بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات في نقض الرواية الصهيونية للنكبة الفلسطينية -3-. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات في نقض الرواية الصهيونية للنكبة الفلسطينية -3-. إظهار كافة الرسائل

2014-05-29

في نقض الرواية الصهيونية للنكبة الفلسطينية -3-

نتابع: في نقض الرواية الصهيونية للنكبة الفلسطينية -3-
ثالثًا، اللاجئين لم يغادروا بيوتهم طواعية:

من المدهش درجة تقبل العرب لأسطورة أن الفلسطينيين غادروا بيوتهم امتثالًا لأوامر القادة العرب وتمهيدًا للقضاء على الكيان الصهيوني الوليد، أو الهرب خوفًا من الإشاعات التي أطلقها الصهاينة.

وهنا أحيلكم إلى ما كتبه الدكتور شريف كناعنة في كتابه "الشتات الفلسطيني: هجرة أم تهجير"، وإشارة الدكتور وليد الخالدي أنه بحث في أرشيف الإذاعات والبيانات المتوفرة من تلك الفترة فلم يجد بينها أي دعوة من القيادة الفلسطينية أو العربية للمغادرة أو الهجرة، بل وجد بيان للعصابات الصهيونية يتهم الجيوش العربية باتخاذ المدنيين الفلسطينيين دروعًا بشرية، ونلاحظ أن الاتهام الصهيوني هنا نفسه يتكرر بشكل دائم (على سبيل المثال في حرب تموز عام 2006م وحربي غزة الأولى والثانية).

كما أشار باحثون إلى بيان من اللجنة العربية العليا (القيادة الفلسطينية في تلك المرحلة) يطلب من الشعب الفلسطيني الاستعداد للمواجهة ومحاربة الصهاينة في آذار (ِشهر 3) عام 1948م، كما طلبت اللجنة في وقت لاحق من الدول العربية المساعدة في وقف هجرة اللاجئين إلى خارج فلسطين.

وفيمَ يقدم المؤرخ الصهيوني بني موريس رواية أكثر عقلانية من البروبجندا الصهيونية التقليدية محاولًا تصوير ما حصل على أنه فرار نتيجة المعارك الحربية بالإضافة للحرب النفسية التي شنتها عصابات الهاجاناة، وهي محاولة خبيثة لتجميل جرائم الاحتلال وتقديمها على أنها نتاج طبيعي للحرب.

إلا أن أغلب الشهادات التي أدلى بها اللاجئون من بيوتهم في تلك الفترة، والعدد الضخم من المجازر، ينسف مزاعم موريس كما ينسفها المؤرخ اليهودي إيلان بابيه في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين" (عام 2007م) حيث أكد بالدليل والبرهان على أن الطرد المنهجي للفلسطينيين كان جزءًا من خطة قيام "دولة إسرائيل"، وساق البراهين على أن ما حصل هو عملية تطهير عرقي، واصفًا مؤسس الكيان الصهيوني ديفيد بن غوريون بمهندس التطهير العرقي.

وتشير وثائق حكومية بريطانية كشف عنها قبل أسابيع قليلة إلى حقيقة أن الفلسطينيين كانوا يتعرضون لهجمات قاتلة من قبل العصابات الصهيونية في الأشهر الأخيرة للاحتلال البريطاني، ووصف أحد التقارير القادة الفلسطينيين بأنهم خذلوا المواطنين بأن طلبوا منهم الصمود في وجه الهجمات الصهيونية ثم لم يستطيعوا فعل شيء لإنقاذهم.

وإن كانت مجزرة دير ياسين هي الأشهر (وقتل فيها أكثر من مئة فلسطيني)، إلا أنه تلاها مجازر أكثر وحشية مثل مجزرة الدوايمة في الخليل وقتل فيها أكثر من 250 فلسطيني وألقيت جثثهم في آبار المياه، ومجزرة الطنطورة في حيفا والتي تراوح عدد ضحاياها ما بين 130 و300 قتيل.

ولعل الطريقة التي طرد بها أهل اللد والرملة تؤكد بشكل لا يرقى إليه الشك النوايا المبيتة للتطهير والطرد، فبعد استسلام أهالي المدينتين للقوات المهاجمة كان من شروط الاستسلام أن لا يتم طرد السكان، إلا أن القوات الصهيونية قامت بتجميع عدد كبير من الرجال والشيوخ والأطفال من الذكور في مسجد دهمش، وأغلقت عليهم الأبواب وألقت عليهم القنابل من النوافذ ثم دخل الجنود وأجهزوا على الجرحى ومن لم يقتل من الرجال، وقدرت بعض الروايات عدد الذين قتلوا في مسجد دهمش بمئة فيمَ ذهبت روايات أخرى إلى 170 قتيل أو حتى 300 قتيل.

وبعد المجزرة نادى الصهاينة بالسماعات على أهالي المدينة بضرورة أن يغادروها حتى لا يحصل لهم ما حصل لمن كان في مسجد دهمش إلا أن الاستجابة كانت قليلة، وفي اليوم التالي أحضر الجنود الصهاينة الحافلات والشاحنات وقاموا بإخراج الناس من بيوتهم بقوة السلاح ومنعوهم من أخذ أي شيء من متاعهم الشخصي وألقوا بهم عند خط الجبهة على الطريق المؤدية إلى رام الله، واستمرت عملية التطهير هذه حوالي ثلاثة أيام.

وتروي أغلب شهادات اللاجئين عن منهجية شبه ثابتة في عمليات التطهير تبدأ بقصف عنيف بالمدفعية والطيران يضطر قسم من السكان للهروب، ثم مهاجمة القرية أو المدينة وقتال المقاومين والاستيلاء عليها، وبعدها يتم طرد من تبقى من السكان (وفي حالات كان يتم قتلهم)، وفي أكثر من حالة كان جميع السكان المتبقين في القرية من كبار السن الذين لم يستطيعوا الهرب لكن ذلك لم يشفع لهم عند القوات المهاجمة.

هنالك أنماط أخرى للتهجير تختلف قليلًا مثل قرى عراق المنشية وعراق السويدان والفالوجة جنوبي فلسطين والتي كانت ساحة معارك طاحنة بين الجيش المصري والعصابات الصهيونية التي طوقت القوات المصرية وحاصرتها، بحيث أن أغلب السكان اضطروا للهروب منها خلال القتال والحصار، ومن تبقى هرب مع انسحاب الجيش المصري.

وهنالك حالات مثل قرى الغابسية وكفر برعم وأقرث قرب الحدود مع لبنان تلقى أهلها أوامر عسكرية مكتوبة من جيش الاحتلال الصهيوني تأمرهم بمغادرة قراهم لمدة أسبوعين لأسباب أمنية، وقد امتد الأسبوعان إلى 65 عامًا ولا أفق لعودة أهلها.

ما حصل هو عملية تطهير عرقي ممنهجة ومقصودة من أجل إبقاء أغلبية يهودية على الأرض، وليس لأي سبب آخر، وللأسف ما تزال روايات بني موريس تعتبر مرجعًا للكثير من الكتاب العرب على ما فيها من تجميل للجرائم وتحريف للحقائق.
  صورة للشيخ فرحان السعدي اعدم وهو بالثمانين من عمره
يتبع