بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات التاريخ الفلسطيني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التاريخ الفلسطيني. إظهار كافة الرسائل

2013-02-03

الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد.. المؤرخ الشعري للقضية الفلسطينية

المؤرخ الشعري للقضية الفلسطينية  
ولد الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد في حارة الزيتون بمدينة غزة عام 1927م، وأمام أبوابها الكنعانية القديمة، وهو باب الزاروب، وبجوار جامع الشمعة الذي شهد تفجر روح المقاومة ضد الانتداب، وسقوط الأبطال مضرجين بدمائهم التي خضبت الأرض بلون أحمر، كان الشاعر منذ البداية شاهدا على الأحداث، ومؤرخا لها عبر التطورات المتتالية التي مرت على المأساة الفلسطينية، ورأى بأم عينيه الاطفال الذين يبتلعهم البحر الهائج حين كانت تنقلهم مراكب اللجوء إلى شاطئ غزة بعد ان اقتلعهم اليهود من مدنهم وقراهم وبياراتهم، رأى الأم الفلسطينية ترمي نفسها في البحر في محاولة يائسة لانقاذ ابنها الذي حملته الأمواج المتلاطمة الى الأعماق، فتغوص معه في رحلة منسية عبر الزمن الذي لم يرحم تلك المرأة الشجاعة التي ظنت ان البحر ربما يكون لديه بقايا من عطف وشفقة ورحمة، اما هارون هاشم رشيد فقد ابحر بشعره في رحلة لم تتوقف طيلة حياته، وعلى صفحة البحر الفلسطيني نسج عذابات اليتم والقهر والتشرد بكل جوارحه، لكنه ربان ماهر يسبح في قصائد الرقة والحنين حيث نجد النوارس البيضاء، ومفردات الأمل من المستقبل، وأناشيد الغضب والكفاح، حيث يعبر عن نبض الأجيال التي لم تنسها عواصف الغربة اشجار بلادها الخضراء التي يعد هارون هاشم رشيد احدى هذه الأشجار الوارفة الظلال، ورغم انه يعيش بعيدا عن الوطن، لكن بمثابة السنديانة التي تحط عليها النسور بجناحيها، قبل أن تحط الرحال في فلسطين.
اصدر هارون هاشم رشيد اكثر من 22 ديوانا شعريا بدأها عام  1954 ، وشعره مملوء بالرومانسية الوطنية التي تغنت بها الاجيال العربية من المحيط الى الخليج، لما فيها من قدرة رائعة على استنهاض المشاعر والهمم، ومقت للغزاة، وعشق للحرية والحياة بشرف وكرامة،اضافة الى عدد من المسرحيات الشعرية التي مزجت بين المتعة الفنية والقيمة الفكرية الوطنية الملتزمة.
 بدأ هارون هاشم رشيد كتابة الشعر مبكرا ، لكن ديوانه الأول (مع الغرباء) صدر عام 1954م .والذي تضمن قصيدة بعنوان (قصة) روى فيها مشاهداته هو وامه اخوته الصغار لنسف بيوت حدث في غزة حيث كان عمره أحد عشر عاما، هذ الحدث الذي اسس في توجهه الفكري والسياسي ، وقال في القصيدة:
قصة قد حدثت بالامس
من عشرين عاما
حدثت في قريتي الخضراء
في ارض السلام
وآخر هذه القصيدة مقطع..
لن ينام الثأر في صدري
وان طال مداه
لا ولن يهدأ في قلبي
وفي روحي صداه
صوت امي لم يزل
في مسمع الدنيا صداه
وابي ما زال في قلبي
وفي روحي صداه
ان تقدم ثابت الخطو
الى الخير تقدم
وتعلم كيف تروي غلة الدم
بنيران ودم
هذه القصيدة التي تغنيها فادية كامل، وهذا هو شعاره الذي لم يتغير واحد ثوابته التي حافظ عليها طوال حياته .
هذا الديوان قدم له الدكتور عبدالمنعم خفاجي، وفيه شيء أساسي للأديب والشاعر والانسان والدبلوماسي الكويتي عبدالله الانصاري.
وآخر دواوينه الشعرية - ديوان (قصائد فلسطينية) صدر في عام  2002بمناسبة اختيار عمان عاصمة للثقافة العربية.
ويلاحظ ان قصيدة الشاعر هارون هاشم رشيد بقيت في اطار القصيدة العمودية او شعر التفعيلة، ولم تلج القصيدة الحديثة؟
حيث أنه كان مرتبطا ارتباطا حميما بالتراث، ويعتبر ان القصيدة اذا لم تلتزم، او تقطع في اطار ما اخذه من هذا التراث فانما هي تنبت، وتصبح شيئا منبتا، لكنه كتب الشعر على نظام التفعيلة، اما الشيء الوحيد الذي ابتعد عنه في هذه المدارس الحديثة فهو محاولة الايغال في الرمز أو الألغاز بحيث انك تقرأ شيئا ولا تعرف ماذا تقرأ، انه شاعر احب ان يكون صادقا فيما يكتب، معبرا بصدق عن اللحظة التي يعيشها، حريصا كل الحرص على أن يكون ذلك الخيط الرفيع بينه وبين المتلقي موجودا، يعبر عن ذاته وهمه وهموم الآخرين.
وقد تأثر شاعرنا هارون هاشم رشيد بالشعراء الذين سبقوه على الساحة الشعرية في فلسطين منهم ابراهيم طوقان، عبدالرحيم محمود، عبدالخالق مطلق ، فمثلما أخذ او تشبع او دخل حسه الداخلي ابوتمام والمتنبي وامرؤ القيس كذلك كان ابراهيم طوقان وعبدالرحيم محمود، وحتى شعراء المهجر اللبنانيين وربطته علاقات حميمة مع عمر ابوريشة ونزار قباني ومحمود حسن اسماعيل واحمد رامي، كل هؤلاء كان بينه وبينهم علاقات وطيدة وحب كبير ، كان يتأثر ويؤثر بقدرما يستطيع، لم يكن يعيش في برج عاجي لا بالنسبة لقضيته ولا بالنسبة للشعر والشعراء الموجودين.
والملفت في شعر هارون هاشم رشيد انه شعر تاريخي تحريضي يرفع راية الكفاح والأمل منذ اللحظة الأولى لتفتح التجربة في ريعان الشباب وحتى اليوم، وقد أصيب بشيء من اليأس و تسربت الشكوك والهواجس الى نفسه فيما كان يدعو له. نعم ، يستطيع كل انسان يريد ان يؤرخ للقضية الفلسطينية ومراحلها ومآسيها ان يجد كل ذلك في قصائده، فهو انسان فلسطيني عاش بدايات الهجمة الصهيونية، وشاء الله أن يكون أحد المتطوعين لمساعدة اللاجئين الذين يأتون عبر المراكب، كان المركب يقف بعيدا وتذهب زوارق صغيرة لتأتي بالاطفال والنساء والرجال، ولسوء الحظ كان البحر هائجا فتنقلب الزوارق، ويذهب اليهم مع رفاقه ليحملونهم على أكتافهم الى أماكن اللجوء التي كانت في ذلك الوقت المساجد والمدارس، ثم في الخيم، لقد بدأ يحتك مباشرة بهؤلاء الناس ويرى المأساة بعينه كيف ان هذه الاسرة كانت تعيش في بيارتها وبيتها ومعاهدها ومدارسها وكرومها تتقلص حياتها لتكون في خيمة صغيرة، وكان من الأوائل الذين دقوا اول وتد من اوتاد هذه الخيام، وكانت اول قصيدة كتبها بعد عام  1948تتعلق   بالخيمة:
أخي مهما ادلهم الليل
سوف نطالع الفجرا
ومهما هدنا الفقر
غدا سنحطم الفقرا
اخي والخيمة السوداء
قد أمست لنا قبرا
غداً سنحيلها روضا
ونبني فوقها قصرا
غدا يوم انطلاق الشعب
يوم الوثبة الكبرى
فلسطين التي ذهبت
سترجع مرة أخرى
وبدون مبالغة ان هذا البيت الأخير كان يكتب على لافتات كبيرة ويكتبه اللاجئون في مخيمهم، وكان في ذروة الهزيمة، واهله يتوافدون حفاة عراة لا أحد معهم، وكان يضعهم في الخيمة وكان يقول لهم من هذه الخيمة سيبزغ الأمل، ستشرق الشمس، وسيخرج العباقرة من المهندسين والاطباء والمفكرين والشعراء، هذه الخيمة التي اراد لها مَن صَنع مأساتها ان تكون قبرا للاجئين، لأن أول التصاريح التي صدرت في ذلك الزمان في الغرب قالت اتركوا هذه القضية للزمن، الصغار سينسون والكبار سيموتون وتموت القضية، لكن الذي حصل ان الكبار لم يموتوا، ولكنهم تركوا آثارا كبيرة من أجل العودة، والصغار اكثر تمسكا بالوطن من الاجيال التي سبقتهم، وهذا سر تفاؤله، انه لسان حال هؤلاء من أجل قضيتهم وحقهم في العودة.
لقد غنى له العديد من الفنانين، وقد قال حول ذلك :
- أحزاننا واحدة، وافراحنا واحدة سواء كنا شعراء او مطربين او اية فئة اجتماعية أخرى، لقد بلغت فيروز الذروة حين غنت لي قصيدة (الغرباء) التي كتبتها عن اللاجئين مخيم البريج والتي تقول فيها:
لماذا نحن ياابتي
لماذا نحن أغراب
أما لنا بهذا الكون
أحباب وأصحاب
هذه الصرخة، وهذا التساؤل هو الدعوة الى أن نخرج من هذه الغربة من أجل العودة الى الوطن، وفيروز تألقت صوتا ولحنا، هذه هي الدعوة التي كنت أنادي بها وهي العودة الى كل شبر من ارضنا. كذلك غنت لي فايدة كامل، محمد فوزي، محمد قنديل، وكل الأسماء الكبيرة التي كانت في  ذلك الوقت.
وعن سؤاله عن هذه القصائد الشعرية الملتهبة بنار الكفاح والمقاومة ومساهمتها في تأجيج الانتفاضة في الداخل، ام ان فعل الجماهير يسبق الشعر، والخطابات الحماسية؟ فأجاب الشاعر وقال :
- ربما اكون اكثر من كتب عن الانتفاضة من الشعراء، كنت ابشر بولادتها على ايدي الاجيال الحديثة، واول ديوان اصدرته في تونس كان بعنوان (ثورة الحجارة) ثم اصدرت بعده مسرحية شعرية كاملة بعنوان (عصابة الشوق) وتتناول ثورة الحجارة والابطال والعودة.
وبسؤاله عن حفظ اشعاره عن ظهر قلب؟ أجاب :
- الشاعر لا يكبر ولا يشيخ لانه كلما التهبت مشاعر هذا الشاعر كلما ازداد حيوية وشبابا، وصار أكثر تدفقا وحماسا مما يكون في ريعان الشباب، والذي يزيد من هذا الحماس ما نجده على ارض الواقع من تضحيات لشعبي، الذي وهبت له حياتي، واوقفت عليه شعري ولم يخذلني، بل كان دائما فوق الكلمة وفوق الزعامة وفوق كل شيء.
وأطلق عليه تسميات كثيرة عبر مشواره الشعري، شاعر فلسطين القومي، شاعر النكبة، شاعر العودة، شاعر الثأر، فأين هو من كل هؤلاء؟ يجيب الشاعر بنفسه فيقول :
- أنا خليط من كل هؤلاء الشعراء، لقد  شاء الله ان يكون هناك تحول خطير في حياتي، وان يصاب شعبي بنكبات متتالية، وتحتل غزة مرة كل عشر سنوات، لذا بقيت قريبا من اللاجئين وصوتا لهم، كانت تتبدد الآمال والاحلام حين يصاب الشعب بمثل هذه الضربات القاصمة، لكن سرعان ما ينهض كطائر الفينيق من تحت الرماد، حاولت ان اصور بكل ما اوتيت من صدق وقوة حياة اللاجئين ومأساتهم ومعاناتهم ولكنني كنت اشعل في نهاية الظلمة شمعة،اما في المرحلة الثانية فبدأت تتحول هذه الهواجس الى المناداة بالعودة فصدر ديوان (عودة الغرباء) وفيه قصيدة (عائدون) التي اصبحت نشيد الشعب الفلسطيني. 
وقد تحدث الشاعر عن نقطة الخلاف بينه وبين نزار قباني في شعره السياسي، مع العلم ان كلاهما تغنى بالانتفاضة، لكن نزارا بدا متشائما بعد 1967، وكتب ما يمكن ان يسمى بالهجاء السياسي، وهي  المرة الوحيدة التي اختلفت فيها مع نزار حتى وصل الأمر بيننا الى حد القطيعة فترة من الزمن ، لقد كتب (هوامش على دفتر النكبة) ووجه الى حد كبير التهمة الى عبدالناصر، هذا هزني جدا، فقمت بالرد عليه رافضا كل من يحاول ادخال اليأس الى الشعب العربي، ذلك ان الجندي العربي لم يهزم، الذي هزم فقط هو الفوضى، وحين اتيح لهذا الجندي ان يقاتل، فإنه قاتل واستشهد ببطولة.
وعن رأي الشاعر هارون هاشم رشيد بالشعراء الجدد قال :
- هناك شعراء واعدون، ربما تعيق بعض الأمور وصولهم الينا، وجدت في المغرب شعراء، الجزائر، في الخليج، لا بد ان تكون هناك مجلة عربية متخصصة ترعى وتهتم بهؤلاء الشباب حتى يتم التعريف بهم عربيا، والا تقتصر معرفتهم في حدود الاقليم الواحد.
وعن رأيه في ظاهرة المجلات المتخصصة في الشعر العربي قال :
- الشعر الشعبي هو جزء من التراث العربي، لكن ينبغي الا تكرس اللهجة اكثر من تكريس اللغة، هناك مهرجانات للشعر باللغة الشعبية اكثر من مهرجانات الشعر باللغة الفصحى، هذا يهدد الاقاليم أكثر من غيرها.
وعن رأيه في ظاهرة الانفتاح على الآخر قال :
- أنا ادعو الى الحوار مع الآخر اذا حددناه بالغرب والحضارة الغربية، أما بالنسبة للاسرائيليين فلابد من ان نتعرف على ما يكتبه شعراؤهم لنعرف من هو الدموي والمتطرف، ذلك اننا عندما نقرأ شعرهم نجد قمة الحقد على الانسانية بكاملها، اريد ان اعرف ما يكتبون، لكن لا أريد أن اضع كتفي الى كتفهم، اقرأ اشعارهم ولا اقبلها حتى يعطيني مفاتيح بيتي.
وعن رأيه في ان البعض اعتبر قصيدة النثرسيدة الساحة الشعرية العربية في الفترة الحالية قال :
- كيف تتسيد ولا يعترف بها أحد، انا اطالب هؤلاء ان يحصلوا على اعتراف جماهيري، ناسي، كتاب، شعراء، ذلك ان الشعر له مقوماته وله ادواته، ولا يمكن أن يكون هناك شعر منثور لأنه نثر في هذه الحالة، حين نقرأ الشعر المنثور يقال انه مليء بالصور نحاول ان نفهم هذه الصور ولا نجد لها معنى او مدلول أو جذور، تحت اي صفة من الصفات نضع هذا الشعر، ما العلاقة بينه وبين الشعر.
عندما جاءت التفعيلة فإنها لم تخرج عن الموسيٍقى الشعرية، وبقي لها مدلول وجرس، ولم يخرج بدر شاكر السياب والبياتي ونازك الملائكة عن الدائرة العربية، انا لا اعرف ان الشعر هو النثر.
ومن يقرأ شعري يجد فيه نوعا من النفس المسرحي، لم أكتب المسرح في غزة، اي قبل عام  1967لكن بعد الخروج الى القاهرة دعاني صديقي عبدالرحمن الشرقاوي للكتابة في هذا المجال باعتباري ابن القضية، فكتبت مسرحية (وطني عاد) ثم مسرحية (السؤال) وقدمها على المسرح كرم مطاوع، وهي تتحدث عن عايدة سعد وهي أخت فلسطينية قامت بعملية بطولية حيث هاجمت دبابة اسرائيلية مليئة بالعساكر وعمرها  16سنة وتقتل كل من فيها خرجت من كل الاسر ضمن عملية تبادل الأسرى، والآن تعيش في الامارات وتحمل الجنسية الاماراتية، ثم كتبت مسرحية "سقوط بارليف" وعرضت على التلفزيون المصري ليلة العبور، واكدت فيها ان شهداء خط بارليف هم الخطوة الأولى للقدس.
و عن تجربته مع الرواية قال :
- كتبت الرواية الأولى في بداية الخمسينات وهي (دوامة الأعاصير) ودارت احداثها حول سقوط حيفا، وفي أواخر الخمسينات كتبت رواية (مولد عائد) التي تتحدث عن لحظات ميلاد امرأة لاجئة في معسكر المغازي، وكان من المفروض تمثيلها سينمائيا لكن ضاعت النسخة الأصلية مني ومن المخرج المصري توفيق صالح.