صدف لي أن زرت قبل اسبوعين مستوطنة كبيرة، حيث وثقت بالكاميرة جناية املاك قام بها أحد سكان المكان، في أرض آخر، فلسطيني. بيني وبين ذاك المقيم نشبت خلافات. فقد حاول منعي من التصوير بدعوى أن هذا ملكه الخاص، أما أنا فادعيت بان لا مانعاً قانونياً من أن اواصل عملي.
لو كان مثل هذا النزاع يحصل في نطاق الخط الاخضر، لكان أحد منا بالتأكيد استدعى الشرطة، التي ستسوي الخلاف. ولكن هذا النزاع نشب في مستوطنة: المقيم هاتف بجهازه النقال الهاتف النقال لما يسمى «ربشتس» (مسؤول الامن الجاري في الجيش الإسرائيلي) وبعد نحو دقيقتين وصلت إلى المكان سيارة جيب نزل منها حارس شخصي خاص مسلح. طلب مني الحارس بطاقة الهوية. طلبت منه هويته وقلت له من ناحيتي هو مجرد مدعٍ. وفي النهاية رضي وسحب بطاقة: إذن عمل من شركة حراسة خاصة. وكثأر على رفضي تسليم الهوية، أغلق الحارس في وجهي بوابة دخول المستوطنة، ولم يسمح لي بالخروج، إلى ان وصل افراد الشرطة وحرروني.
بتشجيع من الجيش، نشأت في المناطق في العشرين سنة الاخيرة قوة مدنية مسلحة بنحو 1.600 بندقية. في الولايات المتحدة يسمون هذه ميليشيا. في السلطة الفلسطينية يسمونها الذراع العسكري. عندنا يسمون «ربشتس» وثلات تأهب. الجيش هو المشجع الاساس لهذا المشروع: فهو يسلح ويدرب ثلات التأهب ويشرف على نشاطها. في كل لواء يوجد ضابط الدفاع اللوائي الذي مهمته الاشراف والتنسيق على عمل الـ «ربشتس» (اي مسؤولي الامن الجاري). رواتب هؤلاء يحصلون عليها من السلطات المحلية. أما ساعات التدريب ـ فعلى حساب قيادة الجبهة الداخلية.
الظاهرة مقلقة من ناحيتين. الناحية الاولى هي ان هذه شرطة خاصة بكل معنى الكلمة. ومع أن مسؤولي الامن الجاري يتبعون الجيش من ناحية القيادة، ولكن لما كانوا يتلقون الرواتب من المستوطنة وبشكل عام هم أيضاً سكان قدامى فيها، فانهم عمليا يتلقون تعليماتهم من مسؤولي المستوطنة. وبسبب اقدميتهم ومعرفتهم للمنطقة، فانهم يصبحون المسؤولين عن الجنود الذين يتغيرون في الجبهة.
يحرس مسؤولو الامن الجاري نشاطات مثل السيطرة على الاراضي ومصادر المياه. واحياناً يمنعون، بشكل غير قانوني، الدخول إلى المستوطنة. في فترة تجميد البناء، شارك بعض مسؤولي الامن الجاري في اغلاق الطرق في وجه مراقبي الادارة المدنية، سواء بسيارة تمولها الدولة أم بتنظيم الاحتجاجات. ويعمل مسؤولو الامن الجاري أبداً بشكل احادي الجانب: ضد الفلسطينيين. اما الجريمة في الداخل ـ الجناية والقومية ـ فلا يتصدون لها.
الناحية المقلقة الثانية هي خصخصة الجيش. فالدولة يفترض أن تبقي لنفسها احتكار استخدام القوة، العسكرية أو الشرطية. فاذا كانت الدولة تعتقد بانه يوجد مبرر لإسكان مدنيين في مناطق معادية، فلتتفضل لتبعث بجيشها للدفاع عنهم. اما مسؤولي الامن وثلات التأهب فيأخذون على عاتقهم صلاحيات عسكرية صرفة ويحلون محل الجنود المقاتلين.
متابعة حالتين بارزتين في تاريخ الارهاب في المستوطنات تدل على أن الخصخصة لا تنجح بالضرورة. فالتحقيق في العملية الباعثة على الصدمة في ايتمار في اذار 2011، يفيد بان هذه الطريقة تمس بأمن المستوطنين. في مركز الامن في المستوطنة لاحظوا بانه كان لمس للجدار. ومشطت دورية من فرد واحد من شركة الحراسة (مرؤوس لمسؤول الامن) كان وصل إلى المكان، مشط المنطقة ولم يعثر على شيء. وقوات الجيش لم تهرع إلى المكان. وفي التحقيق تقرر بانه لا توجد أنظمة عمل لمثل هذه الدوريات، والجيش لم يطلب التزاماً بمقاييس مهنية من مسؤول الامن الجاري وهذا لم يطلب ذلك من الحراس. النتيجة: المخربون دخلوا عبر الجدار الالكتروني، قتلوا الابوية واطفالهما، سرقوا بندقيتين، خرجوا عبر الجدار، احرقوا ملابسهم، أخفوا السلاح وأحد لم يلاحظ شيئاً.
في حالة اخرى، في المعركة في محور المصلين في الخليل في تشرين الثاني 2002، قتل ضابط امن كريات أربع، اسحق بوانش إلى جانب رفيقه في ثلة التأهب، الكس دوخان والكس صبتمان. ويستخدم المستوطنون هذا الحدث القاسي كمثال على وحدة المصير والقتال كتف إلى كتف مع الجيش، ولكن تحليل الحدث يبين صورة مختلفة. فقد كمنت خلية من الجهاد الاسلامي في زقاق في ساعة ليلية. قوة من حرس الحدود علقت في الكمين وقتل مقاتلوها. قائد لواء الخليل، المهاجم، درور فينبرغ، اصيب بالنار وقتل. سلسلة القيادة العسكرية الإسرائيلية انهارت. من قاد الحدث لدقائق طويلة كان مسؤول الامن بوانش، وثلة التأهب التي نظمها هجمت ببطولة، حتى موت أفرادها.
فهل هذا واقع طبيعي، أن يقتل المدنيون في معركة فشل فيها جنود جيش الدفاع الإسرائيلي؟