بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأسرة الفلسطينية بين الماضي والحاضر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأسرة الفلسطينية بين الماضي والحاضر. إظهار كافة الرسائل

2014-06-20

تقديرات السكان في الأراضي الفلسطينية


تقديرات السكان في الأراضي الفلسطينية

قامت السلطة الوطنية الفلسطينية بإجراء تعدادها العام الأول عام 1997م، وشمل التعداد كلاً من الضفة الغربية وقطاع غزة. بما في ذلك الجزء من محافظة القدس الذي ضمته إسرائيل بعد احتلالها للضفة الغربية في عام 1967م، وقد بلغ عدد السكان في الأراضي الفلسطينية وفقاً لنتائج هذا التعداد الوطني 2,783,084 موزعين على النحو التالي 1,787,562 نسمة في الضفة الغربية و 995,522 في قطاع غزة، واستخدم عدد السكان لعام 1997م كسنة أساس لإجراء إسقاطات سكانية حتى عام 2025م. وتم استخدام الفرضيات الخاصة بالاتجاهات المستقبلية لكل عنصر من عناصر النمو السكاني (الخصوبة، الوفيات، الهجرة)، علماً بأن معدلات الخصوبة قد بلغت 5.6 عام 1997م في الضفة الغربية، و6.9 في قطاع غزة وأنها ستنخفض حتى النصف خلال الفترة الممتدة من عام 1997م إلى عام 2025م، وحول وفيات الأطفال الرضع التي تم تحويلها إلى توقعات البقاء على قيد الحياة بلغ توقع البقاء على قيد الحياة للذكور في قطاع غزة 69 سنة وللإناث 71.47، وفي الضفة الغربية بلغ توقع الحياة للذكور 69.4 سنة وللإناث 72.71 سنة، وتم الافتراض أيضاً بأن وفيات الرضع ستنخفض إلى النصف خلال الفترة نفسها.

إن للهجرة دور كبير في الإسقاطات السكانية في الأراضي الفلسطينية بسبب الظروف السياسية الحالية والمفروضة على الشعب الفلسطيني الذي تمر بها القضية الفلسطينية، ونتيجة لتعثر عملية السلام فقد تم افتراض عودة أعداد محدودة من النازحين واللاجئين (500,000) موزعين كما يلي: 5000 خلال عام 1997م، 10,000 خلال عام 1998م، 15,000 خلال عام 1999م، 20,000 خلال عام 2000م، وعودة 50,000 لأجيء ابتداءً من عام 2001م وحتى نهاية عام 2010م، ومن ثم ثبات صافي الهجرة (0) خلال ما تبقى من الفترة. وبناءً على هذه الافتراضات فإن عدد السكان المتوقع في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 2025م سيبلغ 7,401,797 منهم 4,408,941 في الضفة الغربية و2,992,856 في قطاع غزة. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الأربعة عشر سنة القادمة، وإذا ما نظرنا إلى اختلاف الاتجاهات المستقبلية لعناصر النمو السكاني ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن عدد السكان في قطاع غزة سيتضاعف خلال 12 سنة القادمة، وفي الضفة الغربية خلال 16 سنة.

جدول (1) يتوزع العاملون في القطاع الصناعي على ثلاثة أنشطة صناعية أساسية هي:



1112 عاملاً وعاملة.
التعدين واستغلال المحاجر
46548 عاملاً وعاملة.
الصناعات التحويلية
2872 عاملاً وعاملة.
إمدادات الكهرباء والغاز والمياه

صورة لجدول رقم (2) العمر عند الزواج للإناث بحسب المنطقة - نسبة مئوية

كل المناطق
القدس
الضفة
غزة
العمر
11
8
11
12
10-14
26
30
26
25
15-16
26
28
26
27
17-18
21
16
22
22
19-21
8
11
9
7
22-24
7
8
7
8
25 +

جدول رقم (3) النسبة المئوية للمتزوجات في كل سنة من المتزوجات من 15-19 سنة

19
18
17
16
15
السن
20.22
30.86
15
18.64
25
جنين
21.19
21.19
17.72
16.76
22.93
طولكرم وقلقيلية
18.64
17.89
20.90
19.77
22.97
نابلس
15.13
20.88
20.12
22.09
21.78
رام الله والبيرة
17.20
16.71
23.59
21.13
21.13
القدس
17.48
22.95
21.04
18.85
19.67
بيت لحم
16.87
18.31
22.72
22.05
20.04
الخليل
18.40
21.47
21.16
19.22
19.73
شمال غزة
17.73
19.53
19.41
21.66
21.66
جنوب ووسط غزة
------------
د. عبد الله أحمد الحوراني

سكان المخيمات بعد نكبة فلسطين 1948:


سكان المخيمات بعد نكبة فلسطين 1948:

تشتت أغلبية السكان الفلسطينيين في أربع دول عربية مجاورة، هي الأردن، وسوريا، ولبنان، ومصر نتيجة للحرب العربية الإسرائيلية في 1948م. ونتيجة لهذا التفرق، حدث تصدع للمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية...الخ المختلفة في المجتمع. واستغرق الأمر بعض الوقت حتى استطاع الناس إعادة تنظيم صفوفهم وحياتهم، في محاولة لاستعادة بعض الاتصالات الاجتماعية على الأقل، للمحافظة على القيم الثقافية، والتقاليد اللازمة، للإبقاء على مجتمعهم، برغم فقدان القاعدة الاقتصادية التي كانت تحافظ على تلك التقاليد.

وتمثل التغير الرئيس في الهيكل الاجتماعي الفلسطيني، خلال تلك الفترة، في نشوء فئة اجتماعية جديدة هي سكان مخيمات اللاجئين. وانفصل سكان القرى الفلسطينية، الذين لم تكن لديهم حرفة سوى زراعة الأرض لكسب قوتهم عن قراهم، وهربوا إلى اتجاهات مختلفة. وأعاد هؤلاء القرويون تنظيم صفوفهم وفقاً للعلاقات العشائرية، واستقروا في مخيمات مختلفة للاجئين تنتشر في كل الدول المحيطة بإسرائيل. وبسبب ضياع الأرض التي كانت تمثل المصدر التقليدي للثروة، اضطرّ الفلسطينيون إلى التحول إلى التعليم لتحسين فرص العمالة المتاحة لهم. وتمّ إدراج الأبناء والبنات في المداس، كما أنهى عدد متزايد من الطلبة المرحلة الثانوية، واتجهوا إلى دراسات أكاديمية عليا. وبالإضافة إلى ذلك كان الرجال في أحيان كثيرة يغادرون ديارهم سعياً إلى العمل في دول الخليج، ويخلفون النساء والأطفال وراءهم.

وكان لزاماً على المرأة أن تقوم بدور أكثر نشاطاً في اتخاذ القرارات بشأن الأمور المنزلية، كما اضطرّ عدد كبير آخر إلى البحث عن العمل لتحسين اقتصاديات الأسرة. وساهمت هذه العوامل كلها في التغير التدريجي لأدوار المرأة في المجتمع. ومع ذلك لم يصحب هذا التغير في دور المرأة أي تغير في الموقف الاجتماعي منها. وكانت المرأة لا تزال تعتبر أساساً منتجة للورثة الذكور، كما كانت السلطة النهائية في اتخاذ القرارات المتعلقة بمصير المرأة، لا تزال في يدي الأب أو الزوج. ولم يتغير وضع المرأة من الناحية القانونية. واستمرت قوانين الأحوال الشخصية نفسها التي كانت سائدة في العهد العثماني، مطبقة على المرأة في تلك الفترة أيضاً. وبرغم التحسن في توفير الخدمات الصحية والتعليمية من خلال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، التي تولّت مسؤولية مخيمات اللاجئين، فإن حياة المرأة كانت مثقلة بفعل الظروف السيئة للحياة في المخيمات، والفقر المدقع، وتصدع الأسرة لأسباب اقتصادية.

وباختصار، برغم التحسن في الخدمات التعليمية والصحية، التي تلبي حاجات الإناث، وبرغم ظهور ومشاركة المرأة في الحياة العامة، فإن البرنامج العام لنشاط المرأة، كان لا يزال يتركز على القضية الوطنية على حساب تحسين وضع المرأة من خلال التغيرات في التشريع. ولم تأخذ الخطط الوطنية المختلفة في الاعتبار، الحاجات الاجتماعية المختلفة للسكان الفلسطينيين من ناحية مواقعها المختلفة، ولم تعمد إلى معالجة تلك الحاجات في مخيمات اللاجئين، أو المدن، أو القرى، وذلك لتضييق الهوة بين الهياكل الاجتماعية الفلسطينية المختلفة، وعلاوة على ذلك فلم تتضمن تلك الخطط الوطنية برنامجاً اجتماعياً تقدمياً، يؤدي إلى تحسين الوضع الاجتماعي والقانوني للمرأة بشكل عام. وكان المجتمع في معظمه لا يزال يعتبر الدور الرئيس للمرأة في الحياة، هو إنجاب الأطفال الذكور للأسرة. واستمرّت العادات والتقاليد في ذلك أيضاً، إلى موقف عانت منه المرأة في هذا الجيل مثلما عانت المرأة خلال فترة الانتداب، حيث تمت تعبئتها، ولم تصبح نشطة من الناحيتين السياسية والاجتماعية، إلا في فترة الأزمة الوطنية.

وعندما انحسرت الأزمة، انحسرت معها مشاركة المرأة في كل نواحي الحياة العامة. لقد مزّقت حرب 1948م جسم المجتمع الفلسطيني وبعثرت أجزاءه في جميع أجزاء العالم وأصبحت الأكثرية الساحقة منه، المليون نسمة، لاجئين. وقد أدّى هذا إلى بداية تيارين متناقضين في العائلة الفلسطينية اللاجئة: من الجهة الأولى، أدّت الحرب إلى تمزيق المجتمع الفلسطيني على جميع المستويات ومنها مستوى العائلة، ومن جهة أخرى، فإن هذا التمزق في المجتمع وغياب أي نوع من البناء الاجتماعي فوق مستوى العائلة لمدة طويلة، أدّى إلى زيادة اعتماد الفرع على العائلة، وكانت قوة وتماسك العائلة والحمولة والعشيرة والقرية لمجتمع ما قبل 1948م هي التي أنقذت الشعب الفلسطيني، وحافظت على بقائه واستمراريتها في مرحلة ما بعد 1948م. ويمكن أن نقسم الشعب الفلسطيني الذي رُحّل سنة 1948م إلى قسمين، قسم بقي على أرض الوطن فيما أصبح يعرف بالضفة الغربية وقطاع غزة، وقسم ذهب إلى البلاد العربية المجاورة ومنها انتقل قسم فيما بعد إلى باقي أجزاء العالم. وقد أصبح هذا التقسيم ذا معنى أكبر بعد سنة 1967م حين وقعت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي ما زال مستمراً حتى اليوم، وتعرّض المهجرون كما تعرض باقي السكان في الضفة والقطاع إلى ممارسات الاحتلال التي سنتحدث عنها فيما بعد. ونجد أن العائلة الفلسطينية المهجرة لجأت/ من أجل البقاء، إلى استراتيجيات متشابهة إلى حد كبير بغض النظر عن مكان وجودها. فنحن نجد أن الحرب والتهجير قد قضت على القاعدة الإنتاجية الاقتصادية للعائلة الممتدة بحرمانها من أراضيها وممتلكاتها، وعدم إمكانية الحفاظ على تماسكها سواء في مخيمات اللاجئين أو بين العائلات التي انتقلت للعيش في المدن والقرى المجاورة للمخيمات، وإلى درجة تفوق تماسك العائلة الممتدة في باقي أجزاء المجتمع. وقد تمكنت من ذلك بعدة طرق بعضها مقصودة وواعية وبعضها جاءت نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي واجهتها. وقد تأثّرت علاقات الزواج بين الفلسطينيين المهجّرين بمحاولات البقاء والحفاظ على تماسك الوحدات الاجتماعية.

قبل 1948م كانت العلاقات الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني بشكل عام فلاحية، فكانت الحاجة إلى تنظيم إنتاج الأرض ضمن العائلات الممتدة وبينها، وتضامن أفراد العائلة الممتدة والحفاظ على أموالها وممتلكاتها وعلى عمل العائلة وتنظيم وراثة الأرض هي المحدد الأول لعلاقات الزواج. ومع أن معظم هذه المحددات، والقاعدة الإنتاجية والمادية لوجود العائلة الممتدة ككل، قد اختفت مع الترحيل سنة 1948م إلا أننا نجد أن زواج الأقارب في المخيمات قد ازداد بدلاً من أن ينقص، ولكن الدوافع وراء ترتيبات الزواج المستند إلى القربى قد تغيرت.

فبدلاً عن دوافع الملكية والسلطة والإنتاج ظهرت دوافع بقاء واستمرارية هوية المجتمعات الصغرى التي تشتت. وقد حاولت العائلات الفلسطينية المهجّرة أينما وجدت إيجاد وسائل للتعويض عما خسرته من أموال وممتلكات بطرق مختلفة، ومن أهم هذه الوسائل، التعليم. يقول سليم تماري مثلاً: "ولقد عزز فقدان الأرض والممتلكات نتيجة للحرب قيمة التعليم والهجرة كمصدرين للحراك الاجتماعي (شريف كناعنة/ التغير والاستمرارية، تأثير الاحتلال على المجتمع العربي الفلسطيني ص 88). وكانت وسيلة هذا الحراك هي العائلة الممتدة، التي استثمرت الكثير (قياساً بالدخل) في تعليم أفرادها الأكثر شباباً، وخصوصاً الأولاد الذكور. (تماري 1994م ص 22). أساليب التوافق التي نتجت عن التهجير وانعكاساتها على العائلة الفلسطينية ظهرت بوضوح في مخيمات اللاجئين في الدول العربية وبين الجاليات الفلسطينية في كل مكان، أما بين الفلسطينيين الذين بقوا على أرض فلسطين فقد انعكس تأثير التهجير بشدة ووضوح على قطاع غزة أكثر من غيرها، حيث تدفقت إليها أثناء حرب عام 1948م أعداد كبيرة من المهجرين آتين من المناطق الساحلية الواقعة جنوب يافا ومن منطقة بئر السبع حتى أصبحت الكثافة السكانية فيها خانقة. وقد بلغت نسبة اللاجئين في قطاع غزة حوالي ثلثي السكان، يعيش قسم كبير منهم في المدن، ويقول تماري (1994 ص 21): "ويظهر من تحليلنا للأسرة أن الأكثر حرماناً بين الفئات الاجتماعية هم فقراء المدن، في الضفة الغربية وغزة على حد سواء، والذين يشكلون قطاعاً مهماً من سكان المدن الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين".

كان لاحتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة سنة 1967م، وما تلا تلك من سياسات وممارسات إسرائيلية تأثير كبير على العائلة الفلسطينية في هذه الأراضي. حاولت إسرائيل منذ اليوم الأول السيطرة سياسياً وقانونياً عل الضفة الغربية وغزة. وكانت إستراتيجيتها الأساسية في تنفيذ خططها هي جعل الأراضي الفلسطينية المحتلة تعتمد كلياً على اقتصاد إسرائيل. وقد توصلت إلى ذلك بعدة طرق منها مصادرة الأراضي، وتحطيم الصناعات المحلية، وضرب المنتجات الزراعية الفلسطينية، وفتح باب العمل في إسرائيل أمام الفلسطينيين. هذه الترتيبات حطمت القاعدة الإنتاجية للعائلة الممتدة، ولم تعطها حوافز بديلة للمحافظة على وحدتها وتماسكها مثل تلك الحوافز والآليات التي ظهرت بين العائلات المهجّرة في مخيمات اللاجئين لحرب 1948م.

وأدّى العمل الفردي المأجور إلى تفسّخ العائلة الممتدة إلى عائلات أولية صغيرة. وفي كثير من الحالات كان الأب في هذه الأسر غائباً معظم الوقت. فقد كان العامل الفلسطيني عادة يقضي أسبوعاً أو شهراً كاملاً في مكان العمل في المدن اليهودية، وفي أحسن الحالات كان العامل يترك البيت في الصباح الباكر ويعود متأخراً في المساء. وقد أدّى ذلك إلى تغير في أدوار جميع أفراد الأسرة وسلوكهم. فمع غياب الزوج أخذت الزوجة تقوم بالكثير من الأعمال والواجبات التي يقوم بها عادة الزوج ومن ضمنها الأعمال الزراعية عند العائلات التي بقيت لها بعض الأراضي. وأخذت الأم دور الأب في ضبط الأطفال وتأديبهم ومتابعة أدائهم المدرسي، وشراء حاجيات البيت، وبشكل عام أدّى ذلك إلى زيادة دور المرأة في المجتمع.

بدأت الانتفاضة الفلسطينية الشهيرة في نهاية 1987م. وكانت هذه الانتفاضة مبادرة شعبية تلقائية، قام بها المجتمع في الضفة الغربية وغزة، لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي المطول لتلك المناطق، وما ترتب عليه من مصاعب في الحياة اليومية. ويمكن تقسيم الانتفاضة إلى مرحلتين فيما يخص مشاركة المرأة. إذ كانت المرأة في المرحلة الأولى العمود الفقري للانتفاضة، فقد شاركت بنشاط في المظاهرات في الشوارع، وكذلك في التعبئة الاجتماعية والسياسية من خلال المشاركة الفاعلة في لجان الأحياء. وخلال هذه الفترة من النشاط السياسي المحموم سمح المجتمع للمرأة بالمشاركة في أنشطة الانتفاضة. وفقد عدد كبير من النساء حياتهن، كما تعرضن للإصابة نتيجة الضرب، أو طلقات الرصاص. وتعرض عدد كبير من النساء للإجهاض نتيجة لاستنشاق الغازات المسيلة للدموع، كما تم اعتقال عدد أكبر منهن ومحاكمتهن، وإصدار أحكام عليهن بالسجن لعدة سنوات. وخلال تلك الفترة، كانت المرأة الفلسطينية من كل قطاعات المجتمع تشعر بقيمتها، وبأن إسهاماتها ضرورية للحفاظ على الانتفاضة. وعندما كان الآباء والأبناء في السجن في الكثير من العائلات، اضطرت المرأة إلى تولي كل المسؤوليات المنزلية والعامة لأسرهن. واضطرت المرأة إلى الخروج للبحث عن الذكور من أعضاء العائلة في السجون العسكرية المختلفة، وإلى تعيين المحامين، ودفع الأجور الضريبية، وضمان تلبية حاجات أعضاء الأسرة سواء كانوا في السجون أو خارجها. وأدّت هذه المسؤوليات المفاجئة الجديدة إلى إعطاء المرأة شعوراً قوياً بقيمتها وأهميتها في الحفاظ على استمرارية المجتمع.

الأسرة الفلسطينية و خصوصيتها في المجتمع الفلسطيني

الأسرة الفلسطينية و خصوصيتها في المجتمع الفلسطيني

تعيش الأسرة الفلسطينية وضعاً مميزاً بفضل الإجراءات التنفيذية والقرارات الرئاسية والرسمية والتشريعية لدعم مكونات الأسرة خاصة منها الأم والطفل والمسن، ففي خطة العمل الوطنية ولفائدة الأسرة جاءت قوانين حقوق الطفل، وحقوق المرأة، وحقوق الأسرة لتدعم قدراتها، وتنمي وظائفها التربوية والاجتماعية والاقتصادية، حتى تتمكن بدورها من تأهيل أفرادها لرفع تحديات المستقبل والتفاعل الإيجابي مع التحولات المتسارعة للمجتمع الفلسطيني الذي يستعد بحزم وثبات لدخول القرن الحادي والعشرين بدولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فأخذت على عاتقها إجراءات ضمن خطة وطنية لفائدة الأسرة بمحاور رئيسة تدعم تماسكها بعلاقات زوجية متينة ومتطورة مدعومة بما يضمن المزيد من الانسجام والتناغم، وتأهيل الشباب وإعدادهم لحياة زوجية مستقرة، وتنشئة الأطفال بتطوير كفاءات أولياء الأمور في هذا المجال، وتنمية مؤهلات الأطفال بما يتناسب مع التقدم والتحضر ضمن ثقافة فلسطينية عربية مميزة، وبصحة جيدة، وبتحسين قدرات الأسرة وتنمية مواردها.

عملت المؤسسات الرسمية وغير الرسمية على النهوض بالمرأة والأسرة، وذلك باقتراح المشاريع والقوانين والبرامج التي تهدف إلى إدماج المرأة في مسيرة التنمية، وضمان واحترام الحقوق الأساسية لها، ودفع الأنشطة والبرامج التي تهدف إلى فائدة المرأة والأسرة بشكل عام، والتي تنجزها مختلف المؤسسات المتداخلة في الميادين التي تهم المرأة والأسرة، والسهر على تشجيع قيام الجمعيات والمؤسسات النسائية الهادفة للنهوض بالمرأة مادياً ومعنوياً، وضمان حق المساواة القانونية بين الرجل والمرأة، وتحقيق اندماج أفضل للموارد البشرية النسائية في مسيرة التنمية وفي الموقع السياسي واتخاذ القرار، وتحسين تمثيلها في الهيئات المنتجة وفي مواقع تحديد السياسات، وتأمين تأهيل نسوي للموارد البشرية، وتحريرها من الأمية، وإبراز شخصيتها، وتكريس مفاهيم حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل في الأسرة.

إن الأسرة تمثل الخلية الأساسية للتنشئة الاجتماعية، فهي من أهم ركائز العمران البشري، ومن أهم ثوابت الخطة التنموية، وهي المؤسسة الاجتماعية الرئيسية القادرة على التكيف مع التحولات باعتبارها الفضاء الذي تتكون داخله ملامح الإنسان الأول، تغذي فيه معنى تواصل الحياة، ومن هذا المنطلق استفادت الأسرة الفلسطينية من مختلف المشاريع والبرامج التي تهدف إلى الإبقاء عليها كإطار طبيعي لنمو الأفراد، وكخلية أساسية لبناء المجتمع، وتطوير العلاقات بين أفرادها لجعلها متفاعلة مع محيطها الاجتماعي والاقتصادي.

ومن الثابت في هذا المضمار، أن ما قامت به السلطة الوطنية الفلسطينية بعد استلامها للصلاحيات الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة من جهود، وما أقرّته من تشريعات وبرامج، قد استجابت بصفة كبيرة للمتطلبات الضرورية لمحاولة ضمان استقرار الأسرة، والمساعدة على توفير ظروف العيش الكريم لأفرادها والتمهيد لإقامة علاقات متكافئة بينهم. وستمثل خطة العمل الوطنية في الشؤون الاجتماعية لفائدة الأسرة بما تتضمّنه من أنشطة وإجراءات وآليات تنفيذ، ومتابعة المرجع الأساسي لمكونات السياسة الأسرية الوطنية. ويتمثل الهدف العام من هذه الخطة العمل على دعم وظائف الأسرة، وتطوير العلاقات بين أفرادها، لجعلها متفاعلة مع محيطها الاجتماعي والاقتصادي، وقادرة على الاستجابة لحاجيات أفرادها باعتبارها أداة أساسية في عملية التقدم الاجتماعي، وتدعيم أسس وقيم المجتمع المدني المتوازن.

خصوصية الأسرة الفلسطينية:
إن العائلة العربية متشابهة من الناحية التقليدية، وتختلف مع مثيلاتها في العالم إلى درجة أنه من الصعب التمييز بينها في العالم العربي بوضوح بشكل عام، إلا أن العائلة النووية الفلسطينية تختلف في بعض الأنماط التي لا تعود إلى تأثيرات ثقافية أساسية بينها وبين الشعوب العربية، خصوصاً مع شعوب الدول العربية المتجاورة، إذ أن تقسيم العالم العربي إلى دول ووحدات سياسية مختلفة جاء اعتباطاً إلى حد كبير، ولم يتبع حدوداً ثقافية أو جغرافية طبيعية ذات معنى، وإذا وجدت بعض الفروقات فهي وليدة ظروف طارئة مرّت على الدول العربية في العقود الأخيرة منذ وضعت حدودها السياسية، إذ وقع الفلسطينيون منذ أوائل القرن العشرين تحت ظروف الاحتلال، ولم يشاركهم فيها أي شعب عربي آخر؛ ظروف الاحتلال البريطاني والصهيوني، ثم ظروف الهجرة والتشتت سنة 1948م وسنة 1967م، والعيش تحت الاحتلال الصهيوني منذ عام 1967م، ثم الأحداث المتوالية للانتفاضة الأولى والثانية، وحرب الخليج، واتفاقية السلام، وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية.

لقد اقتلع القسم الأكبر من المجتمع الفلسطيني وشتت، واضطر الكثيرون من أبناء الشعب الفلسطيني إلى مواجهة هذا العالم القاسي البشع كأفراد، وفي أحسن الحالات كعائلات. ومنذ عام 1967م وقع ما تبقى من الشعب الفلسطيني على أرض وطنه تحت وطأة الاحتلال، ولم يكن هناك أي جسم مركزي أو تنظيمات فعالة على المستوى المحلي تقف كسياج بين الإنسان الفلسطيني الفرد والاحتلال، سوى العائلة. فالعائلة هي المستوى الذي تفاعل مع هذه الظروف كلها والذي حافظ على بقاء الإنسان كجسد وكهوية، فلا بد أن هذه التجارب قد تركت آثارها على هذه المؤسسة. وهذه الآثار هي ما سنحاول أن نتحسسه في هذا الجزء من بحثنا، ونسعى إلى التعرف على تلك الأحداث والتطورات التي أثّرت على تركيبة العائلة العربية الفلسطينية، ووظائفها وطبيعة العلاقات داخلها وبينها. وحتى بالنسبة لهذا الهدف فإننا لا نستطيع أن نعطي جميع فئات وتجمعات الشعب الفلسطيني حقها، وإنما سنتحدث بشكل رئيس عن ذلك الجزء من الشعب الفلسطيني المتواجد على أرض وطنه في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع إشارات عابرة إلى بعض التجمعات الفلسطينية في الشتات بين الحين والآخر "شريف كناعنة، حملة التوعية المجتمعية ص 86". علماً بأن عدد السكان المتواجدين في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة قد بلغ 2,811,878 نسمة منهم 1,810,309 في محافظات الضفة الغربية و1,001,569 في قطاع غزة "حسب التعداد العام للسكان 97 الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني".

كان المجتمع الفلسطيني يتألف في بداية القرن الحالي من ثلاث فئات: (أ) سكان المدن، (ب) سكان القرى، (ت) البدو، وبعد نكبة 48 انضمت فئة جديدة هي سكان المجتمعات.

سكان القرى: كانت أغلبية السكان تعيش في القرى وتمارس الزراعة من أجل كسب القوت. وكانت العلاقات الاجتماعية تتميز بالتقارب والتكافل داخل العشيرة، وكانت التقاليد تسيطر عل أسلوب الحياة. وكانت المرأة في هذا المجتمع تخرج إلى الحقل، وتنفذ الدور التقليدي للمرأة في الزراعة، مثل: إزالة الحشائش الضارة والحصاد، بالإضافة إلى مسؤوليتها المنزلية في الطهي والخبز وحفظ الأطعمة وغسل الملابس وجلب المياه والحطب.الخ. ولم يكن للمرأة أي دور في مقايضة ومبادلة إنتاجها، كما أن زواجها كان يرتب دائماً من جانب العائلة، وكان يتوقع من المرأة أن تنجب أكبر عدد ممكن من الأطفال، وخصوصاً الأطفال الذكور، لكي تضمن قوة الأسرة وسيطرتها على ممتلكاتها. وبرغم هذا الوضع القانوني والاجتماعي الضعيف، فإن المرأة في القرى لم تكن مقيدة في منزلها من ناحية العادات والتقاليد. كما كانت تتمتع بحرية نسبية في الحركة في الحقول وفي إطار العشيرة. ولم تكن هناك مؤسسات تعليمية متاحة للمرأة في الريف، ولم يكن يسمح لها على الإطلاق بالمشاركة في الحياة العامة. وكانت المشاركة العامة الوحيدة المتاحة لنساء القرى لا تتوفر إلا عندما تكون هناك اضطرابات سياسية ونزاع مسلح، عندما كانت المرأة تنقل الغذاء والذخيرة للمقاتلين الرجال.

سكان البدو: كانت هناك نسبة ضئيلة من الفلسطينيين البدو الذين يتمركزون بصورة أساسية في المنطقة الجنوبية، ويتنقلون بين بئر السبع وغزة، كما كان هناك عدد أقل من القبائل في وادي الأردن. وكانت حياة البدو تتميز بروابط قبلية قوية. هناك وجهات نظر متضاربة بشأن وضع المرأة البدوية، إذ يعتبر البعض أنها كانت قوية داخل قبيلتها وتتمكن من الحركة دون أية قيود، بينما يعتبرها البعض الآخر معرضة لقيود قبلية وتقليدية صارمة. وبرغم حرية الحركة النسبية للمرأة البدوية، فإن هذه الحرية لم تنشأ سوى عن الضرورة الاقتصادية لمتابعة قطعان الماشية وجلب المياه والحطب. كما لم تكن المرأة في المجتمعات البدوية تشتهر بأي إسهام ملحوظ في فترات الأزمة الوطنية "المؤتمر الفلسطيني للسكان وتنظيم الأسرة 1994م ص 142".

وكانت المرأة القروية والمرأة البدوية، تعيشان في مناطق منعزلة، ولم تستطيعان الوصول بسهولة إلى الخدمات الصحية أو التعليمية. ولم تفتح سلطات الانتداب المدارس أو المستشفيات لهذه المجتمعات، كما أنها لم تنشئ أية بنية تحتية تجعل الحياة أسهل في تلك المجتمعات. واستمرّت تلك المجتمعات المحلية القروية، والبدوية، في أسلوب حياتها الذي ينتمي إلى العصور الوسطى، ويؤثر بدرجة أساسية على حياة المرأة إضافة إلى اضطرار المرأة إلى تحمل مشاق حياة القرى والبداوة. وكان عدد كبير من النساء يموت عند الولادة، وكذلك عدد كبير من الأطفال يموت في مرحلة مبكرة؛ وذلك بسبب عدم توفر الخدمات الصحية الواجبة.

سكان المدن: كانت هناك نسبة صغيرة من إجمالي السكان الفلسطينيين تعيش في المدن، وكانت القاعدة الاقتصادية لهؤلاء السكان، تتمثل في الصناعات الخفيفة والتجارة، وتقديم الخدمات إلى القرى والقبائل المحيطة بالمدن. وكان سكان المدن في معظمهم من الناس الذين انتقلوا من الريف إلى الحضر لأسباب اقتصادية، ثم حافظوا على قيمهم التقليدية القديمة، وهكذا لم يكن هناك فارق كبير بين الموقف تجاه المرأة في المدينة، وبين المرأة في القرية. وكان الفارق الرئيسي يكمن في توفر المزيد من فرص الرفاهية في المراكز الحضرية، مما أدّى المرأة في الكثير من المسؤوليات المنزلية من خلال استخدام خدم المنازل.

وبسبب التقارب الفعلي بين المساكن في المدن، كانت النساء يتعرضن لمزيد من الظهور، مما أدّى إلى احتمالات الزواج بين العشائر المتباعدة، ولم يكن هناك تفضيل لهذه الممارسة، لأنها تؤدي في النهاية إلى بعثرة الممتلكات. ونظراً لعدم وجود ضرورة اقتصادية لعمل المرأة، وعدم وجود تقليد لذلك، كانت المرأة في المدينة تتعرض للانعزال، باستثناء فتيات الأسر المتفتحة، وجاء هذا الانعزال بالإضافة إلى التقاليد الاجتماعية الصارمة للغاية "المؤتمر الفلسطيني للسكان وتنظيم الأسرة 1994م ص 142". لم يكن هناك تشجيع لتعليم المرأة، وكان هناك عدد صغير من المؤسسات لتعليم الإناث. وكانت الكنائس المسيحية المختلفة، هي التي تدير معظم المؤسسات الضرورية للتنمية البدنية والعقلية للمرأة في مجال الصحة أو التعليم. ولم تكن سلطات الانتداب تهتم سوى بتقديم الخدمات التي تيسر السيطرة على السكان بصورة أفضل، ومنها افتتاح مراكز تدريب مهني لتخريج الموظفين، وبناء الطرق لتسهيل تحرك الوحدات العسكرية التابعة لتلك السلطات.

وقد جاءت أي مشاركة منظمة من جانب المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية، خلال تلك الفترة من جانب النساء في المدن، ومن جانب الأقلية الصغيرة من النساء المتفتحات. وكانت الجمعية الخيرية في عكا، التي تألّفت في 1903م، من بين أولى الجمعيات الخيرية التي أسّستها النساء خلال تلك الفترة، كما تمّ تأسيس جمعية أخرى في يافا في 1910م، وجمعية ثالثة في رام الله في 1924م. وكان النشاط النسائي الأساسي يتمثل في تأسيس الاتحاد النسائي العربي في 1928م. وكان هذا الاتحاد يعمل على تعبئة النساء في كل أنحاء فلسطين من أجل القضية الوطنية. وركّز الاتحاد أنشطته على الأزمة الوطنية فشارك في مسيرات الاحتجاج والحملات السياسية، وحملات الدعاية ضد الهجرة اليهودية المتزايدة، التي أدّت إلى إنشاء دولة إسرائيل في مرحلة لاحقة "المؤتمر الفلسطيني للسكان 1994م ص 143".

وباختصار، لم تكن المرأة تنشط خلال فترة الانتداب إلا من خلال المنظمات الخاصة بها، كما أنها لم تشارك في الأطر السياسية المختلفة في تلك الفترة. وإضافة إلى ذلك كانت المنظمات النسائية حديثة العهد والحركات السياسية الرئيسة في ذلك الوقت، لا تركز نشاطها إلا على الأزمة السياسية، كما أنه لم يكن لها برنامج اجتماعي، وبذلك لم تؤد إلى أي تطور أساسي أو مهم في وضع المرأة داخل المجتمع الفلسطيني.

ظاهرة العنف الأسري في الأسرة الفلسطينية


ظاهرة العنف الأسري في الأسرة الفلسطينية

العنف كسلوك يميز طابع العلاقة الاجتماعية، فأنماط التفاعل القائمة بين الأفراد والجماعات في المجتمع والأسرة أكثر خطورة على الفرد والمجتمع. وتكمن خطورته في أنه ليس كغيره من أشكال العنف ذات نتائج مباشرة تظهر في إطار العلاقات الصراعية بين السلطة وبعض الجماعات السياسية أو الدينية، بل إن نتائجه غير المباشرة المترتبة على علاقات القوة غير المتكافئة داخل الأسرة وفي المجتمع بصفة عامة، غالباً ما تحدث خللاً في نسق القيم، واهتزازاً في نمط الشخصية خاصة عند الأطفال مما يؤدي في النهاية وعلى المدى البعيد إلى خلق أشكال مشوهة من العلاقات والسلوك وأنماط من الشخصية مهتزة نفسياً وعصبياً. وهذا في حد ذاته كفيل بإعادة إنتاج العنف سواء داخل الأسرة أو في غيرها من المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير المنتشرة في المجتمع، وتأتي خطورته باعتباره جزءاً من ظاهرة أعم وأشمل من حدود الأسرة وعلاقاتها.

إن أكثر أشكال العنف هي التي تمارس على المرأة بحكم بناء القوة والسلطة اللذين يحكمان علاقة الرجل بالمرأة داخل الأسرة وفي المجتمع، إلا أنه لوحظ أيضاً وجود ممارسات عنيفة تقع على الأطفال في إطار علاقة الآباء بالأبناء داخل الأسرة، أو علاقة الكبار بالصغار في غيرها من المؤسسات الاجتماعية والتربوية، وهو ما اصطلح على تسميته بصراع الأجيال. والعنف الأسري هو أيضاً أحد أنماط السلوك العدواني الذي ينتج عن وجود علاقات قوة غير متكافئة في إطار نظام تقسيم العمل بين المرأة والرجل داخل الأسرة، وما يترتب على ذلك من تحديد لأدوار ومكانة كل فرد من أفراد الأسرة وفقاً لما يمليه النظام الاقتصادي الاجتماعي السائد في المجتمع "ليلى عبد الوهاب ص 16 العنف الأسري".

وبالرغم من كل التغيرات التي طرأت على الأسرة في المجتمعات الحديثة فأثّرت على شكلها ودورها ووظائفها الاجتماعية والثقافية، فإن العلاقات القائمة داخل الأسرة لا زالت ترتبط ببناء القوة التقليدي، الذي يقوم على تفوق الرجل وسيطرته الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع وفي الأسرة بشكل خاص.

ففي مجتمعات العالم الثالث، تلك المجتمعات التي تعرضت ولا زالت لأشكال مختلفة من الاستغلال والسيطرة الاقتصادية والسياسية في ظل النظام الرأسمالي الاستعماري القديم والحديث، انعكست بدورها على بنية الأسرة وعلاقاتها، وإن نظرة موضوعية على بناء الأسرة تكشف عن وجود عدة أشكال لها. فهناك الأسرة النووية، والأسرة المركبة، والأسرة الممتدة، كما توجد في بعض مناطق من العالم أيضاً نمط الأسرة العشائرية ذات العصبية القبائلية، تلك التي تتمتع بخصائص وآليات خاصة تجعلها تختلف شكلاً وموضوعاً عن مثيلتها. وإن ظروف التخلف والتبعية التي تعاني منها مجتمعات العالم الثالث ترمي بظلالها الكثيفة على غالبية الأسر التي تعيش حالة من الفقر والتخلف الاجتماعي والثقافي، ناهيك عن حالة القهر السياسي التي تسود معظم هذه المجتمعات، مما يشكل في نهاية الأمر مناخاً خاصاً وعاماً لنمو العنف سواء في إطار العلاقات الداخلية للأسرة، أو في إطار العلاقات الخارجية التي تحكم القوى الاجتماعية والسياسية القائمة في تلك المجتمعات.

إن الظروف الاجتماعية الظالمة التي تعيشها معظم الأسر الفقيرة التي يقطن معظمها المناطق الريفية أو الحضرية الهامشية تمثل شكلاً من أشكال العنف الاجتماعي الواقع على جميع أفراد تلك الأسر رجالاً ونساءً، إلا أن هذا العنف يعاد إنتاجه مرة أخرى داخل الأسرة بناءً على توزيع القوى الداخلية والخارجية، فيصبح الأطفال والنساء هم أكثر الفئات عرضة للاضطهاد والقهر. وفي الواقع فإن العنف الواقع على أطفال العالم الثالث، لهو موضوع جدير بكل الاهتمام والدراسة، خاصة وأن هناك الآلاف منهم يموتون جوعاً كل يوم نتيجة لعلاقات القوة غير المتكافئة بين الدول الغنية والدول الفقيرة. هذا علاوة على ما يتعرض له ملايين الأطفال في دول العالم الثالث من صور للعنف والاضطهاد في ظل علاقات الاستغلال القائمة في المجتمع، حيث تضطر غالبية الأسر الفقيرة لتشغيل أطفالها، وبذلك يحرمون من فرصهم في التعليم، والصحة، والرعاية الاجتماعية والتربوية والنفسية.

برغم التغيرات التي طرأت في المجتمع الحديث، فإن طبيعة العلاقة التي تحكم المرأة بالرجل داخل الأسرة لا زالت تحكمها بقايا علاقات العبودية التي تأسّست تاريخياً.

وظلّت معظم القوانين التي تحكم نظام الأسرة في مختلف المجتمعات الإنسانية تدعم الفكرة القائمة على أن المرأة والأبناء هم امتداد طبيعي لملكية الرجل، وبناء عليه فقد ترك القانون للرجل حرية التعامل معهم كيفما يشاء دون تدخل أو محاسبة، على اعتبار أن هذه الأمور تعد شأناً من شؤون الأسرة. لذلك فإننا نجد أنه في الوقت الذي أعطى فيه المجتمع بقوانينه وثقافته السائدة الحق للرجل في السيطرة على المرأة أسرياً، وجنسياً، واجتماعياً، حيث كرّس لديها الشعور بالتسامح تجاه كثير من الأفعال غير المقبولة من الرجل، والتعامل معها باعتبارها سلوكاً طبيعياً وصحياً "ليلى عبد الوهاب ص 21 العنف الأسري".

وفي واقع الأمر، فإن تفسير حالة الخضوع بل التسامح التي تتعامل بها المرأة مع مختلف صور الاضطهاد والقهر الذي تتعرض له في المجتمع والأسرة، والذي يتخذ من العنف وسيلة للتعبير عن نفسه، يمكن إرجاعها إلى شيوع حالة من الاغتراب لدى المرأة تجعلها تعلي من شأن ومكانة ورغبات قاهرها على حساب وجودها الذاتي والموضوعي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاغتراب عند المرأة الفلسطينية بصفة خاصة، لا يقف عند جانب بعينه، بل يتعدد ليشمل مختلف جوانب حياتها الاقتصادية، والاجتماعية، والعائلية، والثقافية، والنفسية، والجنسية.

ظاهرة زواج الأقارب في الأسرة الفلسطينية


ظاهرة زواج الأقارب في الأسرة الفلسطينية

هذه الظاهرة منتشرة في المجتمع الفلسطيني، تتم داخل إطار العائلة، ويطلق عليها اسم زواج داخلي، وينطبق نظام هذا الزواج في المجتمع العربي التقليدي بشكل عام. إذ أن الزواج المحبذ أو المثالي، هو زواج بنت العم، أو بنت الخال، داخل إطار العائلة الممتدة، وهو شأن عائلي وقرابي، وليس شأناً شخصياً علماً بأنني متزوج من ابنة عمي، تتدخل فيه العشيرة بهدف الإنجاب لتكثير النسل، وتكبير العائلة والعزوة، ويزداد ضمن زيادة عدد الإناث المتزوجات داخل العائلة وليس بازدياد عدد الذكور بتزويج فتياتها داخل العائلة لتكثير الخلف، والمحافظة على نفس النوعية والمفاهيم، والمحافظة على أملاك العائلة الخاصة. وللقريبة فضائل أخرى إذ يكون لديها ولاء أكثر للعائلة، وتحافظ على أموال العائلة، ولا تعمل على تفسخ العائلة وتقسيمها، مخلصة في تنشئة أطفالها، ولا تحتاج إلى الابتعاد عن عائلتها في العائلة الممتدة، فهي ضمن المفاهيم والعادات والسلوك المطبق في العائلة، ولا نحتاج إلى تطبيع أو ضغط أو ضرب.

كما ذكرنا سابقاً بهدف المحافظة على النسب والإرث وعدم التغريب، حتى تبقى الفتاة وإرثها في العائلة، وغالباً ما تغض العائلة الطرف عن المخاطر والمحاذير الصحية والاجتماعية لزواج الأقارب، حتى لو كانت تدرك وجود تاريخ مرضي في العائلة، حيث تتضاعف احتمالات الأمراض الوراثية، كل ذلك تحكمه عادات وتقاليد ليس لها أساس شرعي، بل هي سبب لمخاطر مؤكدة قد تقف حائلاً أمام تكوين أسرة قوية وسليمة.

وتكمن المشكلة في حالة وجود تاريخ مرضي وراثي، لدى طرفي الزواج أو أحدهما في العائلة الواحدة، حيث يصبح الإنجاب مشكلة حقيقية بسبب احتمالات انتقال الأمراض الوراثية عبر الجينات، الأمر الذي قد يتسبب في إنجاب أطفال لديهم إعاقات أو تشوهات خلقية. وقد أكد الطب الحديث على أهمية تغريب النكاح، لتجنب الإصابة بالأمراض الوراثية التي تنتقل من أحد الوالدين، بسبب وجود السمة الوراثية لدى الزوجين.

وكذلك حثّ الإسلام على تغريب النكاح لأسباب صحية واجتماعية، تحقيقاً لسلامة الأسرة وتكريساً لمبدأ التعارف بين العائلات، وفي الجانب الاجتماعي فإن تغريب النكاح، يعمل على تكريس مبدأ التعارف، وتحقيق السلامة الاجتماعية للأسرة التي غالباً ما تتعرض للضرر الكبير، في حالة زواج الأقارب، وانفصال الزوجين بعد الطلاق "الشيخ حامد البيتاوي صحيفة القدس ص 16، 1/11/99".

ومنهم من نسب اللجوء لهذه الظاهرة إلى الاحتلال الصهيوني في المجتمع الفلسطيني، كردة فعل للأوضاع السياسية، التي اتسمت بدرجة كبيرة من الشعور بغياب الأمن، وعدم الثقة بالمستقبل، والخوف على الفتيات من المجتمع وسلبياته والاحتلال وتسلطه، والخوف أيضاً على الفتيات من الاعتقال.

لقد نفّذ مركز شؤون المرأة في سنة 1996م بحثاً استطلاعياً، كانت نتائجه 35.5% من المبحوثات قد تزوجن أقارب من الدرجة الأولى (ابن العم وابن الخال)، وقد أفاد استطلاع للرأي في غزة لمجموعة من الذكور والإناث من الشباب دون سن الثلاثين بنسبة 76.5%، منهم 58% ذكور، و42% إناث، من سكان مدينة وبلدة وقرية من جميع محافظات غزة، أفادت العينة بإجابات 81.5% برفض زواج الأقارب، 12.5% أجابت بتأييدها لزواج الأقارب، و6% لا رأي لها، ويعتبر هذا الاستطلاع بأن وعي المجتمع وتحسسه للمشكلات الناجمة عن زواج الأقارب قد أفاد في تقليص هذه الظاهرة.

وأفاد استطلاع آخر لمركز شؤون المرأة سنة 97 بأن فتيات تزوجن في عمر ما بين 12-17 سنة من بينهن 45.4% قد تزوجن من أقاربهن، في حين كان 54.6% منهن تزوجن من خارج العائلة، ونفس النتيجة كانت بين فتيات أعمارهن 18-20 سنة. في حين أن نسبة زواج الأقارب قد انخفضت بدرجة كبيرة عند ارتفاع عمر الفتيات عند الزواج، حيث أفاد الاستطلاع أن 35.2% منهن تزوجن في عمر 25-31 سنة من أقاربهن، و64.8% تزوجن خارج العائلة، وكذلك 18.3% منهن تزوجن في عمر 32 سنة فما فوق من أقاربهن، في حين 81.7% منهن تزوجن خارج العائلة.

ظاهرة تعدد الزوجات في الأسرة الفلسطينية


ظاهرة تعدد الزوجات في الأسرة الفلسطينية

هذه الظاهرة موجودة في المجتمع الفلسطيني وفي المجتمعات العربية والإسلامية، ومجتمعات أخرى، وقد استمدت هذه الظاهرة شرعيتها من الدين الإسلامي في الآية رقم 3 من سورة النساء: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم، ذلك أدنى أن تعدلوا" صدق الله العظيم، وقد أخذت قوانين الأحوال الشخصية في المجتمع الفلسطيني إباحة تعدد الزوجات، باعتبارها الأساس في التشريع الإسلامي من هذه الآية.

لقد ساهمت عدة عوامل في تكريس هذه الظاهرة، وخاصة في تأويل الآية وتطبيق ما جاء بها دون اللجوء إلى الأسباب التي تسمح في تعدد الزوجات، وخاصة الموروث الاجتماعي والثقافي الذي تتناقله الأجيال حول هذا الموضوع، والذي يدل على مظهر اجتماعي كان سائداً في الوجاهة والنفوذ، والقدرة على الزواج بأكثر من زوجة، وقدرة الرعاية التي تدفع صاحبها إلى التفاخر، والرغبة في إنجاب أكثر عدد ممكن من الأحفاد، لزيادة العشيرة أو العائلة، ورفع مكانة الرجل في عائلته، وتكريس مبدأ العصبية العائلية والقبيلة، وتثبيت النظرة الدونية في احتقار المرأة بشكل عام، واعتبارها من ممتلكاته الخاصة. وقد يلعب عدم تنظيم الإنجاب دوراً في تراكم الإناث ضمن أفراد الأسرة، مما يجبر رب الأسرة بتزويجهن، وكذلك ضغوطات المسكن قد يشجع المرأة بالموافقة على مبدأ الزواج خاصة إذا كان العريس من أصحاب الجاه والوجاهة والمال، وقد يلعب أيضاً حرص العائلة على المحافظة على أموالها الموروثة وخاصة الأراضي لكي لا تذهب إلى عائلة أخرى، وهي من الموروثات القديمة في المجتمع العربي.

ضحايا كثيرون، ومشاكل على الميراث وعلى السلطة وتسيير شؤون العائلة بصحبها مشاكل اقتصادية يعاني منها الجميع، فما هي حقيقة الأرقام التي تكشف الحجم الحقيقي لهذه الظاهرة؟.

تشير مصادر العلاقات العامة وخدمات الجمهور في الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن 96% من النساء و89.5% من الرجال المتزوجين تزوجوا مرة واحدة، والملاحظ أن ظاهرة الزواج لأكثر من مرة موجودة في المجتمع الفلسطيني ما بين النساء والرجال، ونسبة الرجال الذين تزوجوا أكثر من مرة أعلى فهي 10.5% للرجال مقابل 4% للنساء، وفي قطاع غزة 5% للنساء و13% للرجال.

ولكن هذه الظاهرة آخذة في التناقص، حيث أن نسب المتزوجين لأكثر من مرة تزداد مع العمر، فهي 8% للنساء في الفئة العمرية 20-24 سنة، ونسب الذكور في نفس الفئة العمرية 25% و2% على التوالي. ويمكن ملاحظة ذلك في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن نسب التناقص في قطاع غزة أقل مما هي عليه في الضفة الغربية، إذ أن هذه النسب ولمختلف الفئات العمرية في قطاع غزة أعلى مما هي عليه في الضفة الغربية ولكلا الجنسين. أما نسبة تعدد الزوجات، فـ 3.5% من الرجال المتزوجين، متزوجون من زوجتين فأكثر، تبلغ نسبتهم في قطاع غزة 4.4%، و3% في الضفة الغربية.

وتضيف معلومات الجهاز إلى أن التباين في هذه النسب يعود إلى ميل الرجال الزواج بأكثر من زوجة، وكذلك تكرار الزواج في حالة الوفاة أو الطلاق أو الانفصال أكثر من النساء، وقد يكون لاختلاف العادات والتقاليد أثر تفسير التباين ما بين الضفة الغربية وغزة، ولوجود ظاهرة الزواج لأكثر من مرة بين الذكور وتعدد الزوجات آثار سلبية على المرأة، إذ غالباً ما تتحمل الزوجة مسؤولية إعالة نفسها وأطفالها إذا كان لديها أطفال، وتدبير شؤون أسرتها، وحتى في حالة إعالة الزوج لزوجتين وأطفالهما في نفس الوقت، فإن ذلك يقلل من مخصصات كل فرد يعيله، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تدني الظروف المعيشية لهؤلاء النساء وأطفالهن خاصة إذا كن غير متعلمات وغير عاملات.

ولا يسعنا في هذا الموضوع إلا أن أتطرق إلى فلسفة الزواج في المجتمع الفلسطيني التي تهدف إلى إنشاء الأسرة وزيادة عدد أفرادها لمواجهة الاحتلال البغيض، ولسياسات القتل الجماعي والاغتيالات التي يمارسها، علماً بأن إنشاء الأسرة لا يكون إلا بإسعاد هذه الأسرة، وتعدد الزوجات لا يكون هدف إلا لحل ضائقة العدد الكبير من الإناث والزائد على عدد الرجال نتيجة للحروب والإصابات والوفيات، أو لتعويض الأعداد المفقودة من شهداء الواجب الوطني.

كثير من الناس في وقتنا يظنون أن تعدد الزوجات لمتعة الرجل فقط، ولكن الإسلام وضع شروطاً دقيقة لمن أراد الزواج بأكثر من واحدة، حيث أحلّ الطيبات ومنها الزوجات مشترطاً العدل بين الناس، وحل مشكلة اجتماعية أو مشكلة وطنية.

والسؤال هو: هل يمكن العدل بين النساء؟ فهذه تشكو لدخول أخرى مكانها، وتكون على وجه الأخرى ابتسامة رضى، والله سبحانه وتعالى هو الخبير الذي قال: "لن تعدلوا". وأقل ما يكون من العدل هو "العزل" بين النساء، فهل العدل هو المبيت في بيت كل زوجة، أم في المحبة وفي السكن والسكينة والمودة والرحمة ومن ثم الرضى، فهو يبيت تلك الليلة بقناعة وليس باسم الواجب، إضافة إلى ضمان حقها جنسياً.

من مشاكل عصرنا ارتفاع النفقات والمصاريف، حيث أن الله سبحانه وتعالى قد ضمن الرزق للجميع فقال عز وجل: "نرزقكم وإياهم". والمقصود الأولاد. ولكن نفقات اليوم باهظة ولا يكفي للرجل أن يخرج أولاده إلى هذا العالم لرميهم في الشارع، إلا إذا ضمن السعادة للنساء مجتمعات ومتفرقات وضمن السعادة للأولاد بالسكن والتعليم والعمل، وكان فعلاً قادراً أو محتاجاً إلى امرأة أخرى عاطفياً وجنسياً، فيفعل ذلك.

اللغز الأخير الذي لم يستطيع أحد حله هو التوفيق بين أولاد عدة زوجات على الميراث، إذا ما وجد بعد موت الوالد، فكثير من الأخوة يتقاتلون ويتنازعون على الميراث، وكان السبب الأول وجود أكثر من زوجة وأكثر من أم في الأسرة الواحدة، وهذا لا يعني أن الأشقاء لا يتقاتلون، ولكن الضغائن يشربها الصغار مع الحليب لعدم رضى والدتهم وصغر عينها عن النعم التي حظيت بها ضرتها.

ظاهرة الطلاق في الأسرة الفلسطينية


ظاهرة الطلاق في الأسرة الفلسطينية

الطلاق هو ترك الزوج الزوجة أو العكس أو بالخلع شرعاً، وهو ليس واجباً أو مستحباً، بل هو رخصة لإنهاء العلاقة الزوجية عند استحالة الاستمرار بها، فهو إما للتخلص من الزوجة، أو الزوج، التي أو الذي لا خير فيها أو فيه، وقد يكون حلاً لمجموعة من الصراعات المتواصلة التي تخيم على الحياة الزوجية، والأصل فيه طبقاً للشرع أنه ممنوع لا يباح إلا للضرورة في الافتراق بين الزوج والزوجة لفشلها أو فشله في تكوين ورعاية أسرة، واستحالة حياتهما معاً.

كانت الأسرة الفلسطينية تعيش في حياة تحكمها العادات والتقاليد والقيم السائدة والروابط الاجتماعية وصلة القرابة وأبوية السلطة، حيث تعيش المرأة حياة نمطية ترعى الأولاد وتقوم بدور ربة البيت، في ظل هذه المعايير المجتمعية كانت فكرة الطلاق أكثر صعوبة، والعائلات تنفر من مفهوم الطلاق لشدة الروابط القرابية وصرامة التقاليد السائدة بين الأسر، والرغبة في المحافظة على وحدة الملكيات، لذلك كان الطلاق موضوعاً يضايق العائلة ويجلب عليها اللوم، ويؤكد شعور الزوج أو الزوجة بالفشل والعجز عن المحافظة على سلامة الأسرة.

وفي السنوات الأخيرة وبشكل خاص في النصف الثاني من التسعينات شهدت تحولاً بإيقاع سريع إثر قدوم السلطة، وما نتج عن ذلك من تحول نحو مجتمع مدني جمع بين الفلسطينيين المقيمين والفلسطينيين الوافدين، هذا الاحتكاك والتطور السريع نحو مجتمع مدني جديد يشكو من قصور ورثته السلطة عن الاحتلال في البنية التحتية، وقصور في القانون التشريعي تصادم مع ما هو قائم في المجتمع من قيم وعادات أحدث خلخلة في تشكيلة المجتمع بشكل عام.

ورافق هذا التطور رواجاً كبيراً لبعض المؤسسات الأهلية والأجنبية والدوائر الحكومية والأطر التنظيمية والمؤسسات النقابية، كل هذه المؤسسات بدأت تعمل على تفعيل دور المرأة ومشاركتها وتسييسها والارتقاء بمستواها الثقافي والمهني، وصدور عدد كبير من الوثائق التي تدعو إلى محو الأمية للحقوق القانونية للمرأة، إذ لا يمكن تجاهل وتهميش نصف طاقة المجتمع المتمثلة بالمرأة، هذا التغيير والتطور الذي طرأ على المجتمع الفلسطيني بشكل عام في السنوات الأخيرة وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا بد وأن يترك آثاراً على الرأي العام ليعكس تحولاً أساسياً في القيم والمعايير التي ترتبط بطبيعة الزواج والطلاق.

والجدير بالذكر أن كل الإحصائيات والدراسات سجلت زيادة في حالات الطلاق في المجتمع الفلسطيني لعدة أسباب، منها: ظاهرة الزواج المبكر، وتعدد الزوجات الذي أشار له الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 97 بنسبة 3.5% في الأراضي الفلسطينية بشكل عام، وتكرار الزواج للمرة الثانية والذي وصل إلى 10.5% للذكور وللإناث 3.0%. أما تعدد الزوجات فهو يعني مشاركة أكثر من امرأة في منزل واحد، والذي يلغي استقلالية المرأة الأولى، حيث يولد مشاكل اجتماعية قد تؤدي إلى الطلاق.

ومن الأسباب الأخرى التي قد تؤدي إلى ظاهرة الطلاق في المجتمع الفلسطيني بشكل خاص، والمجتمع العربي بشكل عام، العامل الاقتصادي المسبب الرئيسي في استقرار الأسرة والمجتمع نفسه، والبطالة قد تؤثر في تراكم المشاكل الأسرية التي تفضي إلى التفكك الأسري، وكذلك الفقر والوضع السياسي.

لقد بلغت عقود الزواج المسجلة عام 98 "حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 97" 24400 عقد في الأراضي الفلسطينية، وبلغت وقوعات الطلاق المسجلة لعام 1999 في الأراضي الفلسطينية 3,761 واقعة بزيادة 296 حالة طلاق عن العام 1998م، وبلغت وقوعات الطلاق المسجلة لعام 1999م في الضفة الغربية 2,388 واقعة وبزيادة مقدارها 175 حالة عن العام 1998م، و1,373 في قطاع غزة بزيادة مقدارها 121 حالة طلاق عن العام 1998م. وقد كانت أكثر وقوعات الطلاق المسجلة عام 1999م في محافظتي غزة ورام الله، حيث بلغت 523 و452 واقعة طلاق على التوالي. بينما سجلت منطقة طوباس في الضفة الغربية ورفح في قطاع غزة أقل عدد من وقوعات الطلاق المسجلة، حيث بلغت 39 واقعة في منطقة طوباس، و165 واقعة في محافظة رفح.

بلغ معدل الطلاق الخام في الأراضي الفلسطينية لعام 1999م، 1.2 لكل 1000 من السكان في منتصف العام، كما بلغ هذا المعدل 1.2، 1.3 في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة على التوالي، وتقارب هذا المعدل في الأراضي الفلسطينية للسنتين السابقتين، في حين كان معدل الطلاق الخام في محافظة رام الله والبيرة أعلى من باقي المحافظات، حيث بلغ 2.04 لكل ألف من سكان المحافظة في منتصف السنة عام 1999م.

تشير نتائج عام 1999م، أن شهر آب أكثر شهور السنة تسجيلاً لوقوع الطلاق، حيث بلغت 398 واقعة، بينما كانت أقل وقوعات الطلاق في شهر كانون الثاني، حيث بلغت 185 واقعة، وكما نلاحظ أن أكثر من ثلث وقوعات الطلاق قد تمت بين الأزواج الذين لم يمض على حياتهم الزواجية سنة واحدة، حيث بلغت في الأراضي الفلسطينية 1,367 واقعة، منها 862 في الضفة الغربية، و505 واقعة في قطاع غزة.

2014-06-19

ظاهرة الزواج المبكر في الأسرة الفلسطينية

ظاهرة الزواج المبكر في الأسرة الفلسطينية

من الظواهر الشائعة في المجتمع الفلسطيني بشكل خاص، والمجتمع العربي بشكل عام، ظاهرة الزواج المبكر وخاصة بين الإناث، ويقصد به الزواج قبل بلوغ سن الرشد الذي قد تكتمل فيه مقدرة الذكر أو الأنثى على إدارة أسرته اجتماعياً واقتصادياً، وقد تلجأ الأسرة إلى تنفيذ هذه الظاهرة، تحت طائل الجهل والتخلف، أو تحت طائل الفقر، فالفقراء يميلون إلى تزويج بناتهم لأول طلب زواج مهما كان مبكراً، لكي يوفروا بعض المصاريف الخاصة للأسرة، كما أن رغبة الفتاة نفسها في تفضيل الزواج لكي تذهب إلى حياة أفضل، ومنهم من يعتبر الزواج المبكر عبارة عن وقاية من الوقوع في المحظور عندما تكبر الفتاة وللمحافظة على شرف الأسرة، ومنهم من يلجأ إلى هذه الظاهرة نتيجة الضغط المكاني في المسكن لكثرة عدد أفراد الأسرة ومعيشة الأبناء أكثر من فرد في الغرفة الواحدة، وأيضاً قد يلعب دور الضغوطات النفسية أو المعيشية على الفتاة، وتفضيل الذكور على الإناث دور في تخلص الفتاة من أسرتها وقبول الزوج المتقدم في سن مبكرة، ومن الثقافات الدارجة في القرى والريف والمخيمات بأن البنت الجميلة هي المطلوبة وهي التي يمكن أن تتزوج وهي صغيرة، مما يشجع هذه الظاهرة والاستجابة معها.

للزواج المبكر انعكاسات سلبية على الأسرة وعلى الزوجين أنفسهم قد تؤدي إلى انهيار هذه الأسرة، إما بالتفكك الأسري، أو الطلاق، وأن أهم هذه الانعكاسات: الأمراض النفسية والصحية، والأمراض الاجتماعية بكل أنواعها، فقد أفادت إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني نشر في صحيفة القدس 5/9/1995م بأن حوالي 46.5% من حالات الطلاق كانت أعمار الأزواج فيها ما بين 15-20 سنة، بينما تنخفض هذه النسبة في أعمار 26-30 سنة، حيث بلغت 10.9%، وفي أعمار 31-35 سنة بلغت 8.9%.

وكما ورد في وثيقة صادرة من وزارة الشؤون الاجتماعية 98/99 بعنوان حملة التوعية المجتمعية "نداء للوالدين نحو أسرة أفضل" لموضوع الزواج المبكر، إعداد الأخ عبد الفتاح القلقيلي.

ورغم أن الاستنتاجات من نتائج المسح يجب أن تكون حذرة خشية أن تكون الأرقام مضللة إلا أنها مفاتيح وإشارات. ومن هذه الإشارات أن حوالي 37% من المتزوجات تزوجن دون السادسة عشرة من عمرهن، وحوالي 15% فقط تزوجن بعد الواحدة والعشرين من عمرهن. وفي الجدول رقم "34" من نفس المصدر، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أيضاً قمنا بمعالجة جديدة للأرقام، حيث نلاحظ أن 43.32% من الزيجات في جنوب ووسط غزة هي دون السن القانوني هناك (17 سنة)، وفي شمال غزة 38.95% وما دون الـ17 سنة (وهي قانونية في الضفة الغربية والقدس)،كما كانت النسب التالية: 43.64% في جنين، و39.69% في طولكرم، وقلقيلية و42.74%، في نابلس و43.87%، في رام الله والبيرة
و42.26%، في القدس و38.52%، في بيت لحم، و42.09% في الخليل.

إن القانون في الضفة الغربية (ومنها القدس) يحدد العمر الأدنى لزواج الفتاة
بـ"16 عاماً" أما في غزة فكان 17 سنة للفتاة و18 سنة للرجل. ورغم ذلك فإن العمر الفعلي للزواج كان متقارباً في الضفة الغربية وغزة. وبالعودة للجدول السابق نجد أن نسبة المتزوجات في العمر 15 سنة كان 21.78% في رام الله، و21.13% في القدس، و19.67% في بيت لحم، و20.04% في الخليل، و19.73% في شمال غزة، و21.66% في جنوب غزة، وكان شمال الضفة أكثر إيغالاً في هذا المجال، حيث كانت النسبة 22.97% في نابلس، و22.93% في طولكرم وقلقيلية، و25% في جنين.

إن الزوج الذي يبلغ الثامنة عشرة أو أقل، لا تستطيع أو يستطيع أن يدير أسرة بشكل ناجح، ويصبح الأمر صعباً إذا كان المجتمع بأكمله الذي يعيشون فيه تواكبه أزمات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية متتالية، وغالباً ما تبدأ الأزمة في الأسرة بين علاقة الزوج مع أسرة الزوجة، أو مع أسرة الزوج، وسوء السيطرة قد يؤدي لحالات طلاق وتعقيدات نفسية، أو اختلالات اجتماعية مؤثرة قد تؤدي إلى تشوهات بين الآباء والأبناء والأقارب والأنساب، وتزداد هذه المخاطر إذا كان أحد الزوجين دون سن البلوغ خاصة الزوجة الصغيرة العاجزة عن إدارة شؤون الأسرة في كافة النواحي الاجتماعية والاقتصادية، وتتحول العلاقة بين الأسر نتيجة هذه المشاكل الاجتماعية إلى قطيعة.

ففي حالات الزواج المبكر قد تواجه المرأة مشكلات صحية متعددة، منها: الحمل، وعدم القدرة على الولادة الطبيعية، أو الإجهاض، أو الولادة المبكرة، وكذلك بالنسبة للزوج الشاب تكون عضلاته وعظامه وأعصابه لم تكتمل بعد، وعدم نضوج في الجسم، وعدم التحكم في المشاعر والاتزان الانفعالي، وقد يتعرض الجسم إلى أمراض فقر الدم.

فمن المعروف علمياً أن النمو الجسدي يتم ما بين 18-20 عاماً، وحتى بعد ذلك، وعلى الرغم من البلوغ الجسدي للفتاة أو الفتى فإنهما لا يزالان بحاجة إلى مزيد من النمو في النواحي العقلية والعاطفية والنفسية.

عدا عن ذلك فإن الزواج المبكر يحرم الفتاة من إتمام تعليمها، واكتساب المعرفة فلا يختلف اثنان على أنها تحتاج إلى التعليم، فالعلم سلاح يعزز شخصيتها، ويدعم مكانتها في مجتمعها. وكذلك الزواج المبكر قد يحرم الفتاة من حنان ورعاية والديها قبل الأوان، ويسرق سنوات غالية من طفولتها الجميلة، وإن النساء اللواتي يتزوجن في سن مبكرة تكون لديهن فترة الإنجاب طويلة، مما يؤدي إلى ولادتهن عدداً من الأطفال أكثر مما يرغبن فيه، إضافة إلى ذلك بأن وفيات الأطفال قبل بلوغهم السنة الأولى من العمر تتأثر بشكل مباشر وواضح بعمر الأم، فهذه الوفيات تكون مرتفعة إذا كان عمر الأم أقل من 20 سنة.

بعض الظواهر الاجتماعية في الأسرة الفلسطينية، ظاهرة المغالاة في المهور والإسراف في احتفالات الزواج


بعض الظواهر الاجتماعية في الأسرة الفلسطينية، ظاهرة المغالاة في المهور والإسراف في احتفالات الزواج

هناك بعض الظواهر والعادات والتقاليد الاجتماعية السائدة في المجتمع الفلسطيني، تؤثر في عملية التنشئة بين أفراد المجتمع وشرائحه رجالاً ونساءً وشباباً، وعلى مستوى مختلف الطبقات الاجتماعية، فظاهرة غلاء المهور والإسراف باحتفالات الزواج هي إحدى العادات المجتمعية المضرة في المجتمع الفلسطيني. ولقد أفرز التغير الاجتماعي هذه المشكلة بانتهاء العزلة الثقافية والحضارية التي يعيشها مجتمعنا خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي البغيض، وانتقاله إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الجديد في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية، فبدأ في ممارسات تجارية وصناعية، وتوسعت الأعمال الإدارية والخدمات ونشأ سوق تجاري قائم على المبادلات التجارية مع الدول العربية والخارج بشكل نسبي، وأثرت هذه التغيرات بشكل مباشر على نمط العلاقات الاجتماعية، وعلى نمط الحياة الاجتماعية التقليدية، وسيطرت المنتجات الاستهلاكية، وتدفقت الأسواقـ، وازدادت حاجة الأفراد، وأدّى هذا إلى بروز تمايز بين الطبقات الاجتماعية، وانعكس على نمط حياتها وعلى شكل العلاقات فيما بينها بشكل نسبي. وأثّر هذا الوضع على العلاقات بما فيها علاقات الزواج، فأصبحت الأسرة تباري الطبقات في غلاء المهور وفي أشكال الاحتفالات، وصار السلوك السائد في أنماط الحياة هو السلوك البذخي في المهر الذي لا يقدم كهبة يعبر عن تقدير الزوجة فقط، ولكن لإبراز مكانة الزوج وأسرته، هذا على مستوى المدينة والقرية، علماً بأن هذه الظاهرة بشكل مؤقت قد انحصرت في ظل الانتفاضة السابقة. وتجددت في ظل قيام السلطة وانحصرت في ظل الانتفاضة الحالية.

أما بالنسبة للريف الفلسطيني فقد نشأ فيه أيضاً ذلك النمط الاستهلاكي في حياة الأسرة، ولعبت الهجرة بنوعيها الداخلية والخارجية دورها في انتشار هذا النمط من السلوك، والمغالاة في المهور والإسراف في حفلات العرس والزواج، حتى ولو أدّى الأمر بالأسرة إلى الاقتراض، أو رهن عقار حتى لا يقال على أنها أقل من مثيلاتها من الأسر، وانعكاسها على المدى البعيد على الزوج الذي يكون ضحية لهذه العادة، ليتحمل أعبائها وتبعاتها المالية سنوات طوال لإعادة الديون التي تكبدها في هذه المظاهر الاحتفالية الزائفة، التي لا يجرؤ المرء على الخروج منها، إلا أن هذه الظاهرة في ظل انتفاضة الأقصى أصبحت كأنها غير موجودة.

تلعب الهجرة الخارجية إلى الدول العربية، وأوروبا، وأمريكا دوراً واضحاً في هذا الجانب، وخاصة عند عودة المغترب إلى الوطن من دول الخليج وأمريكا، تجعله يستعرض إمكانياته المادية وقدرته الشرائية على اقتناء كل ما هو غالي الثمن، معتقداً أنه بهذا سيكون لنفسه مكانة اجتماعية عالية في وسط مجتمعه.

والزواج بالطبع مناسبة كبيرة لإبراز مثل هذا النمط من السلوك، ولمصاهرة الأسرة التي يرغب فيها، ومن ثم فهو على استعداد لتقديم المهر المناسب لمكانته الجديدة، مما يؤدي إلى انتشار هذه الظاهرة بين الأسر حتى وإن أدّى ذلك الأمر إلى تحملها للأعباء والديون، فالنمط الاستهلاكي والذي يكاد يكون سائداً في المجتمع الفلسطيني يحقق تواجد بيئة اجتماعية متداخلة التكوين ذات علاقات اجتماعية متشابكة ما بين الأنماط التقليدية والمستحدثة، وهذا التداخل والتشابك سواء في الأنماط الاقتصادية أو الاجتماعية لا يحقق الثبات الذي يساعد على تشكيل قاعدة إنتاجية تعكس بيئة اجتماعية ثابتة، وبالتالي يفرز علاقات مجتمعية قائمة على العمل من أجل تلك العادة لتصبح فيما بعد هي قيم مجتمع إنتاجي، لا مجتمع استهلاكي، يعتمد في الأساس على موارد آلية لا على ما يقوم بإنتاجه.

كما أن ظاهرة الاستهلاك، الإنتاج اللاواعي، تظهر بين عدد من العادات والتقاليد المجتمعية، ليس فقط في حفلات الزواج بل نجدها أيضاً في طقوس الولادة في الريف، حيث تبقى المرأة (40) يوماً في المنزل، لتأتيها الصديقات والجارات يومياً للتهنئة بالمولود وسلامة الأم، وما تقتضيه هذه العادة من احتياجات وتجهيزات من قبل الزوج للزوجة لشراء ما يتعلق باستقبال الزائرات اللاتي يتوافدن على ربة المنزل يومياً، والتي لا تقل تكاليفها عن حفلات العرس، ومعاناة الزوج والزوجة اللذان يصبحان فريسة لهذه العادات الاجتماعية التي لا يجدان مناصاً للهروب منها لكي لا يصبحا في نظر الأسرة ومجتمع الجيرة غير مرغوبين، وقد يجدان مقابلة شديدة من قبل الأسرة في حالة الرفض من جراء هذه الطقوس لتعارضها مع قيم الأسرة والمجتمع.

وفي الاتجاه الآخر نجد أن مراسيم الوفاة تشكل هي الأخرى أعباء مادية كبيرة، تثقل كاهل الأسرة بالتزاماتها وأعبائها المادية التي قد لا تقوى على تحملها الأسر الفقيرة أو محدودة الدخل، كل هذه القيم والمعايير الاجتماعية تجعل الأسرة الفلسطينية حبيسة ورهينة لها. ومن النادر أن نجد بعض الأسر لا تتمسك بها وهي في الغالب الأسر من ذوي الثقافات العالية التي ترفض التعامل مع هذه القيم والموروثات الاجتماعية.

المرأة الفلسطينية في الريف الفلسطيني

المرأة الفلسطينية في الريف الفلسطيني

من المهم جداً الاهتمام بالريف، وتضافر كل الجهود الفاعلة والمؤثرة لاستنهاضه وتفعيله من أجل اللحاق بالركب العام المتقدم، ولتحقيق هذا الهدف لا بد من مشاركة المرأة الريفية جنباً إلى جنب مع الرجل، فهي تقوم بالكثير من الأعمال الزراعية. وكان لوضع المرأة الفلسطينية ميزة خاصة خلال سنوات الاحتلال الإسرائيلي الطويلة، ترتاد الحقول وتعتني بالثمار وقطافها وتربي الدواجن والحيوانات في ظل غياب الرجل الذي يقارع الاحتلال، فهي الملزمة بتوفير غذاء الأسرة وحماية الأرض من بعده، وعملت كحد أدنى على إنتاج الاحتياجات الزراعية المنزلية، وكسرت حاجز الخوف من الاحتلال، وانطلقت خارج المنزل تعمل وتكد وتكافح مع أبيها وزوجها وابنها وأخيها وبالنيابة عنهم أحياناً بسبب القتل أو الاعتقال.

بعد تحرير أجزاء من الأرض وبسط سلطتنا الوطنية عليها، ركّزت المرأة في المناطق الريفية على التدريب والتعليم والعمل على خدمة الأسرة والمجتمع، وتنفيذ المشروعات الزراعية الصغيرة والمتنوعة جنباً إلى جنب مع الرجل أو بدونه، فالتحقت بمراكز التنمية الريفية، وأعدّت الكادر الإرشادي الزراعي لدراسة المشكلات التي تواجه نشاطها، وخلقت المشاريع الإنتاجية النسوية بإشراف وزارة الزراعة الفلسطينية، فظهرت مشاريع تربية النحل وأخرى لتربية الدواجن ومشاريع إنتاج الخضار في البيوت البلاستيكية، ومشاريع تربية الأغنام والماعز والأبقار، وإنتاج الفراولة، وعش الغراب، وغيرها من المشروعات الزراعية الصغيرة بدعم من المؤسسات الزراعية الفلسطينية العامة والخاصة والأجنبية التي تقدّم لها القروض لتنفيذ هذه المشاريع، وتم تدريب عدد كبير من النساء الريفيات على تربية النحل. ومن ملفات وزارة الزراعة استطعنا الحصول على الأرقام التالية: حيث استوعب القطاع الزراعي حوالي 62 ألف عامل عام 67، ونتيجة لسياسات الاحتلال تقلّص العدد إلى أدنى حالاته 49,3 ألف عامل عام 91، و50,5 عام 93، وبدأ يستعيد قدرته التشغيلية بعد قدوم السلطة الوطنية، حيث بلغ 50,8 ألف عام 96، 51,908 عام97 يمثلون نحو 13.6% من إجمالي العاملين في الضفة الغربية، و9.3% من النساء في قطاع غزة. بعد قدوم السلطة الوطنية بقي عدد النساء العاملات في الزراعة حوالي 30% من إجمالي القوى العاملة النسائية، حيث وصلت نسبة النساء العاملات في الزراعة 26.5% عام95، 29.2% عام96، 29.8% عام97.

تلتزم وزارة الزراعة الفلسطينية بتحسين أداء المرأة الريفية بتوفير الخدمات الإرشادية وزيادة مشاركتها والاهتمام بتوعيتها، والعمل على تخطيط إدماجها مع الرجل رغم انخفاض مستواها الثقافي والتعليمي وضعف ثقة المرأة بنفسها.

تقوم الوزارة بعمل مشاهدات زراعية بأساليب جديدة، حيث تمت زراعة الزعتر في محافظة أريحا في 15 دونم، وكانت المرأة هي المستفيدة الرئيسية في هذه المشاهدة، حيث زرع لصالحها 10دونمات. كما قامت الوزارة بعمل مشاهدات ضمن قسم الإرشاد النسوي، حيث يتبع للقسم إحدى عشر مهندسة زراعية في كافة محافظات الضفة الغربية، وكان من ضمن نشاطات القسم توزيع شتلات النباتات الطبية كالزعتر والبابونج والميرمية والعصفر على المواطنات. ومن تقرير وزارة الزراعة الفلسطينية نلخص الآتي:

- تدر الزراعة في فلسطين 7% من الناتج المحلي الإجمالي.

- معدلات النشاط الاقتصادي للمرأة في الزراعة ضعف معدلات الرجل (28.5 للنساء و14.5 للرجال).

- تشكل النساء 3% من مجموع القوى العاملة في الزراعة.

- (45%) من النساء العاملات في الزراعة يعملن كعمال للأسرة غير مدفوعي الأجر.

- يبلغ معدل الأجر اليومي للمرأة في الزراعة (79% من أجر الرجل، وفي مناطق أخرى 77% من أجر الرجل بمعدل 35 شيكل للمرأة و45 شيكل للرجل).

- معدل ساعات العمل الأسبوعي للمرأة (40 ساعة) أعلى من معدل ساعات عمل الرجل، (38 ساعة).

- معدل ساعات عمل المرأة في اليوم بما في ذلك عملها خارج البيت وداخل البيت، إضافة لرعاية الأطفال ـ يتراوح بين 10 ـ 16 ساعة باليوم.

- تبلغ نسبة النساء في كليات الزراعة 15% وبالنسبة للمدارس الثانوية الزراعية لا يوجد.

- يبلغ معدل سن الزواج للفتاة الريفية 18 سنة و22 سنة للشباب.

- معدل الحياة للمرأة الفلسطينية يبلغ 73.5 سنة وللرجل 70 سنة.

- العاملون الزراعيون حسب الجنس والمنطقة ونسبتهم من مجموع عاملي الضفة الغربية 17.2% إناث من جميع محافظات الشمال 84.8% ذكور، و1.9% إناث من جميع محافظات الجنوب/غزة منهم 98.1% ذكور.

- العاملون الزراعيون حسب الجنس ومكان العمل والمنطقة، نسبتهم من مجموع العاملين في المنطقة المحددة في أرضه نسبتهم من الإناث في محافظات الشمال ضفة غربية في غير أرضه 5.7% إناث 64.9% ذكور، ومكان عمله في أرضه 16.6% إناث 83.4% ذكور، وفي داخل إسرائيل 0.4% من الإناث و74.7% ذكور. أما في محافظات الجنوب/غزة، نسبة الإناث مكان العمل في غير أرضهم صفر و100% من الذكور ونسبتهم في مكان العمل في أرضهم 3.1% إناث و 96% ذكور، ونسبة العاملين في دولة الإحتلال الصهيوني صفر من الإناث 100% ذكور.

المرأة الفلسطينية في المنشآت الصناعية وفي قطاع الخدمات

المرأة الفلسطينية في المنشآت الصناعية وفي قطاع الخدمات

المرأة الفلسطينية في المنشآت الصناعية
لا تزال مشاركة المرأة بشكل عام في القوى العاملة متدنية جداً، وإن معدلات مشاركة المرأة الفلسطينية في القوى العاملة تعتبر أيضاً من جملة المعدلات الأكثر انخفاضاً على مستوى العالم، ويتمثل هذا السبب في أن مسوحات القوى العاملة القياسية تعاني من قصور على صعيد تغطية أنشطة المرأة في مجال العمل، ولأن أيضاً هذه المسوحات لا تتناول العمل في القطاع غير المنظم ومجالات العمل المحلية، وغياب المرأة من قطاع العمالة الرسمي يعود إلى ندرة الفرص المتوفرة لهن للوصول إلى العمالة الرسمية، حيث بينت الدراسات أن عمالة المرأة الفلسطينية تتمركز في الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، وعلى نطاق محدود من الأنشطة الاقتصادية بشكل عام في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات بطالة النساء.

بيّنت مسوحات القوى العاملة التي أجراها المركز الفلسطيني للإحصاء (95-97) أن معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة بقي متديناً بشكل واضح 11%-12% من مجموع العاملات من النساء في سن العمل، في حين أن مشاركة الرجل في القوى العاملة 67%-70% من إجمالي الرجال في سن العمل.

عند الحديث عن مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي ودورها في القطاعات الاقتصادية المختلفة كان يتم التطرق إلى مشاركتها ونسبتها في القطاعات الاقتصادية الرئيسة دون التطرق لوضعها داخل الأنشطة الفرعية. وهل تشارك المرأة في بعض الأنشطة الفرعية دون غيرها، أم أن هناك مساهمة فعلية للمرأة في جميع الأنشطة الفرعية؟ وعليه فإننا سنحاول إلقاء الضوء على وضع المرأة في المنشآت الصناعية، فقد بلغ مجموع العاملين في المنشآت الصناعية المختلفة 50532 عاملاً وعاملة موزعين على 11842 منشأة، منهم 5781 عاملة و44751 عاملاً، ولا تزيد نسبة النساء عن 11.4% من مجموع العاملين، وعملياً فإن نسبة مساهمة المرأة في القطاع الصناعي تأتي من حيث الترتيب بعد قطاعات التعليم والصحة والخدمات الزراعية.

ويلاحظ أن وجود النساء العاملات يتركز في الأنشطة الصناعية التحويلية، حيث يشكلن 12.3% من مجموع العاملين في هذا النشاط، يليه نشاط التعدين واستغلال المحاجر، إذ يشكلن 2.3% من مجموع العاملين فيه، وأخيراً نشاط إمدادات الكهرباء والغاز والمياه، حيث لا تزيد نسبة تواجدها في هذا النشاط على 0.9% من عاملي النشاط. (تعداد 94) وأن نسبة النساء العاملات في الصناعات التحويلية تصل إلى 99% من مجموع العاملات في المنشآت الصناعية، وهي نسبة عالية جداً وبالرغم من أن غالبية النساء يتركزن في صناعة الملابس إذ تصل نسبتهن إلى 79.9% من مجموع النساء العاملات في المنشآت الصناعية، إلا أنهن لا يشكلن سوى 38% من مجوع العاملين في صنع الملابس، ويشكل الذكور 62% من العاملين ويتضح هنا انخفاض نسبة مساهمة النساء في الأنشطة الاقتصادية الصناعية بالمقارنة مع الذكور في أي من الأنشطة الصناعية، ومنها تلك التي تعتبر مجالاً تقليدياً للنساء.

مما سبق نلاحظ أن غالبية النساء يتجهن في مجال صنع الملابس، حيث تصل النسبة إلى 79.7% من مجموع النساء العاملات في المنشآت الصناعية، إضافة إلى العاملات في مجال صناعة النسيج (5.4%)، أي أن حوالي 85% من العاملات في المنشآت الصناعية يعملن في تلك الأنشطة التي تندرج في إطار الأعمال التقليدية للنساء. وتتناقص نسبة مشاركة النساء إلى أقل من 5% في بعض الصناعات، مثل: المواد الكيماوية، وصنع المنتجات الغذائية، والمشروبات، في حين أن العمالة النسائية لا تكاد تلحظ في صناعات فرعية أخرى، وأكثر النساء العاملات في مثل هذه الصناعات تعملن عادة في أعمال إدارية. ولا تعمل النساء في بعض الأنشطة الصناعية، مثل: صنع الخشب ومنتجاته، وأصناف من القش، وصنع الفلزات، وغيرها من الصناعات المتعلقة بأعمال الصيانة وتركيب الآلات. الخ.

إن النساء لا يشكلن سوى 1.6% من مجموع أصحاب العمل، و6.9% من أفراد الأسرة العاملين بدون أجر هم من النساء مقابل 93.1% من الذكور من أصحاب العمل. ورغم كون النساء العاملات لم تزد عن 1.6% من أصحاب العمل، إلا أنهن لا يعملن إلا بنشاط واحد هو الصناعات التحويلية، وتشارك النساء في العمل كأفراد أسرة بدون أجر في الأنشطة الصناعية.

إن النساء العاملات بأجر يشكلن 16% من مجموع العاملين بأجر مقابل 84% من الذكور، وإن النساء العاملات في مجال الإنتاج أعلى منهن في الإدارة، وبعض النساء يعملن في بيوتهن، وهذه الفئة تقع ضمن مجموعات "آخرون" والتي تشمل (عمال مؤقتين، وعاملين في بيوتهم، وآخرين).

بلغ عدد العاملين في النشاط الاقتصادي الصناعي 50532 منهم 44751 ذكور و5781 إناث، والعاملين بدون أجر من أصحاب العمل 1623 ذكور و207 إناث، ومن أفراد الأسرة 4752 ذكور و353 إناث. أما العاملين بأجر فهم: في الإدارة ذكور 1721 وإناث 214، في الإنتاج 23722 ذكور، و4664 إناث "إحصاء العاملين في المنشآت 94" ما عدا القدس.

المرأة الفلسطينية وقطاع الخدمات
يعتبر قطاع الخدمات من أبرز القطاعات المشغلة للنساء في فلسطين، حيث يستوعب هذا القطاع 41.7% من النساء العاملات في الضفة الغربية، وحوالي 66.2% من النساء العاملات في قطاع غزة (التعداد العام 95 دائرة الإحصاء المركزية)، كذلك يستوعب قطاع الزراعة جزءاً كبيراً من عمالة النساء في الضفة الغربية (34.1% عام 96)، ويعمل أيضاً عدد كبير من نساء الضفة الغربية في قطاع الصناعة، حيث نسبتهن في هذا القطاع 16.6% من مجموع العاملات، وتتركز غالبية النساء في فرعي صناعة الملابس والمنسوجات.

وتتمتع النساء في الضفة الغربية بنطاق أوسع من فرص العمل مقارنة بقطاع غزة، حيث تتوزع فرص عمل الغالبية من النساء في الضفة الغربية على ثلاثة أنشطة رئيسة: الزراعة، الخدمات، الصناعة. بينما تتركز عمالة الغالبية العظمى من نساء قطاع غزة في قطاع الخدمات، وعلى الرغم من أن النساء يتركزن في عدد قليل من أنشطة رئيسة فقط، إلا أن عدد الرجال العاملين في هذه الأنشطة يفوق عدد النساء بشكل كبير، ويستثنى من ذلك قطاع الزراعة الذي تشكل فيه عمالة النساء جزءاً كبيراً من مجموع القوى العاملة المنخرطة في أنشطة هذا القطاع (34.5%).

إن الأم المثقفة والمعافاة هي التي تضمن النهوض بالأجيال المقبلة وازدهارها وتنميتها السليمة بالتالي تكفل المستقبل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمعات العربية. وعليه، فإن الاستثمار في تعليم المرأة وصحتها لا يعتبر قضية من قضايا التنمية فحسب، وإنما هو أيضاً قضية كرامة وبقاء.

وحسب إحصاءات النظام التعليمي 95/96 في كتاب الإحصاء التربوي الأول، بلغت نسبة الإناث من مجموع الطلبة 46.4% من المجموع العام (50770) طالباً وطالبة في المرحلة الثانوية، ونسبة 42.9% من مجموع طلبة الجامعات (37094) طالباً وطالبة، ونسبة 51.8% من مجموع طلبة كليات المجتمع (3822) طالباً وطالبة، ونسبة 19.8% من مجموع طلبة التدريب المهني (3462) طالباً وطالبة، ونسبة 50.9% من مجموع طلبة المراكز الثقافية
(18934) طالباً وطالبة.

بعض التحولات في بناء الأسرة الفلسطينية


بعض التحولات في بناء الأسرة الفلسطينية

لقد حدثت تحولات كبيرة في الأسرة ببنيتها ووظائفها، وكذلك تحولات في تكوينها أي أسلوب قيام الأسرة ونحدد هنا أهم مظاهر التحول، والتي تعكسها الدراسة الاجتماعية الميدانية في التحول من النمط الأسري الممتد إلى النمط الأسري الصغير، حيث أن الأسرة الفلسطينية ـ بشكل عام ـ المعروف اصطلاحاً (بالنواة). الأسرة النواة والتي تتكون من الزوجين والأبناء الصغار أو غير المتزوجين، بعد أن عرفت الأسرة الشكل الممتد والذي فيه تتكون الأسرة من أكثر من جيل، جيل الآباء وجيل الأبناء المتزوجين مع زوجاتهم وأبنائهم مع ظهور بعض أنماط من القرارات، ولكن هذا التحول يبرز أكثر في المناطق الحضرية، في حين أن القطاع الريفي والمخيمات لا يزال يتسم بالتواجد الواسع للأسرة الممتدة ولاعتبارات اجتماعية واقتصادية، وهذا التحول في حجم الأسرة (أو بنيتها) تأثر بخصائص أهمها انتشار التعليم بين قطاع كبير من السكان بخاصة في الحضر، فيتجه الأبناء إلى تكوين حياة أسرية خاصة بهم (إلى أن تكون الأسرة نواة)، وقد ساعد التعليم على استقلال الأبناء اقتصادياً، هذا بالإضافة إلى أن نمو ظاهرة التحضر قد شكلت إلى حد كبير تحدياً كبيراً لشبكة الأسرة الكبيرة، فساعدت الهجرة الداخلية والخارجية والتهجير وخاصة بعد عام 67 على تفتيت العائلات الكبيرة إلى أسر صغيرة.

كما أن استقلال المرأة الحضرية وانضمامها إلى سوق العمل أثّر في هذا التحول فهي اليوم تقدم المساعدة لأسرتها الصغيرة، وترغب في أن تعيش حياة مستقلة لتعزيز مبدأ المساواة بين الجنسين، وكفالة قدرتها على السيطرة على أمورها، واشتراكها اشتراكاً كاملاً على قدم المساواة، في الحياة المدنية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية.

والواقع أن هذا التحول في شكل الأسرة وحجمها، قد نجم عنه تحولات اجتماعية مختلفة، في مفاهيم الزواج، والمصاهرة، ونظم القرابة، وتحول في الإنجاب وفي عمليات التنشئة الاجتماعية، فالزواج من حيث كونه ظاهرة اجتماعية أصبح قريباً إلى كيان الفرد الاجتماعي ومستواه الثقافي والاقتصادي من كونه اعتبار عائلي تقليدي فحسب، ورغم أهمية دور العائلة في الزواج والاختيار فيه، إلا أن دورها في هذا هو باتجاه التقلص وبخاصة مع انتشار التعليم وتقلص ظاهرة الخجل في تطبيق مبدأ الاختلاط في بعض المدارس، والجامعات، مع الاختلاف بين منطقة وأخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي لم يكن يتيح للشباب التعارف أو رؤية بعضهم البعض (ذكوراً وإناثاً)، وأصبح اليوم للشباب الراغبين متسعاً للتعارف في مجال العمل أو في الوسط الجامعي وإن كانت العادات والتقاليد لا تزال هي السمة المهيمنة.

أما بالنسبة لمظاهر التغير الأخرى فنجد (وبخاصة في البناء الحضري) أن الموقف من البنت وتوجهها في الحياة يتسم بالمرونة إلى حد كبير ومتاح لها اليوم أن تتعلم وأن تصل إلى أعلى مراحل التعليم، وبالتالي لقد ساعد هذا على ارتفاع سن الزواج في الأسرة الحضرية. كما حدث تحول (نسبي) في نظام السلطة في الأسرة، وإن ظل الشكل السائد هو نظام السلطة الأبوية، الذي فيه الزوج الأب (الرجل عموماً) هو المحور الذي تتمركز حوله الأسرة، أي السلطة الأبوية المطلقة أخذت تضعف، وبخاصة في الأسرة النواة التي يسود فيها اليوم التفاعل الجيد بين الأزواج، ومن الآباء والأبناء الصغار وفيها تلعب الزوجة دوراً ملموساً وبخاصة مع خروجها للعمل ومساهمتها في اقتصاديات الأسرة، وإن كانت لا تزال مستمدة في قراراتها من الزوج بشكل نسبي وحسب المنطقة، فهي لم تحقق القرار الأسري بشكل واسع.

لقد حدث تحول في نمط المعيشة والاستهلاك الأسري، وبالتالي أثّر هذا على وظائف الأسرة وبخاصة الوظيفة الإنتاجية التي ظلّت تؤديها الأسر الفلسطينية طويلاً. فالأسرة الفلسطينية اليوم حضراً وريفاً تتعامل مع منتجات العصر المادية بشكل واسع، وإن كان هذا التحول قد أضفى على الأسرة الكثير من مظاهر العيش الجديدة، وغيّر كثيراً من نمط الحياة التقليدية خاصة في المدن وبعض القرى. كما أن المقتنيات المنزلية ساعدت ربة البيت في إدارة أعمالها، إلا أن لهذا التحول جوانبه السلبية التي تمثلت في الاستهلاك اللاواعي، والانصراف عن المنتجات المحلية الصغيرة، والاعتماد المتزايد على السوق الخارجية، مما ساعد على الدخول والاستمرار في مضمار التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.

وكما يرى بعض المحللين تركيب الاستهلاك هو تركيب غير رشيد، حيث أن نسبة ما ينفق على سلع غير ضرورية هي نسبة عالية، وإن معدل الإنفاق الأسري (في الأسرة الفلسطينية) يضاهي في مستواه معدلات الإنفاق في دول أخرى هي في مرحلة تطور اقتصادي يفوق فلسطين بكثير من الدول العربية المجاورة.

ونحن لا نعيب على الأسرة تحولها في هذا المجال، فمن حق الأسرة أن تركض في معاشها، وأن تنمو وتتطور ولكن ينبغي أن يكون هذا الاتجاه السليم الواعي الذي لا يضر بعملية التنمية أو يحدث خللاً في القيم والمعايير.

إن التركيب الأسري للمجتمع الفلسطيني لا يزال يتسم بالخصائص الديمغرافية وخاصة التواجد الواسع للأسرة الممتدة ولا سيما في الريف، والمخيمات، وارتفاع متوسط عدد أفراد الأسرة (5.95% حسب تقرير التنمية البشرية 98/99)، والزواج المبكر وبخاصة في الريف، وتفضيل المواليد الذكور على الإناث، وانتشار الأمية بين الإناث، وارتفاع نسبة الخصوبة التي تصل إلى 3 و8 مولود حي لكل امرأة طيلة مدة إنجابها، وارتفاع نسبة الإعالة في المجتمع. مع الأخذ في عين الاعتبار استمرار واقع الاحتلال الإسرائيلي، وطبيعة المرحلة الانتقالية، وواقع التشتت الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، والصراع السياسي في حق تقرير المصير، والدولة الفلسطينية المستقلة، والتبعية الاقتصادية وعودة المهجرين.

مظاهر التغيير عند المرأة الفلسطينية في بدايات القرن الحالي ودورها في الحياة السياسية واتخاذ القرارات


مظاهر التغيير عند المرأة الفلسطينية في بدايات القرن الحالي ودورها في الحياة السياسية واتخاذ القرارات

مظاهر التغيير عند المرأة الفلسطينية في بدايات القرن الحالي
منذ أن وجدت المجتمعات البشرية بقيت المرأة تؤدي دوراً هاماً في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، فهي تشارك إلى حد كبير في تقدم وازدهار وتطور هذه المجتمعات، من خلال قيامها بمهام متعددة، فهي تشكل عاملاً أساسياً من عوامل الإنتاج، حيث تتسم المهام التي تقوم بها بالأهمية الكبرى، إذ تضاف إلى مهام الإنجاب والأمومة والتربية، والأهم من ذلك هو أن المرأة التي تشكل أكثر من 50% من أفراد المجتمعات البشرية، والتي تتحمل المسؤوليات الجسيمة في تربية الأجيال وتثقيفهم، لا تزال في غالب الأحيان مستبعدة عن مركز اتخاذ القرارات، الذي يظل امتيازاً من امتيازات الرجل بلا مبرر.

لقد زاد الوعي بأهمية دور المرأة في المجتمعات بشكل عام، وبدأ إشراكها في السلطات الإدارية، وعملية اتخاذ القرارات "نوعاً ما" في جميع الميادين، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، مما أدى إلى عدة إصلاحات وإجراءات للنهوض بدورها لتحقيق الازدهار، بيد أن هذه الجهود لا تكفي لتحقيق التوازن المنشود، وخلق روح المشاركة بين الرجل والمرأة.

إن المجتمع العربي بحكم ثقافته يحترم المرأة خاصة في إدارة وتنظيم شؤون الأسرة والبيت، ويظهر ضعف احتساب جهدها في عملية الإنتاج، وفي الإدارة، واتخاذ القرارات على المستوى الوطني، علماً بأنه في الآونة الأخيرة حدث بعض التقدّم في هذا المجال في بعض البلدان العربية، حيث تم اتخاذ بعض الإجراءات السياسية والتشريعية لضمان النهوض بالمرأة، ودعم إدماجها في عملية التنمية.

المرأة الفلسطينية والحياة السياسية واتخاذ القرارات
بدأ نضال المرأة الفلسطينية منذ بداية القرن العشرين، وظهر نشاطها بعد صدور وعد بلفور واشتعال الثورة الفلسطينية، حيث ساندت الرجل في احتجاجه واعتصامه ومظاهراته في المطالبة بوقف هجرة اليهود إلى فلسطين وإلغاء الوعد، وبدأت بإنشاء جمعيات نسائية لخدمة الهدف الوطني. وبعد احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية سنة 1948م وتهجير الشعب الفلسطيني تأسست عدة مؤسسات اجتماعية للمحافظة ورعاية المجتمع الفلسطيني وخاصة الفقراء والأيتام من أبناء الشهداء وغيرهم، وأخذت تقدّم المساعدات التعليمية والصحية، وبدأ الفلسطينيون تنظيم أنفسهم في حركات وطنية وحزبية رافضة للاحتلال الصهيوني لأراضيهم ومقدساتهم، وقد انضمت المرأة لهذه التنظيمات بحكم موقعها الاجتماعي.

بعد حرب 67 واستيلاء إسرائيل على الجزء المتبقي من فلسطين، حدثت بعض التغيرات الاقتصادية والاجتماعية أثّرت على المجتمع والأسرة والمرأة الفلسطينية، مما اضطر المرأة الفلسطينية دخول سوق العمل كمعيلة ومحافظة على أسرتها، وخاصة بأن معظم الرجال أصبحوا في سجون الاحتلال وتقيدت حركتهم، فعملت في وظائف لا تحتاج إلى المهارة وبأجر أقل.

ساهمت المرأة الفلسطينية في النضال الفلسطيني العلني والسري، كمقاتلة وكداعية سياسية ومنظمة للعمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، واندمجت في الأحزاب والحركات السياسية، وكان الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية الذي تأسّس بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964م مركزاً مهماً لنشاط المرأة الفلسطينية في مختلف مناطق وجود الشعب الفلسطيني، وشكلت المرأة بعد عام 1978م في فلسطين المحتلة لجان العمل التطوعي على شكل أطر جماهيرية نسوية، تقوم بالخدمات الصحية والتعليمية، والزراعية، والاتحادات النقابية والتعاونيات أصبحت مدخلاً لتنظيم المرأة في المدن والقرى والمخيمات، تقدّم الخدمات للشعب الفلسطيني، وقد لعبت دوراً مميزاً في انتفاضة 1987م وذلك من خلال دورها الفاعل في تشكيل اللجان الشعبية على مستوى الأحياء، وقد أنشأت عدداً من المراكز النسوية المتخصصة لطرح قضايا المرأة الاجتماعية، ونشر الثقافة والتوعية بين النساء. وفي السنوات الأخيرة تأهلت المرأة الفلسطينية لزيادة دخل الأسرة، ووظفت لها الطاقات النسوية المتنامية بعد أن أدركت أهمية حاجتها لكي تقيم وتدير مشاريعها بطريقة أكثر منطقية وعملية، حيث بدأت تسير في اتجاه رسم الخطط التنموية لإقامة مشروعات مختلفة، ليست فقط مدرّة للدخل بل مربحة توافق طبيعة المرأة وناجحة، فأخذت برامجها السياسية والاقتصادية تشتمل على برامج اجتماعية، تعالج كل نواحي الحياة، وتطور مؤسساتها الخاصة بالأسرة، والطفولة، والمؤسسات الاجتماعية لحماية الشباب، والضعفاء والمتقدمين في السن، ساعية نحو الأمن الاجتماعي والاقتصادي، مما يؤدي إلى اتخاذ قراراته بكل ثقة وأمان على المستوى الشخصي والجماعي.

لقد حققت المرأة الفلسطينية نجاحاً ملحوظاً، في تعبئة وتأطير النساء للعمل السياسي، وبالرغم من نجاحها في هذا المجال، فقد استطاعت أن تخصص بعض نشاطها، لتقديم الخدمات الأساسية للمرأة، وبالذات النساء العاملات، من خلال توفير دورات للتأهيل المهني وغيرها من البرامج المساندة، وقد حشدت جهدها نحو تحقيق أهدافها الوطنية والإنسانية والنسائية بشتى الوسائل عبر الجمعيات التطوعية الخيرية، وبالأطر النسائية المختلفة، التي تعمل في مجالات واسعة ومتعددة، وبشكل رئيس في حقل التربية والتنمية، وحقوق المرأة والإنسان في مفهومها الشامل.

إن نجاح المرأة الفلسطينية نجاحاً كاملاً في مختلف الجوانب التنموية، لا يتحقق في ظل الاحتلال والتبعية القهرية، وإنما بوادره بدأت تتحقق في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي ظل حصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه في العودة، وحق تقرير المصير، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها مدينة القدس الشريف، وفي ظل حكم يحدد اشتراك كل من الرجال والنساء باعتبارهم مواطنين صالحين، وقد شاركت المرأة الفلسطينية في حقها الانتخابي وأدلت بصوتها، وفرزت مرشحات إناث يمثلنها في المجلس التشريعي الفلسطيني، علماً بأنها ممثلة في المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية.

إن الشكل الوحيد للحكم الحالي في فلسطين، هو إدارات البلدية المحلية، والمجالس القروية، ولا يوجد تمثيل فيها للمرأة الفلسطينية في ظل ظروف الاحتلال، وقد واجهت السلطة الوطنية تطورات ناتجة عن هذه الفترة الانتقالية، وظروفاً واحتياجات محلية متغيرة، وخاصة في الاحتياجات التنموية والنسوية وأولوياتها.

بعد توقيع اتفاق "أوسلو" بين م.ت.ف. وإسرائيل، واستلام السلطة الوطنية الفلسطينية لغزة وأريحا أولاً، ومماطلة إسرائيل لتنفيذ بنود الاتفاق، أنشأت السلطة الوطنية عدة لجان تكنيكية لمساعدتها في تحديد احتياجاتها التنموية، والاحتياجات السياسية للوقت الحالي والمستقبل ـ كهيئات انتقالية لصنع القرارات، وقد اشتملت هذه الهيئات على تمثيل نسائي، وخاصة اللجنة التكنيكية لشؤون المرأة ضمن اختصاصها، مما يعزز مشاركتها في السياسة الرامية للاقتصاد، فهي من إحدى اللجان التي تتلقى الدعم والمساندة.

إن التشريع المتبع يحدد المؤشرات لمساواة المرأة بالرجل، في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث تم توفير الأطر القانونية، للتركيز على نشاط المرأة الفلسطينية، وتنسيق عملها واهتماماتها، في هذا المجال، مما طمأنها بأن لها الحقوق نفسها التي للرجل في جوانب التشريع، وأن بالإمكان ترتيب آلية ما، لضمان فرض الحقوق المدنية، التي تحقق فرص المساواة، فقد تم اعتماد عدد من النساء الفلسطينيات، في جميع مستويات الهياكل الإدارية، وخاصة في مستوى صنع القرار، وفي جميع إدارات الخدمات المدنية، بما في ذلك الشؤون الخارجية، وهي تشارك في الاجتماعات، والمؤتمرات الإقليمية والدولية، باعتبارها تمثل بعض الهيئات الرسمية، وقد أوجدت المنظمات النسائية في بلدنا، قدرة على حشد النساء في مستوى القاعدة، واضعة في الاعتبار مساهمة المرأة الأساسية في المجتمع الفلسطيني، وفي حياة النساء بصفة خاصة.

إن الاعتراف بدور المرأة، في تنمية الحكم المحلي الفلسطيني، وبناء الاقتصاد الوطني، والنهوض بالمجتمع الفلسطيني، قضية لها جذورها العميقة، حيث تمس جميع أوجه الحياة، والتحديات التي تواجهها السلطة الوطنية الفلسطينية، في إنشاء رابطة قوية بين رؤى الماضي، وتقاليد رؤى الحاضر، من أجل مستقبل أفضل، تضعنا في مفترق الطرق، فإما ننتهز الفرصة، لنبني أمة عريقة، تقوم على أساس المشاركة الكاملة، على قدم المساواة، وإما أن نخاطر بفقدان المنجزات، التي استطاعت أن تحصل عليها، المرأة الفلسطينية بصعوبة بالغة.

لا شك أن للمرأة الفلسطينية دور كبير في إعداد النشء، ففي الأمومة والإنجاب تقع على عاتقها مسؤولية التنشئة الاجتماعية، وتجسيد الانتماء، وتوفير الأمن للبناء، والكل يعرف "أن وراء كل رجل عظيم امرأة" ولا شك أنها تلعب دوراً أساسياً في المجال المهني، ومشاركتها في المجالات الصحية والترفيهية، والتعليمية والتطور العلمي، والمجال الرياضي والسياسي والإعلامي لا حصر له، فإن نشاطها السياسي لم يكن مقتصراً على الصعيد المحلي بل امتدّ إلى مجال اشتراكها في المؤتمرات الدولية النسائية، والإعلامية والتنموية.

إن حال المرأة الفلسطينية أصبح يتحسن عمّا كان عليه، فثمة نسبة أكبر من النساء أصبحن يجدن القراءة والكتابة، وثمة عدد كبير منهن يتبوأن مواقع عليا في المستويات السياسية. إن الجيل القادم سيعهد إليه بمسؤولية تعزيز المنجزات التي تحققت، فلم يعد عصرنا ينظر إلى النساء بوصفهن مجرد "مستفيدات" سلبيات من النمو الاقتصادي، ومن التنمية الاجتماعية والسياسية، بل أصبح ينظر إليهن بصورة أكبر بوصفهن من العناصر الأساسية الفعّالة في هذا الشأن، وبحكم ما يتمتعن به من معارف ومهارات وطاقات، فالمرأة عنصر فعّال ونشط على مستوى العائلة، والمجتمع المحلي والدولي، وهي عاقدة العزم على ضمان تحقيق عالم أفضل لأبنائها.

مما تقدّم نجد أن المرأة شاركت الرجل الفلسطيني في نضاله الوطني، وأن المؤسسات التي شاركت فيها كانت تصب في خدمة المجتمع الفلسطيني، أما على الصعيد الحقوقي والنقابي فقد بقيت المرأة الفلسطينية على ما هي عليه وإن كانت نسبة المتعلمات قد زادت بشكل واضح، حيث أصبحت نسبتهن في طلبة المرحلة الثانوية إناث 46.4%، وفي الجامعات 42.9% وفي كليات المجتمع 51.8%، وفي مراكز التدريب المهني 19.8%، وفي المراكز الثقافية 50.9% من مجموع الطلبة العام حسب إحصاء التربية والتعليم 95/96، كما زادت بشكل بسيط نسبتهن في العمل الإنتاجي ضمن ظروف عمل قاسية، وتمييز في الأجور بين الرجل والمرأة.

تمكنت المرأة الفلسطينية كما ذكرنا من ممارسة حقها في الانتخابات كمرشحة وكمصوتة، وقد نجحت 5 نساء من المرشحات الـ28 في المجلس التشريعي الفلسطيني بنسبة 5.7% من أصل 88 عضواً.

أما وضعها في اتخاذ القرار فلا بد لنا من استعراض مكانتها السابقة في المجلس الوطني الفلسطيني، حيث أن هناك 56 امرأة يشكلن 8.7% من مجموع الأعضاء الكلي، منهن ثلاث نساء من مجموع 100 عضو في المجلس المركزي "حسب ما ورد في كتيب المرأة واتخاذ القرار في فلسطين"، بحث المرأة في اتخاذ القرار، إعداد زهيرة كمال. وقد تم تعيين وزيرتين في مجلس وزراء السلطة الوطنية الفلسطينية من أصل 28 وزيراً أي بنسبة 7%. وتم تعيين اثنتين بمنصب وكيل وزارة مساعد، وواحدة برتبة مدير عام وزارة، و22 برتبة مدير عام (بالتعيين من قبل سيادة رئيس الدولة) في 13 وزارة فيها 185 مديراً عاماً، وهذه النسبة تشكل 10% ممن هم في منصب مدير عام، تركز معظمهن في وزارة الشؤون الاجتماعية، والتربية والتعليم، والصحة، وهذا يدل أن تعيينات النساء جاء في وزارات لها دور خدماتي. أما بالنسبة للمراتب الوظيفية الأخرى فنجد 15% منهن بمنصب مدير، 25% منهن بمنصب رئيس قسم، وتكاد تقتصر وظيفة سكرتيرة وسكرتيرة تنفيذية وإدارية وطابعة على النساء لعلاقتهن بالثقافة الاجتماعية السائدة التي يعتقد بعضهم أن هناك وظائف تناسب المرأة ووظائف تناسب الذكر.

مظاهر التغير الاجتماعي والاقتصادي في الأسرة الفلسطينية


مظاهر التغير الاجتماعي والاقتصادي في الأسرة الفلسطينية

ترتبط الأسرة الفلسطينية ارتباطاً وثيقاً وموضوعياً مع المجتمع ومع كل ما يدور فيه، ولا يمكن فهمها أو بحثها كظاهرة منعزلة، بل ينبغي النظر إليها في ضوء التركيب الاجتماعي الاقتصادي للمجتمع الذي نجد انعكاساته المباشرة على الوضع الأسري بشكل عام ووضع المرأة بشكل خاص.

ونظراً لهذا الارتباط نجد أن ما وقع على الأسرة الفلسطينية والمرأة من تخلف وحرمان وتراكم في المشكلات الاجتماعية، هو بفعل ما وقع على المجتمع الفلسطيني، الذي عرف أشكالاً من الأوضاع الاجتماعية المتخلفة، كان معظمها بسبب ما تعاقب عليه من أنظمة استبدادية تسلطية من أهمها الحكم العثماني، والانتداب البريطاني، وكذلك النظام الاحتلالي الاستعماري الاستيطاني الصهيوني الذي هيمن على مناطق فلسطين بأكملها منذ 1917م بداية وعد بلفور الذي أعطى وطن قومي لليهود في فلسطين، وقيام دولة إسرائيل عام 1948م.

إن النظام لاحتلالي الاستعماري قد لعب دوراً أساسياً ومباشراً في تخلف المجتمع، والابتعاد به عن أي مظهر حضاري، وأسهم في ركود البنية الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية لزمن طويل، علماً بأن المجتمع الفلسطيني يتسم بشكل عام بأنه مجتمع زراعي قبلي، تقليدي وبالتالي فإن هذا التأثير وجد انعكاساته المباشرة على الأسرة، وأوضاعها فقد عاشت هي الأخرى ـ وبشكل كبير ـ محصورة في العلاقات الاجتماعية (الشخصية القرابية) وعلاقات الجوار، وكانت تجد في هذه العلاقات ملاذها وظهورها واستمراريتها وتفاعلاتها، وابتعدت عن أي نمط من أنماط التفاعلات الحديثة وحرمت بعض الأسر وأفرادها من التعليم، والمشاركة الحياتية وإن وجد هذا التعليم فقد كان مقتصراً على الذكور، وعلى المرحلة الابتدائية أو الإعدادية، حسب وجود المدارس وقربها وبعدها من القرية أو الريف، إلى أن شهد التعليم شيئاً من التطور في القرى، فقد بنيت المدارس والكليات والجامعات في المدن والقرى.

ومع مطلع العقد السابع من القرن العشرين شهد المجتمع الفلسطيني تحولات جذرية ونوعية في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وخاصة بعد قيام م.ت.ف وهي تحولات تبحث في معظمها عن جهود تنموية، تبلورت في هيئة خطط وبرامج إنمائية محكمة، أحدثت تغيرات جوهرية في نوعية الحياة السكانية وتشجيع الزراعة والإنشاء، وتأسيس التعاونيات الزراعية والصناعية وبناء الجامعات والكليات المتخصصة، وإن كانت هذه الجهود الإنمائية المتواصلة لم تشفع للمجتمع من أن يخرج من حلقة التخلف وبشكل نهائي بسبب الاحتلال البغيض. ويتواصل المجتمع الفلسطيني مع ظروف التحول الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي ويشهد حدثاً عظيماً في أوائل التسعينات تمثل في قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، كما شهدت منعطفاً جديداً في الحياة الديمقراطية والانتخابات التشريعية، وتأسيس الأحزاب والتي كان من أهم آلياتها التعددية الحزبية والمشاركة الجماهيرية وهذه الظروف الحضارية الجديدة أتاحت للأسرة التفاعل مع مؤسسات المجتمع، أما بالنسبة للمرأة فنجد أن قيود المكان تأتي باتجاه التغير وأصبح بإمكانها أن تتعلم وتعمل وتشارك في بناء مجتمعها، كعنصر أساسي ساهم في التنمية.