بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات القدس. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات القدس. إظهار كافة الرسائل

2014-04-12

القدس وطنٌ في مدينة لا مدينة في وطن


القدس... مفاهيم يجب ايضاحها
"القدس" في شكلها الظاهر مدينة راقدة عند دائرة العرض 52َ,31ْ وخط الطول 13َ,35ْ على هضبة غير مستوية يتراوح ارتفاعها ما بين 2130 و2469 قدماً، وتبعد المدينة عن البحر الأبيض المتوسط حوالي 32 ميلاً (55 كم) غرباً، وعن البحر الميت 18 ميلاً (22 كم) شرقاً، وحوالي 26 ميلاً من نهر الأردن، وحوالي 19 ميلاً من الخليل جنوباً، و30 ميلاً من سبسطية شمالاً، وتبعد عن البحر الأحمر 250كم جنوباً. هذه هي القدس في شكلها الظاهر، الذي تتفوّق عليها فيه عشرات المدن في العالم من تلك التي تشقّها الأنهار، أو تخصّب فيها الزراعات، أو تقوم فيها الصناعات الثقيلة والخفيفة بكثرة ووفرة.

القدس وطنٌ في مدينة لا مدينة في وطن
لكن القدس في حقيقتها و"شخصيتها" التاريخية والدينية شيء آخر، فهي هوية المكان من حولها، والنقطة التي تنتشر منها البركة فتزداد أهميةُ ما حولها بها: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير) (سورة الإسراء: 1)
وكما يقول مفكرنا الكبير المستشار طارق البشري: "ليست القدس مدينة في وطن هو فلسطين، ولكن فلسطين وطن في مدينة هي القدس… القدس لا يمكن أن تستحيل إلى أنها محض موقعٍ وعاصمة، فهي ليست برلين يمكن أن تحلّ محلها بون في الضمير الألماني، وهي ليست إستانبول يمكن أن تحلّ محلها أنقرة في الضمير التركي، ولكنها القدس بغير بديل". وهناك اصطلاحات ومفاهيم ذات تعلق بالمدينة المباركة فيها بعض اللبس المحتاج إلى إيضاح وبيان؛ ولذلك أهميته في تعرف قضيتنا الأم، والذود والدفاع عنها.
الاحتلال وتمزيق الجسد القدسي

قبل الاحتلال البريطاني البغيض لفلسطين (سنة 1917م) لم تكنْ هناك سوى قدس واحدة، هي تلك التي تحيط بها أسوار سليمان القانوني التي بناها السلطان الكبير في منتصف القرن العاشر الهجري، إضافةً إلى مجموعة من الأحياء أقامها العثمانيون خارج سور القدس في الشمال والشرق والجنوب، مثل حي الشيخ جراح في الشرق، وحي المسعودية في الشمال… وفي أثناء الاحتلال البريطاني تلاعب المندوبون الساميون بالحدود البلدية للمدينة المباركة، فركَّز رسمهم لحدود بلدية القدس على التوسّع جهة الغرب عدة كيلومترات؛ حيث الكثافة السكانية لليهود أعلى، أمّا في الجنوب والشرق حيث السكان عرب فلم يتجاوزْ الامتداد بضع مئات من الأمتار، فمُنِعت قرى عربية كبيرة من الدخول ضمن الحدود البلدية للقدس، وهي قرى: الطور، ودير ياسين، وسلوان، والعيسوية، والمالحة، وبيت صفافا، وشُعفاط، ولَفتا، وعين كارم.هنا ظهرت القدس كمدن عدّة لا كمدينة مسلمة واحدة– كما هو المعتاد:

– فـ"القدس القديمة" أو العتيقة هي تلك الموجودة داخل سور سليمان القانوني، ومساحتها 8,71 دونماً (الدونم= 1000م2)، وطول السور 4,20كم2، وتقوم على أربعة جبال هي: جبل الموريا، وجبل صهيون، وجبل أكرا، وجبل بزيتا، ويوجد الحرم القدسي الشريف في الجنوب الشرقي للقدس القديمة فوق جبل الموريا.

– و"القدس الشرقية" هي القدس القديمة نفسها مضافاً إليها الأحياء التي زادها المسلمون خارج السور، مثل حي الشيخ جراح، وحي باب الساهرة، وحي وادي الجوز. وقد ظهر هذا المصطلح مع احتدام الصراع بين المسلمين واليهود في فلسطين قبل قيام الكيان الصهيوني، فقد تركّز العرب في شرق المدينة بأغلبية كبيرة، في حين تركّز اليهود بأغلبية ساحقة في غربها، فسُمِّي القسم الشرقي بـ"القدس الشرقية"، وأُطلق على الجانب الغربي اسم "القدس الغربية".

– و"القدس الغربية" هي القدس الجديدة التي نشأت في ظلّ الانتداب البريطاني على فلسطين؛ لتستوعب الهجرات اليهودية المتتالية، وقد اتسعت اتساعاً كبيراً، وضمّها البريطانيون إلى الحدود البلدية للقدس عام 1946م، فصارت مساحة القدس كلها 19000كم2؛ أي أكثر من عشرين ضعفاً من القدس العتيقة.

– و"القدس الموحدة" مصطلح يستعمله اليهود دلالةً على القدسيْن معاً (الشرقية والغربية)؛ لأنّ المدينة انقسمت عقب حرب سنة 1948م، فسيطَر الصهاينة على الجانب الغربي منها، واحتفظ الجيش الأردني بقيادة عبد الله التل -رحمه الله- بالجانب الشرقي، وحين سيطر اليهود على القدس كلّها يوم 7 يونيو سنة 1967م وحَّدوا المدينة وأصرّوا على فكرة "القدس الموحدة عاصمة أبدية لـ(إسرائيل)!!

- و"القدس الكبرى" هي القدس الموسَّعة التي يحاول الصهاينة بها صنع هوية للمدينة تنمحي معها هويتها الإسلامية، فتبدو الأغلبية السكانية اليهودية كاسحة، وتصبح مساحة الأرض التي يسيطر عليها العرب صغيرة جدّاً بالنسبة لما يسيطر عليه اليهود.
ويستهدف مشروع القدس الكبرى تطويق الأحياء العربية في المدينة القديمة، وفصلها عن الأحياء العربية القائمة خارج السور؛ لإجبار العرب على معيشةٍ صعبة تذوب هويتهم معها، أو يضطرون إلى الهجرة من بيوتهم وأوطانهم. على أية حال، فإنّ القدس بقديمها وجديدها وشرقها وغربها مدينة عربية إسلامية، فاليهود حينما وسَّعوها لم يأتوا بأرضٍ من عندهم، وإنما اقتطعوا من مناطق أخرى من فلسطين المحتلة، التي نزلوا بها ضيوفاً في زمن بعيد، وعاشوا أعزّة، ثم دار الزمن دورته، فعادوا يقولون: أورشليم هي بلدنا وبلد أجدادنا!!.
المسجد الأقصى نبض القدس الأسير.

إضافةً إلى السور الذي يحيط بالقدس العتيقة هناك سورٌ تاريخيّ آخر في المدينة هو سور الحرم القدسي الواقع فوق جبل الموريا في الجنوب الشرقي للقدس العتيقة، ويبلغ طول الضلع الغربي للسور 490م، والشرقي 474م، والشمالي 321م، والجنوبي 283م. ولا يضمّ الحرم داخل أسواره بناءً واحداً فقط، بل عدداً كبيراً من الأبنية الإسلامية، أشهرها قبة الصخرة. والمصطلح التاريخي "المسجد الأقصى" إذا أُطلِق مقصودًا به العموم (كما كان يفعل أسلافنا قبل القرون المتأخرة)، فهو كلّ هذا الحرم القدسي الواقع داخل السور. وحسب هذا المفهوم فإنّ مسجد قبة الصخرة جزءٌ من المسجد الأقصى، ومسجد عمر الذي بناه أمير المؤمنين عند فتح المدينة وجدّده عبد الملك بن مروان فيما بعد- هو أيضاً جزء من المسجد الأقصى. وأهمية بيان هذه المسألة أنّها تحدّد البقعة التي يُضاعَف أجر الصلاة فيها، فيكون بخمسمائة صلاة فيما سواها، إلا المسجدين الحرام والنبوي، فالمضاعفة تشمل أرض الحرم كلها، وليست خاصة بمسجد عمر ومسجد قبة الصخرة.

غير أنّ البعض يطلق اسم "المسجد الأقصى" على مسجد قبة الصخرة ذي القبة الذهبية اللامعة، ويظن أُناسٌ أنّ هذا خطأ "فادح"، ومحاولةٌ لتزوير تاريخ المسلمين وآثارهم! وما هو بالخطأ الفادح ولا شيء، فالذي يجيز أنْ نطلق على مسجد عمر –وهو جزء من الحرم الأقصى- اسم "الأقصى"، ليس له أنْ يمانع في إطلاق هذا الاسم على مسجد قبة الصخرة -وهو الآخر جزء من الحرم- وإنْ كان الأولى والأفضل أن نحتفظ لكلّ موضع من هذه الثلاثة باسمه، حتى نعرف جيداً الأحكام الشرعية ذات العلاقة بالمسجد المبارك. وأخيراً هناك في القدس مسجدٌ يُسمَّى "المسجد العمري"، يختلف تماماً عن مسجد عمر الموجود ضمن أرض الحرم، فالثاني بناه الخليفة الراشد عمر -رضي الله عنه- أوائل القرن الأول الهجري، وجدّده الأمويون والعباسيون ومَن بعدهم، وتبلغ مساحته الآن من الداخل أربعة آلاف وأربعمائة متر.

وأمّا المسجد العمري، فقد بناه الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي سنة 569هـ في الموضع الذي صلَّى فيه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين رفض أنْ يصلّي داخل كنيسة القيامة.

المصدر: موقع مدينة القدس

أضواء على المقاومة الشعبية المقدسية في مواجهة الحملة الصليبية الأولى 492هـ/1099م.


أضواء على المقاومة الشعبية المقدسية
القدس في مواجهة الحملة الصليبية الأولى 492هـ/1099م

ملخص:
تناولت هذه الدراسة مدينة القدس في مرحلة مهمة من تاريخها، وهي مرحلة الصراع الإسلامي الصليبي، وركزت على قدوم الفرنجة الصليبيين إلى بيت المقدس ومحاصرتهم لها، كما أنها تشير إلى عملية المقاومة الشعبية الإسلامية المقدسية، و فضلاً عن ذلك فإنها تتحدث عن المجازر التي ارتكبها الفرنجة عند اقتحامهم للمدينة بحيث لم يبقَ أحدٌ من سكانها المسلمين على قيد الحياة.
وتوضح الدراسة كيف أن الفرنجة أضفوا على المدينة الطابع الغربي، إذ قاموا بتغيير معالم المدينة، كما بسطوا سيطرتهم على جميع الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية.

* * *

وصلت القوات الصليبية إلى مدينة القدس في 16رجب 492هـ/ السابع من يونيو (حزيران) 1099م وبدأوا بالإحاطة بالمدينة من ثلاث جهات (1) "وحاصروها أشد حصار" (2) حتى لا يتمكن أهل البلد من الاتصال بالخارج، وبذلك عزلوا المدينة عن العالم الخارجي.
ولم يكونوا يعلمون أن المقاومة الشعبية في المدينة قد أخذت كافة الاستعدادات اللازمة، والاحتياطات الواجبة تحسباً لمثل هذا الحصار، فقاموا بمساعدة حاكم المدينة وحاميته التي لم تكن تتجاوز الألف مقاتل (3) بتسميم مصادر المياه المحيطة بالمدينة وطم القنوات، وردم الآبار (4)، كما أخفوا قطعان الماشية ووضعوها في "داخل المغارات والكهوف" (5) وبتسميم رجال المقاومة الشعبية للمياه فإنهم كما يقول صاحب أعمال الفرنجة "عملوا على نشر المرض بين رجالنا –الصليبيين- بإفسادهم مياه الينابيع والعيون في المناطق المحيطة بمدينة بيت المقدس" (6)، وفى الحقيقة لا يمكن أن نفسر ما فعله المقادسة من تسميم للآبار إلا بأنه شكل من أشكال المقاومة الشعبية بالقدر الذي كان في حدود طاقتهم، وتوضح رواية صاحب أعمال الفرنجة أن هؤلاء كانوا من سكان الريف المقدسي المحيطة بالقدس الذين تمكنوا من خلق مشكلة أساسية للقوات الصليبية المحاصرة، وذلك عن طريق استخدام المياه بوصفها سلاحاً له فعالية (7).
هذا خارج الأسوار، أما في داخلها فإن أفراد المقاومة الشعبية اتخذوا احتياطيات أشد صرامة فقاموا بتسييج "مزاغل (8) الأبراج بحزم من القطن والتبن، وملأ خزانات المدينة بكمية كافية من المياه" (9)، كما واهتموا بترميم الأسوار (10) التي كان قد دمّر بعض جهاتها خلال حصار الأفضل بن بدر الجمالي –الوزير الفاطمي- للقدس في أغسطس 1098م/ رمضان490هـ، والذي دام نحو أربعين يوماً، ولم يستسلم السلاجقة حكامه إلا بعد أن ضربت المدينة بأربعين منجنيقاً (11).
وقد أبدى صاحب أعمال الفرنجة إعجابه بالتحصينات والاستعدادات التي قام بها أفراد المقاومة الشعبية ووصفها بالرائعة (12)، وشارك فيها جموع الأهالي من المناطق المجاورة كاللد والرملة وغيرها، وكانوا قد أحضروا معهم كافة الاستعدادات العسكرية وقاموا بمساعدة أهالي القدس بتصنيع آلات حربية أخرى، خاصة وأنهم كانوا من العمال المهرة وقد جلبوا معهم الأرزاق والطعام، استعداداً للحصار (13) مما جعل وليم الصوري يصف هذه الاستعدادات التي قام بها الأهالي بالمبالغ فيها (14) وهذه المبالغة في الاستعدادات للدفاع عن المدينة ليست من قبيل المصادفة لأن القدس ليست أي مدينة من حيث أهميتها ومكانتها الدينية في نفوس المسلمين، فالمقاومة هنا تختلف عن سابقتها في المدن الأخرى في طبيعتها وموحياتها ومؤثراتها, ومن هنا فإن المسلمين إن لم يكونوا يقاومون من أجل الدنيا فإنهم كانوا "يقاومون من أجل شريعة محمد صلى الله عليه وسلم" (15) وإن كانوا يقاومون من أجل الدين والدنيا فإن هذين العاملين سيدفعانهم إلى الاستبسال في الدفاع والمقاومة عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين أولاً، وعن أرواحهم وأعراضهم وأطفالهم ثانياً.
ومهما يكن من أمرٍ فقد صنع أفراد المقاومة الشعبية آلاتهم القاذفة، وهي كما يذكر ريمونداجيل (16) "كانت تفوق آلاتنا –يقصد آلات الصليبيين- بنسبة تسعة أو عشرة إلى واحد"، وبدأوا يقذفون القوات الصليبية بكل ما أتيح لهم من وسائل المقاومة وأمطروهم بالحجارة والسهام والخشب المشتعل وجذوع الأشجار ورزم القش الملتهبة، والمطارق المغطاة بالقار المشتعل، والشمع والكبريت، والكتان، والخرق، وقد ثبتت المطارق بالمسامير بحيث تلتصق بأي جزء تصيبه ثم تشتعل مما حال دون تقدم القوات الصليبية (17). وقد قامت المقاومة الشعبية ببعض الأعمال التي ليست من أعمال الجيوش النظامية، ومن هذه الأعمال بالإضافة ما سبق ذكره، ما قاموا به بخصوص حرمان العدو من مصادر الحياة، فقد كان أفراد المقاومة الشعبية يدركون نقص المياه عند المهاجمين وما كانوا يبذلونه من جهد في طلبها (18) فراحوا ينصبون الكمائن حول الينابيع والآبار وبالقرب منها وفي الطرقات المؤدية إليها, وقاموا بمهاجمة الصليبيين (19) "وقتلوا الكثير وأسروا الكثير، واستولوا على ماشيتهم وقطعانهم" (20). ولم يكتفِ أفراد المقاومة الشعبية بذلك بل قاموا بتعقب الصليبيين "الذين خرجوا بحثاً عن الكلأ في مزارع الكروم" (21). وكانت هجمات هذه المجموعات من أفراد المقاومة الشعبية ناجحة وأسفرت في كثير من الأحيان عن قتل وجرح العديد من الصليبيين، وكان الحظ حليف من يستطع الهرب فلا يقع بأيدي المقاومين (22). ولتعزيز صمود المقاومين في القدس قامت مجموعات من السكان خارج مدينة القدس باختراق الحصار من خلال الأجزاء التي لم تكن محاصرة، وكانوا يقومون بالمقاومة إلى جانب إخوانهم دفاعاً عن المدينة ضد القوات الصليبية (23).
وحرص المسلمون على معرفة ما يدور داخل معسكر القوات الصليبية المحاصرة للمدينة، بهدف التعرف على أسرارهم وخططهم العسكرية، والعمل على إحباطها فقد قام أحد أفراد المقاومة الشعبية بالتسلل إلى داخل المعسكر الصليبي ليتجسس على كيفية عمل الصليبيين للأبراج، إلا أنّ الصليبيين استطاعوا التعرف على هويته فرد عليهم قائلاً: "أرسلني المسلمون إلى هنا، لأكتشف مخترعاتكم" (24)، ونظراً لشدة المقاومة رأى الصليبيون أنه لا بد لهم من اصطناع كل وسيلة من وسائل القوة لتعينهم على سحق المقاومة الشعبية التي حالت دون اجتياحهم للمدينة، فقرروا بناء آلات الحصار والحرب وأجبروا الأسرى المسلمين على حمل الأخشاب من مناطق بعيدة (25) على أكتافهم وبنوا منها عدة أبراج "وأسندوها إلى السور" (26)، وعندما رأى المسلمون هذه الأبراج وآلات الحرب بدأوا باتخاذ "إجراءات استثنائية لتحصين المدينة ولتقوية الأبراج ليل نهار" (27)، وأمطروا هذه الأبراج والآلات بكل ما لديهم من وسائل للمقاومة (28)، "وأطلق سكان المدينة، المصممون من جانبهم على المقاومة وابلاً من السهام والقذائف على المسيحيين -كما يطلق عليهم الصوري-، كما سقطت الحجارة المقذوفة بالأيدي، والمنطلقة من آلات القذف الحربية بقوة مخيفة" (29).
وقد أسند الصليبيون البرج الأول ناحية صهيون (30) فتمكن أفراد المقاومة الشعبية من إحراقه بعد أن سكبوا عليه الزيت والدهن المغلي والمشاعل المتأججة (31) "وقتلوا كل من به" (32)، غير أنّ القوات الصليبية أدركت ضعف السور من الناحية الشمالية عند باب العامود (القديس ستيفن) (33) لأنّ بعده "جعل المسلمين يتركونه بدون تحصين" (34)، واعتمدوا في تحصينه على وجود خندق استطاع ريموند و قواته العمل على ردمه، فردموه خلال ثلاثة أيام من أيام الحصار (35)، وقاموا بإسناد البرج الثاني ناحية باب العامود (36) "وركبوا سور البلد فانهزم الناس عنه" (37)، واجتاحت القوات الصليبية المدينة من تلك الجهة فـ"توقفت المقاومة في أحد مناطق المدينة عملياً، ولكن المسلمين في المنطقة القريبة من جبل صهيون قاتلوا قوات ريموند بشراسة" (38). ومهما يكن من أمر فقد دخلت القوات الصليبية المدينة في يوم الجمعة 23شعبان 492هـ/14يوليه (تموز) 1099م (39) بعد حصارٍ دام أكثر من أربعين يوماً (40) على الرغم من كلّ ما أبداه سكانها من "مقاومة بالغة الشدة" (41)، وما قاموا به من إجراءات وتدابير وأعمال فدائية نفذوها هم وسكان الريف المجاور (42).
وبمجرد دخول القوات الصليبية المدينة قامت باستباحتها "وركب الناس السيف ولبث الفرنج في البلدة أسبوعاً يقتلون فيه المسلمين" (43)، وقد التجأ بعض الأهالي إلى المسجد الأقصى ظناً منهم أنّ القوات الصليبية ترعى حرمة المساجد غير أنّ تلك القوات لاحقتهم واقتحمت عليهم المسجد بعد مقاومة شديدة وأعملت فيهم السيف (44) حتى "خاض الصليبيون بخيولهم في الدم الذي وصل إلى ركبهم وسروج خيولهم" (45).
وقُدّر عدد شهداء هذا العدوان داخل حرم المسجد الأقصى بسبعين ألفاً (46) وزاد البعض عددهم إلى مائة ألف (47)، فضلاً عن الذين استشهدوا خارج باحة المسجد، حيث "تناثرت جثثهم في كل شوارع المدينة وميادينها" (48). وأورد الشارتري (49) أنّ عدد القتلى كان عشرة آلاف في ساحة المسجد الأقصى ومثلهم في الطرقات والمنازل، وأيده في ذلك وليم الصوري (50) الذي لم يكن معاصراً للأحداث، ويبدو أنه قد نقل عن الشارتري ولم ينقل عن غيره من المؤرخين الآخرين مثل: صاحب أعمال الفرنجة، وريمونداجيل، وبطرس توديبود، لأنهم لم يحدّدوا عدد القتلى أصلاً، وبهذا فإن روايته تبدو غير دقيقة وخاصة أنها منفردة ويدحضها ماذكره ريمونداجيل بأنّ عدد سكان المدينة كانوا "نحو ستين ألف مقاتل، ونساء، وأطفال، لا حصر لهم" (51).
وأضافت إحدى المصادر اللاتينية أن رؤوس وأيدي وأقدام الشهداء قد انتشرت "في كل مكان من المدينة، في الشوارع و الساحات" (52)، وذكر آخر بأنّ الصليبيين عندما عزموا على التخلص من جثث الشهداء فأمروا المسلمين الأحياء بالتخلص بجمعها خارج المدينة ثم قاموا بتكفينها وجعلوها "في أكوامٍ في روابي بلغت ارتفاع البيوت" (53)؛ والروايتين الأخيرتين تدعمان ما ذهبت إليه المصادر العربية حول عدد الشهداء، كما ولا ننسى الأعداد الكبيرة من المهاجرين المسلمين الذين تدفقوا من المناطق الفلسطينية المجاورة ليحتموا خلف أسوار القدس ويشاركوا أهلها في المقاومة ضدّ الصليبيين (54)، وهذه الأعداد من المهاجرين أدّت إلى زيادة غير طبيعية في سكان القدس.
ومن كل ما سبق تتضح صحة الرواية الإسلامية حول عدد الشهداء الذين قضوا نحبهم دفاعاً عن شرف القدس والمقدسات، وفي الوقت نفسه تتضح بشاعة المحتل الصليبي، وما قام به من عمليات إبادة وحشية وتطهير عرقي ضد أهالي مدينة القدس ليس إلا لأنهم قاوموا الغزاة ببسالة وإباء فلم يرحم الصليبيون شيخاً لهرمه (55)، ولا عالماً لفضله (56)، ولا طفلاً لضعفه، ولا امرأة لعجزها (57).
وقد أظهر الصليبيون مدى الجشع الذي سيطر عليهم حيث قاموا بعمليات سلب ونهب واسعة النطاق داخل المدينة (58)، وأخذوا من عند الصخرة المشرفة أكثر من ألفين وأربعين قنديلاً كبيراً من الفضة، ومائة وخمسين قنديلاً صغيراً، وثلاثة وعشرين قنديلاً من الذهب، وقنديلاً من الفضة يصل وزنه وحده إلى أربعين رطلاً من أرطال الشام (59)، "وأخذوا من الأموال ما لا يحصى" (60).
وعمل الصليبيون على تغيير معالم المدينة (61) وطمس هويتها الإسلامية فقاموا بمجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى ذلك بعد أن "أحرقوا المصاحف و أخربوا المساجد" (62).
كما وعمدوا إلى تغيير استخدامات الأبنية الدينية الإسلامية كالمسجد الأقصى وقبة الصخرة لتستخدم لأغراضهم الدينية، حيث قاموا بتحويل قبة الصخرة إلى كنيسة أسموها كنيسة السيد Templum Domimi، ووضع فوقها صليب كبير، وزينت بالصور والتماثيل (63). كما "قطعوا من الصخرة قطعاً وحملوا منها إلى قسطنطينية ونقلوا منها إلى صقلية" (64). كذلك شرع الصليبيون في تغيير هوية المسجد الأقصى، والذي أٌنقص حجمه إلى الحجم الموجود الآن (65) وقسموه إلى ثلاثة أقسام: الأول كنيسة والثاني وهو القسم الأكبر مقراً وسكناً لهيئة الداوية (66) Templars، والثالث مستودع لذخائرهم، وجعلوا من السراديب التي أسفل المسجد اصطبلاً لخيولهم وجمالهم، وأطلقوا على المسجد الأقصى اسم "معبد سليمان" Templum Solomonis (67). ولم يقتصرْ أمر التغيير والطمس على الأماكن الدينية فقط، بل تعدّاه إلى الأماكن التعليمية، فقد قام الصليبيون بتحويل المدرسة الشافعية إلى كنيسة أطلق عليها اسم كنسية القديسة صندحنه (68).
وبذلك أسدل الستار على صفحة مهمة من صفحات البطولة التي قام بها أهل القدس في مواجهة الحملة الصليبية الاستعمارية، وما يزال أهل القدس وفلسطين يواجهون حملة أشد ضراوة ضد الاحتلال الصهيوني اليهودي المدعوم من الصليبيين الحاقدين ظناً منهم –وقد خاب ظنهم- أنهم قادرون على أن يفتوا من عضد هذا الشعب المقاوم المرابط، والصابر، والمحتسب.

الهوامش:
1. قسم الصليبيون أنفسهم خلال بداية حصارهم للمدينة أقساماً حتى يكون حصارهم للمدينة من جميع منافذها، فوقف جودفري بويون بقواته من الناحية الشمالية الغربية من المدينة وامتدت قواته حتى باب يافا وانضمت إليه كتائب تنكرد، ووقف إلى الجنوب منه ريموند كونت سانجيل، لكنه ما لبث أن انتقل بمن معه إلى ناحية جبل صهيون؛ أما روبرت دوق نرمنديا فقد وقف تجاه باب هيردوتس ومعه روبرت كونت فلاندر في مواجهة باب دمشق. بينما خلت الناحية الشرفية من المهاجمين الصليبيين، يراجع تفاصيل الحصار في توديبود، بطرس: "تاريخ الرحلة إلى بيت المقدس"، ترجمة حسين محمد عطية، ط1، دار المعرفة الجامعية، 1999م.ص313. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: توديبود، تاريخ الرحلة. ريموندا جيل: "تاريخ الفرنجة غزاة بيت المقدس"، ترجمة حسنين محمد عطية، ط1، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1990م، ص235. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: ريموندا جيل: تاريخ الفرنجة. المؤرخ المجهول: "أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس"، ترجمة حسن حبشي، القاهرة دار الفكر العربي، د.ط 1958م. ص114-115، 117. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: مؤرخ مجهول، أعمال الفرنجة. بالار، ميشيل: " الحملات الصليبية والشرق اللاتيني من القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع "، ط1، ترجمة بشير السباعي، عين للدراسات والنشور، 2003م. ص172. وسيشار لهذا المرجع عند وروده، هكذا: بالار، الحملات. حبشي، حسن: " الحملة الصليبية الأولى "، دار الفكر، د.ت، د.ط. ص175. وسيشار لهذا المرجع عند وروده، هكذا: حبشي، الحملة الصليبية.
2. ابن شداد الحلبي، عز الدين أبي عبد الله محمد بن علي بن إبراهيم(ت 684هـ/1258م): "الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة"، تاريخ لبنان والأردن وفلسطين، عني بنشره وتحقيقه ووضع فهارسه سامي الدهان، منشورات المعهد الفرنسي للدراسات العربية، دمشق، 1992م. ج2، ق2، ص201. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: ابن شداد الحلبي، الأعلاق الخطيرة.
3. زابوروف، الصليبيون، ص120وحاكم المدينة في ذلك الوقت هو افتخار الدولة الذي تم تعينه من قبل الفاطميين في مصر انظر: ابن الأثير، الكامل، ج9، ص19. سبط ابن الجوزي، ج1، ص 323.
4. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص237. مجهول، أعمال الفرنجة، ص116. الصوري، وليم "الأعمال المنجزة فيما وراء البحار"، ترجمة: سهيل زكار ط1، دار الفكر 1990م. ج1، ص415. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: الصوري، الأعمال المنجزة. جويبو: "على خطى الصليبيين"، ترجمة عبد الهادي عباس، ط1، دار الحصاد، دمشق، 1995. ص214. وسيشار لهذا المرجع عند وروده، هكذا: جويبو، على خطى الصليبيون. حبشي، الحملة الصليبية، ص174. من الجدير بالذكر هنا أن هذه الإجراءات قد أثبتت نجاعتها ودليل ذلك إعادة نفس الأسلوب في عام588هـ حينما تخوف المسلمون من قيام الصليبيين بحصار القدس فقام المقاومون بـ"إفساد المياه بظاهر القدس وتخريب الصهاريج و الجباب". انظر: ابن شداد، بهاء الدين يوسف (ت 632هـ/1234م): "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية"، دار الفكر، بيروت، د.ط، د.ت. ص211. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: ابن شداد، النوادر. وانظر: ابن واصل، جمال الدين محمد بن سالم (ت697هـ/1298م): "مفرج الكروب في أخبار بني أيوب"، ج1-3، تحقيق جمال الدين الشيال، مطبوعات إدارة إحياء التراث القديم، المطبعة الأميرية، القاهرة، 1953/ 1957م. ج2، ص385. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا:ابن واصل، مفرج الكروب.
5. توديبود، تاريخ الرحلة، ص315، مجهول، أعمال الفرنجة، ص116، جويبو، على خطى الصليبيون، ص214،
6. مؤرخ مجهول، ص116.
7. المصدر نفسه، وانظر: الصوري، الأعمال المنجزة، ج1ص401.
8. المزاغل: عبارة عن فتحات لإلقاء القاذورات والمواد الحارة على المهاجمين لمنع تقدمهم، وتوجد هذه المزاغل في أرضية أبراج القلعة انظر: العبيدي، صلاح: "التراث المعماري وأثره في العمارة الأوروبية من خلال الحروب الصليبية"، مجلة المورد عدد(4) مجلد (16) بغداد، دار الشؤون الثقافية، 1987م. ص169. وسيشار لهذا المرجع عند وروده، هكذا: العبيدي، التراث المعماري. الصوافي، طالب عبد الفتاح: "القلاع في شمال فلسطين في فترة الصراع الفرنجي الإسلامي 492-691هـ/1099-1291م"، ط1، مؤسسة الأسوار، عكا، 2000م. ص117. وسيشار لهذا المرجع عند وروده، هكذا: الصوافي، القلاع.
9. زابوروف، الصليبيون، ص120.
10. المرجع نفسه، ص120.
11. ابن القلانسي، أبي يعلي حمزة (ت555هـ/1160م): "ذيل تاريخ دمشق"، مطبعة الآباء اليسوعيين، بيروت، 1908م. ص135. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: ابن القلانسي، الذيل. ابن الأثير، أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني الجزري الملقب بعز الدين(ت 630هـ/1232م): "الكامل في التاريخ"، تحقيق أبو الفداء عبد الله القاضي، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت 1995م. ج9ص19. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: ابن الأثير، الكامل. وانظر: سبط ابن الجوزي، شمس الدين أبي المظفر، يوسف بن قزاوغلي (ت 654هـ/1256م): "مرآة الزمان في تاريخ الأعيان"، تحقيق ودراسة مسفر ابن سالم الغامدي، الجزء الأول، المملكة العربية السعودية جامعة أم القرى معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة، 1987م. ج1، ص277-278. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان. ابن ميسر، تاج الدين محمد علي (ت 677هـ/ 1278): "المنتقى من أخبار مصر"، تحقيق أيمن فؤاد سيد، المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، القاهرة، 1981، د.ط. ج2ص38. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا:ابن ميسر، المنتقى. ابن العبري، غريغوريوس أبو الفرح بن أهرون (660هـ/1286م): "تاريخ مختصر الدول"، بيروت، د.ط، د.ت، د.ن. ص197. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: ابن العبري، تاريخ مختصر الدول. أبو الفداء، إسماعيل بن علي بن محمود، (ت 732هـ/1331م): "المختصر في أخبار البشر"، جزءان، علق عليه ووضع حواشيه محمود ديوب، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417هـ/1997م. ج2ص299. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: أبو الفداء، المختصر. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1ص458،401.
12. المؤلف المجهول، ص117. جويبو، على خطى الصليبيين، ص217.
13. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص416، 420-421.
14. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص416.
15. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص245.
16. تاريخ الفرنجة، ص 246.
17. المصدر نفسه، ص245-246. وانظر: توديبود، تاريخ الرحلة، ص318.
18. لم يبقَ للقوات الصليبية أي مصدر للمياه بعد الإجراءات التي قام بها أفراد المقاومة الشعبية، وكان عليهم أن يسيروا مسافة ستة أميال ليصلوا إلى أقرب عين ليشربوا منها، مجهول، أعمال الفرنجة، ص116.توديبود، تاريخ الرحلة، ص314. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص419.
19. مجهول، أعمال الفرنجة، ص116. توديبود، تاريخ الرحلة، ص315. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص238 حبشي، الحملة الصليبية، ص175-176.
20. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص238. توديبود، تاريخ الرحلة، ص315.
21. توديبود، تاريخ الرحلة، ص315.
22. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص419. البيشاوي، المقاومة، ص2.
23. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص420.
24. توديبود، تاريخ الرحلة، ص317، وهو المؤرخ الوحيد الذي انفرد بذكر تلك الحادثة.
25. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص243. توديبود، تاريخ الرحلة، ص316.
26. ابن القلانسي، الذيل، ص136.
27. توديبود، تاريخ الرحلة، ص316.
28. المصدر نفسه، ص316.
29. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص427. وهو يشير هنا إلى الأسلوب المستخدم نفسه في الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، وهو قذف الحجارة بالأيدي.
30. ويقصد ابن الأثير هنا باب صهيون وهو أحد أبواب القدس ويقع في الجهة الجنوبية منها، أما جبل صهيون فيقع في الركن الجنوبي الغربي منها. انظر: المقدسي، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد المعروف بالبشاري، (ت 387هـ/1997م): "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم"، تحقيق غازي طليمات، وزارة الثقافة و الإرشاد القومي، دمشق، 1980م، د.ط. ص156. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: المقدسي، أحسن التقاسيم. الإدريسي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس، (ت 560هـ/1164م): "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1415هـ/1994م. ج1، ص358. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: الإدريسي، نزهـة المشتـاق. الحموي، شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله: (ت626هـ/1228م): "معجم البلدان"، 7أجزاء، ط2، دار صادر، بيروت، 1416هـ/1995م. ج5، ص169. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: ياقوت، معجم البلدان.
31. الشارتري، فوشيه: "الاستيطان الصليبي في بيت المقدس"، ترجمة قاسم عبده قاسم، ط1، دار الشروق، القاهرة، 2001م. ص145. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: الشارتري، تاريخ الحملة.
32. ابن الأثير، الكامل ج9، ص19. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج1، ص232. الحريري، أحمد بن علي، (ت بعد سنة 926هـ/1519م): "الإعلام والتبيين في خروج الفرنج الملاعين على ديار المسلمين"، تحقيق سهيل زكار، مكتبة دار الملاح،1401هـ/ 1980م. ص65. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: الحريري، الإعلام. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص247. توديبود، تاريخ الرحلة، ص318، وقد سمي البرج المحترق برج ريموند لأنه هو الذي أشرف على بنائه بنفسه.
33. باب القديس ستيفن Sint Stephen وهو نفسه باب العامود أو باب نابلس ويقع في الجهة الشمالية من القدس، وقد أطلق عليه الصليبيون اسم القديس ستيفن تكريماً -حسب زعمهم- لأول شهداء المسيحية. انظر: الكتاب المقدس، أعمال الرسل ص6، 7. بورشارد من جبل صهيون (عاش في القرن الثالث عشر الميلادي السابع الهجري): "وصف الأرض المقدسة"، ترجمة سعيد البيشاوي (عمان دار الشروق 1995م. ص145-146. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: بورشارد، وصـف الأرض. الإدريسي، نزهة المشتاق، ج1، ص358).
34. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص244.
35. توديبود، تاريخ الرحلة، ص317-318. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص434.
36. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص244. ابن الأثير، ج9، ص19. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج1، ص324. الحريري، الإعلام، ص65.
37. ابن القلانسي، الذيل، ص137. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج1، ص324.
38. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص247.
39. ابن القلانسي، الذيل، ص137. ابن الأثير، الكامل، ج9، ص19. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج1، ص323. مجهول، أعمال الفرنجة، ص117. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص347. توديبود، تاريخ الرحلة، ص319. الصوري، الأعمال المنجزة،ج1، ص436. أما ابن شداد فيحدد تاريخ دخول الصليبيين القدس في الثاني من شعبان، انظر: الأعلاق الخطيرة، ج2، ق2، ص202.
40. ابن الأثير، الكامل، ج9ص19. أبو الفداء، المختصر، ج2، ص28. العليمي، مجير الدين الحنبلي، (ت927هـ/1520م): "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل"، جزءان، الجزء الأول تحقيق عدنان يونس أبو تبانة، والجزء الثاني تحقيق محمود الكعابنة، ط1، مكتبة دنيس، عمان، 1420هـ/1999م. ج1، ص307-309. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: العليمي، الأنس. وقد حدد ابن العماد مدة الحصار تحديداً دقيقاً فذكر بأنها كانت 45 يوم. ابن العماد، شهاب الدين أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد الحنبلي العكري الدمشقي (ت 1089هـ/1678م): "شذرات الذهب في أخبار من ذهب"، 8أجزاء، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت. ج2، ص397. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: انظر: شذرات الذهب.
41. زابوروف، ميخائيل: "الصليبيون في الشرق"، ترجمة إلياس شاهين، دار التقدم –موسكو-، 1986م. ص122. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: زابوروف، الصليبيون.
42. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص237-238. مجهول، أعمال الفرنجة، ص116-117. توديبود، تاريخ الرحلة، ص315. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص421، 416.
43. ابن الأثير، الكامل، ج9ص19. وانظر: ابن العبري، تاريخ مختصر، ص197. ابن تميم المقدسي، شهاب الدين أبي محمود، (ت 765هـ/1363م): "مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام"، ط1، دار الجيل، بيروت، 1415هـ/1994م. ص367. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: ابن تميم المقدسي، مثير الغـرام. العليمي، الأنس الجليل، ج1، ص308.
44. ابن الأثير، الكامل، ج9ص19. أبو الفداء، المختصر، ج2، ص28. العليمي، الأنس، ج1، ص307-309. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص247. مجهول، أعمال الفرنجة، ص18-19. توديبود، تاريخ الرحلة، ص318. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص436. رنسيمان، تاريخ الحروب، ج1، ص103.
45. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص247، مجهول: أعمال الفرنجة، ص119.
46. ابن الأثير، الكامل، ج9، ص19. أبـو الفـداء، المختصر، ج2، ص28. ابن العبري، تاريخ مختصر الـدول، ص197. العليمي، الأنس، ج1، ص307-309.
47. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج1ص324. الحريري، الإعلام، ص65. وقد اكتفى ابن القلانسي بالقول بأن عدد القتلى "خلق كثير" انظر: الذيل، ص139.
48. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص437.
49. تاريخ الحملة، ص146.
50. الأعمال المنجزة، ج1، ص437.
51. ريمونداجيل، تاريخ الفرنجة، ص244.
52. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص437.
53. توديبود، تاريخ الرحلة، ص319، وفي روايته إشارة إلى أنّ هناك مسلمين ظلوا على قيد الحياة وقد استغلهم الصليبيون للقيام بمهمة التخلص من جثث إخوانهم ولم يحدد توديبود مصيرهم بعد ذلك.
54. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص416، 420-421.
55. يقول سبط ابن الجوزي في ذلك "وقتلوا الشيوخ والعجائز" انظر: سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان ج1، ص324. الحريري، الإعلام، ص65.
56. كان من بين الشهداء عدد من الأئمة والعلماء والزهاد انظر: ابن الجوزي، المنتظم ج9، ص108. ابن الأثير، الكامل، ج9، ص19. أبو الفداء، المختصر، ج2، ص28. العليمي، الأنس، ج1، ص307. ابن الراهب، تاريخ، ص72. ابن تغري بردي، النجوم، ج5، ص148. السلامي، مختصر التواريخ، ورقه27. النويري، نهاية، ج28 ص257.
57. توديبود، تاريخ الرحلة، ص318-319. الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص437. حيث يذكر بأن الصليبيين "اقتحموا المنازل حيث قبضوا على أرباب الأسر، و زوجاتهم، و أطفالهم وجميع أسرهم، وقتلت هذه الضحايا أو قذفت من مكان مرتفع حيث هلكت بشكل مأساوي".
58. توديبود، تاريخ الرحلة، ص318.
59. ابن الأثير، الكامل، ج9، ص19. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج1، ص324. العليمي، الأنس الجليل، ج1، ص308. الحريري، الإعلام، ص65.
60. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، ج1ص308.
61. انظر عن هذا الموضوع بالتفصيل: النقر، التغيرات الإدارية والعمرانية والسكانية في مدينة القدس في فترة الاحتلال الفرجي الصليبي، بحث ضمن ندوة بلاد الشام في فترة الصراع الإسلامي الفرنجي 491-690هـ، والمنعقد في جامعة اليرموك- إربد الأردن، في الفترة من 8-10، تشرين الثاني 1999م الموافق 20رجب إلى 2شعبان 1120هـ.
62. ابن شداد الحلبي، الأعلاق الخطيرة، ج2، ق2، ص202.
63. البنداري، الفتح بن علي بن محمد (ت 622هـ/1225م): "سنا البرق الشام "، مختصر البرق الشامي للعماد الأصفهاني، تحقيق فتحية النبراوي، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1979م. ص312. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: البنداري، سنا البرق. أبو شامة، شهاب الدين أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم، (ت665هـ/ 1266م): "الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية" ط1، تحقيق إبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1997م. ج3، ص396. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: أبو شامة، الروضتين. ابن واصل، مفرج الكروب، ج2، ص217. العليمي، الأنس، ج1، ص339. النقر، التغيرات، ص12.
64. أبو شامة، الروضتين، ج3، ص396.
65. النقر، التغيرات، ص12.
66. الداوية: هيئة عسكرية صليبية تأسست عام 1118م/512هـ بقيادة هيو دي باينز من شمبانيا Huge de Paynes وقد حملوا لقب فرسان الهيكل، بعد أن منحهم بلدوين الثاني محلاً قرب المسجد الأقصى الذي سماه الصليبيون هيكل سليمان، ويعود أصل كلمة الداوية إلى لفظ "Divi" اللاتينية وتعريب للفظة (تسسا) السريانية، انظر حول الداوية أصلها ما يلي: الصوري، الأعمال المنجزة، ج1، ص567. عوض، محمد مؤنس: "التنظيمات الدينية الحربية في مملكة بيت المقدس اللاتينية"، ط1، دار الشروق، الأردن، 2004م. ص39-42. وسيشار لهذا المرجع عند وروده، هكذا: عوض، التنظيمات.
67. الإدريسي، نزهة المشتاق، ج1، ص360. ابن منقذ، مؤيد الدولة أبو المظفر أسامة بن مرشد بن علي الكناني الشيرزي (ت 584هـ/1188م): "كتاب الاعتبار"، حرره فيليب حتى ،مطبعة جامعة برستون، الولايات المتحدة، 1930، والدار المتحدة، 1986م. 172. وسيشار لهذا المصدر عند وروده، هكذا: ابن منقذ، الاعتبار. ابن الأثير، الكامل، ج10، ص158. البنداري، سنا البرق، ص 314. أبو شامة، الروضتين، ج3، ص396. ابن واصل، مفرج الكروب، ج2، ص317.
68. أبو الفداء، المختصر، ج1، ص29.

المصدر:
- عبد الحميد جمال الفراني / باحث وكاتب في التاريخ الإسلامي. ماجستير تاريخ إسلامي- الجامعة الإسلامية بغزة/ فلسطين.
- مؤسسة فلسطين للثقافة

بحث.. القدس بين حقائق التاريخ وزيف الإسرائيليات. - 2 -


نتابع.. القدس بين حقائق التاريخ وزيف الإسرائيليات. - 2 -

يشهد الدارس لموقع القدس وتطوّرها عبر العصور، تشابهاً منقطع النظير مع مكة المكرمة، فالمدينتان قامتا في موقعين جبلين، وارتبط تطوّرهما بالقداسة والتجارة، وهما معاً عانتا من مشاكل قلة المياه، وأكثر من هذا مثلما اسم مكة أو بكة يعني نبع الماء يرجّح علمياً أنّ تسمية القدس من حيث الأصل ارتبطت بالماء.
وتقع القدس على خط طول 35 درجة و13 دقيقة شرقاً، وخط عرض 31 درجة و52 دقيقة شمالاً، وترتفع نحو 750 عن سطح البحر المتوسط/ ونحو 1150م عن سطح البحر الميت، والقدس ذات موقع جغرافي مهم، لأنّ نشأتها جاءت على هضبة القدس والخليل، وفوق القمم الجبلية التي تمثّل خط تقسيم المياه بين وادي الأردن شرقاً والبحر المتوسط غرباً، وجعل هذا من اليسير عليها أنْ تتصل بجميع الجهات، وهي حلقة في سلسلة تمتد من الشمال إلى الجنوب، فوق القمم الجبلية للمرتفعات الفلسطينية، وترتبط بطرق رئيسية تخترق المرتفعات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وهناك طرق عرضية تقطع هذه الطرق الرئيسية، لتربط وادي الأردن بالساحل الفلسطيني، ومن بينها طريق القدس أريحا، وطريق القدس يافا، وتبعد القدس مسافة 22 كم عن البحر الميت، و52 كم عن البحر المتوسط، وأطوال الطرق المعبدة التي ترتبط بين القدس وكل من العواصم العربية المجاورة هي التالية: القدس–عمان 88 كم، القدس-دمشق 290 كم ، القدس-بيروت 388 كم، القدس-القاهرة 528 كم.
وترجع الأهمية الجغرافية لموقع القدس، إلى أنّه يجمع بين مزيّة الانغلاق، وما يعطيه من حماية للمدينة، وميزة الانفتاح، وما يعطيه من إمكانية الاتصال بالمناطق والأقطار المجاورة، كما وترجع هذه الأهمية إلى مركزية موقع القدس بالنسبة إلى فلسطين والعالم الخارجي، وعلى هذا اختير موقع القدس بما يجمع من صفات الانغلاق والانفتاح. وفي المجال العسكري، اكتسب موقع القدس الجغرافي أهمية خاصة نظراً للحماية الطبيعية التي تزيد في الدفاع عنه، وعندما كانت الحملات العسكرية تنجح في احتلال القدس، كان ذلك النجاح إيذاناً باحتلال سائر فلسطين والمناطق المجاورة لها.... وكانت نشأة النواة الأولى لمدينة القدس على تلال الضهور (الطور-تل أوفل) المطلة على قرية سلوان إلى الجنوب الشرقي من المسجد الأقصى، وقد اختير هذا الموضع الدفاعي لتوفير أسباب الحماية والأمن لهذه المدينة الناشئة، وساعدت مياه عين أم الدرج في الجانب الشرقي من الضهور على توفير المياه للسكان، وأحاط بهذا الموقع وادي قدرون (جهنم) من الناحية الشرقية، وأحاط به من الجهة الجنونية وادي هنوم (الربابة) ووادي الزبل من الجهة الغربية, وقد كوّنت هذه الأودية الثلاثة خطوطاً دفاعية طبيعية جعلت اقتحام القدس القديمة أمراً صعباً، إلا من الجهتين الشمالية والشمالية الغربية وبناءً عليه استولت عليها جميع الجيوش عبر التاريخ ودخلتها من جهة الشمال.
وهجرت النواة الأولى للمدينة بمرور الزمن وحلّت محلها نواة رئيسة تقوم على تلال أخرى غير تلال الضهور (الطور) مثل مرتفع ساحة الحرم (موريا) في الشرق، ومرتفع صهيون في الجنوب الغربي، ومع الأيام دخلت هذه المرتفعات داخل أسوار المدينة، وكان ذلك على يديْ الإمبراطور الروماني إيليوس هدريانوس (117-138م) (16).
أمّا بالنسبة لاسم المدينة، فقد اعتمد الباحثون في هذا المقام على مواد العهد القديم، فقالوا إنّ اسمها الأول كان "يبوس"، ثم صار اسمها "أورشليم" بصيغ متنوعة، ثم مدينة داود، وبعد ذلك إيليا، وبعد الفتح الإسلامي بزمن عرفت باسم القدس، أو بيت المقدس، ويضاف إلى هذا أنّ أسفار العهد القديم أطلقت عليها أسماء أخرى مثل: سالم، وهيروسوليما، وبيدر أرنان، وأريئيل، ومدينة قوية، وابنة صهيون، والمدينة الدموية، والمدينة المطلوبة غير المهجورة، ومدينة الرب، والسيدة في البلدان، والعظيمة بين الأمم، ووادي الرؤيا، وسدوم، والبرج، وهاليا، والجريزا. وأشار المسيحيون إليها أحياناً باسم "الضريح القدس"، واللاتين باسم ييروسوليما (17). ومع أنّ اسم يبوس اسم عربي شامي، ما زال معروفاً في أحواز دمشق (جديدة يابوس) من غير الممكن توثيق جميع هذه الأسماء التي وردت في أسفار العهد القديم، والذي يمكن اعتماده فقط أولاً اسم "القدس" ثم "إيليا" رسمياً فقط لبعض الوقت، والقاعدة التي اعتمدت في بلاد الشام حتى قدوم الإسكندر المقدوني، في إطلاق الأسماء على الأماكن، قد ارتبطت بطبيعة المكان جغرافياً أو طبيعياً، أو بوجود مكان مقدس (بيت) أو بمعركة من المعارك، ولم يستخدمْ الشاميون السابقة "أور" في أيّ مكانٍ من بلادهم، واقتصر استخدام هذه السابقة على بلاد الرافدين، ومن هذا المنطلق من المرجّح أنّ اسم "أورشليم" قد أطلق على المدينة المقدسة في أيام الحكم الأخميني في المائة الرابعة قبل الميلاد، وذلك مع ظهور مقاطعة "يهود"، واسم "يهود"، واسم أورشليم اسم رافدي بابلي، ظلّ رائجاً حتى مطلع العصر العباسي، حيث إنّه عندما بنى أبو جعفر المنصور مدينته المدورة (بغداد) أطلق عليها اسم "دار السلام" أي أورشليم.
والاسم "القدس" هو الذي يمكن توثيقه لغوياً، وجغرافياً، وتاريخياً، وهذا الاسم مرتبط بالماء من حيث الجر، ومن حيث التخزين، وكما سلفت وأشرت إلى التشابه ما بين مكة المكرمة والقدس فهذا واضح لنا من حيث التشابه بالموقع الجبلي، وكذلك أصل الاسم ومعناه، فقد أشار القرآن الكريم إلى مكة باسم "بكة" في قوله تعالى (إنّ أول بين وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين) سورة آل عمران–الآية 96، والإشارة إلى بكة هي إشارة إلى بئر زمزم، ففي لبنان هناك بعلبك، وفي سورية ومصر اسم الفم "بق" ويقال للذي يطلب منه الكلام "بق الكلمة"، وبقين، نبع مشهور في ريف دمشق، يشرب الناس مياهه المعبأة في قوارير، وما برح العرب في كلّ مكان يصف كل واحد منهم الماء في حالة الفوران والغليان "الماء يبقبق". ومثل هذا كلمة "قدس" التي تضبط بـ"قادس– قادش وقدس" وفي سورية قدس أو قادس قرب حمص، واسم النبع الآن "عين التنور"، ونبع النهر الذي تشرب منه طرابلس الشام هو "قاديشا" وفي فلسطين "قادش برنيع" قرب بئر السبع، وإلى الشمال من صفد قرية اسمها "قدس"، وهناك "قادش" على الساحل الجنوبي الغربي لبحيرة طبرية، بالقرب من سمخ، (18) وفي جنوب لبنان قرية اسمها "قدس"، وإلى جانب دمشق بلدة "قدسيا" التي سميت كذلك لجر الماء إليها من نبع العراد، وفي الأندلس مدينة عريقة كان اسمها "قادس" في كورة اشبيلية، ذكر ياقوت في معجم البلدان أنّ الماء كان يجلب إليها من نبع عذب في البحر، حيث بُنِيَ فوقه بناء محكم ووثّق بالرصاص والحجارة الصلبة، وسيق الماء من هناك إلى المدينة، وفي العراق القادسية التي وقعت قربها المعركة المشهورة، وكذلك قديس، وكان أيضاً قرب دجيل بين حربي وسامراء قرية كبيرة اسمها قادسية (19)، وفي جنوب اليمن قدس، وعاصمة الصومال اسمها "مقديشو"، ويقال حتى الآن في سورية لدلاء الماء "قادوس" وفي المغرب الأقصى، القادوس مجرى الماء، وهناك قرب فاس "عين قادوس".
ونقرأ في لسان العرب لابن منظور "القدوس هو الطاهر المنزه عن العيوب، وقد تفتح القاف، وقدس هو الموضع المرتفع الذي يصلح للزراعة، وقدس بفتح القاف والدال– موضع بالشام من فتوح شرحبيل بن حسنة، والتقديس: التطهير والتبريك، وتقدس تطهر، ونقدس لك: نطهر أنفسنا لك، وكذلك نفعل بمن أطاعك نقدسه، أي نطهر، ومن هذا قيل للسطل القدس، لأنّه يتقدس منه، أي يتطهر، والقدس: السطل بلغة أهل الحجاز لأنه يتطهر فيه، والقدس "البركة" وعلى هذا القدس "بركة الماء"، الماء الذي يستخدم للطهارة، ولقد كان من أهمّ ما اتّسمت به مدينة القدس القديمة في العصور القديمة والوسيطة البرك التي كانت تجمع فيها مياه الأمطار، حتى ساد اعتقاد لدى المسيحيّين أنّ مياه بركة(20) الضأن، وكانت من أكبر برك المدينة، كان ملاك يحرّك مياهها، وعند تحرّكها أول من يغطس بها يشفى من كل داء.
وذكر هيرودوت (483-425 ق.م) في تاريخه القدس تحت اسم كاديتيس وأوضح أنّها كانت بلدة سورية كبيرة على مقربة من مجدولوس الذي هو مرج ابن عامر، أو بالأحرى تل المتسلم. ويوحي كلام هيرودوت أنها كانت تعرف بهذا الاسم من القديم(21) وإنها مدينة فلسطينية ذلك أنّ الجزء الجنوبي من السورية الممتد جنوباً إلى مصر كله يعرف باسم فلسطين(4), وكان هيرودوت حين تحدّث على التقسيمات الإدارية للإمبراطورية الإخمينية مع تبيان كميات الضرائب التي كانت تدفعها كل مقاطعة بهذه الإمبراطورية بيّن أنّ المنطقة العربية التي ضمّت سيناء مع سورية الداخلية كانت معفاة من الجزية وأنّ المنطقة الساحلية التي امتدت من السويدية حتى مصر شكلت مقاطعة إدارية ضمّت كلّ فينيقية وذلك الجزء من سورية الذي يعرف باسم فلسطين وقبرص(5), وفي هذا ما يؤكد أنّه في المائة الخامسة قبل الميلاد لم تكنْ مقاطعة اليهود قد ظهرت إلى الوجود.
ونقف مجدّداً مع العرض التوارتي للأحداث وقد ذهب هذا العرض إلى أنّ القدس قد تأسّست حوالي عام 3500 قبل الميلاد وأنّ سكانها المؤسسين لها كانوا العرب اليبوسيين وأنّ ملكي صادق كان أول ملوك هذه المدينة وهو سام بن نوح، وقد زاره إبراهيم الخليل عليه السلام، فباركه أيْ استخلفه واستخلف إبراهيم فيما بعد ابنه إسحاق وجاء من بعد إسحاق ابنه يعقوب الذي دخل مع أولاده إلى مصر الإقليم إثر مجاعة، ولأنّ ابنه يوسف كان عزيز مصر وبعد ردحٍ من الزمن تكاثر عدد أبناء يعقوب الذي صار اسمه الآن إسرائيل، ونتيجة لظلم المصريين هاجر بنو إسرائيل من مصر بقيادة النبي موسى عليه السلام وأنهم قطعوا البحر إلى شبه جزيرة سيناء حيث تاهوا فيها لمدة أربعين سنة ثم دخلوا فلسطين بعد وفاة موسى عليه السلام بقيادة يوشع بن نون وهدموا أريحا وقتلوا أهل فلسطين, حتى تمكّن داود في حوالي سنة 1000 قبل الميلاد من الاستيلاء على القدس, وصارت مدينة داود وبعد داود حكم ابنه سليمان الذي بنى في القدس الهيكل الأول, وبعد سليمان انقسمت المملكة إلى قسمين مملكة إسرائيل في الشمال وهي الأكبر ومملكة يهوذا في الجنوب وأنّ حرباً قاسية نشبت بين مملكتين وأنّ هذا أدّى إلى انفصال جماعة السامرة وفي الوقت نفسه تعرّضت فلسطين لحملات مصرية وأخرى أكادية ثم آشورية وبعد ذلك كلدانية وكان آخرها حملة نبوخذ نصر, الذي استولى على القدس وسبى سكانها وشتتهم حتى جاء العصر الأخميني.
وهذا العرض، وإنْ كان يبعث في أيامنا السرور في بدايته بالنفس، هو ملفّق ولا صحة له، يتعارض تماماً مع معطيات الآثار، كما أنّه لا يتوافق مع ما ورد في القرآن الكريم، وهو قد بعث السرور في البداية على أساس أنّ العرب اليبوسيين هم الذين أسّسوا المدينة، وهنا نرى أنّ يبوس سمة للمكان، وأنّ هذه السمة من المفترض قد منحت اسمها لسكانها، وأمّا الحديث عن ملكي صادق وإبراهيم الخليل فأسطوريّ كامل، اخترعه كتاب العهد القديم للقول إنّ ملكي صادق قد عهد إلى إبراهيم، وأنّ إبراهيم قد أورث شرعيته إلى ابنه إسحاق وهكذا إلى يعقوب فالأسباط، وهذا أمرٌ لا يمكن إثباته عن طريق الآثار، يضاف إلى هذا أنّ القرآن الكريم لم يذكر ملكي صادق، ولم يذكُر أنّ إبراهيم الخليل قد قام بأية حروب، ثم إنّ الاتصالات بين العراق والحجاز إذا قبلنا برواية أنّ إبراهيم كان أصلاً من العراق لم تكنْ قط تتم عبر فلسطين، بل مباشرة، وأنّ إسماعيل كان هو الابن الأول لإبراهيم، وبإبراهيم وإسماعيل الذبيح، ارتبط حدث إعادة بناء الكعبة في مكة المكرمة، ومع إعادة البناء هذه الإيذان بالحج، وأمّا قضية اسم أم إسماعيل بأنّه كان هاجر، فأمرٌ سهل التفسير، لأنّ أهل اليمن يطلقون على القرية أو البلدة اسم "هجر" وروى ياقوت أنّ "الهجر بلغة حِمْيَر والعرب العاربة: القرية، فمنها هجر البحرين، وهجر نجران، وهجر جازان.... (22)، فهاجر على هذا امرأة هجرية، والارتباط بمصر، هو ارتباط بمجرى ماء أو تخم، وفي جنوب شبه جزيرة العرب المياه وفيرة، وبها ارتبطت أماكن الاستقرار والتواصل المعاشي وسواه، وصورة إبراهيم الخليل عليه السلام في القرآن الكريم صورة الإنسان المتنقّل غير المستقر، أيْ أنّه كان أقرب إلى البداوة ولذلك منطقيّ تسمية زوجته غير البدوية باسم هاجر، لأنها جاءت من "هجر" قامت على مجرى من مجاري المياه، وهذه أيضاً صورة بقيت مستمرة حتى أيام يعقوب، والخلاف بين أولاده، وقضية يوسف، ثم بعد ذلك في سيرة موسى عليه السلام بعد فراره، وقيامه بأعمال الرعي، وما دُمنا مع موسى عليه السلام، إنّ بلد السحر قديماً هو بابل، وهذا واضح في قوله تعالى: (ولكن الشياطين كفروا يعلّمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت)(23)، كما أنّ بلاد بابل هي بلاد الأبراج والزقورات، واستخدام الطوب المجفّف بالشمس أو المشوي بالنار، في حين نجد أنّ آثار أرض الكنانة شاهدة على أنها بلاد الحجارة والبناء بها، يقول الله تعالى: (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علِمت لكم من إلهٍ غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلّي أطّلع إلى إله موسى)(24)، وقوله جل وعلا: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب)(25), وقوله تعالى: (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلّي أبلغ الأسباب. أسباب السموات فأطّلع إلى إله موسى) سورة غافر.
والفرعون بالعربية هو الطاغية، وكان أبو جهل طاغية هذه الأمة، وشهرت بلاد بابل بطغاتها عبر التاريخ، ونعود إلى يعقوب وأبنائه لنتذكّر أنّه كان من عادة البداة الاسترفاد في مواسم القحط من البلدان المجاورة، وشهرت هذه العادة عند بداة شبه الجزيرة العربية، حيث كانوا يسترفدون من العراق في أيام القحط قبل الإسلام، ولدينا في الأدب العربي حكاية قوس حاجب، وهي من الشواهد المتأخّرة، كما أنّ شط العرب شكّل مجمّعاً للبحرين، وعلى مقربة منه ما تزال هناك بقايا أقدم أتباع ديانة قديمة جداً، وأعني بهم الصابئة الذين يمتلكون تراثاً دينياً غنياً، يضاف إلى هذا أنّ الخليج العربي هو البحر الأحمر قديماً، وتتحدّث كتب الأخبار العربية عن أنساب وكتب الأنساب عن عرب بائدة، وقد يكون بنو إسرائيل من العرب البائدة، لأنّه جاء في القرآن الكريم قوله تعالى (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذْ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون. تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون) (البقرة: 132-134).
هذا ومقرّر علمياً أنّه لا علاقة بين بني إسرائيل أيْ أولاد يعقوب والذين سيُعرَفون باسم يهود فيما بعد، يقول الله جلّتْ قدرته (أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى، قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون. تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) (البقرة: 140-141).
وحين ننتقل إلى مسألة كلٍّ من داود وسليمان، نجد أنّ صورة داود في القرآن الكريم تختلف عنها في العهد القديم، فهو في العهد القديم: فتى أفّاق، مارس أعمال رعاية الأغنام، ثم شكّل عصابة من حوله، وتشرّد وتخفّى في عدة أماكن، حتى قتل سيّده، واستلم السلطة من بعده، وفي أيام سلطته كان بيته بؤرة دعارة، وكانت لذلك علاقته ببعض أولاده سيئة، ثم هو لم يكنْ نبياً، أمّا في القرآن فنجد صورته وحرفته مختلفة، وأنّه كان نبياً، وهكذا نقرأ قوله تعالى (وآتينا داود زبوراً) (النساء: 163)، (ونوحاً هدينا من قبْل ومن ذريته داود سليمان) (الأنعام:84)، (لُعِن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود)- ( المائدة : 78 )، (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) ( ص: 26)، وأخيراً (وألنّا له الحديد. أنْ اعمل سابغات وقدّر في السرد) (سبأ: 101).
وعلى هذا كان النبي داود خليفة لله في الأرض، وكان يمارس أعمال القضاء، وقد آتاه الله زبوراً، وألان الله له الحديد، حيث عمل سابغات، وكان بالوقت نفسه عالماً، ولا بدّ لخليفة الله في الأرض من أنْ يكون حاكماً عظيم الشأن على دولة واسعة الآفاق وهذا لا يتوافق مع تاريخ فلسطين، ثم إنّ القدس لم تكنْ قط عاصمة دولة كبيرة جداً وقوية إلى أقصى الحدود، ونبقى مع المسألة الفيصل وهي العمل بالحديد وصنع السوابغ، حيث من المقرّر تاريخياً أنّ أول من استخدم الحديد في الأعمال العسكرية هم شعوب البحر، الذين اجتاحوا الشواطئ الشامية والمصرية، محدِثين الدمار والحرائق، ومانحين لفلسطين –كما يعتقد الكثيرون– اسمها، فهم قد جاءوا من كريت، ومن بعض البلدان الأوربية التي امتلكت الحديد، وبذلك حقّقوا التفوّق على الذين كانت أسلحتهم من البرونز، وكان ظهورهم في حوالي /1200ق.م/ فهل كان داود من شعوب البحر؟ طبعاً لا، لأنّ اسمه عربي، والله تعالى قد استخلفه وأنزل عليه الزبور، وبما أنّ الحديد لم يكنْ متوفراً في المشرق العربي، وأنّه دوماً جرى استيراده من أوربا أو من آسيا الصغرى، أو من الهند، علينا البحث عن دولة كبرى استخدمت الحديد على نطاق واسع، فحقّقت بذلك نجاحات عسكرية باهرة، وهذا ينطبق فقط على الدولة الآشورية من بعد القرن الثامن قبل الميلاد، وطالما كان داود خليفة الله، وسيد دولة كبرى من نسل نوح، لا بدّ أنّه كان ملكاً آشورياً، ويدعم هذا اسم ابنه "سليمان" الذي هو اسم آشوري، والدولة العظمى التي حكمها سليمان لا تتطابق ملامحها إلا مع الدولة الآشورية، وصحيح أنّ الدراسات حول الدولة الآشورية كثيرة، نحن ما زلنا نجهل الكثير من أخبارها، لأنّ الذي كُشِف من آثار الماضي أقلّ مما يزال تحت الأرض، يضاف إلى هذا أنّه لدى نقل الكثير من آثار أشور في القرن التاسع عشر إلى أوروبا، أخذت طبعات العديد من النصوص المهمة جداً، وقد أُتْلِفَت أوراق هذه الطبعات في المتحف البريطاني لأنّ نصوصها تعارضت مع مواد العهد القديم (26)، وعلى هذا استعار كتاب العهد القديم من تاريخ آشور: داود وسليمان والتمزقات التي عرفتها الدولة الآشورية، ومسخوا الجغرافيا ودنسوا الصدق والحقيقة.
وقبل أنْ ندع النبي داود عليه السلام، أبْقى مع صناعة السوابغ من الحديد، فالسابغة ثوب أو درع من زرد الحديد، يجرّه المقاتل على كعبيه طولاً، وتصنع السابغة بالعادة من حلق أو خواتم من الحديد تشبك مع بعضها(27) وكانت صناعة السوابغ حتى في أوروبا في العصور الوسطى تحتاج إلى مهارة عالية في فنون صناعة الحديد، وإلى نفقات كبيرة جداً وإلى فِرَق من العمّال البارعين، وذلك أنّ سابغة واحدة كانت تحتاج إلى عددٍ هائلٍ من الحلق أو الخواتم، تصنع مفردة ثم يجرى شبكها مع بعضها، ولحمها مع بعضها بشكلٍ متقن بوساطة النار الحامية والتطريق، واحتاج مثل هذا العمل إلى إمكانيات دولة كبرى مالياً وغير ذلك، وهذا ما لم يتوفّرْ في فلسطين. وأختم حديثي هذا بالمسألة التي تواجهنا فيما يتعلّق بالنبي سليمان، وملكة سبأ، المشهورة باسم بلقيس، فالدارس لتاريخ الدولة الآشورية، ولنصوص الآشوريين الكثيرة، يلاحظ كثرة الإشارات فيها إلى القوى البدوية العربية، وإلى دويلات عربية كانت محكومة من قبل نساء(28), وورد ذكر سبأ في القرآن الكريم مرتين، في المرة الأولى في سورة النمل (الآيات 19–44) حيث جلب طائر الهدهد خبراً إلى النبي سليمان عن (سبأ بنبأ يقين, إنّي وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كلّ شيء ولها عرش عظيم, وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل فهم لا يهتدون)، وأرسل سليمان رسالةً إلى سبأ قال لهم فيها (ألاّ تعلوا على وأتوني مسلمين)، وحاول أهل سبأ شراء رضاه بالمال فقال لرسوله (ارجعْ إليهم فلنأتينّهم بجنودٍ لا قِبَل لهم ولنخرجَنّهم أذلة وهم صاغرون) وفي النهاية قدِمت ملكة سبأ إلى عند سليمان، ولدى دخولها عليه حسبت أرض قاعة عرشه (لجّة وكشفت عن ساقيها قال إنّه صرحٌ ممرّد من قوارير) ونتيجة لذلك تخلّت عن كفرها وقالت (ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين), ومهمّ قولها أسلمت مع سليمان, ولم يشِرْ القرآن إلى حملها هدايا إلى سليمان أو سوى ذلك، في حين تحدّثت أخبار العهد القديم عن هدايا متنوعة وثمينة حملتها إلى الملك سليمان, وإلى قيامه بإغوائها وإغواء وصيفتها، وإنجابها منه وكذلك وصيفتها إلى غير ما ذلك.
والمتمعّن بلهجة خطاب سليمان للسبأيّين ومن ثم مقارنتها بالنصوص الآشورية التي نشرت حتى الآن يجد تماثلاً، ولا بدّ هنا من الوقوف عند قدرة طائر الهدهد على قطع المسافات، وإلى استخدام الزجاج الممرّد، فلعلّ سبأ كانت على مقربة من آشور فالقبائل العربية كانت منتشرة في مناطق الجزيرة وسواها ومن جديد دعونا نختتم بمواجهة ذكر سبأ اليمن وفي سورة قرآنية حملت اسم سبأ الآية (21-140) ورد قوله تعالى (لقد كان لسبأ في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدّلناهم بجنتين ذواتيْ أكْلٍ خمطٍ وأثْلٍ وشيءٍ من سدر قليل، ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجزي إلا الكفور). وواضح هنا أنّ المقصود سبأ اليمن وسدّ مأرب حيث تعرّض لفيضان وتهديم، وكان ذلك قبل الاحتلال الحبشي لليمن، والفارق الزمني بين سبأ سليمان وسبأ اليمن قد يصل إلى ألف وثلاثمائة سنة، هذا ومسألة تشابه الأسماء في الوطن العربي مسألة معروفة عبر التاريخ.

الهوامش:
1 - بهذه المملكة تتعلّق الإشارة إلى آحاب ومشاركته في معركة "قرقر" على العاصي ضمن التحالف الآرامي ضد الآشوريين.
The ancient near east, edited by James. B. Pritchard, Princeton 1958…….. 1 – انظر و- rewriting the Bible byany dockser marcus, London 2000, the emergence of yehud in the Persian Period, by tharbs E. carter, Sheffield 1999, the archaeology of ancient Israel, edited by Amnon ben-tar, Palestine 1992, the Hyksos, edited by Eliezer D. oren, philadelifia 1997, concise Atlas of the Bible, San Francisco 1991, the Gold of Exodus, by Hoknord Blum, London 1998, David’s Jerusalem, Fiction or reality, Biblical archaeology review, by Margreet Steiner, July – August 1998.
والأبحاث 1–5 في أبحاث مؤتمر القدس المنعقد في جامعة القاهرة 21-23/3/ 1998 ج .ط. القاهرة 1998، القدس مدينة واحدة 2-عقائد ثلاث، تأليف كارني آرمسترونج ،ترجمة عربية ، ط. القاهرة 1998 ، الموجز في تاريخ فلسطين السياسي تأليف الياس شوفاني، ط. بيروت 1996، الفصل الثاني والثالث من الموسوعة الفلسطينية– القسم الثاني ج2 ص2. 1- 107، 6 ص797- 800، الموسوعة الفلسطينية.
2- القدس الخالدة في الوثائق المصرية القديمة والأكدية، والكتاب المقدس للأستاذ الدكتور عبد الحميد أحمد زايد في بحوث مصادر تاريخ القدس ج1 ص56-58. مدينة القدس في النصوص المصرية القديمة خلال عصر الدولة الحديثة، للدكتورة فايزة محمود صقر، في الكتاب نفسه ج1 ص100–158، هذا وكانت هناك مدينة على الفرات في الجانب العراقي في عصر ماري كان اسمها "أورشومو".
3- معجم بلدان فلسطين لمحمد محمد شراب–ط. دمشق 1987، أنظر مادتي "يازور، وجزر"، وجزر الفرات في الجانب الآخر هي الآن "تل أبو شوشة"، ومن أجل بقية الأماكن، أنظر الموسوعة الفلسطينية–القسم الثاني ج2 ص99–102.
.The Ancient East, Vol, I PP 261 262 4-
5- المحيط في اللغة للصاحب ابن عباد،ج2-ط. بغداد 1978(مادة عفر).
6- الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية للدكتور سهيل زكار ج12 ص144-145، ج43 ص1259-1292.
7- بحوث مؤتمر مصادر تاريخ القدس ج1 ص170-173.
8- أنظر سورة يونس-الآية 87، وسورة يوسف الآيتان: 21، 99، وسورة الزخرف- الآية 51، وسورة البقرة، الآية 61.
9- مرفوض التأويل اليهودي أنّ كلمة فرعون هي تصحيف لكلمة "بارا–عون" أي صاحب البيت الكبير، وانظر أيضاً مادة "كميت" في كتابي "المعجم الموسوعي للديانات والعقائد والمذاهب والفرق والطوائف والنحل في العالم" ط. دمشق 1997.
10- تفسير الطبري–ط. دار الفكر، بيروت 1978 ج1 ص248.
11- من ذلك "التوراة جاءت من جزيرة العرب" لكمال صليبي، و"خفايا التوراة" له، و"حول أطروحات كمال صليبي" لفرج الله ديب، و"التوراة اليمانية أو الصنعانية" له، و"جغرافية التوراة" لزياد منى, و"جغرافية التوراة في جزيرة الفراعنة" لأحمد عيد, وأنظر أيضاً by How Nord Blum, Lomdon 1998 وقف عند خرائط وصور هذا الكتاب في مطلعه وما بين ص177-178، وهذا ما كان قد تبنّاه جيمس برتشرد حين أشرف قبل وفاته (عام 1996) على Concies Atlas of The BiblesanfranCisco 1997.
12- أناشيد البعل لحسني حداد وسليم مجاعص– ط. بيروت 1995 ص42.
13- The ancient near east, vol 1, pp 199-205, the third edition of the same book, Princeton 1969, pp 307-308. Ancient Records of Assyria and Babylonia, by James Breasted, Chicago, 1926, vol 2, pp 119-121,143.
14- Rewriting The Bibl,pp / 56- 172.
القدس في التاريخ تأليف د. سهيل زكار ج1 ط. بيروت 2002 ص45-55.
15- The emergence of yehud in the Persian Period, pp 222-246, 263-264, 283-294.
16- الموسوعة الفلسطينية –القسم العام– الطبعة الأولى 1983، الجزء الثالث، مادة "قدس".
17- الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية لسهيل زكار ج42- ط. دمشق 2001 ص1015. الموسوعة الفلسطينية–المرجع نفسه، والمادة ذاتها.
18- الموسوعة الفلسطينية– المرجع نفسه، مادة "قادس+قادسية".
19- معجم البلدان– مادة قادس+قادسية.
20- الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية ج39 ص102–107.
21- معجم بلدان فلسطين لمحمد شراب-ط. دمشق 1987، مادة "مجدو". هرودوت يتحدّث عن مصر للدكتور محمد صقر خفاجة والدكتور أحمد بدوي– ط. القاهرة 1987 ص293 Herodotues, the histories, London 1965,p166 Herodotues, Ibd, pp 214-215.
22- معجم البلدان: مادة هجر.
23- سورة البقرة: الآية 102.
24- سورة القصص الآية: 38.
25- سورة غافر الآيتان: 23 و24.
26- ساغي (هنري) جبروت آشور الذي كان، ترجمة عربية دمشق 1995 ص382–432.
27- لسان العرب– مادة السبغ.
28- Ancient Records of Assyria and Babylonia, vol 2, pp 130-208.

المصدر:
د. سهيل زكار / المؤرخ والأستاذ الجامعي بكلية الآداب– جامعة دمشق.
مؤسسة فلسطين للثقافة

بحث.. القدس بين حقائق التاريخ وزيف الإسرائيليات. - 1 -


القدس بين حقائق التاريخ وزيف الإسرائيليات.
مقدمة
ما من مدينة حظيت باهتمام الباحثين والمؤرخين مثل مدينة القدس، وكذلك باهتمام رجال اللاهوت والسياسة، ويلاحظ أنّ جُلَّ الكتابات بغير العربية لم تتحرّر بعد من التأثيرات المنبعثة من أساطير العهد القديم من الكتاب المقدس، لا بل إنّ غالبيتها يداري هذه الأساطير ويخشى من أتباعها، أو يسعى لتسويقها بطرق التفافية، فيها مكر وخداع، وبراعة متناهية، وقد يكون هذا مسوغاً بعض الشيء للمنتمين للمجتمعات الغربية، مع أنّ السمة الأساسية للمؤرخ هي الحيادية والصدق والصراحة، وصحيح أنّ التاريخ خبر ورؤية، لكن لا يجوز اعتماد الخبر الزائف، كما لا يجوز أنْ تتحول الرؤية إلى تأويل، لأنّ في التأويل تعطيل.
والذي يثير الحزن والحيرة هو الكتابات العربية، فبعض هذه الكتابات هي نسخ مصنعة بمهارة كبيرة، مع اقتباس كامل للكتابات الغربية، وبالتالي تستهدف بمختلف الطرق تسويق المزاعم الصهيونية، أو بالحري أساطير العهد القديم، والتي في الوقت نفسه محاطة بهالة من القداسة، تراكمت خلال ما يزيد على ثلاثة آلاف عام، وهذه الأساطير كانت وما برحت ميداناً رحباً للقصّاص والوعاظ، والمبشرين والخطباء، ذلك أنّ الكثيرين من هؤلاء في الغرب المسيحيّ، وأيضاً بين المسلمين, مصابون بوباء الإسرائيليات، وأشدّ ما يخشاه الإنسان أنّ الجهل المترافق مع التعصب يقود إلى مزالق خطرة جداً، فقد تصدّى مؤخّراً واحدٌ من العلماء المرموقين للبحث في صحة الأحاديث المتعلقة بالصخرة، وليت الأمر اقتصر على هذا، بل خلص إلى القول بعدم صحّة جميع الأحاديث، وأنّ الصخرة حق لليهود، اغتصبه المسلمون، ولم ينتبهْ إلى أنّه حين قال بالاغتصاب اتهم النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، حين صلى هناك بجميع الأنبياء يوم الإسراء، وأنّ المعراج لم يكنْ من فوق الصخرة إلا لحكمة ربانية، أقلّها أنّ طريق السماء يمر عبر القدس إلى مكة المكرمة والمدينة، والتفريط بأيّ جزء من القدس مقدمة للتفريط بمكة والمدينة، ولم تقتصر التهمة هنا على النبي صلى الله عليه وسلم، بل شملت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، حين قدم إلى القدس فتسلّمها محرّراً، وفتش عن موقع الصخرة، وإلى جانبها اختطّ محراب المسجد العمري أو المسجد الأقصى.
هذا وما مِنْ أمرٍ أضرّ بالفكر الإسلاميّ، خاصة بالتفسير والأخبار والقصص, مثل الإسرائيليات، وعجباً كيف أقدم بعضهم على تفسير كلام الله بكلام الحاخامات، وما زالوا يفعلون، أوليس هؤلاء ممن ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، والمصادر المعتمدة لتاريخ القدس القديم، هي نتائج الحفريات الأثرية فيها، وفي جميع أرجاء بلاد البحر المتوسط، ومع الآثار الكتب والمدونات إنْ توفرت، وفحصت رواياتها ومحصت وفق قواعد البحث التاريخي، وكانت القدس قد شهدت الحفريات الأثرية، التي تولاها الغربيون منذ عام 1799م، وأضرّت معظم هذه الحفريات أكثر مما أفادت، لأنها شوّهت المواقع الأثرية، بسبب أنها جرت على أيدي هواة ورجال لاهوت، استهدفوا البرهنة على صحة مرويات العهد القديم وليس كشف الحقيقة، ولذلك ينبغي التعامل مع تقارير هذه الحفريات بكلّ حذر، علماً بأنّ العلماء باتوا لا يأخذون بجلّ التقارير التي كتبت قبْل العقد الأخير من القرن الماضي، فمنذ تسعينات القرن العشرين بدأت الحفريات الأثرية تكتسي الطابع العلميّ إلى حدٍّ ما ، وأجمعت نتائج الحفريات أنّ جميع مرويات العهد القديم شيء والتاريخ الصحيح شيء آخر تماماً، وبناءً عليه باتت تقارير الآثاريين الغربيين تحمل من التناقضات أكثر مما تحمله مرويات العهد القديم، وفيها تزييف غالباً ما جاء متعمّداً، وتوجّب الآن على كل باحث منصف عدم تصديق قراءات النصوص القديمة مع التفاسير التي أعدّت حولها، وإعادة النظر بكل شيء.
هذا وكان بودّي أنْ أقدّم الآن عرضاً لتاريخ تدوين أسفار العهد القديم، مع تبيان مراحل تطور العقيدة الموجودة في هذه الأسفار، ولكن لتعذّر ذلك لعله تكفي الإشارة الآن إلى أنّ أول محاولة لتدوين ما نُسِب إلى النبي موسى عليه السلام، جرت بعده بحوالي عشرة قرون على الأقل، وأنّ ذلك كان في بلاط الدولة الأخمينية الفارسية، هذا وينبغي أنْ نميّز دوماً بين بني إسرائيل وبين اليهود، ذلك أنّ اسم يهود ظهر في أيام الحكم الأخميني لفلسطين، نسبة إلى موقع إداريّ صغير، ونضيف إلى هذا أنّه في أيامنا أكثر من تسعين بالمائة من يهود العالم الأوروبي وفلسطين المحتلة هم من أصل خزري، وهذه كلها موضوعات تناولتها بالبحث العلمي الدقيق والموثق.
في تمهيدٍ للحديث عن تاريخ القدس, القديم سوف أشير إلى تواريخ بعض الأحداث المزعومة حسب مرويات العهد القديم، وبالمقابل إلى التواريخ المعطاة من خلال الحفريات الأثرية اعتماداً على دراسة الطبقات والنماذج الأثرية، والكربون المشعّ (14) والتحليل بالطيف.
2000–500 ق.م. الزمن الذي عاش فيه إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
1260–1250 ق.م. الزمن المعطى للخروج من مصر بقيادة موسى.
1200–1000 ق.م. الاستقرار في أرض كنعان بقيادة يوشع بن نون.
1001–969 ق.م. تأسيس مملكة داود في القدس.
969–931 ق.م. ملك سليمان وبناء الهيكل الأول.
931–931 ق.م. ملك رحبعام بن سليمان، وانقسام المملكة إلى مملكتين, في الشمال مملكة إسرائيل، وفي الجنوب مملكة يهوذا.
931–910 ق.م. ملك يربعام بن سليمان على مملكة إسرائيل.
885–874 ق.م. قيام مملكة بيت عمري التي حاضرتها ما عرف باسم مدينة سمر أو السامرة.
874 853 ق.م. ملك أحاب بن عمري.
723–722 ق.م. استيلاء الآشوريين على سمر (السامرة) وتهجير أهلها وإحلال قومٍ جدد محلهم.
605–586 ق.م. سقوط الدولة الآشورية، وقيام دولة بابل الثانية (الكلدانية).
587–538 ق.م. السبي البابلي.
538 ق.م استيلاء قورش على بابل.
538–333 ق.م. الحكم الإخميني لبلاد الشام, وكذلك مصر.
336 ق.م. ظهور الإسكندر المقدوني.
141 ق.م. قيام كيان الحشمونيين أو المكابيين.
63 ق.م استيلاء بومبي باسم روما على بلاد الشام.
37 ق.م–4 م. ملك هيرود الكبير.
66– 73م تدمير فسبسيان الروماني لفلسطين وإبادة أهلها.
ولدى التعامل مع الأرقام المبكرة من هذه التواريخ, المفترضة لم يمكنْ العثور على ما يؤكد دخول إبراهيم إلى فلسطين، وبيّنت الدراسات النقدية للنصوص التوراتية، أنّ أخباره أضيفت إليها في تاريخ لاحق، في حوالي القرن الميلادي الأول، وأودعت في سفر التكوين، ثم إنّ عمليات المسح الكامل للبحر الميت لم تكشفْ عن غرق مدينتي سدوم وعمروة فيه، وحين ذهب باحثان أمريكيان إلى أنْ موقع "باب الذرا" هي سدوم، و"النميرية" هي عمورة تبيّن أنّ هذين الموقعين قائمان على مقربة من البحر الميت، وليس فيه، وأنّ الحياة توقّفت فيهما في عام (2350 ق.م.)، ولم يعثرْ في البقايا الأثرية على ما يشير إلى حياة غير عادية، لا سيما بعد اكتشاف المقابر هناك، وفحص بقايا الهياكل العظمية، ولا أستهدف هنا نفي خبر إبراهيم الخليل، ولا خبر قوم لوط، بل أريد التذكير بأنّ حياة إبراهيم مرتبطة مع مكة المكرمة، وبناء البيت الحرام فيها، وأنّ الشذوذ الجنسي لم يمارَس في بلاد الشام، وأنّ القرآن الكريم حين أتى على ذكر ما حلّ بقوم لوط لم يحدّد لا الزمان ولا المكان (أنظر سورة هود– الآيات: 73-83). وفيما يتعلق بموضوع الخروج، وقبل ذلك الدخول إلى مصر، فهو مختلف تماماً، لأنّ وصف البلاد التي كان منها الخروج لا ينطبق على مواد سفر الخروج، ثم ما من واحدٍ من ملوك مصر، لا سيما أيام حكم الهكسوس حمل لقب فرعون، بل عرف الملوك بملوك مصر العليا أو السفلى، أو هما معاً، والفرعون بالعربية هو الطاغية المتسلط، وفي القرآن الكريم نقرأ في سورة الفجر (إرمَ ذات العماد. التي لم يخلق مثلها في البلاد. وثمود الذين جابوا الصخر بالواد. وفرعون ذي الأوتاد. الذين طغوا في البلاد. فأكثروا فيها الفساد. فصبَّ عليهم ربك سوط عذاب. إن ربك لبالمرصاد)، وواضح من هذه الآيات الكريمة الفرق والتمييز بين الأعمدة والأوتاد، فالأوتاد مرتبطة بخيام نظام البداوة، وأظهرت الحفريات الأثرية والمسح الشامل لشبه جزيرة سيناء وبرهنت أنها لم تعرِف حوادث ما عرف بالخروج، هذا ولم يفصِل سيناء عن مصر أيّ بحر (قبل حفر قناة السويس)، وشكّلت سيناء بين بلاد الشام ومصر جسراً للمواصلات، وهذا الجسر لم تتوقّف عليه الحركة قط بين البلدين، علماً بأنّه لم يكتشفْ أي ملك مصري غرق في البحر، وملك مصر لم يسكن الخيام، ولم يكن شيخ عشيرة يستنفر أتباعه ليقوم بمطاردة مفاجئة وسريعة.
وما قيل عن عبودية اليهود في مصر، وتسخيرهم في بناء الأهرامات محض اختلاق، لأنّ الأهرامات بُنِيَت في حوالي /2500 ق .م/ وتم الكشف عن مقابر الذين أسهموا في بناء هذه المقابر العملاقة، فتبين أنهم من أهل مصر، علماً بأن اليهود حملوا دوماً البغضاء لمصر، ودأبوا في العصر الحديث على التشهير بها وبتاريخها المجيد، بأعمال التبشير، وبالأفلام السينمائية، وظلّوا يضغطون على حكامها حتى ورّطوها في كامب ديفيد، مما ألحق أضراراً بها وبالأمة العربية لا يمكن تقديرها.
ومجدداً بالنسبة لسيناء قد يقول قائل: وماذا عما ورد في سورة التين قوله جل وعلا (والتين والزيتون. وطور سنين. وهذا البلد الآمين)؟ نقول: قد يكون المقصود هنا جبل شبه جزيرة سناء أو جبل القديسة كاترين، وهذا الجبل مقدس لدى النصارى وليس لدى اليهود، والقديسة كاترين مصرية لها حكاية طويلة في الآداب اللاهوتية للمسيحية، ومرة أخرى نواجه سؤالاً آخر حول المكان الذي هرب إليه النبي موسى، وحول مدين النبي شعيب، فالإشارة التي وردت في القرآن الكريم ذكرت اسم مكان اسمه طوى، وأنّ موسى عليه السلام مرّ بهذا المكان أثناء سفره، وذلك قوله تعالى (فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طُوى) سورة طه الآية 12، وقد تناول هذا الموضوع ياقوت الحموي في معجم البلدان، فبين اختلاف الآراء حول الموضوع، وروى بأنّ من معاني "بالواد المقدس طُوى": " أي طُوى مرتين، أي قدس... وثبت فيه البركة والتقديس مرتين"، وأضاف بأنّ "ذي طوى –بالضم أيضاً– موضع عند مكة", ومثل هذا هناك عدم اتفاق حول تحديد مكان مدين، حيث عاش النبي شعيب الذي اسمه عند اليهود "يثرو"، علماً بأنّ بعض الدراسات الحديثة الموجهة من قِبَل "إسرائيل" والصهيونية ذهبت إلى القول الآن إنّ بلاد مدين هي منطقة تبوك، وأنّ جبل موسى أو حوريب هو جبل اللوز هناك، وأنّ عبور البحر كان عند خليج العقبة، ودوافع هذا التوجه محض سياسية توسعية تستهدف السيطرة "الإسرائيلية" على خليج العقبة تماماً من جميع الجهات، وتثبت ذريعة للتوسع المستقبلي في شبه جزيرة العرب.
هذا ودلّلت نتائج الحفريات الأثرية على عدم دخول هجرة بشرية مدمّرة أو غير مدمّرة إلى أرض كنعان منذ القرن الثاني عشر قبل الميلاد، لذلك مال الكتاب الغربيون والصهاينة والذين يدورون بفلكهم إلى القول إنّه لم يكنْ هناك هجرة، بل تسرّب سلمي، دون تحديد لمصدر هذا التسرب، لا بل عدم اتفاق على هوية المتسربين وتعدادهم، وبالفعل هذا كله اختراع، والاختراع في التاريخ زيف، فقد برهنت المكتشفات الأثرية أنّ أريحا لم يلحقها التدمير نتيجة هجوم أو غير ذلك، ومثل هذا بقية مدن فلسطين التي كانت موجودة آنذاك.
وذهبت مرويات التوراة إلى أنّ موسى لم يدخلْ إلى فلسطين، بل وصل إلى منطقة مآب في أردن اليوم, وصعد إلى قمة جبل حيث شاهد "الأرض المقدسة" أو "أرض الميعاد" ثم توفي، ومن الصعود إلى قمة هذا الجبل في هذه الأيام لا يمكن مشاهدة أيّ شيء مما ورد ذكره في التوراة، ومن المؤكّد أنّ موسى لم يصِلْ إلى هذا الجبل، ولا إلى أية منطقة في بلاد الشام، وهم قالوا إنّ موسى قد دُفِن فيه لقداسة هذا الجبل منذ القديم، وبالفعل كان هذا الجبل مقدساً، ولذلك استعار كتاب التوراة اسمه، ذلك أنّ قمته وسفوحه، والوادي دونه، فيها مقابر كثيرة.
فقد جرت الحفريات الأثرية في هذا الجبل منذ عام 1933م، وتبيّن أنّه استخدم بمثابة مقبرة منذ الألف الرابع قبل الميلاد، وأنّ أقدم أنواع القبور فيه هي قد عرفت باسمه وهي منشآت حجرية كبيرة جداً، لها شكل مستدير، ولها فتحة من جهة الشرق، وكان بين ما تم العثور عليه في هذه القبور هو بعض الأدوات التي استخدمت في الحفر والبناء، وبعض الجرار، وإلى جانب مقابر الدلمون جرى اكتشاف مجموعة أخرى من القبور، ويعود تاريخها إلى أكثر من ألفيْن قبل الميلاد. وأفادت هذه المكتشفات أنّ العرب القدماء -خاصة البداة منهم- اعتادوا على القدوم إلى جبل نبو، حيث توفّر نبع غزير من الماء، مع بعض المراعي، فلقد كانوا يقدِمون منذ أيام الربيع حاملين معهم أجساد موتاهم لإعادة دفنها، وكانت هذه عادة مورست في أجزاء أخرى من فلسطين، ومعلوم أنّ كتبة التوراة لم يتحدثوا عن كيفية موت موسى، بل قاموا بسرقة العادة العربية الفلسطينية، وادّعوا جبل نبو لأنفسهم، لأنّه اتسم بالقداسة، وكان يضمّ عدداً من المقابر، ويرجّح أنهم فعلوا هذا لدى إحدى مراحل إعادة النظر بنص التوراة في أيام المكابيين.
ومع أنّني سوف أتطرّق ثانية إلى قضية داود وابنه سليمان، أشير هنا إلى أنّ الحفريات الأثرية في القدس لم تظهرْ ولا أدنى إشارة إلى بناء هيكل سليمان، وأهمّ من هذا أنّ هذه المدينة –كبلدة أو مدينة– لم تكنْ موجودة قبل أواخر القرن الثامن قبل الميلاد، وارتبط قيام هذه البلدة مع تهديم حاضرة بيت عمري العربية (1)، واكتشاف نبع سلوان، ثم انهيار الدولة الآشورية، واسترداد مصر لقوتها.
مع التبدّلات التي رافقت ذلك في الاستراتيجيات والتسليح وفنون الحرب، وطرق التجارة، والقرب من شواطئ البحر المتوسط، وتصدّي المصريين للتوسّع الكلداني في فلسطين، ومع هذا التوسّع الذي هدّد مصر، وأعاد إلى الذاكرة الاحتلال الآشوري لها، ولسوف أعالج مسألة السبي البابلي فيما بعد مع غيرها من المسائل قبل العصور الكلاسيكية، وبودّي التنويه هنا إلى أنّ كل واحدة من القضايا المتقدم ذكرها تحتاج إلى أبحاث مستفيضة، وهذا من غير الممكن أنْ يقوم به فرد، بل يحتاج إلى مؤسسات بحث مختصة، وقد آن الأوان أنْ يكون في كل جامعة في المشرق والمغرب العربي مركز للدراسات "الإسرائيلية"، وأعجبُ في الوقت نفسه من إقدام المؤسسات المالية والصناعية والتجارية في الغرب على تأسيس مراكز للبحث، ونحن لا نفعل ذلك، مع أنّ أمتنا هي أمة الأوقاف وإنشاء المدارس، والإنفاق على العلم والعلماء وتأسيس المكتبات. ومن القواعد المتوجّب الالتزام بها في الأبحاث التاريخية الجادة، التمهيد بتقديم دراسة لأهم مصادر البحث، وأنْ تكون هذه الدراسة نقدية، ونظراً لخطورة موضوع تاريخ القدس، وفي الوقت نفسه لضيق المكان الآن، اضطررت إلى الاقتصار اليوم الإقدام على دراسة بعض المصادر المتداولة، وأدع الدراسة الوافية إلى مناسبة أخرى إنشاء الله تعالى ويسر. ومصادر التاريخ القديم للقدس كثيرة، تتصدرها -كما سلفت الإشارة- نتائج الحفريات الأثرية فيها، وفي فلسطين كلها، مع جميع أنحاء بلاد الشام، والنقوش المصرية القديمة، ونصوص ونقوش بلاد الرافدين ولا سيما الآشورية، ولا بد من التنبّه أولاً إلى أنّ جميع نصوص النقوش والكتابات القديمة تحتاج إلى إعادة قراءة وضبط لأنّ الزيف لحق قراءة معظم النصوص التي لها علاقة بالقدس، وما برح الباحثون العرب يعتمدون في الغالب على قراءة غير العرب لهذه النصوص، مع أنّ العدد الكبير من أوائل الأثريين كانوا إمّا من رجال اللاهوت، أو تحت تأثيرهم، وصار الأثريون -أو لنقل أكثريتهم، يعملون فيما بعد بتوجيهٍ من الصهيونية، وما برح هدف الأجيال الغربية، تثبيت ما ورد من أخبار في العهد القديم. والذي عثر عليه في مصر كثير جداً، وسأقف فقط عند بعضه الأهم، وهو نصوص اللعنة ونقش مرنبتاح ورسائل تل العمارنة: ومن المقرّر أنّ نصوص اللعنة تعود إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وقد كتبت هذه النصوص على آنية من الفخار، وبعض الدمى بالخط الهيراطيقي، ومثلت هذه الدمى أسرى موثوقين، كشف عنها في سقارة وطيبة، وهي محفوظة في كثير من المتاحف في أنحاء العالم، ويوجد منها نماذج في متحف القاهرة، والأسماء التي وردت في هذه النصوص: مصرية، ونوبية، وسورية (آسيوية)، ويقول أحد النصوص بعد ذكره لاسم الشخص الملعون وأسرته مع حلفائهم والمشتركين معهم، الذين يثورون أو يتآمرون، أو يقومون بالحرب، أو يفكرون بالثورة في جميع أنحاء البلاد أو "جميع الرجال، وجميع الناس، وجميع الشعب، وجميع الذكور، وجميع الخصيان، وجميع الذين يحاولون الثورة أو التآمر ويفكّرون بالحرب.... وكل كلمة شر، وكل مقالة سوء، وكل مؤامرة.
وبعد كتابة الأسماء والمطالب، كان المصريون القدماء يكسرون هذه القطع الفخارية، وكأنهم كانوا يعتقدون أنه يمكن بهذه الواسطة إحباط أيّ عملٍ عدوانيّ ضدّ مصر، ورواسب هذه العادة ما تزال تمارس حتى الآن في مصر وبلاد الشام، وكان لها مثل فعل السحر وتأثيره، وذلك مع الاعتقاد بأنّ الحرف هو كائن حي، ومن الأسماء السورية الآشورية التي وردت في نصوص اللعنة: بيبلوس (جبيل) وعسقلان، وأوزو-أمام صور– وأُشام م.
وأقدم الباحثون الغربيون فوراً على القول إنّ "أُشام م" هي مدينة "أورشليم" وفي هذا تدليسٌ مكشوف، لأنّ المعطيات الأثرية بيّنت أنّ مدينة القدس لم تكنْ قد تأسّست بعد، لأنها تأسست في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد، وهي حملت اسم "أورشليم" بعد ليس أقل من ألف وخمسمائة سنة من تاريخ نصوص اللعنة، وطبعاً من الواضح أنّ الذي قصد بـ"أُشام م" هو بلاد الشام، التي غُزِيَت مصر دوماً من خلالها، متذكّرين أنّ تاريخ نصوص اللعنة يتزامن مع بدايات ظهور الهكسوس في مصر (2).
أمّا نقش مرنبتاح (1224-1214ق.م) فقد كتب على صخرة سوداء، وهو يتكون من ثمانية وعشرين سطراً، تحدّث فيه هذا الملك عن انتصاراته وإنجازاته ضدّ الليبيين، ثم على بعض مدن فلسطين، حيث قال في السطر السادس والعشرين: "وانبطح كلّ الزعماء طالبين السلام، ولم يعدْ أحدٌ يرفع رأسه من بين التسعة، وأمسكت التحنو، وخاتي هدأت، وأصيبت كنعان بكلّ أذى، استسلمت عسقلون وأخذت جزر، وينعم أصبحت كأنْ لم تكن "ويزريل" أقفر، ولم يعدْ له بذور، وخارو أصبحت أرملة".
ولدى التمعّن في هذا النص، نجد أنّ الذين جاء ذكرهم في الترجمة هم ثمانية، وليسوا تسعة، وهؤلاء الثمانية هم: "تحنو، وخاتي، وكنعان، وعسقلون، وجزر، وينعم، ويزريل، وخارو" فأين ذهب الاسم التاسع؟ وقبل طرح هذا السؤال النقدي، يلاحظ صدور دراسات كثيرة، احتارت كيف تتعامل مع الاسم "يزريل" فكلّها استسلم أنّ المعني هو "إسرائيل"، وكثرت الاجتهادات والتفسيرات، لكن قبل الغرق في بحار التزييف أعدْنا النظر بقراءة النص، فتبين أنّ تزييفاً لحق القراءة، ودمج هذا التزييف بين الاسمين السابع والثامن، وبذلك باتت الأسماء التسعة هي "تحنو، وخاتي، وكنعان، ويسقراني، وجزر، وينعم، ويازير، ويار، وخال" وهذا ومن المعتقد "يازير" هي "يازور" أي "بيت الزور" على بعد 6 كم إلى الشرق من يافا، أمّا جزر فتل يقع على بعد ثمانية كم إلى الجنوب الشرقي من الرملة (3)، ومن المحتمل أنّ "يار" هي يارين في جنوب لبنان.
وكان من قبْل قد ذهب عدد من الباحثين إلى القول إنّ رمسيس الثاني والد مرنبتاح هو "فرعون الخروج"، أمّا الآن فبناءً على القراءة المزيّفة صار مرنبتاح هو "فرعون الخروج"، وبشكلٍ ملطّف صار المقصود بـ"يزريل" سهل يسيراو، الذي صار يعرف باسم "سهل سدرالون" وبعد الإسلام "سهل -أو مرج- ابن عامر. ونلتفت الآن إلى رسائل تل العمارنة:
في عام 1887م، كانت فلاحة مصرية تحرث قطعة أرض في خرائب "تل العمارنة"، عاصمة الملك أخناتون أي أمنحوتب الرابع (حوالي 1379-1362ق.م) الواقعة على دلتا النيل، فعثرت على لوح طيني مجفّف عليه كتابات بلغة غريبة، فعرضته على أحد السماسرة، فتبيّن أنّه مكتوب باللغة الأكادية (الكنعانية)، وبادر المهتمون بالآثار، وأخذوا يبحثون، فبلغ عدد ما عثروا عليه ثلاثمائة وسبعة وسبعين لوحاً، فيها رسائل من بلاد الشام، نصفها تقريباً من ملوك محليّين، وأسماء هؤلاء الملوك كلها عربية من ذلك: عبدو هبه، ولبايو(اللبوي) ومليكو، وإيملكو، وكان هؤلاء بالواقع حكاماً صغاراً تذللوا كثيراً في رسائلهم إلى الملك المصري، وشكوا إليه من الصراعات وبعض الاضطرابات الأمنية، وطلبوا بعض المساعدات العسكرية، مثل عدد قليل من النبالة، وتحتوي النصوص إشارات إلى مجموعة بدوية كان اسمها "العفيرو"، وأخرى أعرابية كان اسمها "شاسو". وقرأ أوائل رجال الاستشراق اسم "عبدو هيبا" و"العفيرو" "الخبيرو"، وأرادوا من وراء ذلك القول إنّ العفيرو هم "العبرانيين"، وهنا لا ننكر أنّه وجدت جماعة كان اسمها "الخبيرو"، ولكن لا بدّ من التمييز بين "الخبيرو" و"العفيرو" زمنياً وجغرافياً، فالخبيرو ورد ذكرهم في رسائل من ماري على الفرات (1730-1700 ق.م)، وذلك نسبة إلى الخابور(4) أمّا العفيرو فهم بداة فلسطين، وفي العربية: التراب هو "العفر، وعافره: صارعه... والعفرة غبرة في حمرة..... والعفرة: المختلطون من الناس، وعفرة الحرب والشر: شدتها.... ورجل عفر، وعفرية، وعفراة... أي خبيث منكر.... ومعافر: قبيلة من اليمن.... والعفر: السهام (5), ويقابل كلمة "شاس" في عربية القرآن الكريم جاس، وفي سورة الإسراء -الآية الخامسة: (فجاسوا خلال الديار) يضاف إلى هذا أنّ معنى شاسوا باللغة الهيروغليفية "الأعرابي". والمتتبع لتاريخ فلسطين عبر العصور يجد أنّه كان فيها بالإضافة إلى سكان المدن والأرياف، دوماً بداة وأعراب، وهذا موثق في العصر الفاطمي، وفي كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ لدى وصفه لعبوره من مصر إلى الشام، وفي أواخر القرن الخامس عشر، في رحله فليكس فابري (6) وبعد رسائل العمارنة استمرّ ذكر "العفيرو" يرِد في الكتابات المصرية، من ذلك نقوش معبد هابو، التي تصور انتصار رمسيس الثالث (1188 - 1157ق.م ) على شعوب البحر (فرستي - فلستي ) وفي بردية هاريس، أهدى رمسيس هذا نفسه عدداً من "العفيرو" إلى معبد الإله رع في عين شمس، كما استخدم ابنه رمسيس الرابع (1157-1151) ثمانمائة من "العفيرو" في قطع الأحجار في وادي الحمامات (7).
وحاولت بعض البحوث الالتفافية أنْ تجدّد القول إنّ هذه الإشارات تعني دخول العبرانيين إلى مصر حسبما ورد في العهد القديم، كما أنّ القرآن الكريم في إشارته إلى كلّ من يوسف وموسى عليهما السلام، ذكر مصر خمس مرات (8)، وأن حاكمها عُرِف بفرعون، ومع أنّني سأقف مجدّداً عند تدوين العهد القديم وتقويم مواده الإخبارية، أوضح بدايةً أنّ أرض الكنانة كان اسمها في العصور القديمة "كمة–كميت" أي الأرض السمراء، وما من واحدٍ من ملوكها حمل لقب فرعون (9)، وظلّت أرض الكنانة تحمل اسمها هذا حتى ما بعد عصر الإسكندر المقدوني في القرن الرابع ق.م.
بدليل نقش جبل رام(2), الواقع إلى الشمال من خليج الحقبة، وقد كتب هذا النقش بحرف الجزم (القرآني) والمسند، والهيروغليفية، وجاء فيه "قاد عليّ جيشه، وانتهى بأرض ترضى لكلب جيشه عدا إلى الكمة كوم رع رب".
ولعل أرض الكنانة كسبت اسم "مصر" على أيدي القوى المشرقية منذ العصر الآشوري، أو قبيل العصر الأخميني، الذي كانت لغته الرسمية هي اللغة الآرامية، فبالأكادية "مصر" تعني: التخم، ومعناها في الآرامية "المجرى"، ومازلنا نستخدم كلمة "مصران" أكثر من كلمة أمعاء، وفي النصوص الآشورية وردت كلمة "مسري، مسرو" لتعني مجرى الفرات كله أو بعضه، ويقودنا هذا إلى المعنى القرآني حيث جاء في سورة البقرة (61) قوله تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن نصبرَ على طعام واحد فادعُ لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإنّ لكم ما سألتم وضُربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله)، وهنا إذا افترضنا أنّ الخروج كان من أرض الكنانة، فهل من المعقول أنْ يطلب منهم موسى عليه السلام العودة إليها، ثم كيف سيكون هنالك انشقاق للبحر مرة ثانية، ومجدّداً أذكر ثانية أنّه من المعروف جغرافياً أنّه لا يوجد بحر يفصل بين مصر وشبه جزيرة سيناء، وأنّ "الإسرائيليين" الصهاينة قاموا أثناء احتلالهم لشبه جزيرة سيناء بالتفتيش في كلّ مكان، فلم يجدوا أيّ دليل على صحة حكاية الخروج حسبما وردت في العهد القديم، يضاف إلى هذا أنّ الخليل بن أحمد الفراهيدي بيّن في معجم العين (مادة مصر): "وقوله تعالى (اهبطوا مصراً) من الأمصار لذلك نوّنَه، ولو أراد مصر الكورة بعينها لما نون، لأنّ الاسم المؤنث في المعرفة لا يجري" ومثل هذا ورد عند الطبري في تفسيره قوله "اهبطوا مصراً" من الأمصار لأنكم في البدو، والذي طلبتم لا يكون في البوادي والفيافي، وإنما يكون في القرى والأمصار(10).
ودفعت النتائج المحبطة لأعمال الكشف في شبه جزيرة سيناء، الصهاينة والذين يعملون بتوجيه منهم إلى القول إنّ جبل الطور، أو بالحري جبل موسى لم يقع في سيناء بل في منطقة تبوك، وثارت زوبعة هذه الدراسات لبعض الوقت، لكنها انطفأت الآن أو كادت، وقد عُرِضت بثوب أكاديمي شبه جغرافي ولغوي مضلل.
وعلى رأس الاعتراضات على هذه الدراسات أنها غير موثقة، وطرحت بأنّ التوراة كتاب مواده معتمدة (11) وهو ليس كذلك، وهو ليس تاريخ ولا حتى كتاب دين أو ميثولوجيا، إنه مواد جمعت من مشارب كثيرة متنوعة ومتباينة، وقد استغرقت عملية تدوين هذه المواد وتنقيحها والإضافة إليها حوالي الألف وخمسمائة سنة، وفرضية اللغة والتشابه بين الأسماء مغوية، تحتاج إلى توثيق حسب المراحل التاريخية، أي مراحل الاستعارة من قبل الحاخامات عبر العصور، ولهذا أجمع العلماء على القول إنّ كلّ فقرة من أسفار العهد القديم تحتاج إلى تحليلٍ نقدي من أجل التيقّن والإعادة إلى المصدر، والعصر، والمكان والكاتب، مع الاهتمام بالمناخ والتضاريس والزراعة، لا سيما وأنّ زراعة الزيتون غير موجودة في شبه جزيرة العرب، وكذلك الحياة الاجتماعية وغير ذلك كثير، ووراء هذه الدراسات هدف خطير، استهدف جعل مواد العهد القديم المعيار الذي تقاس عليه معلومات القرآن الكريم، وكذلك مرويات تاريخ العرب قبل الإسلام والمكتشفات الأثرية.
ولدى القول إنّ منطقة خليج العقبة كانت المنطقة التي انشقّ فيها البحر، ليتم العبور إلى بلاد مدين أيْ تبوك الحالية، لأنّ شبه جزيرة سيناء كانت دوماً بيد القوات المصرية من أجل المواصلات مع بلاد الشام، ومناجم النحاس واللازورد (الفيروز)، هذا القول صحيح يرافقه سؤال هو: كيف تسنى للخارجين الفارين الوصول من مصر إلى منطقة خليج العقبة، والمسالح المصرية منتشرة في كلّ مكان من سيناء، وبعد هذا كله لماذا أغفل المصريون القدماء تدوين أخبار هذه الأحداث الجسام؟ ويبدو أنّه في الوقت الذي اكتسبت فيه أرض الكنانة اسماً آرامياً جديداً، نالت أيضاً تسمية إغريقية، انتقلت فيما بعد إلى اللغات الغربية، وأعني بذلك كلمة إيجبت وبات أهلها يعرفون بالتالي باسم "قبط" وأصل هذه التسمية هو أنّ المصريين القدماء أطلقوا اسم "حكفكت" أو "حكفت" على العاصمة "منوفر" التي دعاها الإغريق باسم ممفيس(12), وقد حوّر الإغريق اسم "حكفت " إلى إيجبت، لأنهم كتبوا دوماً حرف الحاء "ألفاً" والفاء "باء" ، ومع الأيام أصبحت التسمية الجديدة معتمدة منذ العصور الكلاسيكية، حيث امتد الحكم الكلاسيكي لمصر لمدة حوالي الألف عام ويشكّل ما تقدّم نماذج حول مكانة المصادر المصرية القديمة، وأن الحاجة ملحة لنقل النصوص القديمة لتاريخنا إلى العربية مباشرة، وليس عبر لغة غربية وسيطة، وينطبق هذا أيضاً على المصادر الرافدية من بابلية وآشورية، علماً بأنّ المصادر الرافدية ليست بالقدم نفسه مثل المصادر المصرية، هذا وإننا ننتظر ظهور الكثير المهم من المواد السورية القديمة من قطنة وإيبلا، وأقدم المصادر البابلية وأهمها ما جاء من الدولة الآشورية ثم من دولة بابل الثانية، فمن المعلوم أنّ العراق بلد قاريّ، لذلك سعى حكام العراق نحو السيطرة على بلاد الشام والوصول إلى شواطئ البحر المتوسط، وقاد هذا إلى أعمال توسّع أكبر، ويضاف إلى هذا إمكانات بلاد الشام من جميع النواحي وتوفّر أكبر مناجم للنحاس ولتصنيع البرونز في العالم القديم في فيفان في أردن اليوم.
ومن غير الممكن الحديث عن علاقات لدولة بابل الأولى مع القدس، لأنّ القدس لم تكنْ قد تأسّست بعد، بل ربما كان هناك على مقربة منها محرس عسكري صغير جداً، أمّا في العصر الآشوري فمِنَ الممكن الحديث عن سياسة آشورية معتمدة نحو فلسطين منذ أيام "سلمان نصر"، ومع ذلك لم يرِدْ ذكر للقدس إلا مرّة واحدة فقط هي في نص يعود إلى أيام الملك سنحريب (704 81ق.م)، وفي هذا النص تناقضات أكبر مما ورد في النصوص الآشورية الأخرى، حول اسم ملك القدس آنذاك، علماً بأنّ النصوص الآشورية قد اتّسمت دوماً بالمبالغة بالمعلومات التي حوتها، وقد استمرت دولة آشور بالوجود حتى عام 612 ق.م, حيث سقطت لدولة بابل الثانية الكلدانية– والمهم بالنسبة لموضوعنا بين ملوك الكلدانيين هو نبوخذ نصر الثاني (605- 562 ق.م) والنصوص التي وصلتنا عن حملاته إلى سورية، وطبعاً تعزو النصوص التوراثية إليه ما يعرف باسم "السبي البابلي".
ولم تعمّرْ الدولة الكلدانية طويلاً بعد نبوخذ نصر، وسقطت بابل عام 538ق.م إلى الملك الفارسي قورش، حيث سلّمه إياها كهنة مردوخ، وفي أيام الملك قمبيز بعد قورش احتلّ الفرس بلاد الشام، وكذلك مصر، كما أنّ جيوشهم شرعت منذ ذلك الوقت بالتوغّل في آسيا الصغرى وصولاً حتى بلاد الإغريق.
وقبل الاستطراد بالحديث عن الحقبة الفارسية أعود إلى حكاية السلبي البابلي، فقد تحدّث الملك نبوخذ نصر عن حملاته، وأهمها الحملة التي قام بها في السنة السابعة من حكمه حيث جاء في النص الذي تحدث عنها "السنة السابعة: شهر كسيليمو (كانون أول) حرّك ملك أكاد جيشه إلى أرض حتى، وحاصر مدينة ياحودو، فاستولى على المدينة في اليوم الثاني من شهر آذارو، وعيّن فيها ملكاً حسبما ارتضاه، واستولى على غنائم ثقيلة منها وجلبها إلى بابل(13) وطبعاً لم يكنْ اسم القدس في يومٍ من الأيام ياحودو، والدراسة المتأنية لنصوص نبوخذ نصر تظهر أنّه لم يستولِ على القدس، ولم يدخلْ فلسطين إلا مرة واحدة، جرى صده فيها من قبل الجيوش المصرية، ويقيناً لم يكنْ هناك سبي ليهود من القدس إلى بابل، لأنّ اليهود لم يكونوا قد ظهروا على مسرح التاريخ، يضاف إلى هذا أنّ الحفريات الأثرية أظهرت أنّ القدس كانت مدينة مزدهرة عامرة في التاريخ الذي قيل إنّها تعرّضت فيه للخراب على أيدي جيوش نبوخذ نصر، لكن هذه المدينة أخذت تتراجع لتصبح شبه قرية، وكان ذلك بعد أكثر من نصف قرن، أيام الحكم الأخميني، التي قيل إنّ فيها أعيد بناء المدينة حسبما جاء في سفري عزرا ونحميا، وتم فيها أيضاً عودة المنفيين(14).
ولقد أظهرت نتائج الحفريات الأثرية التي جرت في بابل أنّه لم يكنْ في هذه الحاضرة العريقة قبل احتلالها من قِبَل قورش غير الذين عبدوا الإله "مردوخ" وبقيت هكذا حتى تاريخ تهديمها، ومعروف أنّه في البلاط الأخميني ومن قبْل عزرا الكاتب الذي كان يعمل به جرت المحاولة الأولى لتدوين أسفار التوراة، وأنّ الأخمنيين أسكنوا في كلّ من مصر وفلسطين حاميات عسكرية أحضروها من المشرق، وسكنت الحامية العسكرية الأخمينية في مصر في جزيرة الفيلة، وشُهِرت بعبادة الإله يهوه، وهو إله للزوابع، ويرجّح هنا أنّ الحامية التي جلبت إلى فلسطين سكنت في القدس ومن حولها، وكانت على اتصال بحامية مصر، وورد اسم المنطقة الإدارية التي سكنت فيها في البداية أحياناً باسم يه YH ثم على شكل YHWD أوYhw أوYhd أوYodh-he أوYhwd-phw أوYhd-tet، ووردت هذه الصيغ على بقايا قطع من الفخار، لأنّ الفخار كان يختم باسم المنطقة الإدارية التي كان يصنع بها لأسباب إدارية وضرائبية، ومع الأيام عرفت منطقة هذه الفئة باسم "يهود" وأخذ سكانها يتميّزون بديانة ثنوية نبعت من الزرادشتية وامتزجت مع بقايا تقاليد عرفت باسم الموسوية، وما تزال هذه القضية قيد البحث، وبحاجةٍ إلى المزيد من التعميق، لكن لسوء الحظ أنّ مصادر الحقبة الخمينية التي استمرّتْ حوالي القرنيين قليلة جداً، وسكنى هذه الطائفة في فلسطين صبغت بثوب ديني أسطوري، فكانت وراء ما ورد في سفرَيْ عزرا ونحميا، وحكاية العودة من السبي، وإعادة بناء الهيكل المزعوم وأسوار القدس، والمهم هنا أنّ أعمال الكشف الأثري أفادت أنّ مساحة هذه المقاطعة كانت 651 دونماً –ولم يتجاوز عدد سكانها 16,300 إنسان-، وأنّ موقعين فقط بلغت مساحة كل واحد منهما 20 دونماً، وأنّ سكان القدس كان تعدادهم ما بين 1200 إلى 1500 إنسان (15).
وبودّي لو أتيح لي الوقت الآن للحديث عن تاريخ الديانة اليهودية، وعن تاريخ أسفار العهد القديم وعن محتوياته، وكذلك عن التلمود، ولعلّ ذلك يكون في مناسبة أخرى إنشاء الله.
المهم أنّنا عرفنا الآن أصل منشأ كلمة يهود ويهودية، ومن ثم باتت جميع الآراء الماضية والنظريات ملكاً للتاريخ، وألتفت الآن لإعطاء تعريف موجز بموقع القدس ثم البحث في اسم هذه المدينة الذي عرفت به أولاً.

المصدر:
د. سهيل زكار / المؤرخ والأستاذ الجامعي بكلية الآداب– جامعة دمشق.
مؤسسة فلسطين للثقافة

يتبع >>>

الاحتلال يخنق ويحاصر مدينة القدس اقتصاديًّا.

الاحتلال يخنق ويحاصر مدينة القدس اقتصاديًّا.

تواجه مدينة القدس هجمة شرسة على التجار المقدسيين، على الرغم من وجود المسبب الأساسي لتردي الاوضاع الاقتصادية، المتمثل في الاحتلال الصهيوني، إلا أن تراكم الأزمات السياسية، وتأزم الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة، زاد من حدة الأزمة الاقتصادية في المدينة وشدد الخناق عليها.

فهذه الحالة ضاعفت من هموم المواطنين، في وقت يعاني فيه المواطنون من أزمات خانقة بفعل الضرائب الباهظة المفروضة عليهم من قبل سطات الاحتلال، واستمرار تشديد القيود التي تفرضها بلدية الاحتلال في القدس على النشاط التجاري للمقدسيين في المدينة.

الاحتلال يحاصر التجار

وأوضح إبراهيم غنيم، صاحب محل تجاري في شارع الواد، لـ"المركز الفلسطيني للإعلام"، أن الوضع الاقتصادي صعب في الآونة الأخيرة؛ حيث هناك الكثير من التضييقات من قبل حكومة الاحتلال وخاصة بالنسبة للضرائب والأرنونا، فعلى الرغم من تدني نسبة الربح الأساسية، أكد غنيم أن الضرائب التي تفرض على التجار باهظة جدًّا من أجل شل الحركة التجارية.

بالإضافة إلى العديد من الطلبات التعجيزية التي تفرضها بلدية الاحتلال من ترخيصات وقوانين معقدة تثقل كاهل المواطن والتاجر الذي بدوره يرفع الأسعار.

وأشار غنيم إلى أن حرب غزة الأخيرة أثرت بشكل سلبي على الوضع الاقتصادي في القدس الذي أدى إلى إغلاق المعابر المؤدية إلى القدس وبالتالي قل عدد الوافدين إليها.

عرقلة البضائع

واعتبر إياد ناصر الدين، صاحب محل ملابس في سوق الدباغة، الاقتصاد ضعيفًا جدًّا بسبب الأوضاع السياسية التي تمر بها المدينة، والحصار الموجود فيها وعدم زيارة أهالي الضفة الغربية للمدينة.

وأشار ناصر الدين لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" إلى أن الاحتلال يقوم بعرقلة نقل البضائع إلى داخل سور البلدة القديمة؛ حيث إنه لا توجد أي مواقف للسيارات أو طرق للنقل، بالإضافة إلى ملاحقة حاملي البضائع وتغريمهم ومنعهم من إيصال البضائع إلى البلدة القديمة، إلى جانب ارتفاع قيمة الضرائب المفروضة.

وأكد أن المؤتمرات الاقتصادية التي تعقد في المدينة المقدسة من قبل رجال الأعمال ما هي إلا تضييع لأوقات التجار وزيادة المصاريف، لذا أحجم عن حضور مثل هذه المؤتمرات لعدم استفادته منها.

ومن جهة أخرى، أوضح علاء حواش صاحب محل فضة في حارة النصارى، أن مدينة القدس تمر بوضع حرج جدًّا وخاصة من الناحية الاقتصادية وارتباطها بشكل أساسي بالناحية السياسية.

ضرائب وتحريض

وأشار إلى أن حكومة الاحتلال تضيق على التجار من عدة نواح، فالناحية الأولى تتمثل بالضرائب التي تفرضها بلدية الاحتلال في الفترة التي يقل فيها عدد السياح بسبب الحرب على غزة التي أدت إلى إلغاء جميع السفريات إلى القدس.

أما الناحية الثانية فهي من قبل وزارة السياحة الصهيونية التي تقوم بإيصال معلومات مغلوطة ومحرضة للسياح عن التجار المقدسيين وتخويفهم منهم، لذا فهناك حملة شرسة من قبل وزارة السياحة الصهيونية على التجار، ويجب التصدي لها.

وأكد علاء الحواش أن حكومة الاحتلال تتبع سياسة لوضع التاجر المقدسي في حالة تبعية دائمة للمنتج الصهيوني.

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام