بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات هل الذاكرة الفلسطينية في خطر!؟. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات هل الذاكرة الفلسطينية في خطر!؟. إظهار كافة الرسائل

2014-05-21

هل الذاكرة الفلسطينية في خطر!؟

هل الذاكرة الفلسطينية في خطر!؟

بدأ كبار العمر ممن شهدوا نكبة فلسطين بالرحيل عن الحياة. لم يعودوا إلى بلادهم كما وعدتهم الجيوش العربية التي قاتل بعضهم معها واستشهد. كل ما تركوه في وصاياهم مواصلة العمل على حلم العودة. لكنّ عدداً كبيراً منهم لم توثق شهادته عن النكبة ومجازرها أو حتى تاريخ قراه وجغرافيتها، ما ينذر بفقدان إرث كبير

أحمد هنادي/ غزة / في الأمس، كان هنا اللاجئ الفلسطيني الحاج يوسف أبو عواد يجلس على مقعده الخشبي مبتسماً في وجوه المارة من جيرانه في حي الشيخ رضوان، وسط مدينة غزة. توسط أبو عواد الشارع ليقتنص الفرص ويحدث رواده من شباب الحي عن «أيام البلاد» وذكريات النكبة التي مضى عليها 66 عاماً.

رحل الرجل التسعيني قبل نحو أسبوع من حلول الخامس عشر من مايو (ذكرى النكبة) وعينه ترنو إلى قرية «الجية» التي هجر عنها برفقة والديه وأشقائه.
ورغم رحيل الحاج أبو عواد، فإن أحفاده ومنهم الشاب أسامة يحتفظون بتفاصيل اللجوء كما أخبر عنها الجد، لكن، ماذا عن التأريخ الكتابي أو الشفوي للنكبة في ظل موت عدد كبير ممن شهدوها من كبار العمر حالياً؟ سؤال يبدو مشروعاً مع حلول الذكرى السادسة والستين للهجرة القسرية التي تعرض لها الفلسطينيون إبّان ما يعرف بنكبة عام 1948.

وفاة المعمّرين

يرى بعض المتخصصين في علم الأنساب والمؤرخين الذين أصغت لهم «الأخبار» أن الذاكرة الفلسطينية باتت في «خطر» إزاء وفاة عدد كبير من المعمّرين الذين عاصروا النكبة من دون أخذ شهاداتهم ورواياتهم عن تفاصيل التشرد.
ويتحسر أستاذ التاريخ الشفوي في الجامعة الإسلامية في غزة زكريا السنوار على ضياع روايات وصفها بـ«المهمة» وتتعلق بمجازر ارتكبت في زمن النكبة، ومنها مجزرة اللد عام 1948، منبهاً إلى أنه صُدم بوفاة آخر من حمل تفاصيل تلك المجزرة وهو من لاجئي الأردن قبل نحو عامين.
السنوار الذي يشرف على إدارة مركز للتأريخ الشفوي في جامعته يقول لـ«الأخبار» إن الذاكرة الفلسطينية بحاجة إلى صون على ضوء وفاة عدد كبير من رواتها الذين عاصروها مع إحاطته بأن عدداً كبيراً من الأحفاد عادوا إلى المركز للاستفادة من روايات أجدادهم التي وثقت قبل موتهم، «فلو لم نفعل ذلك لما استطاع هؤلاء معرفة رواية النكبة والتشريد».
ويلقي أستاذ التاريخ اللوم على المؤسسات المعنية أو حتى وزارة التربية والتعليم لقوله إنها مقصرة في رسم خريطة فلسطين التاريخية على جدران المدارس، أو تسمية الفصول الدراسية بأسماء القرى والمدن التي تركها اللاجئون، وهي خطوات أولية اقترحها لتعزيز الحق الفلسطيني في عقول الصغار.
وأضاف: «من الكارثة أن نجد طلاباً في الإعدادية لا يعرفون قراهم الأصلية التي هجرها أجدادهم على أيدي الجماعات الصهيونية»، مطالباً بأن يقتحم المؤرخون الميدان ويسجلوا روايات من تبقّى ممن عاصروا الهجرة ضمن أبحاث ودراسات أكثر عمقاً.

رحيل الكبار ممن شهدوا النكبة ينذر بضياع أرشيف كبير

شجرة العائلات

على نحو متصل، رأى الباحث الفلسطيني في علم الأنساب ياسر قدورة أن التاريخ الشفوي الخاص بجذور العائلة الفلسطينية أمر آخر مهم لأنه يعزز قضية اللاجئين.
وحاول قدورة المسؤول عن موقع «هوية» الخاص بتاريخ العائلة الفلسطينية توثيق جذور هذه العائلة بإجراء مقابلات مع شهود النكبة من كبار السن، مشيراً إلى أنه واجه عراقيل كثيرة في هذا المضمار.
وبيّن الباحث في ورقة عمل قدمها في مؤتمر التاريخ الشفوي الذي أقيم في بيروت (شباط الماضي) أن من شأن التوثيق الشفوي أن يحفظ حقوق الأفراد بالاستناد إلى التأريخ، «إضافة إلى أنه يعزز تماسك الأسر، ما ينعكس إيجاباً على القضية الفلسطينية»، مشيراً إلى عودتهم خلال التوثيق إلى شواهد القبور، فضلاً عن استماعهم لروايات كثيرة من عدة مصادر، لكنه ميّز أهمها لدى كبار السن الذين عاصروا النكبة واحتفظوا بتفاصيل خاصة يُخشى فقدانها.
قدروة عرض لـ«الأخبار» مشكلة أخرى تتعلق برفض بعض الأسر ذكر أسماء البنات في بناء شجرة العائلة والاقتصار على الذكور تحت دواعي العادات والتقاليد، «بالإضافة إلى رفض شهود النكبة ذكر أسماء أشخاص تتعلق بهم أحداث مهمة أو خشيتهم من التعرض لوسائل الإعلام».

الفصائل والأحزاب والجمعيات الفلسطينية مقصرة

وانطلاقاً من قاعدة «من ليس له تاريخ ليس له مستقبل»، اتهم المخرج الفلسطيني سعود مهنا الجهات الرسمية بأنها «أجرمت بحق اللاجئين حينما لم تقدم الدعم الحقيقي لتوثيق الذاكرة الفلسطينية»، على حد وصفه.
مهنا ذكر لـ«الأخبار» أنه أنشأ مركز تسجيل الذاكرة الفلسطينية قبل نحو عقدين في غزة ووثق عبره مئات الشهادات للاجئين داخل الأراضي المحتلة والشتات، مؤكداً أنه يحتفظ بالمئات من الشهادات الموثقة بالفيديو في نتائج جهد ذاتي. وأشار المخرج إلى أن ضعف الإمكانات كان يحول دون تقديم الأعمال الوثائقية المتعلقة باللاجئين بأفضل صورة وعرض، موجهاً لوماً آخر للفصائل الفلسطينية بالقول: «لا أستثني أحداً من التنظيمات، فجميعهم مجرمون بحق العودة، لكنهم مبدعون في حفظ خطاباتهم السياسية!». ويدعو عدد من المتخصصين وذوي الشأن إلى إقامة كيان رسمي على مستوى وزارة أو دائرة رسمية لتوثيق المأساة الفلسطينية التي حلت قبل 66 عاماً والاستفادة بعجالة من شهود العيان ممن هم على قيد الحياة أو حتى الروايات التي سُجلت رحل أصحابها.
ويختم مهنا بالتحذير من أن التاريخ الفلسطيني في خطر ما لم تستنفر الجهات المسؤولة لجمع الذاكرة المرئية ووضعها تحت أيدي منتجين ذوي كفاءة لتقديم أعمال تلفزيونية تتعلق باللجوء وتوزيعها عبر أكثر من لغة في السفارات الفلسطينية في مختلف الأقطار.