بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات السياسة الإسرائيلية تجاه الآثار والتراث الفلسطيني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السياسة الإسرائيلية تجاه الآثار والتراث الفلسطيني. إظهار كافة الرسائل

2014-06-06

السياسة الإسرائيلية تجاه الآثار والتراث الفلسطيني

السياسة الإسرائيلية تجاه الآثار والتراث الفلسطيني

منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967 عمد اليهود إلى السيطرة على كافة مقدرات الشعب الفلسطيني، بما فيها الآثار، وعمدوا إلى تزوير الحقائق، والبحث عن آثار مزعومة تثبت جذورهم في هذه الأرض، وقد أخفت إسرائيل الآثار التي تتناقض مع الروايات والأساطير الصهيونية.

وفي الصراع الدائر على الحفاظ على التراث والآثار الفلسطينية من السرقة والتزوير، سوف نتطرق لأكثر من نموذج حاولت فيه إسرائيل تغيير الحقائق والسيطرة على هذه الآثار.

الاستيطان في سلوان: استيطان عن طريق السياحة
تعتبر بلدة سلوان المقدسية من أبرز المواقع الفلسطينية في القدس استهدافاً، بعد المسجد الأقصى.

وتركز الجماعات الاستيطانية والبلدية جهودها لتكريس الاستيطان وتغيير معالم البلدة. وحيث تنوي البلدية تنفيذ حفريات جديدة تبدأ من شارع الشهيد سامر سرحان (الفاصل مابين حي البستان ووادي حلوة). وتتذرع بلدية القدس بمشاريع وهمية للتغطية على أهدافها ومخططاتها الاستيطانية؛ فهي تعكف الآن على تنفيذ مشروع مجاري، الهدف منه التنقيب على الآثار وسرقتها.

ولم تنته عمليات الحفر منذ سنوات، وتتعاون مع البلدية جمعية "العاد" الاستيطانية، التي تعمل على إثبات أن أجزاء من سلوان كانت "مملكة داود"، بالرغم من أن علماء أثار إسرائيليون يختلفون على دقة وصدق رواية مملكة داود في سلوان. ونشير إلى أن سلطة الآثار الإسرائيلية وجمعية العاد الاستيطانية تسيطر على معظم المواقع الأثرية والسياحية في بلدة سلوان؛ ففي "عين سلوان الفوقا"، جنوبي المسجد الأقصى، تنوي جمعية العاد الاستيطانية، وفق حديث "حركة السلام الآن"، استكمال خطة مشروع "موقف جفعاتي " ببناء مركز سياحي؛ وكذلك بناء بناية ضخمة في حي وادي حلوة، ويعدّ هذا الاستيطان السياحي التي تقوم به جمعية العاد الاستيطانية، وبدعم من الحكومة والبلدية الإسرائيليين، جزءاً من السيطرة على الحوض المقدس حسب مزاعم جمعية العاد الاستيطانية.

استيطان في عش غراب لسرقة وإخفاء المعالم الأثرية
يقع عش غراب، في بيت لحم، على الأراضي الشرقية لبيت ساحور، التي تشتهر بحقل الرعاة الذين بشروا بميلاد المسيح علية السلام.
واستخدم الإسرائيليون الموقع معسكرًا لجيشهم، بعد الاحتلال عام 1967، وأسموه معسكر "شيدما"، وأصبح خلال انتفاضة الأقصى، أحد المواقع العسكرية الهامة بالنسبة للإسرائيليين؛ فقد وضعت إسرائيل يدها على جميع محاور جبل عش غراب والأراضي المتاخمة له، ومنعت أعمال البناء بالقرب من المكان، وأصبحت مساحة المعسكر 450 دونمًا، تم تسييجها بالأسلاك الشائكة. وبمحاذاة المعسكر أقيمت مستوطنات يهودية، وشقت شوارع لخدمة المستوطنين، وربط مستوطنات القدس معًا.

مقبرة بيزنطية محفورة في الصخر
وأدخلت سلطات الاحتلال تحصينات على المعسكر، وتحول إلى قلعة عسكرية، ففي أثناء حفر منصة إطلاق للدبابات، تم اكتشاف مقبرة بيزنطية محفورة في الصخر، يوجد داخلها عدة قبور مستطيلة متوازية، حفرت في الحجر الكلسي، وعثر في أحدها على هيكل عظمي لإنسان، وثلاثة قناديل فخارية سليمة، عليها كتابة باليونانية.

وكشفت المقبرة من قبل جندي من سلاح الهندسة، وهو يعمل على إنشاء منصة إطلاق للدبابة، حين لاحظ عندما جرف كمية تراب كبيرة وجود فتحة مستطيلة وسط التراب، وفوجئ عندما نظر بداخلها بوجود درج يقود لمغارة ارتفاعها أكثر من مترين. وتم استدعاء عالم الآثار شاحر بص، (المسؤول الإسرائيلي عن الآثار في الضفة الغربية)، واعتبر الاكتشاف مهمًا جدا، وقال: إن هذه المقبرة بقيت مغلقة طوال 1500 عام، وعمليا فان الزمن فيها توقف، حتى تم العثور عليها، واعتبر أن هذه الحقيقة ستتيح لعلماء الآثار معرفة الكثير من عادات الدفن في الفترة البيزنطية. وتوجد في الموقع أقنية محفورة في الصخر، وبقايا معاصر زيت منقورة في الصخور أيضًا، وهناك مؤشرات مؤكدة على وجود مغر محفورة في الصخور، ويستدل على ذلك مما يبرز من النحت في مداخلها. ولم يسمح الجيش الإسرائيلي للأثرين الإسرائيليين، بإجراء حفريات في المنطقة، في تلك الظروف التي كانت فيها الانتفاضة تتصاعد، وما عثر في هذا القبر رحل إلى المخازن الإسرائيلية المختصة.

في أثناء عمليات التحصين الواسع للمعسكر، برزت أمام سلطات الاحتلال قضية مهمة، وهي الآثار المسيحية في الموقع؛ فتم تدميرها بالكامل، وللتغطية على هذا الأمر، نشرت الصحف الإسرائيلية خبر اكتشاف القبر البيزنطي، وبأن الإسرائيليين حافظوا عليه بعد اكتشافه. وفي تحرك غير متوقع، اعتبر سابقة، غادر جنود الاحتلال المعسكر فجأة، يوم 20 نيسان (أبريل) 2006، وسحبوا معداتهم إلى معسكر آخر للجيش، بالقرب من إحدى المستوطنات، دون معرفة سبب ذلك.

مستوطنة باسم (شيدما) على أرض عش غراب.
في الخامس عشر من شهر أيار (مايو) 2008، اقتحمت مجموعات من المستوطنين بقيادة نادية مطر، (زعيمة منظمة "نساء بالأخضر" اليهودية المتطرفة)، أكثر من مرة، منطقة "عش غراب". ويزيد عدد هذه المجموعات عن 100 مستوطن تحميهم قوات الاحتلال، يترددون على عش غراب مصممين بناء مستوطنة تتصل مع مستوطنة "هار حوما" (جبل أبو غنيم)، ومع مستوطنات جنوب القدس.

متحف على طريق أريحا
على الطريق الصحراوي الممتد من القدس إلى أريحا في الضفة الغربية، يقع موقع أثري تاريخي تسيطر عليه "سلطة الآثار الإسرائيلية". ويحتوي الموقع على أرضيات فسيفساء ملونة مأخوذة من كنائس العهد البيزنطي ومعابد ونقوش وعملات رومانية وصناديق حجرية مدفونة، تمت استخراجها ونبشها من قبل علماء الآثار الإسرائيليين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وتم تزوير اسم المكان؛ حيث يُحدَد حسب الزعم الإسرائيلي، بأنه المكان المذكور في قصة (السامري الصالح) التوراتية الشهيرة، و قالت صحيفة "واشنطن بوست": إن الآثار ملك للفلسطينيين، رغم مرور أكثر من 45 سنة من الاحتلال الإسرائيلي وسيطرتها على المتحف، وان تنازعًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشأن قطع فنية أثرية من التراث المتنازع عليه، معروضة في المتحف.

جبل هيروديوس “الفرديس”
يقع في جنوب شرق بيت لحم، ويحتوي في منتصفه على قلعة رومانية بناها الإمبراطور الروماني هيروديوس. ويمكن اعتبار فترة حكم هيرودوس لتلك المنطقة في تلك الحقبة، التي شملت بالإضافة إلى فلسطين، شرق الأردن وجنوب سوريا - أول استقلال ذاتي للبلاد؛ ففي فترة حكمه، منع تطبيق الشرائع اليهودية في المسائل المدنية، وتم حصرها في القضايا الدينية، وبذلك اعتبر حكمه نوعاً من الحكم العلماني، وطبق القوانين الرومانية على رعاياه، واختار معاونيه من الأدوميين والفينيقيين والمصريين.

وبني قصر هيروديون على تله اصطناعية، ويطلق عليه السكان المحليون اسم "جبل الفريديس"، وله تسمية أخرى هي (جبل الإفرنج) وهو مخروطي الشكل، قطره 290 قدمًا، ويمكن منه رؤية مواقع في القدس وغور الأردن وجبال مؤاب الأردنية والبحر الميت، ومناطق مختلفة من بيت لحم والمدن والقرى المجاورة لها، بالإضافة إلى قرى وخرب عرب التعامرة؛ ويوجد به بقايا غرف وحمامات وأبراج مراقبة، وقد عملت سلطات الاحتلال على إغلاقها.

وبالقرب من هذا القصر"هيروديوس" هناك أيضا أماكن أثرية عدة، مثل: مغارة خريطون الكبيرة والضخمة، التي تقع في واد يحمل اسم "خريطون". وعثر في كهوف في تلك المنطقة على آثار موغلة في القدم، اعتبر الباحثون أنها تعود إلى عصور ما قبل التاريخ.
وأيضا ً هناك كثير من الخرب الأثرية المهملة والتي تعرضت للتنقيب على أيدي لصوص الآثار، وعلى أيدي المحتلين أيضًا، ووجدت بها آثار رومانية وإسلامية وعربية.

تُهمل السلطات الإسرائيلية قصر هيروديون؛ لأسباب تتعلق بالإيديولوجية، وبعلم الآثار الإسرائيلي المعتمد على الكتاب المقدس. ويمكن أن يلاحظ زائر القصر الإهمال من حيث عدم الترميم، وإغلاق أجزاء هامة منه، مثل: الحمامات الفريدة الساخنة والباردة والتي حيرت الباحثين في كيفية إيصال المياه إليها من الأسفل وهي تقع على مرتفع.

مستوطنة (آل ديفيد)
وتوجد على الموقع الأثري حراسة إسرائيلية تنظم دخول الزائرين إلى الموقع، ومعسكر للجيش، لأغراض تتعلق بالسيطرة الاحتلالية على تلك المنطقة، ولحماية المستوطنات التي زرعوها في تلك المنطقة، ومنها ما هو ملاصق للقصر، مثل: مستوطنة تدعى "آل ديفيد"، يسكنها مهاجرون يهود من روسيا، وبين الوقت والآخر يصادر المستوطنون مزيدا ً من الأرض، ويضعون بنايات جاهزة تسيطر على آلاف الدونمات الممتدة في البرية حتى البحر الميت، وما زال الصراع على الأراضي القريبة من قصر هيرودوس مستمرا ً وقائما ً بين السكان المحليين، الذين لا يملكون غير أوراق ثبوتية. وما زالت تقام على الأراضي المصادرة بنايات تناقض تماماً الإرث المعماري الموروث والذي يقف قصر هيرودوس شاهداً عليه.

ويقارن هؤلاء بين ما يتعرض له قصر هيروديو من إهمال وحصار، وبين مدينة استيطانية أقيمت ليس بعيدًا. والمستوطنة هي "تكواع" المقامة على أراضي قرية تقوع الفلسطينية. ومن أجل توسيعها هدمت معظم منازل قرية (كيسان) الفلسطينية، وهدمت قرية كاملة تابعة لعرب "الرشايدة" الذين تمتد أراضيهم حتى البحر الميت وعادوا ليسكنوا في المغائر والكهوف، وتحولت أجزاء واسعة من هذه المنطقة إلى مناطق تدريب عسكرية لجيش الاحتلال، وكثيرا ً ما تؤدي مخلفات هذه التدريبات إلى سقوط قتلى وجرحى يعيشون بإعاقات دائمة يمكن رؤية كثير منهم في تلك المنطقة، ومن البؤر الاستيطانية الحديثة ما وقف خلفها المتطرف ليبرمان الوزير السابق في حكومة شارون ووضع بؤرة استيطانية حملت اسم (رحبعام زئيفي).

وتقع المنطقة على مخزون مائي كبير واحتياطي وافر من المياه الجوفية، وهذا أحد أسباب سيطرة حكومة الاحتلال على المنطقة وبناء المستوطنات وتوسيعها فيها، وشق الشوارع العريضة لربطها بمستوطنات في الخليل والقدس، وإحداث تغيير جوهري في جغرافية المنطقة، بالتالي استحداث جغرافية استيطانية جديدة تقوم على التطهير العرقي ضد السكان المحليين.

وتستعين الاسرائيليون من أجل ذلك بخلق واقع (توراتي) جديد في المنطقة، وتحديد أماكن تزعم أنه ولد فيها أو رعى أو لعب أو مر أو مات بها، أنبياء أو زوجات أو أبناء أنبياء بني إسرائيل: أبطال العهد القديم. وهو ما يعدّ أحد أبشع جرائم العصور البشرية، والمستمرة حتى الآن. وفي السياسة يتم اختصار كل ذلك بوصفه (تغييرا ً للوضع القائم)، وهو أكبر، بأهدافه ووسائله وحجمه، من ذلك بكثير.