليق بهم الإكرام وتناط بهم الآمال"[1].
وقد وصل عدد صفحات المجلة من 32 إلى 64 صفحة بدايةً من 1914 وحتى 1926. وكان مجموع ما صدر من العروس أحد عشر مجلداً في ستة آلاف وتسعمائة صفحة. بذلت ماري عجمي جهدها للنهوض بوعي القارئ وتعزيز ثقته بنفسه ووطنه في أكثر الفترات قسوة وظلامية في تاريخ سوريا، فالاستبداد التركي على أشده، والانتداب الفرنسي يهيئ نفسه لاحتلال سوريا. فأصبحت مجلتها العروس منبراً للأدب والفكر الإصلاحي والتربية الوطنية، ودعوة إلى تحرير المرأة والنهوض بها.
كان موضوع المرأة شغلها الشاغل، ولهذا أسست مع نازل العابد سنة 1920 النادي النسائي الأدبي، وهو أقدم وأعرق النوادي النسائية في سورية. ألقت ماري في حفل افتتاحه خطبة بعنوان المرأة والمساواة، وهذا بعضٌ منها: "لقد ثبت للعلماء أن إصلاح البلاد لا يتم ما لم يوجد التوازن بين الجنسين في العلم والمعرفة، ليتعاونا معاً في الوصول إلى مركزهما العلمي، إن صرخة النساء في طلب المساواة طبيعية لا مناص منها، وبرهاني على ذلك يقتضي الرجوع إلى التاريخ، فإذا قلبتم صفحاته ترون الأمومة أقدم عهداً من الأبوة". سعى النادي إلى إحياء نهضة اجتماعية ثقافية، وذلك بإلقاء المحاضرات وإقامة الحفلات الأدبية والفنية وإيجاد مكتبة خاصة بالسيدات، وتعليم الطالبات المحتاجات، وتشجيع المصنوعات الوطنية. كما أسست جمعية نور الفيحاء ومدرسة بنات الشهداء. لقد برزت ماري كخطيبة بليغة في الجمعيات والنوادي.
لم يتوقف نشاط ماري في المجال الاجتماعي والثقافي، بل شهدت مواقف نضالية عظيمة في وجه الاستبداد التركي. فقد ربطتها قصة حب مع وكيل مجلتها في بيروت بترو باولي، جمعت بينهما الأفكار الثورية والوطنية المناهضة للاحتلال التركي. كانا على وشك الزواج، حين اعتقله الأتراك وسجنوه. تحدت ماري الجنود العثمانيين، وكانت تزوره في سجنه في دمشق وتنقل له الرسائل لتقوي من عزيمته. كتبت له: "أخي السجين، أكتب إليك على ضوء القنديل، ولكن ما ينفع النور إذا كان القلب مظلماً؟ لقد نسيت العالم منذ رأيتك على هذه الحال..خذ حرية كحريتي، إن شئت، وأعطني سجناً كسجنك ."وفي رسالة أخرى: "أخي السجين: أتدري أنك في سجنك أكثر حرية مني، وأن السلاسل والأقفال التي يغلون بها أيدي السجناء، ليست بأشد مما توجه إلى ذاكرتي"[3]. ولم تتوانَ عن فضح فظاعة السجون والتعذيب والحالة القاسية التي كان يعيشها رفاقها الأدباء الذين سجنهم السفاح جمال باشا، تصف أحدها: "وكنت إذا وقفت أحدث أحداً من الأدباء السجناء، سددت أنفي بالمنديل لنتانة الروائح التي يستنشقونها ولايميزون، وقد رأيت الخفر يخرجون جثة من السجن مضى عليها أربع وعشرون ساعة، وكان الأدباء يفترشون الكراسي في الليالي الباردة مخافة سراية البعوض مزدحماً على تلك الفرش البالية المهفهفة".[4]

أُعدم حبيبها مع قافلة شهداء سوريا ولبنان في 6 أيار 1915. تقول ماري في وصف حبيبها: "وكما يحتفل الفتى بزفافه، هكذا احتفل هذا الشهيد بمشنقته، فما دُعي إلى ارتقائها حتى صاح بشركائه فيها: "هلموا أيها الأخوان
إنها أرجوحة الأبطال
وأنت، يا تركيا الشقية
حياتنا في ظلك ممات
ومماتنا في ظلك حياة
فدونك إذن، هذه الروح
التي اقمت منذ عامين
تحومين حول نزعها، بكل ما لديك
من وسائل الإضطهاد
وما عهد سقوطك ببعيد
وهنيئا لمن يعيش ليرى الرجاء..".
فعندما رأت مشانق الشهداء معلقة في ساحة المرجة بدمشق وساحة الشهداء في بيروت، انفجر حزنها وغضبها، فاستصرختهم: "أما تبرحون غارقين في سباتكم أيها النائمون؟ أما تعبت أجنابكم من اللصوق بالرمال؟ قوموا، فقد نمتم طويلاً..والجداول تناديكم "أن هيّا عودوا إلينا".. لقد كفى القلوب وجداً وأنيناً".

ماعانته بلادها من ظلم وقهر، وفقدانها المؤلم لحبيبها، أسهما في ارتقاء رؤيتها الإنسانية ومعاداتها للحروب وتدمير الشعوب. ففي مقالة لها عن الحرب والمجد تقول: "هكذا تفصل الأجساد عن الرؤوس من أجل أراضٍ صماء تبتلع الإنسانية ولا تفنى. إن كلّ ما أحرزه نابليون من الظفر في «أوستر ليتز» لا يوازي خسارة حياة إنسان واحد في عين الله. لا أرى في العالم إلاّ شرائع الدمار ووسائط الخراب. إن حفلة تعقد لترقية المدارس هي خير لدى العقلاء من تأليف أسطول إنجليزي ثانٍ، وعمل باستور في العالم هو أشرف وأفضل من عمل جميع أبطال العالم وفاتحيه".

شكل اسم ماري علامة فارقة ومميزة في مسيرة النهضة، تمتعت بالأصالة في فكرها والانفتاح على ثقافة الآخر دون أن تتخلى عن جذورها. فهاهي تفضح دور مدارس الانتداب في محو التاريخ والهوية الوطنية: "لا شكّ أن هذه المدارس أرقى نوعاً من المدارس الأمريكية والوطنية، لكنها لا تفرّق بين مصلحتنا ومصلحتها، فهي تعلّمنا لغة وتاريخ بلادها، وتثير احترامنا لتقديس راياتها، وتضع في أفواهنا نشيداً وطنياً لبلاد لم تقع أعيننا عليها. ولا أزال أذكر كم بكيت في طفولتي على الملكة فكتوريا يوم حضرتها الوفاة إذ رأيت الدموع في عينيْ معلمتي، مع أني لم أبك على أحد من قومي».

أكدت ماري من خلال قلمها وخطاباتها ومواقفها السياسية وعيها بأهمية المثقف ودوره في تأكيد قيم التحرر من الاستعمار وفضح زيف طروحاته عن الحرية والإخاء والمساواة. فقد دافعت عن حق بلدها بالاستقلال، تقول: "من ذا الذي يقول إننا أمة لا يليق بها أن تُمنح الاستقلال، لا تعرف أن تحكم ذاتها بذاتها؟ واأسفاه، حتى الآن لا تزال الأغراض تلعب بنا، والضعف يكم الأفواه، والتحزبات تمثل بنا. لقد تنامى الليل وافتر جبين الصباح، فلنسدل على الماضي حجاباً كثيفاً، ولنعمل معاً على إحياء الوطنية في قلوب أبناء سورية وبناتها، لأنه إذا استولت علينا فرنسا لا تجعلنا فرنسيين، ومحال إن حكمتنا بريطانيا أن نصير بريطانيين".
انعزلت ماري بقية حياتها في منزلها في باب توما، ولم تتزوج بعد استشهاد حبيبها. غابت عن الأنظار وفارقت الحياة في كانون الأول 1965. دُفنت في مقبرة باب شرقي، يدلك عليها قبر صغير محفور عليه اسمها. ماري عجمي منارة تحتاج سوريا لها الآن أكثر من أي وقت مضى.



ليست هناك تعليقات: