بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات "إسرائيل " جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات "إسرائيل " جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد. إظهار كافة الرسائل

2014-11-23

"إسرائيل " جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد - الجزء الرابع.

نتابع: "إسرائيل " جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد -الجزء الرابع. والأخير

الصهيونية والصهاينة والحركة الصهيونية

مفهوم الصهيونية


جاء في الموسوعة الفلسطينية تعريف الصهيونية بأنها: كلمة أخذها المفكر اليهودي "ناثان برنباوم" من كلمة "صهيون" لتدل على الحركة الهادفة إلى تجميع "الشعب اليهودي" في أرض فلسطين، ويعتقد اليهود أن المسيح المخلص سيأتي في آخر الأيام ليعود بشعبه إلى أرض الميعاد، ويحكم العالم من جبل صهيون.

وقد حول الصهيونيون هذا المعتقد الديني إلى برنامج سياسي، كما حولوا الشعارات والرموز الدينية إلى شعارات ورموز دنيوية سياسية، ورغم تنوع الاتجاهات الصهيونية (يمينية ويسارية، ومتدينة وملحدة، واشتراكية ورأسمالية) ظلت المقولة الأساسية التي تستند إليها كل من التيارات الصهيونية هي مقولة "الشعب اليهودي"، أي الإيمان بأن الأقليات اليهودية في العالم لا تشكل أقليات دينية ذات انتماءات عرقية وقومية مختلفة، إنما تشكل أمة متكاملة توجد في الشتات أو المنفى بعيدة عن وطنها الحقيقي: "أرض الميعاد أو صهيون، أي فلسطين".

ويعتقد الصهيونيون أنه لما كان الشعب اليهودي لا يوجد في وطنه، بل هو مشتت في الخارج، فإنه يعاني من صنوف التفرقة العنصرية، ويمارس إحساساً عميقاً بالاغتراب عن الذات اليهودية الحقيقية، وبالتالي لا يمكن حل المسألة اليهودية ببعديها الاجتماعي والنفسي، إلا عن طريق الاستيطان في فلسطين.

كما يرى الصهيونيون أن جذور الحركة الصهيونية ـ أو القومية اليهودية كما يسمونها ـ تعود إلى الدين اليهودي ذاته، وأن التاريخ اليهودي بعد تحطيم الهيكل على يد الرومان، هو تاريخ شعب مختار منفي، مرتبط بأرضه، ينتظر دائماً لخطة الخلاص والنجاة.

والارتباط اليهودي بالعودة إلى الأرض المقدسة هو ارتباط توراتي مشروط، إذ أن الدين اليهودي يحرم العودة إلى أرض الميعاد، ويعتبر أن مثل هذه المحاولة هي من قبيل التجديف والهرطقة، لأن عودة اليهود حسب المعتقد الديني ـ لا يمكنها أن تتم إلا على يد مبعوث من الله، هو المسيح المخلص، وليس على يد حركة سياسية مثل المنظمة الصهيونية العالمية، ولذا حينما ظهرت الحركة الصهيونية عارضتها المنظمات اليهودية في العالم، وما تزال أقلية من هذه الجماعات تنادي بهذا المفهوم مثل جماعة "ناطوري كارتا" اليهودية المتدينة والتي تتمركز في الولايات المتحدة.

الصهيونيون

الصهيونيون ، جمع صهيوني : نسبة إلى " صهيون" اسم عبري معناه " الحصن " ، فأطلق على إحدى روابي القدس، التي كان عليها حصنٌ يدعى "حصن يبوسي" ، و قد جاء في العهد القديم عند أهل الكتاب أن داود احتل هذا الحصن وسماه "مدينة داود" ، ونقل إليها التابوت المقدس، فمنذ ذلك الحين صارت تلك الرابية مقدسة، وصار اسم " صهيون" رمزاً لمدينة داود تلك.

وفي "المعجم الوسيط" :"الصهيونية: حركة تدعو إلى إقامة مجتمع يهوديٍّ مستقلٍّ في فلسطين، وهي نسبةٌ إلى جبل قربَ أورشليم يسمَّى صهيون".

وقد ورد ذكر جبل صهيون في العهد القديم في مواضع كثيرة منها: "وذهب الملك ورجاله إلى أورشليم إلى اليبوسيين سكان الأرض. . . وأخذ داود حصن صهيون، هي مدينة داود. وأقام داود في الحصن وسماه مدينة داود ، وكان داود يتزايد متعظماً والرب إله الجنود معه". وفيه: "أم أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي". وفيه: "على جبل عال اصعدي يا مبشرة صهيون ارفعي صوتك بقوة يا مبشرة أورشليم".

غير أن "صهيون لم يعد اسماً لرابية أو مرتفع بل صار عند اليهود علماً على القدس بكاملها بما تمثله وما تحتويه: "مدينة داود" و "هيكل سليمان" .. فهي في نظرهم أقدس المقدسات، لذلك هم يسمونها: "المدينة الذهبية". وفي التراث الديني اليهودي لم تعد تشير كلمة "صهيونية" إلى جبل صهيون والقدس، بل إلى الأرض المقدسة ككل.

المنظمة الصهيونية العالمية

عملت المنظمة الصهيونية العالمية بجد منذ صدر قرار تأسيسها في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 على إقامة وطن لليهود, وهو ما تحقق على أرض فلسطين عام 1948، بعد أن نجح "ثيودور هرتزل" في الترويج لفكرة العودة إلى فلسطين وإقامة وطن لليهود، وعقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا، والذي كان من أهم نتائجه إقامة المنظمة الصهيونية العالمية لتنفيذ البرنامج الصهيوني الذي ينص على أن "هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام".

الفكر الصهيوني ما قبل"هرتزل"

سبق عدد من مفكري اليهود "هرتزل" في بلورة الفكر الصهيوني أهمهم خمسة: كاليشير (1795-1874) وموزيس هس (1812-1875) وينسكر (1821-1891) وموهيليفير (1824-1898) وغينزبرغ (1856-1927).

تحدى الحاخام كاليشير الروسي المولد الإجماع الديني السائد بأن أفتى أن العمل الميداني الاستيطاني في فلسطين يجب أن يسبق ظهور المسيح المنتظر وأن المعجزة الربانية في خلاص اليهود ستلي حتماً مثل هذا العمل فزرع بهذه الفتوى "المارقة" بنور التوليف اللاحق بين الصهيونية والفكر الديني اليهودي.

وجزم موزيس هس الألماني المولد والاشتراكي العلماني باستحالة النهوض باليهودية في الشتات الأوروبي المسيحي وبوجوب إقامة دولة يهودية في فلسطين كشرط مسبق لإعادة إحياء اليهودية سياسياً.

وصب فكر الحاخام موهيليفر الروسي المولد في مصب فكر سلفه كاليشير إذ دعا إلى دراسة علوم الزراعة إضافة إلى الدراسات الدينية وذهب في حثه على الاستيطان إلى القول "بان الله يفضل أن يعيش مع أبنائه في أرضهم (فلسطين) حتى ولو لم يتقيدوا بتعاليم التوراة على أن يظلوا في الشتات متقيدين بها".

وشدد كذلك "غنزبرغ" الروسي المولد على أن الدولة اليهودية المرتجاة لا يجوز أن تكون ملجأ فحسب للشعب اليهودي وأنه لا بد من فترة انتقال طويلة قبل إنشائها يتم فيها عن طريق تثقيف الذات قومياً وروحياً التخلص من أدران الشتات البغيضة لذلك وقف موقف الناقد لحركة الاستيطان الصهيونية الجارية قبل المؤتمر الصهيوني الأول وبعده.

من أبرز الاتجاهات الصهيونية

الصهيونية الدينية: والتي تقوم على أربعة أسس رئيسة: الإيمان بالإله الواحد ـ الإيمان بأن اليهود هم شعبه المختار ـ الإيمان بأن المسيح سوف يرسله الرب لتخليص شعبه والإنسانية ـ الإيمان بعودة اليهود إلى وطنهم الأصلي. والصهيونية الدينية تختلف عن الصهيونية السياسية التي قرر رجالها في مؤتمر بازل سنة 1897 العودة إلى الأرض المقدسة، ولم ينتظروا المعجزة الإلهية، فالعودة بنظرهم إن لم تقترن بالإرادة الإلهية، أي بقدوم المسيح الجديد، هي عودة باطلة.

الصهيونية الثقافية ـ الروحية: الصهيونية الثقافية، أو الصهيونية الروحية، ، تنبع فلسفتها من أولوية التراث الثقافي والخلقي واللغة العبرية، فهي ترى أن أعظم تهديد لبقاء اليهود في العقد الأخير من القرن التاسع عشر خاصة، يكمن في الضعف الداخلي للمجتمعات اليهودية، وفي فقدانها أي إحساس بوحدتها، وفي تداعي إمساكها بالقيم التقليدية والمثاليات والآمال.

وكان الفضل في تطوير مضامين الصهيونية الثقافية، فكراً وتوجيهاً، يعود إلى "أحاد هاعام" الذي كان يشدد على اللغة العبرية والقيم اليهودية التاريخية. ومن مقولاته المشهورة أن: "لا أمل بنجاح حركة الاستيطان، ما لم توقف وسائلها بإغراء القادمين عن طريق الخداع والأوهام بطرح المكاسب الذاتية، وتتوجه عوضاً من ذلك إلى إيقاظ وطنيتهم اليهودية الخفية، وحبهم لصهيون، لأنهم هكذا فقط يستمدون قوة معنوية لمواجهة صعوبات الحياة التي تجابههم في أرض الأجداد".

الصهيونية العملية ـ البراغماتية: اشتهرت الصهيونية العملية كمصطلح بعد صعود "هيرتزل" وصعود برنامجه السياسي معه، فالصهاينة العمليون كانوا يرون في النشاط الدبلوماسي اللاهث وراء وعود وضمانات دولية مضيعة للوقت، لذلك عارضوا هيرتزل، وحصروا جهودهم في تنمية المستعمرات داخل فلسطين، والعمل على زيادة الهجرة إليها، حتى تفرض سياسة الأمر الواقع نفسها.

الصهيونية السياسية: اصطلاح يستخدم للتمييز بين البدايات الصهيونية مع جمعية "أحباء صهيون" التي كانت شبه ارتجالية تعتمد على صدقات أغنياء اليهود وبين صهيونية هيرتزل التي حولت المسألة اليهودية إلى مشكلة سياسية، وأسست حركة منظمة محددة الأهداف والوسائل. وتعتبر الدعوات الفكرية التي أطلقها رواد الصهيونية، ولاسيما بنسكر، حجر الأساس في قيام الصهيونية السياسية التي أطلقها هيرتزل سنة 1897، وبمعنى آخر، فالصهيونية السياسية كانت قائمة، لكن في عالم النظريات، حتى جاء هيرتزل وحولها إلى حركة سياسية.

الصهيونية العمالية (الاشتراكية): يركز الصهاينة العماليون أو الاشتراكيون على الجانب الاقتصادي والاجتماعي في وضع اليهود الناتج عن فقدان القدرة على الاندماج، لا على الجانب الديني من المسألة اليهودية. ولعل أهم تيارات المدرسة الصهيونية العمالية هي مدرسة "غوردون" التي ركزت على فكرة اقتحام الأرض والعمل كوسيلة من وسائل التخلص من عقد المنفى ووسيلة عملية لغزو الأرض وصهر القومية اليهودية الجديدة.

وقد بادر رواد "الهجرة اليهودية الثانية" إلى إنشاء منظمات عمالية عديدة مثل عمال صهيون والعامل الفتي والحارس الفتي والتي تحولت في فترة لاحقة إلى أحزاب عمالية رئيسية من المستوطنين الصهيونيين تمخضت عنها منظمات اقتصادية سياسية مثل الهستدروت والكيبوتز والهاغاناة والبالماخ والتي شكلت بمجموعها الأدوات الرئيسية لعملية الغزو الصهيوني لفلسطين.

اتجاهات صهيونية أخرى: وهناك اتجاهات صهيونية أخرى لم يكن لها انتشار بين اليهود لأسباب كثيرة، منها هيمنة الصهيونية السياسية على تطور الفكر الصهيوني الذي حقق الهدف الأساسي للصهيونية في إقامة (دولة إسرائيل) ومن هذه الاتجاهات الصهيونية: "الصهيونية الإقليمية" و"الصهيونية التنقيحية" و"الصهيونية التوفيقية" و"صهيونية الدياسبورا" و"الصهيونية الراديكالية" و"الصهيونية العمومية" و"الصهيونية الكولونيالية". وللاستزادة في معرفة أبرر الاتجاهات الصهيونية يراجع كتاب فلسطين القضية الشعب الحضارة لـ : بيان نويهض الحوت ، وموسوعة اليهود واليهودية للدكتور عبد الوهاب المسيري .

ما بعد الصهيونية

يرى المؤرخون اليهود الجدد – الذين عملوا على إعادة النظر في الروايات التي ترادفت مع قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، من خلال مراجعة الصيغة التاريخية الرسمية، وتنقيتها من الأكاذيب ومن حيل الحرب النفسية التي تحولت إلى مسلمات في الطرح الصهيوني!! - : أن ولاة الحركة الصهيونية كانت ردة فعل على الاضطهاد الذي تعرض له اليهود، وجاءت "إسرائيل" لتكون حلاً ولو جزئياً لمشكلة يهود الشتات.

لهذا عمل هؤلاء المؤرخون على تبرئة اليهودية من الصهيونية التي لم تعد مؤامراتها وأساطيرها قادرة على الصمود طويلاً مع ظهور وثائق ومستندات جديدة تدينها بصورة مستمرة ولذلك كان ميل الحركة لتبني شعار "ما بعد الصهيونية"، وذلك لتأمين استمرارية الكيان اليهودي، وإزالة قسم بسيط من العداء المتراكم ضدهم نتيجة لخضوعهم لإيحاءات الإرهاب الصهيوني ومشاركتهم فيه.

ما بعد الصهيونية : معاداة أم امتداد للصهيونية ؟

ويرى البعض أن ما بعد الصهيونية معادية للصهيونية وأنها تعيد النظر في كل المقولات الصهيونية الأساسية ، بينما يؤكد البعض الآخر أن ما بعد الصهيونية إنما هي امتداد للصهيونية. ويصف بعض دعاة "ما بعد الصهيونية" أنفسهم مثل (موريس) أنه صهيوني يقوم بعمل يخدم به "إسرائيل" من خلال البحث عن الحقيقة التاريخية، بل يرى بعض هؤلاء أن ما بعد الصهيونية هي تحقيق للصهيونية، وأن السلام مع العرب هو الثمرة الطبيعية للإنجاز الصهيوني.

وكما يقول "بني موريس": " إن الكشف عن أعمال الطرد ومجازر ضد العرب في سنة 1948م ، وأعمال إسرائيل على امتداد الحدود في الخمسينيات، وعدم استعداد إسرائيل للقيام بتنازلات من أجل السلام مع دول عربية (الأردن وسوريا) بعد سنة 1948، ليس "دعاية معادية للصهيونية" ، وإنما هو إضاءة لجانب من مسارات تاريخية مهمة، عتمت عليه عمداً طوال عشر سنوات من الأعوام "المؤسسة الإسرائيلية" بمن في ذلك الباحثون والصحافة – خدمة للحكومة وللأيديولوجيا السائدة".

بل إن بن جوريون نفسه – في السابق - طالب بحل المنظمة الصهيونية بعد تأسيس الدولة، فقد وصفها بأنها "التي تفقد وظيفتها بعد الانتهاء من البناء، وأن مهمة يهود العالم هي الهجرة إليها وحسب، وبإمكان الدولة الصهيونية الوصول إليهم مباشرة، دون وساطة المنظمة الصهيونية.

فتحدي "الرواية اليهودية" للأحداث أمر قام به بعض الباحثين من أمثال "إسرائيل شاحاك " من قبل بشكل منهجي شامل، أما "يوري افينيري" فقد أكد في أكثر من مناسبة أن الصهيونية انتهى دورها، وهناك من قال إن الصهيونية إن هي إلا حركة إنقاذ ليهود أوربا - من الكارثة المحيطة بهم - انتهى دورها مع إعلان الدولة الصهيونية.

ثلاث صهيونيات!!

يرى "إيلان پابيه" أن الصهيونية تقسم الآن إلى "ثلاث صهيونيات" تتعارض فيما بينها: فهناك الصهيونية التقليدية التي يمثِّلها حزبا العمل وليكود، وتمثِّل التيار السائد؛ وهناك "الصهيونية الجديدة" التي تُعتبَر تفسيرًا متطرفًا للصهيونية، وتمثِّل التحالف بين الحاخامات الأرثوذكس والمستوطنين القوميين المتطرفين؛ أما "ما بعد الصهيونية" فظاهرة يهودية تمثل مرحلة انتقالية للـ"خروج" من الصهيونية، ولكن من غير الواضح إلى أين، ومن الضروري لها أن ترسم المستقبل في نقاش مشترك مع الفلسطينيين !!.

علاقة الصهيونية باليهودية

يرى البعض أن الصهيونية هي اليهودية، فما قام به اليهود من تقسيم أنفسهم إلى فريقين:

الأول: صهاينة يعملون على الاستقرار في فلسطين وإنشاء كيان غاصب أسموه "دولة إسرائيل".

الثاني: يهود خارج فلسطين يتظاهرون بأنهم لا يكترثون لما يحدث وأنهم لا ينظرون لليهود على أنهم قومية بل هي دين فقط.

فهم في الواقع يمثلون وحدة إلا قليلاً من أصوات احتجاج أو استنكار وخطط الصهيونية نسمعها بين حين وآخر لا تمثل إلا جزءاً يسيراً جداً من مجموع اليهود في العالم، بقيت فكرة العودة إلى أرض الميعاد، حاضرة في العقل الجمعي ليهود الشتات إلى أن جاءت الحركة الصهيونية المعاصرة وأعادت صياغة ذلك المفهوم، بشكل سياسي معاصر أدت ترجمته إلى قيام الكيان اليهودي الحالي.

لذا لا شك أن مصطلح "الصهيونية" يحمل في طياته إشكالية التعريف حيث يصعب تعريفه بشكل مباشر، ففي الواقع نحن أمام صهيونيات لا صهيونية واحدة، حتى في قرارات الأمم المتحدة تجد الإشكالية من حيث أن الصهيونية حركة عنصرية حسب أحد قرارات الأمم المتحدة، وأنها ليست كذلك حسب قرارات أخرى!!

وفي ختام الحلقات الأربع أرجو أن أكون قد وفقت في إلقاء الضوء علي مسميات اليهود وتاريخها واتجاهاتها وأيدلوجيتها، واجتهدت أن أتجنب الإطالة المملة، لأن معرفة تلك المسميات وخلفياتها وأبعادها ضرورة لفهم الصراع مع اليهود الغاصبين!!
عيسى القدومي


2014-11-22

"إسرائيل " جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد - الجزء الثالث.

نتابع: "إسرائيل جذور التسمية ... وخديعة المؤرخين الجدد-الجزء الثالث.

أسماء تعددت وتنوعت تلك التي تطلق على اليهود اليوم، والتي من أشهرها مسمى "يهود" و "إسرائيليين" و "عبريين" و "صهاينة" ... ورغم بساطة تلك الأسماء إلا أنها تحمل إشكالية معقدة ومختلطة في تفسير معانيها لتعدد إشارتها واستخداماتها، وكثير من الناس لا يعرف حقيقة هذه التسميات، فتجد البعضُ لا يطلقُ عليهم غير التسميةِ الأولى، و بعضٌ آخرُ يجمعُ معها الثانية، وثالثٌ: الثالثةَ، والرابعة ...

ولدفع هذا اللبس والإيهام جمعت شتات ما قيل عن تلك الأسماء ومعانيها وخلفياتها، حتى نعي الفرق بينها، وأبعاد تلك المسميات، ولماذا اختار اليهود المغتصبين لأرض فلسطين مسمى "إسرائيل" ؟! وما هي الأسماء الأخرى التي تم طرحها ؟ ولماذا استبعدت ؟ وكيف وقع الاختيار على مسمى "إسرائيل" دون غيره ؟ وما الأسماء التي يحاول اليهود تجاوزها واستبعاد نطقها ؟

وبعد أن أفردنا مقالاً مستقلاً حول كلمة اليهود وسبب تسميتهم بهذا الاسم، وعرفنا من هو اليهودي في عُرف يهود اليوم، وإشكالية مدلول كلمة اليهود واليهودية عند طوائف اليهود، ولماذا يفضلون تسميتهم "بالشعب اليهودي" ؟!! ... وتبعه مقال ثان جمعنا به ما جاء في مدلول كلمة إسرائيل وإسرائيلي وإسرائيليون، والخلاف الحاصل بين قادة اليهود وحاخاماتهم في تعريف من هو اليهودي ؟ وما المسمى الأصح اليهود أم الإسرائيليون ؟ ولماذا اختار قادة اليهود مسمى إسرائيل لكيانهم الغاصب ولماذا استبعدوا المسميات المقترحة الأخرى ؟!

وفي هذا المقال سنتطرق إلى مسمى عبري، والعبريون، واللغة العبرية، وأسباب تلك التسميات وأبعادها:

العبريون ... أسباب التسمية وأبعادها

اختلفت الآراء في سبب تسميتهم بـ"العبريين" أو "العبرانيين"، قيل: إنهم سموا بذلك نسبة إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام نفسه، فقد ذكر في سفر التكوين باسم: "إبراهيم العبراني"، لأنه عبر نهر الفرات و أنهاراً أخرى، وقيل إنهم: سموا بالعبرانيين نسبة إلى "عِبْر"، وهو الجد الخامس لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، والرأي الثالث يقول: إن سبب التسمية يرجع إلى الموطن الأصلي لبني إسرائيل، ذلك أنهم في الأصل كانوا من الأمم البدوية الصحراوية التي لا تستقر في مكان، بل ترحل من بقعة إلى أخرى بإبلها وماشيتها للبحث عن الماء والمرعى.

وغالب المؤرخون اجمعوا على أن التسمية ناتجة عن عبور إبراهيم علية الصلاة والسلام نهر الفرات, ويؤكد هذا الرأي ما جاء في سفر يوشع: "وهكذا قال الرب إله إسرائيل في عبر النهر سكن آباؤكم منذ الدهر". ويرى البعض إن هذه اللفظة لم تظهر إلا بعد اجتياز إبراهيم نهر الفرات" , فضلا ًعن أن الأخذ بهذا الرأي أقرب إلى الصحة والصواب من الآراء الأخرى.

قال الأستاذ شراب في كتابه العرب واليهود في التاريخ ص/ 63: " لفظ العبري أطلق تاريخياً على شراذم من الغجر الرحل كانوا يعيثون في الأرض فساداً، ويتبعون الجيوش الغازية، بوصفهم مرتزقة يستعان بهم في الأعمال الدنية، ووصفهم إبراهيم بأنه عبري غير صحيح، إلا إذا أخذنا من لفظ عبري معنى: الترحال والتنقل، وقد ألصق اليهود بإبراهيم وصف "العبري" ليصلوا إلي وصف لغتهم بأنها "عبرية" قديمة ترجع إلى زمن إبراهيم عليه السلام، وهذا كلام باطل لأن اللغة العبرية جاءت متأخرة جداً عن زمن إبراهيم، وهي لهجة آرامية عربية، ظهرت بعد عصر موسى بحوالي ست مئة سنة ولأن التوراة نزلت باللغة الهيروغليفية، حيث تخاطب قوماً في مصر أو أخرجوا من مصر".

وأرى أن الذي ذكره هو الصواب، فاللغة العبرية لغة متأخرة جداً عن زمن الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

عبري

لفظ " عبري " هي أقدم التسميات التي تطلق على الجماعات اليهودية ويقال أيضاً "عبراني" وجمعها "عبرانيون"، ومن الآراء المطروحة أيضاً أن كلمة "عبري" مشتقة من "العبور" من عبارة "عبر النهار": "فهرب هو وكل ما كان له وقام وعبر النهر وجعل وجهه نحو جبل جلعاد " ( تكوين 31/21).

ويرى عبد الوهاب المسيري في موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية": أن كلمة "عبري" ترد أحياناً مرادفة لكلمة "يهودي" على نحو ما جاء في سفر إرميا (34/9): "أن يطلق كل واحد عبده وكل واحد أمته العبراني والعبرانية، حُريَّن حتى لا يستعبدهما أحد". كما كانت الكلمة مرادفة لكلمة "يسرائيلي" خروج ( 9 / 1 –4 ): "هكذا يقول الرب إله العبرانيين ... ويميز الرب بين مواشي يسرائيل ومواشي المصريين" وفي صمويل الأول ( 4/9 ) يقول أحد الفلستيين: "تشددوا .. وكونوا رجالاً لئلا تستعبدوا للعبرانيين" وهو يتحدث عن جماعة يسرائيل.

ويضيف المسيري: "ويفضل بعض الصهاينة العلمانيين أن يستخدموا كلمة "عبري" أو "عبراني" على استخدام كلمة "يسرائيلي" أو "يهود" باعتبار أن الكلمة تشير إلى العبرانيين قبل اعتناقهم اليهودية، أي أن مصطلح "عبري" يؤكد الجانب العرقي على حساب الجانب الديني فيما يسمى "القومية اليهودية" بل إن بعض أصحاب الاتجاهات الإصلاحية والاندماجية، في مرحلة من المراحل، كانوا يفضلون كلمة "عبري" على كلمة "يهودي" بسبب الإيحاءات القدحية للكلمة الأخيرة.

ويقول الدكتور ظاظا: "بعد العودة من بابل في القرن الخامس قبل الميلاد، اقتصر استخدام مصطلح "عبرانيين" على الإشارة إلى الرعيل الأول من اليهود حتى عصر التهجير البابلي واستخدمت كلمة "يهود" أو "يسرائيلي" للإشارة إلى الأجيال التي أتت بعد ذلك، والتي لم تعد تستخدم اللغة العبرية وإنما تتحدث الآرامية وتكتب بها".

ورغم هذا نجد أن معظم الدراسات لا تفرق بين تاريخ العبرانيين والتواريخ اللاحقة للجماعات اليهودية، متأثرة في ذلك بالرؤية الإنجيلية التي تنظر إلى اليهود باعتبارهم شعباً مقدساً حافظ على تماسكه وهي رؤية تخلط التاريخ الدنيوي بالتاريخ المقدس.

اللغة العبرية

العبرية إحدى اللغات السامية من المجموعة الكنعانية، كما أن بدايتها يلفها الغموض فهي مجرد لهجة من لغة أكبر (اللغة الكنعانية)؛ لهجة لم تكن قد نضجت أو تبلورت بعد كان يتحدث بها الكنعانيون ثم اتخذها العبرانيون لغة لهم بعد تسللهم إلى أرض كنعان وسميت هذه اللغة "عبرية" في وقت متأخر من العصور الوسطى فلا يوجد في صحف العهد القديم ما يدل على أنهم كانوا يسمونها بهذا الاسم، إذ كان يشار إليها بمصطلح "يهوديت" (يهودي) و"لسان كنعان" ولم يظهر مصطلح "لاشون عفريت"، أي "اللسان العبري" ، إلا مع المشناه.

وفي العصر الحديث ظهرت أول مجلة عبرية في عام 1856م ، وقد حاول المفكر الصهيوني إليعازر بن يهودا إحياء العبرية، وقوبلت محاولته بعداء شديد في بادئ الأمر من قبل اليهود المتدينين الذين كانوا يرون أن العبرية لغة مقدسة يجب ألا تمتهن باستخدامها في الحديث اليومي.

وقام صراع حول استخدام العبرية في الصلوات. وكان ذلك من المسائل الأساسية التي ناقشتها الفرق اليهودية المختلفة في العصر الحديث. فحاول الإصلاحيون استبعادها لتأكيد عدم ازدواج ولاء اليهود ولتشجيع اندماجهم الحضاري واللغوي مع الأمم التي يعيشون بين ظهرانيها، في حين حاول المحافظون والأرثوذكس (بدرجات متفاوتة) الإبقاء عليها ونشبت حرب اللغة بين دعاة استخدام العبرية ودعاة استخدام الألمانية. وانتصرت العبرية في نهاية الأمر.

بأي لغة يتحدث بها اليهود ؟!

بحسب قانون الكيان اليهودي اللغة العبرية لغة رسمية للدولة، ويضاف لها اللغة العربية وتكتب معظم اللافتات باللغتين العبرية والعربية، وتختفي اللغة العربية من لافتات الجهات الرسمية للدولة وفي أغلب الأحياء التي يقطن فيها اليهود، كما أن المؤسسات والشركات الخاصة لا تستعمل العربية.

وتؤكد حكومة الاحتلال لمواطنيها أن الرباط اللغوي يكاد يكون الرباط القومي الوحيد بينهم وليس التوراة، وذلك على اعتبار أن التراث الحضاري للجماعات اليهودية متنوع، كما أن الكتب اليهودية متنوعة وبعضها مكتوب بالآرامية ولا يؤمن به كثير من اليهود وتحاول الحكومة استخدام اللغة كأداة لتذويب الفوارق القومية الدينية فالعبرية أحد أسس أسطورة "بوتقة الصهر" الإسرائيلية. كما أن الجيش "الإسرائيلي" يدرس العبرية للمجندين القادمين من أطراف العالم ليصبغهم بالصبغة القومية المرجوة. كما أنه يتعين على كبار موظفي الحكومة أن يعبرنوا أسماءهم.

ورغم كل هذه المحاولات، يبدو أن عملية الدمج لم تنجح بعد تماماً. ويتضح هذا من عدد الصحف التي تظهر بلغة البلاد الأصلية التي هاجر منها اليهود، كما أن الإذاعة الصهيونية تذيع برامج بلغات عديدة: مثل اليديشية والفرنسية والإنجليزية والرومانية والتركية والفارسية والعربية والروسية والإسبانية، ولكن معظم الإسرائيليين يتحدثون العبرية خارج منازلهم. أما داخلها، فإنهم يتحدثون إما لغة الموطن الذي جاءوا منه وإما العبرية باللهجة التي يعرفونها، ولكن الصابرا يتحدثون العبرية داخل المنازل وخارجها فهي اللغة الأم بالنسبة إليهم.

ومع ذلك فلا تزال العبرية لغة القلة من اليهود إذ يتحدث أعضاء الجماعات اليهودية لغة أوطانهم بما في ذلك ما يكتبونه عن أنفسهم وعن اليهودية، فيتحدث أكثر من عشرة ملايين يهودي الإنجليزية ويتحدث مليونان الروسية وعدة آلاف تتحدث اليديشية (لكن عددهم آخذ في التناقض بسرعة)، وأكثر من مليون ونصف المليون يتحدثون لغات أخرى مثل الفرنسية في فرنسا وغيرها أو الإسبانية أو البرتغالية لغة يهود أمريكا اللاتينية ولا يتحدث العبرية سوى 83 % من الصهاينة في فلسطين، وهم لا يتحدثونها طوال الوقت. ويفضل كثير من العلماء اليهود نشر أبحاثهم بالإنجليزية حتى يكون لهم جمهور واسع من القراء.

فلسطين وعبرنة العربية

منذ بداية المشروع الصهيوني على أرض فلسطين اهتم قادة الكيان اليهودي بإحياء العبرية والتي تعني لهم الوجود وأساس يجمع به هذا الشتات الذي ينتمي إلى بلاد كثيرة. لذا لجأ قادته إلى دس مصطلحات وأسماء عبرية عديدة في لغة الإعلام العالمي، تزييناً للواقع وتزويراً للتاريخ.

في فلسطين المحتلة أخذت الكثير من المفردات في اللغة العبرية تحل محل مفردات عربية أصيلة، وفي بعض الأحيان يلجأ الكثير من المتخصصين إلى استخدام اللفظ العبري لأنهم لا يعرفون المصطلح المهني المرادف بالعربية. ولا شك أن هيمنة الاحتلال على مجريات الحياة العامة للفلسطينيين وضعت واقعاً أجبر الكثيرين على التعامل بلغة الاحتلال.

والغريب في الأمر أنه رغم وفرة مفردات اللغة العربية وغزارة مادتها اعتاد المتحدثون "استيراد" كلمات من العبرية واستعمالها في مجمل حديثهم اليومي، والتي تصبح مع مرور الوقت جزءاً من لغة الناس اليومية، وتأخذ وضعها الطبيعي عندهم، وربما استخدمتها الأجيال اللاحقة على أنها جزء من لغتهم الأم.

وما زالت محاولة العمل على "عبرنة" بعض كلمات اللغة العربية، وتهويد بعض مصطلحاتها ونحت ألفاظها، بما يحقق لها الرواج والتداول والاستمرار والانتشار، ليس بهدف التكلم بالعبرية في نهاية المطاف، ولكن لنستخدم بعض الكلمات العبرية التي تخدم مخططاتهم وتعود عليهم بالنفع.

ولا شك إذا لم نتنبه إلى عبرنة ألفاظنا سنصحو وإذا بنا وبإعلامنا يتكلم العبرية في بعض مفردات الخطاب من حجم المصطلحات المستخدمة، فهم المبادرون لنحت تلك المصطلحات وهم الساعين لنشرها وإشاعتها، ومن الضروري ألا ندع اليهود يحتكرون لأنفسهم توليد المصطلحات وتسمية الأشياء ومن ثم التحكم في المقولات الكامنة وراء الخطاب والتي يحرص الصهاينة على إخفائها، لعزل الظواهر والمسميات عن أصولها التاريخية وكأنها أحداث وممارسات مجردة، ليحلو لهم تسميتها كما أرادوا ...

وبما أن آلة صك وتوليد المصطلحات اليهودية والصهيونية لا تكف عن الدوران، فسوف تظل الحاجة لدراستها وإظهار مقاصدها، وإيجاد المصطلح الصواب للتعبير في كلماتنا وخطاباتنا. ومع الإصرار على العودة إلى المصطلحات الصحيحة والتحذير من المقاصد اليهودية فأننا يقينا "بمشيئة الله تعالى" سنعتاد المسميات والمصطلحات الصحيحة التي تلتزم بالثوابت الإسلامية والعربية الأصيلة. فهناك العديد من الأسماء العربية للقرى والمدن والأماكن والأحياء وغيرها والتي لا يسع المجال لذكرها قد تم استبدالها بأسماء عبرية!! ، وهنا ننوه أن لا بد من ذكر الأسماء العربية لهذه الأماكن ولو كانت مدمرة.

يتبع
عيسى القدومي

"إسرائيل " جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد - الجزء الثاني.


نتابع: "إسرائيل" جذور التسمية ... وخديعة المؤرخين الجدد- الجزء الثاني.

أسماء تعددت وتنوعت تلك التي تطلق على اليهود اليوم، والتي من أشهرها مسمى "يهود" و "إسرائيليين" و "عبريين" و "صهاينة" ... ورغم بساطة تلك الأسماء إلا أنها تحمل إشكالية معقدة ومختلطة في تفسير معانيها لتعدد إشارتها واستخداماتها، وكثير من الناس لا يعرف حقيقة هذه التسميات، فتجد البعضُ لا يطلقُ عليهم غير التسميةِ الأولى، والبعضٌ الآخرُ يجمعُ معها الثانية ، وثالثٌ : الثالثةَ ، والرابعة ...

ولدفع هذا اللبس والإيهام جمعت شتات ما قيل عن تلك الأسماء ومعانيها وخلفياتها، حتى نعي الفرق بينها، وأبعاد تلك المسميات، ولماذا اختار اليهود المغتصبين لأرض فلسطين مسمى " إسرائيل " ؟! وما هي الأسماء الأخرى التي تم طرحها؟ ولماذا استبعدت؟ وكيف وقع الاختيار على مسمى " إسرائيل" دون غيره؟ وما الأسماء التي يحاول اليهود تجاوزها واستبعاد نطقها؟

وبعد أن أفردنا مقالاً مستقلاً حول كلمة اليهود وسبب تسميتهم بهذا الاسم، وعرفنا من هو اليهودي في عُرف يهود اليوم، وإشكالية مدلول كلمة اليهود واليهودية عند طوائف اليهود، ولماذا يفضلون تسميتهم "بالشعب اليهودي"؟!!... سنحاول في هذا المقال جمع ما جاء في مدلول كلمة إسرائيل وإسرائيلي وإسرائيليين...

إسرائيل وإسرائيلي وإسرائيليين

تم إطلاق مصطلح إسرائيليين على شتات اليهود القادمين إلى فلسطين بعد إعلان اليهود قيام دولة أسموها "إسرائيل" في 15 مايو 1948م ، فأصبح كل من يعيش على أرض فلسطين من اليهود يأخذ مُسَمى "إسرائيلي" ، وجنسية "إسرائيلية"، ومجموع شتاتهم على أرض فلسطين المغتصبة "إسرائيليين"!!.

وشاعت تلك التسميات على ألسن الناس عامة وفي بلاد المسلمين، حيث أطلق على الكيان اليهودي والصهيوني "إسرائيل" وعلى اليهودي "إسرائيلي"، وشاع مصطلح "إسرائيليون" على اليهود الذين أتوا إلى فلسطين كغزاة ...

من هو إسرائيل ؟!

إسرائيل كلمة عبرانية مركبة من ( إسرا ) بمعنى: عبد ، ومن ( إيل ) وهو الله، فيكون معنى الكلمة: عبد الله ، وإسرائيل اسم لنبي الله يعقوب عليه السلام، وجاء في تسمية بني إسرائيل بهذا الاسم نسبة إلى أبيهم يعقوب عليه السلام، ويهود اليوم التصقوا بهذا الاسم، ليلبّسوا على العامة بأنهم من نسل " إسرائيل " يعقوب عليه السلام، ولإثبات عدم اختلاطهم بالشعوب الأخرى ليتحقق لهم الزعم بنقاء الجنس اليهودي، وأن يهود اليوم هم النسل المباشر ليهود التوراة، وذلك لتبرير العودة إلى أرض الميعاد !!

لذا فهذه التسمية منكرة، لما شاع على الألسن القول في سياق الذم... فعلت إسرائيل كذا، وستفعل كذا؛ و"إسرائيل" هو رسول كريم من رسل الله تعالى، وهو "يعقوب" عليه السلام، وهو بريء من الكيان اليهودي الخبيث الماكر، إذ لا توارث بين الأنبياء والرسل وبين أعدائهم من الكافرين.

وقد نبه الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في رسالة له باسم "الإصلاح والتعديل فيما طرأ على اسم اليهود والنصارى من التبديل" أن "يهود" انفصلوا بكفرهم عن بني إسرائيل زمن بني إسرائيل، كانفصال إبراهيم عن أبيه آزر، والكفر يقطع الموالاة بين المسلمين والكافرين كما في قصة نوح مع ابنه. ولهذا فإن الفضائل التي كانت لبني إسرائيل ليس ليهود فيها شيء، ولهذا فإن إطلاق اسم بني إسرائيل على يهود يكسبهم فضائل ويحجب عنهم رذائل، فيزول التمييز بين "إسرائيل" وبين يهود المغضوب عليهم، الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة.

والأصح أن يطلق عليهم "يهود" بدلاً من "إسرائيليين" للأسباب التالية:

· إسرائيل عليه السلام يبرأ إلى الله تعالى منهم في الدنيا والآخرة، لأنه نبي مسلم، وعبدٌ لله، فأين هم من العبودية لله؟! فادعاؤُهم بأنهم من سلالة "إسرائيل" عليه السلام كذب وافتراء لأن "يعقوب" عليه السلام نبي مسلم، قال تعالى: ] ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون [ فهل اليهود مسلمون؟!!.

· أثبت العديد من الدارسين والباحثين أن أكثر من 92% من يهود اليوم والذين يستوطن الكثيرون منهم الآن في الولايات المتحدة ودول أوروبا وروسيا والكيان اليهودي ليسوا من الوجهة التاريخية من سلالة الذين عُرِفُوا بـ "يهود الأرض المقدسة" في تاريخ "العهد القديم"، وأن الحقائق المقررة في كتب التاريخ أن "الخزر" قد تحولوا عن وثنيتهم ليسموا أنفسهم "يهوداً"، ولم يسمهم أحدٌ "يهوداً" قبل نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، حيث تحول في نهاية ذلك القرن ملك الخزر ونُبلاؤُه وعددٌ كبير من شعبه إلى الديانة اليهودية. وهذا دلالة واضحة على كذب مزاعمهم وافتراءاتهم.

· لهذا فإنه من الخطأ إطلاق اسم "إسرائيل" على الكيان اليهودي المغتصب لأرض فلسطين، ولإبقاء اسم "إسرائيل" على نقائه وحُسنه، وعدم تلويثه بإطلاقه على الشعب اليهودي الحاقد، ورَدًّا لمزاعم اليهود، فلنطلق عليهم الاسم الجدير بهم، وهو "اليهود" و"يهود"، والكيان اليهودي، ونبطل بذلك استغلالهم اسم: "إسرائيل ".

والعجيب أننا أصبحنا نسميهم بغير اسمهم؟! فاليهود أصبحوا إسرائيليين، والمعتدون صاروا أصحاب الأرض، والمغتصبون صاروا مستوطنين، وأهل الحرب صاروا دعاة السلام، ومقاومتهم أصبحت عنفاً وإرهاباً، وما ذاك إلا دلالة على نجاح الإعلام اليهودي في نشر المصطلحات التي يريدها !!!.

هكذا أسمت نفسها "إسرائيل" !!

مازال الجدال والسجال سواء من المؤرخين الجدد أو من أناس شاركوا في صنع الأحداث، حول أول من أطلق اسم "دولة إسرائيل" على الكيان اليهودي ... وأغرب تلك الآراء أن ذلك المسمى لم يقر إلا قبل أيام فقط من إعلان "دافيد بن غوريون" – أول رئيس وزراء في الكيان اليهودي - عن قيامها في 15 مايو 1948، وقد يتعاظم الاستغراب عند معرفة أن سجالاً لا يزال يدور بين المؤرخين اليهود حول شخصية المبادر لإطلاق هذه التسمية.

كتب "أهرون رؤبيني" مقالة في صحيفة "هآرتس" العبرية، استعرض فيها السجالات التي دارت في الكيان الصهيوني طوال عقود حول أول شخص استخدم علناً اسم "دولة إسرائيل" وهو السؤال الذي ظل يحير الجمهور، وأوضح الكاتب أن الكثيرين في "إسرائيل"
يعزون الفضل في اختيار الاسم إلى "بن غوريون". وأضاف أن زوجة أحد قادة الحركة الصهيونية "يهودا أليتسور" كتبت حينها في "هآرتس" و"جيروزليم بوست" أن زوجها كان أول من اقترح الاسم ونشره في "بلستاين بوست" باللغة الإنكليزية في الثاني عشر من مايو 1948م ولكن تبين أنه في ذلك اليوم تحديداً كانت "الإدارة القومية" التي كانت بمثابة حكومة اليهود قد قررت اعتماد هذا الاسم.

ونشر أحد الصحفيين اليهود بمناسبة الذكرى الأولى لإعلان قيام "إسرائيل" في عام 1949م أن اختيار الاسم تم في الثاني عشر من أيار العام 1948 في اجتماع عقدته "الإدارة القومية" التي تحولت بعد ذلك إلى حكومة مؤقتة؛ وأشار إلى أنه بعد أن قررت هذه الإدارة إعلان الدولة أثير موضوع الاسم الذي ستتخذه، وكان الميل الغالب في الاجتماع هو تسمية الدولة الجديدة بـ"دولة يهودا".

واستبعدت تلك التسمية كون أن القسم الذي منحه لليهود مشروع التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة لا يحوي أياً من أراضي "دولة يهودا التاريخية" ، كما أن الدولة اليهودية الجديدة لم تكن تشمل القدس التي كانت "عاصمة يهودا"، ولذلك تم إهمال اسم يهودا وبدأ النقاش في تسمية الدولة بـ "صهيون" أو "تسبار" أو "أرض إسرائيل"، ولكن كل هذه التسميات لم ترق للحاضرين لأسباب عديدة؛ فصهيون اسم جبل في القدس التي كان من المقرر أن تخضع لنظام دولي خاص؛ واسم "تسبار" لا يعني من الوجهة التاريخية شيئاً، كما أن اسم "أرض إسرائيل" لا يصح إطلاقه على قسم فيما يبقى القسم الأكبر من هذه الأرض خارجه.

وفعلاً اقتصر الصهاينة استخدام كلمة "يهود" و "دولة يهودية" على فكرتهم وكيانهم وتجمعهم، ولم يذكروا كلمة "إسرائيل" إلا قبيل إعلان دولة العدوان – على الرغم أنها كانت تستخدم في بعض كتاباتهم إلا أنها لم تصل إلى حد إطلاقها على الكيان اليهودي - والدلالة على ذلك كثيرة. فأول رابطة أسست لتسهيل هجرة اليهود أطلق عليها "رابطة الاستعمار اليهودي" في 1891م ، التي قام بتأسيسها البارون موريس دي هيرش المليونير اليهودي الألماني. وتحت عنوان "الدولة اليهودية" صدر كتاب في عام 1896م للزعيم اليهودي الصهيوني تيودر هيرتسل ، وفيه يدعو إلى إقامة "دولة يهودية" في فلسطين. ومن أهم قرارات المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا عام 1897م ، تشجيع "الاستيطان اليهودي" في فلسطين، وتأسيس "الصندوق القومي اليهودي". ونص الوعد الجائر والمسمى بوعد بلفور في عام 1917م على إيجاد وطن قومي "لليهود" في فلسطين. وفي عام 1945م مجلس النواب الأمريكي طلب من الحكومة الأمريكية تسهيل "الهجرة اليهودية" غير المحدودة إلى فلسطين، بهدف تحويل فلسطين إلى "كومنولث يهودي". وأعلنت القيادة الصهيونية في 1946م أن إقامة "دولة يهودية" هي الطريقة الوحيدة لحل مشكلة "الشعب اليهودي". وأوصت بريطانيا الأمم المتحدة في عام 1947م بإلغاء الانتداب على فلسطين في 15 أيار / مايو 1948 ، على أن يعقب ذلك إقامة "دولة يهودية مستقلة" و "دولة فلسطين مستقلة". وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947م وجوب إقامة دولتين في فلسطين: دولة يهودية - هكذا أسموها - ودولة عربية، وأن قيام دولة يهودية هي حق طبيعي للشعب اليهودي!!.

وجاء كذلك في إعلان الاستقلال الصادر في يوم انتهاء الانتداب البريطاني وتسليم القيادة للعصابات اليهودية 14/مايو / 1948م : نجتمع لنعلن بهذا قيام دولة يهودية على أرض إسرائيل، تدعى "إسرائيل"، ومضى البيان معلناً فتح أبواب الهجرة اليهودية وجمع الشتات اليهودي.

وبحسب الصحافي نفسه فإن بن غوريون كان أول من عرض اسم "إسرائيل" على أعضاء الإدارة القومية الذين أقروه بغالبية سبعة ضد ثلاثة، ومنذ ذلك الحين شاع الانطباع بأن بن غوريون هو من اقترح التسمية.

ولكن "رؤبيني" يدعي أنه كان قد نشر اقتراحه في صحيفة "بلستاين بوست" و"هيد همزراح" في حزيران وتموز من العام 1947م وأشار إلى أنه عشية اتخاذ الجمعية العمومية للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني العام 1947 قراراً بتقسيم فلسطين، كتب موضحاً عيوب الأسماء الكثيرة المقترحة وأفضلية اسم "دولة إسرائيل".

ونشر في مجلة "الميزان" في الخامس من كانون الأول العام 1947م أفضليات تسمية الدولة الجديدة بـ (إسرائيل) ، وكتب أنه لا يمكن تسميتها "أرض إسرائيل" لأنها لن تشمل كل بقاع هذه الأرض ولا حتى غالبيتها، وأن تسمية كهذه في مثل هذا الحال ستقود إلى بلبلة المفاهيم.

وأضاف: كذلك الحال مع دولة "يهودا" التي لا تجوز فيها هذه التسمية في ظل وقوع كل أراضي "يهودا" في القسم العربي وفق مشروع التقسيم، كما أنه لا يجوز استخدام اسم "صهيون" في ظل غياب جبل صهيون والقدس عن الدولة اليهودية، أما تسمية الدولة العبرية فكانت مرفوضة لأنها تعني "العابر" من مكان ما وهم يريدون ترسيخ فكرة أنهم كانوا هنا وما زالوا.

ويشرح "رؤبيني" أن سبب عدم تسمية (إسرائيل) باسم دولة اليهود يعود إلى أن هذا ليس الاسم الأصلي لبني (إسرائيل) ، وأن اسم اليهود لم يطلق عليهم إلا بعد خراب المملكة الشمالية السامرية ، وحينها قالوا إن "يهودا ورثت إسرائيل"، ولكن ليس للأبد.

عموماً رأى المؤرخون في العودة إلى اسم "إسرائيل" توحيداً للفكرة التاريخية بأن ممالك بني "إسرائيل" في أرض فلسطين انقسمت إلى سامرية شمالية عاصمتها نابلس، ويهودية جنوبية عاصمتها القدس .

ولهذا أطلق اليهود مصطلح " يهودا والسامرة والجليل" على فلسطين لتسويغ عملية الضم، ولإيجاد تاريخ وثقافة وحضارة لهم على أرض فلسطين، وطمس المسميات الإسلامية والتاريخية والحضارية والثقافية والعربية لمدن ومناطق فلسطين، بادعاء أن فلسطين يهودية الأصل، وأن المسلمين دُخلاء على تلك الأرض، وما أتى اليهود الآن إلا ليأخذوا حقًّا لهم. وأشاعوا تلك المسميات على مناطق فلسطين لإنكار كل الحضارات التي عاشت على أرض فلسطين، وبالأخص الحضارة والخلافة الإسلامية، وكذلك لتبرير الاحتلال الغاصب بدعوى العودة إلى أرض كانت ملكهم!! وأطلقوا عليها أرض الأباء والأجداد لتسمية الأشياء بغير اسمها حتى ينسى أصلها !! .

يتبع
عيسى القدومي

"إسرائيل " جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد - الجزء الأول.


’’إسرائيل’’ جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد
وهكذا أسمت نفسها " إسرائيل"

"إسرائيل " جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد - الجزء الأول.

أسماء تعددت وتنوعت تلك التي تطلق على اليهود اليوم، والتي من أشهرها مسمى "يهود" و "إسرائيليين" و "عبريين" و "صهاينة" ... ورغم بساطة تلك الأسماء إلا أنها تحمل إشكالية معقدة ومختلطة في تفسير معانيها لتعدد إشارتها واستخداماتها، وكثير من الناس لا يعرف حقيقة هذه التسميات، فتجد البعضُ لا يطلقُ عليهم غير التسميةِ الأولى، و بعضٌ آخرُ يجمعُ معها الثانية، وثالثٌ: الثالثةَ، والرابعة ...

ولدفع هذا اللبس والإيهام جمعت شتات ما قيل عن تلك الأسماء ومعانيها وخلفياتها، حتى نعي الفرق بينها، وأبعاد تلك المسميات، ولماذا اختار اليهود المغتصبين لأرض فلسطين مسمى "إسرائيل"؟! وما هي الأسماء الأخرى التي تم طرحها؟ ولماذا استبعدت؟ وكيف وقع الاختيار على مسمى " إسرائيل" دون غيره؟ وما الأسماء التي يحاول اليهود تجاوزها واستبعاد نطقها؟

وقبل أن أبدأ بالإجابة أود أن أفرد لكل مسمى مقال مستقل لعله يقرب الصورة ويوضح المعنى، وسأبدأ بكلمة "اليهود" و" اليهودية":

اليهود:

اختلفت آراء اللغويين والمفسرين في أصل الكلمة التي اشتقت منها كلمة يهود وسبب تسمية اليهود بهذا الاسم. فمن قائل: أنها من ( هاد ) بمعنى رجع ، سموا بذلك حين تابوا عن عبادة العجل ، وقالوا إنا هدنا إليك أي تبنا ورجعنا.

وقيل إنها مشتقة من هاد يهود، فالهود: هو الميل والرجوع، لأن اليهود كانوا كلما جاءهم نبي أو رسول هادوا إلى ملكهم ودلوه عليه ليقتلوه.

ومن قائل: أن أصل كلمة يهود من ( التهوّد ) وهو الصوت الضعيف اللين الفاتر، وسموا بذلك لأنهم يتهودون عند قراءة التوراة.

وقال بعضهم : إنما سمي اليهود يهوداً نسبة إلى (يهوذا) – وهو رابع أولاد يعقوب عليه السلام – فعرّب هذا الاسم بقلب الذال دالاً فقيل يهود وأدخلت الألف واللام على إرادة النسب فقيل (اليهود).

وجاء في "مفصل العرب واليهود في التاريخ" صفحة / 529 : "أنهم يرجعون إلى بقايا جماعة يهوذا الذين سباهم نبوخذ نصّر إلى بابل في القرن السادس ق.م ، وهؤلاء سموا كذلك نسبة إلى مملكة ومنطقة يهوذا (931-586 ق.م )، و لم تستعمل هذه التسمية إلا في عهد مملكة يهوذا، لذلك فهي تسمية متأخرة ولا صلة لها بيهوذا ويعقوب، اللذين عاشا في القرن السابع عشر قبل الميلاد، و لعل (يهوذا) كانت اسم مدينة في فلسطين منذ عهد الكنعانيين، فبعد أن نزحت جماعة موسى عليه السلام إلى فلسطين تكونت مملكة يهوذا بعد عصر يعقوب وابنه (يهوذا) بحوالي ألف عام في منطقة يهوذا الكنعانية، فسميت باسمها، - كما فصلته في الباب الأول - ، ثم انتشر استعمال اسم اليهود بعد السبي البابلي منذ القرن السادس للميلاد".

و قد ذكروا في القرآن بعدة عبارات، كما في قوله تعالى: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى .." وقوله تعالى: "وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا "، والآيات في ذكرهم باسم اليهود كثيرة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (20/64) في الآية الأولى: " فالذين آمنوا هم أهل شريعة القرآن، وهو الدين الشرعي بما فيه من الملي والعقلي، والذين هادوا والنصارى أهل دين ملي بشريعة التوراة والإنجيل بما فيه من ملي وعقلي ..".

وذكر في المجموع (12/19 ) أن هؤلاء المذكورون في الآية، "الذين أثنى الله عليهم من الذين هادوا والنصارى كانوا مسلمين مؤمنين لم يبدلوا ما أنزل الله ولا كفروا بشيء مما أنزل الله ، واليهود والنصارى صاروا كفاراً من جهة تبديلهم لما أنزل الله، ومن جهة كفرهم بما أنزل على محمد ..".

وقد نبه الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في رسالة له باسم "الإصلاح والتعديل فيما طرأ على اسم اليهود والنصارى من التبديل" وفيها تحقيق بالغ أن "يهود" انفصلوا بكفرهم عن بني إسرائيل زمن بني إسرائيل، كانفصال إبراهيم عن أبيه آذر، والكفر يقطع الموالاة بين المسلمين والكافرين كما في قصة نوح مع ابنه. ولهذا فإن الفضائل التي كانت لبني إسرائيل ليس ليهود فيها شيء، ولهذا فإن إطلاق اسم بني إسرائيل على يهود يكسبهم فضائل ويحجب عنهم رذائل، فيزول التمييز بين "إسرائيل" وبين يهود المغضوب عليهم، الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة.

ولهذا يرى البعض أن لفظ اليهود هو اسم خاص بالمنحرفين من بني إسرائيل ... وهو لفظ أعم من لفظة "عبرانيين" و "بني إسرائيل" وذلك لأن لفظة يهود تطلق على العبرانيين وعلى غيرهم ممن دخل في دين اليهود وهو ليس منهم.

وفي الحقيقة أنه لا يستطيع أحد أن يجزم بتحديد التاريخ الذي أطلقت فيه هذه التسمية على بني إسرائيل وسبب إطلاقها، لعدم وجود دليل على ذلك لا من الكتاب ولا من السنة، وإنما بنيت الاجتهادات السابقة على تخمينات لغوية لا تقوم بها حجة.

غير أنا نستطيع أن نستنتج من الاستعمال القرآني لكلمة (يهود) أن هذه التسمية إنما أطلقت عليهم بعد انحرافهم عن عبادة الله وعن الدين الصحيح وذلك لأنه لم يرد في القرآن الكريم إطلاق اليهود على سبيل المدح، بل لم تذكر عنهم إلا في معرض الذم والتحقير، وإظهار صفاتهم وأخلاقهم الذميمة، والتنديد بكفرهم.

ولهذا نفى الله تعالى مزاعم اليهود في انتسابهم إلى إبراهيم وأبنائه الصالحين قال تعالى: "أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون" سورة البقرة /140. وجاء التحذير منهم واضحاً جلياً في كتاب الله تعالى: " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا … "سورة المائدة /82 .

من هو اليهودي ؟! :

كما لا يملك الكيان اليهودي إلى الآن دستوراً متكاملاً مكتوباً، يعين حدود الكيان جغرافياً وبشرياً، بل حتى سياسياً؛ لا يملك أيضاً تعريفاً دقيقاً يحدد من هو اليهودي من غيره؟ حتى ظهرت ظاهرة حديثة جداً وهي "إدعاء اليهودية" للاستفادة من التسهيلات المادية والعينية التي قدمتها لهم الحركة الصهيونية ومؤسساتها لترغيبهم الهجرة إلى فلسطين، وتفاقمت الظاهرة بانضمام أعداد متزايدة ممن ادعى الهوية اليهودية المزعومة، حتى قيل أن ما بين ثلث أو نصف المهاجرين اليهود السوفييت في التسعينات غير يهود، وكذلك يهود الفلاشا المشكوك في يهوديتهم. لذلك تعالت الأصوات في الكيان اليهودي والمؤسسات الصهيونية بإلغاء قانون عودة اليهود إلى فلسطين والتثبت من حقيقة يهوديتهم.

هذا من جانب، ومن جانب آخر قامت المحكمة الإسرائيلية العليا لتجاوز الجدال والخلاف في تعريف اليهودي، أن تنهي الجدال بقولها أن اليهودي هو من يرى نفسه كذلك!! وذلك يعنى أنه يهودي وإن لم يعتقد باعتقاداتهم ولم يتعبد بطقوسهم ولم يتقيد بشريعتهم... وللشرع اليهودي تعريف آخر لليهودي وهو: من ولد لأم يهودية.

اليهــود وإشكالية المدلول:

رغم بساطة تلك الكلمة إلا أنها من أكثر الكلمات إشكالية لاختلاف مدلولها، لأنها تستخدم للإشارة إلى اليهود الحاخاميين والقرائين والسامريين ويهود الصين وأثيوبيا، وتمتد إلى السفارد والأشكناز والصابرا، لتصل للإشارة إلى يهود العالم، والمغتصبين الصهاينة في فلسطين المحتلة.

ويفضل الكثير من الصهاينة مسمى "اليهود" و"الشعب اليهودي" للإشارة بأن اليهود كتلة بشرية متماسكة في العالم أجمع، لتجاوز الواقع الذي فرضه تشتيتهم وعيشهم في "الجيتو" – الشارع أو الحي الذي يسكنه اليهود- وتعدد معتقداتهم وتفسيراتهم للنصوص، وكذلك انتماءاتهم العرقية والثقافية والحضارية واختلاف طموحاتهم وتصوراتهم.

ويرى عبد الوهاب المسيري في موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" الأصح أن يطلق عليهم الجماعات اليهودية لأن مسمى يهود أو الشعب اليهودي كلمات مطلقة تؤكد التماسك والتجانس والوحدة، حيث لا تجانس ولا وحدة ولا تماسك.

وأرى الأدق والأفضل كذلك أن يطلق عليهم مصطلح "شتات اليهود" لأنهم جماعات مختلفة متفرقة غير متجانسة، ومن أعراق شتى كالعرق الفلاشي الأفريقي، والعرق القوقازي السوفياتي، والعرق الأشكنازي الأوروبي وكذلك الأمريكي، وعرق دول حوض البحر المتوسط، والعرق الشرقي العربي ... ولعدم تماسك هذا الشتات طرحت في الغرب بعض العبارات والتوقعات والتي تشير إلى تناقص عدد الجماعات اليهودية عالمياً نذكر منها:

· "موت الشعب اليهودي" : عبارة أطلقها عالم الاجتماع الفرنسي ( اليهودي ) جورج فريدمان، والذي أشار فيها إلى ظاهرة تناقص أعداد اليهود في العالم إلى درجة اختفاء بعض التجمعات لليهود في أوروبا وغيرها، وتحول بعض تلك التجمعات إلى جماعات صغيرة لا أهمية لها من الناحية الإحصائية.

· و"الإبادة الصامتة" وهي من المصطلحات الشائعة في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يستخدم للإشارة إلى ارتفاع معدلات اندماج اليهود في المجتمع الأمريكي وكذلك تزايد وبنسب عالية الزواج المختلط أي زواج اليهودي من غير اليهودية، واليهودية من غير اليهودي، والتي قد تصل في الولايات المتحدة إلى 60 % ، وفي بعض الدول مثل روسيا وأوكرانيا قد تصل إلى 80 %.

وقد حذرت محافل " الكونغرس اليهودي العالمي "من احتمالات تناقص أعداد اليهود المقيمين في دول العالم – باستثناء اليهود في فلسطين – خلال الثلاثون عاماً القادمة إلي قرابة نصف عددهم الحالي المقدر بأكثر من 8.5 مليون نسمة، إذا استمر الاندماج والذوبان في المجتمعات التي يعيش فيها اليهود، ويعزو خبراء معهد الكونغرس اليهودي العالمي هذا التناقص إلي عامل الزواج المختلط بين اليهود وغيرهم في مجتمعات الدول التي تعيش الأقليات اليهودية وسطها. ويرى بعض الدارسين لتلك الظاهرة أن هناك عوامل أدت إلى تناقص عدد اليهود في العالم منها:

1. تزايد معدلات الاندماج، وإخفاء الهوية اليهودية، والتسجيل على أنهم غير يهود.

2. التنصر واعتناق عبادات أخرى وإسقاط تسمية "يهودي".

3. تزايد معدلات الزواج المختلط حيث وصل في بعض الدول إلى 60 % وفي بعضها 80% ( زواج اليهودي من غير اليهودية وزواج اليهودية من غير اليهودي)، وأعلى نسبة قدرها معهد "الكونغرس اليهودي العالمي" في فنلندا حيث بلغت نحو 90%.

4. تفسخ الأسرة اليهودية وتزايد نسبة الطلاق.

5. تأخر سن الزواج والإحجام عن الإنجاب أدى إلى تناقص نسبة المواليد اليهود حيث أصبحت واحدة من أقل النسب في العالم.

6. انخفاض معدل خصوبة الأنثى اليهودية والتي قد تعتبر من أقل الإناث خصوبة في العالم.

7. تصاعد معدلات العلمنة عند اليهود مما أدى إلى تفشي قيم اللذة الفردية والأنانية وانتشار الإباحية الجنسية والذي قلل من نسبة المواليد.

8. تزايد عدد الشواذ جنسياً بين اليهود والذي قد يصل إلى 30 %.

9. تزايد نسبة الأمراض الجنسية والنفسية بين اليهود مما أدى إلى ارتفاع نسبة الانتحار.

10. عدم الإحساس بالاطمئنان والحرص على الدنيا والقلق من المستقبل أدى إلى إحجام بعض اليهود عن الإنجاب.

وذلك كله يؤكد أنهم جماعات مختلفة لا تجانس ولا وحدة ولا تماسك بينها.

يتبع
عيسى القدومي