بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية، والانقسامات الاسرائيلية.. ج/5. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية، والانقسامات الاسرائيلية.. ج/5. إظهار كافة الرسائل

2014-04-11

التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية - اليهودية، والانقسامات الاسرائيلية.. ج/5


نتابع: ج/5..التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية ـ اليهودية.

ومن مظاهر الانشقاق بينهم، ان كل طائفة لها مفهومها الخاص، حول (المسيح اليهودي) الذي سيمثل (ارادة في انجاز هذه المملكة).

فالطائفة الاشكنازية المتدينة اعتادت على اطلاق صفة (المسيح) على آخر زعمائها، بينما لم تعترف الطائفة الشرقية بذلك المسيح، معتبرة ان المسيح الحقيقي قادم من صلبها هي.

انقسام اليهود الى ثلاثة مذاهب منفصلة:

اذا كان اليهود المتدينون الاورثوذوكس ينقسمون الى تيارين من خلال انتمائهما لمجموعتين قوميتين مختلفتين، غربيين، وشرقيين، فإن يهود العالم ينقسمون الى ثلاث مذاهب يتعارض واحد منهما مع الاثنين، وينفي وجودهما:

1 ـ اليهودية الاورثوذوكسية:

وهي السائدة بين اسرائيل المتدينين بشكل عام، وتعبر عنها السلطة الدينية الاسرائيلية التي يمثلها الحاخام الاكبر في اسرائيل، وهي تعتبر يهودية (دوغمائية) سلفية تتمسك بالنصوص الحرفية للتوراة والتلمود لحد القدسية المطلقة، وتخلع عليها تفسيرات حاخامية تزيد من وطأة حرفيتها الى حد يخرج عن المألوف، ويتجاوز الواقع، وهي من اشد المؤمنين بمجيء مسيح اليهود، وتدميره للأمم.

2 ـ المذهب اليهودي الاصلاحي:

نشأ هذا المذهب في بداية القرن التاسع عشر في أوساط بعض اليهود التقليديين الذين تاثروا بعصر التنوير الاوروبي، وانتقادات بعض التيارات الدينية المسيحية لسلطة رجال الكنيسة المسيحيين ففي البداية ظهر بعض اليهود الذين أخذوا يتساءلون حول مدى عقلانية التعاليم اليهودية التقليدية ومدى قدسية نصوص التوراة والتلمود وطريقة نشوئها، واعتبر هؤلاء ان القوانين الشفوية من صنع الانسان نفسه وليست مما أنزله (الرب) مباشرة على الانسان والانبياء اليهود، وقادهم هذا الى الحكم على هذه القوانين بالضعف وامكانية تطويرها وانتقادها. ورأوا في النهاية ان (التاناخ) وحده يمكن ان يكون مقدسا بنصوصه، وليس التلمود في هذه الحالة لكونه سجلا لقوانين وتفاسير شفوية.

وبعد انتشار هذا التيار وتطور أفكاره ظهر فيه التأكيد على ان التعاليم الاخلاقية والتربوية في (التاناخ) هي اهم ما جاء في التراث اليهودي وليس طقوس العبادة والصلاة فيه، ولذلك بدا الحاخامون الذين اسسوا هذا المذهب بحذف الكثير من طقوس وعادات العبادات اليهودية، فالحاخامون الاصلاحيون لا يلزمون انفسهم باطالة سوالفهم ولايهتمون بالكثير من مظاهر الحاخاميون الارثوذوكس المتزمتين، كما انهم يوافقون على حرية اختيار اليهودي لطريقة عيشه حتى لو قرر عقد قرانه على جنس مثيل له ولذلك يعقد المذهب الاصلاحي قران كل سحاقية مع أخرى وكل شاذ مع آخر في الكنس اليهودي دونما أي حرج. ولعل أهم ما يتميز به هذا المذهب هو عدم اعطائه أي اهمية لمسألة أن يكون المرء يهوديا اذا لم تكن أمه يهودية[21].

3 ـ المذهب اليهودي المحافظ:

نشأ هذا المذهب في أواسط القرن التاسع عشر كرد فعل على المذهب الاصلاحي، فقد رأى عدد من الحاخاميين اليهود الاوروبيين (الاشكناز) ان المذهب الاصلاحي سار شوطا بعيدا في التحرر من الكثير من فرائض ونصوص التراث اليهودي وخصوصا تقليله لاهمية (التلمود) وتعاليمه، ولذلك اعتبر اصحاب فكرة (اليهودية المحافظة) ان (التلمود) لا يقل اهمية عن (التاناخ) في سلطته وفرائضه في الوقت الذي ساد فيه كل منهما. لكن هذا لا يمنع بنظر المحافظين ان تتغير طرق تجسيد وممارسة فرائضه ودعاواه. ودافع اليهود الاصلاحيون عن فكرة ان يكون لكل جيل يهودي بحسب زمانه طريقته الخاصة في تجسيد وممارسة ما يدعو له (التلمود والتاناخ) وبحسب رؤية كل جيل وظروفه الخاصة.

ثم ظهر تيار آخر في قلب الاصلاحيين مال الى التأكيد على الابعاد الثقافية والطائفية لليهود فقط.

واذا كان يهود اسرائيل الذين يبلغ عددهم حتى عام 1998، 5 مليون يهودي معظمهم من اتباع المذهب اليهودي الارثوذكسي، الغربي، او الشرقي فان الغالبية الساحقة ليهود الولايات المتحدة، 5.5 مليون هم من أتباع المذهبين اليهودي الاصلاحي والمحافظ. ولذلك فمن الصواب التأكيد على ان اليهود منقسمون الى تيارين دينيين عريضين الاورثوذكسية (السلفية) و(الاصلاحية المتحررة)
والى جانب الاختلاف الديني بين هذين التيارين هناك مظاهر اختلاف سياسية مهمة بينهما اهمها:

1 ـ لا يؤمن الاصلاحيون والمحافظون
بان يكون التضامن مع اسرائيل بالهجرة اليها والعيش فيها على غرار المهاجرين اليهود ولذلك لا يوجد في سجل المهاجرين اليهود الى اسرائيل أي ذكر ليهود قادمين من الولايات المتحدة.

2 ـ يتغاضى اليهود الاصلاحيون والمحافظون عن مسألة الزواج المختلط
بين يهودي وغير يهودية وبالعكس. ولذلك تزداد نسبة الزواج المختلط داخل الطائفة اليهودية الامريكية دون تنديد ملحوظ من الحاخاميين الاصلاحيين والمحافظين طالما ان الازواج المختلطين لا يقطعون صلاتهم بقادة هذين المذهبين ومؤسساتهما في الولايات المتحدة.

3 ـ يهتم الاصلاحيون والمحافظون في أعتبار اسرائيل مركزا روحيا يهوديا، ولا يبدون أي اهمية للاستيطان فيها رغم انهم يدعمون ماديا كل من يهاجر اليها ويعيش فيها من اليهود الآخرين.

والخلاف الارثوذكسي اليهودي، من جهة والاصلاحيين، والمحافظين من الجهة الاخرى جوهري لا يمكن تسويته برأي اليهود الاورثوذوكس الا بتخليهما عن جميع (البدع العصرية والهرطقات الكافرة بالدين اليهودي) وإيمانهما باليهودية الارثوذوكسية.

وقد اشتد الخلاف بين اليهودية الارثوذوكسية وبين المذهبين الاصلاحي والمحافظ في الآونة الاخيرة[22] حين تقدمت الاحزاب الدينية اليهودية الارثوذوكسية في اسرائيل [23] مقعد في البرلمان مستغلة نفوذها المتزايد بمشروع قانون للبرلمان (الكنيست) الاسرائيلي، يدعو الى اعتبار شرائع المذهب اليهودي الاورثوذكسي في (التهويد) و(الزواد) و(الطلاق) والشؤون المدينة اليهودية، بمثابة الاساس التشريعي الديني الوحيد لليهود اينما كانوا في اسرائيل، او خارجها واعتمادها حكما فاصلا في (تحديد من هو اليهودي). لان المذهب الاورثوذوكسي اليهودي لا يعترف مطلقا بكل من اطلقت عليه الكنس الاصلاحية، والمحافظة صفة (اليهودي) لانها لا تعترف بشرائعها بهذا الشأن، خصوصا وان الاصلاحيين، والمحافظين اباحوا ترسيم النساء حاخامات واباحوا كذلك الشذوذ الجنسي بين الذكور والاناث، بل رسموا بعض الشاذين والسحاقيات حاخامين وحاخامات في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وقد أقر البرلمان (الكنيست) مشروع القرار هذا بالقراءة الاولى باغلبية الاصوات، حيث دعم الصهيونيون في الليكود والاحزاب الدينية المشارك معهم بالسلطة هذا القرار تجنبا (لانفراط) الائتلاف الحكومي.

وتمهيدا لاقناع الاورثوذكس اليهود بحل وسط، يستبعد بحث هذه المسألة المختلف جوهريا مع اليهود الاصلاحيين والمحافظين. وهو الحل المعروف (بترك الامور حسب الامر الواقع الراهن) الذي يقضي بان يستمر الاصلاحيون والمحافظين في شرائعهم، وفي المقابل يستمر الارثوذوكس في شرائعهم دون المساس بالمذهبين الآخرين ريثما يتوصل الفرقاء ان أمكن الى حل لهذه المعضلة.

ولذلك عاد (البرلمان) الاسرائيلي، وجمد الاستمرار بالتصويت على مشروع قرار اليهود الاورثوذوكس بقراءته الثانية معيدا المسألة الى سابق عهدها القديم23.

ولو جرى تشريع هذا المشروع في البرلمان في القراءة الثانية، والثالثة لانقسم اليهود نهائيا الى قسمين لا يربط بينهما رابط، لان مشروع قرار اليهود الارثوذوكس سيجرد في تلك الحالة يهود الولايات المتحدة 90% منهم من الاصلاحيين، والحافظين من يهوديتهم ويلقي ظلالا على مسألة دعمهم لاسرائيل أو التشجيع على الهجرة اليها.

ولعل هذا العامل هو الذي جعل الصهيونيين في اسرائيل (الليكود) و(حزب العمل) يضغطان على اليهود المتدينين الأوروثوذوكس، لقبول مشروع اقتراح (تجميد هذه المسألة) في الوقت الراهن.

ومن الجدير بالذكر ان اليهود الاصلاحيين، والحافظين لا يتحمسون أبدا للهجرة الى اسرائيل، ففي الولايات المتحدة ما يزيد على 5.5 مليون يهودي 90% منهم من الاصلاحيين والمحافظين، ولا يهاجر منهم الى اسرائيل سوى افراد معدودين، فهم يعتبرون الولايات لمتحدة معقلهم ومقرهم، وان كانوا يتعاطفون مع اسرائيل، ويشكلون لها مراكز نفوذ قوية في ادارات الحكم في الولايات المتحدة، وهناك من يعزو هذه العلاقات مع اسرائيل الى عوامل اقتصادية، مالية، وليس الى عوامل دينية يهودية، رغم ان عددا من المحافظين يهود صهيونيون تهمهم اسرائيل من نفس منطلقها الصهيوني… وكما نرى يعتبر الانقسام بين اليهود الاورثوذوكس، وهم غالبية يهود اسرائيل من جهة، واليهود المحافظين، والاصلاحيين من الجهة الاخرى من اخطر انواع الانقسام الذي لا حل له الا بنفي كل جهة للأخرى، بل ويتعاظم دور هذا الانقسام حين نجده قائما بين اغلبية يهود الولايات المتحدة المتدينين وبني أغلبية يهود اسرائيل اليهود الاورثوذوكس.

فهو يقسم اليهود حقا الى يهود ينكرون يهودية يهود آخرين ويحول خمسة مليون يهودي امريكي تقريبا الى يهود لا تقبل بهم أورثوذوكسية اسرائيل، الا اذا اصبحوا يهودا اورثوذكسيين، حسب قانون تعريف (اليهودي) على الطريقة الاورثوذوكسية الاسرائيلية.

الانقسام بين المتدينين الصهيونيين من جهة والمتدينين (الحاراديم) (الاشكناز)، والشرقيين من الجهة الاخرى:

استند المتدينون الصهيونيون الى فكرة اساسية، هي عدم الاعتماد والارتكان الى فكرة التوراة الداعية الى انتظار (المسيح) اليهودي لقيادة اليهود نحو فلسطين من اجل اقامة (مملكة اسرائيل) تجسيدا للارادة الالهية[24].

وقد رأت الصهيونية الدينية ان الالتزام بفكرة التوراة التي سادت بين اليهود قرابة ستين جيلا، وأدت بهم الى عدم القيام بأي عمل بشري، وسياسي يعيدهم الى (ارض الميعاد) قد شجع على انتشاره، وضعه اليهود أنفسهم، ولذلك وقفت الصهيونية الدينية ضد تلك الفكرة التي سادت خلال ثمانية عشر قرنا، وما تزال عند المتدينين اليهود، وكافة قياداتهم الروحية باستثناء من اقتنع بفكرة الصهيونية الدينية، وقد استغلت الصهيونية الدينية مقولتين اساسيتين يؤمن بهما عامة اليهود، وجعلتهما دعامة فكرية لمفاهيمها وهما: الشعب المختار) و(ارض الميعاد)، وكان اول القيادات الدينية التي تمثل هذه الدعوة الدينية الصهيونية الحاخام يهودا قلعي (1778 ـ 1878)، الذي اقترح الكف عن انتظار (المسيح) و(الارادة الالهية) والبدء بالعودة الى فلسطين كي تكون مقدمة لظهور (المسيح)… وهذا هو جوهر أفكار الصهيونية الدينية: (التمهيد لتحقيق المشيئة الالهية بظهور المسيح باعمال بشرية استيطانية في فلسطين، والحفاظ على الهوية اليهودية الدينية لليهود أينما كانوا، لا نذلك يرضي (رب اسرائيل) ويمهد لتجسيد ارادته بظهور المسيح) [25].
يتبـــع