بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات التحول الديموغرافي القسري في فلسطين. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التحول الديموغرافي القسري في فلسطين. إظهار كافة الرسائل

2014-05-09

التحول الديموغرافي القسري في فلسطين

التحول الديموغرافي القسري في فلسطين

د. يوسف كامل إبراهيم
* تمهيد
أخذ الصراع العربي– الصهيوني منذ بدايته صراعاً على الأرض والسكان، وكان وما يزال الهدف الأساس للحركة الصهيونية أولاً، وإسرائيل لاحقا، هو الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أرض فلسطين واستعمارها بأكبر عدد ممكن من المستوطنين اليهود القادمين في موجات متلاحقة من المهاجرين، بل إن المقياس الأهم لرصد مدى نجاح الصهيونية في مشروعها الاستعماري في فلسطين، يتلخص في نسبة الأراضي التي استولت عليها منذ بداية نشاطها، ومدى قدرتها على اجتذاب المهاجرين اليهود ونجاحها في استيعابهم وتوطينهم في فلسطين، وعلى هذا الأساس فإن العاملين الجغرافي (الأرض) والديموغرافي تبقى لهما الكلمة الأخيرة في الصراع الذي تخوضه الصهيونية في فلسطين، وما الممارسات الإسرائيلية على الأرض متمثلة في تهجير الفلسطينيين تهجيراً قسرياً من قراهم ومدنهم وانتزاع الأرض من أصحابها الأصليين و السيطرة عليها بكافة الوسائل والطرق، حيث لم يستطيع اليهود إعلان دولتهم إلا بعد أن اكتمل العدد الكافي من المهاجرين إلى فلسطين، ومن هنا بدأ الصراع يظهر على الأرض و أخذ في نهايته شكل الصراع الجغرافي والديموغرافي.

تعتبر الدراسات والأبحاث التي تتناول الحراك الديموغرافى للشعب الفلسطيني من أهم الدراسات نظراً للواقع الديموغرافي الذي ارتبط بالواقع السياسي الذي تعرض فيه الشعب الفلسطيني للإبادة والتهجير وتبعاً للأطماع اليهودية في فلسطين، والتي تركزت أساساً في المحاولات الحثيثة لخلق وجود يهودي قسري فيها، وتبعاً لذلك شهد التطور الديموغرافي والاجتماعي للشعب الفلسطيني اتجاهات غير طبيعية، حيث كان لعامل الهجرة اليهودية إلى فلسطين وطرد العرب أصحاب الأرض الأصليين من وطنهم أثراً مباشراً في تلك التطورات.

فعندما صدر وعد بلفور عام 1917 وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني من عام 1918 حتى عام 1948، حيث تم تقديم التسهيلات اللازمة لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبدأ اليهود بالتدفق بالآلاف وارتفع عددهم من حوالي عشرة آلاف شخص في منتصف القرن التاسع عشر إلى ما يقرب من 62,5 ألف شخص عند بداية الانتداب البريطاني، وإلى ما يقرب من ستمائة وخمسين ألف شخص عند نهاية الانتداب المذكور عام 1948، وبذلك ارتفعت نسبة اليهود إلى مجموع عدد السكان في فلسطين من 8.3% عام 1919 إلى 31.5% في 15 أيار عام 1948.

* بدايات التغيير الجغرافي والديموغرافي:
لقد كان أول تقدير لعدد سكان فلسطين في القرن العشرين في فترة الحكم العثماني، حيث أعلن في عام 1914 و هي السنة التي نشبت فيها الحرب العالمية الأولى. وقدر عدد سكان فلسطين ب689.275 نسمة منهم 8% من اليهود. وبعد خضوع فلسطين للانتداب البريطاني أصبح عدد سكان فلسطين حسب التقدير الرسمي 673.000، منهم 521.000 من المسلمين، و 67.000 من اليهود، و 78.000 من المسيحيين، و 7000 من المذاهب الأخرى، وقد نجم عن نكبة فلسطين أن قسمت فلسطين إلى ثلاث مناطق جغرافية:-

1. الأراضي التي احتلها اليهود بعد حرب عام 1948، وقد شغلت 76.7% من مساحة فلسطين.
2. الضفة الغربية و تشغل 22% من مساحة فلسطين.
3. قطاع غزة و يشغل 1.3% من مساحة فلسطين.

و لم يكتف العدو الصهيوني بأن تبقى رقعة دولتهم على أراضي 1948 (خريطة رقم 1)، وإنما قاموا بالعدوان على أراضي الضفة الغربية و قطاع غزة في العام 1967، و قاموا باحتلالها، و بذلك أصبحت فلسطين جميعها تحت السيطرة اليهودية وعلى أثر هذا العدوان الجديد نزح العديد من سكان الضفة الغربية و قطاع غزة، وانخفض عدد السكان في الضفة الغربية إلى 581.700 نسمة، كما انخفض عدد السكان في قطاع غزة إلى 937.6 ألف نسمة، بينما كان عددهم قبل العام 1967 حوالي 650000 تضاعف خلال الثلاثين سنة تحت الاحتلال.

وللوقوف على صورة المتغيرات الديمغرافية ومدى أثر الهجرة عليها، نرى أن المجموع الكلي لعدد السكان في فلسطين عام 1986 (جميع الديانات) قد بلغ 5.6 مليون نسمة، منهم 3,5 مليون نسمة من اليهود أي ما نسبته حوالي 63% من المجموع الكلي، والباقي من الفلسطينيين أي ما نسبته 37% من المجموع الكلي، يقيم منهم في الضفة الغربية و قطاع غزة حوالي 26% من إجمالي سكان فلسطين، بينما يقيم الباقي داخل دولة إسرائيل، حيث بلغت نسبتهم 11% من إجمالي الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية.

و مع حلول عام 1998 بلغ المجموع الكلي لعدد السكان على أرض فلسطين التاريخية 8.09 مليون نسمة، منهم 5.50 مليون نسمة من سكان دولة الاغتصاب الصهيوني أي ما نسبته حوالي 67.9% منهم حوالي 17% من الفلسطينيين أو ما يطلق عليهم فلسطينيو الداخل (48)، والباقي من الفلسطينيين أي ما نسبته 32.1% من المجموع الكلي، يقيم منهم في الضفة الغربية 1.596.442 نسمة، وحوالي 1.000.175 مليون نسمة في قطاع غزة، وخلال الإحدى عشر عام الماضية استطاعت إسرائيل المحافظة على الميزان الديموغرافى لصالحها على الرغم من ارتفاع نسبة النمو السكاني في الجانب الفلسطيني، ويرجع ذلك إلى موجات الهجرة في هذه السنوات.

* ملامح التغيير الجغرافي والديموغرافي:

اليهود وفلسطين قبل 1948:

إن عملية التمييز بين الاستيطان اليهودي وحركة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني يفرضه تحليل العوامل المختلفة، التي مكنت اليهود من الهجرة إلى فلسطين وإقامة المستوطنات ونشوء نوع من التعايش بينهم وبين سكان البلاد الأصليين من العرب في مرحلة الانتداب البريطاني، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها تاريخ العلاقات الحسنة بين العرب واليهود الذي يخلو من الاضطهاد والتعصب، وعدم وجود أهداف سياسية للاستيطان اليهودي في مرحلته الأولى قبل عام 1897، فقد كان جزءاً من حركة الهجرات اليهودية التي خرجت من دول أوروبا الشرقية وشملت مختلف بلاد العالم فلم يكن لليهود أي علاقة بأرض فلسطين إلا علاقة الترحال والتنقل، حيث لا يوجد أي سند تاريخي يؤكد أن هذه الأرض كانت ذات هيمنة يهودية في فترات زمنية طويلة، وإنما كانت هناك باستمرار أحداث مرتبطة باليهود وقعت في هذه الأرض ومن خلال التوراة، نجد أن العبرانيين الأوائل هاجروا إلى أرض كنعان ولم يستقروا في مكان واحد.

* سكان فلسطين قبل النكبة:

لقد بدأ التغلغل اليهودي في فلسطين والعمل على شراء الأراضي في ظل الحماية للامتيازات الأجنبية، إلا أن البدايات الأولى لشراء اليهود أراضي في فلسطين كانت في عام 1855 على يد السير موشي مونتفيوري زمن السلطان عبد المجيد (1839-1861)، حيث أصدر السلطان فرماناً سمح بموجبه لمنتفيوري بشراء أرض في فلسطين، فاشترى أرضاً بالقرب من القدس وقد أقيم عليها فيما بعد الحي اليهودي المعروف بحي مونتفيوري، وفي عام 1870 أنشأت جمعية الأليانس الإسرائيلية مستوطنة (مكفية إسرائيل) على مساحة من الأرض قدرت بحوالي 2600دونم استأجرت من الحكومة العثمانية لمدة 99 سنة من أراضي قرية يازور القريبة من مدينة يافا لصالح وزير العدل الفرنسي كريمو شاولنرنتر، ومنذ عام 1870 حتى العام 1914 امتلك اليهود 420,600دونم اشتريت من غير عرب فلسطين.

ونظراً لطبيعة الحال خلال الفترة الأخيرة للحكم العثماني فقد سعت المنظمات الصهيونية المنبثقة عن الحركة الصهيونية، مثل الصندوق القومي اليهودي، والمصرف اليهودي للمستعمرات، وشركة تطوير أراضي فلسطين، فقد عملت جميعها جاهدة لتمويل التسلل اليهودي إلى فلسطين عبر هجرات مكثفة، أما بالنسبة لمجموعات الهجرة اليهودية إلى فلسطين من سنة 1882 حتى 1948 فيذكر السير موسى مونتفيورى أن عدد اليهود الذين كانوا يعيشون في فلسطين عند زيارته لها في العام 1839 قدر بحوالي ستة آلاف نسمة معظمهم من أصل أسباني، مقابل ما يقارب 300 ألف عربي، أي نسبة اليهود لم تتعد 2% من مجموع سكان فلسطين وبالنسبة لسكان فلسطين، إبان فترة الحكم العثماني لها، فإن المعلومات الإحصائية المتوافرة عن سكان فلسطين خلال الفترة (1542-1916) قليلة ونادرة، ونتج ذلك بسبب اهتمام السلطات العثمانية بالإحصاءات، كان ينحصر في خدمة أغراض التجنيد فقط، فهي لم تكن تبوب البيانات التي تجمعها في جداول منظمة، كما أنها غالباً لم تكن تنشرها، غير أنها قامت في عام 1914 بإجراء حصر للسكان، استمر العمل به لعدة شهور وأسفر عن تقدير مجموع سكان فلسطين في ذلك العام بحوالي (689) ألفاً، ولكن لم تنشر بيانات تفصيلية عن توزيعاتهم وخصائصهم السكانية. وإذا اعتمدنا الرقم (40) ألف يهودي كانوا يقيمون في فلسطين في عام 1914، بناءً على ما أشرنا إليه في مكان آخر من دراستنا، فإن نسبة اليهود من إجمالي سكان فلسطين في العام المذكور لا تتعدى (5,8) في المائة من إجمالي السكان المقدر من قبل السلطات العثمانية، والملاحظ أن زخم الهجرة اليهودية لم يكن كبيراً إلى فلسطين في فترة الاحتلال العثماني خاصة بعد انطلاقة الحركة الصهيونية بشكل رسمي ومنظم بعد مؤتمر بال في نهاية آب 1897، وبالتالي لم يكن للتسلل اليهودي دوراً مؤثراً بشكل نوعي على اتجاهات النمو السكاني في فلسطين، بَيْدَ أن فترة الانتداب البريطاني كانت ذهبية للحركة الصهيونية لتحقيق شعاراتها الإستراتيجية في فلسطين.

مجموعة من الباحثين الفلسطينيين في الوطن العربي. معهد البحوث و الدراسات العربية، القاهرة، 1978 ص 50.
من خلال الجدول السابق يتضح صورة الواقع الديموغرافي الفلسطيني ومدى التحول الذي أصاب المجموعات السكانية، فقد مثل الفلسطينيون ما نسبته 88.8% (أنظر الشكل 1) من إجمالي سكان فلسطين وذلك في العام 1922، في حين لم تصل نسبة اليهود إلا 11.2% من إجمالي السكان، وظلت نسبة الفلسطينيين في تناقص مستمر حتى وصلت نسبتهم من إجمالي السكان حوالي 69.8% عشية إعلان دولة الاغتصاب الصهيوني، وارتفعت نسبة اليهود إلى حوالي 30.2% من إجمالي السكان في نفس العام، وترجع الزيادة الكبيرة في نسبة اليهود إلى موجات الهجرة التي تركزت في السنوات التي سبقت إعلان دولة اليهود على أرض فلسطين.

نبيل السهلي، التحولات الديموغرافية للشعب الفلسطيني، صامد الاقتصادي، عمان العدد 120، ص103 .
من خلال الجدول السابق يتضح مدى دور الهجرة اليهودية إلى فلسطين في تحول الميزان الديموغرافى لصالح اليهود، حيث بدأت أفواج الهجرة من العام 1880، حيث بلغ حجم المهاجرين اليهود إلى فلسطين في الموجه الأولى في الفترة ما بين 1880-1903 حوالي 25000 مهاجر يهودي، والجدير بالذكر أن حياة اليهود في فلسطين في تلك الفترة كانت تعكس ظلالاً قاتمة إذ كان لا يذهب إليها من اليهود إلا كبار السن، الذين يرغبون في قضاء آخر أيامهم في القدس وخير وصف لحياتهم تلك ما جاء على لسان القنصل الأمريكي في القدس عام 1878 إذ يقول: (( ويهود القدس خاصة، فقراء كسالى، ضعاف العقول والأجسام، ويبدوا أن القدس محطة يتلاقى فيها اليهود المتعصبون المشوهون والعجائز، ليعيشوا هنا على الشحاذة والإحسان، وليقضوا بقية العمر ينوحون أمام حائط المبكى))، وارتفع عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين ليصل إلى 34 ألف مهاجر في الفترة 1904-1914، وقد كانت الفترة التي سبقت إعلان الدولة 1932-1939 التي شهدت أكبر موجة هجرة إلى فلسطين، حيث وصل أكثر من 224 ألف مهاجر، وترجع أسباب تدفق هذا العدد من المهاجرين إلى:-

أولاً: ظهور الحركة النازية في ألمانيا وتزايد اضطهاد اليهود، وقد كشف بعض الكتاب اليهود من أمثال (ألفرد ليلينتال)عن أن الصهاينة اتصلوا بالنازيين وشجعوهم على هذه السياسية حتى يبرروا إقامة الدولة وليس هذا بمستغرب على الصهيونية، حيث اشتركت في عمليات الاضطهاد بألمانيا بعد الحرب لاضطرار اليهود الهجرة إلى فلسطين.

ثانياً: أثّرت الأزمات الاقتصادية في أوروبا على هجرة كثير من اليهود إلى فلسطين، كما أدت الأحوال الاقتصادية في أمريكا إلى التشدد في تطبيق القيود المفروضة على الهجرة إليها، ويتضح ذلك من الأماكن التي قدم منها المهاجرون، حيث مثل اليهود البولنديون نصف الموجة الخامسة، وكذلك من خلال التكوين الاثنولوجي للموجة الخامسة فإن أكثر من 90% من مهاجريها كانوا من اليهود الأوربيين الذين شملوا عدداً كبيراً من أصحاب المهن الحرة والعمال المهرة المتخصصين، ففي الفترة من 1935-1939 هاجر إلى فلسطين حوالي 1000 طبيب و500 مهندس، وكان ذلك استعدادا من الصهيونية لوضع أسس إعلان دولتهم.

أما بالنسبة للموجة السادسة فقد حاولت بريطانيا التقرب إلى العرب، وأصدرت بريطانيا الكتاب الأبيض في 17مايو سنة 1939، وترجع أهميته إلى أنه للمرة الأولى حدد رقماً نهائياً للهجرة فقامت الحركة الصهيونية بنقل مركز الثقل الصهيوني إلى الولايات المتحدة، وتركز النشاط الصهيوني في نيويورك وعقد مؤتمر بلتيمور في شهر مايو سنة 1942 وحدد نقاط ثلاثة:-

1- فتح باب الهجرة دون قيود وتحت إشراف الوكالة اليهودية.
2- تكوين فرقة يهودية تقاتل إلى جانب الحلفاء، لها علمها الخاص مما يؤكد حق الصهيونية في تأسيس دولة تصبح فيما بعد عضواً في الأمم المتحدة.
3- تحويل فلسطين إلى كومنولث يهودي.
مما سبق يتضح وبشكل جلي، أن موجات الهجرة اليهودية ساهمت وبشكل مباشر في التغيير القسري للميزان الديموغرافي لصالح اليهود، كما ساهمت هذه الهجرة في تغيير جغرافي.
تطور عدد سكان فلسطين في النصف الأول من القرن الحالي 1914-1948.

من خلال أول تقدير سكاني جرى في فلسطين عام 1914، فقد قدر سكان فلسطين أيام الحكم العثماني عام 1914 بحوالي 689 ألف، منهم 634 ألف من العرب، و 55 ألف من اليهود أي أن نسبة اليهود كانت تبلغ في ذلك العام 8% من مجموع السكان، ومع بداية الاحتلال البريطاني بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين بالتصاعد مما أدى إلى زيادة نسبة اليهود فارتفعت إلى 9% في العام 1920، ووصلت إلى 10,6 % في عام 1921.

من خلال الجدول السابق يتضح أن إجمالي عدد السكان في فلسطين بلغ 775.689 نسمة حسب تقديرات الحكومة العثمانية والتي أشار إليها كل من لوك وهيث، حيث شكل السكان العرب ما نسبته 92 % من إجمالي السكان، في حين شكل اليهود ما نسبته 8%، حيث بلغ عددهم 142. 55 نسمة، لكن ما يؤخذ على هذه الأرقام و الأعداد بأنها تقديرية ولم تكن إحصائيات رسمية.

ولأول مرة في تاريخ فلسطين الحديث جرى تعداد للسكان في فلسطين الانتداب، ثم اتبع بتعداد ثان عام 1931. وقد حالت ظروف بعدئذ دون إجراء تعداد ثالث حتى عام 1948، حيث وضعت تقديرات لعدد السكان حتى ذلك العام بلغ عدد سكان فلسطين عام 1922 نحو 752,388 نسمة، ولم يجري في فلسطين أي تعداد رسمي قبل العام 1922، وحسب هذا التعداد فقد بلغ إجمالي سكان فلسطين 752.388 نسمة، بلغت نسبة السكان العرب من هذا الإجمالي 89%، في حين ازدادت نسبة اليهود عما كانت عليه في العام 1914 إلى 11% من إجمالي السكان وذلك بزيادة مقدارها 3%، أما حسب إحصاء 1931 فقد بلغ السكان في فلسطين 1.035.821 نسمة، تناقصت فيه نسبة السكان العرب إلى 84% من إجمالي السكان، في حين زادت نسبة السكان من اليهود إلى 16% من إجمالي السكان، أما حسب تقديرات حكومة الانتداب البريطاني والتي قد أشار إليها مصطفى مراد الدباغ في مجلدات ( بلادنا فلسطين)، فقد بلغ إجمالي السكان في فلسطين 1.363.387 نسمة، شكل العرب ما نسبته 69%، في حين شكل اليهود 31% من إجمالي السكان.
ومما سبق يتضح أن نسبة الزيادة في سكان فلسطين كانت لصالح اليهود، في حين كان هناك تناقص في نسبة الزيادة بالنسبة للسكان العرب. أما في أيار سنة 1948 فقد قدر عدد سكان فلسطين 2.065.000 نسمة، منهم 1.415.000 نسمة من العرب و 650.000 نسمة من اليهود، حيث شكل العرب ما نسبته 68.5 %من إجمالي السكان وشكل اليهود ما نسبته 31.5% من إجمالي السكان، ويرجع التناقص في نسبة تمثيل السكان الفلسطينيين لصالح زيادة نسبة السكان اليهود نتيجة الخلل الذي أصاب مكونات النمو الغير طبيعية وخاصة موجات الهجرة اليهودية المكثفة إلى فلسطين.

* مكونات النمو السكاني:
من خلال دراسة مكونات النمو السكاني في فلسطين، يتضح بأن سكان فلسطين ازداد بين عامي 1922/1944 ما نسبته 131.4%، حيث ساهمت الزيادة الطبيعية بنسبة 63% من الزيادة العامة للسكان، في حين ساهم صافي الهجرة بنسبة 37% من الزيادة العامة، وتفاوتت نسبة ازدياد السكان حسب الفئة الدينية ما بين عامي 1922/1944، إذ حقق اليهود أعلى نسبة زيادة سكانية (536,1%) في حين حقق المسيحيون زيادة سكانية نسبتها 90% بينما لم يحقق المسلمون سوى نسبة 80%، ويقدر النعماني السيد بالاستناد إلى بيانات تعداد 1945 الذي أجرته حكومة الانتداب وتعداد اليهود في إسرائيل عام 1948، إن نسبة النمو في السكان اليهود بلغت بين هذين التاريخيين 16.8% سنويا، وأن نسبة الزيادة غير الطبيعية – بالهجرة– 95,2%، وهو ما يوضح مدى أهمية الدور الذي لعبته الهجرة اليهودية في عملية بناء المجتمع.

يتضح مما سبق مدى العلاقة بين نسبة الزيادة السكانية لكل من اليهود والمسيحيين و المسلمين ومساهمة صافي الهجرة في هذه الزيادة السكانية، فقد ساهم صافي الهجرة بنسبة 74% عند اليهود و29% عند المسيحيين، في حين ساهم صافي الهجرة بنسبة 4% من الزيادة العددية للمسلمين وعلى العكس من ذلك فقد كانت نسبة مساهمة الزيادة الطبيعية أعلاها عند المسلمين 96%، و عند المسيحيين 71%، و لليهود 26%.

ويرجع سبب تفوق اليهود على العرب من حيث معدلات الزيادة السكانية إلى سلطة الانتداب البريطاني التي فتحت أبواب فلسطين على مصرعيها أمام الهجرة اليهودية القادمة من الخارج، وقد ساهم تدفق المهاجرين اليهود إلى فلسطين إلى الإخلال بمعدلات الزيادة السكانية لدى الفئات الدينية. ونتج عن ذلك تناقص نسبة المواطنين العرب من مسلمين ومسيحيين خلال فترة الانتداب من 89% إلى 67% من إجمالي سكان فلسطين، وتزايد نسبة السكان اليهود من 11% إلى 33% تقريبا من إجمالي السكان. وبمعنى آخر فإن العرب الذين كانوا يؤلفون تسعة أعشار سكان فلسطين في بداية فترة الانتداب البريطاني أصبحوا يؤلفون نحو ثلثي سكان فلسطين في نهاية تلك الفترة، وأن اليهود الذين كانوا يمثلون عشر سكان فلسطين في بداية الانتداب أصبحوا يمثلون ثلث السكان في النهاية، ولا يعني ذلك أن نقلل من شأن مساهمة الزيادة الطبيعية في نمو سكان فلسطين.

ومن خلال ما سبق يتضح مدى أهمية مساهمة الزيادة الطبيعية في نمو سكان فلسطين، ففي خلال الفترة (1922-1944) بلغ معدل الزيادة الطبيعية للمواطنين العرب 26 في الألف، وتراوح ما بين 31 في الألف عند المسلمين، و21 في الألف عند المسيحيين. أما اليهود فكان معدل زيادتهم الطبيعية خلال الفترة نفسها 20 في الألف. وفي أواخر الانتداب وبالذات خلال الفترة (1942-1946) بلغ معدل الزيادة الطبيعية عند كل من العرب واليهود 27 في الألف و21 في الألف على التوالي، وبلغ معدل المواليد عند كل من العرب واليهود 50 في الألف و 40 في الألف على التوالي، بينما كان معدل الوفيات عند كل من العرب واليهود 23 في الألف و19 في الألف على التوالي، وكان كل من العرب واليهود يقبلون على الزواج المبكر إذ وصل متوسط الزواج للمرأة إلى دون العشرين سنة، وللرجل إلى دون الرابعة والعشرين سنة، وارتفعت بين السكان نسبة البالغين من العمر من الشباب سن (15-45) سنة من الذكور والإناث فوصلت عند المواطنين العرب إلى 56,7% من مجموع العرب، وعند اليهود إلى حوالي 60% من مجموع اليهود. أما معدلات الخصوبة عند السكان فإنها كانت مرتفعة، إذ بلغ معدل ما تنجبه المرأة 6 أطفال بالنسبة لفلسطين عامة، و 7 أطفال بالنسبة للعرب، ومن خلال الجدول السابق يتضح أن أعلى معدل للمواليد الخام كان في العام 1925، حيث بلغ المعدل 46.6 بالألف في حين بلغ أدنى معدل 42.1 بالألف و ذلك في العام 1945، و في نفس الفترة التي بلغ فيها أعلى معدل للمواليد الخام أيضاً بلغ معدل الوفيات الخام أعلى معدل له في العام 1925، حيث بلغ 23.8 بالألف في حين أدنى معدل للوفيات كان في العام 1945، حيث بلغ المعدل 14.2 بالألف، في نفس الوقت الذي نرى فيه أن أدنى معدل للزيادة الطبيعية كان في العام 1925، حيث بلغ معدل الزيادة الطبيعية 22.8، في الوقت الذي بلغ أعلى معدل للزيادة الطبيعية في 1945، حيث بلغ معدل الزيادة 27.9 بالألف، وبالرجوع إلى المعدلات للمواليد و الوفيات وما ينتج عنها من معدل للزيادة الطبيعية، نرى أن معدل الزيادة الطبيعية لليهود عند مقارنته مع معدل نموهم نجد أن الفارق كبير جداً مما يعكس مدى تأثير الهجرة في زيادتهم، و يدل على أن الزيادة الطبيعية لم تكن العامل الرئيسي في تزايد اليهود بل الهجرة القادمة إلى فلسطين، وبالرجوع إلى مصادر زيادة السكان فإننا نرى أن الزيادة الطبيعية كانت تساهم بنسبة 99.6% من زيادة المسلمين، و بنسبة 64% من زيادة المسيحيين، وبنسبة 89% من زيادة الدروز، أما اليهود فقد بلغت نسبة مساهمة الزيادة الطبيعية في نموهم 27% فقط، بينما كانت الهجرة تساهم بنسبة 73%، وأهم ما يمكن ملاحظته من خلال الجدول السابق انخفاض معدل الوفيات في أوساط اليهود مقارنة مع معدلات الوفيات عند المسلمين والمسيحيين والدروز.

يتضح مدى التغير الكبير الذي طرأ على موجات تدفق الهجرة اليهودية إلى فلسطين فقد شهدت السنوات ما بين 1921-1929 أدنى تدفق لها، في حين كانت السنوات ما بين 1930-1940 أعلى السنوات التي تدفق خلالها اليهود إلى فلسطين، وقد كان لذلك أبعاده الجغرافية، حيث يرتبط الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين بالهجرة اليهودية التي تغذي هذا الاستعمار بالمستعمرين الغرباء من اليهود، كما يرتبط أيضا بالأرض الفلسطينية التي يقوم عليها الاستعمار مستفيداً من مواردها المائية والزراعية، حيث تركز الاستعمار منذ بدايته في الأراضي ذات التربة الجيدة الأمر الذي سهل عليه إدخال الزراعة الكثيفة والمختلطة، وعلى ذلك لم يكن اليهود عام 1918 يملكون إلا 650 ألف دونم أو ما نسبته 2% من إجمالي مساحة اليابسة البالغة (26 مليون دونم)، وقد حصل اليهود خلال فترة الانتداب على أراض أوصلت ما يملكونه عند انتهاء الانتداب في مايو 1948 ما يقرب من 2,1 مليون دونم أو ما نسبته 8% من مساحة اليابسة في فلسطين.

وقد بلغت نسبة ما امتلكه اليهود من أرض زراعية في أواخر فترة الانتداب 20% من مجموع الأراضي الزراعية في فلسطين، هذا وقد بلغت مساحة الأراضي الزراعية التي استولى عليها اليهود والتي كانوا قد اشتروها من الملاك الغائبين (المقيمين خارج فلسطين) 625 ألف دونم، وقد نتج عن تسرب هذه المساحات من الأراضي الزراعية طرد 2746 أسرة عربية من 22 قرية في سهل مرج بن عامر، وطرد أكثر من 15 ألف مواطن من الحولة، وطرد ألوف آخرين من أراضي الساخنة وغور بيسان وطلعون والزبيدات والمنسي، وفي فترة الانتداب تضاعف عدد المستعمرات الصهيونية من 47 مستعمرة في العام 1914 إلى 274 مستعمرة في العام 1946، أي بزيادة معدلها 7 مستعمرات في العام الواحد على مدى 32 عاماً.

* الهجرة اليهودية وأثرها في تغيير الميزان الديموغرافي خلال فترة الانتداب البريطاني:

لم يكن الحديث عن موجات الهجرة إلى فلسطين من أجل رصد أعداد موجات الهجرة هذه وأعداد المهاجرين، وإنما كان من الضروري التطرق إلى أي مدى أثرت هذه الهجرة على الواقع الديموغرافي في فلسطين حتى قيام دولة اليهود في العام 1948، وهل كانت هذه الهجرة عشوائية؟؟ أم كانت هجرة نوعية مقصودة قبل قيام الدولة، فقد هاجر اليهود إلى فلسطين خلال فترة الانتداب في أربعة أفواج رئيسية كان مجموع أفرادها نحو 482.900 مهاجر وذلك بمتوسط بلغ 16.440 مهاجر في السنة، وقد أثرت مجموعة من التغيرات الداخلية والخارجية على حركة الهجرة وحجمها، بحيث أن المتوسط كان يتفاوت من فترة إلى أخرى، وكانت الفترة (1919-1923) قد شهدت متوسط هجرة بلغت 7 آلاف مهاجر سنوياً، وارتفع هذا المتوسط ليصل إلى 24.600 مهاجر سنوياً خلال الفترة (1924-1931)، ووصل المتوسط إلى أعلى مستوى له خلال الفترة (1932-1939) عندما بلغ 57.100 مهاجر في السنة، أما الفترة (1940-1948) فقد شهدت هجرة يهودية قادمة إلى فلسطين بلغ متوسطها السنوي 34.900 مهاجراً، ويلاحظ من خلال استعراض موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين اعتماد الحركة الصهيونية على الهجرة كمصدر أساسي لتحقيق حلم الحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين، وذلك بالتغيير القسري للواقع الديموغرافي لصالحهم، وذلك استعداداً لإقامة الدولة وخوض المعركة.

ومن حيث نوعية المهاجرين، فإن البيانات والدراسات تشير إلى أن السلطات الإسرائيلية تعنى باختيار المهاجرين كماً ونوعاً حسب الاحتياجات المرحلية لإقامة الدولة من الناحية الاقتصادية والعسكرية. فقد ساهمت الهجرة ليس فقط في سد النقص في القوى العاملة الفنية وذات المؤهلات العالية بل كذلك في إنعاش عدد من الصناعات الأساسية في إسرائيل، وكذلك إنعاش قطاع البناء والتشييد، بالإضافة إلى ما يصطحبه المهاجرون معهم من رؤوس أموال كبيرة وخبرات عالية فموجات الهجرة التي بدأت مع بداية العام 1882 استمرت حتى العام 1903، عرفت هذه الهجرة بـ (هجرة الريادة) وهي هجرة أفراد منتقين ذوي مواصفات معينة في حين عرفت بعد ذلك بالهجرة الجماعية والتي هدفها حشد أكبر عدد ممكن من اليهود في فلسطين، وفيما يتعلق بالتوزيع النوعي فإن نسبة هجرة الذكور قد تراوحت بين 52.3% و 50% من مجموع المهاجرين، إن هذا التوازن النوعي للهجرة اليهودية هي حالة نادرة في تاريخ الهجرات الدولية والتي تفوق فيها نسبة الذكور بصورة كبيرة، كما اتخذت السلطات الإسرائيلية جملة إجراءات استهدفت رفع نسبة مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي لتقرير مساواتها بالرجل منذ عام 1951، ودفعها للمشاركة في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وعدم جعلها عاطلة عن العمل وخاصة في ظل الاستعداد لإقامة دولتهم، ومن الطبيعي أن تنعكس طبيعة هذه الهجرة الانتقائية على وضع المجتمع اليهودي، بحيث تتهيأ الفرصة لمزيد من حالات الزواج ولارتفاع في معدلات الخصوبة والاتجاه نحو استقلال الأرض والاستفادة من مواردها.

هذا بالنسبة للناحية النوعية للهجرة، أما بالنسبة للجانب الكمي فقد استطاعت الهجرة أن تعوض الدولة اليهودية عن النقص في معدل النمو الطبيعي للسكان وأن تحقق التوازن الكمي بين السكان العرب واليهود في مرحلة من المراحل حتى استقرت الأوضاع واستطاعت السلطات الإسرائيلية تشريد عدد كبير من الفلسطينيين، وبالتالي قلب الميزان الديموغرافي القسري لصالح اليهود في فلسطين، وأن هذا الواقع خلق من اليهود التمسك العنيد في مفاوضات السلام الحالية على عدم عودة جميع اللاجئين ومن انحدر منهم، وذلك رغبة منهم لعدم التخفيف من الهوة بين عدد اليهود المتواجدين في فلسطين والفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل الأراضي التي احتلت في العام 1948، كما تسعى السلطات الإسرائيلية دائماً لعدم السماح بالهجرة المعاكسة، وتفرض القوانين التي تعيق من هجرة اليهود من دولة إسرائيل إلى الدول الأوروبية أو أي دولة أخرى، إلا أن موجات الهجرة الوافدة تباينت من فترة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال انخفض عدد المهاجرين إلى إسرائيل على أثر حرب 1973 من 33478 عام 1973 إلى 16800 مهاجر من الاتحاد السوفيتي عام 1974، ومن 4393 إلى 2782 مهاجر من الولايات المتحدة الأمريكية.

غير أن الأمر الأكثر خطورة بالنسبة لإسرائيل يتمثل في حركة النزوح عن إسرائيل (الهجرة المعاكسة) فقد قدرت الجهات الرسمية في إسرائيل أن عدد الذين نزحوا عن إسرائيل للفترة 1970/1975 بلغ 100 ألف نازح.
وتؤكد الدراسات حقيقة ميل معدل الهجرة إلى التناقص، على الرغم من أن السلطات الإسرائيلية تعلن عن حاجتها إلى ما لا يقل عن 100 ألف مهاجر سنوياً.

غير أن ما يصل إليها أقل من ذلك بكثير، ففي السنوات التي بلغت فيها الهجرة ذروتها وهي 1972/1973 بصورة خاصة لم يتجاوز معدل الهجرة عن 55 ألف مهاجر في السنة، انخفض هذا المعدل إلى 20 ألف بعد حرب 1973 ثم عاود للارتفاع على ضوء موجة الهجرة مع نهاية سنوات السبعينيات، حيث وصل إلى 38 ألف مهاجر 1979، ولكن مع بداية الثمانينيات بدأ معدل الهجرة إلى إسرائيل بالانخفاض وبدأت ظاهرة (الهجرة المعاكسة) من إسرائيل، حيث بدأت بنسبة 8% حتى 60% عام 1978 إلى 65/70% عام 1979 وإلى 75% عام 1980، وقد أكد رئيس الوزراء الحالي لدولة الاغتصاب الصهيوني( إسرائيل )(أرئيل شارون)، حيث قال سنعمل على استقدام مليون مهاجر يهودي خلال 13 سنة القادمة من جميع أنحاء العالم مشيراً إلى أن إحدى أولوياته هي دعوة نصف مليون يهودي يعيشون في أمريكا الجنوبية لمغادرة بلدهم والهجرة إلى إسرائيل، ورداً على سؤال لمعرفة من أين سيأتي المليون يهودي هذا، أجاب إنه يفكر أولاً وقبل أي شيء باليهود الذين يقيمون في دول أمريكا اللاتينية، وأضاف إنه يعيش 230 ألف يهودي في الأرجنتين في وضع اقتصادي صعب للغاية، و130 ألف في البرازيل، و50 ألف في المكسيك وغيرهم في فنزويلا ودول أخرى.

مما سبق اتضح وبشكل قاطع التغيير الديموغرافي القسري الذي حصل على أرض فلسطين ومدى مساهمة الهجرة الوافدة أو العكسية إلى فلسطين في هذا التغير القسري على أرض فلسطين، وإلى جانب ذلك فقد كانت السلطات الإسرائيلية قد استخدمت مجموعة من الأساليب التي تخدم مطامعهم في الوصول إلى واقع ديموغرافي لصالح اليهود في فلسطين، ومن بين هذه الوسائل والأساليب التي استخدمتها السلطات الإسرائيلية أسلوب التهجير وتدمير القرى وكانت هذه عبارة عن سياسة مرسومة هدفت السلطات الإسرائيلية من خلال تطبيقها إلى الوصول إلى أغلبية سكانية فلسطينية بأسلوب قسري وقهري.

الميزان الديموغرافي خلال فترة الانتداب البريطاني:
من خلال دراسة مكونات النمو السكاني في فلسطين يتضح أن عدد المواطنين العرب ازداد من 668,258 نسمة عام 1922 إلى 1,210,922 نسمة عام 1944، وذلك بزيادة نسبتها 81,3%، بينما ازداد عدد اليهود من 83,790 نسمة إلى 528,702 نسمة خلال الفترة نفسها، وذلك بزيادة قدرت نسبتها 536,1% وقد ساهمت الزيادة الطبيعية بنسبة 83% من النمو العددي للمواطنين العرب، بينما ساهم صافي الهجرة بنسبة 17% من نموهم العددي. وعلى النقيض من ذلك ساهمت كل من الزيادة الطبيعية وصافي الهجرة بنسبتي 26% و 74% على التوالي من النمو العددي لليهود في فلسطين.

وبالرجوع إلى الأسباب التي أدت إلى ذلك نرى إنه كان لسياسة بريطانيا المتحيزة تماماً مع اليهود ضد العرب في تنفيذ وعد بلفور السبب المباشر، ومن خلال انتدابها على فلسطين مدة ثلاثين عاماً وفتح أبواب فلسطين أمام تدفق أفواج المهاجرين اليهود. ونتج عن تلك السياسة انخفاض نسبة المواطنين العرب من 89% من إجمالي سكان فلسطين عام 1922 إلى 67% عام 1948. ونتج عنها أيضاً ارتفاع نسبة اليهود في فلسطين من 11% إلى 33% تقريباً من إجمالي سكان فلسطين خلال الفترة نفسها، وبمعنى آخر فإن المواطنين العرب الذين كانوا يؤلفون تسعة أعشار سكان فلسطين في بداية فترة الانتداب البريطاني أصبحوا يؤلفون نحو ثلثي سكان فلسطين في نهاية تلك الفترة، وأن اليهود الذين كانوا يمثلون عُشر سكان فلسطين في بداية الانتداب أصبحوا يمثلون ثُلث السكان في نهايته.
ولقد ظل اليهود يشكلون خطراً ديموغرافياً على المواطنين العرب معتمدين على سلاح الهجرة اليهودية إلى فلسطين أساساً، وعلى الزيادة الطبيعية بصورة ثانوية. ففي منتصف القرن التاسع عشر قُدر عدد اليهود بحوالي عشرة آلاف نسمة، وفي العام 1914 قُدر عددهم في فلسطين بحوالي 85 ألف يهودي، وهبط عددهم إلى 56 ألف يهودي خلال الحرب العالمية الأولى وأخذوا يزدادون عدداً ونسبة خلال فترة الانتداب، إذ ازدادت نسبتهم من 11,1% في عام 1922 إلى 17,7% في عام 1931، وإلى حوالي 28% في عام 1936، وإلى حوالي 31,5 في عام 1943، وإلى حوالي 33% في عام 1948.

ولقد انعكس التوزيع الجغرافي لكل من العرب واليهود في أقضية فلسطين على تفاوت معدلات نمو سكان هذه الأقضية. وخلال الفترة (1922-1931) نما عدد سكان الأقضية التي تضم نسبة عالية من اليهود بنسبة 54%، بينما كانت نسبة نمو سكان الأقضية التي تضم نسبة منخفضة من اليهود حوالي 15% خلال الفترة نفسها وكانت هذه النسبة من نمو السكان للفترة (1931-1944) حوالي 49% و 36% على التوالي، وكان هذا التفاوت واضحاً بين الأقضية الشرقية التي تضم نسبة عالية من المواطنين العرب والأقضية الساحلية الغربية التي تضم نسبة عالية من اليهود. ففي الأقضية الشرقية ازداد عدد السكان خلال الفترتين (1922-1931) و (1931-1944) بنسبة 15% و 30% على التوالي. وفي الأقضية الساحلية الغربية ازداد عدد السكان خلال الفترتين نفسيهما بنسبة 45% و 52% على التوالي. وتشتمل الأقضية الداخلية على أقضية بئر السبع (إقليم صحراوي) والخليل وبيت لحم والقدس ورام الله وطولكرم ونابلس وجنين(إقليم جبلي). وتشتمل الأقضية الساحلية على أقضيه غزة ويافا والرملة وحيفا وعكا (إقليم سهل ساحلي).

ولم تفلح الصهيونية خلال فترة الانتداب البريطاني في تحسين الميزان الديموغرافي لصالح اليهود، فإنها عجزت عن تحقيق ميزان أرضي لصالحهم. فالتواطؤ البريطاني – الصهيوني نجح في جلب اليهود إلى فلسطين وفي رفع نسبتهم إلى حوالي ثُلث سكان البلاد، ولكنه عجز عن رفع نسبة ما امتلكه اليهود من أراضٍ في فلسطين إلى أكثر من 8% من مساحة البلاد ونتيجةً لهذا الوضع المتناقض عملت الصهيونية وبمساعدة من بريطانيا، عام 1948 على اغتصاب نحو 79% من مساحة فلسطين لإقامة كيانها العدواني.

* أساليب اليهود في التغيير القسري للميزان الديموغرافي في فلسطين لعام 1948:
فمن خلال الشعار الذي رفعته الحركة الصهيونية والذي ينادي بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين التي كانوا يعتبرونها (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، يتضح بأن هدف اليهود كان من البداية إظهار فلسطين على أنها أرض بدون سكان وبدون شعب يقطنها، وقد تبلورت أهدافهم في تصفية الشعب الفلسطيني وإبادته معتمدين في ذلك أساليب كثيرة تصب جميعها في سياسة موحدة ألا وهي سياسة التهجير وهي عملية مقصودة هدفها طرد السكان الأصليين ليحل محلهم سكان آخرون، كما هي عملية استبدال سكان بسكان آخرين. وقد اتبعت أساليب وأشكال مختلفة للضغط على الفلسطينيين لترك قراهم ومدنهم من خلال مذابح كان أشهرها مذبحة دير ياسين، وذلك بهدف الوصول إلى واقع ديموغرافي جديد داخل فلسطين يكون لصالح اليهود المغتصبين. وقد تم تسجيل 5 مذابح في الوسط و 5 في الجنوب و 24 مذبحة في الجليل.

وفي الفترة التي سبقت إعلان اليهود لدولتهم في العام 1948، وما تلاها أقدمت العصابات الصهيونية على القيام بعدد من المذابح إلى جانب إتباع أسلوب الترحيل الجماعي والإبعاد، وذلك استكمالاً لأهدافهم التي رسموها لأنفسهم لخلق واقع ديموغرافي جديد هدفه خلق أكثرية يهودية على أرض فلسطين والأمثلة على ذلك:-
1- طرد السلطات الإسرائيلية الكثير من أهالي المجدل والخصاص وعسقلان والجاعونة وعشرات القرى المجاورة.
2- طرد السلطات الإسرائيلية أهالي 13 قرية من قرى المثلث في عام 1951.
3- دمرت إسرائيل بعد قيامها 478 قرية من أصل 585 قرية عربية.
4- دمرت السلطات الإسرائيلية 135 قرية من الجليل من أصل 210 قرية وشرد سكانها.
5- إبعاد السلطات الإسرائيلية بعد قيامها مباشرة 35 ألف فلسطيني من سكان النقب إلى كل من الأردن وسيناء.

الآثار الجغرافية والديموغرافية للممارسات الصهيونية:
ونتيجة للممارسات الصهيونية فقد انخفضت نسبة السكان العرب من 52% بعد قيام إسرائيل مباشرة إلى 17.9% في العام 1949 وإلى 12.9%عام 1950، أما بعد حرب عام 1967 فقد كان الأمر مختلفاً فقد تم إعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948، أما في العام 1967 فقد كان هدف هذه الحرب الاستيلاء على ما تبقى من أرض فلسطين والتي لم تستطع السلطات الصهيونية السيطرة عليها في الأعوام الأولى لإعلان دولتهم، وقد نتج عن هذه الحرب تشريد وتهجير ما يقرب من 400 ألف فلسطيني من الضفة الغربية ونحو 50 ألف من قطاع غزة، واستمرت عملية التهجير بعد ذلك فيما بين نهاية عام 1967 وعام 1979 فقد بلغ عدد الذين هجروا ونزحوا من الضفة الغربية وقطاع غزة نحو 354 ألف مواطن وذلك بمعدل سنوي 29,500 فلسطيني.

مما سبق يتضح لنا أن عمليات التهجير للفلسطينيين لم تكن هجرة طوعية، وإنما كانت عبارة عن سياسة اتبعتها السلطات الإسرائيلية للوصول إلى أغلبية وتفوق ديموغرافي قسري وغير طبيعي في فلسطين.

* قراءة ديموغرافية مستقبلية:
على الرغم من الممارسات الصهيونية والآثار الجغرافية والديموغرافية المترتبة عن ذلك، إلا أن الوجود اليهودي المنتشر على أرض فلسطين التاريخية سيصبح لا يشكل أغلبية في العام 2006، حيث أن الفلسطينيين سيصبحون على تساوي مع اليهود، ومن المتوقع في السنوات القادمة أن يكون التفوق للفلسطينيين.

ملاحظة/
أعداد المستوطنين لا يتم إضافتها إلى إجمالي عدد اليهود لأنهم بالطبع محسوبون على إجمالي عدد اليهود في دولة إسرائيل.

من (1999-2006) تقديرات الباحث على أساس ثبات الزيادة السنوية (للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة = 176.159 نسمة سنويا / للفلسطينيين داخل إسرائيل= 34500 نسمة سنويا / لليهود = 83.500 نسمة سنويا).

الزيادة في أعداد اليهود لم تأخذ بالحسبان موجات الهجرة اليهودية الجماعية التي قد تأتي إلى فلسطين.
لم يتم تقدير أعداد المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة لأن ذلك مرتبط بالظروف السياسية.

من خلال الجدول السابق يتضح أن الميزان الديموغرافي سيكون في صالح الفلسطينيين في العام 2006، بغض النظر عن مكان وجودهم سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة أو في داخل إسرائيل، فسيصل عدد الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية في العام 2006 حوالي 5.467.472 فلسطيني في نفس الوقت الذي سيكون فيه عدد اليهود على أرض فلسطين التاريخية5.453.100 يهودي، ويرجع هذا التفوق للفلسطينيين إلى الزيادة الطبيعية في حين أن الزيادة السكانية عند اليهود كانت تعتمد وبشكل مباشر على المهاجرين القادمين من جميع أقطار العالم.

نستنتج مما سبق أن الهجرة الفلسطينية الواسعة وبهذا الحجم الكبير كانت نتيجة التهجير القسري وممارسات العصابات الصهيونية، مقابل قدوم آلاف اليهود من جميع أقطار العالم للاستقرار في فلسطين وعلى الرغم من ممارسات العصابات الصهيونية إلا أن الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية سيكون لهم الأغلبية خلافاً لما خططت له الحركة الصهيونية.

نتائج:
1- أهمية الدراسات الجغرافية والديموغرافية التي من خلالها يتم معرفة مجموع وتوزيع الشعب الفلسطيني ومكونات النمو للفلسطينيين واليهود كطرفي صراع.
2- تأثر الشعب الفلسطيني بالسياسات السكانية الإجلائية والإحلالية التي طالت أكثر من 5.3مليون فلسطيني هم مجموع اللاجئين والنازحين، ويشكلون ما نسبته 69%من أجمالي الشعب الفلسطيني.
3- أن الشعب الفلسطيني يعتبر مجتمعاً فتياً بسبب ارتفاع معدلات المواليد وارتفاع نسبة صغار السن.
4- أن الشعب الفلسطيني سيصل إلى حالة توازن ديموغرافي مع اليهود مع حلول العام 2006 على الرغم من موجات الهجرة اليهودية.
5- اعتماد المجتمع الإسرائيلي على الهجرة الوافدة في نموه مقابل اعتماد المجتمع الفلسطيني على المواليد.
6- اتباع الصهيونية نهج التهجير القسري أو ما يعرف بالنهج الاجلائي والاحلالي.

توصيـات:
1- دعوة جميع المثقفين والباحثين وخاصة الجغرافيين والديموغرافيين وعلماء الاجتماع إلى تسليط الضوء على موضوع الصراع الديموغرافي لما له من أهمية من كشف فضائح الصهيونية وممارساتها المستمرة حتى يومنا هذا.
2- ضرورة تسليط الأضواء على الجانب الديموغرافي والجغرافي لجميع التجمعات السكانية الفلسطينية ووضع الحقائق والأرقام لتوضيح اتجاهات التطور والنمو السكاني للشعب الفلسطيني.
3- دعوة جميع مراكز الأبحاث لتسليط الضوء على البعد الجغرافي والديموغرافي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأهمية وحدة الشعب الفلسطيني في مقاومته وصموده أمام التحديات الصهيونية التي مازلنا نشهد فصولها من مصادرة للأرض واقتلاع للإنسان الفلسطيني وجذب مزيد منم يهود العالم.