بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات فلسطين عبر التاريخ.. عبد الرحمن المزين‏.. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فلسطين عبر التاريخ.. عبد الرحمن المزين‏.. إظهار كافة الرسائل

2009-08-11

فلسطين عبر التاريخ.. عبد الرحمن المزين‏.

فلسطين عبر التاريخ
ـــ عبد الرحمن المزين‏
الجزء الأوّل‏
((المقدمة))
بعد أن اغتصب الصهاينة أرض فلسطين.. عمدوا إلى طمس تاريخها وسرقة تراثها...‏
فقد أقاموا في عواصم أوروبا والأميركيتين، معارض لأزيائنا الشعبية المطرزة، وفنوننا التطبيقية المتمثلة في فن الزجاج والفخار والصدفيات والمنحوتات الخشبية والنحاسيات. كما أقاموا المهرجانات والحفلات لرقصاتنا الشعبية "الدبكة" والأغنية والموسيقى الشعبية ونسبوا كل ذلك بالزيف والتضليل لأنفسهم.‏
ورداً على ادعاءات الصهاينة نورد الحقائق التاريخية الأثرية على هذه الصفحات.‏
((الباب الأول))‏
فلسطين خلال العصر الحجري القديم‏
يستفاد من علم الجيولوجيا أن حقب الحياة الحديثة(1) في فلسطين قد بدأت منذ نحو خمسين مليون سنة ويشير بعضهم أنها بدأت منذ سبعين مليون سنة. وقد كانت تغطيها المياه، ومن ثم أخذت أرض فلسطين ترتفع نسبياً عن سطح المياه، ومنذ قرابة مليوني سنة على الأقل حدث شق أرضي كبير في القشرة الأرضية بفلسطين، فتكونت بذلك مرتفعات فلسطين، ونهر الأردن وبحيرة طبرية والحولة والبحر الميت، ويعتقد الجيولوجيون أيضاً أنه كان هناك اتصال بين البحر الميت ووادي الأردن على شكل بحيرة أو خليج، وفي العصور المطيرة انقطع هذا الاتصال فقام البحر الميت.‏
ولبيان الجهود الجبارة والمحاولات الأولى لإنسان فلسطين للتغلب على ما حوله من قوى الطبيعة، لا بد لنا من عرض كل مرحلة من مراحل العصر الحجري القديم على حدة كما هو آت:‏
أولاً- مرحلة العصر الحجري القديم الأسفل(2):‏
كان إنسان فلسطين في هذه المرحلة بدائياً يعيش داخل الكهوف المتعددة، التي تميزت بكثرتها في البيئة الفلسطينية، وكان يسكن هذه الكهوف هرباً من الأمطار الغزيرة من ناحية، وهرباً من الحيوانات من ناحية أخرى. وقد عثر على آثار هذه الحيوانات داخل حفائر الكهوف في (المنسوب) الأرضي لها وهي الكركدن والفيل وفرس النهر والخراتيت والجواميس النهرية وثيران الكهوف، وقد كان يصطاد هذه الحيوانات من أجل غرضين الأكل والملبس وربما كان يفضل لحوم بعضها على بعضها الآخر.‏
وقد عثر المنقبون على أدوات حجرية قام إنسان فلسطين بصنعها من حجارة المنطقة، وتاريخها يعود إلى 280000 سنة، وهي تتألف من أدوات وأسلحة، كان يستخدمها إنسان فلسطين في هذه المرحلة كفؤوس يدوية أو مكاشط أو سواطير. وهذه الأدوات عثر عليها في أماكن متعددة من كهوف فلسطين، منها كهوف جبل الكرمل.‏
وقد قامت بالحفائر فيه الآنسة (دورثي جارود، ود. بيت) كذلك في حضارة أم قطفة التي تقع في شمال غربي البحر الميت وقد اكتشفها "رينه نوفيل"، كما عثر أيضاً على أدوات حجرية في مغارة الزطية شمالي غربي بحيرة طبرية، وقد اكتشفها "تول فيل بيتر".‏
وأهم هذه الأدوات الحجرية الصوانية نوعان:‏
النوع الأول: الفاس اليدوية- ويطلق عليها بعض العلماء "قبضة اليد" وهي تتألف من كتلة حجرية مكونة من لب حجر الصوان، بحيث يمكن للإنسان إمساكها بقبضة اليد واستعمالها.‏
النوع الثاني: البلطات اليدوية- وقد عثر المنقبون على أعداد كثير منها، في مناطق متعددة من فلسطين، منها مجرى نهر الأردن، وشمال بحيرة طبرية، وقد صورت البلطة اليدوية على شكلين: بيضاوي ومثلث.‏
ويذكر علماء الآثار أن أدوات هذه المرحلة قد اتبع في صنعها طريقة خاصة وهي تسمى لديهم بطريقة "القلب أو اللب".‏
وقد عرف إنسان فلسطين في هذه المرحلة الموغلة في القدم "استخدام النار" فقد عثر المنقبون في أحد كهوف الكرمل وهو مغارة الطابون، في أسفل طبقة، على بقايا النار وتعود إلى 150000 سنة ق.م. وهي من أخشاب السنديان والطرفاء والكرمة والزيتون(3). وقد تم ذلك بفضل الآنسة "دوروثي جارود، ود بيت).‏
ثانياً- العصر الحجري القديم الأوسط(4):‏
أخذ جو فلسطين في هذه المرحلة يتجه نحو الجفاف، وذلك بين دورين ممطرين، ولكن الجو مع ذلك كان دافئاً جافاً، كما أن الأنهار كانت أكثر عرضاً منها الآن إذ أنها كانت مملوءة بالماء، وتبدو في عرضها وكأنها مستنقعات. كما أن هناك مساحات واسعة مغطاة بالأشجار والحراج. ولكن في نهاية هذا العصر هطلت أمطار غزيرة، لذلك فإن الإنسان لم يترك البيوت الطبيعية وهي المغارات والكهوف، يدل على ذلك الحفائر الأثرية، حيث عثرت الآنسة دوروثي جارود، ود. بيت، على أقدم بقايا الهياكل العظمية البشرية، وذلك في منطقة الشرق الأدنى القديم حيث يعود تاريخها إلى 100000 سنة على الأقل. وقد عثر رينه نوفيل عام 1934م في جبل القفزة في كهف يقع في جنوب الناصرة على بقايا هياكل عظمية وتفيد هذه الاكتشافات أن الهياكل العظيمة هذه، ذات أهمية فهي تنحدر من النوع المعروف النياندرتالي(5)، حتى تصل إلى أشكال تكاد تكون هي الإنسان الحديث، كما أن هياكل جبل الكرمل تميزت بأنها لها صفات تشريحية مثل الإنسان الحديث الأول، ويوضح بعض الباحثين أن إنسان جبل الكرمل، يمثل مرحلة الإنسان الحديث الأول. وأصحاب هذه الهياكل عاشوا داخل الكهوف اتقاء للمطر والحيوانات المتوحشة التي كانت تغص بها أحراج فلسطين الكثيفة في ذلك الوقت، وقد كان يعتمد في غذائه على التقاط الفواكه والثمار والأعشاب، وربما كانت تقوم بهذا الواجب النساء. أما الرجال فكانوا يصيدون الحيوانات، لأن مهمة الصيد صعبة. وقد عثر على بعض عظام حيوانات تلك المرحلة داخل الكهوف، ومنها الغزال والضبع المرقط والدب والحمل وخنزير النهر والوعل والكركدن وفرس النهر وقد عثر على عظامها داخل حفائر الكهوف. وتفيدنا هذه الحفائر أن الحضارة في هذه المرحلة كانت داخل الكهوف. وقد عثر على عدة طبقات تفيد أن هناك حضارات متتالية قامت داخل الكهوف، وتتمثل هذه الحضارات البدائية في الأدوات الحجرية الصوانية، وتعرف لدى علماء الآثار باسم الأدوات المشظاة. وتتكون من أدوات مشظيات تكون حوافها الخارجية غالباً حادة إلى حد كبير، وقد استخدموها كأدوات لتقطيع اللحوم وسلخ جلود الحيوانات بل وفي تخريم جلودها وتقطيع شرائح منها واستخدامها كخيوط لحياكة الملابس الجلدية.‏
ومن أدوات هذه المرحلة البلطات اليدوية والمطارق والسواطير والسكاكين وأدوات تخريم الجلود.‏
ثالثاً- العصر الحجري القديم الأعلى(6):‏
يعود تاريخ هذا العصر إلى (3500 حتى 15000 سنة)، وقد تزايدت نسبة الجفاف فيه، وأصبح المناخ عامة قريباً من المناخ المعروف اليوم بمناخ البحر المتوسط، وقد امتد حتى نهاية هذه الفترة، وكان إنسان فلسطين في هذه المرحلة يعيش داخل الكهوف، وقد اكتشفت آثاره في مناطق متعددة أهمها كهف الأميرة، وذلك بالقرب من بحيرة طبرية وقد اكتشفه تروفيل بيتر، في كهف مغارة الوادي قرب الطرف الغربي الكرمل. وقد عرف إنسان هذه المرحلة استخدام النار، حيث عثر على بقايا من أخشاب النار، ودل تركيبها أنها كانت من السنديان والطرفاء والكرمة والزيتون، وقد عثرت عليها الآنسة دورثي جارود وبيت وأدوات هذه المرحلة "الأسلحة النصلية" ويطلق عليها علماء الآثار، الأدوات والأسلحة الميكروليتية، أي الأدوات الدقيقة، وتتميز بأنها صغيرة الحجم وسهلة الحمل، كما تعرف بتعدد أشكالها. وقد عثر المنقبون أيضاً على أدوات وأسلحة تعود إلى هذه المرحلة في مناطق متعددة من فلسطين، منها كهف القفزة بالقرب من الناصرة، وتتمثل الأعمال الفنية الحجرية هذه بكتل مربعة ذات حد ونصال رفيعة طويلة، بأدوات مسننة، ومكاشط خرطومية. كما عثر على إفريز من حيوانات ما قبل التريخ في أم قطفه.‏
إنني أعتقد بأن كهف أم قطفة كان مكان عبادة لإجراء (طقوس) سحرية أمام ذلك الرسم قبل قيامهم برحلة الصيد، وضمن هذه (الطقوس) كان هناك رقص تعبيري تمثيلي. كما أن رسمهم لهذه الحيونات، كان لاعتقاد أنه عند رسمهم لها يمكنهم السيطرة عليها، وهذا الأسلوب اتبع في حضارات العالم القديمة والتي ظهرت داخل الكهوف ويطلق العلماء على هذه الطريقة اسم التطابق والتشابه.‏
ومع نهاية مرحلة العصر الحجري القديم الأعلى تبدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة العصر الحجري المتوسط. وقد عرف فيها إنسان فلسطين الاستقرار والزراعة إلى جانب الصيد.‏
أهم المراجع:‏
(1)-للاستفادة: راجع محاضرات التكنولوجيا، للدكتور زكي اسكندر، كلية الفنون الجميلة بالاسكندرية، قسم الدراسات العليا عام 71-1972م.‏
آثار فلسطين، للدكتور وليم ف. أولبرت مترجم، ص 54، 55. وللتوسع في تاريخ الأرض الجيولوجي راجع: الموسوعة الذهبية، المجلد الثاني ص 269، كذلك الموسوعة الذهبية المجلد الثالث، ص 419 إلى 424، الناشر مؤسسة سجل العرب 1971م.‏
(2)-د. وليم ف. أولبريت، آثار فلسطين مترجم، ص 57.‏
د. فيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، الجزء الأول، مترجم من ص 7 إلى 13.‏
د. جيمس هنري برستد، انتصار الحضارة، مترجم ص 41.‏
(3)-د. فيليب حتي، تاريخ لبنان، مترجم ص 58، دار الثقافة بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1972م.‏
(4)-د. نجيب ميخائيل إبراهيم، مصر والشرق الأدنى القديم، رقم (3)، ص 38 دار المعارف بمصر عام 1966م، الطبعة الثالثة.‏
د. فيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، مترجم الجزء الأول، ص 10 إلى 13.‏
د. وليم ف. أولبريت، آثار فلسطين، مترجم، ص 58.‏
(5)-نسبة إلى موقع أثري في ألمانيا اسمه "نياندرثال" حيث عثر على هياكل عظمية لأول مرة بالقرب من دسلدورف في ألمانيا عام 1856م، راجع المعرفة، المجلد الأول، ص 146، مترجم، الناشر شركة ترادكسيم، جنيف، سويسرا.‏
(6)-د. أنور الرفاعي، قصة الحضارة في الوطن العربي الكبير، ص 75، 76.‏
د. نجيب ميخائيل إبراهيم، مصر والشرق الأدنى القديم، رقم (3) الطبعة الثالثة 1966م، دار المعارف، ص 39.‏
((الباب الثاني))‏
فلسطين خلال العصر الحجري المتوسط‏
بدأت حضارة العصر الحجري المتوسط في فلسطين منذ 12000 سنة قبل الميلاد، ودامت حتى 6800 قبل الميلاد، ومن أهم مواقعها الأثرية: مغارة الوادي والخيام والوعد وكباران والشقبة وقرى عين ملاحة شمال غربي بحيرة طبرية، وقد كشف عنها (جان برو) عام 1956م وأريحا حيث عثرت الآنسة كينيون أيضاً على آثار لإنسان فلسطين وذلك في حفائرها التي قامت بها في الفترة بين 1952-1957م.‏
وقد أطلقت الآنسة دورثي جارود على الحضارات السابقة الذكر اسم الحضارة النطوفية نسبة إلى وادي النطوف شمال القدس في كهف كشفت عنه في عام 1928م واسمه كهف الشقبة.‏
وقد عرف الإنسان في هذه المرحلة الموغلة في القدم تأنيس الحيوانات وتربيتها، حيث عثرت الآنسة دورثي جارود على جمجمة كاملة لكلب كبير في مغارة الوادي من كهوف الكرمل. ويعتبر فيليب حتي هذه الجمجمة أول برهان لتدجين الحيوانات، ويعتقد أن إنسان تلك الحضارة دجن الكلب حين كان لا يزال يعيش صياداً، وكان ذا فائدة في الصيد والحراسة وجمع فضلات الطعام(1) كما عثر جارستانج على أشكال تمثل البقر والماعز والغنم والخنزير وهي مقدمات نذرية، وقد صنعت من الطين. وهذه تؤكد أيضاً معرفته لتدجين الحيوانات.‏
وقد مارسوا الصيد حيث عثر على أعداد للأدوات الصوانية، والآلات المدببة وأهمها ما يعرف لدى المنقبين باسم النصل القمري، وهو نصل صواني على شكل قوس أو هلال. ويعتقد وليم ف. أولبريت بأنه استخدم كرأس سهام كان لها فرضة، كذلك السنانير المصنوعة من العظم لصيد الأسماك.‏
كما عرف إنسان فلسطين الزراعة منذ 12000 سنة ق.م. وقد عثر المنقبون (الآنسة دورثي جارود وتورفي بتروكاثلين كينيون) على أدوات تؤكد معرفتهم للزراعة، أهمها مناكيش أطرافها مدببة ومعاول، وقد صنعت لحرث الأرض. أما الأدوات الخاصة بالحصاد فهي المناجل وبعضها كبير الحجم وقد صنع من حجارة الصوان، وكذلك مناجل صنعت من العظم بعضها كامل وبعضها مكسور، والمناجل الكبيرة زينت برؤوس منحوتة لحيوانات من البيئة وقد ثبت المثال بنصالها أسناناً صغيرة من الصوان تمتد من طرف النصل إلى طرفه الآخر.. وهذا النوع ظل معروفاً بفلسطين حتى العصر الحديدي مع إدخال تعديلات لم تبعده عن الأصل. (وليس ثمة ما يستغرب في هذا الاتجاه المحافظ للشكل، فإنما هو امتداد لاتجاه كل الجماعات إلى التمسك بخبرتها الاجتماعية التي اكتسبتها بالعرق والجهد وميلها إلى نقل هذه الخبرة من جيل إلى جيل بحسبانها تراثاً لا يقدر بثمن)(2).‏
كما عثر في وادي النطوف على أدوات حصاد وهي مناجل صنعت من حجارة الصوان من النوع المعروف باسم "الشفرات الصوانية" وقد ثبت في قبضة خشبية ذات شكل منحنٍ مثل المنجل، ويعتقد أنها كانت تستخدم لحصاد القمح.‏
وعثر في أريحا على قرابين تتمثل بأجران ومخازن غلال، كذلك أدوات لتجهيز الحبوب وهي الأهوان وأيادي الأهوان والأجران.. كما عثر داخل الكهوف وفي القرى على مناجل ومناكيش.‏
وأهم ما يميز فلسطين في هذه المرحلة بناء القرى وأشهرها قرى عين ملاحة وتعود للعصر النطوفي المبكر أي منذ 12000 سنة قبل الميلاد، حسب التاريخ بالكربون المشع.. وقد بنيت من الحجر، وتتميز بمنازلها ذات التخطيط المعماري الدائري وأرضياتها من الحجر، ومنخفضة عن سطح الأرض تميل جدرانها إلى الداخل، كما اتجهت إلى أعلى البناء، بحيث تكوّن قبة في النهاية.‏
كما عثر على قرى أخرى بالقرب من بحيرة الحولة في (عينات) أسسها وأرضياتها من الحجر، وعثر أيضاً في وادي النطوف شمال غربي القدس على بيوت دائرية مسقوفة بالقصب المخلوط بالتبن، وكذلك وجدت مواقد مربعة في وسط كل بيت وقد أحيطت بأحجار طليت بمادة بيضاء قوية جداً وهي الجبس.‏
عرف البناء في هذه المرحلة القديمة في أريحا حيث عثرت الآنسة كاثلين كينيون، على الصخر مباشرة على بيوت دائرية التخطيط تامة التكوين وتعود إلى العصر النطوفي المتأخر، وهي تدل على أول إنسان استقر في أريحا داخل منازل وقام بأول تجربة في فن البناء، وتعتقد كينيون أن أهل أريحا قد بنوا في بادئ الأمر بيتاً دائرياً صلباً وواسعاً، ومن ثم قلد بعد ذلك، فشيد أهل أريحا عدة مبان دائرية انتشرت على مساحة كبيرة وهي عشرة أفدنة وسكنها في بادئ الأمر نحو ثلاثة آلاف نسمة. وتبدو مساكن أريحا في تلك الفترة وكأنها بيت واحد وفيها الوسائل الدفاعية، كما يبدو أن مجتمع أريحا كان في تلك الفترة مجتمعاً مترابطاً يتكون من جماعات ذات هدف واحد ويؤكد ذلك نظام المدينة المحاطة بالأسوار الدفاعية(3).‏
شكلت مباني أريحا من جواليص الطين أو الطوب، وجدرانها منحنية إلى الداخل كلما اتجهت إلى أعلى، بحيث تعطي في النهاية قبة وكان لها مداخل منحدرة، ووجدت آثار لخشب في الجدران، وهذا يوحي بأن السقف من أغصان وفروع من الخشب مجبسة، أما وجه الحائط، فكان يتكون من الطين المغطى بألواح من أشجار النخيل، وأما الأرضية، فهي من الطين المجبول، وتاريخ هذه المباني يعود إلى 7800 سنة ق.م. ولا تقل عن 7000ق.م. وذلك حسب التاريخ بالكربون المشع(4). وأحيطت المدينة بسور ارتفاعه عشرة أمتار ما زالت بقاياه في مدينة أريحا القديمة.‏
وقد كان لهم تفكيرهم الديني الخاص. فقد وجد في "عينات" معابد، وتبين أن أريحا وتاريخ معبد أريحا يعودان إلى 7800 سنة ق.م.(5). كما عرفوا المقابر حيث عثر في قرى عين ملاحة على مقابر جماعية وفردية وكان أهلها يهتمون بتغطية موتاهم بكتل حجرية ضخمة لحفظها. وقد زودوا مقابرهم بالأثاث الجنائزي وكذلك الحال في مقابر عينات حيث كان لهم تقاليد محكمة في الدفن وقد زودوا مقابرهم بالأثاث الجنائزي.. كما وجدت أواني الطعام وأدوات الزينة في أماكن الدفن(6) وعرفوا أيضاً فن النحت والنقش، حيث عثر على تمثال صغير يمثل غزالاً منحوتاً من العظم، وعلى تماثيل حجرية لرؤوس أشخاص، وعلى نحت يمثل عضو التذكير من الصوان في مغارة الوادي، وهي عادة كنعانية، كما مهروا في النحت والنقش على العظم لرؤوس الحيوانات ومنها الثور والغزال.‏
ومن خلال عرضنا السابق نجد أن أهل فلسطين خلال العصر الحجري المتوسط عرفوا حياة الصيد وتأنيس الحيوانات والزراعة وبناء القرى منذ 12000 سنة ق.م. ونظام القبة المعماري وكذلك المقابر والنحت والنقش وأدوات الزينة. وتشير هذه الحضارة إلى بعض الدلالات الكنعانية العربية وأهمها:‏
1-النحت الذي عثر عليه في مغارة الوادي ويمثل عضو تذكير.. هذا النحت كان يستخدم في مراسم عبادة داخل المغارات. وقد استخدم النحت الذي يمثل عضو التذكير في الاحتفالات السنوية التي تقام في كل عام لدى الكنعانيين وخاصة منذ 3000 سنة ق.م. وتعرف باحتفالات عيد إله الخصب في مطلع الربيع وعيد آخر في تموز.‏
2-نظام القبة والذي عرف منذ 12000 ق.م.. وكان من أهم ميزات العمارة الكنعانية خلال عصر البرونز والحديد والعصور التي تلت وقد ظهر طراز القبة في قبـة الصـخرة، فالمهندسون المعماريون والعمال هم عرب من فلسطين وسوريا.‏
أهم المراجع:‏
(1)-د. فيليب حتي، تاريخ لبنان، مترجم، دار الثقافة بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1972م.‏
(2)-أرنست فيشر، ضرورة الفن، مترجم، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1971م، ص 203.‏
(3)-Kathleen, M.Kenyon Excavations at Jericho 1955, From Exploration, Quarterly, October, 1955, page 110, 111.‏
(4)-Kathleen, M. Kenyon Excavations at Jericho, From Palestine Exploration, Quarterly, July- December 1956, Page 6.‏
(5)-Kathleen, M. Kenyon Jericho, Archaeology, Vol, 20, No. 4 (October 1967) D. 267.‏
(6)-د. وليم ف. أولبريت، آثار فلسطين، مترجم، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الكتاب الحادي عشر، 1391هـ 1971م، 63.‏
د. رشيد الناضوري، جنوب غربي آسيا وشمال أفريقيا، الكتاب الثالث، دار الجامعة العربية، بيروت، كانون الثاني / كانون الثاني / يناير 1969م، ص 36.‏
فلسطين خلال العصر الحجري الحديث‏
إن معظم آثار العصر الحجري الحديث بفلسطين عثر عليها المنقبون في مدينة أريحا. وتقول الآنسة كينيون إن الآثار المادية الغزيرة في أريحا، تدل على أن الإنسان قد خطا نحو المدينة منذ نحو 7000 سنة ق.م. "وإن حضارة أريحا كانت بداية الخيط والإشعاع الأول لبداية الحضارة الإنسانية". إذ إن البقايا الأثرية للعصر الحجري الحديث والعصر الحجري المتوسط "النطوفية المتأخرة" تعطينا دلالات على أن مدينة أريحا استقرت استقراراً كاملاً في نحو 8000-7000 سنة ق.م.(1) وقد سبق أن أوردنا أنه كان يسكنها في البداية نحو ثلاثة آلاف نسمة على مساحة عشرة أفدنة وتبدو وكأنها بيت واحد على ما فيها من الوسائل الدفاعية.‏
وقد دلت البحوث الأثرية على أن أريحا حلت بها أمطار غطت المساكن القديمة، ومن ثم اضطر أهلها لبناء مساكن أخرى. وقد وجد هذا النوع في تسع طبقات حفرية متتالية، وطراز هذه العمارة الدنيوية مؤلف من غرف مجتمعة حول باحة تتوسطها، بحيث تلتقي بداية الغرف مع نهايتها، وهي ذات زوايا قائمة وجدرانها صلبة وأبوابها عريضة، وذات أقواس دائرية. وقد بنيت الجدران بقوالب من الطوب المسطح المضغوط والمصنوع باليد. أما جدران وأرضيات الغرف والباحات فقد طليت بطبقة رقيقة من الجبس المحروق. وقد احتفظت الجدران والأرضيات المصقولة بعناية بلمعانها حتى وقت العثور عليها. وقد زينوا الجدران بعظام أسماك السردين(2) وتاريخ هذه المباني يعود إلى 6800 سنة ق.م. وقد ظهر نوع آخر من المباني يتكون من قطع من الحجر الضخم، اصطف بعضها إلى جوار بعض، ووضع بعضها فوق بعض، ثم غطيت من الخارج بالتراب أو الحجارة، وقد وجدت مبانٍ عديدة من هذا النوع منتشرة بفلسطين وحول نهر الأردن على ضفتيه وتاريخها يعود إلى 6250 سنة ق.م.(3) وقد استمرت حتى المرحلة الثانية من العصر الحجري الحديث المتضمن للصناعة الفخارية وكذلك العصر الحجري النحاسي إلى جانب بناء القرى المنظمة ذات البيوت المتباعدة شيئاً، والتي امتازت بزواياها القائمة وبجدرانها المبنية بجواليص الطين المستدير. وقد اهتموا أيضاً بالعمارة التحصينية الدفاعية وهي تتكون مما يأتي:‏
1-الخندق: وهو محفور في الصخور الصلبة يبلغ طوله نحو 27 قدماً وعرضه 9 أقدام وكانوا يملؤونه بالماء الذي يجلب من نبع أريحا، ويدل على ذلك طبقة الطمي التي تملأ الخندق.‏
2-البرج: دائري الشكل وقد بني من الحجارة، وهو مصمت الجدران ليس به فتحات وارتفاعه 30 قدماً، به سلم حجري يوصل إلى قمة البرج وعدد درجاته ثمان وعشرون درجة. وهي تنزل بزاوية 30 درجة، وعلى عمق 20 قدماً، وكل درجة من درجات السلم تتكون من طبقة حجرية واحدة وقد قام البناء بتنعيمها باستخدام المطرقة. أما السقف فقد صنع بالطريقة التي استخدمت في السلالم نفسها، وقد وصل عرض بعض تلك الحجارة إلى متر ونصف. أما جدران مدخل السلالم فقد غطيت بطبقة من الجبس المصنوع من الطمي. ويرى بوضوح آثار أصابع الأشخاص الذين قاموا بتغطيتها بالجبس، وفي أسفل مدخل السلالم وجد ممر أفقي يتجه ناحية الشرق. وتعتقد الآنسة كينيون أنه ربما أدى إلى فتحة لخارج البرج.‏
3-الأسوار: أحيطت أريحا بأسوار وهي مشيدة من الحجارة، ومنها سور واضح يتكون من حجارة، على ارتفاع 20 قدماً.‏
وكان لهم معابد إذ عثرت الآنسة كينيون على معبد مؤلف من غرفة مستطيلة الشكل أبعادها 6 × 4 متراً، وأرضيتها مغطاة بالجبس المصقول.‏
وفي أحد أطرافها محراب مؤلف من جدران منحنية باتزان، وبه قاعدة حجرية من الصوان الخشن، وبجوارها ملقى حجر بركاني شكل بعناية، كذلك أشكال نذرية تمثل حيوانات مصنوعة من الطمي أو الصلصال، وهناك وسط الغرفة حوض من الحجر مستطيل وصغير، غطي سطحه بطبقة من الجبس المصقول، ثم حرق الجبس بعناية بالنار(4).‏
وقد وجدت أيضاً مبنى غريب الشكل يعود إلى نفس مرحلة المباني الملتفة حول باحة تتوسطها، وقد وجدت جماجم للأطفال، بل طفل كامل، وقد وضعت جميعاً تحت أساس هذا المبنى الغريب، ويدل هذا أنها ضحية أو قربان(5) وهذا يذكرنا بمعابد الكنعانيين العرب فمن عاداتهم دفن موتاهم من الأطفال تحت أسس المباني الدينية والدنيوية.‏
وقد عثر على شواهد دينية حجرية منتشرة بكثرة في فلسطين وعلى جانبي نهر الأردن وهي مؤلفة من صفوف ودوائر حجرية، وهذه أيضاً عادة عربية كنعانية ظهرت بشكل واضح بفلسطين منذ عصر البرونز المبكر وكذلك في سورية ولبنان والأردن. إذ كانوا يضعون حجارة رمزية للآلهة تحت الأشجار على الأماكن المرتفعة. وهي ضخمة ومستطيلة الشكل، ومنها حجر يمثل إله القبيلة وحجر يمثل إله الخصب وحجر هو مذبح صخري للقرابين.‏
وتفيد الحفائر الأثرية أنهم آمنوا بالخلود والحياة الأخرى بعد الموت: ولذلك حرصوا على دفن موتاهم تحت أرضيات منازلهم. كما عرفوا فن النحت، وخاصة التماثيل البشرية وتتكون من (أب- وأم- وابن) وهذا النوع من التماثيل حجمه ثلثا الحجم الطبيعي للإنسان وهذا النحت الثلاثي يذكرنا بالثالوث في العبادة العربية الكنعانية. فيدل على أنهم عرب كنعانيون في هذه المرحلة. وقد وجدت الآنسة كينيون تمثالاً تعتقد أنه يخص أم الآلهة وهو صغير جداً ولا يتجاوز حجمه أكثر من حجم الأصابع طولاً ورأسه مفقود، أما باقي التمثال فهو موجود. وقد أظهر المثّال العباءة الفضفاضة التي تتجمع حول خصر الإلهة، كما أظهر ذراعيها اللتين تضعهما حول خصرها، أما الأيدي فتمسك بها صدرها وهذا التمثال على حسب اعتقادي هو تمثال لإلهة الخصب في أريحا وهي التي عرفت أيام العرب الكنعانيين باسم الإلهة عناة. حيث كانوا ينقشون رسوماً لها خلال عصر البرونز وما تلاه بنفس الطريقة التي ظهر عليها تمثال أريحا. كما أن تمثال هذه الإلهة يشير إلى معرفة أهل أريحا للنسيج منذ فترة لا تقل عن 7000 سنة ق.م. لأن التمثال يعود تاريخه إلى 6800 سنة ق.م.(1).‏
وقد عرفوا النحت الذي يمثل الحيوانات، حيث عثر على أعداد كبيرة منها، كأشكال نذرية مشكلة- منها الماعز- الماشية والخنازير كما وجدت تماثيل لأعضاء التذكير داخل المعابد وهي عادة عربية كنعانية الغرض منها تقديس الخصب.‏
ووجد داخل المعابد رموز عربية كنعانية منها قاعدة حجرية صنعت من حجر الصوان الخشن وحجر بركاني شكل بعناية. وقد وجد إلى جوارها الأشكال النذرية التي تمثل الحيوانات(6).‏
وأهم ما يميز هذه المرحلة، "النحت الصوري" وقد تمثل بجماجم مغطاة بطبقة من الجبس، بعضها يعود إلى 6800 سنة ق.م. والبعض إلى 5000 سنة ق.م. وعليها علامات بعضها له شنب مرسوم وبعضها حليق الرأس، وقد ظهر على الجزء العلوي للرأس في بعضها غطاء، يشبه غطاء الرأس المعاصر لدى السيدات الفلسطينيات ويعرف حالياً باسم "الوقاية" أو "الصمادة". وظهرت هذه خلال فترات عصر البرونز والحديدي والعصر اليوناني الروماني واستمرت دون انقطاع حتى الآن، وهي تؤلف وثيقة أو هوية إثبات لاستمرارنا على أرض فلسطين.‏
أما الرؤوس الحليقة فإنني أعتقد أنها رؤوس كهنة معابد. وهم عرب كنعانيون، وكان الرأس المحلوق ميزة من ميزات الكهنوت العربي الكنعاني، وقد ظهر الكهنة الكنعانيون العرب على جدران طيبة عام 1420 ق.م. وهم حليقو الرؤوس، يقدمون الجزية.‏
وقد عرفوا الفخار في هذه المرحلة وهو نوعان:‏
النوع الأول- الفخار غير المحروق: وقد وجدت كينيون خمس قطع دائرية الشكل صنعت من الصلصال وهي رقيقة تماماً مثل النقود ويعتقد أنها قطع عملة، كما عثرت على قطعة أخرى مخروطية الشكل من الصلصال وغير محروقة وتتميز بأن عليه أشكال خطوط ملتوية، وتعتقد الآنسة كينيون أنها أختام، وتاريخها يعود إلى 6800 ق.م.‏
النوع الثاني- الفخار المحروق ويعود تاريخه إلى 5500 ق.م. يعتقد بعضهم أنه يعود إلى 5000 سنة ق.م.‏
والفخار المحروق عثر عليه كل من جارستانج وكينيون في أريحا، واستكليس في أريحا وقرى اليرموك. والفخار الذي عثر عليها جارستانج اتخذ في بادئ الأمر شكل الأحواض المجوفة في الأرض ومن ثم بُطن بطبقة من الكلس، ويبدو أن ذلك استخدم مخازن لحفظ الحبوب وجمع الماء. ثم تطور واتخذ أشكال جرار لها حواف بسيطة وقعر مسطح ومسكات على شكل الكرة أو العروة.‏
أما فخار استكليس فقد زين برسوم تمثل هيكل السمكة.‏
والفخار الذي عثرت عليه الآنسة كينيون في حفائرها في الطبقة (9) يتميز بأنه مخلوط بالتبن ومزين ببعض الأشرطة من عظام السردين، وقد رسم الفنان عليه أشكالاً هندسية اشتملت على وحدات هندسية منها المثلثات والخطوط المتعرجة بزوايا هندسية منفرجة. والجدير بالذكر أن بعض أشكال فخار أريحا تشبه أشكال الفخار الفلسطيني المعاصر شبهاً واضحاً وأهمها الإناء المعروف حالياً (بالزبدية أو صحن أبو عشرة أو اللقان) وفخار أريحا يعود إلى 5000 سنة ق.م. على الأقل. وهذا التشابه راجع للمحافظة على استمرارية الشكل عبر التاريخ ليبقى شاهداً على وجودنا القديم في فلسطين.‏
من خلال عرضنا السابق، نجد أن حفائر فلسطين والتي تعود إلى العصر الحجري الحديث. تدل على أنها عربية كنعانية.‏
أهم المراجع:‏
(1)-Kathleen, M. Kenyon: Jericho, Archaeology, vol, 20, No.4. (October 1967, P. 268, 270.‏
(2)-Kathleen, M. Kenyon: Excavations at Jericho, 1956 From Palestine Exploration uarterly July- December, 1956. Page 6‏
(3)-د. رشيد الناضوري، جنوب غربي آسيا وشمال أفريقيا، الكتاب الأول، ص 140، دار الجامعة العربية، بيروت، سبتمبر، 1968م.‏
(4)-Excavations at Jericho- 1954, by Kathleen M. Kenyon (Director British School of Archaeology in Jerusalem Page 9).‏
(5)-نفس المرجع السابق ص 9.‏
(6)-An Article from Scientific American, April 1954, Vol. 190, No.4 (ancient Jerich) by Kathleen M. Kenyon, Page 81.‏
((الباب الرابع))‏
فلسطين خلال العصر الحجري النحاسي‏
(5000-3000 سنة ق.م.)‏
قامت خلال هذا العصر عدة حضارات هامة متصل بعضها ببعض أهمها: أريحا- ووادي غزة- والغسولية- وبئر السبع- ومجدو- وبيت شان- والخضيرة- وتل الفارعة- وتل جازر، حيث تطورت الحياة في جميع مظاهرها، واكتشف معدن النحاس، وظهرت الزراعة المعتمدة على الري، وقد شملت عدة أنواع من الخضراوات وهي الخس والبصل والثوم والحمص والفول والتوابل.‏
ويعتقد أنها أثرت في ارتفاع قامتهم وقوة أبدانهم قياساً إلى من تقدموهم من أسلافهم، ويمكن القول إنهم كانوا مزارعين بالدرجة الأولى، وقد عرفوا إلى جانب زراعة الحبوب، زراعة الزيتون، والنخيل، أما حياة الصيد فكانت بالنسبة لهم شيئاً ثانوياً(1).‏
كما كانوا يزرعون العنب والتين، وقد عثر مكالستر على حفر ذات تجويف خصصت لعصر العنب والزيتون، وقد عثر على معاصر الثمار المنقورة في الصخر، في أماكن متعددة وخاصة مدينة الخليل.‏
وأهم آثارهم المعمارية تتكون من منازل ومعابد وأضرحة. فالمنازل في الغسولية، وقد بنيت جدرانها من الطوب اللبن المتوسط الحجم على أساس من الحجر، أخذ من المنطقة نفسها، وقد غطيت سقوفها بالقصب وأغصان الأشجار، وامتاز فن المعمار بالأبنية الكبيرة الحجم والتخطيط المعماري المستطيل، وبعض المباني تقابل منازلها باحة، وقد أحيطت المنازل من الخارج بأسوار، وبعض منازل الغسولية شيدت أسسها وجدرانها من الطوب اللبن. وأما السقوف فقد استخدموا الخشب في تغطيتها لوفرته في المنطقة نفسها. وكان لهم معابد في الغسولية وتل جازر وبيت شان والخضيرة وغزة وبئر السبع.‏
واهتموا ببناء الأسوار حول مدنهم، ومنها تل جازر حيث أحيطت بسور من الطوب الخشن وبقيت مدينة أريحا محاطة بأسوار عالية وخنادق مملوءة بالماء وبرج حجري يحمي المدينة.‏
وفي بئر السبع حفروا منازلهم داخل الصخور، ويؤدي إليها ممر أو ممارّ، والممر يؤدي بدوره إلى غرف جانبية وقد حفرت في الصخر.‏
كما عرفوا التصوير الجداري: -حيث رسموا على جدران مدينة الغسولية لوحات تصويرية متعددة الألوان، وتعتبر أقدم فريسكو في العالم القديم(2).. وأسلوب هذه اللوحات يتميز بالطابع الزخرفي الهندسي، وأهم هذه اللوحات، لوحة "النجمة الثمانية".‏
وكانوا يرمزون بهذه النجمة إلى كوكب الزهرة، وكانت هذه معبودة لديهم كما كانت إلهة الخصب. وقد قلدها اليهود فرسموا نجمة سداسية.. نقلاً عن النجمة الثمانية الكنعانية التي يعود تاريخها إلى 4500 سنة ق.م.‏
وظهرت هذه النجمة الثمانية في الزخرفة الإسلامية على أيدي فناني فلسطين وسوريا الذين قاموا بتشييد قبـة الصـخرة وزخرفته.. وهذه النجمة ما زالت تظهر حتى أيامنا هذه على الأزياء الفلسطينية المطرزة وتعتبر من أساسيات زخرفة فن التطريز الفلسطيني المعاصر.‏
وهناك عدة لوحات مرسومة، منها لوحة تمثل طائراً ملوناً يحاكي الطبيعة، ولوحة ملونة تمثل رجلاً يجلس أمامه شخصان، يلبس أحدهما حذاءً مطرزاً(3).. وبهذا فقد عرف التطريز بفلسطين منذ 4500 سنة ق.م.، كما رسموا أشكالاً آدمية وحيوانية على سطوح الأحجار، حيث عثروا في مجدو على رسوم تمثل ذلك، كما عثروا على (دلايات) مرسوم عليها، منها دلاية تمثل فتاة وبيدها زهرة، ويعود تاريخها إلى الألف الرابعة قبل الميلاد.‏
وعثر المنقبون على تماثيل نذرية تمثل البقر والماعز والأغنام وعلى تمثال يمثل جسد امرأة عثر عليه في بئر السبع. وهذه تمثل إلهة الخصب عناة أو عشيرة الكنعانية. هذا وقد قدسوا الحمامة ونحتوا لها تماثيل، وقد لازمت كهنة المعابد الكنعانية خلال العصور التاريخية وقدسها الفلاحون في فلسطين لصوتها، يقولون إنها مباركة وتسبح ربها.‏
كما عرفوا صنع الفخار ومهروا في زخرفته وهو نوعان: الأول الفخار الجنائزي والثاني الفخار الدنيوي. والفخار الجنائزي: يمثله المدافن أو التوابيت الفخارية، وبعضها على شكل بيوت وترتكز على قوائم أسطوانية أربع ولها سقف دائري وهو غير مزخرف، وتوابيت أخرى مؤلفة من صندوق مستطيل من الطين، يميل من الأعلى مثل "الجملون" وعليه زخارف على أسلوب اللوحات الجدارية التي عثر عليها في مدينة الغسولية، وقد وجدت بالقرب من قرية الخضيرة على الساحل الفلسطيني.‏
وزخارف هذه التوابيت ما زالت توضع على الأزياء الفلسطينية المعاصرة. وقد عثر في تل الجزر بالقرب من أبو شوشة، على أوانٍ فخارية مملوءة بالطعام والشراب بجوار الموتى، وهناك جرار فخارية كان يوضع بها الأطفال الموتى ويدفنون تحت أسس المباني والهياكل أو المعابد، عثر عليها في تل جازر وبيت شان والغسولية وأريحا. وما زالت هذه العادة الكنعانية العربية تمارس لدى الفلسطينيين فعندما يموت طفل دون السنة، فإنهم يضعونه داخل جرة فخارية ثم يدفنونه.. وهذه العادة الأسطورية تعطي دلالة على استمرارية شعب واحد عربي كنعاني على هذه الأرض.‏
وأما الفخار الدنيوي: فقد عثر على أعداد كثيرة منه في بيت شان وتتميز بلونها الأسود، والرمادي المصقول، والأيدي المموجة. وقد وجد منه نماذج في مصر السفلى ويعود تاريخها إلى عصر ما قبل الأسرات، كما عثر في مجدو على أقدم أنواع الفخار المزين والمنقوش بزخارف كثيرة والملون وبه تطعيم، ويعتبر فخار أريحا من أجمل أنواع الفخار، ويتميز بتعدد أشكاله وتنوعها، وما زال بعضها بشكله حتى الآن دون تغيير ومنها الإناء المعروف باسمه الشعبي "الزبدية- صحن أبو عشرة اللقان" وكذلك الإناء المعروف باسم "البوشة والبقلوشة والزير".‏
وهذا الحفاظ على الشكل دلالة على الاستمرارية دون انقطاع... وهكذا يتضح لنا من العرض الموجز لفلسطين خلال العصر الحجري النحاسي، أن شعبها كان عربياً كنعانياً وأن هذا الشعب له ارتباط بالشعب العربي الفلسطيني المعاصر، بدلالة محافظة أهل فلسطين المعاصرين على صناعات وعادات أجدادهم الكنعانيين العرب.‏
أهم المراجع:‏
(1)-د. وليد الجادر، دراسة مترجمة في حضارة العراق والشرقين الأوسط والأدنى القديمة، مجلة الأقلام، بغداد، العدد السادس، ص 73.‏
(2)-عبد الرحمن المزين، رسالة الماجستير، الفن التشكيلي في فلسطين عبر التاريخ 1975، جامعة حلوان، ص 85.‏
(3)-د. وليم ف. أولبرايت، آثار فلسطين ص 71، مترجم، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1971م.‏
((الباب الخامس))‏
فلسطين خلال عصر البرونز‏
3000-1200 سنة ق.م‏
تعتبر مرحلة عصر البرونز من المراحل التاريخية الهامة، ذلك لما حدث خلالها من اتصال وتنقل وغزوات بالنسبة لسكان العالم القديم، ولوقوع فلسطين في هذه المرحلة بين حضارتين عظيمتين، مصر، وأرض الرافدين، وقد انعكس ذلك كله على الحياة والمجتمع بفلسطين.‏
ويقسم الباحثون عصر البرونز إلى ثلاثة عصور وهي كالتالي:‏
1-عصر البرونز المبكر ويمتد من 3000-2100 سنة ق.م.‏
2-عصر البرونز المتوسط المتأخر ويمتد من 2100-1600 سنة ق.م.‏
3-عصر البرونز المتأخر ويمتد من 1600-1200 سنة ق.م.‏
وسأتحدث أولاً عن عصر البرونز المبكر.‏
مع بداية هذا العصر حدث انتشار للعرب داخل حدودهم وظهرت تنقلات بشكل واضح وملموس. حيث انضم لعرب فلسطين عرب قادمون من أرض الرافدين ومن جنوب بلاد العرب. وقد أطلق على العرب سكان الساحل السوري (سوريا- لبنان- فلسطين) الكنعانيون وعلى سكان المناطق الداخلية البعيدة عن الساحل "العموريون".‏
وأهم مدن الكنعانيين بفلسطين أريحو- بيت شان- شكيم- تل بيت مرسيم- عكو- يافا- عسقلان غزة- بئر السبع- عقرون- تل جاز- تل الفارعة- أورشليم- مجدو- بيت يراح.‏
وقد سموا بالكنعانيين نتيجة لاشتهارهم بالصبغة الأرجوانية الحمراء، التي كانوا يستخرجونها من أصداف بحرية تكثر على الساحل الكنعاني، واسمها أصداف الموركس وهم لم يتاجروا بالصبغة، بل تاجروا بما أنتجته نساؤهم من الثياب المطرزة والمصبوغة بالصبغة الأرجوانية.‏
وكان هؤلاء قبائل تنافست فيما بينها على الرغم من صلة القرابة والجنس بينهم، فدفعهم ذلك إلى بناء قلاع ضخمة، وأسوار عالية حول مدنهم كي تحمي كل قبيلة نفسها وتدعم حكمها، ولهذا انتشر نظام المدن المستقلة، تؤلف كل مدينة أو مدينتين مملكة، وكذلك الحال في سوريا ولبنان والأردن.‏
وقد راعوا في بناء مدنهم المحصنة أن تكون على تل مرتفع عن سطح الأرض التي حوله بشكل ملحوظ، وأن تكون الأرض منبسطة شيئاً حول التل بحيث يمكن رؤية الأعداء بسهولة إذا قدموا إلى قلعتهم التي يقيمون فوقها مدينتهم، كذلك يجب أن يكون التل بالقرب من مصدر ماء للشرب.‏
وقد بنوا مباني دنيوية ودينية وجنائزية. ولكن الاهتمام الكبير وجه إلى (الدفاعات) في جميع المدن، فمثلاً، بلغ سمك خربة كراك نحو ثمانية أمتار، كما عثر على مبنى محصن في خربة كراك، بلغ سمك أسواره نحو ثمانية أمتار، كما عثر المنقبون على مبنى مستطيل الشكل أطواله تراوح بين (40-30 متراً) وسمك جدران المباني عشرة أمتار. ووجد بالمبنى مدخل في جهته الشرقية، وقد بلغ عرضه نحو سبعة أمتار(1). وهذا المبنى يدل على استمرار نظام القبة خلال عصر البرونز وقد ظهر بفلسطين منذ 12000 سنة ق.م، وما زال حتى الآن.‏
شاع طراز الأسوار العالية في كافة المدن، وهو في الغالب مكون من جزئين، سفلي منحدر من الجانبين، وذلك لكي يتحمل سمك الجدار، ويدعم به المبنى وعلوي قائم. وقد عثر على هذا الطراز في بيت شان ومجدو وتل جاز حيث بلغ سمك جدرانها نحو أربعة أمتار ونصف.‏
ولكن مدينة أريحا امتازت عن بقية المدن الفلسطينية بفن (الدفاعات) حيث اهتموا بها إلى حد كبير، وتتكون الدفاعات من خنادق، ثم منحدرات مائلة يتوجها من أعلى جدران شديدة الارتفاع وعريضة. وقد عثر في إحدى حفائر أريحا على خندق كثير الأجزاء على شكل 77 ويحيط به منحدر طوله 11 متراً، وارتفاعه 7.75 متراً وهي من الطوب. وداخل هذه الأسوار وجدت مبان بلغ سمك جدرانها حجراً واحداً، وهي أحجار طرية ناعمة مصنوعة من الصلصال الأخضر، وقد وجدت في حالة غير جيدة، ويبدو من الحفائر أنها بنيت ثلاث مرات. والمباني المبكرة منها بنيت منفصلة بعضها عن بعض بحشوات ركامية سميكة، ولكن المباني المتأخرة منها قد تميزت بالحشوات الطينية والحجرية، والجدران القائمة من الطوب(2).‏
تبلور الفكر الديني الأسطوري الكنعاني، في سورية عامة خلال هذه المرحلة ومنها فلسطين فابتكروا آلهة وبنوا لها معابد وأصبحوا يقدمون لها القرابين، ويقيمون لها مواسم سنوية. وأهم هذه الآلهة "عليان بعل- عناة- عشيرة أو عشتر- مت- ايل- حارون- شالم أو شليمو- داجون". والأسطورة الكنعانية بوجه عام هي تجسيد للمظاهر الطبيعية، حيث يصور الصراع بين المعبود بعل، إله الخضرة والأمطار، وبين المعبود مت إله الموت والحصاد، فيلتقي بعل مع مت، ويقضي مت على بعل، وفي هذه الفترة تكف الحياة عن الإنتاج والخصب. وتبحث عناة ومعها عشتر عن المعبود بعل أو "عليان بعل" إلى أن تعثر عناة على مت وتذبحه بسكين الحصاد، المنجل، وتذروه بالمذراة في حقول كنعان، فتعود الخضرة إليها وهكذا تتوالى العملية، فإذا ظهر عليان بعل، اختفى "مت".‏
وفي هذا حسب اعتقادهم استمرار لفصول السنة، وفي كل عام كانوا يحتفلون باليوم الذي مات فيه إله الخصب فيقيمون عيداً سنوياً مدته سبعة أيام، يقومون بطقوسهم، وأهمها رقصة المعابد، وهي الدبكة، التي يرقصون فيها على قرع الطبول ونغمات الناي. وهناك نصوص تشير إلى أنه كان للكنعانيين العرب، عيدان عيد في بداية الربيع، وعيد في شهر تموز.‏
وعندما حل الدين السماوي، تركوا الأساطير وآلهتها. ولكن أعياد الآلهة لم تمت أو تنته، بل تحولت إلى الأفراح الفلسطينية، فالفرح الفلسطيني أو العرس، يقام لمدة سبعة أيام بلياليها تتخلله رقصات الدبكة، وهي في الأصل رقصات المعابد الكنعانية.‏
وأسماء الآلهة الكنعانية ما زالت تطلق على قرانا ومدننا حتى الآن وهذه الأسماء هي: داجون أو دجاني- وعناة- وعشيرة- وعليان.‏
وهذا الحفظ التاريخي للعادات والأسماء الشخصية، وأسماء القرى والمدن هو دلالة على الاستمرارية والارتباط بتراث أجدادنا العرب الكنعانيين.‏
وقد أقاموا لآلهتهم الأسطورية معابد عديدة في مجدو وأريحا وبيت شان وغزة، ويعود تاريخها إلى مطلع الألف الثالث قبل الميلاد. وتحت جدران هذه المعابد عثر على جثث أطفال رضّع، وهذه العادة كنعانية. وداخل المعابد عثر على صناديق صنعت من الفخار أو الصلصال لخزن الغلال ومنها معبد أريحا وكذلك معبد في تل الدوير(3).‏
وخير مثال للمعبد الكنعاني، هو معبد مدينة عاي. وهو مستطيل الشكل والباب الرئيسي في أحد أضلاعه المستطيلة. وقد بُني بحجارة غير منتظمة، سويت بالدق والنحت. (كما هو متبع حتى الآن في بناء القرى الجبلية والمدن مثل الخليل ونابلس ورام الله وبيت لحم والقدس) أما سقف المعبد فقد كان مقاماً على أعمدة خشبية قائمة منحوتة نحتاً جيداً.‏
والواقع أن جميع المعابد التي عثر عليها كانت مؤلفة من غرفة واحدة لها باب في إحدى أضلاعها الطويلة. ويعود ذلك إلى أن الاحتفالات الدينية كانت تقام في الهواء الطلق‏
أما المقابر الجنائزية، فتتمثل في المقابر العديدة التي عثر عليها المنقبون في أريحا وتل الفارعة وخربة كراك وغيرها من مدن عصر البرونز المبكر وهي نوعان:‏
الأول: مقابر جماعية، وهي قبور واسعة جداً، وتحتوي على مقابر فردية، بداخلها أوعية فخارية قرابين، وأواني طعام وشراب لاعتقادهم بالعالم الآخر.‏
الثاني: مقابر فردية وهي صغيرة مخصصة لفرد واحد، وأثاث القبر في الغالب يتكون من خنجر أو دبوس شعر وخرز وأواني طعام، وشراب، والجدير بالذكر أن هذين النوعين يستخدمان حتى الآن في مدن فلسطين وقراها.‏
وقد اهتموا بالصناعات الفخارية، وهي عدة أنواع:‏
1-الفخار ذو الكسوة الشريطية.‏
2-الفخار ذو الحزم الزخرفية الملونة.‏
3-فخار خربة كراك.‏
4-الفخار ذو المقابض الظرفية.‏
ومعظم أنواع هذا الفخار ما زال يصنع حتى الآن بفلسطين ولا سيما في غزة وخان يونس والخليل. ومن هذه الأشكال (الإبريق- والزبدية وصحن أبو عشرة واللقان والبوشة والبقلوشة والزير).‏
كما عرفوا فن التطريز يؤكد هذا ما عثر عليه المنقبون من آثار الأنوال وأثقال الأنوال وفلكات الغزل في كل بيت من بيوت عصر البرونز المبكر.‏
وهكذا يتضح لنا عروبة فلسطين خلال عصر البرونز المبكر، تؤكدها الدلالات الأثرية، الملموسة والعادات والتقاليد والصناعات التطبيقية المتوارثة حتى الآن.‏
أهم المراجع:‏
(1)-عبد الرحمن المزين، رسالة الماجستير، الفن التشكيلي في فلسطين عبر التاريخ، ص 114.‏
(2)-Jericho- by Kathleen M. Kenyon, From Archaeology, Vol. 20, No.4.‏
October 1967 page 274.‏
(3)-Excavations at Jericho- 1954, by Kathleen M. Kenyon. (Director, British School of Archaeology in Jerusalem, Page 14).‏
((الباب السادس))‏
فلسطين خلال عصر البرونز المتوسط‏
2100-1600 ق.م‏
تشير الحفائر الأثرية إلى أن أهل فلسطين خلال عصر البرونز المتوسط كانوا يقيمون داخل مدن محصنة، بأسوار عالية سميكة، ومزودة بشرفات وأبراج مراقبة، ومنحدرات مائلة بجوار الأسوار، وفي بعض المدن كان يحفر خندق حول الأسوار يملأ ماء لحماية المدينة، وكانت بعض المدن محاطة بسورين أو ثلاثة أسوار متتالية، لأن المدينة لها ملك، وبذلك فإن كلمة "مملكة" في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، خلال فترات عصر البرونز والحديد، تعني مدينة أو مدينتين، وما حولهما من أراضي زراعية، لأن كل مدينة كما سبق أن ذكرت عند كلامي عن عصر البرونز المبكر، كانت ملك قبيلة، ورئيس القبيلة هو الحاكم، ويلقب أحياناً بالأمير ولكن اللقب الغالب هو "الملك".‏
وكانت كل مدينة أو مملكة مستقلة بذاتها، الحاكم وجنده يعيشون داخل أسوار المدينة، وكان لطبقة الملاك والتجار قصور خاصة. وبقية الشعب يزرعون الأرض، ويقومون بالصناعات التطبيقية وغيرها. وإذا قامت حرب أو حدث هجوم على مدينة، فإن المزارعين والتجار وغيرهم يلجؤون إلى أسوار المدينة المحصنة، وكثيراً ما كانت تنشب حروب بين المدن أو بين هذه الممالك الصغيرة، ولذلك حرصت كل مدينة على حماية نفسها وأفراد قبيلتها. وقد حال هذا دون قيام وحدة بين ممالك فلسطين وسوريا ولبنان والأردن. بعكس مصر التي كانت تعيش تحت أمرة حاكم واحد، إذ ساعد هذا على قيام امبراطورية ضاربة وقوية متقدمة في جميع العلوم والفنون القديمة، وجعلها مرهوبة الجانب في وجه المغيرين، وكذلك الحال في أرض الرافدين، حيث قامت امبراطورية قوية.‏
(وتظهر فسيفساء، ترجع إلى امبراطورية حمورابي البابلية (2003-1950ق.م) أمراء محليين كانوا يتقاسمون بلاد كنعان "فلسطين وآمور، أو سوريا" وكان أهم أولئك الملوك الكنعانيين أو الفلسطينيين ملك "يبوس" أو "أورشيليمو".. وكانت تمتد مملكته حتى الكرمل، وهكذا تبدو أورشيليمو، مدينة ملك السلام، معروفة منذ العهد البابلي، وفي جنوب فلسطين في النقب تفيد حفائر "نلسون جلويك" أن النقب كان عامراً بالسكان خلال عصر البرونز المتوسط حيث عثر على "قرى كثيرة صغيرة من الحجر تسكنها أقوام نصف بدوية، منتشرة في كل المنطقة القاحلة التي تقع جنوبي بئر سبع).(1)‏
ويبدو لي أنهم من قبائل المدينيين الذين انتشروا حول برزخ السويس وبجنوب فلسطين وهم الذين أنقذوا "سنوحي"، ومدوا له يد العون وساعدوه في إتمام رحلته عبر فلسطين ثم لبنان، واستقراره أخيراً في سهل البقاع بسوريا.‏
كما أن اسمي ملكي المدينة، ملكيصادق وأدوناي- صادق (نحو 2000 ق.م) هما من أسماء العلم المعروفة في ذلك العهد(2). ويجب أن يعرف أن اسم القدس الكنعاني هو "أورشليم أو أورشالم" وقد ظهرت هذه المدينة خلال العصر الحجري النحاسي، ودلت حفائر ايبله بسوريا، على أنها إحدى المدن الكنعانية المعروفة منذ 2500 ق.م واسمها مشتق من اسم الإله الكنعاني "شالم". أي أن اسمها "أورشالم أو أورشليم".‏
وتشير الحفائر التي قامت في فلسطين إلى أن هناك وافدين جدداً من سوريا الشمالية، ينتمون إلى سكان فلسطين الذين استقروا قبلهم بآلاف السنين، ويبدو أن الوافدين الجدد، هم عموريون من القبائل المتجولة التي لم تستقر بعد، وهؤلاء وصلوا إلى دلتا النيل.‏
ويعتقد بعض الباحثين أن الدافع لذلك اقتصادي، وربما كان لحصول جدب في منطقة الشرق الأدنى بأسره. وقد أشار إلى ذلك مستشهداً بتسجيل "الملك أوناس آخر ملوك الأسرة الخامسة في الطريق الجنزي الخاص بهرمه، لأحداث مجاعة شديدة في مصر"(3).‏
وعهده قريب من توقيت هذه الهجرات، بل وتشير الحفائر إلى أنه "في نحو 2150 سنة ق.م، غزا الأموريون فنيقيا وفلسطين، حيث عم الخراب والحرائق معظم المدن"(4).‏
وتشير الحفائر أيضاً أن العموريين وصلوا من شمال سوريا مع بداية عصر البرونز المتوسط، وساندوا الأكاديين ابناء جنسهم فسيطروا على السومريين، وأخضعوهم لسلطانهم، وذلك نحو 2237 ق.م وقد برز منهم ملك لمدينة عرفت باسم بابل، واسمه "سوموابم" ولكن سرعان ما أصبح قوياً فعين نفسه ملكاً وذلك في نحو 2105 ق.م. وهو يعتبر مؤسس مملكة بابل الأولى، التي كانت عاصمتها مدينة بابل. ولكن هذه المملكة قويت وأصبحت بعد ذلك بقرن، عاصمة أول امبراطورية عربية عظيمة في أرض الرافدين وذلك على يد حمورابي (2003-1961 ق.م.).‏
كانت بابل المدينة الأولى والأجمل بين مدن غربي آسية، ويبدو أن هناك هجرة عمورية أخرى خرجت فعلاً من سوريا الشمالية، في اتجاه آخر وذلك في فترات متقطعة بين 2300 و2150 وحتى 2000 ق.م، وقد غزت فلسطين، وظهر ذلك واضحاً في حضارة أريحا ولاكيش وتل بيت مرسيم ومجدو وبيت شان، كما غزت الساحل السوري، ويشير إلى ذلك تدمير مدن عصر البرونز المبكر الرابع بفلسطين، كما يظهر أيضاً على ساحل فلسطين، وعلى الساحل السوري في جبيل وأوغاريت وصور وصيدا. ولكن هؤلاء سرعان ما ذابوا في إخوانهم من العموريين والكنعانيين الذين سبقوهم إلى الاستقرار والتطور والسكن داخل المدن المحصنة وترك مرحلة البداوة.‏
ولذلك نرى سكان فلسطين خلال هذه الفترة، على رغم أنهم عموريون وكنعانيون فإن هجرتهم أو تنقلاتهم المتتالية جعلت أسبقهم أكثر استقراراً وتطوراً. ولهذا كان هناك سكان مدن محصنة مثل أريحا وشكيم ومجدو وبيت شان ويبوس أورشالم وعسقلان وبافي وشاروهين وبيت شمس وهازور، وتل بيت مرسيم وعاي وتل الجزر وبئر السبع، وغيرها. كما كان على جانبي نهر الأردن قبائل بدوية، ونصف بدوية وذلك في أواخر القرن العشرين قبل الميلاد، وحتى بعد ذلك بقي شرقي النهر مأهولاً بالسكان، ولكنهم ظلوا بدواً رحلاً، كما تشير إلى ذلك نصوص اللغات المصرية من الأسرة الثانية عشرة.‏
ويفهم من النصوص المصرية أن فلسطين ابتداء من بداية هذا العصر أصبحت علاقتها أوثق بما يجاورها منها في عصر البرونز المبكر، وخاصة خلال الفترة الممتدة منذ أوائل القرن التاسع عشر قبل الميلاد، ولكن بعد نحو عام 1750 ق.م، وبعد سقوط الأسرة الثانية عشرة المصرية، لم تستطع مصر بسط نفوذها من جديد إلا على "جبيل".‏
بدأ نفوذ الهكسوس العسكري بالظهور وذلك قبل نهاية القرن الثامن عشر قبل الميلاد بوقت قصير، واستمر نفوذهم هذا حتى قبيل عصر البرونز المتأخر في مصر، وبقي في بلاد كنعان قوياً حتى خلال القرن الأول من عصر البرونز المتأخر. وقد اختلفت الآراء حول هوية ذلك الشعب الذي يسمى بالهكسوس، والذي امتاز بقوته العسكرية وميله للحرب واستخدام المركبة الحربية التي تجرها الجياد، ولكن اتضح لي من خلال بحثي أنهم عرب من الكنعانيين والعموريين "سكان سوريا ولبنان وفلسطين والأردن".‏
ونستطيع أن نتبين ذلك من خلال الآتي:‏
1-المؤرخ المصري مانيثيو. هو أول من استخدم اسم الهكسوس أو لفظة الهكسوس وهذا المؤرخ ظهر متأخراً إذ كتب باليونانية وفسر اسم الهكسوس على أنه يعني "الملوك الرعاة" ويصفهم في بعض النصوص فيقول:‏
"نزلت علينا لفحة من غضب الله. فقد تجرأ شعب وضيع الأصل من الشرق لم يتنبأ أحد بإقدامه على غزو بلادنا فسيطروا عليها بالقوة، ودون صعوبة حتى ولا معركة، وبعد أن تغلبوا على حكامنا فإنهم أحرقوا المدن بوحشية، وخربوا هياكل الآلهة وعاملوا السكان كلهم بمنتهى القسوة".(5)‏
وأصل كلمة هكسوس التي استخدمها المؤرخ مانيثيو مصرية، وهي كلمة ذات مقطعين الأول "حقاو" ويعني حكام، والمقطع الثاني "خاسوت" ويعني البلاد الأجنبية أو الملوك الرعاة. وكان لقب (حقاو خاسوت) يطلق على ملوك الهكسوس كما كان يطلق قديماً على الكنعانيين الذين كانوا يذهبون إلى مصر قبل سيطرة الهكسوس على مصر. ونستطيع أن نتبين ذلك من الرسومات والكتابات الجدارية التي سجلها قدماء المصريين على مقابرهم عند زيارة أي شعب لهم.‏
والجماعة الكنعانية من الجماعات التي قدمت من جنوب بلاد كنعان "فلسطين" إلى مصر، وذلك بحسب جميع كتب الباحثين. ونحن نعرف أيضاً أن زعيم هذه الجماعة كان من الكنعانيين كما تشير إلى ذلك جميع كتب الباحثين، وأن جماعته وكان عددهم 37 شخصاً من رجال وأطفال ونساء، وكان اسمه أبشاي ويلقب "حقاوخاسوت" أي حاكم البلاد الأجنبية. وهذا اللقب هو الذي أصبح بعد تحريفه اسماً يدل على الهكسوس.‏
2-إن اسم "حقاوخاسوت" الهكسوس أطلق فقط على الناس الذين يلبسون ملابس مطرزة. وهذا ما تثبته رسومات المصريين القدماء حيث رسموا الكنعانيين والعموريين وأطلقوا على رئيسهم "حقاوخاسوت"، وهو يلبس ملابس مطرزة. والمعروف أن الكنعانيين خاصة كانوا يلبسون ملابس مطرزة، النساء منهم والرجال والأطفال والشيوخ، وهي مميزة للعرب الكنعانيين، وهذا يعني أن الهكسوس عرب كنعانيون من سكان سوريا ولبنان وفلسطين والأردن.‏
3-قد ورد على لسان مؤرخ العلم "جورج سارتون" مأخوذاً عن المؤرخ، المصري مانيثيو ومجملاً رأيه ما يفيد بأن الفينيقيين أنفسهم من الهكسوس، حيث يقول "تكلم أولئك الفينيقيون لغة أقرب إلى اللغة العبرية(6) منها إلى أي لغة أخرى من مجموعة اللغات السامية. ويجوز أن يكون الهكسوس، مع ما في أمرهم من غموض، وهم الذين غزوا مصر في القرن السابع عشر قبل الميلاد، هم الفينيقيين أنفسهم من غير لبس حين قام أحمس الأول فرعون مصر (وهو أول ملوك الأسرة الثامنة عشرة 1580-1557)، بغزو بلادهم. ومن ذلك الحين صار الفينيقيون خاضعين للحكم المصري، لكن ذلك لم يدم طويلاً. وكثيراً ما يرد ذكرهم في النقوش المكتوبة بالخط المسماري في تل العمارنة، وحاول بعضهم أن يطرح نير الحكم المصري، وتآمروا مع الحثيين الذين شجعت قوتهم المتزايدة، وصداقتهم الظاهرة آمال الهكسوس في تحرير أنفسهم"(7). ويقصد جورج سارتون بالهكسوس سكان مدن لبنان وسوريا وفلسطين والأردن.‏
4-يشير الدكتور محمد أبو المحاسن عصفور: إلى أن الهكسوس استقروا في مصر السفلى وخاصة في الدلتا، إذ جعلوا عاصمتهم أفاريس بالقرب من موطنهم الأصلي، حيث يقول "تدل ظواهر الأحوال على أن منطقة الشرق الأدنى القديم تعرضت لأحداث كثيرة متتالية في الوقت الذي أشرفت فيه الدولة الوسطى على النهاية، فقد قضت بابل على الممالك المجاورة لها، بينما أخذ "الحوريون" أو "الميتانيون" يستولون على بعض البلاد السورية- ولا شك في أن هذه التحركات كانت ذات أثر في هجرة وتسلل الكثير من العناصر الآسيوية إلى شرق الدلتا على الأرجح- ولم يمض على استقرارهم وقت طويل حتى أصبحوا قوة يخشاها المصريون، واستفحل خطرهم وزاد إلى أن تمكنوا من فرض سلطانهم على مصر وجعلوا عاصمتهم أواريس"(8).‏
5-نحن نعرف أن أي فاتح عظيم عندما يفتح بلاداً جديدة غير بلاده، ويستقر فيها محتلاً فترة من الزمن قد تقصر أو تطول، فإن أهل البلاد يظلون على كراهيته، إلى أن تؤاتيهم فرصة طرده فإنهم يطردونه إلى البلاد التي منها وفَد، بل وتدفعهم الحمية إلى ملاحقته حتى عقر داره واحتلاله كما احتلهم، والتاريخ القديم والحديث حافلان بالأمثلة العديدة على ذلك. فالهكسوس عندما استقروا في الدلتا ومصر الوسطى، وجعلوا عاصمتهم أفاريس أو أواريس نجد أن المصريين لم يقبلوا هذا الوجود، فبدأت مقاومتهم أولاً على يد والد أحموس الأول، ثم على يد أخيه، ويدعى "كاموذا" ثم على يد أحموس الأول الذي تمكن من إحراز النصر لمصر، وطردهم خارج البلاد، إلى أول حصونهم العتيدة القوية بفلسطين وهو حصن "شاروهين" أي تل الفرعة في الطرف الجنوبي لفلسطين بالقرب من بئر سبع. وقد حاصرهم فيها ثلاث سنوات إلى أن سقطت على يده، وهناك رأي بأن حصار شاروهين دام ست سنوات ويلاحظ بعد سقوط شاروهين أنه لم يتركها أهلها. كذلك حصونهم في "مجدو" تل المتسلم حالياً، والتي حاصرها تحتمس الثالث بعد ذلك لفترة من الزمن، لم يتركها أهلها، وكذلك الحال في أريحا وهازور وتل العجول وشكيم وحتى حصونهم في الشمال في سهل البقاع بسوريا، بعد أن هزمها جيش مصر، لم يتركها أهلها. بل بقوا في فلسطين وسوريا ولبنان والأردن، وكل ما حصل لهم أنهم فقدوا قوتهم العسكرية ونفوذهم السياسي، وكل النصوص المصرية وخصوصاً المتعلقة بفتوحات "تحتمس الثالث" توضح أنهم لم يتركوا سوريا ولبنان وفلسطين والأردن. بل تشير إلى الغنائم والنصر فقط وهذا يفيد بأنهم عموريون وكنعانيون من سكان "فلسطين وسوريا ولبنان والأردن".‏
6-يشير الباحث الكبير الدكتور أنور الرفاعي إلى أصل الهكسوس العربي، حيث يقول "ان أصل هذه الأقوام التي حكمت مصر مدة طويلة من الزمن والتي أسست الأسرتين الحاكمتين 15، 16 هي من القبائل العربية القادمة عبر سيناء. حين أخرج أمراء طيبة الهكسوس من مصر، أخرجوهم إلى البلاد التي قدموا منها وهي سيناء، ثم لاحقوهم حتى فلسطين... وكان ذلك قد شجع ملوك مصر على احتلال الشام ومحاولة ضمها إلى الامبراطورية المصرية. وذكرت النقوش المصرية وخاصة الباقية إلى اليوم، على جدران الكرنك ومعابد الأقصر الكثير من أخبار حملات مصر ضد قبائل البدو المقيمة في فلسطين وسورية"(9).‏
7-عندما حكم الهكسوس في مصر جعلوا بعلاً معادلاً للإله المصري "ست" كما جعلوا "البعلة" معادلة للإلهة المصرية "ايزيس" وأدخلوا بين سائر الآلهة في مصر أخت بعل ورفيقته "عناة"، كذلك حكمت من الهكسوس سلسلة من الملوك السوريين هناك قبل السلالة الخامسة عشرة، وكانت أسماؤهم كنعانية أو أمورية واضحة، منها "هنات هار" وكذلك أسماء قوادهم وأمرائهم التي أبقوها لنا محفورة على التعاويذ والتمائم المصرية وهي بشكل الخنافس وكانت ترمز للخلود عند المصريين القدماء، كانت أسماء كنعانية أو أمورية(10).‏
8-قد ورد في المجلد الثامن- لمجلة المعرفة ما يفيد، بأن العرب البائدة "اصطلح على تسميتهم بالعمالقة. وقسموهم إلى قسمين كبيرين هما:‏
أولاً- عمالقة العراق، وهم دولة حمورابي في بابل والأدلة على أن دولة حمورابي عربية كثيرة ومتعددة منها أسماء ملوكهم ولغتهم.‏
ثانياً- عمالقة مصر، وهم الذين يسميهم المؤرخون (الهكسوس) وهناك بقايا العمالقة ومنها عاد وثمود، وكان مقامهم بمدائن صالح، وطسم، وجديس وغيرهم، هذا بالإضافة إلى دولة الأنباط في بطرا، ودولة التدمريين في تدمر.‏
وخلاصة ما يستنبط من النقاط السابقة الذكر:‏
أن الهكسوس هم كنعانيون وعموريون من سكان سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وقد وصلوا إلى مصر على فترات متقطعة، وكان بينهم عدد من الحثيين والحوريين وهؤلاء استخدمهم الهكسوس في سياسة الخيول وخدمتها. وقد وصل الهكسوس إلى مصر على فترات متقطعة ولكنهم حكموا مصر نحو قرن ونصف قرن من الزمن (1730-1580ق.م).‏
والواقع أن الفترة التي يطلق عليها الباحثون فترة الهكسوس هذه الفترة التي يغفلها الباحثون هي في الحقيقة كسب حققته القبائل العمورية والكنعانية من سكان سورية ولبنان وفلسطين والأردن، هذا الكسب تمثل في وحدتهم أول مرة، فكونوا قوة ضاربة عسكرية ظهرت لفترة قرن ونصف قرن من الزمن، وقد أثرت هذه الفترة على جميع أوجه الحياة في فلسطين فعم البلاد رخاء اقتصادي وتجاري.‏
وهكذا يتضح لنا من العرض السابق أن فلسطين عربية كنعانية، وأن الهكسوس هم سكان فلسطين وسوريا ولبنان والأردن وهم عرب كنعانيون "وفي هذا رد علمي على دعاوى الصهاينة، ومناحم بيغن بأن العبرانيين من الهكسوس".‏
ففلسطين عربية كنعانية والهكسوس عرب كنعانيون انحدرنا منهم وحملنا صفاتهم وعبادتهم وأزياءهم وتقاليدهم حتى الآن في سورية ولبنان والأردن.‏
أهم المراجع:‏
(1)-د. وليم ف. أولبرت، مترجم، ص 85، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.‏
(2)-د. جواد بولس، لبنان والبلدان المجاورة، ص 103-104، مؤسسة بدران وشركاه للطباعة والنشر، بيروت.‏
(3)-د. رشيد الفاخوري، جنوب غربي آسيا الشمالية وشمال أفريقيا، الكتاب الأول، ص 331.‏
(4)-د. فيليب حتي، سوريا ولبنان وفلسطين، مترجم، ص 157، 159.‏
د. محمد أبو المحاسن عصفور، معالم تاريخ الشرق الأدنى القديم، ص 138، 147.‏
(5)-د. جواد بولس، لبنان والبلدان المجاورة، ص 71.‏
(6)-د: العبرية: هي لسان كنعان كما ورد في أسفار اليهود، أي أنها ليست لغتهم ولكنهم تعلموها من الكنعانيين، وبهذا فالعبرية هي لغتنا وقد أخذها اليهود عن أجدادنا الكنعانيين.‏
(7)-د. جورج سارتون، تاريخ العلم، الكتاب الأول، مترجم، دار المعارف بمصر، ص 239.‏
(8)-د. محمد أبو المحاسن عصفور، معالم تاريخ الشرق الأدنى القديم، ص 147-148.‏
(9)-د. أنور الرفاعي، قصة الحضارة في الوطن العربي الكبير، ص 61.‏
(10)-د. فيليب حتي، تاريخ لبنان، مترجم، ص 91-92.‏
(11)-المجلد الثامن، مجلة المعرفة، ص 1569، 1570، النشر شركة ترادكسيم، شركة مساهمة "سويسرية" 1971م.‏
((الباب السادس))‏
فلسطين خلال عصر البرونز المتوسط:‏
عم فلسطين خلال عصر البرونز رخاء اقتصادي نتيجة لعدة عوامل هامة وهي الزراعة والصناعة والتجارة.‏
فالزراعة اهتموا بها إلى حد كبير، وقد تفننوا في استصلاح الأراضي الجبلية إذ حولوها إلى مسطحات على شكل مدرجات، ويفصل بين كل سطح وآخر جدار من الأحجار الصخرية الموجودة في البيئة. وهذا النظام الذي بدأه أجدادنا العرب الكنعانيون ما زال متبعاً حتى الآن في قرى المنطقة الجبلية من فلسطين، وعلى جانبي نهر الأردن، وسوريا ولبنان.‏
وقد أدى استغلال الأرض والاهتمام بالزراعة إلى وجود طبقة من الملاك عرفوا باسم الأشراف والملوك وكذلك طبقة من عبيد المزراعين. وقد أفضى هذا إلى بناء مساكن تحميهم وتليق بمكانتهم الاجتماعية وبهذا ظهر نظام خاص بالأشراف وحصون الملوك. كما ظهرت العمارة التحصينية بشكل واضح وملموس وتتكون من الأسوار والمنحدرات والأبراج. فالأسوار كانت نوعين:‏
الأول- الأسوار الرأسية:‏
ظهرت في حفائر مدينة تل بيت مرسيم وتعود إلى القرن التاسع عشر ق.م حيث بلغ سمك الجدران نحو أربعة أمتار، وقد بني على السور حصن على شكل أبراج طولها عشرة أمتار وعرضها ستة أمتار تقريباً. كما ظهر نظام هذه الأسوار في مدينة بيت زور حيث بلغ سمك جدران الأسوار مترين ونصفاً. وقد بني على السور برج ارتفاعه عشرة أمتار وعرضه نحو خمسة أمتار(1)، وتاريخ الحصن يعود إلى القرن السابع عشر ق.م.‏
وعثر في مدينة اليبوسيين أورشليم على سور ضخم عرضه تسعة أقدام ويمتد في أحد جوانب المدينة لمسافة 49 متراً، وأمامه خندق عرضه أحد عشر متراً ويعود إلى القرن التاسع عشر ق.م.‏
ثانياً- الأسوار المنحدرة:‏
وظهرت في أريحا وشكيم وتل الجزر وتل بيت مرسيم، فقد بلغ ارتفاع أسوار أريحا عن الأساس نحو ستة أمتار ونصف تقريباً، وأسوار مدينة تل الجزر بلغ سمكها خمسة أمتار ويلحق بها أبراج دائرية، أما أسوار مدينة شكيم فقد بلغ ارتفاعها عشرة أمتار.‏
وقد تفننوا ببناء الاستحكامات وخاصة منذ القرن الثامن عشر ق.م، وهي تتألف من مبان ضخمة مستطيلة الشكل، بنيت من اللبن وعثر عليها في "لايش" و"حاصور" بالقرب من بحيرة طبريا، وهناك استحكامات ترابية عثر عليها في تل قيسان وشكيم ولاخيش وتل بيت مرسيم وتل العجول وفي مناطق أخرى لصد الهجمات وتعويق العجلات الحربية وكان لكل حصن بوابة ولها ممر أو ممران أو ثلاثة وعلى جانبي كل ممر زوج من الأعمدة الضخمة.‏
وكانت المنازل نوعين، الأول بيوت العامة من أفراد الشعب، وكان لها نظام مجار أو صرف حيث عثر أسفل الدرجات على مصرف مبني جيداً، وهذا يدل على تقدم في فن البناء(2). والنوع الثاني وهو منازل أو قصور الأشراف ويتألف من طابقين، يقيم أصحاب المنزل في الطابق العلوي، أما الطابق السفلي فقد استخدم للخدم ومخازن للغلال. وقد عثر على نماذج منها في عدة مواقع منها تل بيت مرسيم وتاريخه يعود إلى 1600 ق.م، وفي مجدو وبيت ايل، وشكيم وأريحا وتل العجول(2).‏
والعمارة الجنائزية كانت نوعين، الأول المقابر الجماعية وهي محفورة في الصخر. ويتكون القبر من سلسلة من المقابر وهي عبارة عن سراديب عائلية لكافة أفراد الشعب وقد وضعوا إلى جوار الأفراد الأثاث الجنائزي، ويتكون من الطعام والأثاث وأدوات الزينة الشخصية. وعثر على عدد من هذه المقابر في أريحا وتل بيت مرسيم وتل الفارعة. والنوع الثاني من المقابر، هي المقابر الفردية وهي عبارة عن بئر رأسية تؤدي إلى غرف تحت سطح الأرض وتتصل بالبئر عن طريق جانبي، وقد ترك في هذه القبور أسلحة وحلي ثمينة وهي للأغنياء في الغالب والمحاربين، وقد عثر على عدد منها في أريحا.‏
وأما العمارة الدينية، فتتكون من المعابد وهي عديدة، منها في أريحا وتل بيت مرسيم وتل الفارعة وبيت شان ومجدو وشكيم. وهي في تكوينها ومحتوياتها الداخلية عربية كنعانية.‏
كما اهتموا بالصناعة إلى حد كبير ويذكر المؤرخون أن أصحاب الحرف كانوا منتظمين ولهم نقابات مهنية، وكانت كل جماعة حرفية ترتبط أفرادها بروابط القرابة، حيث كان الأبناء يرثون مهنة آبائهم وكان لهم حي خاص بهم.‏
وقد وجدت مثل هذه المنظمات في فلسطين قديماً منذ القرن الثامن عشر ق.م(3). وأدى الاهتمام بالإنتاج الصناعي التجاري إلى ظهور أنواع من الصناعات التطبيقية الكنعانية العربية ومن أقدمها صناعة الخزف، وقد بلغ هذا الفن مستوى رفيعاً خصوصاً خلال عصر البرونز المتوسط، وذلك عندما استخدم فنانو فلسطين دولاب الخزف في تشكيل أعمالهم الخزفية في نحو عام 2000 ق.م، فامتازت الأشكال بالرشاقة وبنقاوة طينتها.‏
وكان أهم ما يميزها أيضاً الاستمرار في صنع أوان فخارية قديمة وهي الإبريق والزبدية والزير واللقان والبوشة والبقلوشة. والتي ما زالت تصنع حتى الآن في خان يونس وغزة ونابلس والخليل.‏
كما اكتشفوا الزجاج في مدينة عكو وهي عكا حالياً. واشتهروا بالأقمشة ذات الصبغة الأرجوانية، وقد أدى الاهتمام بالأقمشة ذات الصبغة الأرجوانية والمطرزة إلى أن أصبحت أكثر السلع التي تباع في الأسواق حيث بيعت بكثرة إلى سكان جزر بحر ايجه. وهذا هو السبب في انتشار الأزياء الفلسطينية في اليونان وكريت وقبرص ومالطة.‏
وقد دفع الاهتمام بالأقمشة المطرزة إلى الاهتمام بالأدوات لإنتاج هذا الفن الجميل وهذه الأدوات، هي الإبر والدبابيس والأزرار، وقد صنعوها من خامات مختلفة هي البرونز والعظم والعاج، كما تفننوا في المنقوشة من أجل التجارة.‏
وقد ساعد على إنعاش التجارة طرق المواصلات، ومعظم الطرق البرية القديمة، التي تصل العالم القديم بعضه ببعض، وقد كان لا بد أن تمر عبر فلسطين، فالطريق من شمال أفريقية ومصر لا بد أن تمر بفلسطين لتصل إلى باقي أجزاء الشام والأناضول أو إلى بابل أو أرض الجزيرة العربية. وكان أهم هذه الطرق، الطريق من مصر إلى الشام، وهو الذي يمر من سيناء ثم يتحول شمالاً ماراً بمعظم ساحل فلسطين حتى الكرمل، ثم يتفرع من الكرمل إلى طريقين أحدهما ساحلي يمر ببقية مدن الشام الساحلية، ويوصل إلى الأناضول. وأما الآخر فهو يسير داخل فلسطين فيمر بسهل مجدو ثم يعبر فلسطين من الشمال قاطعاً نهر الأردن ثم يتجه إلى مدن ساحل الشام ومنها إلى الأناضول.‏
وهناك طريق آخر يسير من مصر عبر سيناء إلى غزة ومنها يسير إلى أريحا ويعبر نهر الأردن ثم يتجه جنوباً إلى أرض الجزيرة العربية. وقد ساعدت هذه الشبكة من المواصلات الهامة بفلسطين إلى انتعاش الفنون التطبيقية وخاصة التطريز والنقش على المعادن والعاج والأخشاب والزجاج والفخار، وقد اشتهرت هذه بأنها صناعات عربية كنعانية. إلا أن أهمها كان فن التطريز وعاجيات مجدو.‏
وهكذا يتضح لنا عروبة فلسطين خلال عصر البرونز المتوسط.‏
أهم المراجع:‏
(1)-د. وليم ف. أولبريت، آثار فلسطين، مترجم، ص 91-92-93.‏
(2)-عبد الرحمن المزين، رسالة الماجستير، الفن التشكيلي في فلسطين عبر التاريخ، ص 151-152.‏
(3)-د. فيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، الجزء الأول، مترجم، ص 82، 95.‏
((الباب السابع))‏
فلسطين خلال عصر البرونز المتأخر‏
1600-1200 ق.م‏
يعتبر هذا العصر امتداداً لعصر البرونز المبكر والمتوسط، إذ حافظ المجتمع بفلسطين على نظام المدن المستقلة وبناء القلاع والحصون ومنازل الأشراف، ولم تتغير العبادة فأدى هذا إلى عدم التغيير في نظام عمارة المعبد، ولم تختلف نظرتهم إلى الموت والحياة عما كانت عليه في العصور السابقة ولذلك بقي فن عمارة المقابر كما هو، مع تغييرات بسيطة في عادات الدفن، نتيجة لتأثره بالفن المصري الجنائزي.‏
اهتم أهل فلسطين بالزراعة، وبقي تقديسهم لها خلال عصر البرونز المتأخر كما اتسعت تجارتهم مع جزر ايجه، واستمروا في إنتاجهم للأعمال الفنية التطبيقية، وهي الأقمشة المطرزة والأسلحة البرونزية وقد تفوقوا بالنقش على سطح العاج.‏
والناظر لسوريا ولبنان وفلسطين والأردن ابتداء من الألف الثالث قبل الميلاد يشاهد أنها تكونت في وحدة سياسية واحدة وشعب عربي واحد، خصوصاً في عصر البرونز المتوسط والمتأخر. كما كانت تنتظم في دول قائمة في حصون وقلاع عرفت باسم الممالك، وقد اهتم كل حاكم بتحصين مدينته لحماية حكمه.‏
وفي هذه الفترة كانت هناك صلات كبيرة بين فلسطين ومصر، يؤكدها ما عثر عليه من الفخار المصري في خربة كراك وهو إناء أبيدوس، ومن فخار فلسطين وهو فخار بيت شان المعروف ذي الأيدي المموجة في مصر السفلى، وفخار فلسطين الرمادي المصقول الذي عثر عليه في جرزة وفي مقبرة المعادي. ووجود هذا الفخار يرجع إلى فترة قديمة إلى عصر ما قبل الأسرات المصرية. ولم تنقطع العلاقة بين مصر وفلسطين خلال الألف الثانية قبل الميلاد، يدلنا على ذلك (نصوص اللعنات المصرية) إذ ورد بها أسماء دول وحكام ودلت الأسماء على أنها كنعانية. وكان نفوذ مصر قد امتد منذ بداية الألف الثانية قبل الميلاد حتى بلغ سوريا والساحل اللبناني باستثناء شمال سوريا، إذ كانت داخلة تحت نفوذ أرض الرافدين مثل حلب وقرقميش ثم تحت نفوذ الحوريين.‏
وانقطع نفوذهم خلال فترة (الحقاوخاسوت) وهم الذين عرفوا في التاريخ باسم الهكسوس، إذ توحدت ممالك سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وحكموا مصر قرابة مائة وخمسين سنة. ثم عاد نفوذ مصر في عصر البرونز المتأخر على بعض أجزاء من مدن الساحل الكنعاني العربي.‏
وكان ينافس مصر في هذه الفترة الحثيون وهم الذين أتوا من بلاد الأناضول واحتلوا شمال سوريا، وفي هذه الفترة كانت سوريا عامة في مستوى حضاري لا يقل عن مستوى الحضارة المصرية وخاصة حضارة مجدو بفلسطين(1). وخلال عصر البرونز المتأخر حدث اتصال بجزر بحر ايجه. حيث وفد الكثير من التجار لأخذ منتجات أهل فلسطين وخاصة الأقمشة الأرجوانية والمطرزة والصناعات المعدنية والعاجية، كما جاء هؤلاء التجار بمنتجات بلادهم وأشهرها الفخار القبرسي.‏
وخلال عصر البرونز المتأخر، أحيطت المدن بوسائل دفاعية وهي الأسوار العالية والعريضة والمدعمة بالأبراج العالية، الحربية، وكذلك الحال بالنسبة لمنازل الأشراف فإنها لم تتغير في تخطيطها المعماري، إذ بقيت تتألف من حجرات في صف واحد أو تلتف حول باحة تتوسطها وهي مؤلفة من طابقين. وقد عثر على أمثلة من منازل الأشراف تعود إلى عصر البرونز المتأخر في مجدو وبيت ايل وتعنك وأريحا، ومدن أخرى من فلسطين.‏
استمر نظام الصرف الذي ظهر في أريحا خلال عصر المتوسط فقد عثر في أحد منازل الأشراف في بيت ايل على أنابيب مبطنة بالحجر وهي تسير تحت أرضيات المنازل الجصية لتصريف مياه الأمطار ومياه المجاري خارج أسوار المدينة. أما بالنسبة للعمارة الدينية فقد بقيت المعابد مثل معابد عصر البرونز المتوسط، إذ إن العبادة الكنعانية لم تتغير ولكنهم أدخلوا عليها تعديلات. وقد عثر المنقبون في لخيش على هيكل معبد، كما عثر في مجدو على معبد. وهكذا عثر في بيت شان على أربعة معابد كنعانية وأقدمها قد خصص بـ(ميكال ملك بيت شان) ويعود ذلك إلى نهاية القرن السادس عشر وأوائل القرن الخامس عشر ق.م، كما عثر على مبنى كنعاني ضخم يبلغ طوله 25 متراً وعرضه 21 متراً، كان قائماً على جدران خارجية سمكها خمسة أمتار. وللمبنى مدخل على جانبه برجان، وفي داخله صفان من الأعمدة يتألف كل منهما من ثلاثة أعمدة. ويعتقد الباحثون بأنه معبد كنعاني ولكنني أعتقد بأنه قصر وليس بمعبد لأن هذا النظام المعماري هو نظام قصور الأشراف وقد ظهر بفلسطين ابتداء من عصر البرونز المتوسط(2).‏
وقد مهروا بصناعة الفخار وهو نوعان، فخار محلي وتاريخه يعود إلى (1550-1450 ق.م) عثر منه على كميات كبيرة وتميز بوجود أشكال هندسية تتألف من مثلثات ورسومات لطيور وأسماك. والجدير بالذكر أن الإبريق الفخاري قد استمروا بصناعته خلال عصر البرونز المتأخر. كما ظهر الفخار القبرسي، وذلك لأن العلاقات التجارية بين المدن الكنعانية وبين جزر ايجه خلال عصر البرونز المتأخر قد ازدادت، كما ظهرت جاليات كنعانية داخل جزر البحر في كريت وقبرس ومالطة، حتى إن أسماءها كنعانية الأصل (كريت- مالطة).‏
واهتموا بفن النقش والنحت فظهرت أعمال ذات طابع محلي، وبعضها متأثر بالأسلوب المصري والبابلي. وهذه الأعمال صنعوها للتجارة، لأنها كانت مطلوبة في الأسواق. وأما الأعمال ذات الطابع المحلي في النقوش والنحت فكانت تصنع ليضعوها في منازلهم ومعابدهم. ومنها الملاعق العاجية من مجدو، والعربة التي تجرها أربعة جياد ويقودها محارب، كما نحتوا أدوات تطبيقية منها الأمشاط العاجية والإبر والدبابيس والأزرار العاجية. واهتموا بالصناعات المنزلية كأدوات المطبخ وهي منحوتة من الخشب، وقد عثر على نماذج منها في أريحا وكذلك في داخل المقابر بأريحا وهي مصنوعة من الفخار.‏
والتحف المعدنية مهروا بها إلى حد كبير، إذ عثر على السكاكين ورؤوس الحراب والفؤوس الحربية والمخارز والملاقط في أريحا. كما وجد في مناطق متعددة من فلسطين أساور وخلاخل ومشابك للصدر وأقراط وخواتم من البرونز والذهب والفضة، وتاريخها يعود إلى 1500 ق.م، كما عثروا أيضاً على صنوج في تل أبو هوام بالقرب من حيفا وتاريخها يعود إلى القرن الرابع عشر ق.م. ومهروا في صنع الأسلحة الحربية من عربات ودروع وأسلحة أخرى، كما مهروا بصناعة الكؤوس والأباريق من الذهب والفضة، ويؤيد الرأي السابق قول الدكتور نجيب ميخائيل إبراهيم (كانت الحضارة السورية في مستوى الحضارة المصرية إن لم تكن تفوقها في بعض النواحي- والدليل على ذلك أنه لم يظهر من قبل زي عسكري في مصر، ولكننا نشهد في "مجدو" دروعاً تمثل صورها على جدران المقابر، ولم تكن هناك عجلات مذهبة في مصر إذ أنها ظهرت متأخرة، وقد كان ذلك مع الملوك فقط، كذلك الكؤوس والأواني، ويدل هذا على أن الحضارة السورية كانت تفوق المصرية أو تماثلها على الأقل)(3).‏
واهتموا بالصناعات الزجاجية وبالأقمشة الأرجوانية والمطرزة، وكانت هذه أكثر صادراتهم إلى جزر بحر ايجه منذ 1500 ق.م وهكذا يتضح لنا مما تقدم عروبة فلسطين خلال عصر البرونز المتأخر.‏
أهم المراجع:‏
(1)-عبد الرحمن المزين، رسالة الماجستير، الفن التشكيلي في فلسطين عبر التاريخ، ص 181-182.‏
(2)-نفس المرجع السابق، ص 186.‏
(3)-د. نجيب ميخائيل إبراهيم، مصر والشرق الأدنى القديم، رقم (3) ص 104-105. راجع: د. فيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، مترجم، ص 140.‏
يتبع الجزء الثاني ...