بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المفصل في أحكام الأضحية، الاشتراك في الأضحية في الإبل والبقر فقط، - 7 -. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المفصل في أحكام الأضحية، الاشتراك في الأضحية في الإبل والبقر فقط، - 7 -. إظهار كافة الرسائل

2014-04-11

المفصل في أحكام الأضحية، الاشتراك في الأضحية في الإبل والبقر فقط، - 7 -


 المفصل في أحكام الأضحية، الاشتراك في الأضحية في الإبل والبقر فقط، - 7 -
وقال أبو جعفر الطبري : أجمعت الأمة على أن البدنة والبقرة لا تجزئ عن أكثر من سبعة،
قال وفي ذلك دليل على أن حديث ابن عباس وما كان مثله خطأٌ ووهمٌ أو منسوخ ] (2)
وقال البيهقي:[ إن حديث جابر أصح من حديث ابن عباس ] (3) .
ورجح ابن قدامة حديث جابر أيضاً على حديث ابن عباس (4) .
ومذهب الجمهور هو الراجح لقوة أدلتهم .

المطلب الثالث : الاشتراك في الأضحية في الإبل والبقر فقط :
المراد بالاشتراك ، هنا هو أن يشترك سبعة أشخاص في ثمن بقرة أو ناقة ثم يذبحونها أضحية عنهم لكل منهم سُبع .
وليس المراد بالاشتراك هنا أن يشتريها واحدٌ فيذبحها ويُشَرِّك غيره في الأجر ، فهذا جائز بالاتفاق .
وقد اختلف الفقهاء في مسألة اشتراك سبعة أشخاص في ثمن بقرة أو ناقة كما يلي :
القول الأول : يجوز اشتراك سبعة في بقرة أو ناقة للتضحية بها ، سواء كانوا كلهم أهل بيت واحد ، أو متفرقين ، أو بعضهم يريد اللحم ، وبعضهم يريد القربة ، وسواء كانت أضحية منذورة أو تطوعاً .
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة .
وأجاز داود الظاهري الاشتراك في أضحية التطوع دون الواجبة (1) .
وقال الحنفية يجوز الاشتراك بشرط أن يكون السبعة متقربين فإن كان أحدهم يريد اللحم لم تجزئ (2) .
وقالت الهادوية يجوز الاشتراك بشرط اتفاق غرض الشركاء ولا يصح مع الاختلاف (3) .
القول الثاني : لا يجوز الاشتراك في الأضحية ، وهو قول المالكية ، فلا يجزئ عندهم أن يشترك سبعة في بقرة أو بدنة ، بأن يسهم كلٌ منهم بشيء من الثمن ، فإن فعلوا فلا تجزئ عن واحد منهم (4) .
ويدل لقول الجمهور بجواز الاشتراك حديث جابر السابق وفيه ( نحرنا مع رسول الله  عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة ) رواه مسلم .
وحديث حذيفة أيضاً وقد سبق وفيه ( أن الرسول  شَرَّكَ في حجته بين المسلمين في البقرة عن سبعة ) .
ويؤيد ذلك ما رواه البيهقي عن علي وحذيفة وأبي مسعود الأنصاري وعائشة رضي الله عنهم أنهم قالوا البقرة عن سبعة (1) .
واحتج المالكية بحديث مالك عن ابن شهاب الزهري :( أن رسول الله  لم يذبح عن أهل بيته إلا بقرة واحدة ) .
قال الحافظ ابن عبد البر:[ وقد رواه غير مالك عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة أن رسول الله  نحر عن نسائه بقرة واحدة .
ولا يصح من جهة النقل .
وروي من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله .
ذكر أبو عيسى الترمذي قال : حدثني إسحاق بن منصور … عن أبي هريرة قال :( ذبح رسول الله  عمَّن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن ) .
قال أبو عيسى : سألت محمد بن إسماعيل – يعني الإمام البخاري – عن هذا الحديث ؟
فقال : إن الوليد بن مسلم لم يقل فيه حدثنا الأوزاعي وأراد أخذه عن يوسف بن السفر، ويوسف بن السفر ذاهب الحديث ، وضعف محمدٌ – أي البخاري – هذا الحديث ] (2) .
وقاس بعض المالكية المنع من الاشتراك في الإبل والبقر على منع الاشتراك في الشاة الواحدة.
ولم يرتض الحافظ ابن عبد البر هذا القياس (3) .
وقال الإمام النووي :[ وأما قياسه على الشاة، فعجب لأن الشاة إنما تجزئ عن واحد ] (4)
----------------------------------
(2) الاستذكار 15/190 .
(3) معرفة السنن والآثار 14/63 .
(4) المغني 9/438 .
(1) المجموع 8/398 ، المغني 9/438،458 .
(2) بدائع الصنائع 4/208 .
(3) سبل السلام 4/178 .
(4) بلغة السالك 1/287 ، الذخيرة 4/152 ، حاشية الدسوقي 2/119 .
(1) سنن البيهقي 9/295 .
(2) الاستذكار 15/185-186 .
(3) المصدر السابق 15/186 .
---------------------------------------

والراجح هو القول الأول بجواز الاشتراك في الإبل والبقر لقوة الأدلة ، ولأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك كما سبق في المطلب الأول من هذا المبحث .

المطلب الرابع : ما هو الأفضل في الأضحية من أنواع الأنعام ؟
اختلف الفقهاء في الأفضل في الأضحية من أنواع الأنعام على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أفضل الأضاحي هي البدنة ثم البقرة ثم الشاة .
وهذا قول الشافعية والحنابلة والظاهرية ، وبه قال بعض المالكية (1) .
قال الإمام الشافعي :[ والإبلُ أَحبُ إليَّ أن يُضَحَّى بها من البقر ، والبقر من الغنم ، والضأنُ أَحبُ إليَّ من المعز ] .
وقال الماوردي :[ أفضل الضحايا الثني من الإبل ، ثم الثني من البقر ، ثم الجذع من الضأن ثم الثني من المعز ] (2) .
القول الثاني : أفضل الأضاحي الضأن ثم البقر ثم الإبل ، وهذا قول المالكية المعتمد عندهم.
قال الخرشي :[ الضأن بإطلاقه ، ذكوره وإناثه وفحوله وخصيانه ، أفضل في الأضحية من المعز بإطلاقه ، ثم إن المعز بإطلاقه أفضل من الإبل ومن البقر بإطلاقهما ] (3) .
وقال بعض المالكية أفضلها الغنم ثم الإبل ثم البقر (4) .
القول الثالث : أفضل الأضاحي ما كان أكثر لحماً وأطيب ، وهذا قول الحنفية ، فالشاة أفضل من سبع البقرة ، فإن كان سبع البقرة أكثر لحماً فهو أفضل .
والأصل عندهم في هذا إذا استويا في اللحم والقيمة ، فأطيبها لحماً أفضل ، وإذا اختلفا فيهما فالفاضل أولى (5) .
حجة الفريق الأول :
1. احتجوا بقوله تعالى :} وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ { سورة الحج الآية 36 .
2. قالوا إن البدنة أعظم من البقرة ، والبقرة أعظم من الشاة ، والله تعالى يقول :} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { سورة الحج الآية 32 .
3. واحتجوا بحديث أبي هريرة  أن النبي  قال :( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح ، فكأنما قرَّبَ بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّبَ بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّبَ كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرَّبَ دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرَّبَ بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكةُ يستمعون الذكر ) رواه البخاري ومسلم (1) .
قال النووي :[ وفيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقرة ، لأن الرسول  قدَّمَ الإبل ، وجعلَ البقرة في الدرجة الثانية ] (2) .
4. قال ابن قدامة :[ ولأنه ذبح يتقرب به إلى الله تعالى ، فكانت البدنةُ فيه أفضل ، كالهدي فإنه قد سلَّمَه . ولأنها أكثر ثمناً ولحماً وأنفع ] (3) .
حجة الفريق الثاني :
1. احتجوا بقول الله تعالى :} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ { سورة الصافات الآية 107 .
قالوا وكان الذبح العظيم كبشاً ، فالله سبحانه وتعالى وصفه بالعظيم ، ولم يحصل هذا الوصف لغيره (4) .
وقال القرطبي:[ } وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ { ، أي ضخم الجثة سمين ، وذلك كبشٌ لا جملٌ ولا بقرة ] (5) .
وقال ابن دقيق العيد : [ وقد يستدل للمالكية باختيار النبي  في الأضاحي للغنم ، وباختيار الله تعالى في فداء الذبيح ] (6)
2. واحتجوا بأن النبي  كان يضحي بالكبش ، كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي  :( أمر بكبش أقرن ، يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد … وأخذ الكبش فأضجعه … ) رواه مسلم وقد سبق .
---------------------------------
(4) المجموع 8/399 .
(1) المغني 9/438 ، المجموع 8/396،398 ، الذخيرة 4/144 ، الحاوي 15/77 .
(2) الحاوي 15/77 .
(3) شرح الخرشي 3/38 ، الذخيرة 4/143 ، بداية المجتهد 1/348 ، جامع الأمهات ص 229 .
(4) الذخيرة 4/144 .
(5) حاشية ابن عابدين 6/322 ، بدائع الصنائع 4/223 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 3/17 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 2/451 .
(2) صحيح مسلم مع شرح النووي 2/452 .
(3) المغني 9/439 .
(4) الذخيرة 4/143 .
(5) تفسير القرطبي 15/107 .
(6) إحكام الأحكام 2/291 .
-----------------------------------

قالوا وقد تكرر من الرسول  التضحية بالغنم ، وهو  لا يضحي مكرراً ذلك عاماً بعد عام ، إلا بما هو الأفضل في الأضحية ، فلو كانت التضحية بالإبل والبقر أفضل لفعل  ذلك الأفضل (1) .
3. واحتجوا بحديث عبادة بن الصامت  عن رسول الله  قال :( خير الكفن الحُلَّةُ ، وخيرُ الأضحية الكبشُ الأقرن ) رواه أبو داود والبيهقي والحاكم ووافقه الذهبي .
وقال الشيخ الألباني : ضعيف . وضعفه ابن حزم أيضاً (2) .
ورواه البيهقي أيضاً من رواية أبي أمامة  بإسناد ضعيف كما قال الإمام النووي (3) .
حجة الفريق الثالث :
1. وقد يحتج للحنفية بما ورد أن الرسول  قال :( إن أحب الضحايا إلى الله أغلاها وأسمنها ) رواه أحمد والبيهقي والحاكم .
وقال الهيثمي :[ رواه أحمد ، وأبو الأشد – أحد رجال السند - لم أجدْ منْ وَثَّقَهُ ولا جرحه ، وكذلك أبوه ، وقيل إن جده عمرو بن عبس ].وقال الشيخ الألباني : ضعيف (4)
2. ويحتج لهم بما جاء عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى } ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ { الآية .
قال ابن عباس :[ الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والضأن والمعز ، على قدر الميسرة فما عظمت فهو أفضل ] (5) .
القول الراجح : بعد إجالة النظر في أدلة العلماء في هذه المسألة يظهر لي رجحان قول المالكية في أن الأفضل في الأضحية الغنم ثم الإبل ثم البقر.
لأن أدلة المالكية أخص في محل النزاع لأنه  كان يضحي بالغنم بل بالكباش وقد ثبت ذلك في أحاديث منها :
1. عن أنس  :( أن النبي  كان يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين ) رواه البخاري ومسلم (1) . وفي قول أنس ( كان يضحي ) ما يدل على المداومة (2) .
2. حديث عائشة رضي الله عنها :( أن رسول الله  أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به … الخ ) رواه مسلم وقد مضى.
3. حديث جابر بن عبد الله  قال :( ضحى رسول الله  يوم عيد بكبشين … ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وقد سبق .
4. وعن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله  :( كان إذ أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين … الخ ) رواه أحمد وابن ماجة وقد مضى .
5. حديث أبي سعيد  قال :( ضحى رسول الله  بكبش أقرن فحيل ، يأكل في سواد، ويمشي في سواد ، وينظر في سواد ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب (3) .
6. حديث جابر بن عبد الله  قال :( شهدتُ مع رسول الله  الأضحى بالمصلى ، فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره وأُتِيَ بكبش فذبحه رسولُ الله  بيده … الخ ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وقد مضى .
7. عن ثوبان  قال :( ضحى رسول الله  ثم قال : يا ثوبان أصلح لنا لحم هذه الشاة. فما زلت أطعمه منها حتى قدمنا المدينة ) رواه مسلم وأبو داود وقد مضى .
8. عن علي  :( أنه كان يضحي بكبشين أحدهما عن النبي  والآخر عن نفسه . فقيل له . فقال : أمرني به يعني النبي  فلا أدعه أبداً ) رواه الترمذي وأبو داود (1) ، وسيأتي الكلام على تخريجه في مبحث الأضحية عن الميت .
ومما يدل على أفضلية التضحية بالكبش ، أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقتدون بالرسول  في تضحيته بالكبش ، كما في حديث أنس  السابق وفيه :( كان النبي  يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين ) .
---------------------------------
(1) أضواء البيان 5/435 .
(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 8/300 ، سنن البيهقي 9/273 ، ضعيف الجامع الصغير ص424 ،
المحلى 6/32 ، المستدرك 4/254 .
(3) المجموع 8/399 ، وانظر سنن البيهقي 9/273 .
(4) الفتح الرباني 13/86 ، سنن البيهقي 9/272 ، المستدرك 4/275 ، مجمع الزوائد 4/21 ، سلسلة الأحاديث الضعيفة 4/174 .
(5) سنن البيهقي 9/272 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/119 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/103 .
(2) انظر فتح الباري 12/114 .
(3) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/66-67 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/352 ، سنن النسائي 7/221 سنن ابن ماجة 2/1046 .
(1) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/65 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/344 .
-----------------------------------

فهذا يدل على اتباع أنس  للرسول  في التضحية بالكبشين ، كما يدل الحديث أيضاً على مداومة الرسول  على التضحية بالكبش (2) .
وعن يونس بن ميسرة بن حلس قال :( خرجت مع أبي سعيد الزرقي صاحب رسول الله  إلى شراء الضحايا . قال يونس : فأشار أبو سعيد إلى كبش أدغم ليس بالمرتفع ولا المتضع في جسمه فقال : اشتر لي هذا . كأنه شبههه بكبش رسول الله  ) رواه ابن ماجة وقال البوصيري في الزوائد : إسناده صحيح (3) .
وصححه الشيخ الألباني (4) ورواه الحاكم وصححه ،ووافقه الذهبي (5) .
وعن النعمان بن أبي فاطمة  :( أنه اشترى كبشاً أعين أقرن ، وأن النبي  رآه فقال : كأنَّ هذا الكبش الذي ذبح إبراهيم . فعمد رجل من الأنصار فاشترى للنبي  من هذه الصفة ، فأخذه النبي  فضحى به ) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات قاله الهيثمي (6)
كما أن أدلة الفريقين الأول والثالث فيها نظر .
أما الآية الأولى وهي قوله تعالى :} وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ { .
فالبدن هي الإبل التي تُهدى إلى الكعبة فليست الآية في خصوص الأضحية .
وأما الآية الثانية ؛ وهي قوله تعالى :} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { فهي عامة ، لأن شعائر الله أعلام دينه فليست الآية في خصوص الأضحية أيضاً .
وأما الحديث ؛ وفيه تقريب البدنة ثم البقرة ثم الكبش ، فهذا الحديث واردٌ في الهدي في الحج ، وليس في خصوص الأضحية .
وأما فعل رسول الله  فقد ورد في الأضحية على وجه الخصوص.
وأما قول الفريق الأول بأن تضحية النبي  بالغنم لبيان الجواز ، أو لأنه لم يتمكن ذلك الوقت إلا من الغنم كما قاله الإمام النووي (1) .
فالجواب إن تكرار تضحيته  بالغنم يدل على قصده الغنم دون غيرها ، ولو لم يتيسر له إلا الغنم في سنة ، لتيسر له في غيرها في سنة أخرى .
وأما حديث ( خير الأضحية الكبش الأقرن ) فإنه وإن كان فيه ضعفٌ ، إلا أنه يتقوى بالأحاديث الصحيحة الثابتة من فعله  بالتضحية بالكباش (2) ، وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي (3) .
وأما الحديث الذي احتج به الحنفية ، فإنه حديث ضعيف لا يصلح للاستدلال .
وأثر ابن عباس الذي احتج به الحنفية فليس فيه ما يعارض أدلة المالكية والله أعلم .
وخلاصة الأمر أنه لا ينبغي العدول عن فعل النبي  وهو التضحية بالكبش ، والأحاديث الواردة بذلك خصوص مقدم على غيره من العمومات (4) .

المطلب الخامس : تسمين الأضحية :
اتفق أهل العلم على أنه يستحب أن تكون الأضحيةُ سمينةٌ .
قال الإمام البخاري :[ باب أضحية النبي  بكبشين أقرنين ، ويُذْكَرُ سمينين ] .
وقال الحافظ ابن حجر :[ قوله " ويذكر سمينين " أي في صفة الكبشين ، وهي في بعض طرق حديث أنس من رواية شعبة عن قتادة عنه أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق الحجاج بن محمد عن شعبة .
- وحديث أنس  الذي أشار إليه الحافظ ابن حجر هو: عن أنس  قال :( كان النبي  يضحي بكبشين ) فهذا الحديث عند أبي عوانة فيه ( بكبشين سمينين ) – ثم قال الحافظ :[ وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق في مصنفه … عن أبي هريرة :( أن النبي  كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين فذبح أحدهما عن محمد وآل محمد ، والآخر عن أمته من شهد له بالتوحيد والبلاغ )] (1) .
وقد قال الإمام الشافعي :[ استكثار القيمة في الأضحية أفضل من استكثار العدد … لأن المقصود هنا اللحم والسمين أكثر وأطيب ] (2) .
-------------------------------------
(2) انظر فتح الباري 12/106 .
(3) سنن ابن ماجة 2/1046 .
(4) صحيح سنن ابن ماجة 2/200 .
(5) المستدرك 4/254 .
(6) مجمع الزوائد 4/23 .
(1) شرح صحيح مسلم 2/452 .
(2) انظر أضواء البيان 5/435-436 .
(3) المستدرك 4/254 .
(4) انظر عارضة الأحوذي 6/233 ، فتح الباري 12/107 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/105 .
(2) المجموع 8/396 .
------------------------------

وقد اختلف أهل العلم في حكم تسمين الأضحية كما يلي :
فذهب جمهور العلماء إلى استحباب تسمين الأضحية (3) .
فقد روى البخاري في صحيحه تعليقاً :[ قال يحيى بن سعيد قال: سمعت أبا أمامة بن سهل قال: كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون ]
قال الحافظ ابن حجر:[ وصله أبو نعيم في المستخرج … الخ ] (4) .
وقال الإمام الشافعي :[ وزعم بعض المفسرين أن قول الله جل ثناؤه :} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ { ، استسمان الهدي واستحسانه ] (5) .
قال الماوردي :[ اختلف المفسرون في قول الله تعالى :} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { على ثلاثة أقوال :
أحدها : أن شعائر الله دين الله كله ، وتعظيمها التزامها وهذا قول الحسن .
والثاني : أنها مناسك الحج وتعظيمها استيفاؤها وهو قول جماعة .
والثالث : أنها البدن المشعره ، وتعظيمها استسمانها واستحسانها ، وهذا قول مجاهد واختيار الشافعي ] (1) .
وذهب بعض المالكية إلى أنه يكره تسمين الأضحية لأنه سنة اليهود !! (2) .
وهذا قول باطل كما قال الإمام النووي (3) .
والراجح القول باستحباب تسمين الأضحية ، لأن ذلك أعظم لأجرها وأكثر لنفعها
والله أعلم .
وينبغي التنبيه إلى أنه قد وردت بعض الأحاديث غير الثابتة في تسمين وتعظيم الأضحية وقد سبق ذكرها وبيان درجتها في مبحث فضل الأضحية .

المطلب السادس : أفضل الأضحية لوناً :
قال الإمام النووي :[ أفضلها ، البيضاء ثم الصفراء ثم الغبراء ، وهي التي لا يصفو بياضها ثم البلقاء ، وهي التي بعضها أبيض وبعضها أسود ثم السوداء ] (1) .
وقال ابن قدامة :[ والأفضل في الأضحية من الغنم في لونها البياض ] (2) .
ويدل على ذلك :
1. ما ورد في حديث أنس  :( أن رسول الله  انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده ) رواه البخاري (3) .
قال الحافظ ابن حجر :[ الأملح : هو الذي فيه سواد وبياض والبياض أكثر ، ويقال هو الأغبر وهو قول الأصمعي .
وزاد الخطابي هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود. ويقال الأبيض الخالص قاله ابن الأعرابي ، وبه تمسك الشافعية في تفضيل الأبيض في الأضحية ] (4) .
وذكر في المصباح المنير من معاني الأملح : نقيُّ البياض (5) .
2. وعن أبي هريرة  أن رسول الله  قال :( دمُ عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين ) رواه أحمد والحاكم والبيهقي وقال الشيخ الألباني: حديث حسن (6) .
والعفراء من العفر وهو بياض ليس بالخالص (7) .
----------------------------------
(3) المجموع 8/396 ، بدائع الصنائع 4/223 ، شرح الخرشي 3/38 ، المغني 9/439 .
(4) صحيح البخاري مع الفتح 12/105 .
(5) الأم 2/224 .
(1) الحاوي 15/79 .
(2) الذخيرة 4/146 ، شرح الخرشي 3/38 .
(3) المجموع 8/396 .

(1) المجموع 8/396-397 .
(2) المغني 9/439 .
(3) صحيح البخاري مع الفتح 12/106 .
(4) فتح الباري 12/106 .
(5) المصباح المنير ص579 .
(6) الفتح الرباني 13/81 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/475-476 ، المستدرك 4/252 ، سنن البيهقي 9/273 .
--------------------------------------

وينبغي أن يعلم أن العلماء لم يكرهوا بقية الألوان في الأضحية ، إنما الأفضل عندهم الأبيض .

قال الماوردي بعد أن ذكر الألوان المرغوبة في الأضحية :[ وباقي هذه الألوان إن ضحى لم يكن فيه كراهية ، وإن كان ما اخترناه من الألوان أفضل ، فمنها ما كان أفضل لحسن منظره ، ومنها ما كان أفضل لطيب مخبره ، فإن اجتمعا كان أفضل ، وإن افترقا كان طيب المخبر أفضل من حسن المنظر ] (1) .

المبحث الثاني عشر
اجتماع الأضحية والعقيقة

إذا اجتمعت الأضحية والعقيقة ، كأن أراد شخصٌ أن يعقَ عن ولده يوم عيد الأضحى ، أو في أيام التشريق ، فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة ؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : تجزئ الأضحية عن العقيقة ، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة وهشام _ من التابعين _ ، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد (1) .
وبه قال الحنفية ، قال ابن عابدين :[… وكذا لو أراد بعضهم العقيقة عن ولد قد ولد له من قبل ، لأن ذلك جهة التقرب بالشكر على نعمة الولد ذكره محمد ] (2) .
وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن الحسن قال :[ إذا ضحوا عن الغلام فقد أجزأت عنه من العقيقة ] ورواه أيضاً عبد الرزاق.
وروى عن هشام وابن سيرين قالا :[ يجزئ عنه الأضحية من العقيقة ] .
وروى عبد الرزاق أيضاً عن قتادة قال :[ من لم يعق عنه أجزأته أضحيته ] (3) .
وقال الخلال :[ باب ما روي أن الأضحية تجزئ عن العقيقة ، ثم ذكر عن الميموني أنه قال لأبي عبد الله – أحمد بن حنبل – : يجوز أن يضحى عن الصبي مكان العقيقة ؟
قال : لاأدري . ثم قال : غير واحد يقول به .
قلت: من التابعين . قال نعم … ثم قال : ذكر أبو عبد الله أن بعضهم قال : فإن ضحى أجزأ عن العقيقة … ثم قال: إن أبا عبد الله قال : أرجو أن تجزئ الضحية عن العقيقة إن شاء الله تعالى لمن لم يعق …ثم قال ورأيت أبا عبد الله اشترى أضحية ذبحها عنه وعن أهله وكان ابنه عبد الله صغيراً فذبحها أراه أراد بذلك العقيقة والأضحية وقسم اللحم وأكل منها ] (4) .
وترى هذه الطائفة من أهل العلم أن المقصود بالأضحية والعقيقة يحصل بذبح واحد ، وفي ذلك نوع شَبَهٍ من الجمعة والعيد إذا اجتمعتا .
وكما لو صلى ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة ، أو صلى بعد الطواف فرضاً أو سنة مكتوبة ، وقع عنه وعن ركعتي الطواف .
وكذلك لو ذبح المتمتع والقارن شاة يوم النحر أجزأ عن دم المتعة وعن الأضحية (1) .
القول الثاني : لا تجزئ الأضحية عن العقيقة وهو قول المالكية والشافعية (2) والرواية الأخرى عن الإمام أحمد ، فقد روى الخلال عن عبد الله بن أحمد قال :[ سألت أبي عن العقيقة يوم الأضحى تجزئ أن تكون أضحية وعقيقة ؟ قال: إما أضحية وإما عقيقة على ما سمّى ] (3) ، وعلى هذه الرواية أكثر الحنابلة (4) .
وحجة هؤلاء أن كلاً من الأضحية والعقيقة ذبحان بسببين مختلفين ، فلا يقوم الواحد عنهما ، كدم التمتع ودم الفدية (5) .
وقالوا أيضاً إن المقصود بالأضحية إراقة الدم في كل منهما ، ولا تقوم إراقة مقام
----------------------------------
(7) المصباح المنير ص418 .
(1) الحاوي 15/79 ، وانظر فتح الباري 12/106 .
(1) فتح الباري 12/13 ، شرح السنة 11/267 ، الإنصاف 4/111 ، كشاف القناع 3/29 ، الفروع 3/564 ،
تحفة المودود ص68 .
(2) حاشية ابن عابدين 6/326 .
(3) مصنف ابن أبي شيبة 8/244 . مصنف عبد الرزاق 4/331 ، 333 .
(4) تحفة المودود ص 68 .
(1) تصحيح الفروع 3/564 ،تحفة المودود ص69 .
(2) شرح الخرشي 3/41، الذخيرة 4/166 ، الفتاوى الكبرى الفقهية 4/256 .
(3) تحفة المودود ص68 .
(4) تصحيح الفروع 3/565 .
(5) تحفة المودود ص68 ، أحكام العقيقة ص50 .
-----------------------------------

إراقتين (6) .
وسئل الشيخ ابن حجر المكي عن ذبح شاة أيام الأضحية بنيتها ونية العقيقة ، فهل يحصلان أو لا ؟
فأجاب :[ الذي دل عليه كلام الأصحاب وجرينا عليه منذ سنين أنه لا تداخل في ذلك ، لأن كلاً من الأضحية والعقيقة ، سنةٌ مقصودةٌ لذاتها ، ولها سبب يخالف سبب الأخرى ، والمقصود منها غير المقصود من الأخرى ، إذ الأضحيةُ فداءٌ عن النفس ، والعقيقةُ فداءٌ عن الولد ، إذ بها نُمُّوهُ وصلاحهُ ، ورجاءُ بِرِّهِ وشفاعته ، وبالقول بالتداخل يبطل المقصود من كلٍ منهما ، فلم يمكن القول به نظير ما قالوه في سنة غسل الجمعة وغسل العيد ، وسنة الظهر وسنة العصر ، وأما تحية المسجد ونحوها فهي ليست مقصودة لذاتها بل لعدم هتك حرمة المسجد ، وذلك حاصلٌ بصلاة غيرها ، وكذا صوم نحو الإثنين ، لأن القصد منه إحياء هذا اليوم بعبادة الصوم المخصوصة ، وذلك حاصلٌ بأي صومٍ وقع فيه .
وأما الأضحية والعقيقة ، فليستا كذلك كما ظهر مما قررته وهو واضح ، والكلام حيث اقتصر على نحو شاة أو سبع بدنة أو بقرة ، أما لو ذبح بدنة أو بقرة عن سبعة أسباب ، منها ضحية وعقيقة والباقي كفارات ، كنحو الحلق في النسك فيجزي ذلك ، وليس هو من باب التداخل في شيء لأن كل سبع يقع مجزياً عما نوى به .
وفي شرح العباب: لو ولد له ولدان ، ولو في بطن واحدة ، فذبح عنهما شاة ، لم يتأدى بها أصل السنة كما في المجموع وغيره ، وقال ابن عبد البر: لا أعلم فيه خلافاً أ.هـ
وبهذا يعلم أنه لا يجزي التداخل في الأضحية والعقيقة من باب أولى ، لأنه إذا امتنع مع اتحاد الجنس فأولى مع اختلافه ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ] (1) .
والذي أراه راجحاً هو عدم إجزاء الأضحية عن العقيقة ، وعدم إجزاء العقيقة عن الأضحية ، لأن كلاً منهما لها سببها الخاص في إراقة الدم ، ولا تقوم إحداهما مقام الأخرى .
والمسائل التي ذكروها ليست مسلَّمةً عند جميع العلماء ، فحصول العبادتين بنية واحدة ، أجازه من أجازه من أهل العلم ، لأنهم عدُّوها من قبيل الوسائل لا المقاصد ،كما لو نوى بغسله رفع الحدث الأصغر والأكبر ، أو نوى بالغسل الجمعة والجنابة ، وخالف في ذلك ابن حزم ،وأمَّا حصول تحية المسجد وسنَّة المكتوبة ، فلأن تحية المسجد تحصل وإن لم يقصدها ، وأمَّا ما صححوه من تجويز عبادتين بنيَّةٍ واحدةٍ فالذي يظهر أنَّ الشارع قد اعتبر فيه الأمرين المقصودين ولو لم يقصدهما الفاعل ،كمن يتصدق على ذي رحمه ينال أجرين : أجر الصدقة وأجر صلة الرحم (2).

الفصل الثاني
ما يتعلق بالمضحي ووقت الأضحية

المبحث الأول
ما يطلب ممن أراد الأضحية عند دخول أول ذي الحجة

ثبت في الحديث الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي  قال :( إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ) رواه مسلم (1) .
وفي رواية أخرى :( من كان له ذِبح يذبحه فإذا أهلَّ هلالُ ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي ) رواه مسلم (2) . والذِبح بكسر الذال : الذبيحة .
وقد اختلف العلماء فيمن أراد أن يضحي وأهلَّ عليه هلال ذي الحجة فما حكم الأخذ من شعره وأظفاره على أقوال كما يلي :
القول الأول : قال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وابن حزم الظاهريان وأبو الحسن العبادي من الشافعية ، إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية (3) .
القول الثاني : قال المالكية والشافعية وبعض الحنابلة يكره له ذلك كراهة تنزيه وليس
بحرام (4) .
القول الثالث : قال أبو حنيفة وأصحابه يباح ذلك وهو رواية عن مالك (5) .
ونقل عن أبي حنيفة القول بالاستحباب وأن من يفعله يكره له ذلك كراهة تنزيه (6) .
---------------------------------
(6) الذخيرة 4/166 ، حاشية العدوي 3/48 .
(1) الفتاوى الكبرى الفقهية 4/256 .
(2) انظر مقاصد المكلفين ص 255 –256 .
(1) صحيح مسلم مع شرح النووي 4/119 .
(2) المصدر السابق 4/120 .
(3) المغني 9/436 ، المحلى 6/3 ، شرح النووي على صحيح مسلم 4/119 ، معجم فقه السلف 4/144 .
(4) الذخيرة 4/141 ، المجموع 8/391 ، الشرح الكبير 2/121 ، الحاوي 15/74 ، المغني 9/436 ، شرح الآبي على صحيح مسلم 5/307 ، بذل المجهود 13/12 .
(5) شرح معاني الآثار 2/182 ، شرح النووي على صحيح مسلم 4/119 .
-----------------------------------

أدلة القول الأول : احتجوا بحديث أم سلمة السابق وقد ورد بروايات عند مسلم وهي :
أ. عن أم سلمة أن النبي  قال :( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ) . قيل لسفيان : فإن بعضهم لا يرفعه . قال : لكني أرفعه .
ب. عن أم سلمة رضي الله عنها ترفعه قال النبي  :( إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذنَّ شعراً ولا يقلمن ظفراً ) .
ج. عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي  قال :( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) .
د. عن أم سلمة رضي الله عنها قال رسول الله  :( من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذنَّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي ) (1) .
ووجه الاستشهاد به أن فيه نهي عن أخذ الشعر والأظفار ، ومقتضى النهي التحريم (2) .
وروى مسلم بإسناده عن عمرو بن مسلم بن عمار الليثي قال :( كنا في الحمام قبيل الأضحى فأطلى فيه ناس فقال بعض أهل الحمام : إن سعيد بن المسيب يكره هذا أو ينهى عنه . فلقيت سعيد بن المسيب فذكرت ذلك له فقال : يا ابن أخي هذا حديث قد نُسِيَ وترك . حدثتني أم سلمة زوج النبي  قالت قال رسول الله  … الحديث (3) .
وقوله في الحديث أطلى فيه ناس : أي أزالوا شعر العانة بالنورة .
واحتجوا أيضاً بما رواه ابن حزم بإسناده أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان أن الرجل إذا اشترى أضحية ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره حتى يضحي .
قال سعيد قال قتادة : فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال : نعم . فقلت : عمن يا أبا محمد ؟ قال عن أصحاب رسول الله (4) .
أدلة القول الثاني : قالوا إن النهي الوارد في حديث أم سلمة ، محمولٌ على كراهة التنزيه وليس ذلك بحرام .
وأيدوا قولهم بما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :( لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله  فيبعث هديه إلى الكعبة فما يحرم عليه مما حلَّ للرجال من أهله حتى يرجع الناس ) رواه البخاري ومسلم (5) .
قال الماوردي :[ فكان هدي رسول الله  وضحاياه ، لأنه كان بالمدينة وأنفذها مع
أبي بكر  سنة تسع ، وحكمها أغلظ لسوقها إلى الحرم ، فلما لم يحرم على نفسه شيئاً كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم ] (1) .
وقال أبو عبد الله الآبي المالكي :[ مذهبنا أنه لا يلزم العمل بهذه الأحاديث - روايات حديث أم سلمة – لحديث عائشة … وبعثُ الهدي آكدُ من إرادة الأضحية ] (2) .
أدلة القول الثالث : احتجوا بحديث عائشة السابق وحملوه على الإباحة وقدموه على حديث أم سلمة .
قال الطحاوي بعد أن ذكر حديث عائشة :[… ففي ذلك دليل على إباحة ما قد حظره الحديث الأول – يعني حديث أم سلمة – ومجيء حديث عائشة رضي الله عنها أحسن من مجيء حديث أم سلمة رضي الله عنهما لأنه جاء مجيئاً متواتراً .
وحديث أم سلمة فلم يجئ كذلك ، بل قد طعن في إسناد حديث مالك ، فقيل إنه موقوف على أم سلمة .
ثم ذكر الطحاوي حديث أم سلمة برواية مالك وفيه :( عن أم سلمة رضي الله عنها ولم ترفعه قالت : من رأى هلال ذي الحجة … الخ ) .
وذكر رواية أخرى وفيها :( عن أم سلمة مثله ولم ترفعه … ) .
ثم قال الطحاوي : وأما النظر في ذلك فقد رأينا الإحرام ينحظر به أشياء مما قد كانت كلها قبله حلالاً ، منها الجماع والقبلة وقص الأظفار وحلق الشعر وقتل الصيد فكل هذه الأشياء تحرم بالإحرام وأحكام ذلك مختلفة .
فأما الجماع فمن أصابه في إحرامه فسد حجه ، وما سوى ذلك لا يفسد إصابته الإحرام فكان الجماع أغلظ الأشياء التي يحرمها الإحرام .
ثم رأينا من دخلت عليه أيام العشر وهو يريد أن يضحي أن ذلك لا يمنعه من الجماع ، فلما كان ذلك لا يمنعه من الجماع ، وهو أغلظ ما يحرم بالإحرام ، كان أحرى أن لا يمنع مما دون ذلك ] (3) .
القول الراجح في المسألة :
----------------------------------
(6) إعلاء السنن 17/292 ، بذل المجهود 13/12 .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 5/119-120 .
(2) المغني 9/437 .
(3) صحيح مسلم مع شرح النووي 5/121 .
(4) المحلى 6/28 .
(5) صحيح البخاري مع الفتح 4/295 ، صحيح مسلم بشرح النووي 3/439 .
(1) الحاوي 15/74 .
(2) شرح الآبي على صحيح مسلم 5/307 .
(3) شرح معاني الآثار 4/182 .
-------------------------------------