بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمع الفلسطيني والبحث عن الدولة - 1 -. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمع الفلسطيني والبحث عن الدولة - 1 -. إظهار كافة الرسائل

2014-04-13

المجتمع الفلسطيني والبحث عن الدولة - 1 -

المجتمع الفلسطيني والبحث عن الدولة
المجتمع الفلسطيني والبحث عن الدولة - 1 -
أ . د . ابراهيم ابراش*

الدولة الفلسطينية حالة خاصة بين الدول سواء من حيث التأريخ لها ككيان سياسي مستقل ومحدد المعالم، أو من حيث العلاقة ما بين الدولة والمجتمع فتداخل الهويات وتعدد الانتماءات وتعاقب أشكال الهيمنة والاحتلال في فلسطين، بالإضافة إلى واقع الشتات الذي يعانيه الشعب، كل ذلك يجعل مقاربة موضوع الدولة بعيدا عن العواطف والأيديولوجيات، أمرا محفوفا بمخاطر سوء الفهم والتشكيك. ومع ذلك وإنصافا للتاريخ وتحريرا له من الأيدولوجيا فالموضوع يحتاج إلى دراسات معمقة لتأكيد الحق الفلسطيني في دولة مستقلة من جانب، ولتبديد وهم مريح ينتاب البعض بان الدولة على الأبواب من جانب أخر.
مسألة الدولة ككيان قانوني وسياسي، كمؤسسات وسلطات سياسية وحدود وعلاقات دولية الخ، لم تشغل كثيرا المفكرين السياسيين ولم توضع ضمن سلم اهتمامات الفصائل الفلسطينية، حيث أنشغل الجميع بموضوع تحرير الوطن وإقامة الدولة على حساب الانشغال بالدولة بحد ذاتها وبقضايا المجتمع الفلسطيني، وهذا يفسر أيضا ندرة الدراسات السسيولوجية حول الدولة الفلسطينية. هذا وقد مرت فكرة الدولة بعدة مراحل سنشير إليها حسب التطور التاريخي للفكرة.

المبحث الأول
دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية

كثيرة هي المؤشرات الواضحة والدالة على أن الهدف الأساس لحركة المقاومة الفلسطينية عند انطلاقتها الأولى كان استنهاض الوطنية الفلسطينية وتوريط الأنظمة العربية في معركة التحرير، أما فكرة الدولة الفلسطينية فلم تكن حاضرة عند مفجري الثورة، حيث ان بعض الدول العربية لم توافق على تأسيس منظمة التحرير إلا بعد أن أعطتها هذه الأخيرة تأكيدات بأنها لن تمارس سيادة على الضفة وغزة، أضف إلى ذلك أن حالة المد الوطني والقومي كانت تحول ومجرد التفكير بدولة فلسطينية لا تشمل كل فلسطين، وهذا ما أكد عليه الميثاق الوطني الفلسطيني حيث رفض بشكل قاطع كل مشاريع التسوية بما فيها قرار التقسيم وقراري مجلس الأمن 242 و338 .
اصطدام الثورة الفلسطينية بالواقع، وخصوصا بعد أحداث الأردن وسلبية الموقف الرسمي العربي، دفع بحركة فتح -أكبر فصائل الثورة الفلسطينية- إلى تحيين الهدف الوطني الاستراتيجي ووضعه موضوع التداول والممكن ولكن من خلال صياغة جديدة له اعتقدت فتح أنها ستجد استحسانا من أطراف يهودية عالمية وأطراف دولية، وهذه الصياغة أو الهدف هو فلسطين الديمقراطية العلمانية التي تلحظ لليهود المقيمين في فلسطين نفس الحقوق التي هي للعرب الفلسطينيين، مع أن الثورة الفلسطينية بررت تبني هذا الهدف باعتبارات إنسانية، إلا أن الواقع يدل على أن السبب هو بداية تحسس فتح بعدم جدوى المراهنة على البعد القومي العربي الرسمي لوحده وكذا بروز تيار في الساحة الفلسطينية يراهن على ما سماهم اليهود غير الصهاينة ووجود إمكانية بالاعتماد عليهم لخلق نوع من المصالحة التاريخية ما بين اليهود والفلسطينيين.1

المطلب الأول: الجذور التاريخية للفكرة
تعتبر حركة فتح أول جهة فلسطينية تحدد هدف النضال الفلسطيني بإقامة دولة ديمقراطية تتعايش فيها كل الطوائف بتساو، ومع ذلك فان تفحص تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية قبل 1948 يشير إلى وجود مواقف تعبر عن نزعة إنسانية للتعايش بين جميع المواطنين بغض النظر عن الدين أو العرق، ففي الشهادة التي قدمها الفلسطينيون إلى لجنة (بيل) عام 1937، عبر الفلسطينيون عن رغبتهم بإقامة فلسطين موحدة ديمقراطية متعددة الأديان، ونفس الموقف عبرت عنه المذكرة التي قدمها حزب الدفاع الفلسطيني إلى لجنة وودهيد في مايو 1938، حيث طالبت المذكرة بإقامة دولة يتعايش فيها العرب واليهود بسلام وتضمن للجميع حقوقهم الدستورية والقانونية بغض النظر عن الديانة، وتكرر المطلب الفلسطيني بفلسطين الموحدة ألا طائفية عام 1948 خلال وساطة برنادوت لحل النزاع.
إلا أن حرب 1948 والبشاعة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، ورفض الإسرائيليين لأية إمكانية للتعايش مع الفلسطينيين في فلسطين واحدة، وما لحق بالشعب الفلسطيني من عذاب وآلام ومحن على يد الدولة الصهيونية، كل هذا خلق تراكمات من الأحقاد وآلا لام النفسية عند الشعب الفلسطيني والعرب عامة، وهو الأمر الذي تمخض عنه بحكم الواقع والمنطق، ظهور مواقف متشنجة تجاه اليهود عُبر عنها بأشكال الرفض المتكررة لأي تفاوض أو تعايش عربي معهم بل ودفع أحيانا ببعض التيارات السياسية لان تضع كل من اليهودية والصهيونية في سلة واحدة وتطالب بالثائر منهم - حركة القوميين العرب في الخمسينات-1 وفي ظل هذه الأجواء النفسية كان ولا بد أن يشوب الموقف الفلسطيني تجاه الإسرائيليين شيئا من الغموض اتسم بعدم التمييز -ولو من ناحية تكتيكية دعائية- بين اليهودية كدين وبين الصهيونية كحركة عنصرية فاشية تسعى لتجسيد نفسها ناطقة باسم اليهودية العالمية وممثلة لليهود في كل مكان، وبقي الفكر السياسي الفلسطيني في نظرته لمصير يهود فلسطين قاصرا عن تحديد موقف واضح، وكثيرا ما كان الحديث عن التحرير وما بعد التحرير يتسم بالغموض وأحيانا يعتبر من القضايا المؤجلة التي لم يحن الوقت لبحثها وتحديد موقف منها، وعليه كان مطلوب توضيح الصورة وتحديد موقف من يهود فلسطين بعد التحرير.
يعود الأساس والمنطلق لطرح مفهوم فلسطين الديمقراطية أذن إلى ضرورة وضع صياغة جديدة للتصور الفلسطيني لليهود، وإعادة تحديد لمعسكر الخصم ومعسكر الأصدقاء، وهذا راجع إلى طبيعة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، فخلافا لكل أنواع الاستعمار الأخرى، حيث كانت هزيمة قوات الاحتلال تؤدي إلى خروج القوات المستعمِرة وترك البلاد لأصحابها، فان طبيعة الاحتلال الاستيطاني الاجلائي لفلسطين كان يطرح بإلحاح إشكالية مصير اليهود في فلسطين، هؤلاء الذين لم يكونوا مجرد عدة آلاف من الجنود بل مجموعة بشرية متكاملة أو شعب قيد التكون، أقاموا في فلسطين وولدت أجيال فيها وقطعوا صلتهم ببلدانهم الأصلية وشكلوا أغلبية سكان فلسطين بحيث أصبح السكان الأصليين –الفلسطينيون- يشكلون أقلية، وبالتالي كان من الصعب القول بأن التحرير يعني طرد كل اليهود من فلسطين، ذلك أن حل المشكلة الفلسطينية يجب ألا يكون على حساب خلق مشكلة يهودية جديدة ستوظفها القوى المعادية ضد الثورة وضد حركة التحرر العربية. ولأن الثورة الفلسطينية لا تخاطب فقط الشعب الفلسطيني بل تخاطب اليهود والرأي العام العالمي فكان عليها أن توضح تصورها لمصير اليهود في فلسطين بعد التحرير.
وحيث انه لم يعد من الممكن ومن المقبول أن تماطل الثورة الفلسطينية كثيرا حول طبيعة فلسطين الغد حيث كانت اليهودية العالمية تستغل هذا السكوت لمصلحة دولة الإحتلال "إسرائيل"، فقد طُرح بشكل جدي ومسئول ضرورة تحديد موقف، ومن هنا كلفت حركة التحرر الوطني الفلسطيني "فتح" أحد قادتها -أبو إياد- بطرح فكرة فلسطين الغد، وتم الإعلان لأول مرة عن الفكرة في مؤتمر صحفي عقده أبو اياد يوم العاشر من أكتوبر 1968، أعلن فيه أن الهدف الاستراتيجي للثورة الفلسطينية هو دعم إنشاء دولة ديمقراطية على امتداد فلسطين التاريخية، يعيش فيها العرب واليهود في وفاق دون أي تمييز عنصري1.
وبهذا حددت "فتح" هدفا فلسطينيا خالصا للنضال متجاوزا الغموض والالتباس السابقين، وقد أعادت تأكيد هذا الهدف بصورة أكثر جلاء وتحديدا في بداية عام 1969 معلنة: (نحن نقاتل في سبيل إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية يعيش فيها الفلسطينيون بكل طوائفهم. مسلمين ومسيحيين ويهود في مجتمع ديمقراطي تقدمي، ويمارسون عباداتهم وأعمالهم مثلما يتمتعون بحقوق متساوية (وتأكيداً من فتح على إنسانية الهدف استطرد نفس البيان قائلاً): إن ثورتنا الفلسطينية لتفتح قلبها وفكرها لكل بني الإنسان الذين يريدون أن يعيشوا في المجتمع الفلسطيني الحر الديمقراطي وان يناضلوا في سبيله بصرف النظر عن اللون أو الدين أو العرق2.
وقد أشارت كافة التصريحات الصادرة عن "فتح" بخصوص الدولة الديمقراطية على أن المكون الأساس لمفهوم دولة فلسطين الديمقراطية، هو تأكيد الطابع الإنساني للثورة الفلسطينية، وإبطال دعاوى الحركة الصهيونية التي تسعى لوضع كل اليهود في سلة واحدة وبالتالي اعتبار أن المصلحة اليهودية في احتلال فلسطين واحدة، ولا حل للمسألة اليهودية إلا بفلسطين اليهودية الصافية التي تمتد من النيل إلى الفرات لتتمكن من استيعاب أكبر عدد من يهود العالم،كما سعت "فتح" إلى تحطيم الفكرة الخاطئة عن هدف الثورة الفلسطينية بأنها ضد اليهودي بغض النظر عن معتقداته أو أفكاره، ووضحت "فتح" أنها ضد الصهيونية كأفكار عنصرية شوفينية، وليست ضد اليهودية كدين، كما أكد أبو إياد في مقابلة له مع مجلة الطليعة المصرية، بان الثورة الفلسطينية تستنكر اضطهاد الإنسان، والتمييز العرقي والديني، وأبدى استعداد "فتح" لتقديم العون إلى اليهود وتزويدهم بالسلاح والقتال إلى جانبهم ضد مضطهديهم.
يبدو أن فكرة التعايش بين اليهود والعرب في دولة واحدة لم تُستوعب جيدا من أطراف فلسطينية وعربية عديدة إلا بعد مرور بعض الوقت، ذلك أن الإحساس العام الفلسطيني والعربي بقي مشبعا بصور القهر والاضطهاد والوحشية التي أنزلها الإسرائيليون بالعرب، فذكرى دير ياسين وكفر قاسم ومآسي حربي 1956 و1967وفقدان الأرض والوطن ومعاناة التهجير الخ استمرت عالقة بالأذهان، بل إن كل يوم جديد يمر يأتي معه بمزيد من الألم النفسي الدافع للحقد على الإسرائيليين والرافض لأي فكرة للتعايش معهم. وغالبا فإن المواطن العادي لا يعنيه كثيرا أو يحفل بأن يدقق في هوية الإسرائيلي صهيوني هو أم لا. فمن يقيم على ارض فلسطين ويُشرد أصحابها ليحل محلهم هو مستعمِر صهيوني بغض النظر عن معتقداته الفكرية والأيديولوجية، لان هويته الاستعمارية وصهيونيته العملية تكمن في تواجده في فلسطين مختارا، وبناء على هذا، من الصعب إزالة تراكمات سنين طويلة من العداء والتوتر بمجرد رفع شعار إنساني حضاري، وخصوصا أن هذا الموقف الإنساني الفلسطيني لم يعره الطرف الآخر كبير اهتمام أو يتجاوب مع دوافعه الإنسانية بمواقف إنسانية متشابهة.
لا ريب أن طرح شعار الدولة الديمقراطية العلمانية وإن كان يعبر عن مواقف إنسانية وحل حضاري إلا أن تحويله إلى واقع كان بحاجة إلى تغيير جذري في المواقف والعقليات والى حدوث مصالحة تاريخية ودينية، وهو الأمر الذي وضحه ياسر عرفات في كلمته المشهورة في الأمم المتحدة عام 1974، فبعد أن أكد على المكون الإنساني لهدف الثورة الفلسطينية بإقامة دولة ديمقراطية قال "إننا ندين كل الجرائم التي ارتكبت ضد اليهود وكل أنواع التمييز الصريح والمقنع الذي عانى منه معتنقو اليهودية"، ولكنه أوضح في نفس الوقت الصعوبات التي تواجه تحقيق هذا الهدف الذي يبقى كحلم بعيد المنال، حيث استطرد قائلا "فلماذا لا أحلم يا سيدي الرئيس، وآمل والثورة هي صناعة تحقيق الأحلام والآمال. فلنعمل معا على تحقيق الحلم في أن أعود مع شعبي من منفاي لأعيش مع هذا المناضل اليهودي ورفاقه، ومع هذا المناضل الراهب المسيحي وإخوانه، في ظل دولة واحدة ديمقراطية يعيش فيها المسيحي والمسلم في كنف المساواة والعدل والإخاء".
بعد جدل واسعة داخل صفوف الثورة الفلسطينية استطاعت "فتح" وبدعم من القوى الفلسطينية، أن تدمج شعار فلسطين الديمقراطية ضمن قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية ويصبح بالتالي هدفا استراتيجيا للثورة الفلسطينية، ولكن إلى حين.

المطلب الثاني: فلسطين الديمقراطية في مقررات المجالس الوطنية الفلسطينية
من المعلوم أن الميثاق الوطني الفلسطيني اهتم بتحديد طبيعة الصراع وأطرافه وباستراتيجية حل الصراع أكثر من اهتمامه بمستقبل فلسطين المحررة سواء فيما يتعلق بطبيعة نظام الحكم أو علاقة فلسطين ببقية الدول العربية، إلا أن بعض مواده تطرقت إلى اليهود الفلسطينيين وأعطت لهؤلاء الحق بالعيش في فلسطين المحررة، فالمادة الخامسة حددت أولا الفلسطينيين بشكل عام بأنهم "المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى عام 1947 سواء من اخرج منها أو بقي فيها، وكل من ولد لأب عربي فلسطيني"، ثم عرفت المادة الموالية اليهود الفلسطينيين انطلاقا من التعريف العام للفلسطينيين بالقول: "اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى بدء الغزو الصهيوني لها يعتبرون فلسطينيين".
ونظرا لما اعتبر نقصا آو غموضا في نصوص الميثاق فيما يتعلق بفلسطين المحررة وضح المجلس الوطني في دورته الرابعة -يوليو -1968-بأن هدف النضال الفلسطيني هو:
1- تحرير الأرض الفلسطينية بكاملها وممارسة سيادة الشعب العربي الفلسطيني عليها.
2- حق الشعب الفلسطيني العربي في أن يقيم لنفسه على أرضه المجتمع الذي يرتضيه وأن يقرر موقفه الطبيعي من الوحدة العربية.
مع أن فكرة الدولة الفلسطينية الديمقراطية بعد التحرير ظهرت عام 1968، إلا أنه لم يتم تبنيها رسميا إلا في الدورة الثامنة للمجلس الوطني الفلسطيني في مارس 1971، ذلك أن عام 1968 كان عام انتصارات ومد ثوري بالنسبة للثورة الفلسطينية الأمر الذي كان لا يعطي أي مبرر لشعار فلسطين الديمقراطية والذي اعتبر بمثابة تنازل عن مبادئ الثورة، كما أن شدة الصدام مع العدو كان يجعل أية فكرة للتعايش مع اليهود تجد رفضا لدى قطاع واسع من الفلسطينيين والعرب.
وهكذا بدأت القوى التي تتبنى هدف فلسطين الديمقراطية تعزز مواقعها داخل المجلس الوطني الفلسطيني وتؤثر على قراراته باتجاه الاقتراب من تبني الشعار المشار إليه رسميا، ففي الدورة الخامسة للمجلس حُدد هدف النضال الفلسطيني بأنه "إقامة المجتمع الديمقراطي الحر في فلسطين بجميع الفلسطينيين، مسلمين مسيحيين ويهود".، وفي الدورة السادسة للمجلس قدمت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مذكرة للمجلس حددت فيها أن هدف النضال الفلسطيني "إقامة دولة فلسطين الموحدة بعد إزالة الكيان الإسرائيلي وتقضي على التمييز العرقي والعنصري، وتعتمد على حل ديمقراطي للتناحر القائم يستند إلى تعايش الشعبين العربي واليهودي" وفي تقرير اللجنة السياسية والإعلامية للدورة السادسة للمجلس الوطني في القاهرة 1969 ورد بند حول الدولة الديمقراطية، إلا أنه لم يقَر من قِبل اللجنة الخاصة التي كلفت بدراسته، إلا أن البيان الختامي لهذه الدورة، أكد على إصرار الشعب الفلسطيني على "المضي في ثورته إلى أن يتم تحقيق النصر وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية البعيدة عن كل أشكال التمييز الديني العنصري".
بسبب اشتداد الأزمة في الأردن وحاجة الثورة الفلسطينية لتكتل كل قواها وعدم إثارة أي طرف فلسطيني أو عربي، أرجأت منظمة التحرير مسألة تبني هدف الدولة الديمقراطية بشكل رسمي، ومع أن البيان الصادر عن القيادة الموحدة لحركة المقاومة في مايو 1970 وازن ما بين ديمقراطية المجتمع الفلسطيني بعد التحرير وإيمان الفلسطينيين بالوحدة العربية، إلا انه حذر بأن المجتمع الصهيوني متعصب ومتشنج ومن الصعب أن تخرج منه قوى تقدمية يمكنها أن تُحدث تغييرا في مواقفه، هذا يعني التأكيد على أن هدف الثورة الفلسطينية هو تصفية الكيان الصهيوني سياسياً وعسكرياً واجتماعياً ونقابياً وثقافياً.
مع تفجر الصراع ما بين الثورة والنظام الأردني بعد سنوات من المحاولات الفاشلة لخلق نوع من التعايش بين الطرفين وهو صراع كان حتميا نظراً للتناقض الحاد بين الطرفين فكراً وممارسة، بدأت الثورة تشعر أن مواقعها التي بنت عليها مجمل استراتيجيتها معرضة للانهيار والتصفية، وأن التحرير أبعد مما كانت تتصوره، هذا الأمر دفع بالإضافة إلى عوامل أخرى إلى تعزيز طرح فلسطين الديمقراطية وإلى البحث عن دعم الرأي العام الدولي وعن أنصار للنضال الفلسطيني داخل صفوف الإسرائيليين، بعد أن ثبت أن بعض الأشقاء العرب أكثر قسوة من الإسرائيليين ! وإن كان من ضمن أسباب تردد الثورة الفلسطينية في تبني هدف فلسطين الديمقراطية أخذها بعين الاعتبار رفض التيارات المحسوبة على الأنظمة العربية لهذا الهدف، فإن سلبية الواقع العربي تجاه المجزرة التي حلت بالفلسطينيين في الأردن 1 لم يترك مبررا لمراعاة مواقف الآخرين، فالثورة انطلاقا من تقييمها الخاص للمرحلة التي تمر بها ولمصالحها، تبنت بثبات هدف فلسطين الديمقراطية ضاربة بعرض الحائط كل الاعتراضات التي انصبت على هذا الهدف الشعار-.
بخروج حركة المقاومة الفلسطينية من الأردن لم يبق مبرر للاستمرار في سياسة الغموض والتردد التي وسمت فكر الثورة قبل ذلك، وأصبحت الثورة مطالبة بتوضيح مواقفها واستراتيجيتها تجاه عدد من القضايا الحيوية ومن بينها شعار الدولة الفلسطينية الديمقراطية، وكانت الدورة الثامنة للمجلس الوطني فرصة لوضع النقاط على الحروف بالنسبة لعدد من المسائل، وكان أهمها تبني شعار فلسطين الديمقراطية بصورة رسمية، فتحت عنوان مستقل (الدولة الديمقراطية الفلسطينية) أكد المجلس الوطني بأن الكفاح الفلسطيني ليس كفاحا عرقيا أو مذهبيا ضد اليهود ولهذا "فإن دولة المستقبل في فلسطين المحررة من الاستعمار الصهيوني هي الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي يتمتع الراغبون في العيش بسلام فيها بنفس الحقوق والواجبات ضمن إطار مطامح الأمة العربية في التحرير القومي والحدة الشاملة". وقد اعتبر أبو عمار تبني الدورة الثامنة للمجلس الوطني الفلسطيني لهدف فلسطين الديمقراطية بأنه حدث حضاري، إلا أن هذا لم يحسم الأمر بين التيارات المتعددة في الساحة الفلسطينية حيث كان هناك أعداء ومعارضون لهذا الشعار، كما تباينت الصورة حول مضمون الدولة الديمقراطية بعد التحرير وعلاقتها العربية وأيديولوجيتها الفكرية.

المطلب الثالث: شكل ومضمون فلسطين الديمقراطية
ولان حركة فتح هي التي طرحت لأول مرة هدف فلسطين الديمقراطية كان عليها أن توضح مفهومها للدولة المنشودة وأن تجيب على العديد من التساؤلات والاستفسارات التي أثارها هذا الهدف الجديد. في مقالات ثلاث نشرتها مجلة فتح نصف الشهرية في مطلع عام 1970 1 حاولت أن توضح مفهومها لفلسطين الديمقراطية إلا أنها في نفس الوقت أشارت إلى الصعوبات التي تكتنف هذا التحديد، والمجازفة التي تصاحب إعطاء تعريف واضح ومحدد في هذا الوقت لفلسطين الجديدة والمحررة وهي بهذا تُقر بالصعوبات التي تكتنف الوصول إلى هذا الهدف في ظل الواقع الصهيوني لدولة العدو، فقبول الصهاينة بالتعايش مع الفلسطينيين في دولة واحدة هو أمر يبقى غير معول عليه وفي عالم الغيب، ذلك أنه خلال سنوات الكفاح المسلح للوصول لهذا الهدف "هل سيزداد موقف اليهود الفلسطيني تصلبا أم أنه سيصبح أكثر مرونة وتقبلا للتغير؟".
وحتى لا تثير حركة فتح الأنظمة والحركات القومية والثورية العربية،وحتى لا يعتبر موقفها الجديد توددا لليهود وللغرب، رسمت فتح معالم فلسطين الغد التي سيتم تحريرها وإقامة المجتمع الديمقراطي فيها،فهي فلسطين المعروفة خلال الانتداب البريطاني، وهي لن تكون جزيرة منعزلة في بحر العالم العربي، بل أنها ستؤلف جزءا من العالم العربي وستتوحد في نهاية المطاف مع غيرها من البلاد العربية، كما أنها ستناهض الإمبريالية في المنطقة وستنضم إلى صفوف البلدان الثورية التقدمية، كما نفت فتح بشدة أن تكون الدولة المنشودة بديل عن تحرير كامل التراب الفلسطيني، فهي ستقام على كل فلسطين وهي بهذا ليست الضفة الغربية أو قطاع غزة المحتلتين أو الاثنين معا، ذلك أن فلسطين المحتلة سنة 1948 لا تقل أهمية عن الأجزاء المحتلة سنة 1967، كما أن فتح ترفض أي تفسير يمكن الاستشفاف منه القبول بدولة فلسطينية بجانب دولة الصهاينة وذلك "أن كل ترتيب يؤدي إلى تكييف مع دولة المستوطنين المعتدية هو ترتيب غير مقبول ومؤقت".
وبالنسبة لحق المواطنة في الدولة الديمقراطية، حددت فتح بوضوح "إن جميع اليهود والمسلمين والمسيحيين من المقيمين في فلسطين أو المشردين عنها بالقوة سوف يكون لهم الحق بالمواطنة الفلسطينية"، وهذا التحديد كما هو واضح يعطي الحق لجميع الفلسطينيين المغتربين بالعودة إلى فلسطين كمواطنين كاملي المواطنة، كما أنه يعطي هذا الحق لجميع الإسرائيليين المقيمين حاليا في فلسطين، أو يكونوا مقيمين عند التحرير. -وهم أغلبية سكان فلسطين- إلا أنه يشترط فيهم التخلي عن العقيدة الصهيونية الشوفينية. وقد أكد أبو اياد أن المواطنة الفلسطينية " لن تكون وقفا على اليهود التقدميين والمعادين للصهيونية فحسب، بل سوف تشمل الصهيونيين الحاليين من الذين يعربون عن استعدادهم للتخلي عن أيديولوجيتهم العنصرية. "هذا التفاؤل المبالغ فيه يدخل ضمن مراهنة الثورة الفلسطينية وتحديدا فتح على أن الكثير من اليهود الإسرائيليين سوف يغيرون مواقفهم ويؤيدون فلسطين الجديدة في نهاية المطاف.
وتوافقا مع فكر فتح وتصورها الأيديولوجي، فقد تجنبت تحديد نظام الحكم وأيديولوجية المجتمع الفلسطيني في فلسطين الديمقراطية ذلك أن الفلسطينيين أثناء مسيرة التحرير وبعد إنجاز النصر "سوف يقررون نظام الحكم وطبيعة التنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي في وطنهم المحرر"، إلا أنها أوضحت بأن فلسطين الديمقراطية والتقدمية لن تكن تيوقراطية أو إقطاعية أو أرستقراطية، كما أنها ستنبذ العنصرية والشوفينية، والاضطهاد أي كان نوعه، وتعتقد فتح بأن عملية التحرير هي التي ستفرز من تلقائها المناخ المطلوب لنظام حكمها المستقبلي "أن حرب التحرير الشعبية تولد القيم والمواقف الجديدة"1.
إلى جانب "فتح" حظي شعار فلسطين الديمقراطية كما أسلفنا بتأييد منظمات فلسطينية متعددة، أهمها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية، كما تعرض لانتقادات خصوصا من قِبل المنظمات القومية في الساحة الفلسطينية. بالنسبة للقوى المؤيدة ترى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن الدولة الفلسطينية الديمقراطية بعد التحرير تعني حرية العيش للمواطنين فيها بغض النظر عن الدين أو العرق، وهذا شيء محتم، لان كل يهودي يعيش في فلسطين مع وصول المعركة إلى نهايتها له حقوقه المتساوية والكاملة مع بقية سكان فلسطين من الأديان الأخرى، إلا أن الجبهة الشعبية في نفس الوقت تؤكد على ضرورة أن يأخذ شعار فلسطين كجزء من الوطن العربي ووحدته وحياته الاشتراكية مداه، وحذرت من إظهار فلسطين الديمقراطية وكأنها انتزاع لفلسطين من الوطن العربي، أو بناء كيان خاص ومنفصل ومزدوج القومية دون هوية عربية وذلك باسم الديمقراطية.1
وتولى الجبهة الشعبية اهتماما بالمكون الإنساني لشعار فلسطين الديمقراطية حيث ترى أن مضمون هذا الشعار وترجمته العملية هي في توفير حل ديمقراطي للمسألة اليهودية في فلسطين" وهذا يؤكد إنسانية ولا عنصرية حركة التحرر الفلسطينية، فهي غير معادية لليهود كيهود، ولا تستهدف أبادتهم أو رميهم في البحر كما تروج الدعاية الصهيونية، وإنما هدفها تحرير فلسطين من الصهيونية وإقامة مجتمع تقدمي ديمقراطي يوفر التحرر الاقتصادي والاجتماعي الكامل لكافة مواطنيه وهو بهذا يكون قد قدم الحل العلمي والحل الإنساني الديمقراطي التقدمي للمشكلة اليهودية"2.
كما أكدت الجبهة الشعبية على المضمون الأيديولوجي لفلسطين الغد التي ستحكمها المبادئ الماركسية اللينينية التي لا خيار عنها في مرحلة التحرير والنضال وفي مرحلة ما بعد التحرير، "فلسطين المحررة ستكون جزءا من مجتمع عربي ثوري جديد... إن المجتمع العربي الجديد الديمقراطي الاشتراكي سيكون قادرا بالاستناد إلى مبادئ الماركسية اللينينية على توفير الحل لكل مشكلات الفقر والتخلف والاضطهاد والاستغلال التي يعاني منها إنسان هذا الوطن... وأن اليهود في فلسطين بعد التحرر سيمارسون شأنهم شأن غيرهم كافة حقوقهم الديمقراطية كمواطنين في مجتمع ديمقراطي اشتراكي".
ومن نفس المنطلق تبنت الجبهة الديمقراطية شعار فلسطين الديمقراطية، بل كانت اسبق من الجبهة الشعبية في ذلك، ولعبت دورا مهما من أجل تثبيت هذا الشعار في مقررات المجالس الوطنية الفلسطينية، فقبيل انعقاد الدورة السادسة للمجلس الوطني في القاهرة قدمت الجبهة مشروع قرار للمجلس تحت عنوان (حل ديمقراطي للقضية الفلسطينية) دعت فيه إلى إقامة دولة فلسطينية الموحدة بعد القضاء بالكفاح المسلح على الكيان الصهيوني، واعتبر المشروع أن هذه الدولة تمثل حلا ديمقراطيا للتناحر القائم (بين الشعبين العربي واليهودي) كما تطرق المشروع إلى إعطاء الحق لليهود والعرب بتطوير ثقافتهم القومية، والجبهة الديمقراطية بذلك اختلف طرحها عن طرح فتح الذي يجعل التعاون بين اليهود والعرب على أساس المواطنة دون الإقرار بأي حقوق قومية لليهود.
وفي يناير 1970، أعادت الجبهة الديمقراطية، تحديد مفهومها للحل الديمقراطي وأكدت على أن الحل الديمقراطي "يرفض كل الحلول الشوفينية سواء تعلق الأمر بالتوسع الإسرائيلي أو بذبح اليهود ورميهم في البحر، كما يرفض أيضا الحل الرجعي الذي قدمه قرار مجلس الأمن"، ويوضح نايف حواتمة طبيعة الحقوق المتساوية التي ستعطي لليهود والعرب حيث سيكون "لكل منهم حرية تطوير ثقافته القومية بروح ديمقراطية وتقدمية"، وانطلاقا من هذا التصور دعا نايف حواتمة إلى الحوار مع المنظمات الإسرائيلية المعادية للصهيونية كحزب راكاح -الحزب الشيوعي الإسرائيلي- وجماعة ماتزين.1
أثار طرح الجبهة الديمقراطية للعلاقة بين مواطني فلسطين بعد التحرير والقائمة على الإقرار بوجود قومية يهودية كثيرا من اللغط والمعارضة داخل صفوف حركة المقاومة الفلسطينية، ذلك أن الإقرار بوجود قومية يهودية يعطي الحق لليهود للمطالبة بأن يكون لهم وطن مستقل ويتجاوز كون أن اليهودية هي دين وليست قومية كما تدعي الحركة الصهيونية، وكان أشد المعارضين لشعار فلسطين الديمقراطية في الساحة الفلسطينية، هم القوميون، من منطلق أن فلسطين الديمقراطية وبالتعريفات التي أعطيت لها يتناقض مع عروبة فلسطين ومع القومية العربية والوحدة العربية.
فطلائع حرب التحرير الشعبية –الصاعقة- رأت أنه بالرغم من أن البحث في هذا الموضوع سابق لأوانه، إلا أنها تبدي تحفظها تجاه الدولة الفلسطينية الديمقراطية لان "مثل هذه الدولة تتنافى مع الوحدة العربية التي تؤمن بها، فهي تسعى إلى إقامة دولة عربية واحدة لا حواجز فيها ولا حدود تفصل بين أقطارها، وكل حل للقضية الفلسطينية لا يتفق مع هذا المنطق يبقى حلا مرفوضا من الناحية الفكرية بالنسبة للطلائع"، وبينت الصاعقة أنها "ليست ضد اليهود في فلسطين كشعب ولكنها ضد الصهيونية"، والحل الذي تراه مناسبا هو الحل الاشتراكي باعتباره الحل الإنساني الذي يكفل لليهود العيش بسلام وضمن حقوق متساوية مع العرب في إطار المجتمع العربي الاشتراكي.
أما موقف جبهة التحرير العربية فقد اتسم برفض صارم لشعار الدولة الفلسطينية الديمقراطية، وقام هذا الرفض على خلفية قومية وانطلاقا من تحليل موضوعي لطبيعة المجتمع الصهيوني، واستحالة نجاح أي مراهنة على نبذ اليهود لصهيونيتهم وهو الشرط اللازم للعيش في فلسطين المحررة معهم، وهي من منطلق رؤيتها للصهيونية كنفي لوجود الشعب الفلسطيني، ومن منطلق أن المجتمع الصهيوني القائم على الاغتصاب والعدوان هو مجتمع مضطهِد وظالم بمجموعة، تؤكد استحالة العيش مع هذا المجتمع، فالنقيضان لا يمكن أن تجمعهم أرضية مشتركة أو قيم واحدة.
ولم تنظر جبهة التحرير العربية نظرة جادة للمكون الإنساني وراء رفع هذا الشعارـ ولكنها أولت اهتماما بمشاريع التسوية المطروحة في الساحة العربية وربطت بين هذا الشعار وتلك المشاريع المشبوهة وخصوصا قرار مجلس الأمن رقم 242، باعتبار أن الحل الخارجي للقضية الفلسطينية من خلال هذا القرار بحاجة إلى حل داخلي و"فلسطين الديمقراطية" توفر هذا الحل الداخلي.1
ورأت الجبهة أن فصائل المقاومة الفلسطينية التي رفعت هذا الشعار، خضعت لضغوطات خارجية، لتطرح "بديلا واقعيا "بدلا من " "لا واقعية وخيالية" شعاراتها السابقة حول تحرير كامل التراب الفلسطيني، وفي هذا ترى الجبهة أن الإلحاح على طرح (البديل الواقعي) -وكأن هدف تحرير فلسطين هدف غير واقعي- "محاولة مشبوهة لاستباق الصيغ السلمية والصور المسبقة للمستقبل ودفع الثورة لتحديد مستقبلها وفق معطيات وإمكانيات لا تشكل شيئا بالنسبة للمعطيات والإمكانيات الهائلة التي ستوفرها استمرارية الثورة وديمومتها".
وتنهي جبهة التحرير العربية تحليلها الرافض لشعار الدولة الفلسطينية الديمقراطية بالقول أن هذا المشروع -الدولة الديمقراطية- يمثل احتياطيا للحركة الصهيونية تلجا إليه فيما لو أعدمت الوسائل الكفيلة بوقف الكفاح المسلح والمقاومة العربية وهو لن يكون في أحسن الأحوال أكثر من تسوية تراعي فيها المصالح الاستعمارية والصهيونية، على حساب حركة الثورة العربية.
مع عدم تجاهلنا لأهمية العامل الإنساني في تبني هدف "فلسطين الديمقراطية"" وعقلانية هذا العامل في إطار التعامل مع القضية دوليا، إلا أننا نعتقد وكما بينا أن الدافع الرئيسي وراء تبني هذا الشعار والهدف هو تلمس بعض العناصر القيادية في م.ت.ف. وفي فتح تحديدا التي كان لها نصيب الأسد في ممارسة الكفاح المسلح وفي التعامل مع الأنظمة العربية والتصادم معها، تلمسهم الفجوة الكبيرة ما بين إمكانيات الثورة والشعب الفلسطيني من جهة وتحرير فلسطين عسكريا وإرجاع اليهود من حيث أتوا من جهة أخري، كان تبني هذا الهدف الجديد بداية مسلسل التسوية، أو بداية التنازلات وهي إن كانت تنازلات مغلفة بالاعتبارات الإنسانية والدولية، ومصاحَبة بضجيج شعارات الكفاح المسلح وحرب الشعب، إلا أن المراقب الحصيف لا يمكنه إلا أن يربط ما بين تبني هذا الشعار وأحداث الأردن وسلبية الموقف العربي من هذه الأحداث، حيث كانت مجازر أيلول 1970 أبلغ رسالة للثورة الفلسطينية بأن تعيد النظر فيمن تعتبرهم حلفاء وأن تعيد النظر بالمراهنة على الجماهير الشعبية العربية التي ستخوض حرب التحرير الشعبية!.
بالرغم من التنازل المتضمن في هدف فلسطين الديمقراطية، وبالرغم من كونه حلا حضاريا، فإنه لم يجد إلا كل رد ورفض من الكيان الصهيوني، الذي قام على عقيدة شعب الله المختار، وعمل ويعمل على إقامة دولة يهودية نقية خالصة، وكان لا بد من التفكير في اتجاه جديد للتسوية يأخذ بعين الاعتبار ضرورة الفصل ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن كيف يمكن الفصل بين شعبين يعيشان على ارض واحدة هذا لا يكون إلا بدولتين، والقول بدولتين يعني التنازل عن جزر من ارض فلسطين لتقوم عليها الدولة الصهيونية.
ولم يكن من اليسير تمرير هذا التنازل الجديد وأن يقبل به الفلسطينيون والجماهير العربية، إلا أن حرب أكتوبر 1973 هيئت المناخ لتمرير هذا التنازل تحت شعار مرحلية النضال، والمزاوجة ما بين الهدف الاستراتيجي والهدف المرحلي، فكيف ذلك؟

يتبــــــــع

* أ . د . ابراهيم ابراش
Ibrahem_ibrach@hotmail.com
- من مواليد قطاع غزة بفلسطين 1952
- دكتوراه في القانون العام- العلوم السياسية -من جامعة محمد الخامس بالرباط 1985.
- ممارسة التدريس الجامعي منذ 1978 حتى 2000 في الجامعات المغربية .
- أستاذ في جامعة الأزهر بغزة منذ أكتوبر2000 .
- رئيس قسم الاجتماع و العلوم السياسية بكلية الآداب بجامعة الأزهر.- سابقا -
- عميد كلية الآداب بجامعة الأزهر بغزة.- سابقا -
- الإشراف على عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه .
- مؤسس ومشارك في العديد من مراكز البحوث والمؤتمرات والندوات العلمية.
- وزير الثقافة المستقيل في الحكومة الفلسطينية الثالثة عشر :من يوليو 2007 إلى مارس 2008 .