سيكولوجية الشائعات الأميركية، نماذج من الشائعات المسوقة في أميركا.- 1 -
الصراعات الدائرة في عالمنا تشير الى أن الحرب الباردة تفرعت من آحادية مع الاتحاد السوفياتي الى حرب متعددة الرؤوس. فما يجري بين اميركا بوش وأوروبا القديمة هو أحد فروع الحرب الباردة الجديدة. ومثلها الخلافات مع الصين وكوريا الشمالية والعالمين العربي والإسلامي وغيرها... حتى أمكن القول أن فقدان أميركا للعدو الشيوعي كان وبالاً عليها فخلف لها قائمة من الأعداء الموزعين حول العالم وعلى صعد متعددة.
وها هي الولايات المتحدة تخوض هذه الصراعات معتمدة على مباديء الحرب النفسية التي إستعملتها في حربها الباردة مع الاتحاد السوفياتي. فهل ضمنت الولايات المتحدة الحصانة ضد هذا النوع من الحروب؟.
أم أنها كسائر الدول عرضة للتأثر بالحرب النفسية وبالشائعات خصوصاً؟. وبمعنى أدق هل تؤثر أخبار العراق وشائعاته على الجمهور الأميركي؟.
في ما يلي نعرض لبعض الشائعات التي تركت بصماتها على الجمهور الأميركي. وفي الإستعراض شائعات قديمة قابلة للدراسة بعيداً عن ضغوط الراهن وتحليلاته النتأثرة بهذه الضغوط بما يفقدها الموضوعية...
ما هي شروط انتشار الشائعة؟.
يجيب الأخصائيون على هذا السؤال من خلال مناقشتهم لحادثة المفاعل النووي في جزيرة ثري مايل في بنسلفانيا. فقد أثارت هذه الحادثة عدداً من الشائعات التي يمكن اتخاذها كمثال لدراسة أسباب انتشار الشائعة وأسباب تكرار ظهور بعض الشائعات بصور مختلفة.
ظهرت الأخبار الأولى عن الحادث الذي جرى في المنشأة النووية في جزيرة ثري مايل بالقرب من هاريسبورغ في بنسلفانيا في 28 آذار 1979 وبعد ثلاثة أيام انتشرت شائعة في المدن المجاورة تقول بأن المفاعل سينفجر. وتمضي القصة قائلة بأن الانفجار سوف يدمر كل شيء على مساحة أميال حوله وينفث الإشعاع النووي في مناطق واسعة. وعلى الرغم من وجود مخاطر حقيقية كثيرة فلم يكن هناك خطر انفجار وشيك. ولتأكيد هذه النقطة ظهر هارولد رابي دانتون من لجنة تنظيم الشؤون النووية على التلفزيون ليعلن بوضوح أنه على الرغم من أن مفاعل المنشأة لا يزال تحت خطر جدي فإن غاز الهيدروجين المجتمع فيه لم يصل بعد إلى درجة قريبة من درجة الانفجار.
كما أنه لم يكن هناك احتمال لانفجار نووي من مستوى قنبلة هيروشيما وحصول انفجار كيميائي لغاز الهيدروجين سيكون أقل قوة بكثير. على الرغم من أنه قد يتسبب بحصول تصدع في غلاف الوعاء الحاوي مما يؤدي إلى نشر الإشعاع النووي في المنطقة الريفية المجاورة. وكانت شائعة الانفجار واحدة من عشرات الشائعات التي سرت في منطقة هاريسبورغ وجوارها في الأيام التي أعقبت الحادثة. ذلك لأن حادثة جزيرة ثرى مايل كانت مثالا رائعا للظروف المؤاتية لانتشار الشائعات. ففي الدرجة الأولى كانت النتائج المحتملة للحادث قاسية وكانت تشكل تهديداً للحياة نفسها. ثانياً ، كان هناك قلق كبير وحيرة بين الأهلين الذي كانوا يحاولون اتخاذ قرار حول ما إذا كان عليهم الفرار من بيوتهم أم لا .
فكم من الناس ،عدا المهندسين والعلماء، يمتلكون فهماً كافيا لكيفية تمديد الأنابيب في المنشآت النووية ؟. وكان هناك جانب مرعب آخر في الحاثة وهو يتمثل في طبيعة العدو الغامضة، فقد كان ذلك العدو إشعاعاً مميتاً لا يرى ولا يمكن التنبؤ بنتائجه.
وفي محاولة لإيقاف موجة الشائعات أفتتح الحاكم ديك ثورنبرغ مركز السيطرة على الشائعات في هاريسبورغ وكان يمكن لأي شخص أن يتصل بالهاتف بهذا المركز ليحصل على الحقائق. وعندما بدأت بعض الشائعات المتفائلة بالانتشار، شعر جويل ثمروتثالر وهو أحد مسئولي طوارئ الولاية في المنطقة بأن الأمر يشبه ما يحدث في رواية روسية بقوله: ... ويستمر الوضع في الهبوط والهبوط، والهبوط حتى نرى أنه لم يعد هناك مجال للمزيد من الهبوط، ثم يحدث شيء ما ويبدأ الصعود....
لقد مررنا بأسبوع من الشائعات الفظيعة أما اليوم فهناك ما يمكننا أن نحسبه شائعة طيبة. ولكن الناس ستفقد ثقتها بالأخبار الطيبة لفترة من الزمن في حال حصل تسرب إشعاعي جديد ،أوأي إنذار آخر من أي نوع هناك، في المنشأة. فعندها لا أظن أن ثقة الناس التي ضعفت بسبب الحادث سوف يمكنها أن تتحمل ذلك، وهذا الآن ما يثير قلقنا أكثر من قضية الإجلاء.
ومع أن الشائعات التي نجحت عن حادثة جزيرة ثري مايل كانت من النوع القصير الأمد، فإنها بالتأكيد سوف تعاود الظهور لدى حصول أية أزمة مشابهة في المستقبل. فحتى الشائعات التي تبدو تافهة تغوص في أعماق النفوس ليس لأنها تكون موضوعا للقيل والقال، والثرثرة الاجتماعية المثيرة بل لأنها تلامس الحيرة والقلق العميقين السائدين في زمن الشائعة. فقد حصل في سنة 1978 مثلاً أن ظهرت شائعات حول بعض المنتجات الغذائية المشهورة، وتقول أحدها أن شركة ماكدونالد، تضيف الديدان إلى سندويشات الهامبرغر التي تنتجها لتقوي المحتوى البروتيني فيها. وتقول شائعة أخرى أنك إذا ما شربت الصودا وأكلت حلويات من ماركة بوب روكس فسوف تتفجر معدتك. وحدث أن ذكر مذيع احدى الإذاعات هاتين الشائعتين وسارع إلى القول بأن كلتا الشائعتين على خطأ ولكنهما انتشرتا في مناطق مختلفة من البلاد خلال تلك السنة.
وقد اضطرت شركة ماكدونالد وشركة جنرال فودز ،منتجة بوب روكس، إلى إنفاق آلاف الدولارات في مجالات إعلانية ونشاطات أخرى لدحض الشائعات . وتعتقد شركة ماكدونالد أن قصة الديدان بدأت في الصيف السابق في مدينة تشاتانوغا في ولاية تينيسي.
وكانت الشائعة في البداية تقول بوجود عنصر غامض في سندويشات هامبرغر ويندي وهي شركة منافسة لماكدونالد. ويلاحظ أحد علماء النفس أن الخوف من وجود الديدان الهامبرغر هو خوف معقول ومبرر لأن لحم الهامبرغر النيئ يفرم بشكل لولبي يشبه الديدان، ولكن سرعان ما انتقلت الشائعة لإلصاق صورة الديدان بسندويشات ماكدونالد . وظهرت قصة حلويات بوب روكس في غضون أسبوع واحد من إطلاق هذه المادة في إحدى مناطق البلاد وتقول الشائعة أن أحد الأولاد في الجانب الآخر من المدينة أو أحد مشاهير التلفزيون قد أكل ثلاثة أكياس من تلك الحلويات بينما كان يشرب الصودا فمات من جراء الانفجار الذي حصل بعد ذلك في معدته.
وتستهوي هذه الشائعات حول ماكدونالد وبوب روكس أكثر ما تستهوي الأطفال الذين يحبون قصص الشقاوة والقصص الفظيعة. ونستطيع أن نتصور كيف أن الأطفال الذين يروجون مثل هذه القصص يباهون أمام رفاقهم بأنهم أكلوا من هذه المنتجات وبأنهم من المغامرين. لكن هناك ما هو أكثر وأعمق من ذلك فاستمرار هاتين الشائعتين في الرواج قد يفسره القلق والحيرة الشائعتين في المجتمع حول ما يضاف إلى المنتجات الغذائية والكولسترول والمخاطر الصحية في بعض أنواع الطعام الذي تتناوله والتوترات والمخاوف التي تنتقل من الأهل إلى الأطفال.
ويكفينا بالنسبة لهذه الدراسة أن نعرف الشائعة بأنها رواية منتشرة بين الناس دون أن يكونوا متأكدين من صحتها. وقد تعلم علماء النفس الكثير عن نشوء مثل هذه القصص وانتشارها منذ ظهور كتاب ( علم النفس الشائعة ) لغور ودون والبورت وبوستمان وهذا الكتاب هو أصل الأعمال في هذا الحقل.
يتبـــع
الصراعات الدائرة في عالمنا تشير الى أن الحرب الباردة تفرعت من آحادية مع الاتحاد السوفياتي الى حرب متعددة الرؤوس. فما يجري بين اميركا بوش وأوروبا القديمة هو أحد فروع الحرب الباردة الجديدة. ومثلها الخلافات مع الصين وكوريا الشمالية والعالمين العربي والإسلامي وغيرها... حتى أمكن القول أن فقدان أميركا للعدو الشيوعي كان وبالاً عليها فخلف لها قائمة من الأعداء الموزعين حول العالم وعلى صعد متعددة.
وها هي الولايات المتحدة تخوض هذه الصراعات معتمدة على مباديء الحرب النفسية التي إستعملتها في حربها الباردة مع الاتحاد السوفياتي. فهل ضمنت الولايات المتحدة الحصانة ضد هذا النوع من الحروب؟.
أم أنها كسائر الدول عرضة للتأثر بالحرب النفسية وبالشائعات خصوصاً؟. وبمعنى أدق هل تؤثر أخبار العراق وشائعاته على الجمهور الأميركي؟.
في ما يلي نعرض لبعض الشائعات التي تركت بصماتها على الجمهور الأميركي. وفي الإستعراض شائعات قديمة قابلة للدراسة بعيداً عن ضغوط الراهن وتحليلاته النتأثرة بهذه الضغوط بما يفقدها الموضوعية...
ما هي شروط انتشار الشائعة؟.
يجيب الأخصائيون على هذا السؤال من خلال مناقشتهم لحادثة المفاعل النووي في جزيرة ثري مايل في بنسلفانيا. فقد أثارت هذه الحادثة عدداً من الشائعات التي يمكن اتخاذها كمثال لدراسة أسباب انتشار الشائعة وأسباب تكرار ظهور بعض الشائعات بصور مختلفة.
ظهرت الأخبار الأولى عن الحادث الذي جرى في المنشأة النووية في جزيرة ثري مايل بالقرب من هاريسبورغ في بنسلفانيا في 28 آذار 1979 وبعد ثلاثة أيام انتشرت شائعة في المدن المجاورة تقول بأن المفاعل سينفجر. وتمضي القصة قائلة بأن الانفجار سوف يدمر كل شيء على مساحة أميال حوله وينفث الإشعاع النووي في مناطق واسعة. وعلى الرغم من وجود مخاطر حقيقية كثيرة فلم يكن هناك خطر انفجار وشيك. ولتأكيد هذه النقطة ظهر هارولد رابي دانتون من لجنة تنظيم الشؤون النووية على التلفزيون ليعلن بوضوح أنه على الرغم من أن مفاعل المنشأة لا يزال تحت خطر جدي فإن غاز الهيدروجين المجتمع فيه لم يصل بعد إلى درجة قريبة من درجة الانفجار.
كما أنه لم يكن هناك احتمال لانفجار نووي من مستوى قنبلة هيروشيما وحصول انفجار كيميائي لغاز الهيدروجين سيكون أقل قوة بكثير. على الرغم من أنه قد يتسبب بحصول تصدع في غلاف الوعاء الحاوي مما يؤدي إلى نشر الإشعاع النووي في المنطقة الريفية المجاورة. وكانت شائعة الانفجار واحدة من عشرات الشائعات التي سرت في منطقة هاريسبورغ وجوارها في الأيام التي أعقبت الحادثة. ذلك لأن حادثة جزيرة ثرى مايل كانت مثالا رائعا للظروف المؤاتية لانتشار الشائعات. ففي الدرجة الأولى كانت النتائج المحتملة للحادث قاسية وكانت تشكل تهديداً للحياة نفسها. ثانياً ، كان هناك قلق كبير وحيرة بين الأهلين الذي كانوا يحاولون اتخاذ قرار حول ما إذا كان عليهم الفرار من بيوتهم أم لا .
فكم من الناس ،عدا المهندسين والعلماء، يمتلكون فهماً كافيا لكيفية تمديد الأنابيب في المنشآت النووية ؟. وكان هناك جانب مرعب آخر في الحاثة وهو يتمثل في طبيعة العدو الغامضة، فقد كان ذلك العدو إشعاعاً مميتاً لا يرى ولا يمكن التنبؤ بنتائجه.
وفي محاولة لإيقاف موجة الشائعات أفتتح الحاكم ديك ثورنبرغ مركز السيطرة على الشائعات في هاريسبورغ وكان يمكن لأي شخص أن يتصل بالهاتف بهذا المركز ليحصل على الحقائق. وعندما بدأت بعض الشائعات المتفائلة بالانتشار، شعر جويل ثمروتثالر وهو أحد مسئولي طوارئ الولاية في المنطقة بأن الأمر يشبه ما يحدث في رواية روسية بقوله: ... ويستمر الوضع في الهبوط والهبوط، والهبوط حتى نرى أنه لم يعد هناك مجال للمزيد من الهبوط، ثم يحدث شيء ما ويبدأ الصعود....
لقد مررنا بأسبوع من الشائعات الفظيعة أما اليوم فهناك ما يمكننا أن نحسبه شائعة طيبة. ولكن الناس ستفقد ثقتها بالأخبار الطيبة لفترة من الزمن في حال حصل تسرب إشعاعي جديد ،أوأي إنذار آخر من أي نوع هناك، في المنشأة. فعندها لا أظن أن ثقة الناس التي ضعفت بسبب الحادث سوف يمكنها أن تتحمل ذلك، وهذا الآن ما يثير قلقنا أكثر من قضية الإجلاء.
ومع أن الشائعات التي نجحت عن حادثة جزيرة ثري مايل كانت من النوع القصير الأمد، فإنها بالتأكيد سوف تعاود الظهور لدى حصول أية أزمة مشابهة في المستقبل. فحتى الشائعات التي تبدو تافهة تغوص في أعماق النفوس ليس لأنها تكون موضوعا للقيل والقال، والثرثرة الاجتماعية المثيرة بل لأنها تلامس الحيرة والقلق العميقين السائدين في زمن الشائعة. فقد حصل في سنة 1978 مثلاً أن ظهرت شائعات حول بعض المنتجات الغذائية المشهورة، وتقول أحدها أن شركة ماكدونالد، تضيف الديدان إلى سندويشات الهامبرغر التي تنتجها لتقوي المحتوى البروتيني فيها. وتقول شائعة أخرى أنك إذا ما شربت الصودا وأكلت حلويات من ماركة بوب روكس فسوف تتفجر معدتك. وحدث أن ذكر مذيع احدى الإذاعات هاتين الشائعتين وسارع إلى القول بأن كلتا الشائعتين على خطأ ولكنهما انتشرتا في مناطق مختلفة من البلاد خلال تلك السنة.
وقد اضطرت شركة ماكدونالد وشركة جنرال فودز ،منتجة بوب روكس، إلى إنفاق آلاف الدولارات في مجالات إعلانية ونشاطات أخرى لدحض الشائعات . وتعتقد شركة ماكدونالد أن قصة الديدان بدأت في الصيف السابق في مدينة تشاتانوغا في ولاية تينيسي.
وكانت الشائعة في البداية تقول بوجود عنصر غامض في سندويشات هامبرغر ويندي وهي شركة منافسة لماكدونالد. ويلاحظ أحد علماء النفس أن الخوف من وجود الديدان الهامبرغر هو خوف معقول ومبرر لأن لحم الهامبرغر النيئ يفرم بشكل لولبي يشبه الديدان، ولكن سرعان ما انتقلت الشائعة لإلصاق صورة الديدان بسندويشات ماكدونالد . وظهرت قصة حلويات بوب روكس في غضون أسبوع واحد من إطلاق هذه المادة في إحدى مناطق البلاد وتقول الشائعة أن أحد الأولاد في الجانب الآخر من المدينة أو أحد مشاهير التلفزيون قد أكل ثلاثة أكياس من تلك الحلويات بينما كان يشرب الصودا فمات من جراء الانفجار الذي حصل بعد ذلك في معدته.
وتستهوي هذه الشائعات حول ماكدونالد وبوب روكس أكثر ما تستهوي الأطفال الذين يحبون قصص الشقاوة والقصص الفظيعة. ونستطيع أن نتصور كيف أن الأطفال الذين يروجون مثل هذه القصص يباهون أمام رفاقهم بأنهم أكلوا من هذه المنتجات وبأنهم من المغامرين. لكن هناك ما هو أكثر وأعمق من ذلك فاستمرار هاتين الشائعتين في الرواج قد يفسره القلق والحيرة الشائعتين في المجتمع حول ما يضاف إلى المنتجات الغذائية والكولسترول والمخاطر الصحية في بعض أنواع الطعام الذي تتناوله والتوترات والمخاوف التي تنتقل من الأهل إلى الأطفال.
ويكفينا بالنسبة لهذه الدراسة أن نعرف الشائعة بأنها رواية منتشرة بين الناس دون أن يكونوا متأكدين من صحتها. وقد تعلم علماء النفس الكثير عن نشوء مثل هذه القصص وانتشارها منذ ظهور كتاب ( علم النفس الشائعة ) لغور ودون والبورت وبوستمان وهذا الكتاب هو أصل الأعمال في هذا الحقل.
يتبـــع