بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود. إظهار كافة الرسائل

2014-09-26

الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج3


الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج3

وليد ملحم
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:

نتابع: من الأساليب اليهودية في حرب الرسول صلى الله عليه ودعوته :

13- تمني ضلال المسلمين وعودتهم إلى الكفر :

لما شاهد اليهود تغير حال المسلمين وحسن سمتهم وأخلاقهم عند دخولهم الإسلام . حسدوا المسلمين وتمنوا عودتهم إلى الكفر والضلال كما هو حال اليهود دائما, وحتى لا يتميز المسلمون بخير يفتقده اليهود كما قال تعالى : {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء...الآية }النساء89.

وفي هذا السياق قال تعالى : {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة109

وقال جل ذكره : { وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } .

بعد الحرب القولية والعملية حارب اليهود المسلمين حتى في الأماني !!.

قال الإمام ابن كثير : يخبر تعالى عن حَسَدَ اليهود للمؤمنين وبَغْيهم إياهم الإضلال، وأخبر أنَّ وَبَالَ ذلك إنما يعود على أنفسهم، وهم لا يشعرون أنهم ممكور بهم.(تفسير ابن كثيرج2ص59)

ويقول الإمام السعدي : ومن المعلوم أن من ود شيئا سعى بجهده على تحصيل مراده، فهذه الطائفة تسعى وتبذل جهدها في رد المؤمنين وإدخال الشبه عليهم بكل طريق يقدرون عليه، ولكن من لطف الله أنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فلهذا قال تعالى { وما يضلون إلا أنفسهم } فسعيهم في إضلال المؤمنين زيادة في ضلال أنفسهم وزيادة عذاب لهم( تفسير السعدي ص134).

14- كتم وإخفاء ما عندهم من صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم الدالة على صدقه :

والدليل على ذلك قوله تعالى : { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون }

قال الإمام لشوكاني رحمه الله : { وَتَكْتُمُونَ الحق } يقول : تكتمون شأن محمد ، وأنتم تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة ، والإنجيل .(فتح القدير ج1ص 481).

قال الإمام الشنقيطي في معرض تفسيره لهذه الآية : فقد كانوا جبهة تضليل للناس ، وتحريف للكتاب . وتلبيس للحق بالباطل . كل ذلك عن قصد وعلم ، بدافع الحسد ومناصبة العداء وخصم هذا حاله فلا دواء له ، لأن المدلس لا يؤمن جانبه ، والمضلل لا يصدق ، والحاسد لا يشفيه إلا زوال النعمة عن المحسود ، ومن جانب آخر فقد قطع الله الطمع عن إيمانهم هـ .(أضواء البيان ج8 ص 184).

15- عدم تمني نزول الخير على المسلمين من العلم والحكمة :

لقد بخل اليهود حتى في الأمنيات على المسلمين كما سبق بعد أن ترجموا العداء إلى واقع عملي وصدق الله حيث قال : {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }البقرة105 .

قال الإمام ابن كثير: يبين بذلك تعالى شدة عداوة الكافرين من أهل الكتاب والمشركين، الذين حذر تعالى من مشابهتهم للمؤمنين؛ ليقطع المودة بينهم وبينهم. وينبِّه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من الشرع التام الكامل، الذي شرعه لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم (تفسير ابن كثير ج1ص 375)

قال ابن عباس : هم يهود المدينة ، ونصارى نجران ، فالمشركون مشركو أهل مكة . { أن ينزل عليكم } أي : على رسولكم . { من خير من ربكم } أراد : النبوة والإسلام . وقال أبو سليمان الدمشقي : أراد بالخير : العلم والفقه والحكمة .(زاد المسير ج1 ص107) .

16- سؤال العناد والاقتراح وليس سؤال التعلم والإرشاد :

قال تعالى : {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً }النساء153

عن السدي ، قوله : ( أن تنزل ، عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك) قالت له اليهود : إن كنت صادقا أنك رسول الله فأتنا بكتاب مكتوب من السماء كما جاء به موسى.( تفسير ابن أبي حاتم ج21ص383 ).

قال ابن جُرَيج: سألوه أن ينزل عليهم صحفا من الله مكتوبة إلى فلان وفلان وفلان، بتصديقه فيما جاءهم به. وهذا إنما قالوه على سبيل التعنت والعناد والكفر والإلحاد،(ابن كثير ج2ص446)

قال الإمام السعدي : وكذلك جعلهم الفارق بين الحق والباطل مجرد إنزال الكتاب جملة أو مفرقا، مجرد دعوى لا دليل عليها ولا مناسبة، بل ولا شبهة، فمن أين يوجد في نبوة أحد من الأنبياء أن الرسول الذي يأتيكم بكتاب نزل مفرقا فلا تؤمنوا به ولا تصدقوه؟(محاسن التاويل ص 213).

من هذه الرواية يتبين ان اليهود لم يفارقوا طبعهم في كثرة الأسئلة المملة والطلبات الغير معقولة .

17- استخدام أساليب المنافقين في إظهار الإسلام وإخفاء الكفر والضلال:

قال تعالى : {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }البقرة76 أخرج عبد بن حميد ، عن قتادة في قوله : { وَإِذَا لَقُواْ الذين ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا } قال : هم اليهود ، وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، فصانعوهم بذلك ليرضوا عنهم : { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ } نهى بعضهم بعضاً أن يحدثوا بما فتح الله عليهم ، وبين لهم في كتابه من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، ونعته ، ونبوّته ، وقالوا : إنكم إذا ، فعلتم ذلك احتجوا بذلك عليكم عند ربكم { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }(فتح القدير ج1ص127)

18- مساعدة الكفار على اختبار الرسول صلى الله عليه وسلم :

لقد اشترك اليهود ودخلوا على الخط مع كفار قريش في مجادلة الرسول صلى الله عليه وسلم واختباره حيث ألقى اليهود على كفار قريش بعض الأسئلة ليعرضوها على الرسول صلى الله عليه وسلم .

فعن ابن عباس: أن مشركي قريش بعثوا النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهم : سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا حتى قدما المدينة فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره ببعض قوله ، فقالت لهم أحبار يهود : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم ؛ سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإنه كان لهم حديث عجيب ، وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ما هو ؟ فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش ، فقالا : يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور ، فأخبروهم بها (دلائل النبوة للبيهقي ج2ص154).

19- التنقص والطعن بمن اسلم من اليهود :

عَنْ أَنَسٍ قَال َسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا قَالَ جِبْرِيلُ قَالَ نَعَمْ قَالَ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ }.

أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي فَجَاءَتْ الْيَهُودُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ قَالُوا خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا قَالَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالُوا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَانْتَقَصُوهُ قَالَ فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ (رواه البخاري باب من كان عدوا لجبريل ).

وعن ابن عباس قال : لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ، ومن أسلم من يهود معهم ، فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ، ونتجوا فيه ، قالت أحبار يهود ، أهل الكفر منهم : ما آمن بمحمد ولا اتبعه إلا شرارنا ، ولو كانوا من أخيارنا ما تركوا دين آبائهم ، وذهبوا إلى غيره . فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم : ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ) - إلى قوله – ( وأولئك من الصالحين) (دلائل النبوة للبيهقي ج2ص404).

20- الاعتداء على أعراض المسلمين :

من أساليب اليهود الوضيعة هو التعدي على الضعفاء من المسلمين وخاصة إذا سنحت لهم الفرصة لم يتوانوا عن استغلالها في الاعتداء على نفس المسلم أو عرضه.

قالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي قَيْنُقَاع َ أَنّ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبٍ لَهَا ، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ بِهَا ، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا ، فَأَبَتْ فَعَمِدَ الصّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إلَى ظَهْرِهَا ، فَلَمّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ سَوْأَتُهَا ، فَضَحِكُوا بِهَا ، فَصَاحَتْ . فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصّائِغِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ يَهُودِيّا ، وَشَدّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ فَوَقَعَ الشّرّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ .(سيرة ابن هشام ج2ص47)

قال الشيخ الألباني: قلت : إسناده مرسل معلق فإن ابن هشام قال ( 3 / 51 ) : ( وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال . . . ) فذكره . وأبو عون اسمه محمد بن عبد الله الثقفي الكوفي الأعور مات سنة ( 116 ) فهو تابعي صغير فلم يدرك الحادثة وعبد الله بن جعفر المخرمي من شيوخ الإمام أحمد مات سنة ( 170 ) فبينه وبين ابن هشام مفاوز فهو إسناد ضعيف ظاهر الضعف (دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ص 26).

ورغم أن القصة ضعيفة كما ضعفها الشيخ الألباني إلا أن أهل السير ذكروها في كتبهم وجعلوها احد أسباب الحرب بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين يهود بني قينقاع .

21- التفاخر على المسلمين أنهم شعب الله المختار وان الله لن يعذبهم في الآخرة:

من عادة صاحب كل عقيدة باطلة هي التفاخر والشعور بالعلو والرفعة على صاحب الحق من المخالفين لعقيدته وهذا شيء ملموس ومشاهد ونجد هذا واضحا وجليا عند اليهود حيث ان عقيدة شعب الله المختار تعتبر أساس منه ينطلقون في تحديد طريقة حياتهم وتنظيم عيشهم . وقد حاججهم الله ورد عليهم دعواهم تلك ولكنهم لم يستطيعوا الجواب ولا الجدال !!.

قال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ }الجمعة6. 7

وقال تعالى : { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } . البقرة96

قال الإمام السعدي : أي: { قُلْ } لهم على وجه تصحيح دعواهم: { إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ } يعني الجنة { خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ } كما زعمتم، أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، فإن كنتم صادقين بهذه الدعوى { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ } وهذا نوع مباهلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.(محاسن التاويل ص59).

22- الطعن في رب المسلمين ونسبة الفقر إليه تعالى الله عما يقولون :

ليس بغريب على اليهود الطعن في رب العالمين فكم طعنوا به جل وعلا في توراتهم المحرفة ونسبوا إليه النقائص ومن يطلع على تلك التوراة يتبين له ذلك بوضوح . واستعملوا نفس الأسلوب عند بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم , وفي هذا دليل على انه ليس في قلوبهم أدنى توقير لله , وهذا ناتج من تعشعش الكفر والضلال والشياطين في قلوبهم ,قال تعالى : {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ }آل عمران181

قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزل قوله: { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } [البقرة:245] قالت اليهود: يا محمد، افتَقَرَ ربّك. يَسأل عباده القرض؟ فأنزل الله: { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } الآية. رواه ابن مردويه وابن أبي حاتم.(تفسير ابن كثير ).

وفي رواية ذكرها الطحاوي في المشكل : قال فنحاص (اليهودي) : يا أبا بكر ، والله ما بنا إلى الله عز وجل من فقر ، وإنه إلينا ليفتقر ، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء ، ولو كان عنا غنيا لما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم ، ينهاكم عن الربا ويعطيناه ، ولو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا ، فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ...الحديث (مشكل الآثار ج4ص 379) .

23- دعوى بعض اليهود ان الرسول صلى الله عليه وسلم ليس نبيا وانه لم ينزل وحي بعد موسى عليه السلام :

روى البيهقي في الدلائل عن ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس :

وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود ، منهم : عبد الله بن صورى الأعور وكعب بن أسد فقال لهم : يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق ، قالوا : ما نعرف ذلك يا محمد ، وجحدوا ما عرفوا ، وأصروا على الكفر ، فأنزل الله عز وجل فيهم (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها ) . الآية . قال سكين وعدي بن يزيد : يا محمد ما نعلم الله أنزل على بشر من شيء من بعد موسى ، فأنزل الله في ذلك من قولهم ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) إلى آخر الآية (دلائل النبوة للبيهقي ج2ص404).

قال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عبادة ، وعقبة بن وهب : يا معشر يهود اتقوا الله ، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته ، فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهوذا : ما قلنا هذا لكم ، ولا أنزل الله من كتاب بعد موسى ، ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا من بعده ، فأنزل الله عز وجل في قولهما} يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل { (دلائل النبوة للبيهقي ج2ص404).

24- إخفاء نصوص من التوراة توافق ما جاء في كتاب الله من الأحكام :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَقَالُوا صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ (رواه البخاري : باب قول الله تعالى يعرفونه كما يعرفون ).

ويبدو أن اليهود كانوا يريدون أن يطعنوا في خلق الرسول وعدله ونزاهته بتعريضه لقضايا يساومونه فيها على الميل لجانبهم أو جانب بعضهم حتى يثبتوا للمسلمين أو يثبتوا للمعجبين به من قومهم أن الرجل ليس نبيا وان الدنيا تستهويه كما تستهوي غيره من الناس (يهود يثرب وخيبرص68).

25- إنكار إنزال شيء من الكتب على أي بشر وهو من باب رد ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم :

قال تعالى: }وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {

قال الإمام السعدي : هذا تشنيع على من نفى الرسالة، [من اليهود والمشركين] وزعم أن الله ما أنزل على بشر من شيء، فمن قال هذا، فما قدر الله حق قدره، ولا عظمه حق عظمته، إذ هذا قدح في حكمته، وزعم أنه يترك عباده هملا لا يأمرهم ولا ينهاهم، ونفي لأعظم منة، امتن الله بها على عباده، وهي الرسالة، التي لا طريق للعباد إلى نيل السعادة، والكرامة، والفلاح، إلا بها، فأي قدح في الله أعظم من هذا؟"

{ قُلْ } لهم -ملزما بفساد قولهم، وقرِّرْهم، بما به يقرون-: { مَنْ أَنزلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى }هـ. (محاسن التاويل ص 465).

26- الاستخفاف بالرسول صلى الله عليه وسلم واستصغار شأن المسلمين في مقابل تعظيم شأن اليهود :

من أخلاق اليهود الكبر والغرور والنظرة الفوقية للآخرين وهذا نابع من عقيدتهم أنهم شعب الله المختار .

عن ابن عباس ، أنه قال : لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر فقدم المدينة جمع يهود في سوق قينقاع فقال : يا معشر يهود ، أسلموا قبل أن يصيبكم بمثل ما أصاب قريشا . فقالوا : يا محمد ، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال ، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس ، وأنك لن تلق مثلنا ، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم : ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله .(دلائل النبوة للبيهقي ج3ص194) .

27- الفرح عند إصابة المسلمين بنوع من البلاء :

قال تعالى:{إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }آل عمران120

قال الإمام السعدي : قال الله مهيجا للمؤمنين على الحذر من هؤلاء المنافقين من أهل الكتاب، ومبينا شدة عداوتهم { هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله }.

{ إن تمسسكم حسنة } كالنصر على الأعداء وحصول الفتح والغنائم { تسؤهم } أي: تغمهم وتحزنهم { وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط } فإذا أتيتم بالأسباب التي وعد الله عليها النصر - وهي الصبر والتقوى- لم يضركم مكرهم، بل يجعل الله مكرهم في نحورهم لأنه محيط بهم علمه وقدرته فلا منفذ لهم عن ذلك ولا يخفى عليهم منهم شيء.(محاسن التاويل ص65).

خاتمة :

خلال هذه الجولة في عدد من الممارسات اليهودية ضد رسولنا الكريم وصحابته الميامين يمكن استنتاج بعض الصفات في الشخصية اليهودية وهي أنها شخصية وضيعة وذليلة وغاية في الخسة والغدر, وبعيدة كل البعد عن الشجاعة في المواجهة الحقيقية وتغتنم الفرص الخفية البعيدة عن الأعين لاقتناص عدوها وهذه من صفات الجبناء .

أو استعمال ألفاظ تحتمل عدة معاني ويقصدون المعنى السيئ وليس ذلك إلا للتنفيس عن حقدهم وشفاء غليلهم .

رغم امتلاك اليهود كل أسباب القوة من المال الوفير والرجال والسلاح إلا أنهم لم يستخدموا أو يستغلوا تلك الطاقات الكبيرة في مواجه شريفه مع عدوهم كما فعل الروم والفرس مع المسلمين , بل لجئوا إلى أساليب الضعفاء في استعمال طرق الهمز واللمز والتحريض وبث الفرقة بين المسلمين والاعتداء على النساء والأطفال ونقض العهود والتعامل مع المنافقين وكفار قريش وكانوا هم دائما من خلف الستار حريصين على تحريك المشهد عن بعد !!. من يدرس هذه الطائفة يجدها غريبة الأطوار غريبة التصرفات لا تكاد ترضى بحل ولا تلتقي مع أي احد عند منتصف الطريق, ولا تكفي مجلدات لتحليل الشخصية اليهودية , فهذا النبي الكريم الذي يجدونه مكتوبا عندهم ويعرفونه كما يعرفون أبنائهم ويقول احدهم للآخر اهو هو فيجيب الآخر نعم هو فيكون الجواب لأعاديه ما حييت أبدا !! أليس هو الرسول الذي تبشرون به وتنتظرونه فلماذا العداء اذا ؟ , .

أن قوما هذا مستوى أخلاقهم, لا يعرفوا إلا لغة القوة ولا حل معهم إلا استعمال العصا الغليظة الموجه إلى أم رؤوسهم.

فعلى مدى التاريخ وخلال تجارب الشعوب معهم توصلت تلك الشعوب إلى هذه النتيجة المرة لذا كثرت مذابح اليهود وكرههم وعلى مدار التاريخ . حتى أصبحوا رمزا لكل أمر مشين . فعلى سبيل المثال هذا شكسبير الكاتب القصصي الشهير عندما ألف روايته تاجر البندقية كان احد رموز القصة التاجر اليهودي شيلوك والذي وصفه شكسبير بأنه تاجر واسع الثراء من المال الحرام مرابي وعزم على قطع رطل من لحم جسم احد المقترضين منه لعدم سداد الدين الربوي في الموعد المحدد هذه صفة اليهودي في أدبيات الشعب الأوربي.

أما نحن المسلمين فقد اختصر ديننا الطريق لنا في كيفية التعامل مع هؤلاء القوم رغم وجود التجربه المريرة معهم والمسطرة في كتب السير لمن أراد الاستزادة والوقوف على طريقة القوم وأخلاقهم ومن هذا المنطلق كانت هذه الدراسة لتكون لبنة في المواجه مع اليهود أعداء الأنبياء والرسل .

الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج2


الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج2

وليد ملحم
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:

لقد تنوعت وتعددت الأساليب التي استخدمها اليهود في معاداة الرسول صلى الله عليه وسلم والإضرار بالدعوة الإسلامية ومحاولة إيقاف عجلة تقدمها.
الأساليب اليهودية في حرب الرسول صلى الله عليه ودعوته :
1- محاولة اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم :
لم يترك اليهود أي فرصة سانحة لهم تخلصهم من الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق القتل أو الاغتيال إلا استعملوها فهي طرق يهودية قد تمرسوا عليها قديما, فقد قتلوا كثير من الأنبياء وكما أخبرنا الله جل وعلا: {... أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }البقرة87.

قال ابن القيم رحمه الله: فهم قتلة الأنبياء قتلوا زكريا وابنه يحي وخلقا كثيرا من الأنبياء حتى قتلوا في يوم سبعين نبيا وأقاموا السوق في آخر النهار كأنهم لم يصنعوا شيئا واجتمعوا على قتل المسيح وصلبه فصانه الله من ذلك وأكرمه أن يهينه على أيديهم وألقى شهبه على غيره فقتلوه وصلبوه وراموا قتل خاتم النبيين مرارا عديدة والله يعصمه منهم (هداية الحيارى ج1ص 19).

تذكر لنا كتب الحديث والسير ان هنالك محاولتين لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم من قبل اليهود فالأولى: هي محاولة قتله واغتياله من قبل بني النضير . فقد بوب البخاري :

باب حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ وَمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي دِيَةِ الرَّجُلَيْنِ وَمَا أَرَادُوا مِنْ الْغَدْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ كَانَتْ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أُحُدٍ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا }.

وهناك روايتين لمحاولة اغتيال بني النضير للرسول صلى الله عليه وسلم احدها محاولة قتله غدرا وغيلة بواسطة خناجر خبأها اليهود تحت ملابسهم والثانية محاولة قتله غدرا بإلقاء صخرة من فوق جدار ولا ندرى لعلها هي محاولة واحدة جاءت بروايتين فالله اعلم . وسنذكر الروايتين بإذن الله تعالى :

روى أبو داود: عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ... أجمعت بنو النضير بالغدر فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حبرا حتى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك فقص خبرهم فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحصرهم فقال لهم إنكم والله لا تأمنون عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه فأبوا أن يعطوه عهدا فقاتلهم يومهم ذلك ... الحديث (رواه ابوداود . تحقيق الألباني : صحيح الإسناد ).

وقد أورد رواية الاغتيال هذه ابن مردويه وكذلك عبد الرزاق في المصنف :

قال ابن حجر في الفتح : وَرَوَى اِبْن مَرْدُوَيْهِ قِصَّة بَنِي النَّضِير بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيِّ " أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب بْن مَالِك عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ... فَأَرْسَلُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اُخْرُجْ إِلَيْنَا فِي ثَلَاثَة مِنْ أَصْحَابك وَيَلْقَاك ثَلَاثَة مِنْ عُلَمَائِنَا ، فَإِنْ آمَنُوا بِك اِتَّبَعْنَاك . فَفَعَلَ . فَاشْتَمَلَ الْيَهُود الثَّلَاثَة عَلَى الْخَنَاجِر فَأَرْسَلَتْ اِمْرَأَة مِنْ بَنِي النَّضِير إِلَى أَخ لَهَا مِنْ الْأَنْصَار مُسْلِم تُخْبِرهُ بِأَمْرِ بَنِي النَّضِير ، فَأَخْبَرَ أَخُوهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل أَنْ يَصِل إِلَيْهِمْ ، فَرَجَعَ ، وَصَبَّحَهُمْ بِالْكَتَائِبِ فَحَصَرَهُمْ يَوْمه (فتح الباري ج11ص 358),عبد الرزاق في المصنف ( ج5ص359 ).

أما الطريقة الأخرى التي أوردها أهل السير وهي إلقاء صخره على الرسول صلى الله عليه وسلم فقد رويت في دلائل النبوة للبيهقي وأبو نعيم وغيرها من الكتب :

فعن ابن إسحاق ، قال : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري ، فيما حدثني يزيد بن رومان ، وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف ، فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في الدية ، قالوا : نعم يا أبا القاسم ، نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه ، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا : إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جانب جدار من بيوتهم قاعد ، فقالوا : من رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيقتله بها فيريحنا منه ؟ فانتدب لذلك منهم عمرو بن جحاش بن كعب فقال : أنا لذلك ، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فيهم : أبو بكر ، وعمر ، وعلي رضي الله عنهم . فأتاه الخبر من السماء بما أراد القوم ... الحديث .(دلائل النبوة للبيهقي ج3ص428).

أما محاولة الاغتيال الثانية : فقد حاولت امرأة من يهود خيبر قتل النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق شاة مسمومة .

فقد روى البخاري: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ أَلَا نَقْتُلُهَا قَالَ لَا فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ( رواه البخاري: باب قبول الهدية من المشركين ).

وفي فقه السيرة: فلما اطمأن بها المقام أهدت امرأة سلام بن مشكم للرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة وأكثرت من السم في ذراع الشاة لما عرفته أن الرسول يؤثرها وقد تناول النبي مضغة منها فلاكها ثم لفظها وهو يقول : إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم وكان معه بشر بن البراء فأساغ اللحم وازدرده . فجيء بالمرأة الجانية فاعترفت بما صنعت وقالت: بلغت من قومي ما لا يخفى عليك فقلت إن كان ملكا استرحت منه و إن كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها النبي (صلى الله عليه وسلم ) . ثم مات بشر بعد ما سرى السم في جسمه فقيل : اقتص له منها وقيل بل أسلمت وعفا عنها . (فقه السيرة ج1ص 347). (حكم الشيخ الألباني على هذه الرواية بالصحة في معرض تحقيقه لفقه السيرة ).

2- إثارة الفتنة والشقاق بين المسلمين :

من أساليب اليهود التي تمرسوا عليها هي إثارة الفتن في المجتمعات التي تعاديهم وذلك لعدم قدرتهم على المواجهة, وكما أثاروا سابقا قبل الإسلام العداوة بين الأوس والخزرج أرادوا إعادة الكرة لعلها تنجح كما نجحت سابقا ولم يدر بخلدهم أن الأوس والخزرج قد تغيروا وأصبحوا ينعمون بنعمة الإسلام العظيمة التي لا تفرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى .

واليكم الحادثة التي رواها ابن المنذر في تفسيره وابن هشام في السيرة والطبري في التفسير وهذه الرواية بسنده فقال: حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال، حدثني الثقة، عن زيد بن أسلم، قال: مرّ شأسُ بن قيس وكان شيخًا قد عَسَا في الجاهلية، عظيمَ الكفر، شديد الضِّغن على المسلمين، شديدَ الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم يتحدّثون فيه. فغاظه ما رأى من جَماعتهم وألفتهم وصَلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع مَلأ بني قَيْلة بهذه البلاد! لا والله ما لنا معهم، إذا اجتمع ملأهم بها، من قرار! فأمر فَتى شابًّا من يهودَ وكان معه، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، وذَكّرهم يَوْم بعاث وما كان قبله، وأنشدْهم بعض ما كانوا تقاوَلوا فيه من الأشعار وكان يوم بُعَاث يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفرُ فيه للأوس على الخزرج ففعل. فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجُلان من الحيَّين على الرُّكَب: أوسُ بن قَيْظي، أحد بني حارثة بن الحارث من الأوس - وجبّار بن صخر، أحد بني سَلمة من الخزرج. فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رَدَدْناها الآن جَذَعَةً! وغضب الفريقان، وقالوا: قد فعلنا، السلاحَ السلاحَ!! موعدُكم الظاهرة والظاهرةُ: الحَرَّة فخرجوا إليها. وتحاوز الناس. فانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية. فبلغَ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال:"يا معشرَ المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهُرِكم بعد إذْ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمرَ الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارًا؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيدٌ من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكَوْا، وعانقَ الرجال من الأوس والخزرج بعضُهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رَسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيدَ عدوِّ الله شَأس بن قيس وما صنع. فأنزل الله في شأس بن قيس وما صنع:"قل يا أهل الكتاب لم تكفرُون بآيات الله والله شهيدٌ على ما تعملون قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا" الآية. وأنزل الله عز وجل في أوس بن قَيْظيّ وجبّار بن صخر ومَنْ كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا عما أدخل عليهم شأس بن قيس من أمر الجاهلية: "يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردُّوكم بعد إيمانكم كافرين" إلى قوله:"أولئك لهم عذابٌ عظيم". (تفسير الطبري ج6ص55).قال الإمام الزيلعي في تخريجه للكشاف في الحكم على القصة (روي من طريقين) وقال الشوكاني في فتح القدير رويت هذه القصة مختصرة ومطولة من طرق .

هذه هي طرق اليهود التي يجب على المسلمين الحذر منها دائما .

3- إثارة الشكوك حول الدين الجديد في المدينة :

من ضمن الخطط الشيطانية الماكرة التي استخدمها اليهود هي أنهم كانوا يعرفون عند سكان المدينة من الأوس والخزرج بأنهم أهل علم وكتاب وكانوا يتوعدون بنبي قربت ساعة ظهوره, فاستغل اليهود تلك النقطة فتآمروا فيما بينهم على أن يؤمنوا في أول النهار ويكفروا آخره على أنهم لم يجدوا صفات ذلك النبي كما هو موجود عندهم أو أنهم وجدوا أن هذا الدين ليس هو المكتوب عندهم ليدخلوا الشك والريبة في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم .

ذكر هذه القصة ابن أبي حاتم في تفسيره وسعيد بن منصور في سننه ومجاهد في تفسيره حيث قال : ( آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره ) قال : هم اليهود ، صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار صلاة الفجر وكفروا آخر النهار ، مكرا منهم ، ليروا الناس أنه قد بدت لهم منه الضلالة بعد أن كانوا اتبعوه . (تفسير مجاهد ج1ص 174)

قال الأمام السعدي رحمه الله : ثم أخبر تعالى عن ما همت به هذه الطائفة الخبيثة، وإرادة المكر بالمؤمنين، فقال { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره } أي: ادخلوا في دينهم على وجه المكر والكيد أول النهار، فإذا كان آخر النهار فاخرجوا منه { لعلهم يرجعون } عن دينهم، فيقولون لو كان صحيحا لما خرج منه أهل العلم والكتاب، هذا الذي أرادوه عجبا بأنفهسم وظنا أن الناس سيحسنون ظنهم بهم ويتابعونهم على ما يقولونه ويفعلونه، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.(تيسير الكرم المنان ص 969).

وقال ابن عاشور: قيل أشير إلى طائفة من اليهود منهم كَعْب بن الأشْرَف ، ومالك بن الصيف ، وغيرهما من يهود خيبر ، أغواهم العجب بدينهم فتوهموا أنهم قدوة للناس فلما أعيتهم المجاهرة بالمكابرة دبروا للكيد مكيدة أخرى ، فقالوا لطائفة من أتباعهم : آمِنوا بمحمد أولَ النهار مظهرين أنكم صدّقتموه ثم اكفُروا آخر النهار ليظهر أنكم كفرتم به عن بصيرة وتجربة فيقول المسلمون مَا صرف هؤلاء عنا إلاّ ما انكشف لهم من حقيقة أمر هذا الدين ، وأنّه ليس هو الدين المبشر به في الكتب السالفة» ففعلوا ذلك .(التحرير والتنوير ج3ص 130)

فشلت خطة اليهود هذه كما فشلت غيرها من الخطط وذلك بسبب توفيق الله أولا ومن ثم وعي المجتمع المسلم وتمسكه بدينه ويقينه به , حيث طرد اليهود شر طردة .

4- تزكية وتصحيح مذهب الكفار:

لم يتردد اليهود في التعاون مع كفار قريش والمنافقين للقضاء على الدعوة الإسلامية الناشئة في المدينة النبوية ولو على حساب إعطاء التزكية والمشروعية للدين الوثني الذي يتعبد به في مكة فالغاية عند اليهود تبرر الوسيلة.

فعن ابن عباس رضي الله عنه : لما قدم كعب بن الأشرف ( مكة ) أتوه فقالوا له : نحن أهل السقاية والسدانة وأنت سيد أهل ( المدينة ) فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا قال : بل أنتم خير منه فنزلت عليه : " إن شانئك هو الأبتر ".

قال : وأنزلت عليه :" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل . والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا " ( النساء : 44 و 45 ) أخرجه ابن جرير في ( التفسير ) ( 30 / 330 ) بإسناد صحيح رجاله رجال ( الصحيح ) وقال المؤلف في ( التفسير ) : ( رواه البزار وإسناده صحيح ) (صحيح السيرة النبوية للألباني ص 225).

5- هجاء الرسول صلى الله عليه وسلم والتحريض على المؤمنين :

من شدة غل اليهود وحسدهم على الإسلام والمسلمين لم يكتفوا بالعداء فقط بل تجاوزوه إلى الطعن والسب وهجاء خير البرية رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك لينفسوا عن غيضهم وحقدهم الدفين على هذه الرسالة المنزلة من عند الله.

قال ابن القيم رحمه الله في ذكر كعب بن الاشرف اليهودي: وَكَانَ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ وَأُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِير ِ وَكَانَ شَدِيدَ الْأَذَى لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ يُشَبّبُ فِي أَشْعَارِهِ بِنِسَاءِ الصّحَابَةِ فَلَمّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ ذَهَبَ إلَى مَكّةَ وَجَعَلَ يُؤَلّبُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ثُمّ رَجَعَ إلى الْمَدِينَةِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ هـ . (زاد المعاد ج3ص 169).

وروى أبو داود في سننه: عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه وكان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم : وكان كعب بن الأشرف يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون والمشركون يعبدون الأوثان واليهود وكانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأمر الله عز وجل نبيه بالصبر والعفو ففيهم أنزل الله ( ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) الآية فلما أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا يقتلونه فبعث محمد بن مسلمة وذكر قصة قتله فلما قتلوه فزعت اليهود والمشركون فغدوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا طرق صاحبنا فقتل فذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول ودعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينه كتابا ينتهون إلى ما فيه فكتب النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة .(سنن أبو داود, تحقيق الألباني : صحيح الإسناد ).

6- محاولة سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم أسئلة اختبارية ومحرجة :

بما أن اليهود أهل كتاب فهذا يقتضي أنهم أصحاب علم فكانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم أسئلة الغرض منها إحراجه صلى الله عليه وسلم , على أساس أن أجوبة هذه الأسئلة كانت عندهم فقط وهم يختصون بإجابتها, لكن فاتهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نبي يوحى إليه والله يعلمه ويخبره و كما قال تعالى : {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }النساء113.

هذه الرواية التي رواها البخاري تعطي تصور عما كان يضمر اليهود: فعن عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ حَرْثِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ فَمَرَرْنَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْأَلُوهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَنَسْأَلَنَّهُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي }.(رواه البخاري : باب قوله تعالى إنما قولنا )

قال الإمام السعدي : وهذا متضمن لردع من يسأل المسائل، التي لا يقصد بها إلا التعنت والتعجيز، ويدع السؤال عن المهم، فيسألون عن الروح التي هي من الأمور الخفية، التي لا يتقن وصفها وكيفيتها كل أحد، وهم قاصرون في العلم الذي يحتاج إليه العباد.(محاسن التاويل ص 290).

7- همز ولمز الرسول صلى الله عليه وسلم والدعاء عليه :

من أساليب اليهود الهمز واللمز بطريقة خفية وغير مباشرة وهذه من أساليب الجبناء العاجزين .

فعنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ.(صحيح البخاري .باب الرفق في الأمر كله ).

وقد بوب البخاري : بَاب إِذَا عَرَّضَ الذِّمِّيُّ وَغَيْرُهُ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُصَرِّحْ نَحْوَ قَوْلِهِ السَّامُ عَلَيْكَ

قال الشيخ ابن عثيمين : وكان اليهود يسلمون على النبي، صلى الله عليه وسلم، فيقولون: "السام عليك يا محمد" والسام بمعنى الموت، يدعون على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالموت. فقال النبي، عليه الصلاة والسلام: "إن اليهود يقولون : السام عليكم فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم".هـ.

قال ابن حجر: وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ الدَّاعِي إِذَا كَانَ ظَالِمًا عَلَى مَنْ دَعَا عَلَيْهِ لَا يُسْتَجَاب دُعَاؤُهُ ، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى : ( وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال )(فتح الباري ج18ص 201)

8- إنكارهم على تبديل القبلة والاعتراض على أحكام الله :

من أفعال اليهود المشينة هي ازدراءهم لما ينزل من أحكام أو نسخ لحكم قديم بحكم جديد. ويترصدون لأي حدث يمكن أن يستثمروه لصالحهم أو يمكنهم الطعن في الدين من خلاله, ولكن في كل مرة والحمد لله يرجع كيدهم إلى نحورهم ومن هذه الأمثلة قضية نسخ الكعبة .

فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ }

فتوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ وَهُمْ الْيَهُودُ : { مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }.

قال الإمام السعدي : فأخبر تعالى أنه سيعترض السفهاء من الناس، وهم الذين لا يعرفون مصالح أنفسهم، بل يضيعونها ويبيعونها بأبخس ثمن، وهم اليهود والنصارى، ومن أشبههم من المعترضين على أحكام الله وشرائعه،(محاسن التاويل ص22 )

وقال الشيخ ابن عثيمين : و{ السفهاء } جمع سفيه؛ وهو الذي لا يحسن التصرف لنفسه؛ وكل من خالف الحكمة في تصرفه فهو سفيه؛ فهؤلاء السفهاء سفهاء في دينهم؛ وقد يكونون في المال جيدين؛ وسفه الدين بينه الله سبحانه وتعالى بقوله تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه} البقرة: 130 .هـ.

9- سحر الرسول صلى الله عليه وسلم:

من الأساليب الخسيسة والوضيعة التي اتبعها اليهود في حربهم للرسول صلى الله عليه وسلم والتي تنم عن عدم الانتماء لأي دين سماوي فضلا عن الإيمان به, هو سحرهم للرسول صلى الله عليه وسلم على يد لبيد بن أعصم وهذه الحادثة روتها عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ قَالَ سُفْيَانُ وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا فَقَالَ يَا عَائِشَةُ أَعَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلْآخَرِ مَا بَالُ الرَّجُلِ قَالَ مَطْبُوبٌ قَالَ وَمَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ وَفِيمَ قَالَ فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ قَالَ وَأَيْنَ قَالَ فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ قَالَتْ فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ فَقَالَ هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ قَالَ فَاسْتُخْرِجَ قَالَتْ فَقُلْتُ أَفَلَا أَيْ تَنَشَّرْتَ فَقَالَ أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ شَرًّا(رواه البخاري : باب هل يستخرج السحر ).

وفي رواية ذكرها الشيخ الألباني في الصحيحة رقم 2761 : كان رجل [ من اليهود ] يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ، [ و كان يأمنه ]، فعقد له عقدا ، فوضعه في بئر رجل من الأنصار .

فانظر أخي إلى غدر اليهود لقد كان يأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخله بيته فقابل الإحسان بالاساءة وهذا ديدن يهود .

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو الخلق الكريم لم يعاقبه كما ذكرت الرواية: و كان الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر له شيئا منه ، و لم يعاتبه[ قط حتى مات ] " .(الصحيحة رقم 2761).

و عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ قَالَتْ فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَنَزَلْتُ قُبَاءً فَوَلَدْتُ بِقُبَاءٍ ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا لِأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلَا يُولَدُ لَكُمْ,.

هذه الرواية تثبت أن تعاطي اليهود للسحر أمر مشهور عند المجتمع العربي المحيط بهم, ولعل هذه الإشاعة من تدبير يهود .

10- التحالف مع الكفار للقضاء على المسلمين :

ان من أخطر الأعمال التي قام بها اليهود هو تحالفهم مع المشركين من كفار قريش وغيرهم في حصار المدينة النبوية والتي سميت غزوة الخندق .

فقد تحول عدائهم من العداء القولي أو الفكري إلى العداء الفعلي وهذا يعني ان العداء قد بلغت ذروته فهم قد عقدوا العزم على اجتثاث تلك الدعوة المباركة بأي ثمن ولكنهم وكما في كل مرة رجعت الدائرة عليهم .

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله : وأَمّا قُرَيْظَةُ فَكَانَتْ أَشَدّ الْيَهُودِ عَدَاوَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَغْلَظَهُمْ كُفْرًا ، وَلِذَلِك جَرَى عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يَجْرِ عَلَى إخْوَانِهِمْ . وَكَانَ سَبَبُ غَزْوِهِمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا خَرَجَ إلَى غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَالْقَوْمُ مَعَهُ صُلْحٌ جَاءَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ إلَى بَنِي قُرَيْظَة َ فِي دِيَارِهِمْ فَقَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِعِزّ الدّهْرِ جِئْتُكُمْ بِقُرَيْشٍ عَلَى سَادَتِهَا ، وَغَطَفَان ُ عَلَى قَادَتِهَا ، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الشّوْكَةِ وَالسّلَاحِ فَهَلُمّ حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا وَنَفْرُغَ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ رَئِيسُهُمْ بَلْ جِئْتنِي وَاَللّهِ بِذُلّ الدّهْرِ جِئْتنِي بِسَحَابٍ قَدْ أَرَاقَ مَاءَهُ فَهُوَ يَرْعُدُ وَيَبْرُقُ فَلَمْ يَزَلْ حُيَيّ يُخَادِعُهُ وَيَعِدُهُ وَيُمَنّيهِ حَتّى أَجَابَهُ . فَفَعَلَ وَنَقَضُوا عَهْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَظْهَرُوا سَبّهُ فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ فَأَرْسَلَ يَسْتَعْلِمُ الْأَمْرَ فَوَجَدَهُمْ قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَكَبّرَ وَقَالَ أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ . (زاد المعادج3ص113) .

لقد كان عقاب بني قريظة قاسيا وذلك لعظم غدرهم, ألا وهو حكم سعد بن معاذ فيهم الذي حكم بحكم الله من فوق سبع سماوات . وهو قتل مقاتلتهم وسبي نسائهم .

11- استهداف أرواح المسلمين بالقتل :

كلما سنحت لليهودي فرصة في الانتقام من المسلم فإنه لا يدخر جهدا في فعل ذلك من قتل أو سرقة مال أو انتهاك عرض .

فعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَتَلَ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي الْقَلِيبِ وَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ فَأُخِذَ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ (رواه مسلم : باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر ) . وفي رواية البخاري : فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَهُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ هـ.

إن هذا اليهودي قتل تلك البنت الصغيرة قتلة بشعة تنم على عدم وجود أي شعور بالحس الإنساني فضلا على الشعور الديني لدى هؤلاء القوم .

12- استعمال الكلمات الصحيحة ويقصدون بها المعنى السيئ :

صدق الله إذ وصف اليهود بأنهم شياطين الأنس وكما سبق أن هذه أخلاق الجبناء الذين يفتقرون إلى الشجاعة في المواجة, وما ينم ذلك إلا بسبب انعدام الحجة وبطلان المذهب .

قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ * مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } . البقرة104 , 105.

يقول الإمام السعدي: كان المسلمون يقولون حين خطابهم للرسول عند تعلمهم أمر الدين: { رَاعِنَا } أي: راع أحوالنا، فيقصدون بها معنى صحيحا، وكان اليهود يريدون بها معنى فاسدا، فانتهزوا الفرصة، فصاروا يخاطبون الرسول بذلك، ويقصدون المعنى الفاسد، فنهى الله المؤمنين عن هذه الكلمة، سدا لهذا الباب، ففيه النهي عن الجائز، إذا كان وسيلة إلى محرم، وفيه الأدب، واستعمال الألفاظ، التي لا تحتمل إلا الحسن، وعدم الفحش، وترك الألفاظ القبيحة، أو التي فيها نوع تشويش أو احتمال لأمر غير لائق، فأمرهم بلفظة لا تحتمل إلا الحسن ... ثم توعد الكافرين بالعذاب المؤلم الموجع، وأخبر عن عداوة اليهود والمشركين للمؤمنين، أنهم ما يودون { أَنْ يُنزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ } أي: لا قليلا ولا كثيرا { مِنْ رَبِّكُمْ } حسدا منهم، وبغضا لكم أن يختصكم بفضله فإنه { ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } ومن فضله عليكم، إنزال الكتاب على رسولكم، ليزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون، فله الحمد والمنة.(محاسن التأويل ص 61).

تتمة الموضوع في الجزء الثالث ...

الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج1


الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة اليهود ج1

وليد ملحم

بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:

إن دراسة كيفية استقبال اليهود للدين الجديد الذي قدم إلى المدينة النبوية وكيف تعاملوا معه تعطي الفرد المسلم الزاد المعرفي عن أخلاق اليهود وكيفية تعاملهم مع المخالف خاصة إذا كان مسلما, كما تعطي الخلفية الأخلاقية وما تنطوي عليه نفسية اليهودي من خبث وشر, حيث لم يسلم من هذه العقدة إلا القليل منهم , وبذلك يعرف خطأ من فرق بين اليهود والصهاينة حيث حدد ان العداء هو بين العرب والصهاينة وليس بين المسلمين واليهود !!,.

فإذا كان من ينتظرونه ويعرفونه كما يعرفون أبنائهم وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم, وشاهدوا بأم أعينهم الآيات البينات التي تدل على صدقه عاملوه معاملة غاية في الخسة , رغم صدقه ووفائه معهم فكيف بنا نحن أتباعه في هذا القرن !! ومن اغتصبت أرضنا على أيديهم .

لقد سمعت بإذني بعض أبناء شعبنا وقد تسربت إلى آذانهم أبواق الدعاية اليهودية , التي تصور اليهود على أنهم ذو أخلاق حميدة وصدق في المواعيد ووو الخ, فعسى ان تكون هذه الدراسة تعطينا الدروس عن صفات وطبائع القوم الحقيقية والتي لم تتغير رغم مرور العصور والدهور , والله ولي التوفيق .

من هم اليهود :

اليهود هم من انتسب إلى شريعة التوراة من بني إسرائيل وغيرهم (غيرهم لان هناك أقوام دخلت في اليهودية وليست من بني إسرائيل).

وهي أمة عاتية ومتمردة في أخلاقها وعلى كثرة من أرسل فيهم من الأنبياء إلا إنهم قابلو هذه النعم بالصد والإعراض حتى قال الله سبحانه وتعال فيهم{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }البقرة87.

قال الإمام السعدي: يمتن تعالى على بني إسرائيل أن أرسل لهم كليمه موسى، وآتاه التوراة، ثم تابع من بعده بالرسل الذين يحكمون بالتوراة، إلى أن ختم أنبياءهم بعيسى ابن مريم عليه السلام، وآتاه من الآيات البينات ما يؤمن على مثله البشر، { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } أي: قواه الله بروح القدس.(محاسن التاويل :ص 58).

ولقد لقي موسى عليه السلام منهم المعاندة وكثرة الجدل فبعد ان شاهدوا بأم أعينهم غرق عدوهم اللدود فرعون في معجزة عظيمة طلبوا بعدها عبادة الأصنام,وكما وصف هذا المشهد ربنا جل وعلا :{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ }الأعراف138 .

ورزقهم الله أعظم طعام المن والسلوى وبدون جهد ولا تعب فطلبوا أدنى منه قال جل وعلا {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }البقرة61.

وعبادتهم العجل, وقصة البقرة وتعنتهم في طاعة الأمر بذبحها حتى شدد الله عليهم, ورفضهم دخول الأرض المقدسة وغير ذلك من الحوادث التي تمردوا فيها على النبي الذي أرسل اليهم وكانت نجاتهم على يديه, فهي معروفة, فما بالك ببقية الأنبياء والرسل فهم قتلة الأنبياء, وما خاتم الرسل صلى الله عليهم وسلم عن مكرهم ببعيد ,حتى غضب الله عليهم ونعتهم في أعظم سورة في القرآن بالمغضوب عليهم .

ان اليهود وعلى مدى تاريخهم لم ينعموا بالاستقرار ورغد العيش إلا في كنف المسلمين فكانت خير فترات حياتهم عندما كانوا بالأندلس فهذا موسى بن ميمون الذي ولد بقرطبة واستقر في مصر ونشر معارفه هناك.

وقد رحل قسم من اليهود مع المسلمين إلى المغرب عند اجتياح القوات الصليبية للأندلس والقسم الآخر إلى تركيا حيث سموا يهود الدونمة الذين استقروا في الأستانة وسالونك و فتحت تركيا آنذاك أبوابها لهم ليعيشوا حياة هانئة مستقرة .

لكن الطبيعة اليهودية الماكرة تأبى إلا الغدر فبعد هذا الاحتضان من قبل المسلمين تآمر اليهود على الدولة العثمانية وقاموا بعض اليد التي مدت إليهم ومانراه اليوم من أفعالهم المشينة هو رد الجميل على كرم المسلمين لهم وصدق الله جل وعلا حيث قال {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }البقرة100.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وهؤلاء اليهود من أشد الناس عتواً ونفوراً، لأن عتو فرعون وتسلطه عليهم جعل ذلك ينطبع في نفوسهم، وصار فيهم العتو على الناس، بل وعلى الخالق عز وجل، فهم يصفون الله تعالى بأوصاف العيوب ـ قبحهم الله، وهم أهلها هـ.

أصل اليهود في المدينة:

كعادة اليهود أنهم كلما تجمعوا في مكان وسكنوا واستقروا فيه أزيلوا عنه قسرا لان الله كتب عليهم الشتات والتفرق بسبب ظلمهم وخبثهم قال تعالى {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الأعراف168

فيهود المدينة لم يخرجوا عن هذه السنة التي كتبها الله عليهم .

ان احد الأسباب المهمة لوجود اليهود في الجزيرة أنهم ممن هاجر من فلسطين بعد اجتثاث نبوخذ نصر الحاكم البابلي لهم في عام 589 ق-م فهربوا باتجاه بلاد الحجاز ووصلوا يثرب .أما الهجرة الثانية فكانت عام 70 م عندما هاجمهم الإمبراطور تيطس وشتت شملهم وانضموا إلى من سبقهم ممن هاجر إليها . و الهجرة الثالثة كانت بعد ان دمر الإمبراطور الروماني هارديان القدس ومنع اليهود من دخولها عام 132م حيث فر من نجا منهم إلى جزيرة العرب.

إذا يهود الجزيرة قدموا إليها على شكل موجات بشرية تبحث لها عن مستقر وهاربة من بطش أعدائها.

كان ممن سكن المدينة - حين نزلها الأوس والخزرج - من قبائل بني إسرائيل بنو عكرمة، وبنو ثعلبة، وبنو محمر، وبنو زغورا، وبنو قينقاع، وبنو زيد، وبنو النضير، وبنو قريظة، وبنو بهدل، وبنو عوف، وبنو الفصيص، فكان يسكن يثرب جماعة من أبناء اليهود، فيهم الشرف والثروة والعز على سائر اليهود، وكان بنو مرانة في موضع بني حارثة، ولهم كان الأطم الذي يقال له: الخال. وكان يقال لبني قريظة وبني النضير خاصة من اليهود: الكاهنان، نسبوا بذلك إلى جدهم الذي يقال له الكاهن،(الأغاني ج5ص 484).

كان لليهود تجمع آخر في (خيبر)، وعلى بعد مائة ميل من يثرب، التي كان يهودها يرتبطون بعلاقاتٍ وثيقةٍ ببني النضير، وكانوا يعيشون على الزراعة، وإن اشتغلوا أيضاً بتربية بعض الحيوانات، وكان يهود خيبر يسكنون في جماعات متفرقة، لكل مجموعة حصن خاص بها. أما المناطق الأخرى التي سكن فيها اليهود، مثل فدك وتيماء ووادي القرى، فكانت واحات صغيرة، تقطنها جماعات يهودية محدودة العدد، وبالرغم من قلة المعلومات عنهم، فإن الدلائل تشير إلى التشابه الكبير بين طبيعة حياتهم وحياة يهود يثرب.( أصول اليهود واليهودية في العالم العربي)

لقد اهتم يهود يثرب بالزراعة وخاصة النخيل وبعض الصناعات التي يتقنونها وتحسن وضعهم الاقتصادي بعد استقرارهم في يثرب وبنو الحصون والآطام التي تحميهم من الاعتداء الخارجي.

الأوس والخزرج:

الأوس والخزرج هم أهل المدينة الأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتضنوا الدعوة الإسلامية وآزروها ونزل في فضلهم من كلام الله {... وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }الأنفال74 وقال جل وعلا {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9 .

واصل الأوس والخزرج من اليمن حيث ولد ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، رجلا فسماه حارثة بن ثعلبة. فولد حارثة بن ثعلبة رجلين: الأوس والخزرج، وهما همدان الحيان، اللذان يعرفان بالأنصار. وعنهما تفرقت بطون الأنصار.(الأنساب للصحارى ج1 ص178)

قال الأمام السعدي رحمه الله: وبين أنصار وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا بالله ورسوله طوعا ومحبة واختيارا، وآووا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنعوه من الأحمر والأسود، وتبوأوا دار الهجرة والإيمان حتى صارت موئلا ومرجعا يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر، فلم يزل أنصار الدين تأوي إلى الأنصار، حتى انتشر الإسلام وقوي، وجعل يزيد شيئا فشيئا، وينمو قليلا قليلا حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان والقرآن، والبلدان بالسيف والسنان.(تفسير الكريم المنان ج1 ص850)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تختلف مراتب الصحابة لقوله تعالى:(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ انفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أولَئِكَ أعظم دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أنفقوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى )(الحديد: من الاية10) . وسبب اختلاف مراتبهم : قوة الإيمان والعلم والعمل الصالح والسابق إلى الإسلام .

أفضلهم جنسا المهاجرون ثم الأنصار؛ لان الله قدم المهاجرين عليهم فقال تعالى : (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ والأنصار)هـ.

وفي فضل الأنصار قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَاخْتَرْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ(رواه البخاري عن انس رضي الله عنه :باب غزوة الطائف ).

فالأوس والخزرج قبيلتان قحطانيتان هاجرتا من اليمن من مملكة سبأ على اثر خراب سد مأرب في القصة المشهورة. وقدموا المدينة التي كان يسكنها آنذاك اليهود الذين سمحوا لهم بالمقام قريبا منهم بين الحرة الشرقية وقباء للاستفادة منهم في الزراعة وغيرها من الأعمال ولكن الأوس والخزرج تحسن حالهم وأصبحوا منافسين لليهود في المدينة .

وبعد عقد صلح فسخه اليهود أعقبه قتال بين الطرفين حيث استنجد مالك بن العجلان ببني عمومته الغساسنة في الشام على اثر ذلك كسرت شوكة اليهود.

وكعادة اليهود في المكر والدهاء وإثارة الفتن قرر اليهود إذكاء الفتنة بين الأوس والخزرج ونجحوا في ذلك حيث نشبت معارك طويلة بين الطرفين كان اليهود من يوقد أوارها .

بدأت تلك المعارك بحرب سمير وكان أخرها حرب بعاث قبل الهجرة بخمس سنين وبين هاتين الحربين نشبت أكثر من عشرة حروب وكانت أشدها وآخرها هي بعاث. وبعد هذه الحرب سئموا الفتن و القتال وجنحوا للصلح والسلام واتفقوا ان يتوجوا ابن أبي سلول ملكا عليهم ولكن شاء الله أمرا ان يقدم الرسول صلى الله عليه للمدينة وانتهت الفتن ودام الأمن والأمان.

اليهود واستقبالهم للرسول صلى الله عليه وسلم:

قبل البعثة النبوية المباركة واليهود يبشرون العرب الجاهليين بقدوم نبي آخر الزمان وكما قال تعالى : {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ }البقرة89.

وقال تعالى :(ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) من التوراة هو القرآن (وكانوا من قبل) قبل مجيئه (يستفتحون) يستنصرون (على الذين كفروا) يقولون اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث آخر الزمان (فلما جاءهم ما عرفوا) من الحق وهو بعثة النبي (كفروا به) حسدا وخوفا على الرياسة وجواب لما الأولى دل عليه جواب الثانية (فلعنة الله على الكافرين)( تفسيرالجلالين).

ولكن كعادة اليهود العاتية المتمردة رفضوا إتباع هذا النبي الكريم الذي جاءت صفاته موافقة لما في كتبهم وكانوا يتوعدون به .

قال الشيخ الألباني رحمه الله: قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا :

إن مما دعانا إلى الإسلام - مع رحمة الله تعالى وهداه لنا - لما كنا نسمع من رجال يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وارم . فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم.

فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزلت هذه الآية : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) البقرة : 89 (صحيح السيرة للألباني ج1ص 57)

وروى أبو نعيم في ( الدلائل ) عن محمد بن سلمة قال :

لم يكن في بني عبد الأشهل إلا يهودي واحد يقال له : يوشع فسمعته يقول - وإني لغلام في إزار - : قد أظلكم خروج نبي يبعث من نحو هذا البيت - ثم أشار بيده إلى بيت الله - فمن أدركه فليصدقه.

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا وهو بين أظهرنا لم يسلم حسدا وبغيا (صحيح السيرة للألباني ج1ص59)

فهذا حال اليهود يعرفون وينكرون بل يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبنائهم وكما قال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة146 ومن ثم يكذبونه بل ويحاربوه.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

قوله تعالى: { آتيناهم } أي أعطيناهم؛ والمراد بـ{ الكتاب } التوراة، والإنجيل؛ والذين أوتوهما اليهود، والنصارى؛ وإنما كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم؛ لأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، إلى آخر ما ذكر من أوصافه التي عرفوه بها كما يعرفون أبناءهم؛ وعبَّر بقوله تعالى: { يعرفونه } بالفعل المضارع؛ لأن معرفتهم به تتجدد كلما تأملوا آياته، وصفاته؛ وعبر بقوله تعالى: { يعرفونه }؛ لأن الغالب أن (العلم) يعبر به عن الأمور المعقولة التي تدرك بالحس الباطن، و(المعرفة) يعبر بها عن الأمور المحسوسة المدركة بالحس الظاهر؛ فأنا أقول لك: (أعرفت فلاناً)؛ ولا أقول لك: (أعلمت فلاناً)؛ لكن أقول: (أعرفت فلاناً فعلمت ما فعل)؛ فهنا جعلنا العلم في الفعل؛ و{ أبناءهم } جمع ابن؛ وخصه دون البنت؛ لأن تعلق الإنسان بالذّكَر أقوى من تعلقه بالأنثى؛ فهو به أعرف.

قوله تعالى: { وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } يعني طائفة منهم تكتم الحق أي يخفونه، فلا يبينونه؛ ولهذا ذكر الله في سورة آل عمران أن بعضهم يقول لبعض: كيف تبينون الهدى لمحمد، وأصحابه؟! إذا بينتموه يحاجوكم به عند الله أفلا تعقلون! فهم يتواصون بالكتمان والعياذ بالله هـ.

رغم كل هذه الآيات التي تدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم والمعلومة عند اليهود لم يرضوا إلا بالتآمر عليه صلى الله عليه وسلم ومحاولة ايذاءه بكل السبل اليهودية الماكرة ولكن كان حفظ الله لرسوله لهم بالمرصاد.

روى البيهقي في دلائل النبوة عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ ، أَنَّهَا قَالَتْ : " لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِ أَبِي وَعَمِّي أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِمَا مِنِّي، لَمْ أَلْقَهُمَا قَطُّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا أَهَشُّ إِلَيْهِمَا إِلا أَخَذَانِي دُونَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ قُبَاءَ نَزَلَ قَرْيَةَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، غَدَا إِلَيْهِ أَبِي وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ مُغَلِّسَيْنَ، فَوَاللَّهِ مَا جَاءَانَا إِلا مَعَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَجَاءَانَا فَاتِرَيْنِ كَسْلانَيْنِ سَاقِطَيْنِ، يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى، فَهَشَشْتُ إِلَيْهِمَا كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَوَاللَّهِ مَا نَظَرَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَسَمِعْتُ عَمِّيَ أَبَا يَاسِرٍ، يَقُولُ لأَبِي : أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ : نَعَمْ، وَاللَّهِ، قَالَ : تَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ وَصِفَتِهِ؟ فَقَالَ : نَعَمْ، وَاللَّهِ، قَالَ : فَمَاذَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ، قَالَ :عداوته والله ما بقيت. (دلائل النبوة للبيهقي ص430).

هذا هو حال اليهود وموقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم والى قيام الساعة ,عداوته وبغضه له ولأتباعه من بعده , بدون سبب سوى الحسد والبغض كما هي عادتهم .