إعداد: د. تيسير دياب/ طبيب نفسي ومشرف إكلينيكي برنامج غزة للصحة النفسية.
الحصار والصحة النفسية:
تعريف الصحة النفسية: عرفت منظمة الصحة العالمية WHO على أنها حالة تشير إلى اكتمال الجوانب الجسمية والنفسية والاجتماعية وليس مجرد غياب المرض النفسي. فالصحة النفسية تتطلب جسد سليم يتمتع بجهاز نفسي خال من أي ضغوطات نفسية خارجية اوصراعات داخلية مع توفر نشاط اجتماعي وعلاقة جيدة مع العالم المحيط بالفرد.
وهي حالة لا يتوفر كثير من جوانبها في ظل الحصار، فالجسد لا يتوفر له الغذاء ولا الدواء والنفس يمثل لها الحصار أكبر مصدر للضغوط والصراعات النفسية ، والجانب الاجتماعي مصاب بالبطالة و الفقر وعدم المقدرة على القيام بالزيارات الاجتماعية و هناك خلل في كافة أشكال النشاط اليومي المعتاد للفرد.
كذلك فان مفهوم الصحة النفسية يرتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم حقوق الإنسان, فثمة العديد من العلاقات العملية والاخلاقية والموضوعية بين الصحة النفسية وحقوق الانسان .
فموضوع الصحة النفسية بشكل جزءاً من مفهوم العيش بحياة كريمة، أي أن الشخص يجب أن يتمتع بمقدار كبير من مقومات السعادة والاستقلال الذاتي. ومن المفاتيح المهمة في مفهوم الاستقلال الذاتي هو أن يتحكم الفرد في إختياراته وقراراته على الرغم من أنها تكون ضمن منظومة المجتمع والثقافة والتي قد تحد من مكونات هذه الاختيارات والقرارات .
ولكننا في حالة الحصار الخانق الذي نعيشه لا نجد الحد الادنى من الامورسابقة الذكر، فأن يحرم الانسان من التحكم حتى في أبسط الأمور في حياته.. متي ينام ومتى يصحو... و أن يحرم من التنقل بحرية والسفر و العوده متي يشاء وأين ما شاء ، و ان تنعدم الخيارات أمامه فلا يبقى الا الحصار ومزيدا من الحصار,
فلن تجد إلا آثارا شديدة وحالة سيئة من الصحة النفسية.
وعليه فإن الاتجاهات المعرفية والظروف العاطفية التي تؤثر وتتعارض مع الوصول إلى مدى مقبول من الاستقلال الذاتي من الممكن أن تعد من الاضطرابات النفسية أو المشاكل النفسية ، وهذا الامر ينطبق على الحالات والظروف التي تتعارض مع شعور الفرد بالسعادة والحصول على الاهتمام والدعم من الآخرين .لذلك فإن مفهموم الصحة النفسية يتعدى الاستقلال الذاتي ليصل إلى خيارات الفرد و التي تعبرعن أو تدعم علاقات اجتماعية ايجابية ، أي أن السعادة تحتاج الى علاقات حب ، صداقة ، دعم ، تسامح ، وتعاون مع الآخرين. وقد لوحظ مدى تاثر هذه الامور في ظل هذا الحصار الظالم.
ان كلا من الاستقلال الذاتي وطبيعة العلاقات الاجتماعية بين الأفراد يرتبط ارتباطا وثيقا بمفهموم تقدير الذات ونظرة الفرد لنفسه، فكلما تمتع الفرد باستقلاليته و اتسمت علاقاته الاجتماعية بالايجابية, كلما تحسنت نظرته لذاته و ازدادت ثقته بنفسه و العكس صحيح. وهذا بيت القصيد لدى الاحتلال,فهو يسعى بهذا الحصار لخلق ظروفا صعبة تتعارض مع الاستقلال الذاتي للفرد والتمتع بمدي مقبول من الرعاية والدعم من قبل الآخرين, مما يزعزع ثقة الانسان الفلسطيني بنفسه و بالتالي تكسر ارادته التي لم تفلح الاسلحة المدمرة في كسرها, فالمستهدف هنا الانسان الفلسطيني بطاقاته و امكانياته و ارادته.
لو نظرنا للحصار وعلاقته بالمرض النفسي:
المرض النفسي: وهو عبارة عن " ظهور مجموعة من الاعراض والعلامات النفسية والسلوكية والتي تؤدي إلى خلل واضح في النشاطات اليومية للفرد".
و من المتعارف عليه فانه لا يوجد مسبب وحيد للمرض النفسي, بل عدة عوامل تتعلق بالجوانب البيولوجية – النفسية- الاجتماعية وهي نفس جوانب الصحة النفسية التي تحدثنا عنها سابقا والتي تأثرت في ظل حالة الحصار الخانق على غزة، مما أدى إلى ظهور حالات جديدة من الاضطرابات النفسية وحدوث انتكاسات لحالات قديمة.
مع ضرورة ملاحظة أننا لا ندعى بأن الشعب الفلسطيني أصبح في عداد المرضى النفسيين، ولكن هناك الاختلافات الفردية على المستوى الجسمي والنفسي وهناك عوامل الحماية مثل الدين والوطنية والعادات و التقاليد وهناك الدعم الاجتماعي، كل تلك العوامل وغيرها ساهم في حماية الأفراد من تطوير اضطرابات نفسية. ولكن على صعيد الأعراض النفسية, فإننا نكاد نجزم بأن الغالبية من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة يعانون من أعراض نفسية لا سيما بعد فرض هذا الحصار الخانق.
مؤشرات الصحة النفسية في قطاع غزه:
ملاحظة: تم جمع ورصد المعلومات أدناه من المراكز المجتمعية التابعة لبرنامج غزة للصحة النفسية وقواعد البيانات الإكلينيكية لديها.
أولاً الشكاوى :
لدى البالغين وكبار السن:
1.الخوف من الاجتياح ، عدم توفر الحاجات الاساسية من الطعام ، عدم توفر الدواء.
2.الخوف من الموت وخصوصاً لدى رجال الصحافة.
3.الشعور بعدم الأمان والذي يترتب عليها مشاعر العدوانية والغضب ، ولا سيما لدى الرجال ومشاعر الاستثارة الزائدة عند النساء و فد انعكست مجموعة المشاعر تلك على الأمهات والآباء على الطفل والذي نقل تلك المشاعر لأطفال آخرين فسجلت نسب عالية من العنف والعنف الأسري.
4.و قد ارتفعت أعراض الأمراض التحولية
5. الاحباطات وانخفاض تقدير الذات.
6.زيادة في أعراض الهلع.
7.انخفاض في التركيز وبذلك تأثرت الذاكرة لدى الأفراد و من ثم انخفضت مستويات التحصيل الدراسي للطلاب.
8.الاغتراب ، حيث يراود الفرد إحساس بأنه غريب عن دينه ووطنه و عروبته و أنه محاصر من أبناء جلدته و لا تتوفر له المساندة من قبلهم ....إلخ.
9. الشعور بتغير الواقع المحيط والذات.
10. عدم الثقة بالآخرين.
11. انخفاض الانتماء والدعم للآخرين.
12. ارتفاع في مشاعر فقدان الأمل واللامبالاة
13. شكاوي جسدية متعددة.
14. زيادة الرغبة في الانتقام وعدم التسامح .
لدى الأطفال :
1.تكرار توجيه الأسئلة و الاستفسارات من قبل الأطفال لذويهم حول اليهود و فتح و حماس.
2.ارتفاع مستوى العنف, فقد لاحظ المعالجين خلال برامج الوساطة المدرسية ميول شديدة للعنف أثناء جلسات التمثيل و لعب الأدوار داخل المدرسة و كذلك الحال في خارج المدرسة حيث سجلت حالات من العنف و الاشتباكات بالأيدي و الجنازير والعصي , كذلك استخدام الألفاظ النابية.
3.ظهور مشاعر التبلد وفقدان الاحساس بالخطر حيث أصبح الأطفال يتجهون ويتجمعون حول أماكن القصف مثلا و يذهبون لجمع قواعد وبقايا الصواريخ.
4.الخوف من الذهاب للمدرسة ومن الظلام, و هنا نسوق استفسار لأحد الأطفال كان سأله لأحد الأخصائيين " هل الجنة فيها كهرباء؟ وقد تبين أن وراء هذا السؤال خوف شديد من الظلام و خصوصا عند انقطاع التيار الكهربائي بصورة فجائية.
5.الميل للحزن, فقد لوحظ أثناء العمل في برنامج الوساطة مدى معاناة وميل الأطفال للحزن, فقد طلب من 26 تلميذ أثناء احد النشاطات أن يتخيلوا أحلى موقف ممكن لهم أن يتخيلوه... وفي نهاية التمرين تبين أنه لم يستطع أي منهم على الاطلاق تخيل شئ سعيد و انحصرت خيالاتهم في وجودهم في أماكن تميل للحزن و المعاناة كالمقبرة أو تخيل الأب بالسجن والابن يبكي لفراقه.
6.مشاعر عدم الإحساس بالأمان، حيث لوحظ أثناء تمرين الرسم تكرار رسم بيت واحد وصغير الحجم مما يعكس حالة من عدم الشعور بالأمان.
7.ضعف التركيز و الانتباه مما أدى إلى انخفاض مستوى التحصيل الدراسي.
8.صعوبة النوم و الأحلام المزعجة.
9.العناد وسرعة الاستثارة.
10.الالتصاق بالأهل.
11.قضم الأظافر ومص الإصبع.
ثانياً: الاضطرابات النفسية (التشخيصات):
لدى البالغين وكبار السن:
1. اضطرابات القلق:
سجلت الإحصائيات ارتفاع في حالات:
-اضطراب الهلع
-اضطراب الوسواس القهري
-اضطراب ما بعد الصدمة
2.اضطرابات المزاج:
ارتفاع في حالات الاكتئاب النفسي بنسبة 17.7%
3.الاضطرابات جسدية الشكل:
سجلت الإحصائيات انخفاضاً بسيطا في أعداد المترددين للعلاج على مراكز البرنامج, بينما سجلت الزيارات المجتمعية ارتفاعاً في هذا التشخيص من خلال عمل فريق التدخل بالأزمات حيث يتجه معظم هؤلاء الأفراد لمراكز الرعاية الصحية والمستشفيات العامة ويتجنبوا التوجه لمراكز الصحة النفسية بسبب صبغة الشكوى الجسدية و الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي.
لدى الأطفال:
سجلت الإحصاءات زيادة بسيطة في عدد الحالات الجديدة المترددة على المراكز المجتمعية من الأطفال وقد لوحظ خلال فترة ما بعد الحصار ازدياد في التشخيصات التالية:
1.التبول اللاإرادي.
2.التأتأة في الكلام .
3.صعوبات الاتصال.
4 الفزع الليلي.
5.آثار ما بعد الصدمة النفسية.
ثالثا: خدمة الإرشاد الهاتفي:
سجل البرنامج نسبة زيادة في الاتصال عبر خط الارشاد الهاتفي المجاني وصلت إلى 150% في النصف الثاني من عام 2007 مقارنة بالنصف الأول ، و قد لوحظ وجود عدد كبير من حملة الشهادات الجامعية العليا بين المتصلين الجدد, الأمر الغير معهود مسبقا.
رابعا: العمل الصيدلي:
فقد انخفض رصيد الادوية من جميع الأصناف وسجلت صيدليات البرنامج نفاذ عدد من الاصناف كما تم اعفاء 80-90% من المترددين من الرسوم وتقديم العلاج لهم بالمجان.
خامسا: نتائج الأبحاث:
1- دراسة د. سمير قوتة حول تأثير الحصار على جودة حياة المواطنين في غزة و التى نشرت في جريدة القدس في 28 كانون ثاني 2008 وأوضحت أن الحصار الاسرائيلي يدفع بنحو 84% من الأسر الفلسطينية لتغيير أنماط حياتهم فيما تنازل 93% منهم عن المتطلبات المعيشية اليومية فيما عبر 95% من أفراد الأسر تحديداً في غزة عن استيائهم البالغ لتحويل القطاع إلي سجن كبير يقيمون فيه على مدار الليل والنهار.
2- دراسة د. عبد العزيز ثابت حول تأثير الحصار على الصحة النفسية وجودة الحياة في قطاع غزة وهي عبارة عن نتائج أولية عن 100 عائلة و هي جزء من عينة الدراسة و التي ستبلغ عند نهاية الدراسة 400 عائلة.
المعلومات الديموغرافية:
بلغت نسبة الذكور 45% و الإناث 55%. وكانت العينة موزعة على إنحاء قطاع غزة فمن شمال غزة بلغت النسبة 10%, غزة 22%, المنطقة الوسطي 31%, خان يونس 26%, و من رفح 11%.
و كان الساكنين في المدينة 73%, و في القرية 13% , المخيمات 14%.
أما بالنسبة للمتزوجين فقد كانت النسبة 94%, و الأرامل 5%, و المطلقين 1%.
الحصار و تأثيراته:
و بالنسبة لتأثيرات الحصار على العائلات فقد كانت أعلي بنود هي أنهم يجدون أن الأسعار قد ارتفعت كثيرا بالمقارنة بالسابق (99%), احتجت بعض الأشياء الضرورية ولم أجدها في السوق (94%), تنازلت عن بعض متطلباتي الشرائية اليومية (94%), أشعر بأنني أعيش في سجن كبير (93%), و قلت زياراتي الاجتماعية للآخرين (87%). أما أقل التأثيرات فهي وفاة احد أفراد الأسرة نتيجة عدم القدرة على السفر للعلاج (12.1%), وقمت بإجراءات فعلية للهجرة للخارج (12.1%)
الأعراض النفسية:
كانت أكثر الأعراض النفسية شيوعا هي العصبية (23%), الاندفاع لتخريب وتكسير الأشياء(22%)
الشعور بسرعة المضايقة والاستثارة (17.2%) , أما أقل الإعراض شيوعا فقد كانت الشعور بأن ذهنك خالي من الأفكار(1%), الإحساس بدافع ملح لأن تضرب أو تجرح أو تؤذي شخصاً معيناً (3%),
القيم الأخلاقية:
و بالنسبة لمقياس القيم الأخلاقية يتضح لنا ما يلي: عندما أساعد الآخرين فإنني لا انتظر أي شيء في مقابل مساعدتي (35.1), إذا استعرت شيئاً ما ثم فقد منك فانه ينبغي عليك أن ترد غيره لصاحبه (34.3%) يجب أن تشعر بالذنب كثيراً إذا تسببت في إيذاء أي شخص آخر (33%), و أشعر أنني ينبغي أن أبذل قصارى جهدي في عملي بصرف النظر عن أي مكافأة ألقاها (33.3%), الولاء في الشخص أكثر قيمة من الثراء
الصلادة النفسية:
أما بالنسبة للصلادة النفسية فقد كانت أعلي بنود هي أتعلم من إصابتي بالمرض و المصائب على الصبر (87.6%), اشعر بأنني قريب من الآخرين و قادرا على عمل علاقات جيدة و سليمة (69.7%).
الحصار والصحة النفسية:
تعريف الصحة النفسية: عرفت منظمة الصحة العالمية WHO على أنها حالة تشير إلى اكتمال الجوانب الجسمية والنفسية والاجتماعية وليس مجرد غياب المرض النفسي. فالصحة النفسية تتطلب جسد سليم يتمتع بجهاز نفسي خال من أي ضغوطات نفسية خارجية اوصراعات داخلية مع توفر نشاط اجتماعي وعلاقة جيدة مع العالم المحيط بالفرد.
وهي حالة لا يتوفر كثير من جوانبها في ظل الحصار، فالجسد لا يتوفر له الغذاء ولا الدواء والنفس يمثل لها الحصار أكبر مصدر للضغوط والصراعات النفسية ، والجانب الاجتماعي مصاب بالبطالة و الفقر وعدم المقدرة على القيام بالزيارات الاجتماعية و هناك خلل في كافة أشكال النشاط اليومي المعتاد للفرد.
كذلك فان مفهوم الصحة النفسية يرتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم حقوق الإنسان, فثمة العديد من العلاقات العملية والاخلاقية والموضوعية بين الصحة النفسية وحقوق الانسان .
فموضوع الصحة النفسية بشكل جزءاً من مفهوم العيش بحياة كريمة، أي أن الشخص يجب أن يتمتع بمقدار كبير من مقومات السعادة والاستقلال الذاتي. ومن المفاتيح المهمة في مفهوم الاستقلال الذاتي هو أن يتحكم الفرد في إختياراته وقراراته على الرغم من أنها تكون ضمن منظومة المجتمع والثقافة والتي قد تحد من مكونات هذه الاختيارات والقرارات .
ولكننا في حالة الحصار الخانق الذي نعيشه لا نجد الحد الادنى من الامورسابقة الذكر، فأن يحرم الانسان من التحكم حتى في أبسط الأمور في حياته.. متي ينام ومتى يصحو... و أن يحرم من التنقل بحرية والسفر و العوده متي يشاء وأين ما شاء ، و ان تنعدم الخيارات أمامه فلا يبقى الا الحصار ومزيدا من الحصار,
فلن تجد إلا آثارا شديدة وحالة سيئة من الصحة النفسية.
وعليه فإن الاتجاهات المعرفية والظروف العاطفية التي تؤثر وتتعارض مع الوصول إلى مدى مقبول من الاستقلال الذاتي من الممكن أن تعد من الاضطرابات النفسية أو المشاكل النفسية ، وهذا الامر ينطبق على الحالات والظروف التي تتعارض مع شعور الفرد بالسعادة والحصول على الاهتمام والدعم من الآخرين .لذلك فإن مفهموم الصحة النفسية يتعدى الاستقلال الذاتي ليصل إلى خيارات الفرد و التي تعبرعن أو تدعم علاقات اجتماعية ايجابية ، أي أن السعادة تحتاج الى علاقات حب ، صداقة ، دعم ، تسامح ، وتعاون مع الآخرين. وقد لوحظ مدى تاثر هذه الامور في ظل هذا الحصار الظالم.
ان كلا من الاستقلال الذاتي وطبيعة العلاقات الاجتماعية بين الأفراد يرتبط ارتباطا وثيقا بمفهموم تقدير الذات ونظرة الفرد لنفسه، فكلما تمتع الفرد باستقلاليته و اتسمت علاقاته الاجتماعية بالايجابية, كلما تحسنت نظرته لذاته و ازدادت ثقته بنفسه و العكس صحيح. وهذا بيت القصيد لدى الاحتلال,فهو يسعى بهذا الحصار لخلق ظروفا صعبة تتعارض مع الاستقلال الذاتي للفرد والتمتع بمدي مقبول من الرعاية والدعم من قبل الآخرين, مما يزعزع ثقة الانسان الفلسطيني بنفسه و بالتالي تكسر ارادته التي لم تفلح الاسلحة المدمرة في كسرها, فالمستهدف هنا الانسان الفلسطيني بطاقاته و امكانياته و ارادته.
لو نظرنا للحصار وعلاقته بالمرض النفسي:
المرض النفسي: وهو عبارة عن " ظهور مجموعة من الاعراض والعلامات النفسية والسلوكية والتي تؤدي إلى خلل واضح في النشاطات اليومية للفرد".
و من المتعارف عليه فانه لا يوجد مسبب وحيد للمرض النفسي, بل عدة عوامل تتعلق بالجوانب البيولوجية – النفسية- الاجتماعية وهي نفس جوانب الصحة النفسية التي تحدثنا عنها سابقا والتي تأثرت في ظل حالة الحصار الخانق على غزة، مما أدى إلى ظهور حالات جديدة من الاضطرابات النفسية وحدوث انتكاسات لحالات قديمة.
مع ضرورة ملاحظة أننا لا ندعى بأن الشعب الفلسطيني أصبح في عداد المرضى النفسيين، ولكن هناك الاختلافات الفردية على المستوى الجسمي والنفسي وهناك عوامل الحماية مثل الدين والوطنية والعادات و التقاليد وهناك الدعم الاجتماعي، كل تلك العوامل وغيرها ساهم في حماية الأفراد من تطوير اضطرابات نفسية. ولكن على صعيد الأعراض النفسية, فإننا نكاد نجزم بأن الغالبية من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة يعانون من أعراض نفسية لا سيما بعد فرض هذا الحصار الخانق.
مؤشرات الصحة النفسية في قطاع غزه:
ملاحظة: تم جمع ورصد المعلومات أدناه من المراكز المجتمعية التابعة لبرنامج غزة للصحة النفسية وقواعد البيانات الإكلينيكية لديها.
أولاً الشكاوى :
لدى البالغين وكبار السن:
1.الخوف من الاجتياح ، عدم توفر الحاجات الاساسية من الطعام ، عدم توفر الدواء.
2.الخوف من الموت وخصوصاً لدى رجال الصحافة.
3.الشعور بعدم الأمان والذي يترتب عليها مشاعر العدوانية والغضب ، ولا سيما لدى الرجال ومشاعر الاستثارة الزائدة عند النساء و فد انعكست مجموعة المشاعر تلك على الأمهات والآباء على الطفل والذي نقل تلك المشاعر لأطفال آخرين فسجلت نسب عالية من العنف والعنف الأسري.
4.و قد ارتفعت أعراض الأمراض التحولية
5. الاحباطات وانخفاض تقدير الذات.
6.زيادة في أعراض الهلع.
7.انخفاض في التركيز وبذلك تأثرت الذاكرة لدى الأفراد و من ثم انخفضت مستويات التحصيل الدراسي للطلاب.
8.الاغتراب ، حيث يراود الفرد إحساس بأنه غريب عن دينه ووطنه و عروبته و أنه محاصر من أبناء جلدته و لا تتوفر له المساندة من قبلهم ....إلخ.
9. الشعور بتغير الواقع المحيط والذات.
10. عدم الثقة بالآخرين.
11. انخفاض الانتماء والدعم للآخرين.
12. ارتفاع في مشاعر فقدان الأمل واللامبالاة
13. شكاوي جسدية متعددة.
14. زيادة الرغبة في الانتقام وعدم التسامح .
لدى الأطفال :
1.تكرار توجيه الأسئلة و الاستفسارات من قبل الأطفال لذويهم حول اليهود و فتح و حماس.
2.ارتفاع مستوى العنف, فقد لاحظ المعالجين خلال برامج الوساطة المدرسية ميول شديدة للعنف أثناء جلسات التمثيل و لعب الأدوار داخل المدرسة و كذلك الحال في خارج المدرسة حيث سجلت حالات من العنف و الاشتباكات بالأيدي و الجنازير والعصي , كذلك استخدام الألفاظ النابية.
3.ظهور مشاعر التبلد وفقدان الاحساس بالخطر حيث أصبح الأطفال يتجهون ويتجمعون حول أماكن القصف مثلا و يذهبون لجمع قواعد وبقايا الصواريخ.
4.الخوف من الذهاب للمدرسة ومن الظلام, و هنا نسوق استفسار لأحد الأطفال كان سأله لأحد الأخصائيين " هل الجنة فيها كهرباء؟ وقد تبين أن وراء هذا السؤال خوف شديد من الظلام و خصوصا عند انقطاع التيار الكهربائي بصورة فجائية.
5.الميل للحزن, فقد لوحظ أثناء العمل في برنامج الوساطة مدى معاناة وميل الأطفال للحزن, فقد طلب من 26 تلميذ أثناء احد النشاطات أن يتخيلوا أحلى موقف ممكن لهم أن يتخيلوه... وفي نهاية التمرين تبين أنه لم يستطع أي منهم على الاطلاق تخيل شئ سعيد و انحصرت خيالاتهم في وجودهم في أماكن تميل للحزن و المعاناة كالمقبرة أو تخيل الأب بالسجن والابن يبكي لفراقه.
6.مشاعر عدم الإحساس بالأمان، حيث لوحظ أثناء تمرين الرسم تكرار رسم بيت واحد وصغير الحجم مما يعكس حالة من عدم الشعور بالأمان.
7.ضعف التركيز و الانتباه مما أدى إلى انخفاض مستوى التحصيل الدراسي.
8.صعوبة النوم و الأحلام المزعجة.
9.العناد وسرعة الاستثارة.
10.الالتصاق بالأهل.
11.قضم الأظافر ومص الإصبع.
ثانياً: الاضطرابات النفسية (التشخيصات):
لدى البالغين وكبار السن:
1. اضطرابات القلق:
سجلت الإحصائيات ارتفاع في حالات:
-اضطراب الهلع
-اضطراب الوسواس القهري
-اضطراب ما بعد الصدمة
2.اضطرابات المزاج:
ارتفاع في حالات الاكتئاب النفسي بنسبة 17.7%
3.الاضطرابات جسدية الشكل:
سجلت الإحصائيات انخفاضاً بسيطا في أعداد المترددين للعلاج على مراكز البرنامج, بينما سجلت الزيارات المجتمعية ارتفاعاً في هذا التشخيص من خلال عمل فريق التدخل بالأزمات حيث يتجه معظم هؤلاء الأفراد لمراكز الرعاية الصحية والمستشفيات العامة ويتجنبوا التوجه لمراكز الصحة النفسية بسبب صبغة الشكوى الجسدية و الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي.
لدى الأطفال:
سجلت الإحصاءات زيادة بسيطة في عدد الحالات الجديدة المترددة على المراكز المجتمعية من الأطفال وقد لوحظ خلال فترة ما بعد الحصار ازدياد في التشخيصات التالية:
1.التبول اللاإرادي.
2.التأتأة في الكلام .
3.صعوبات الاتصال.
4 الفزع الليلي.
5.آثار ما بعد الصدمة النفسية.
ثالثا: خدمة الإرشاد الهاتفي:
سجل البرنامج نسبة زيادة في الاتصال عبر خط الارشاد الهاتفي المجاني وصلت إلى 150% في النصف الثاني من عام 2007 مقارنة بالنصف الأول ، و قد لوحظ وجود عدد كبير من حملة الشهادات الجامعية العليا بين المتصلين الجدد, الأمر الغير معهود مسبقا.
رابعا: العمل الصيدلي:
فقد انخفض رصيد الادوية من جميع الأصناف وسجلت صيدليات البرنامج نفاذ عدد من الاصناف كما تم اعفاء 80-90% من المترددين من الرسوم وتقديم العلاج لهم بالمجان.
خامسا: نتائج الأبحاث:
1- دراسة د. سمير قوتة حول تأثير الحصار على جودة حياة المواطنين في غزة و التى نشرت في جريدة القدس في 28 كانون ثاني 2008 وأوضحت أن الحصار الاسرائيلي يدفع بنحو 84% من الأسر الفلسطينية لتغيير أنماط حياتهم فيما تنازل 93% منهم عن المتطلبات المعيشية اليومية فيما عبر 95% من أفراد الأسر تحديداً في غزة عن استيائهم البالغ لتحويل القطاع إلي سجن كبير يقيمون فيه على مدار الليل والنهار.
2- دراسة د. عبد العزيز ثابت حول تأثير الحصار على الصحة النفسية وجودة الحياة في قطاع غزة وهي عبارة عن نتائج أولية عن 100 عائلة و هي جزء من عينة الدراسة و التي ستبلغ عند نهاية الدراسة 400 عائلة.
المعلومات الديموغرافية:
بلغت نسبة الذكور 45% و الإناث 55%. وكانت العينة موزعة على إنحاء قطاع غزة فمن شمال غزة بلغت النسبة 10%, غزة 22%, المنطقة الوسطي 31%, خان يونس 26%, و من رفح 11%.
و كان الساكنين في المدينة 73%, و في القرية 13% , المخيمات 14%.
أما بالنسبة للمتزوجين فقد كانت النسبة 94%, و الأرامل 5%, و المطلقين 1%.
الحصار و تأثيراته:
و بالنسبة لتأثيرات الحصار على العائلات فقد كانت أعلي بنود هي أنهم يجدون أن الأسعار قد ارتفعت كثيرا بالمقارنة بالسابق (99%), احتجت بعض الأشياء الضرورية ولم أجدها في السوق (94%), تنازلت عن بعض متطلباتي الشرائية اليومية (94%), أشعر بأنني أعيش في سجن كبير (93%), و قلت زياراتي الاجتماعية للآخرين (87%). أما أقل التأثيرات فهي وفاة احد أفراد الأسرة نتيجة عدم القدرة على السفر للعلاج (12.1%), وقمت بإجراءات فعلية للهجرة للخارج (12.1%)
الأعراض النفسية:
كانت أكثر الأعراض النفسية شيوعا هي العصبية (23%), الاندفاع لتخريب وتكسير الأشياء(22%)
الشعور بسرعة المضايقة والاستثارة (17.2%) , أما أقل الإعراض شيوعا فقد كانت الشعور بأن ذهنك خالي من الأفكار(1%), الإحساس بدافع ملح لأن تضرب أو تجرح أو تؤذي شخصاً معيناً (3%),
القيم الأخلاقية:
و بالنسبة لمقياس القيم الأخلاقية يتضح لنا ما يلي: عندما أساعد الآخرين فإنني لا انتظر أي شيء في مقابل مساعدتي (35.1), إذا استعرت شيئاً ما ثم فقد منك فانه ينبغي عليك أن ترد غيره لصاحبه (34.3%) يجب أن تشعر بالذنب كثيراً إذا تسببت في إيذاء أي شخص آخر (33%), و أشعر أنني ينبغي أن أبذل قصارى جهدي في عملي بصرف النظر عن أي مكافأة ألقاها (33.3%), الولاء في الشخص أكثر قيمة من الثراء
الصلادة النفسية:
أما بالنسبة للصلادة النفسية فقد كانت أعلي بنود هي أتعلم من إصابتي بالمرض و المصائب على الصبر (87.6%), اشعر بأنني قريب من الآخرين و قادرا على عمل علاقات جيدة و سليمة (69.7%).