بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات نحو إعداد أجيال من العلماء العرب والمسلمين. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نحو إعداد أجيال من العلماء العرب والمسلمين. إظهار كافة الرسائل

2008-06-18

نحو إعداد أجيال من العلماء العرب والمسلمين

نحو إعداد أجيال من العلماء العرب والمسلمين
الجهود الحثيثة التي تبذل من قبل الأفراد والهيئات لانتشال المجتمعات العربية والإسلامية من براثن الفقر والجهل ومستنقعات المرض والتخلف ومحاولات الإصلاح يجب أن تركز على النشء والشباب لأنهم الأقدر على التغيير ولأن المستقبل أمامهم. ولتحقيق النهضة العلمية التي نسعى إليها يجب إعداد قاعدة علمية على أسس متينة واعداد أجيال من العلماء وذلك من خلال عدة أمور منها:


أولا: تشجيع النشء على حب العلوم
مع أنني من المتفائلين بأن تحقيق النهضة واستعادة أمجاد الماضي ممكنة إذا تحلينا بالصبر والجد والمثابرة ومع أنني من المؤمنين بأن المستقبل لهذا الدين إلا أن الواقع العربي والإسلامي يوحي بصعوبة تحقق ذلك على أيدي الجيل الحالي في هذه الفترة الحرجة أو في المستقبل القريب ولذلك أعتقد أن البداية الحقيقية لتحقيق النهضة العلمية التي نسعى إليها هي أن نعمل جاهدين ومن الآن على تشجيع النشء على حب العلوم وحب المعرفة.
ومن الضروري أن نبدأ مبكراً في خلق شخصية علمية وذلك من خلال تشجيع الأطفال والشباب على القراءة بصفة عامة وعلى قراءة الكتب العلمية المبسطة بصفة خاصة وأن نعلم أولادنا بعض الحقائق العلمية التي تتناسب مع المرحلة السنية التي يعيشون فيها، وأن نستغل فضولهم الطبيعي وحبهم للاستكشاف في ترسيخ مبادئ التفكير العلمي وربط الأشياء التي تحدث من حولنا بمسببها وبأسبابها وبذلك نكون قد حققنا هدفين في آن واحد:
1- ترسيخ وتقوية العقيدة الصحيحة في نفوس الأطفال وربط الطفل بخالقه عز وجل وبأنه القادر والمهيمن على كل شيء وأن طلب المدد والعون والنصرة لا يكون إلا من مالك ومسبب الأسباب وهو الله سبحانه وتعالى.
2- تحرير عقول الأطفال ونفسيتهم من الأساطير والخزعبلات والأوهام وابعاد التفكير الخرافي الذي يعتبر نوعاً من الشرك عن أذهان الأطفال الذي يعتبر أكبر معوق في طريق الفهم الحقيقي للظواهر الكونية وكيفية التعامل معها في المستقبل. وهو ما أرشدنا إليه وعلمنا إياه الرسول صلى الله عليه وسلم عن زيدِ بن خالدٍ الْجُهَنيِّ أنه قال:« صلَّى لنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصبحِ بالْحُدَيْبِيةِ ـ على أثَرِ سماءٍ كانت منَ الليلةِ ـ فلمّا انصرفَ أَقبلَ عَلَى الناسِ فقال: هل تَدرونَ ماذا قال ربُّكم؟ قالوا: اللهُ ورسولهُ أَعلمُ. قال: أصبح مِن عبادي مُؤمنٌ بي وكافرٌ.
ثانيا: اللعب ودوره في تنمية ذكاء الطفليعتقد الكثير من الآباء والأمهات أن اللعب ليس مهماً بالنسبة للأطفال ولا شك أنهم مخطئون في ذلك لأنهم لا يدركون أهمية وحاجة الطفل للعب فاللعب ينمي قدرات ومهارات الطفل الحسية في التعامل مع الأشياء واللعب يزيد من ذكاء الطفل ويستخرج الطاقة الكامنة بداخله.
واللعب عند الأطفال من الوسائل المهمة في التعلم واكتساب معارف جديدة ولذلك يجب أن نختار الألعاب المناسبة لسن الطفل وأن نختار الألعاب التي تتفق مع معتقداتنا، والألعاب التي تنمي المهارات، وأن نبتعد عن الألعاب الخطرة التي تؤذي الطفل وتؤذي من يلعب معه. ومن أنواع اللعب: اللعب التعاوني واللعب التناظري واللعب الايهامي واللعب الاستطلاعي.
وللعب أهمية بالغة في تعليم الطفل وفي تنمية مهاراته وهو ما أرشدنا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأثبتته الأبحاث والنظريات التربوية الحديثة.
وفي السنة النبوية المطهرة نجد إشارة بالغة الأهمية الى حاجة الطفل النفسية والجسدية للعب فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إحْدَى صَلاَتَيِ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنا أَوْ حُسَيْنا فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلاَةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلاَتِهِ سَجَدَةً أَطَالَهَا قَالَ أَبِي فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إلَى سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلاَةَ قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْر».
ففي هذا الحديث سمى الرسول صلى الله عليه وسلم لعب الحسن أو الحسين معه «حاجة» يجب أن تلبي للطفل وألا يحرم منها فهل ندرك نحن كآباء وامهات في القرن الحادي والعشرين أهمية اللعب بالنسبة للطفل؟
والرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا درساً في تعليم الأطفال من خلال الحوار فعندما أخذ الحسن بن علي تمرة ليأكلها لم يكتف بنهيه وزجره عن أكلها وإنما بين له السبب في ذلك وخاطبه وكأنه شخص بالغ عاقل يفهم معنى حديثه ومغزاه وهو درس نتعلم منه ان نحترم عقول الصغار وألا نستهين بقدراتهم على الفهم والادراك. «فعن أَبَي هُرَيْرَةَ، قال: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ. فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ».والألعاب التربوية كما يقول الدكتور زيد الهويدي أداة مهمة للتعلم وتنمية الجوانب المعرفية عند الطفل وتنمية الجوانب الاجتماعية وتنمية التفكير الابداعي وإتاحة الفرصة أمام الطفل للتعرف على قدراته الطبيعية.
ثالثا: العمل على بناء الشخصية العلمية
يقولون «الأدبي فضلوه على العلمي» تحريفا لمقولة «الأدب فضلوه على العلم» وهذه العبارة تلخص حال الكثير من الطلاب في العالم العربي الذين يفضلون دراسة المقررات الأدبية على دراسة المقررات العلمية ربما لسهولة جمع الدرجات وإمكانية دخول الجامعة أو هربا من دراسة المقررات العلمية التي يعتبرها البعض صعبة في الدراسة والفهم وصعبة في تحصيل الدرجات المؤهلة لدخول الجامعة.
والظاهرة الملفتة للنظر حقاً هي أن نسبة كبيرة من الطالبات يفضلن دخول الأقسام العلمية في المرحلة الثانوية ويلتحقن فيما بعد بالكليات العملية في الجامعة ويحققن - إن لم نقل ويحتكرن - المراكز الأولى في نتائج الامتحانات في المدارس والكليات.
وطبقاً لاحصائية الهيئة العامة للتعبئة والإحصاء بمصر حول خريجي الجامعات لعام 2005 فقد بلغ إجمالى خريجي مجموعة العلوم الطبية 25104 خريجا منهم 10767 من الذكور بنسبة 89 ,42% (14337) من الإناث بنسبة 11 ,57%.
وبلغ إجمالي خريجي مجموعة العلوم الأساسية 10006 خريجين خلال عام 2005 منهم 4662 من الذكور بنسبة 59 ,46% (5344) من الإناث بنسبة 41 ,53% وبلغ إجمالي خريجي مجموعة العلوم الإنسانية 312165 خريجاً خلال عام 2005 منهم 150344 من الذكور بنسبة 16 ,48% (161821) من الإناث بنسبة 84 ,51%.
والنسب التي وردت في هذه الإحصائية تظهر اهتمام الفتيات في مصر بدراسة العلوم الطبية والطبيعية والانسانية فهل تتحقق النهضة العلمية لهذه الأمة على أيدي فتياتها؟
وتقرير البنك الدولي حول التعليم «اصلاح التعليم في الشرق الاوسط وشمال افريقيا» يقول: إن ثلثي الطلاب في أكثر من نصف بلدان المنطقة العربية يتخرجون في مجالات العلوم الاجتماعية والدراسات الانسانية وليس في مجالات العلوم الاساسية والرياضيات، ونظراً لأن ابتكار وتطويع التكنولوجيا يلعب دوراً متزايد الاهمية في عملية التنمية فان مدارس منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا تنتج المزيج الخاطئ من القدرات.
ونسبة التخصصات في الدراسات العليا من أصل 2 ,3 مليون خريج في مجال العلوم والتقنية تبلغ 34% مقابل 66% للإنسانيات والمعدل المالي لتكلفة طالب التعليم العالي السنوية في العالم العربي هي أقل من 721 دولارا بينما تصل التكلفة في أعلى خمسة بلدان إلى 9576 دولارا.
وهروب الطلاب من الدراسة بالشعبة العلمية في المدارس الثانوية لم يعد ظاهرة يمكن إغفالها والتغاضي عنها، وإنما أصبح مشكلة حقيقية تؤرق حاضرنا وتهدد مستقبلنا وهو ما تنبهت إلى خطورته بعض الدول العربية وإن جاء ذلك متأخراً.
فقد قررت وزارة التربية والتعليم المصرية وضع خطة للتصدي لهروب الطلاب من الدراسة بالشعبة العلمية بالثانوية العامة، وهي الظاهرة التي عانت منها المدارس الثانوية منذ عدة سنوات. والهدف هو الحفاظ على منظومة استمرار تدفق الطلاب للشعبة العلمية بوصف هذه الشعبة تخرج طلابا لكليات العلوم والطب والهندسة وهي الدراسات المستقبلية التي تحتاجها الدول للتقدم والازدهار.
ويبقى سؤال مهم وهو: كيف نشجع الشباب على دخول الأقسام العلمية؟ فمن أجل تحقيق النهضة والتقدم واللحاق بركب الأمم التي سبقتنا بمراحل طويلة في العلوم التجريبية وفي التكنولوجيا لا بد من توافر بعض الأمور الهامة ومنها:
1- توعية الشباب وأولياء الأمور بأهمية الالتحاق بالأقسام العلمية لتحقيق طموحاتهم والرقي بأوطانهم وتجهيز المعامل بالأدوات اللازمة لإجراء التجارب وتوعية الطلاب بالمستقبل المهني لخريجي الكليات العملية وفرص العمل المتاحة أمامهم في مجال البحث العلمي وفي المجال الصناعي.
2- الاهتمام بالأقسام العلمية في مرحلة الثانوية العامة وتبسيط العلوم في المراحل الدراسية المختلفة وربطها بالحياة اليومية والتركيز على تعلم العلوم من خلال التجارب المرحة وتشجيع الطلاب على دخول تلك الأقسام ومنحهم مكافآت مالية وهذه المكافآت كفيلة بزيادة أعداد الطلاب الملتحقين بهذه الأقسام.
3- الاهتمام بكليات العلوم وتوفير الأجهزة العلمية الحديثة في المختبرات والمعامل ورعاية طلبة هذه الكليات ماديا وأدبيا وتشجيعهم على إجراء البحوث والتجارب المرتبطة بالحياة العملية وتأهيلهم لدخول سوق العمل بعد التخرج.
4- الاهتمام بترجمة الكتب العلمية الصادرة في الغرب وتوفير الكتب والدوريات والمجلات العلمية بأسعار مناسبة للأطفال والشباب وتشجيعهم على القراءة العلمية.
5- إقامة المحاضرات والندوات العلمية بصفة دورية لعرض أحدث ما توصل إليه العلماء وعرض الأبحاث العلمية التي تسهم في حل الكثير من المشكلات التي تواجه المجتمع في مختلف المجالات مثل مشكلة التلوث البيئي.
6- إقامة المسابقات العلمية بين أعضاء نوادي العلوم وبين طلبة كليات العلوم في جميع أنحاء الوطن العربي وتنظيم الملتقيات والندوات والرحلات بين تلك النوادي والكليات بصفة دورية بهدف تبادل الخبرات.
7- نشر الثقافة العلمية بين الجماهير من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وتخصيص مساحات وبرامج ثابتة يومية وأسبوعية تهتم بعرض الموضوعات والأفلام العلمية مع شرح مبسط لها ولعل أبرز هذه البرامج كان برنامج «العلم والإيمان» للدكتور مصطفى محمود والذي افتقده المشاهدون في العالم العربي.
رابعاً: الاهتمام بنوادي العلوم
نوادي العلوم في العالم العربي بحاجة إلى الدعم المادي والمعنوي وبحاجة إلى مزيد من الاهتمام وبحاجة إلى أخصائيين مبدعين يستطيعون استقطاب الشباب العربي وتشجيعهم على الانضمام لهذه النوادي واكتشاف مواهبهم والعمل على تنمية قدراتهم. وثمرة هذه النوادي هي تنمية ملكة التفكير العلمي عند الشباب وتطوير مهاراتهم وقدراتهم وتشجيعهم على الابتكار والإبداع.
دمتم بخيـر.
محمد إبراهيم خاطر/ عن صحيفة الوطن 16/6/2008