بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات ماذا يتعلم الأولاد الإسرائيليون؟. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ماذا يتعلم الأولاد الإسرائيليون؟. إظهار كافة الرسائل

2009-09-08

ماذا يتعلم الأولاد الإسرائيليون؟ (الحلقة 2)/

ماذا يتعلم الأولاد الإسرائيليون؟ (الحلقة 2)/ أنطوان شلحت
توطئة لا بدّ منها هذه المواد المتفرقة تحاول أن ترسم بعض الملامح الساطعة لمنهاج وكتب التدريس الإسرائيلية، في تعاطيها مع شخصية الإنسان العربي، لمجرّد كونه كذلك.

وينبغي التنويه بدايةً بما يلي:

- هذه المواد تقدّم ملامح عامة، ولا تعدّ دراسة متكاملة حول الموضوع.
- تتوسّل المواد، بصورة رئيسة، بما ظهر في هذا الشأن أخيرًا في الساحة الإسرائيلية، من منظور تغلب عليه عادة المقاربة النقدية من وجهة النظر والدوافع المخصوصة لأصحابها. وهو منظور لا يشكّل، على أهميته، بديلاً عن منظورنا المخصوص الذي يتعيّن أن يتأتى عن دراسات ينجزها باحثونا في هذا الحقل الشديد الأهمية والخطورة.
- تقدّم هذه القراءات الخلفية العميقة لما يمكن اعتباره معيقات ذهنية بنيوية أمام رؤية الإنسان داخل "العدوّ العربي" من قبل الإسرائيليين عمومًا، فما بالك بالتعاطف مع وجوده وحقوقه؟.
- تنسحب الملاحظة السالفة، بطبيعة الحال، على جوهر الرؤية الإسرائيلية حيال المواطنين العرب كذلك. وسبق لدراسة إسرائيلية جديدة نسبيًا أعدّتها المحاضرة في موضوع الاتصال في الجامعة العبرية في القدس، د. يفعات معوز، أن كشفت عن تشكيلة من الوسائل النفسية والإدراكية المختلفة التي يستخدمها الإسرائيليون بهدف تكريس التمييز العنصري ضد الفلسطينيين والحيلولة دون حصولهم على حصتهم في موارد البلاد بالتساوي رغم اعتبارهم رسميا مواطنين. وتشير الدراسة، المعتمدة على نظريات سيكولوجية خاصة بالمفاهيم الاجتماعية والعلاقات بين المجموعات، إلى أن معظم المعيقات المانعة للمساواة بين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل هي معيقات بنيوية ومؤسساتية. وتفيد هذه الدراسة أن واقع التمييز ضد المواطنين العرب يشكل عنفا بنيويا يتناقض مع قيم التبادلية والمساواة والمعاملة الحسنة للآخر بالنسبة لقطاعات معينة من الإسرائيليين ما يدفعهم إلى استحداث "وسائل دفاعية نفسية عميقة" تساعد على تجاهل أو تبرير الواقع المذكور وبالتالي تصعيده ومأسسته بشكل غير رسمي.
- تتسّق الخلفية الراسخة المترتبة ضمن أشياء أخرى على كتب التدريس، دون روغان، مع "امتحان النتيجة" بالنسبة لتعامل "خريج" جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي مع الإنسان العربي في المجالات كافتها. وهو تعامل منسول في الوقت ذاته من ماهية "التصوّر الذاتي"، التي وقفت في صلب الفكر الصهيوني الجامح، فور بدء التخطيط لمشروع استعمار فلسطين، أرضًا وشعبًا، مع ضرورة مراعاة انعكاس ذلك على معايير السلوك الديمقراطي وعلى إجراءات تكوين "صورة إسرائيل" في الماضي والحاضر والمستقبل.
- لا ينحصر التعاطي الإسرائيلي مع الإنسان العربي الذي تغلب عليه سمة الشيطنة في كتب التدريس فحسب، وإنما تنعكس تعبيراته أيضًا في أدب الأطفال الإسرائيلي والأدب الإسرائيلي عمومًا، بمقدار ما تنعكس في سائر مضامير الثقافة الإسرائيلية، التي تغرّد في سرب الإجماع.


"الصراع الصامت"!

[حول كتاب "الصراع العربي- الإسرائيلي في كتب التاريخ المدرسية الإسرائيلية" الصادر حديثًا عن مركز "مدار"]






غلاف بحث د. إيلي بوديه 

(*) ثالثًا- تميّزت فترة تسلم ليمور ليفنات، من حزب "الليكود"، لحقيبة وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية (2001- 2006) بصعود يمين جديد ومتطرّف إلى رأس هرم جهاز التعليم الإسرائيلي. بل إن الباحث الإسرائيلي سامي شالوم شيطريت يرى أن فترة "ليفنات" كانت "أكثر الفترات خطورة بالنسبة للتعليم الإسرائيلي، الذي لا يمكن تسجيل نقاط كثيرة لصالحه" بصورة يصحّ في رأيه اعتبارها "قاب قوسين أو أدنى من الفاشية التامة". ويتمثل العارض الأول لهذه الفترة، التي لا بدّ أن تدرس في مرحلة ما، في اتخاذ هذا اليمين الجديد خطوات عملية صارمة لفرض التراجع على التطوّر الحاصل في الكتب الدراسية، الذي يقول به "بوديه". وفي التطبيق تمت ترجمة هذه الخطوات، لا على سبيل الحصر، عبر إقصاء كتب تدريس لا تخلص للرواية الصهيونية التاريخية التقليدية من منهج تدريس التاريخ. وقد طاول هذا المصير كتاب "عالم من التبدلات" لمؤلفه داني يعقوبي، الذي ألغت استخدامه لجنة المعارف في الكنيست كما سلفت الإشارة.

وقد استعانت "ليفنات" بكتاب صدر في الولايات المتحدة بعنوان "الدولة اليهودية: الصراع على الروح الإسرائيلية" هاجم فيه مؤلفه، د. يورام حزوني، مدير مركز "شاليم"، جهاز التربية ومناهج التدريس في المدارس العبرية.
ورأى هذا الكتاب أن جهاز التربية ينأى في الآونة الأخيرة عن التشديد على الغايات التقليدية للحركة الصهيونية بوصفها حركة "تحرير الشعب اليهودي من وطأة الدياسبورا واللاسامية" وحركة " انبعاثه القومي في أرض إسرائيل التاريخية"!.
وعلى وجه التحديد انصب هجوم "حزوني"، أكثر شيء، على كتاب جديد لتدريس التاريخ لطلاب الصفوف التاسعة، صدر العام 1999 بعنوان "عالم من التبدّلات". وهو من تحرير داني يعقوبي، وتشمل مواده فترة زمنية تمتد على مدار 75 سنة من القرن العشرين، بدءاً من نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى مقتل رئيس الحكومة الأسبق إسحق رابين.

ويرى "حزوني" أن همّ الذين انبروا لمهاجمة كتابه السالف (ومن بينهم بروفيسور التاريخ يسرائيل بارطال، الذي كتب مقالة من 6 آلاف كلمة نشرها في موقع وزارة المعارف على شبكة "الإنترنت") كان منصرفاً في الأساس، ليس نحو تفنيد مزاعمه وإنما نحو "الدفاع عن كتاب تدريس يستحيل الدفاع عنه"، في إشارة صريحة إلى كتاب "يعقوبي" المذكور، والذي كان لأمثال "بارطال" يد طولى في انتقاء مواده وتحريرها وإقرارها ضمن منهاج التدريس الرسمي.

وأضاف "حزوني": يجري الحديث عن كتاب يفترض فيه أن يستعرض التاريخ اليهودي والتاريخ العام في القرن العشرين، ويفارق بصورة متطرفة الخطوط العامة للهستوريوغرافيا الصهيونية التي كانت متبعة ومعتمدة في كتب التدريس في إسرائيل حتى الآن. ومن بعض الأمثلة على ذلك ما يلي: لا يرد في الكتاب أدنى ذكر لحايم فايتسمان خلال فترة إشغاله منصب رئيس المؤتمر الصهيوني (1921- 1946). ويخصص جملة واحدة فقط لنشاط دافيد بن غوريون السياسي قبل إقامة الدولة. ولا يذكر تمرد غيتو وارسو أو أية أعمال مقاومة ليهود أوروبا ضد النازية. و(منظمة) "الليحي" يجري وصفها بأربع كلمات فقط. أما توصيف حرب 1967 فلا يتطرق البتة إلى الحصار المصري على خليج إيلات. ثمة في الكتاب مادة وفيرة حول يهود الدياسبورا وحول الهولوكوست وعملية السلام ومقتل رابين. لكن ما يفتقر إليه هو المقاربات الجوهرية لمواضيع منسولة من الهستوريوغرافيا الصهيونية الكلاسيكية. وليس في الإمكان تفسير إصدار هذا الكتاب من جانب وزارة التربية والتعليم إلا بكون ذلك "خليطاً من الإهمال المهني والأيديولوجيا الما بعد قومية".
ولم يتأخر رد فعل محرر كتاب "عالم من التبدّلات" داني يعقوبي. وقد تركز دفاعه عن كتابه وهجومه من ثم على "حزوني" في النقاط الرئيسة التالية:
1- المدى الزمني الواسع لمضامين الكتاب (على مدار 75 سنة) يستوجب استعراضاً عاماً لهذه المواضيع. و"حزوني" يتغاضى عن حقيقة أن جزءاً كبيراً من مواضيع الكتاب يتم تدريسها بتوسع في الصفوف الثانوية العليا. ويدرس طلاب المدارس العبرية تاريخ الييشوف وبدايات الدولة وتاريخ الهولوكوست عدة مرات خلال سنوات الدراسة، ذلك أن هذه المواضيع هي "العمود الفقري في تدريس التاريخ في الصفوف الحادية عشرة وكذلك في امتحانات البجروت (التوجيهي)".
2- منهاج التدريس لا يمكن الحكم عليه بموجب مواد سنة تدريس واحدة، وإنما بموجب مواد جميع سنوات تدريس الموضوع.
3- مفهوم "حزوني" حيال الكتابة التاريخية منطلق من أن التاريخ هو "مجموعة من الحقائق والوقائع ليس أكثر"، بينما غاية هذه الكتابة تكمن في تقديم تفاسير وسياقات لمختلف السيرورات الناجزة مع الإشارة إلى ميول ونزعات بعيدة المدى، بما يتيح للطلاب إمكانية فهم الأحداث والسيرورات بمنظور أعم وأشمل. أما تدريس التاريخ، من خلال التركيز على الوقائع فقط، فإنه أدى بكثيرين من الطلاب إلى اعتبار التاريخ "موضوعاً مثيراً للملل ولا يحتاج إلى أكثر من ذاكرة جيدة للحفظ".

وقبل الهجوم على كتاب "يعقوبي" دارت معركة حول ما جرى اعتباره "أول محاولة من نوعها لتدريس تاريخ جديد حول حرب 1948" في المدارس العبرية. وتمثلت هذه المحاولة في كتاب آخر لتدريس التاريخ في الصفوف التاسعة من تأليف إيال نافيه يحمل عنوان "القرن العشرون: على عتبة الغد" (صدر، أيضاً، في 1999 عن منشورات "سفري تل أبيب").
وفي حقيقة الأمر فإن هذا "التاريخ الجديد"، حسبما تعكسه نصوص الكتاب المذكور، يقر بجزء يسير فقط من الحقائق المغيبة في المناهج السابقة. وهي حقائق من طراز أن المقاتلين اليهود في تلك الحرب كانوا "أكثر تسليحاً وتقانة" من الفلسطينيين العرب، وبالتالي فهي لم تكن طبعة أخرى من حرب "داود ضد جوليات".
ولتوضيح المقصود من قولنا بعدم الجدة المطلقة لهذا "التاريخ الجديد" نتوقف بقدر مناسب من التفصيل عند الكيفية التي تعامل بها كتاب "نافيه"، مثلاً، بإزاء موضوع واحد هو "الترانسفير" الذي لم يطلق عليه المؤلف هذه التسمية، حيث ورد فيه ما ترجمته الحرفية العبارات التالية:
"في أثناء المعارك (التي أعقبت صدور قرار التقسيم في 1947) طرد كثيرون من عرب البلاد، قسم منهم هرب حتى قبل أن يصل اليهود إلى القرية أو الحي العربي في المدينة. أما القسم الآخر فقد طرد على أيدي القوات المحتلة. وقد هرب عشرات الآلاف إلى الدول المجاورة في الأساس الأردن ولبنان وسوريا، على أمل أن تساعدهم هذه الدول على العودة إلى أماكن سكناهم السابقة، وقد أصبح الكثير منهم لاجئين في مخيمات أقيمت في قطاع غزة والضفة الغربية والدول المجاورة" (ص 134).

وفي موقع آخر، ضمن تلخيص حصيلة ما يسميه الكتاب "غزو الجيوش العربية"، جاء ما يلي:
"أكثر من 600 ألف عرب اقتلعوا من بلداتهم في البلاد وجرى توطينهم في مخيمات لاجئين، وفي الأساس في قطاع غزة الذي بقي في حوزة مصر والضفة الغربية التي بقيت في حوزة الأردن، وكذلك في سوريا ولبنان. ورفضت دولة إسرائيل السماح لغالبية هؤلاء اللاجئين بالعودة إلى أماكنهم وبقيت مخيمات اللاجئين في مواقعها حتى أيامنا الراهنة" (ص 146).

إذن: 600 ألف عربي اقتلعوا من بلداتهم. لكن من اقتلعهم؟! كيف؟! ولماذا؟!- جميع الأجوبة مبنية للمجهول حسب النص المثبت.
وإذا كان طرد 600 ألف إنسان هو "اقتلاع" فقط، فما هو "الترانسفير"؟!
أما المنظور الذهني الذي مهّد الأرضية الخصبة لتبرير "الترانسفير" ضد العرب الفلسطينيين في وعي الطالب اليهودي الذي يدرس هذا الكتاب، والذي تمثل أحد جوانبه الأشد وحشية في جانب "التفاوت الحضاري" بين اليهود والعرب، فإنه منشور بتورية حريصة في غالبية الفصول المتعلقة بالنزاع الفلسطيني ـ الصهيوني في هذا الكتاب الذي جرى "تسويقه" بكونه منتميًا إلى "التاريخ الجديد"، وذلك على النحو التالي:
1- في الفصل الخامس، الذي يتحدث عن خصائص الييشوف العبري في فلسطين، ورد ما يلي: "خصص البريطانيون أموالاً لتطوير البنية التحتية (في فلسطين) من شوارع وسكك حديدية. وشجعوا البناء الشعبي في المدن ووسعوا جهاز التعليم، ولقد عرف اليهود كيف يستغلون جيداً هذه الميزانيات، لذلك فقد تطورت هذه المناطق في تلك الفترة بوتيرة سريعة، غير أن الحال لم تكن كذلك في المرافق العربية" (ص 45).
"كانت مقاليد السيطرة على الجماهير الفلسطينية متركزة في أيدي عائلات محلية لم تر نفسها مرتبطة بـ(الأمير) فيصل وطموحاته ومشاريعه، زد على ذلك أن العرب رأوا في الصهيونية عنصراً غريباً لعدة أسباب، من بينها طريقة الحياة الغربية والعصرية التي جلبتها معها والتي كانت متناقضة مع طريقة حياة المجتمع العربي التقليدي" (ص46).
2- في الفصل التاسع، الذي يتحدث عن النزاع الصهيوني- العربي في سنوات الثلاثين فصاعداً، ورد: "لم يكن العرب الفلسطينيون قد تنظموا بعد في إطار حركات ومؤسسات سياسية، كما كانت حال الحركة الصهيونية. وغالبيتهم الساحقة، التي تألفت من فلاحين عديمي الثقافة، كانت خاضعة لتأثير واعظين متدينين وتقليديين رأوا أن الاستيطان الصهيوني كفر وشعوذة ويمس بالأماكن المقدسة للمسلمين ويتناقض مع التقاليد العربية، وقد منعت سلفاً أية إمكانية للتعاون بين اليهود والعرب رغم جهود البريطانيين لإقامة تعاون بين المجتمعين" (ص 85).

(*) رابعًا- في التاسع من كانون الأول 2004 نشر المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس"، عكيفا إلدار، تقريرًا حول مناهج التعليم الإسرائيلية والفلسطينية في الصحيفة اعتبر فيه "أن تعميق الأفكار التنميطية عن الطرف الآخر أكثر ذكاء وإحكاماَ عندنا في إسرائيل".

واستهل "إلدار" تقريره، الذي جاء تحت عنوان "مناطق فلسطينية؟ ليس في مدارسنا"، بالكلمات التالية: "كثيراَ ما يحاول سياسيون إسرائيليون أن يتذرعوا بمناهج التعليم الفلسطينية كإثبات قاطع على أن الفلسطينيين يواصلون تعليم أبنائهم الكراهية بدلاَ من السلام. وكان آخر هؤلاء رئيس الوزراء، أريئيل شارون، الذي طالب بجعل هذا الموضوع اختباراَ جدياَ للقيادة الفلسطينية الجديدة. مرشح فتح، محمود عباس "أبو مازن"، تلقى الأمر بقبول لكنه في الوقت نفسه وجّه اتهاماَ إلى وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية: يريدون فحص منهاج التعليم عندنا فليتفضلوا، ولكن على أساس مبدأ التبادلية. يجب أيضًا فحص المناهج الإسرائيلية".
ومضى "إلدار" يقول: يبدو أن مناهج التعليم الإسرائيلية لن تحصل على علامة أعلى من مناهج جارتها الفلسطينية في هذا الامتحان. صحيح أنه من الصعب أن تجد تحريضاَ بأسلوب فظ في مناهج التعليم الإسرائيلية على غرار السائد في المناهج المصرية والأردنية مثلاَ. لكن كما تقول الدكتورة روت فيرر، من الجامعة العبرية- القدس ومن طلائع الباحثين الإسرائيليين في المناهج التعليمية الإسرائيلية، فإن التلقين في الكتب الإسرائيلية أكثر إحكامًا ولذلك فإنه من السهل إدخال المعلومات المطلوبة إلى رأس التلميذ بسهولة أكثر. وتقول "فيرر" إنه والحالة هذه فمن الصعب التمييز بين المفاهيم التنميطية التي تختفي وراء أيقونة ساذجة مقارنة مع تلك التي تصاغ بكلمات "تجرّ القارئ من أنفه بقسوة ظاهرة".

ويشير "إلدار"، في سياق تقريره، إلى بحث جديد أنجزته الدكتورة نوريت بيلد- إلحنان، من كلية التربية في الجامعة العبرية في القدس. وقد شمل بحثها ستة كتب إسرائيلية صدرت في السنوات الأخيرة بعضها جرى اعتماده رسميا في قسم الخطط الدراسية في وزارة التربية والتعليم وبعضها الآخر اعتمده معلمون دون مصادقة رسمية.

أحد الاكتشافات البارزة في هذا البحث هو عدم وضوح مسار الخط الأخضر. ففي كتاب "إسرائيل- الإنسان والحيّز" يشار في خارطة مؤسسات التعليم العالي إلى تلك المؤسسات في المستوطنات (وهي كليات أريئيل، ألكناه، ألون شفوت وكتسرين) إلى جانب كليات صفد وعيمق يزراعيل وأشكلون. لا يوجد خط حدود ولا يوجد ذكر ولا حتى لمؤسسة تعليمية فلسطينية واحدة. ولا توجد في الخرائط أيضًا إشارة إلى الناصرة أو إلى أية مدينة عربية أخرى في إسرائيل، في حين أن مواقع مقدسة في الضفة الغربية مذكورة كجزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل . وفي فصل عن الحريديم في الكتاب يرد أن هؤلاء يعيشون في تجمعات أقيمت خصيصاَ لهم هي: كفار حباد، عمانوئيل، إلعاد وبيتار عيليت. والرسالة المقصودة هنا، برأي "بيلد- إلحنان"، هي أن المستوطنات (الاحتلالية) جزء غير منفصل عن دولة إسرائيل.

في معظم خرائط الكتب التي بحثت فيها "بيلد- إلحنان" يشار إلى مستوطنات مثل أريئيل وكتسرين باعتبارها جزءًا من دولة إسرائيل . في خارطة الحدائق الوطنية لا يوجد ذكر للخط الأخضر ولكن يوجد ذكر لمستوطنة معاليه إفرايم. وتؤكد "بيلد- إلحنان" أن هذه ليست إلا طريقة محكمة للتأكد من تكريس مفاهيم سياسية أساسية معينة في ذهن التلميذ .

وتضيف: "عندما يكتب الفلسطينيون اسم فلسطين على خرائطهم فإن هذا يعتبر تحريضًا. إذا كان الأمر كذلك فماذا يمكن أن نعتبر الكتب التي تسمي الضفة الغربية باسم يهودا وشومرون. وكذلك الأمر أيضًا في الخرائط التي ترسم الحدود الانتدابية، حين كان الاسم الرسمي فلسطين- أرض إسرائيل؟" .

وفي كتاب آخر هو "جغرافية أرض إسرائيل" لمؤلفيه طاليا ساغي ويانون أهروني (من إصدار "منشورات ليلاخ")، والذي يحظى بشعبية واسعة عند المعلمين، تظهر على غلافه خارطة أرض إسرائيل الكاملة دون أي ذكر للمناطق التي كانت عند صدوره تحت سيادة السلطة الفلسطينية. "في هذا ما يرمز للتلميذ إلى أن هذه المناطق كانت لنا منذ الأزل، وأن حرب الأيام الستة كانت تحريرًا أو تخليصًا لهذه الأراضي من قبضة المحتل العربي"، حسبما تكتب "بيلد- إلحنان" في بحثها .

وفي خارطة أخرى لونت الضفة الغربية فيها بلون مختلف جاء ما يلي: "في أعقاب اتفاق أوسلو فإن حدود يهودا وشومرون موجودة في خضم عملية تغيير دينامكية" . وفي النص المرفق جاء أيضًا أنه لم يشر إلى مناطق السلطة الفلسطينية في الخارطة، وذلك لأنه لا يجري الحديث حتى الآن عن حدود سياسية . أما فيما يتعلق بسوريا فإن وجود حدود دولية تعترف دولة إسرائيل بها لم يمنع المؤلفين من إخفائها عن الطلاب.

من ناحيته يؤكد البروفيسور يورام بار- غال، رئيس قسم الجغرافيا وعلم البيئة في جامعة حيفا، أنه من ناحية الخرائط في مجال التعليم فان السائد في إسرائيل هو المفهوم الشائع الذي يقول "خارطتي تعليمية وخارطتك دعائية". ويضيف أن الخرائط تحوز على مصداقية كبيرة ولهذا فهي تستخدم كأداة مهمة لنقل رسائل سياسية. و"الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل، مثلهما مثل باقي الدول والحركات، تستغلان هذه السمات التي للخرائط لتلبية احتياجاتهما".

ويتابع "إلدار": المصطلح "فلسطينيون"، مثله مثل مصطلح "الخط الأخضر"، يبدو غريباَ أيضًا عن كتب التدريس الإسرائيلية. حتى الفصل الذي يتطرق إلى اتفاقية أوسلو، فإن مؤرخين مهمين مثل البروفيسور إيلي بار نافي والدكتور ايال نافيه يفضلون بشكل عام استخدام مصطلح "عرب إسرائيل".

وتشير "بيلد- إلحنان" إلى فوارق هامة فيما يخص التعامل مع اللاجئين في الصور: اللاجئون الفلسطينيون يعرضون في صور التقطت من الجوّ لمخيم لاجئين ليس له اسم ولا توجد له معالم إنسانية، وذلك إلى جانب صور للاجئين يهود من أوروبا يجلسون على حقائبهم في "يهود". وقيل في الكتاب "إن المشكلة الفلسطينية نشأت بسبب انعدام الفعل وبسبب الإحباط، اللذين كانا من نصيب اللاجئين".
كما تشير إلى أن سلسلة من الرسوم، التي تزين كتاب "جغرافية أرض إسرائيل"، تكرّس رسائل مضللة حول بدائية العرب: الرجل يرتدي السروال وعلى رأسه الكوفية والمرأة باللباس التقليدي وغالبا ما تكون جالسة على الأرض، وثمة أطفال معدومو الملامح والوجوه يطلون من ورائها.

أما العوامل التي تؤثر سلبيًا على تطور القرى العربية والتي يوردها الكتاب فهي "أن معظم القرى العربية بعيدة عن المركز والطرق الموصلة إليها صعبة. وهذه القرى بقيت خارج مجال التطور والتغيير". وكذلك "لأن سكان القرى العربية لم يعتادوا على الحياة الحديثة". وكذلك "بسبب صعوبة ربطهم بشبكة الكهرباء والماء". غير أن هذه العوامل غير موجودة البتة عندما يتم الحديث عن مستوطنين يهود "يختارون السكنى في مستوطنات صغيرة على التلال البعيدة عن المركز وطرق الوصول إليها صعبة أيضًا".

ويختم "إلدار": تستحوذ القدس بطبيعة الأمر على اهتمام خاص في كتب التدريس الإسرائيلية. ففي كتاب "دول البحر المتوسط" من إصدار "منشورات معلوت" والذي تم اعتماده من قبل الوزارة جاء "أنه بالإضافة إلى اليهود يأتي المسيحيون والمسلمون إلى القدس من كل بقاع الأرض لزيارة الأماكن المقدسة". وتلاحظ "بيلد- إلحنان" أنه وبالرغم عن كون اليهود هم المجموعة الأقل من ناحية عددية، إلا أن ذلك لم يحل دون إضافة المسيحيين والمسلمين إلى اليهود. وصور الكنيس اليهودي تظهر في الكتاب أولاَ وقبل أي شيء وهي مشابهة في حجمها تقريباَ للمسجد الأقصى وكنيسة القيامة معًا.

وفي كتاب "يشوفيم بمرحاف" (بلدات في الحيّز)، الذي اعتمدته وزارة التربية والتعليم، تجد "بيلد- إلحنان" أن سطرين فقط خصصا لمدينة القدس منذ أيام الملك داود وحتى يومنا هذا، في حين أن تطلع اليهود إلى صهيون يستحوذ على أربعين سطرًا، وتغيب كلمة عرب عن النصوص والخرائط. كذلك لا يوجد ذكر للحي الإسلامي أو لجامعة فلسطينية أو لمستشفيات فلسطينية.

(*) أخيرًا- لئن كان في النقاط أعلاه ما يؤكدّ أنّ التطوّر الذي يرصده "بوديه" في كتب التدريس الجديدة لينادي بدفعه خطوات إلى الأمام، غير قارّ، بتأثير ما حصل بعد العام 2000 على وجه التحديد، فإن فيها أيضًا ما يشير فوق ذلك إلى عملية انكفاء تستدعي المزيد من مثل هذه الدراسة، سواء بالارتباط مع نتائجها واستنتاجاتها أو من دونه.
______________________________________________

* القسم الثاني والأخير من مقدمة كتاب "الصراع العربي الإسرائيلي في كتب التاريخ المدرسية الإسرائيلية 1948- 2000" لمؤلفه د. إيلي بوديه، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في "الجامعة العبرية"- القدس، الذي صدر في خريف 2006 عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، وجاء في 234 صفحة، وذلك بترجمة عن الإنجليزية أعدّها وليد أبو بكر. ويعتبر أشمل بحث لمؤلف إسرائيلي في هذا الصدد.


ماذا يتعلم الأولاد الإسرائيليون؟ (الحلقة 1).

ماذا يتعلم الأولاد الإسرائيليون؟ (الحلقة 1)/ أنطوان شلحت.
توطئة لا بدّ منها هذه المواد المتفرقة تحاول أن ترسم بعض الملامح الساطعة لمنهاج وكتب التدريس الإسرائيلية، في تعاطيها مع شخصية الإنسان العربي، لمجرّد كونه كذلك.

وينبغي التنويه بدايةً بما يلي:

- هذه المواد تقدّم ملامح عامة، ولا تعدّ دراسة متكاملة حول الموضوع.
- تتوسّل المواد، بصورة رئيسة، بما ظهر في هذا الشأن أخيرًا في الساحة الإسرائيلية، من منظور تغلب عليه عادة المقاربة النقدية من وجهة النظر والدوافع المخصوصة لأصحابها. وهو منظور لا يشكّل، على أهميته، بديلاً عن منظورنا المخصوص الذي يتعيّن أن يتأتى عن دراسات ينجزها باحثونا في هذا الحقل الشديد الأهمية والخطورة.
- تقدّم هذه القراءات الخلفية العميقة لما يمكن اعتباره معيقات ذهنية بنيوية أمام رؤية الإنسان داخل "العدوّ العربي" من قبل الإسرائيليين عمومًا، فما بالك بالتعاطف مع وجوده وحقوقه؟.
- تنسحب الملاحظة السالفة، بطبيعة الحال، على جوهر الرؤية الإسرائيلية حيال المواطنين العرب كذلك. وسبق لدراسة إسرائيلية جديدة نسبيًا أعدّتها المحاضرة في موضوع الاتصال في الجامعة العبرية في القدس، د. يفعات معوز، أن كشفت عن تشكيلة من الوسائل النفسية والإدراكية المختلفة التي يستخدمها الإسرائيليون بهدف تكريس التمييز العنصري ضد الفلسطينيين والحيلولة دون حصولهم على حصتهم في موارد البلاد بالتساوي رغم اعتبارهم رسميا مواطنين. وتشير الدراسة، المعتمدة على نظريات سيكولوجية خاصة بالمفاهيم الاجتماعية والعلاقات بين المجموعات، إلى أن معظم المعيقات المانعة للمساواة بين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل هي معيقات بنيوية ومؤسساتية. وتفيد هذه الدراسة أن واقع التمييز ضد المواطنين العرب يشكل عنفا بنيويا يتناقض مع قيم التبادلية والمساواة والمعاملة الحسنة للآخر بالنسبة لقطاعات معينة من الإسرائيليين ما يدفعهم إلى استحداث "وسائل دفاعية نفسية عميقة" تساعد على تجاهل أو تبرير الواقع المذكور وبالتالي تصعيده ومأسسته بشكل غير رسمي.
- تتسّق الخلفية الراسخة المترتبة ضمن أشياء أخرى على كتب التدريس، دون روغان، مع "امتحان النتيجة" بالنسبة لتعامل "خريج" جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي مع الإنسان العربي في المجالات كافتها. وهو تعامل منسول في الوقت ذاته من ماهية "التصوّر الذاتي"، التي وقفت في صلب الفكر الصهيوني الجامح، فور بدء التخطيط لمشروع استعمار فلسطين، أرضًا وشعبًا، مع ضرورة مراعاة انعكاس ذلك على معايير السلوك الديمقراطي وعلى إجراءات تكوين "صورة إسرائيل" في الماضي والحاضر والمستقبل.
- لا ينحصر التعاطي الإسرائيلي مع الإنسان العربي الذي تغلب عليه سمة الشيطنة في كتب التدريس فحسب، وإنما تنعكس تعبيراته أيضًا في أدب الأطفال الإسرائيلي والأدب الإسرائيلي عمومًا، بمقدار ما تنعكس في سائر مضامير الثقافة الإسرائيلية، التي تغرّد في سرب الإجماع.
"الصراع الصامت"!

[حول كتاب "الصراع العربي- الإسرائيلي في كتب التاريخ المدرسية الإسرائيلية" الصادر حديثًا عن مركز "مدار"]


غلاف كتاب إيلي بوديهلا يواري 
د. إيلي بوديه، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في الجامعة العبرية- القدس،
أن نتائج هذه الدراسة التي صدرت في الأصل باللغة الإنجليزية "وثيقة الصلة بالجهود المبذولة من أجل التوصل إلى حل سلمي للصراع العربي- الإسرائيلي". فهو على قناعة أكيدة بأن "الكتب الدراسية الإسرائيلية والعربية المنحازة رعت نوعًا من الصراع الصامت بين الطرفين وحافظت عليه".

ومع أن المؤلف، كما سيلحظ قارئ هذا الكتاب، لا يقفز عن مبدأ "التناظر بين الطرفين"، الذي عادة ما يقبله كثير من الباحثين الإسرائيليين كنقطة انطلاق بدهية لا تخضع للمساءلة، وهو مبدأ بالإمكان مساجلته بل وحتى تفنيده، إلا أنه يتجوهر في تشريح كتب التدريس الإسرائيلية، وهو ما أرى أنه ينبغي أن يعنينا أكثر شيء من هذا الكتاب.

يتناول المؤلف بالذات كتب التاريخ الإسرائيلية وكتب المدنيات (التربية المدنية أو كتب الموطن) في جهاز التعليم العبري منذ إنشاء إسرائيل العام 1948 حتى العام 2000. ويتوصل إلى خلاصات صافية وصريحة بشأن تصوير هذه الكتب للصراع العربي- الإسرائيلي، وأكثر من ذلك بشأن كيفية تصويرها للإنسان العربي. وهي خلاصات تفصح عن مضمونها ودوافعها في صفحات الكتاب كافة.

علاوة على هذه الخلاصات يدرس المؤلف عدة سياقات. ومهما تكن هذه السياقات فإن السياق الزمني يأخذ حيّزًا ملحوظًا. في هذا الشأن يرى المؤلف ويميّز بين ثلاث مراحل في قضية تقييم جهاز التعليم حيال الصراع: الأولى- مرحلة الطفولة (1920-1967)، الثانية- مرحلة المراهقة (1967- منتصف ثمانينيات القرن العشرين) والثالثة- مرحلة البلوغ (منذ منتصف الثمانينيات).

بطبيعة الحال من الموضوعي بمكان أن نعتبر أن المرحلة الثالثة بقيت مستمرة حتى العام 2000- وهو العام الذي تقف عنده دراسة "بوديه". وعلى أساس هذا التقسيم شهد جهاز التعليم في إسرائيل إصدار ثلاثة أجيال من كتب التاريخ والمدنيات الإسرائيلية: الجيل الأول استمر من فترة ما قبل 1948 حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين. واستمر الجيل الثاني من العام 1975 إلى العام 1992. وبدأ الجيل الثالث منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين. وهو يؤكد أن "التغيرات في التفكير والموقف تجاه الصراع العربي- الإسرائيلي في المجتمع وفي جهاز التعليم تبشّر بإصدار كتب دراسية جديدة" في المستقبل أيضًا، وذلك من النقطة الزمنية التي يتوقف عندها، وهو ما استوجب أن يكون ما أعقب ذلك الزمن من مستجدّات إحدى غايات هذا التقديم وأحد عوامل تطويله.

وتشير الكتب الدراسية الجديدة الناجزة، في قراءته، إلى الطريق الطويلة التي قطعها المجتمع الإسرائيلي ووزارة التربية والتعليم منذ العام 1948. ويبدو واضحًا أن منهج التاريخ الحالي وكتبه تعكس مجتمعًا أكثر نضجًا، لا يعتبر النقد الذاتي دليلاً على ضعف، بل دليل قوة وكبرياء. بيد أن هذه التغيرات المهمة، على أية حال، لم تكن بعد قد حققت المبادئ التي وضعها برنامج 1984 الوزاري "التعليم من أجل التعايش اليهودي- العربي"، التي دعت إلى تطوير القدرة على الاستمرار في "الاتصال الثقافي المتبادل"، القائم على معرفة التاريخ العربي والثقافة واللغة.

لذلك فإن الجيل الثالث من الكتب الدراسية، يجب النظر إليه كخطوة مهمة نحو إدراك هذا الهدف. مع ذلك، فربما يبدو أن هذا التقدّم الواضح ليس بالضرورة حتميًا بل هو عملية فيها مدّ وجزر، كما يعكسها قرار لجنة المعارف في الكنيست الإسرائيلي "بإلغاء استخدام" كتاب للصف التاسع (ألف ونشر من قبل وزارة التربية والتعليم!) بسبب بعض الحذف في رواية الصهيونية والتاريخ الإسرائيلي. هذا التغير الأخير يمكن أن يشير، كما يقول المؤلف، إلى أن "المعركة حول الرواية التاريخية في المجتمع الإسرائيلي لم تنته بعد". وهو ما سنوضحه في سياق لاحق.

إحدى النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة هي أنه ليست هناك فروق في مقاربة الموضوع بين الجهاز العلماني والجهاز الديني، لأن عددًا كبيرًا من الكتب نفسها يستخدم في الجهازين. بيد أن تحليلاً للكتب الدراسية التي كتبت خصيصًا للجهاز الديني أظهر أنها كانت أكثر تحيّزًا من الكتب الدراسية الموجهة إلى الجهاز العلماني. وفوق ذلك، ولأن منهج المدارس الدينية يحتوي على كثير من المواضيع ذات الأولوية العالية التي لا تدرس في الجهاز العلماني (في مجال الدراسات الدينية)، فمن المنطقي الافتراض أن موضوع الصهيونية وإسرائيل (خاصة في فترة ما بعد 1948) خصصت له ساعات دراسية أقل مما لدى المدارس العلمانية.

وقد كتب بروفيسور الفلسفة عكيفا إرنست سيمون، من الجامعة العبرية، نقدًا بليغًا لجهاز التعليم الإسرائيلي، بسبب التركيز على الحرب وذلك في أوائل ستينيات القرن العشرين، قال فيه:
"نحن لا نقوم بعمل أي شيء، وبالتأكيد إلى الحد الممكن أو الضروري، لإعداد تلاميذنا وتجهيزهم من أجل المستقبل، مستقبل يجب أن يجلب السلام، إلى منطقتنا على الأقل، مستقبل نحمل تجاهه مسؤولية مباشرة. إن السلام يعتمد، ضمن أمور أخرى، على جسر الهوة بين اليهود والعرب. صحيح أن التعليم وحده لن يستطيع الوصول إلى نقطة التحوّل هذه في العلاقات العربية اليهودية. مع ذلك، فإنه دون إعداد كاف سوف تبرز المعارضة النفسية عندما تكون الحالة السياسية ناضجة للسلام. هناك عدة طرق للتمهيد نحو السلام، لا يجوز إهمال أي منها: يجب توسيع المعرفة، وتجديد الفكر، ودعم الآراء المناسبة، وترويج المشاعر الإيجابية. وفوق ذلك، من الضروري عمل كل شيء يكفل تحقيق هذا الهدف الذي طال انتظاره، إذا لم يكن اليوم، فغدًا".

ويؤكد "بوديه" تبعًا لذلك: "مع أن الموجة الجديدة من كتب التاريخ الدراسية تشير إلى تغيرات في جهاز التعليم الإسرائيلي، إلا أن نقد سيمون يبدو في مكانه إلى حد كبير حتى اليوم. أولاً، على المجتمع الإسرائيلي أن يدرك أن الكتب الدراسية المنحازة لعبت دورًا مهمًا في تشكيل المواقف السلبية تجاه العرب. وحتى إذا كان ذلك دون وعي، فإن الكتب الدراسية ساهمت في تصعيد الصراع العربي- الإسرائيلي. وبنقلها صورة سلبية عن العربي، فقد أعاقت أي تغيّر جذري في وجهة النظر الإسرائيلية عن العرب. ثانيًا، محتوى كتب الجيل الثالث الدراسية يضمن إلى حد كبير أن التلاميذ الإسرائيليين الصغار سوف يلتقون بروايات أكثر دقة وتوازنًا. مع ذلك فإن تصحيح أخطاء الماضي وحدها ليس كافيًا، فبعد أن يزول الانحياز والتحامل، على جهاز التعليم أن يتقدم في توسيع دراسة تاريخ العرب، وثقافتهم ولغتهم، مع الاعتناء بتدريسها بأكبر قدر ممكن من الدقة والموضوعية. ولأن التغيرات في الكتب الدراسية غالبًا ما كانت من نتاج تطورات اجتماعية وسياسية، فقد ننتظر جيلا رابعًا من الكتب الدراسية".
ويتابع: "مهما يكن أثر التغير، فإنه سيظل محدودًا في كتب التاريخ الدراسية الإسرائيلية، إذا لم تحدث تغيرات موازية في المناهج والكتب الدراسية العربية، وخاصة الفلسطينية. من ناحية المعايير التاريخية والقومية، يقف الفلسطينيون في الوضعية التي كانت عليها إسرائيل قبل خمسين عامًا، وهم يشكلون ذاكرتهم الجماعية الخاصة وينتجون روايتهم التاريخية الخاصة من خلال ما يمكن اعتباره الجيل الأول للكتب الدراسية. وإذا كان على الكتب الفلسطينية أن تقطع، كما فعلت الكتب الدراسية الإسرائيلية، تلك العملية الطويلة والمضنية وربما التي لا يمكن تجنبها، فإن فرص المصالح الإسرائيلية- الفلسطينية الصادقة الدائمة ربما تبقى بعيدة في المستقبل".

ولا يدع "بوديه" أي مجال للشكّ في أن لديه أجندة عملية في هذا الخصوص، حيث يختم دراسته بالفقرة التالية: "يجب على المربين الإسرائيليين والعرب أن يوحدوا جهودهم وينتجوا كتبًا تجمع الرواية الصهيونية والرواية العربية الفلسطينية المضادة. قبل عشرين سنة تقريبًا، أدى مشروع تعليمي إسرائيلي- ألماني مشترك إلى انتقاد متبادل لكتب التاريخ والجغرافيا، وقد أوصى كلا الفريقين بتنقيحات فيما يتعلق بعرض تقديم العلاقات الإسرائيلية- الألمانية. وبالتأكيد، فإنه بعد الهولوكوست بفترة زمنية قصيرة كانت فرص مغامرة مثل هذه تبدو ضحلة. وعلى النمط نفسه، تبدو فرص المبادرة إلى مشاريع تعليم إسرائيلية عربية مشتركة (إسرائيلية مصرية، إسرائيلية أردنية، إسرائيلية فلسطينية، الخ...) أمرًا بعيدًا المنال الآن، لكن ذلك لا يجوز أن يردعنا عن الطموح لتحقيقها".

**************

لعلّ في توقف هذه الدراسة عند العام 2000 ما يقتضي أن نتطرّق إلى بعض عناوين ما تمّ في صدد كتب التدريس الإسرائيلية بعد ذلك وصولاً إلى الآن، لكون العام السالف مفصليًا من عدة نواح، أبرزها تفجّر الانتفاضة الثانية ونكوص "عملية التسوية" على أعقابها.

(*) أولاً- يشير المؤلف إيلي بوديه إلى أنه في أيار 1997 كشف استطلاع أكاديمي النقاب عن أن 40 بالمائة من طلبة المدارس الثانوية اليهودية "يكرهون" العرب وأن 60 بالمائة "يشعرون بدافع قوي للانتقام" (من العرب). وأظهر الاستطلاع أيضًا أن هناك زيادة تدريجية في المواقف السلبية اليهودية تجاه العرب منذ السبعينيات. ومع أن أسباب هذه النتائج المقلقة متعددة، إلا أن هناك ميلا لاعتبار الكتب الدراسية المنحازة عاملاً مهمًا في تبني المواقف السلبية تجاه العرب. وبالنسبة لعديد من الإسرائيليين، الذين لم يلتقوا بالعرب شخصيًا، كانت الكتب الدراسية إضافة إلى كتب الأطفال وكتب الهستوريوغرافيا ووسائل الإعلام قد صنعت منظورًا تتم من خلاله غربلة صورة العربي والمعلومات المتاحة عن العالم العربي. ويمكن تصوّر أن هذا الفهم يرافق الطالب حتى مرحلة نضجه، ويؤثر بعد ذلك على وجهة نظره السياسية أيضًا. وقد كتب أحد الأكاديميين "نحن لا نستطيع أن نصل إلى أي إدراك لواقع حالي لا يكون متأثرًا بقوة بصورة من الماضي- أي نوع من الصورة- سبق لها أن اندمجت مع داخلنا خلال مراحل نمونا وانتقلت إلى حياتنا خلال الرشد. مثل هذه الصور المعدّلة تتنوع وتكون مهمة، لأنها تقرّر كيف نفهم الأحداث التي تتم داخل واقعنا الحالي، ونتصرّف تجاهها".

(*) ثانيًا- ينكبّ باحث إسرائيلي آخر هو البروفيسور دانيئيل بار- طال، أستاذ علم النفس الاجتماعي- السياسي في جامعة تل أبيب، على بحث شخصية العربي التنميطية في الروح الإسرائيلية. وعطفًا على ما تقدّم بشأن مواقف الشبان الإسرائيليين، يبقى من المثير دائمًا العودة إلى الخلاصة التي يكررها هذا الأستاذ الجامعي.

مؤدى هذه الخلاصة أن التعامل السلبي حيال العربي، من طرف اليهود الإسرائيليين عمومًا، يتم اكتسابه في جيل مبكر لدى جميع فئات المجتمع الإسرائيلي، بصورة غير منوطة البتة بموقف فئة معينة دون سواها. بكلمات أخرى فإن التربية في البيت (الإسرائيلي)، وفقما يقول "بار- طال"، ليس في مقدرتها أن تحول دون اكتساب تعامل ثقافي سلبي إزاء العرب، فأولاد إسرائيل يتعلمون التنميط السلبي للعربي من ثقافة المجتمع. ويصبح هذا التعامل السلبي مركزيًا لدى معرفة مصطلح "عربي" ويتفاقم في جيل الطفولة حتى سن 9- 10 سنوات، حيث يبلغ ذروته. وبعد ذلك ربما تبدأ لدى البعض عملية اعتدال متدرّجة، لكن في الحالات جميعًا يظل مفهوم العربي سلبيًا بالمطلق.

ويؤكد "بار- طال" أن النزاع الإسرائيلي- العربي، الذي يقف في صلبه الآن بموجب قراءته نزاع إسرائيلي- فلسطيني ونزاع إسرائيلي- سوري، وإن كان الأخير قد خفّت حدته، يستمر في كونه العامل الحاسم في إنتاج التنميط الثقافي السلبي للعرب عمومًا والفلسطينيين والسوريين خصوصًا. مقابل ذلك فإن الإنهاء الرسمي للنزاع مع المصريين والأردنيين غيّر، بقدر ملحوظ، النظرة (الإسرائيلية) تجاههم.

كما يؤكد أن التنميط السلبي يواصل أداء دور مركزي ليس في تفسير الواقع فحسب، وإنما يشكل أيضًا عقبة أمام حل النزاع بطرق سلمية. فالطريق السلبية، التي ينظر من خلالها إلى العرب عمومًا والفلسطينيين خصوصًا، لا تنفك تشكل موشورًا يصدر المجتمع الإسرائيلي اليهودي، عبره، حكمه (القاطع) على الخصم. وهو يؤدي، حتمًا، إلى حكم منحرف وانتقائي ومختل يلقي أوزار المسؤولية عن خلق النزاع واستمراره وعن منع الوصول إلى حلّ له على كاهل ذلك الخصم. وهذا الحكم يتمحور، بصورة حصرية وإطلاقية، حول "عنف الخصم" فحسب ويحول دون أي تعاطف وجداني حياله ودون أي اعتبار لاحتياجاته. وهكذا تشكل النظرة السلبية (إلى الفلسطيني) واحدًا من العوامل التي تمنع التقدم إلى أمام في "عملية السلام".

في أواسط التسعينيات، وبالتزامن مع "عملية السلام" الإسرائيلية- الفلسطينية، أخضع "بار- طال" للفحص كتب التدريس العبرية في مواضيع الأدب والتاريخ والجغرافيا والمدنيات فوجد أنها لا تنفك تكرس النزاع الإسرائيلي- العربي وتمجده. وفي كتب التدريس العبرية المعتمدة في مدارس التيار الديني المتشدد (الحريدي) جرى تصوير النزاع بألوان أشد قتامًا، وشخصية العربي في قوالب أكثر سلبية وتنميطية. وفي فحص متجدّد في العام 1997 وجد أن كتب التدريس العبرية لا تزال تعاني من التثبت في الماضي، من غير أدنى تغيير يتناسب على الأقل مع سيرورة "عملية السلام".

وهو يقول في حوصلة هذا الشأن: "يبدو أن السلام بقي خارج حدود المدرسة، لأن من ينظر إليه يفعل ذلك بوصفه شيئاً ما منتميًا إلى السياسة تختلف الآراء حوله، أو بوصفه انحرافاً طفيفاً عن مسار التاريخ (الإسرائيلي) الحافل بالحروب. ولسان الحال هنا يقول: ما جدوى تغيير الكتب إذا كان السلام، وفق المنظور السالف، فصلاً قصيراً لن يصمد طويلاً؟".

(*) ثالثًا- تميّزت فترة تسلم ليمور ليفنات، من حزب "الليكود"، لحقيبة وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية (2001- 2006) بصعود يمين جديد ومتطرّف إلى رأس هرم جهاز التعليم الإسرائيلي. بل إن الباحث الإسرائيلي سامي شالوم شيطريت يرى أن فترة "ليفنات" كانت "أكثر الفترات خطورة بالنسبة للتعليم الإسرائيلي، الذي لا يمكن تسجيل نقاط كثيرة لصالحه" بصورة يصحّ في رأيه اعتبارها "قاب قوسين أو أدنى من الفاشية التامة". ويتمثل العارض الأول لهذه الفترة، التي لا بدّ أن تدرس في مرحلة ما، في اتخاذ هذا اليمين الجديد خطوات عملية صارمة لفرض التراجع على التطوّر الحاصل في الكتب الدراسية، الذي يقول به "بوديه". وفي التطبيق تمت ترجمة هذه الخطوات، لا على سبيل الحصر، عبر إقصاء كتب تدريس لا تخلص للرواية الصهيونية التاريخية التقليدية من منهج تدريس التاريخ. وقد طاول هذا المصير كتاب "عالم من التبدلات" لمؤلفه داني يعقوبي، الذي ألغت استخدامه لجنة المعارف في الكنيست كما سلفت الإشارة.

غير أن هذا الموضوع يحتاج إلى وقفة أخرى.
____________________________________________

* القسم الأول من مقدمة كتاب "الصراع العربي الإسرائيلي في كتب التاريخ المدرسية الإسرائيلية، 1948- 2000" لمؤلفه د. إيلي بوديه، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في "الجامعة العبرية"- القدس، الذي صدر في خريف 2006 عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، وجاء في 234 صفحة، وذلك بترجمة عن الإنجليزية أعدّها وليد أبو بكر. ويعتبر أشمل بحث لمؤلف إسرائيلي في هذا الصدد.