بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المفصل في أحكام الأضحية، ما يطلب من المضحي عند الذبح وبعده، - 8 -. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المفصل في أحكام الأضحية، ما يطلب من المضحي عند الذبح وبعده، - 8 -. إظهار كافة الرسائل

2014-04-11

المفصل في أحكام الأضحية، ما يطلب من المضحي عند الذبح وبعده، - 8 -

المفصل في أحكام الأضحية،  ما يطلب من المضحي عند الذبح وبعده، - 8 -

الذي يغلب على ظني ـ بعد طولِ تأملٍ وتفكرٍ ـ رجحان القول الأول لقوة أدلته ويظهر ذلك فيما يلي :
أولاً : إن حديث أم سلمة خاص ، وحديث عائشة عام ، والخاص مقدم على العام .
قال ابن قدامة :[ وحديثهم عام وهذا خاص يجب تقديمه بتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص ] (1) .
وقال الشوكاني :[ ولا يخفى أن حديث الباب – أي حديث أم سلمة – أخص منه
– أي من حديث عائشة - مطلقاً فيبنى العام على الخاص ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم ولكن على من أراد التضحية ] (2) .
ثانياً : يجب حمل حديث عائشة على غير محل النزاع لوجوه منها :
أ - أن النبي  لم يكن ليفعل ما نهى عنه وإن كان مكروهاً ، قال الله تعالى :} وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عنه { سورة هود الآية 88 .
ب - ولأن أقلَّ أحوال النهي أن يكون مكروهاً ، ولم يكن النبي  ليفعل المكروه فيتعين حمل ما فعله في حديث عائشة على غيره .
ج - ولأن عائشة تخبر عن فعله  ، وأم سلمة تخبر عن قوله  ، والقول يقدم على الفعل ، لاحتمال أن يكون فعله خاصاً له (3) .
ثالثاً : إن ما قاله الطحاوي بأن حديث أم سلمة موقوف ؛ غير صحيح ، بل هو حديث مرفوع ، رفعه جماعة من المحدثين ، وقد رواه مسلم مرفوعاً من وجوه :
أ. الرواية الأولى في صحيح مسلم بإسناده وفيها حدثنا سفيان … قيل لسفيان : فإن بعضهم لا يرفعه . قال لكني أرفعه .
ب. الرواية الثانية في صحيح مسلم وفيها :( عن أم سلمة ترفعه … ) .
ج. الرواية الثالثة في صحيح مسلم مرفوعة .
د.الرواية الخامسة في صحيح مسلم مرفوعة (1) .
وأجاب العلامة ابن القيم جواباً مفصلاً عن الادعاء بأن حديث أم سلمة موقوف فقال :
[ وقد اختلف الناس في هذا الحديث وفي حكمه .
فقالت طائفة : لا يصح رفعه وإنما هو موقوف .
قال الدارقطني في كتاب العلل : ووقفه عبد الله بن عامر الأسلمي ويحيى القطان وأبو حمزة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد ، ووقفه عقيل على سعيد . ووقفه يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد عن أم سلمة : قولها . ووقفه عبد الرحمن بن حرملة وقتادة وصالح بن حسان عن سعيد : قوله . والمحفوظ عن مالك موقوف .
قال الدارقطني : والصحيح عندي قول من وقفه .
ونازعه في ذلك آخرون فصححوا رفعه منهم مسلم بن الحجاج ورواه في صحيحه مرفوعاً. ومنهم أبو عيسى الترمذي قال : هذا حديث حسن صحيح . ومنهم ابن حبان خرَّجه في صحيحه . ومنهم أبو بكر البيهقي قال : هذا حديث قد ثبت مرفوعاً من أوجه لا يكون مثلها غلطاً ، وأودعه مسلم في كتابه . وصححه غير هؤلاء وقد رفعه سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد عن أم سلمة عن النبي  .
ورفعه شعبة عن مالك عن عمرو بن مسلم عن سعيد عن أم سلمة عن النبي  .
وليس شعبة وسفيان بدون هؤلاء الذين وقفوه .
ولا مثل هذا اللفظ من ألفاظ الصحابة بل هو المعتاد من خطاب النبي  في قوله ( لا يؤمن أحدكم ) ( أيعجز أحدكم ) ( أيحب أحدكم ) ( إذا أتى أحدكم الغائط )
( إذا جاء أحدكم خادمه بطعام ) ونحو ذلك ] (2).
وقال صاحب تحفة الأحوذي بعد أن ذكر الطرق المرفوعة لحديث أم سلمة :[ وهذه الطرق المرفوعة كلها صحيحة ، فكيف يصح القول بأن حديث أم سلمة الموقوف هو أصل الحديث بل الظاهر أن أصل الحديث المرفوع ] (3).
وقد بيَّن الشيخ الألباني أن الصحيح أن هذا الحديث مرفوع ؛ حتى وإن لم يصرح سعيد بن المسيب برفعه فله حكم الرفع لأنه لا يقال بالاجتهاد والرأي (1).
رابعاً : ويجاب على من ردَّ حديث أم سلمة بالقياس ، كما سبق في كلام الطحاوي ، أنَّ مُريدَ الأضحية لا يحرم عليه الجماع ، فلا يحرم عليه قص شعره وأظفاره ؛ بما قاله ابن حزم :[ ثم لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل ، لأنه ليس إذا وجب أن لا يمس الشعر والظفر بالنص الوارد في ذلك ، يجب أن يتجنب النساء والطيب ، كما أنه إذا وجب اجتناب الجماع والطيب ،لم يجب بذلك اجتناب مس الشعر والظفر ، فهذا الصائم فرضٌ عليه اجتناب النساء ، ولا يلزمه اجتناب الطيب ، ولا مس الشعر والظفر ، وكذلك المعتكف ، وهذه المعتدة يحرم عليها الجماع والطيب ، ولا يلزمها اجتناب قص الشعر والأظفار .
-----------------------------
(1) المغني 9/437 .
(2) نيل الأوطار 5/128 .
(3) المغني 9/437 .
(1) انظر صحيح مسلم مع شرح النووي 4/119-120 .
(2) شرح ابن القيم علىسنن أبي داود بهامش عون المعبود 7/346 .
(3) تحفة الأحوذي 5/100 .
(1) إرواء الغليل 4/378 .
--------------------------------

… وهذه فتيا صحت عن الصحابة رضي الله عنهم ، ولا يعرف فيها مخالفٌ منهم لهم ](2)
وقال ابن القيم :[ وأسعد الناس بهذا الحديث من قال بظاهره لصحتة وعدم ما يعارضه …
ولهذا كان أحمد وغيره يعمل بكلا الحديثين : هذا في موضعه وهذا في موضعه .
وقد سأل الإمام أحمد أو غيره عبد الرحمن بن مهدي عن هذين الحديثين ؟ فقال : هذا له وجه وهذا له وجه ] (3).
وبعد هذا العرض أرجو أن يكون ما رجحته هو الراجح ، وقد كنت أميل للقول بالكراهة فقط ، ثم ترجح عندي القول بالتحريم ، والله أعلم .

ما المراد بالنهي عن الأخذ من الشعر والظفر الوارد في حديث أم سلمة :
قال الإمام النووي :[ قال أصحابنا : والمراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهي عن إزالة الظفر بقلْمٍ أو كَسْرٍ أو غيره .
والمنع من إزالة الشعر ، بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذ بنورة أو غير ذلك .
وسواء شعر الإبط والشارب والعانة والرأس ، وغير ذلك من شعور بدنه .
قال إبراهيم المروزي وغيره من أصحابنا : حكم أجزاء البدن كلها حكم الشعر والظفر .
ودليله الرواية السابقة ( فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ) ] (1) .
وقال بعض أهل العلم إن المراد بالشعر شعر الرأس وبالبشر شعر البدن فعلى هذا لا يدخل فيه قلم الأظفار فلا يكره (2) .
والصواب القول الأول ، لأنه ورد في إحدى الروايات عند مسلم :( فلا يأخذن شعراً ولا يقلمن ظفراً ) .
وكذلك ما ورد عن عمرو بن مسلم بن عمار الليثي قال :( كنا في الحمام قبيل الأضحى فأطلى فيه ناس فقال بعض أهل الحمام : إن سعيد بن المسيب يكره ذلك أو ينهى عنه . فلقيت سعيد بن المسيب فذكرت ذلك له فقال : يا ابن أخي هذا حديث قد نسي وترك
حدثتني أم سلمة زوج النبي  قالت : قال رسول الله  … الحديث ) رواه مسلم .
والإطلاء بالنورة هو إزالة شعر العانة بالنورة وهي مادة تستعمل في إزالة الشعر(3) .
وأما الحكمة في النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار في حق من أراد الأضحية فهي ما قاله الإمام النووي :[ قال أصحابنا : والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار ] (4) .
وإذا لم يلتزم مريد الأضحية بهذا النهي فأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره فإنه يستغفر الله سبحانه وتعالى ولا فدية فيه إجماعاً سواء فعله عمداً أو نسياناً قاله الشيخ ابن قدامة (5).

المبحث الثاني
وقت الأضحية

المطلب الأول : أول وقت ذبح الأضحية :

اختلف الفقهاء في أول وقت ذبح الأضحية على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يدخل وقت ذبح الأضحية بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة ، وبعد دخول وقت صلاة الضحى ، ومُضي زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين ، لا فرق في ذلك بين أهل الحضر والبوادي .
وهذا قول الشافعية والحنابلة ، وبه قال ابن المنذر وداود الظاهري والطبري ، ويرى الحنابلة أيضاً أن يكون الذبح بعد صلاة الإمام وخطبته خروجاً من الخلاف (1) .
القول الثاني : يدخل وقت ذبح الأضحية بطلوع فجر يوم النحر في حق من لا تجب عليهم صلاة العيد من سكان البوادي .
وأما أهل الحاضرة فيدخل وقت الأضحية في حقهم بعد صلاة العيد ، وأما إن لم يصلوا العيد لعذر فيدخل وقتها بمضي وقت الصلاة ، وهذا قول الحنفية (2).
القول الثالث : يدخل وقت ذبح الأضحية بعد صلاة الإمام وخطبته وبعد ذبحه لأضحيته، فإن لم يذبح ، اعتبر زمن ذبحه ، وهذا قول المالكية (3) .
--------------------------------
(2) المحلى 6/26 .
(3) شرح ابن القيم على سنن أبي داود بهامش عون المعبود 7/348 .
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 5/119-120 ، وانظر المحلى 6/28 ، الحاوي 15/74 .
(2) عون المعبود 7/349 ، الحاوي 15/ 74 . (3) المصباح المنير ص 630 .
(4) شرح النووي على صحيح مسلم 5/120 ، وانظر الذخيرة 4/142 .
(5) المغني 9/437 .

(1) الحاوي 15/85 ، كشاف القناع 3/9 ، المغني 9/452 ، المجموع 8/387 ، مغني المحتاج 6/129 ، المحلى 6/35 .
(2) الهداية 8/430 ، حاشية ابن عابدين 6/380 ، الاختيار 5/19 ، تحفة الفقهاء 3/83 . فتح باب العناية 3/74-75.
----------------------------------

أدلة القول الأول :
1. احتجوا بحديث البراء بن عازب  قال : قال رسول الله  :( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا ، نصلي ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله ، وليس من النسك في شيء ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى .
2. وفي رواية أخرى عن البراء قال : خطبنا رسول الله  في يوم نحر فقال :( لا يضحين أحدٌ حتى يصلي . قال رجل : عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم .
قال : فضح بها ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك ) رواه مسلم (4) .
3. وفي رواية ثالثة قال البراء  :( ذبح أبو بردة قبل الصلاة . فقال النبي  أبدلها … الخ ) رواه البخاري ومسلم (1) .
4. وفي رواية رابعة عن البراء  قال : قال رسول الله  :( لا يذبحن أحد حتى يصلي ) رواه مسلم (2) .
5. وفي رواية خامسة عن البراء  قال :( صلى رسول الله  ذات يوم فقال : من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فلا يذبح حتى ينصرف ) رواه البخاري (3) .
6. وعن أنس  قال : قال رسول الله  يوم النحر :( من كان ذبح قبل الصلاة فليعد فقام رجل فقال يا رسول الله … ) رواه البخاري ومسلم (4) .
قالوا إن هذه الأحاديث تدل على أن وقت الأضحية يكون بعد الصلاة . قال الحافظ ابن حجر معلقاً على الرواية الخامسة من حديث البراء  :[ تمسك به الشافعية في أن أول وقت الأضحية قدر فراغ الصلاة والخطبة ، وإنما شرطوا فراغ الخطيب ، لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة في هذه العبادة فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين على أخف ما يجزي بعد طلوع الشمس ، فإذا ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح عن الأضحية سواء صلَّى العيد أم لا وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا ، ويستوي في ذلك أهل المصر والحاضر والبادي ……
قال القرطبي : ظواهر الأحاديث تدل على تعليق الذبح بالصلاة ، لكن لما رأى الشافعي أن من لا صلاة عيد عليه مخاطب بالتضحية حمل الصلاة على وقتها ] (5) .
وظاهر الأحاديث السابقة اعتبار نفس الصلاة فيبدأ وقت الأضحية بعد الصلاة في حق من يصلي العيد ، وأما من لا يصلي العيد كأهل البوادي , فأول وقتها في حقهم مضي قدر الصلاة والخطبتين بعد الصلاة ، لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر فوجب الاعتبار بقدرها (6).

أدلة القول الثاني : احتج الحنفية بما جاء في الحديث عن أنس  قال : قال رسول الله  يوم النحر:( من كان ذبح قبل الصلاة فليعد … الحديث ) وقد مضى قريباً .
واحتجوا بما جاء في حديث البراء  أن الرسول  قال :( إن أول ما نبدأ به يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح … الحديث ) وقد مضى قريباً .
قال الزيلعي الفقيه :[ قال ذلك – أي الرسول  - في حق من عليه صلاة العيد ، كيلا يشتغل بها عنها ، فلا معنى للتأخير عن القروي إذ لا صلاة عليه ] (1) .
أدلة القول الثالث : احتجوا بحديث البراء أن خاله أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح رسول الله  فقال :( يا رسول الله إن هذا يوم اللحم فيه مكروه ، وإني عَجَّلتُ نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري . فقال رسول الله  : أعد نسكاً .فقال :يا رسول الله إن عندي عناقاً … الحديث ) رواه البخاري ومسلم (2) .
واحتجوا بحديث جندب بن سفيان  قال : شهدت الأضحى مع الرسول  فقال :
( من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي أو نصلي فليذبح مكانها أخرى ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله ) رواه مسلم (3) .
----------------------------------
(3) الذخيرة 4/149 ، الشرح الكبير 2/120 ، القوانين الفقهية 125 ، شرح الخرشي 3/36 ، تفسير القرطبي 12/42
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 5/100 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/114 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/100 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 5/99 .
(3) صحيح البخاري مع الفتح 12/117 .
(4) صحيح البخاري مع الفتح 12/116 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/100-101 .
(5) فتح الباري 12/117-118 .
(6) المغني 9/452 .
(1) تبيين الحقائق 6/4 ، وانظر الهداية 8/431 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 12/108 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/98 .
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 5/96 .
---------------------------------

قال الحافظ ابن عبد البر :[ وفي حديث مالك – أي حديث البراء – من الفقه أن الذبح لا يجوز قبل ذبح الإمام ، لأن الرسول  أمر الذي ذبح قبل أن يذبح بالإعادة ، وقد أمرنا الله بالتأسي به ، وحذرنا من مخالفة أمره ، ولم يخبرنا  أن ذلك خصوص له ، فالواجب في ذلك استعمال عمومه ] (4) .

القول الراجح في المسألة :
إن وقت الأضحية يبدأ بعد انتهاء صلاة العيد والخطبة ، إن صليت صلاة العيد كما كان يصليها رسول الله  بعد طلوع الشمس وارتفاعها بمقدار رمح أو رمحين ، سواء صلَّى مريدُ الأضحية العيد أم لم يصل ، وسواء كان من أهل البوادي أو الحضر ، وسواء ذبح الإمام أو لم يذبح ، وفي زماننا هذا حيث إنه لا إمام للمسلمين ، فلا يرتبط أمر الأضحية بفعل الحكام الموجودين .
ولا أرى التفريق بين أهل البوادي والحضر ، لعموم الأحاديث الواردة كحديث
أنس  أن الرسول  قال :( من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين ) رواه البخاري (1).

المطلب الثاني : آخر وقت ذبح الأضحية ومدته :
اختلف أهل العلم في آخر وقت ذبح الأضحية ومدته كما يلي :
القول الأول : ينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق ، أي أن أيام النحر ثلاثة ؛ يوم العيد ويومان بعده .
وهذا قول عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم ، وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة وبه قال الثوري وابراهيم النخعي.
القول الثاني : ينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق ، أي أن أيام النحر أربعة ؛ يوم العيد وثلاثة أيام بعده ،وهو قول الشافعية .
قال الإمام الشافعي :[ فإذا غابت الشمس من آخر أيام التشريق ثم ضحى أحد فلا ضحية له ] (1) .
ونقل هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام ،
وهو قول عطاء والحسن والأوزاعي ومكحول واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني .
القول الثالث : يوم النحر هو يوم العيد فقط وبه قال محمد بن سيرين وحميد بن
عبد الرحمن وداود الظاهري .
القول الرابع : يوم النحر هو يوم العيد في حق أهل الأمصار ، وأيام التشريق لأهل القرى والبوادي . وبه قال جابر بن زيد وسعيد بن جبير .
القول الخامس : تجوز الأضحية حتى هلال المحرم وبه قال أبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وهو قول ابن حزم الظاهري (2) .

أدلة القول الأول :
احتجوا بقوله تعالى:} لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ { سورة الحج الآية 28 .
فحملوا الأيام المعلومات على يوم النحر ويومين بعده ، قال الحافظ ابن عبد البر :[ وروي ذلك عن ابن عمر  من وجوه . وبه قال الإمام مالك وأصحابه وأبو يوسف القاضي .
وروينا عن مالك وعن أبي يوسف أيضاً أنهما قالا : الذي نذهب إليه في الأيام المعلومات أنها أيام النحر : يوم النحر ، ويومان بعده ؛ لأن الله تعالى قال:} وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ { سورة الحج الآية 28.
فعلى قول مالك ، ومن تابعه يوم النحر معلوم ، أي من المعلومات ، ليس بمعدود ، أي ليس من المعدودات ، واليومان بعده معدوداتٌ معلوماتٌ ] (1) .
وقال القرطبي :[ وهذا جمع قلة لكن المتيقن منه الثلاثة وما بعد الثلاثة غير متيقن فلا يعمل به ] (2) .
2. واحتجوا بأن النبي  نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه (3) .
-------------------------------
(4) فتح المالك 7/10 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/99 .
(1) الأم 2/222 .
(2) المغني 9/453 ، المجموع 8/390 ، المحلى 6/39-41 ، فتح الباري 12/103 ، معجم فقه السلف 4/137، تفسير القرطبي 12/43 ، نيل الأوطار 5/142 ، الذخيرة 4/149 ، الهداية 8/432 ، الآثار ص 61 ،كشاف القناع 3/9 ، زاد المعاد 2/318 ، الاستذكار 15/197 الاختيارات العلمية ص71 ،فتح باب العناية 3/75.
(1) الاستذكار 15/200 .
(2) تفسير القرطبي 12/43 .
-----------------------------

قالوا وهو قول جماعة من الصحابة هم عمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم،
قال الإمام أحمد :[ أيام النحر ثلاثة ، عن غير واحد من أصحاب رسول الله  ] .
وفي رواية أخرى عنه قال :[ خمسة من أصحاب رسول الله ] .
قال ابن قدامة :[ ولا مخالف لهم إلا رواية عن علي  ، وقد روي عنه مثل مذهبنا ] (4).
وروى مالك عن نافع أن ابن عمر  قال :[ الأضحى يومان بعد يوم الأضحى ] (5) .
أدلة القول الثاني :
1. احتجوا بما ورد في الحديث عن جبير بن مطعم  عن النبي  أنه قال :( كل فجاج مكة منحر ، وكل أيام التشريق ذبح ) رواه أحمد وابن حبان وصححه ورواه البيهقي والطبراني في الكبير والبزار والدراقطني وغيرهم (1) .
وقال البيهقي : وهو مرسل . وذكر له طرقاً متصلة ، ولكنها ضعيفة كما قال (2) ؛ إلا أنه قال أيضاً إن حديث جبير أولى أن يقال به (3) .
وقال الهيثمي :[ رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير إلا أنه قال :( وكل فجاج مكة منحر ) ورجاله موثقون ] (4) .
وقال الحافظ ابن حجر :[ أخرجه أحمد لكن في سنده انقطاع ، ووصله الدارقطني ورجاله ثقات ] (5) .
وذكره السيوطي في الجامع الصغير ورمز له بالصحة وأقره المناوي (6) .
وقال الشيخ الألباني : صحيح (7) .
وقال الشيخ أحمد الغماري :[ فحديث جبير بن مطعم ، رواه أحمد والبزار والطبراني وابن حبان في الصحيح ، والبيهقي عنه قال : قال رسول الله  :( كل عرفات موقف ، وكل مزدلفة موقف ، وارفعوا عن محسر ، وكل فجاج منى منحر ، وكل أيام التشريق ذبح ) اختصره البيهقي فاقتصر على ذكر أيام التشريق منه ، وهو حديث حسن ، وإن كان سند أحمد وقع فيه انقطاع .
أما الاختلاف الواقع من سليمان بن موسى ، فمحمول على أنه سمعه من عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم ، وسمعه من نافع بن جبير عن أبيه أيضاً ، ومن محمد بن المنكدر عن جبير ، فهو لم يخرج بالحديث عن جبير الذي تعدد من حدثه به ، وهو ثقة فالحديث حسن أو صحيح كما قال ابن حبان ] (1) .
2. واحتجوا بأن هذا القول قد نقل عن علي وابن عباس وعطاء وعمر بن عبد العزيز، فقد روى البيهقي بإسناده عن ابن عباس قال : الأضحى ثلاثة أيام بعد يوم النحر .
وروى أيضاً عن الحسن وعطاء قالا : يُضَحَّى إلى آخر أيام التشريق .
وروى أيضاً عن عمر بن عبد العزيز قال : الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بعده (2) .
أدلة القولين الثالث والرابع :
لم أعثر فيما بين يدي من المصادر على أدلة لهذين القولين سوى ما نقل عن القائلين بهما من كلامهم فقد روى ابن حزم بإسناده عن محمد بن سيرين قال :[ النحر يوم واحد إلى أن تغيب الشمس ] .
وعن حميد بن عبد الرحمن أنه كان لا يرى الذبح إلا يوم النحر .
وروى بإسناده عن جابر بن زيد قال :[ النحر في الأمصار يوم وبمنى ثلاثة أيام ] (3) .
أدلة القول الخامس :
1. احتجوا بما رواه البيهقي بإسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار أنه بلغهما أن رسول الله  قال :( الضحايا إلى آخر الشهر لمن أراد أن يستأني ذلك ) .
-------------------------------------
(3) المغني 9/453 .
(4) المصدر السابق 9/453-454 .
(5) الموطأ 1/388 ، وانظر سنن البيهقي 9/279 ، معرفة السنن والآثار 14/65 ، الاستذكار 15/197 .
(1) الفتح الرباني 13/94 ، صحيح ابن حبان 9/166 ، سنن الدارقطني 4/284 ، سنن البيهقي 9/295 ، تحفة المحتاج 2/534 .
(2) سنن البيهقي 9/295-296 .
(3) المصدر السابق 9/298 .
(4) مجمع الزوائد 3/251 .
(5) فتح الباري 12/103 .
(6) فيض القدير 5/35 .
(7) صحيح الجامع الصغير 2/834 .
(1) الهداية في تخريج أحاديث البداية 5/403-404 .
(2) سنن البيهقي 9/296-297 .
(3) المحلى 6/39-40 .
-----------------------------

قال ابن حزم :[ وهذا من أحسن المراسيل وأصحها ] (4) .
2. وفي رواية أبي حامد أن نبي الله  قال :( الضحايا إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني ذلك ) رواه أبو داود في المراسيل .
3. وما رواه البيهقي بإسناده عن يحيى بن سعيد قال :[ سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يقول : إنْ كان المسلمون ليشتري أحدهم الأضحية فيسمنها فيذبحها بعد الأضحى آخر ذي الحجة ] .
ثم قال البيهقي :[ حديث أبي سلمة وسليمان مرسل ، وحديث أبي أمامة حكاية عمن لم يسم ] (1) .
وقال الحافظ ابن حجر عند ذكر رواية يحيى بن سعيد قال :[ سمعت أبا أمامة بن سهل . قال كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون ].
قال الحافظ :[ وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن عباد بن العوام أخبرني يحيى بن سعيد وهو الأنصاري ولفظه : كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها ويذبحها في آخر ذي الحجة ] قال أحمد هذا الحديث عجيب (2) .
4. قال ابن حزم :[ الأضحية فعل خير وقربة إلى الله تعالى ، وفعل الخير حسن في كل وقت ، قال الله تعالى:} وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ { فلم يخص تعالى وقتاً من وقت ، ولا رسوله عليه الصلاة والسلام ؛ فلا يجوز تخصيص وقت بغير نص فالتقريب إلى الله تعالى بالتضحية حسن ما لم يمنع منه نص أو إجماع ، ولا نص في ذلك ولا إجماع إلى آخر ذي الحجة ] (3) .

القول الراجح في آخر وقت الأضحية :
إن الأقوال الثلاثة الأخيرة ضعيفة ، ولم يأت القائلون بها بما يعتد به ، فبقي الكلام في الترجيح بين القولين الأول والثاني ، وقبل الترجيح أذكر ما قاله الحافظ ابن عبد البر بعد أن ذكر أقوال أهل العلم في هذه المسألة حيث قال :[ ولا يصح عندي في هذه المسألة إلا قولان : أحدهما قول مالك والكوفيين الأضحى يوم النحر ويومان بعده .
والآخر قول الشافعي والشاميين يوم النحر وثلاثة أيام بعده .
وهذان القولان قد رويا عن جماعة من أصحاب النبي  واختلف عنهم فيهما .
وليس عن أحد من الصحابة خلاف هذين القولين ، فلا معنى للاشتغال بما خالفهما ؛ لأن ما خالفهما لا أصل له في السنة ، ولا في قول الصحابة ، وما خرج عن هذين فمتروك لهما ] (1) .
إذا تقرر هذا فأقول : الذي يظهر لي رجحان ما ذهب إليه الشافعية ، أي أن آخر وقت الذبح هو غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق ، فمدة الذبح أربعة أيام ، يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، ويؤيد هذا الترجيح ما يلي :
أولاً : إن تفسير الأيام المعلومات في الآية :} وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ { محل خلاف بين أهل العلم ، وتفسيرها بأنها يوم النحر ويومان بعده ، هو أحد أقوال أهل العلم في تفسيرها . وهنالك أقوال أخرى في ذلك ، منها :
أ. الأيام المعلومات أيام العشر الأول من ذي الحجة ، قاله ابن عباس ، وعلَّقهُ البخاري عنه بصيغة الجزم . وروي مثله عن أبي موسى الأشعري ومجاهد وقتادة وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وغيرهم .
ب. الأيام المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وروي عن ابن عباس أيضاً ، ونقل عن ابن عمر وإبراهيم النخعي ، وإليه ذهب الإمام أحمد بن حنبل في رواية عنه .
ج. الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده ، وهو منقول عن الإمام مالك .
د. الأيام المعلومات يوم عرفة ويوم النحر ويوم آخر بعده ، ونقل عن أبي حنيفة . (2)
فقولهم ليس بأولى من قول غيرهم في الأيام المعلومات .
ثانياً : قال ابن القيم : [ وأما نهيه  عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، فلا يدل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط ؛ لأن الحديث دليل على نهي الذابح أن يدخر شيئاً فوق ثلاثة أيام من يوم ذبحه فلو أخر الذبح إلى اليوم الثالث ، لجاز له الادخار وقت النهي ما بينه وبين ثلاثة أيام .
والذين حددوه بالثلاث ، فهموا من نهيه عن الادخار فوق ثلاث أن أولها من يوم النحر .
قالوا: وغير جائز أن يكون الذبح مشروعاً في وقت يحرم فيه الأكل .
قالوا: ثم نسخ تحريم الأكل فبقي وقت الذبح بحاله .
فيقال لهم: إن النبي  لم ينه إلا عن الادخار فوق ثلاث ، لم ينه عن التضحية بعد ثلاث، فأين أحدهما من الآخر ، ولا تلازم بين ما نهى عنه ، وبين اختصاص الذبح بثلاث لوجهين :
أحدهما : أنه يسوغُ الذبح في اليوم الثاني والثالث ، فيجوز له الادخار إلى تمام الثلاث من يوم الذبح . ولا يتم لكم الاستدلال حتى يثبت النهي عن الذبح بعد يوم النحر ، ولا سيبلَ لكم إلى هذا .
------------------------------------
(4) المصدر السابق 3/43 .
(1) سنن البيهقي 9/297-298 .
(2) فتح الباري 12/105 .
(3) المحلى 6/42 .
(1) الاستذكار 15/205 .
(2) تفسير ابن كثير 3/216-217 ، تفسير فتح القدير 3/205 ، التفسير الكبير 23/29 ، أضواء البيان 5/344 .
-------------------------------

الثاني : أنه لو ذبح في آخر جزء من يوم النحر ، لساغ له حينئذ الادخار ثلاثة أيام بعد بمقتضى الحديث ، وقد قال علي بن أبي طالب  أيام النحر : يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده ، وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن ، وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح ، وإمام أهل الشام الأوزاعي ، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي رحمه الله ، واختاره ابن المنذر ،
ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى ، وأيام الرمي ، وأيام التشريق ، ويحرمُ صيامُها ، فهي إخوة في هذه الأحكام ، فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع ؟ ] (1) .
ثالثاً : إن حديث جبير بن مطعم أن النبي  قال :( … وكل أيام التشريق ذبح ) حديث حسن أو صحيح ، وقد صححه ابن حبان والسيوطي ، ووثق رجاله الحافظ ابن حجر وشيخه الهيثمي من المتقدمين، وصححه من المتأخرين الشيخ الألباني والشيخ أحمد الغماري والشيخان شعيب وعبد القادر الأرناؤوط فهو صالح إن شاء الله للاحتجاج .
ولو سلَّمنا أنه موقوف كما قال بعض المحدثين فله حكم الرفع لأن مثله لا يقال بمجرد الرأي .
رابعاً : إن هذا القول منقول عن جماعة من الصحابة منهم علي وابن عباس وابن عمر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم .
ومنقول عن جماعة من التابعين منهم الحسن وعطاء وبه قال عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى وكان أحد أئمة أهل الشام في العلم .

المطلب الثالث : حكم ذبح الأضحية ليلاً :
اختلف الفقهاء في حكم ذبح الأضحية ليلاً ، ويشمل ذلك ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر ، عند القائلين بأن الذبح يكون يوم الأضحى ويومان بعده ، ويضاف إلى ذلك ليلة الثالث عشر، عند القائلين بأن الذبح يكون يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده .
القول الأول : ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز ذبح الأضحية ليلاً مع الكراهة ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وإسحاق وأبو ثور ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد وهي اختيار أصحابه المتأخرين ، وهو قول ابن حزم ورواية عن مالك وأشهب .
القول الثاني : لا يجوز الذبح ليلاً ، فإن فعل فليست أضحية ، وبه قال الإمام مالك في القول المشهور عنه ، وأحمد في الرواية الأخرى عنه ونقل عن عطاء (1) .
أدلة الفريق الأول :
قالوا إن الليل زمن يصح فيه الرمي فأشبه النهار، فيصح فيه الذبح كالنهار .
وبيَّن الإمام الشافعي لماذا كرهوا الذبح ليلاً فقال :[ وإنما كرهنا أن يضحى ليلاً على نحو ما كرهنا من الجذاذ بالليل ، لأن الليل سكن والنهار يُنْتَشَرُ فيه لطلب المعاش ، فأحببنا أن يحضر من يحتاج إلى لحوم الضحايا ؛ لأن ذلك أجزل عن المتصدق وأشبه أن لا يجد المتصدق في مكارم الأخلاق بداً من أن يتصدق على من حضره للحياء ممن حضره من المساكين وغيرهم . مع أن الذي يلي الضحايا يليها بالنهار أخف عليه وأحرى أن لا يصيب نفسه بأذى ولا يفسد من الضحية شيئاً ] (2) .

أدلة الفريق الثاني :
احتجوا بقوله تعالى :}وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ { سورة الحج الآية 28 .
قالوا فذكر الأيام دون الليالي (3) ، فالأيام هي وقت الذبح دون الليالي .
واحتجوا أيضاً بما روي في الحديث عن ابن عباس مرفوعاً :( نهى رسول الله  عن الأضحية ليلاً) . قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير وفيه سليمان بن أبي سلمة الجنايزي متروك (1) .
واحتجوا بما ورد عن علي بن الحسين أنه قال لقيِّمٍ له جَدَّ نخله بالليل :( ألم تعلم أن الرسول  نهى عن جداد الليل وصرام الليل أو قال حصاد الليل ) رواه البيهقي (2) .
واحتجوا بما ورد عن الحسن البصري أنه قال :[ نهي عن جذاذ الليل وحصاد الليل والأضحى بالليل ] رواه البيهقي وقال النووي : وهذا مرسل أو موقوف (3) .

القول الراجح :
الذي يظهر لي رجحان قول الجمهور بجواز ذبح الأضحية ليلاً لما يلي :
-----------------------------------
(1) زاد المعاد 2/318-319 .
(1) المجموع 8/388،391 ، المغني 9/454 ، المحلى 6/39 ، الذخيرة 4/149-150 ، الهداية 8/432 ، الشرح الكبير 2/121 ، كشاف القناع 3/9-10 ، بداية المجتهد 1/354 ، بدائع الصنائع 4/213-214 ، شرح الآبي على صحيح مسلم 5/291 .
(2) الأم 2/222 .
(3) الذخيرة 4/149 ، الاستذكار 15/206 ، تفسير القرطبي 12/44 .
(1) مجمع الزوائد 4/23 .
(2) سنن البيهقي 9/290 .
(3) سنن البيهقي 9/290 ، المجموع 8/388 .
----------------------------------

1. إن لفظ الأيام في قوله تعالى:} فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ { ، قد يتناول الليل والنهار ، كما في قوله تعالى :} تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ { سورة هود الآية 11 .
وقال تعالى في قصة زكريا عليه الصلاة والسلام :} ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا { سورة آل عمران الآية 41 . وقال تعالى في موضع آخر :} ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا { سورة مريم الآية 10 .
والقصة قصة واحدة .
والعرب قد تستعمل اليوم في الوقت مطلقاً ، أي لا يختص بالنهار دون الليل (4) .
ولو سلَّمنا أن اليوم في الآية يدل على النهار فقط ، لم يمنع الذبح بالليل إلا بنحو ضعيف من إيجاب دليل الخطاب وهو تعليق ضد الحكم بضد مفهوم الاسم وهذا النوع من أنواع دليل الخطاب وهو أضعفها (5) .
2. إن حديث ابن عباس المذكور لا يثبت ، حيث إن فيه متروكاً ، فلا يصلح دليلاً ،
وأما ما جاء عن علي بن الحسين فقد قال النووي : هذا مرسل (1) .
3. إن أثر الحسن البصري كما قال النووي مرسل أو موقوف (2) .
وقال البيهقي :[ إنما كان ذلك من شدة حال الناس ، كان الرجل يفعله ليلاً فنهي عنه ثم رخص فيه ] (3) .
4. إن كراهة الذبح ليلاً ،كما علَّلها القائلون بها خشية أن يخطئ في الذبح ، أو يؤذي نفسه غير موجودة في زماننا هذا ، نظراً لوسائل الإضاءة المتوفرة ولا خوف من فساد اللحم ، نظراً لوسائل التبريد المتوفرة فلا مانع من الذبح ليلاً .

المطلب الرابع : الذبح قبل صلاة العيد :
اتفق أهل العلم على أن من ذبح أضحيته قبل صلاة العيد ممن هو مخاطب بها ، أنها لا تجزئ ولا تعتبر أضحيةً ، وإنما هو لحم قدمه لأهله .
ويدل على ذلك أحاديث :
1. عن البراء  قال سمعت النبي  يخطب فقال :( إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر ، فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا ، ومن نحر فإنما هو لحم يقدمه لأهله ليس من النسك في شيء .
فقال أبو بردة  : يا رسول الله ذبحت قبل أن أصلي ، وعندي جذعة خير من مسنة.
فقال : اجعلها مكانها ولن تجزئ أو توفي عن أحد بعدك ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى .
2. عن أنس  عن النبي  قال :( من ذبح قبل الصلاة فليعدْ ) رواه البخاري ومسلم .
3. عن جندب بن سفيان البجلي  قال :( شهدتُ النبي  يوم النحر فقال : من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى أيضاً.
4. وعن البراء  قال :( ضحى خالي أبو بردة قبل الصلاة . فقال رسول الله  تلك شاة لحم … الحديث ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى أيضاً .

المطلب الخامس: حكم الذبح بعد صلاة العيد ، وقبل أن يذبح إمام المسلمين أضحيته :
اختلف أهل العلم فيمن ذبح أضحيته بعد صلاة العيد ، وقبل أن يذبح الإمام أضحيته ، كما يلي :
القول الأول : قال جمهور الفقهاء من ذبح بعد صلاة العيد ، وقبل أن يذبح الإمام أضحيته فأضحيته جائزة ولا حرج في ذلك .
وهذا قول الحنفية والشافعية والحنابلة وأهل الظاهر (1) .
وحجتهم ما ورد في الأحاديث الكثيرة من تقييد وقت الأضحية بكونه بعد الصلاة كما في حديث أنس : ( من ذبح قبل الصلاة فليعد ) وقد مضى .
وفي حديث جندب  :( من ذبح قبل أن يصلي فليعد ) .
وفي رواية عند البخاري من حديث أنس  :( من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين ) وغير ذلك من الأحاديث .
القول الثاني : قال المالكية من ذبح بعد صلاة الإمام وقبل ذبحه ؛ فلا تجزؤه ولا تعد أضحية (2) .
-------------------------------
(4) لسان العرب 15/466 ، تاج العروس 17/779 .
(5) بداية المجتهد 1/355 .
(1) المجموع 8/388 .
(2) المصدر السابق .
(3) المصدر السابق .
(1) بداية المجتهد 1/353 ، المجموع 8/389 ، شرح النووي على صحيح مسلم 5/96 ، بدائع الصنائع 4/211 ، كشاف القناع 3/9 ، نيل الأوطار 5/141 .
(2) الذخيرة 4/194 ، الشرح الكبير 2/120 ، القوانين الفقهية ص125 .
-------------------------------

وحجة المالكية ما جاء في حديث البراء  أن خاله أبا بردة قد ذبح أضحيته قبل أن يضحي الرسول  ، فأمره أن يعيد ، وما جاء في رواية أخرى لحديث البراء  أن الرسول  قال :( لا يذبحنَّ أحدٌ حتى نصلي ) .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ لأن الرسول  أمر الذي ذبح قبله بالإعادة ، وقد أمر الله عز وجل عباده بالتأسي بنبيه  ، وحذرهم من مخالفته ] (3) .
والراجح في المسألة قول الجمهور وأن الأضحية غير مرتبطة بأضحية الإمام ، فتصح الأضحية بعد صلاة العيد صلى الإمام أم لم يصلِ ضحى أم لم يضح .

المطلب السادس : أفضل وقت لذبح الأضحية :
اتفق أهل العلم على أن أفضل وقت لذبح الأضحية ، هو اليوم الأول وهو يوم الأضحى بعد فراغ الناس من الصلاة ، وبعد أن يذبح إمام المسلمين أضحيته ، إن كان للمسلمين إمام خروجاً من الخلاف .
هذا في البلاد التي تقام فيها صلاة العيد (1) .
وأما في البلاد التي لا تصلى فيها العيد ، لأي سبب من الأسباب ؛ فإن وقت الذبح يكون بعد ارتفاع الشمس بقدر رمح أو رمحين ، ويضاف إلى ذلك من الوقت ما يسع الصلاة والخطبة ، ويكون ذلك بعد ساعة من شروق الشمس على وجه التقريب والله أعلم .
فإن لم يذبح في اليوم الأول في الوقت المفضل ، وهو المذكور سابقاً ذبح في اليوم الثاني بعد الفجر إلى الزوال .
وكره الإمام مالك الذبح في اليوم الأول بعد الزوال إلى غروب الشمس .
وكذلك كره الذبح في اليومين الثاني والثالث بعد الزوال ، لشبه الأضحية بالصلاة من جهة ارتباطها بها والصلاة لا تفعل بعد الزوال (2).

المطلب السابع : إذا اشترى أضحية فضلَّت أو ماتت قبل أن يذبحها :
إذا اشترى شاة للتضحية بها ، فضَلَّت أو ماتت فلا شيء عليه إن شاء الله (1) ، فقد روى البيهقي بإسناده عن تميم بن حويص المصري قال :[ اشتريت شاة بمنى أضحية فضلَّت . فسألت ابن عباس رضي الله عنهما . فقال : لا يضرك ] (2) .
وهذا القول بناءً على أن الأضحية سنة كما سبق ترجيحه .
قال الإمام الشافعي :[ وإذا اشترى الرجل الضحية فأوجبها أو لم يوجبها فماتت أو ضلَّت أو سرقت فلا بدل عليه ] (3) .
ويرى الحنفية بأن الموسر إذا اشترى أضحية فضلَّت أو ماتت أو سرقت ، أنه يجب عليه أن يضحي بشاة أخرى (4) . وهذا بناءً على قولهم بوجوب الأضحية .
والذي يظهر لي رجحان القول الأول .
قال الإمام البيهقي :[ باب الرجل يشتري الأضحية فتموت أو تسرق أو تضل ] ثم ساق بإسناده عن نافع قال :[ كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: أيما رجل أهدى هدية فضلَّت فإن كانت نذراً أبدلها ، وإن كانت تطوعاً فإن شاء أبدلها وإن شاء تركها … ] .
ثم ذكر أثر ابن عباس رضي الله عنهما السابق .
ثم ساق بإسناده عن محمد بن القاسم :[ أن عائشة رضي الله عنها ساقت بدنيتن فضلَّتا ، فأرسل إليها ابن الزبير بدنيتين مكانهما فنحرتهما ، ثم وجدت الأوليين فنحرتهما أيضاً ، ثم قالت هكذا السنة في البدن ] (5) .

المطلب الثامن : إذا فات وقت الأضحية ولم يضح ، فماذا يترتب على من أراد الأضحية ؟
قال الحنفية والمالكية إذا فات وقت الأضحية ولم يضح فإنها تقضى .
وقال الشافعية والحنابلة تقضى الأضحية المنذورة فقط ؛ فإذا فات وقتها ذبحها (1) .
قال الكاساني :[ … تقضى إذا فاتت عن وقتها … لما قلنا ] (2) .
-------------------------------
(3) الاستذكار 15/147-148 .
(1) بدائع الصنائع 4/223 ، الذخيرة 4/150 .
(2) الذخيرة 4/150 .
(1) الحاوي 15/110 ، المغني 9/454 ، تفسير القرطبي 6/41 .
(2) سنن البيهقي 9/289 .
(3) الأم 2/225 .
(4) انظر بدائع الصنائع 4/199 .
(5) سنن البيهقي 9/289 .
(1) بدائع الصنائع 4/202 ، المهذب 8/387 ، تفسير القرطبي 6/41 ، المغني 9/454 ، الحاوي 15/111 .
(2) بدائع الصنائع 4/202 .
--------------------------------

وقال الشيخ ابن قدامة :[ إذا فات وقت الذبح ، ذبح الواجب قضاءً ، وصنع به ما يصنع بالمذبوح في وقته ] (3) .
وأما الأضحية المسنونة ، فصاحبها مخيرٌ فيها ، فإن فرَّق لحمها كانت صدقة ، وليست أضحية ، لأنها شاة لحم ، والأضحية قد فاتته .
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي :[ فإن لم يضح حتى مضت أيام التشريق ، نظرت فإن كان ما يضحي به تطوعاً ، لم يضح لأنه ليس وقت لسنة الأضحية ، وإن كان نذراً لزمه أن يضحي ؛ لأنه قد وجب عليه فلم يسقط بفوات الوقت ] (4) .
والذي يظهر لي أن الراجح : هو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة ، أن الأضحية المنذروة إذا فات وقتها قضاها ، بمعنى ذبحها وصنع فيها كما يصنع في الأضحية في الوقت .
وأما المسنونة ، فإن فات الوقت ، فهو بالخيار إن شاء ذبحها ، وكانت شاة لحم ، وتصدق بما شاء منها ، وإن شاء حبسها للعام التالي ، فإن ذبحها في العام التالي كانت أضحية عن ذلك العام الذي ذبح فيه ، ولم تكن عن العام السابق الذي فاتت فيه والله أعلم .

المبحث الثالث
ما يطلب من المضحي عند الذبح وبعده

المطلب الأول : ما يطلب من المضحي عند الذبح :

أولاً : النية : أن ينوي عند شراء البهيمة أنها أضحية ، وهذه النية تكفي إن شاء الله . ولا بدَّ من النية ، لأن الأضحية عبادة ، والعبادة لا تصح إلا بالنية ، لقول الرسول  :( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) متفق عليه (1) .
والنية لا بد منها حتى نميز العمل الذي هو لله تعالى عن غيره ومن ذلك الأضحية .
قال الإمام القرافي تحت عنوان " فيما يفتقر إلى النية الشرعية " :[ … الأوامر التي لا تكون صورتها كافية في تحصيل مصلحتها المقصودة منها ، كالصلوات والطهارات والصيام والنسك ، فإن المقصود منها تعظيم الرب سبحانه وتعالى ، بفعلها والخضوع له في إتيانها وذلك إنما يحصل إذا قصدت من أجله سبحانه وتعالى ، فإن التعظيم بالفعل بدون قصد المعظم محال ، كمن صنع ضيافة لإنسان ، فانتفع بها غيره من غير قصد ، فإنا نجزم بأن المُعَظَّمَ الذي قُصِدَ بالكرامة ، دون من انتفع بها من غير قصد ، فهذا القسم هو الذي أمر فيه صاحب الشرع بالنية ] (2) .
وقال د. عمر الأشقر مبيناً أن النية تميز العبادات عن العادات :[ … الضحايا والهدايا : كما كان ذبح الذبائح في الغالب لغير الله ، من ضيافة الضيفان ، وتغذية الأبدان ، ونادر أحواله أن يُفْعَلَ تقرباً إلى الملك الديان . شُرِطت فيه النية تمييزاً لذبح القربة عن الذبح للاقتيات والضيافات ، لأن تطهير الحيوان بالذكاة كتطهير الأعضاء بالمياه من الأحداث تارة يكون لله ، وتارة يكون لغير الله ، فالنية واجبة كي يتميز الذي لله عما عداه ] (3) .
وقد نص الفقهاء على اشتراط النية في الأضحية .
قال الكاساني :[ فمنها نية الأضحية لا تجزئ بدونها لأن الذبح قد يكون للحم وقد يكون للقربة ، والفعل لا يقع قربة بدون النية … فلا تتعين الأضحية إلا بالنية ] (4) .
وتكفي النية بالقلب ولا يشترط التلفظ باللسان ، قال الكاساني :[ ويكفيه أن ينوي بقلبه ، ولا يشترط أن يقول بلسانه ما نوى بقلبه ، كما في الصلاة ؛ لأن النية عمل القلب والذكر باللسان دليل عليها ] (1) .
والصحيح أن التلفظ بالنية بدعة مخالفة لهدي المصطفى  .
ولو ذبحها غير صاحبها فلا يشترط أن يتلفظ بالنية عن صاحبها.
قال الشيخ ابن قدامة معلقاً على قول الخرقي :( وليس عليه أن يقول عند الذبح " عمَّن " لأن النية تجزئ ).
[ لا أعلم خلافاً في أن النية تجزئ ، وإن ذكر من يضحي عنه فحسن ] (2) .
وقال الشيخ القرافي :[ لو نوى الوكيل عن نفسه أجزأت صاحبها ، وقد اشترى ابن عمر رضي الله عنه شاة من راع فأنزلها من الجبل ، وأمره بذبحها فذبحها الراعي ، وقال : اللهم تقبل مني . فقال ابن عمر : ربك أعلم بمن أنزلها من الجبل ] (3) .
ثانياً : ربط الأضحية قبل الذبح : استحب (4) فقهاء الحنفية أن تربط الأضحية قبل أيام النحر , لما فيه من الاستعداد للقربة وإظهار الرغبة فيها ، فيكون له فيها أجر وثواب ؛ لأن ذلك يشعر بتعظيم هذه الشعيرة قال الله تعالى :} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { سورة الحج الآية 32 .
-------------------------------
(3) المغني 9/454 .
(4) المهذب 8/387 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 1/13 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/48 .
(2) الأمنية في إدراك النية ص27-28 .
(3) مقاصد المكلفين ص70 .
(4) بدائع الصنائع 4/208 ، وانظر الحاوي 15/99 فما بعدها ، الذخيرة 4/156 ، المغني 9/446 ، المجموع 8/423 .
(1) بدائع الصنائع 4/208 .
(2) المغني 9/456-457 .
(3) الذخيرة 4/156 .
--------------------------------

ثالثاً : أن يسوق الأضحية إلى محل الذبح سوقاً جميلاً لا عنيفاً (5) ، فقد روى عبد الرزاق بسنده عن محمد بن سيرين قال :[ رأى عمر بن الخطاب  رجلاً يسحب شاة برجلها ليذبحها فقال له : ويلك ! قدها إلى الموت قوداً جميلاً ] (6) ورواه البيهقي ، وذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (7) .
رابعاً : أن يحد السكين قبل الذبح (1) ، لأن المطلوب إراحة الحيوان بأسرع وقت ممكن، وهذا من الإحسان الذي ذكره الرسول  كما جاء في الحديث عن شداد بن أوس  أن النبي  قال :( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) رواه مسلم .
خامساً : أن لا يحد السكين أمام الحيوان الذي يريد ذبحه (2) ، لأن ذلك من الإحسان المأمور به كما جاء في الحديث السابق .
وعن ابن عباس  أن رجلاً أضجع شاة وهو يحد شفرته فقال النبي  :( أتريد أن تميتها موتات ؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها ؟ ) رواه الحاكم وقال : صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي ، ورواه عبد الرزاق والبيهقي وصححه الشيخ الألباني (3) .
وعن ابن عمر  أن الرسول  أمر بحد الشفار وأن توارى عن البهائم وقال :( إذا ذبح أحدكم فليجهز ) رواه أحمد والبيهقي وابن ماجة وفيه ابن لهيعه وهو ضعيف ، ولكن يشهد له ما سبق من حديث شداد وحديث ابن عباس (4) .
وعن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب أن رجلاً حدَّ شفرته وأخذ الشاة ليذبحها فضربه عمر بالدرة وقال :[ أتعذب الروح ؟! ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها ] رواه البيهقي (5) .
سادساً : يستحب إضجاع الغنم والبقر في الذبح ، وأنها لا تذبح وهي قائمة ولا باركة بل مضجعة ، لأنه أرفق بها ، وتضجع على جانبها الأيسر لأنه أسهل في الذبح ، وأخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار .
وأما الإبل فالسنة أن تنحر قائمةً على ثلاث قوائم معقولة الركبة اليسرى .
وقد صح عن جابر  :( أن النبي  وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمةً على ما بقي من قوائمها ) رواه أبو داود (1) بإسناد صحيح على شرط مسلم ، قاله الإمام النووي (2) .
وقد ثبت في الحديث عن زياد بن جبير قال :[ رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أتى على رجل أناخ بدنته ينحرها . قال : ابعثها قياماً مقيدةً سنة محمد  ] رواه البخاري
ومسلم (3) .
وقال بعض أهل العلم يستوي نحرها قائمةً وباركةً في الفضيلة (4). والحديث حجة عليهم .
سابعاً : استقبال القبلة من الذابح والذبيحة : يستحب أن يستقبل الذابح القبلة وأن يوجه مذبح الحيوان إلى القبلة .
قال الإمام النووي :[ استقبال الذابح القبلة وتوجيه الذبيحة إليها، وهذا مستحب في كل ذبيحة ، لكنه في الهدي والأضحية أشد استحباباً ، لأن الاستقبال في العبادات مستحب وفي بعضها واجب ] (5) .
ويدل على ذلك ما جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله  قال :( ذبح النبي  يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوئين ، فلما وجههما قال : إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفاً ، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي ، لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت ، وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك ، وعن محمد وأمته باسم الله والله أكبر ثم
--------------------------------
(4) بدائع الصنائع 4/219 .
(5) المجموع 9/81 ، بدائع الصنائع 4/219 .
(6) المصنف 4/493 .
(7) سنن البيهقي 9/281 ، السلسلة الصحيحة 1/36 .
(1) بدائع الصنائع 4/223 ، المجموع 8/408 ، 9/81 .
(2) بدائع الصنائع 4/190 ، المجموع 9/81 .
(3) المصنف 4/393 ، المستدرك 4/257 ، سنن البيهقي 9/280 ، السلسلة الصحيحة 1/32 .
(4) الفتح الرباني 17/151 ، سنن البيهقي 9/280 ، سنن ابن ماجة 2/1059 .
(5) سنن البيهقي 9/280-281 .
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 5/128-129 .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 3/438-439 .
(3) صحيح البخاري مع الفتح 4/301 ، صحيح مسلم بشرح النووي 3/438 .
(4) فتح الباري 4/301 ، شرح النووي على صحيح مسلم 3/439 .
(5) المجموع 8/408 ، وانظر بدائع الصنائع 4/221 ، الفتح الرباني 13/68 .
------------------------------------

ذبح ) رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد والدارمي ، وصححه الشيخ الألباني والشاهد في الحديث قوله ( فلما وجههما ) أي نحو القبلة (6) .
وجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي  قال :( ضحوا وطيبوا أنفسكم ، فإنه ما من مسلم يستقبل بذبيحته القبلة إلا كان دمها وفرثها وصوفها حسنات في ميزانه يوم القيامة ) رواه البيهقي وقال : وإسناده ضعيف (1) .
وجاء عن ابن عباس  أنه قال :[ ليجعل أحدكم ذبيحته بينه وبين القبلة ثم يقول :
من الله وإلى الله والله أكبر اللهم منك ولك اللهم تقبل ] قال الإمام النووي : رواه البخاري بمعناه (2) ، ولم أقف عليه في صحيح البخاري .
ثامناً : أن يتولى ذبحها بنفسه إن كان يحسن الذبح ، وإلا شهد ذبحها (3) ، ومما يدل على استحباب تولي الإنسان أضحيته بنفسه ، ما جاء في حديث أنس  :( أن النبي  ضحى بكبشين أقرنين أملحين ، وكان يسمي ويكبر ، ولقد رأيته يذبحهما بيده واضعاً رجله على صفاحهما ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى .
قال الإمام البخاري في صحيحه [ باب من ذبح الأضاحي بيده ] ثم ذكر فيه حديث
أنس  السابق ، ثم ذكر في الباب الذي يليه [ وأمرَ أبو موسى بناته أن يضحين
بأيديهن . ثم قال الحافظ : وصله الحاكم في المستدرك .
ووقع لنا بعلو في خبرين كلاهما من طريق المسيب بن رافع أن أبا موسى كان يأمر بناته أن يذبحن نسائكهن بأيديهن وسنده صحيح (4) .
ويجوز لمن أراد الأضحية أن ينيب غيره في ذبحها كما سيأتي .
فإن أناب عنه فيستحب له أن يشهد ذبحها لما ورد في حديث أبي سعيد  أن الرسول  قال لفاطمة رضي الله عنها :( قومي لأضحيتك فاشهديها فإنه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنبك ) رواه البيهقي والحاكم (5) .
وقال الهيثمي :[ رواه البزار وفيه عطية بن قيس وفيه كلام كثير وقد وثق ] (1) .
وروى البيهقي بإسناده عن علي بن أبي طالب  أن رسول الله  قال لفاطمة رضي الله عنها :( يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك أما إن لك بأول قطرة تقطر من دمها مغفرة لكل ذنب، أما إنه يجاء بها يوم القيامة بلحومها ودمائها سبعين ضعفاً حتى توضع في ميزانك .
فقال أبو سعيد الخدري  : يا رسول الله أهذه لآل محمد خاصة فهم أهل لما خصوا به من خير ، أو لآل محمد والناس عامة .
فقال رسول الله : بل هي لآل محمد وللناس عامة ) رواه البيهقي ، وقال عمرو بن خالد ضعيف (2) .
ورواه أبو القاسم الأصبهاني في كتاب الترغيب والترهيب ، وأبو الفتح سليم بن أيوب الفقيه الشافعي في كتاب الترغيب ، وقال الحافظ المنذري : وقد حسن بعض مشايخنا حديث علي هذا والله أعلم (3) .
وروى البيهقي بإسناده عن عمران بن حصين  قال :( قال رسول الله  : يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك ، فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه ، وقولي : إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين .
قلت : يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة فأهل ذلك أنتم أم للمسلمين عامة .
قال : بل للمسلين عامة ) ورواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وتعقبه الذهبي قائلاً :[ بل أبو حمزة ضعيف جداً وإسماعيل ليس بذاك ] (4) .
وهذه الأحاديث ، وإن كان كل واحد منها لا يخلو من مقال ، فإن بعضها يقوي بعضاً فتصلح للاستشهاد .

تاسعاً : التسمية والتكبير عند الذبح (1) :
----------------------------------
(6) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/351 ، سنن ابن ماجة 2/1043 ، الفتح الرباني 13/62 ، إرواء الغليل 4/349 .
(1) سنن البيهقي 9/285 .
(2) المجموع 8/408 .
(3) المجموع 8/405 ، بدائع الصنائع 4/221 ، الذخيرة 4/155 ، تبيين الحقائق 6/9 ، فتح باب العناية 3/78 ، كشاف القناع 3/8 ، المحلى 6/44 ، فتح الباري 12/114 .
(4) صحيح البخاري مع فتح الباري 12/114-115 .
(5) سنن البيهقي 9/283 ، المستدرك 4/247 .
(1) مجمع الزوائد 4/17 ، وانظر الترغيب والترهيب 2/154 .
(2) سنن اليهقي 9/283 .
(3) الترغيب والترهيب 2/155 ، وانظر نصب الراية 4/220 .
(4) المستدرك 4/247 .
---------------------------------