بناء شجرة العائلة.. تجربتي بين البعدين العائلي والوطني.
مع استمرار سنوات النكبة أبدع أبناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته الأهلية بالأفكار والفعاليات التي توثق صلة اللاجئين بفلسطين وتؤكد حقهم بالعودة إليها.. ومن بين الأفكار التي طرحها بعض الناشطين تشجيع ظاهرة بناء شجرة العائلة لما لها من تأثير في التواصل والتراحم بين أبناء العائلة الفلسطينية الواحدة، وخاصة إذا ما تيسّر لأبناء العائلة المساهمة في بنائها وتحديثها والاطلاع عليها بالوسائل التقنية الحديثة، ومن هنا كانت البداية.
بدأتُ بالعمل على بناء شجرة العائلة، على أن تكون نقطة الانطلاق لمشروع مستقبلي يوثق شجرة العائلة الفلسطينية ويعمل على تسهيل التواصل بين أفراد العائلة الواحدة.. وجدت أن عدداً من أبناء العائلة قد سبقوني إلى مثل هذا العمل، وإن كانت جهودهم متنوعة وطريقة عملهم مختلفة: فمنهم من رسم شجرة للعائلة، ومنهم من جمع أسماء الأفراد في ملفات مستقلة، ومنهم – خاصة المغتربين في بلاد نائية – من عمل على جمع ألبومات صور لأفراد العائلة وكبار السن لتعريف الجيل الجديد بأجدادهم وأقربائهم.. ووجدت أن العمل الجدّي والرسمي ينطلق أساساً من شجرة للعائلة كان قد رسمها الشهيد ساري إبراهيم قدورة عام 1970، وقد أضاف إليها أبناء العائلة كثيراً من الأسماء التي ولدت بعد ذلك التاريخ. وقد حاولت جاهداً أن أجمع كل جهد بُذل في هذا المجال لتجنّب التكرار وحصر الأخطاء وبدأت الزيادة عليها والتحديث.. وخلال فترة العمل التي امتدت بضعة أشهر حتى الآن تمكنت من أن أسجل بعض النقاط المهمة التي يجب أخذها بعين الاعتبار في أي عمل مماثل:
الأولى: العمل لا يكتمل من دون تعاون أفراد العائلة، ولذلك لا بد من تقدير كل جهد والحرص على الاستفادة من أي عمل سابق، مع ضرورة ذكر أسماء القائمين عليها خاصة من قدموا أعمالاً مكتملة، وهي ضرورة علمية بالدرجة الأولى لتحديد مصدر المعلومة التاريخية. وتجدر الإشارة إلى أنني لم أجد من يقلّل من شأن هذا العمل أو لا يقدره، بل على العكس فقد لاقى القبول والتشجيع من الشباب وكبار السن على السواء.
الثانية: مسألة الذكور والإناث في شجرة العائلة مسألة جدلية، ومن يتتبع الأعمال المنجزة في هذا المجال يجد أن العائلات منقسمة، فمنهم من أضاف أسماء الجنسين معاً، ومنهم من اقتصر على الذكور دون الإناث. اعتماد الذكور فقط جاء إما لاعتبار أنهم فقط من يحملون اسم العائلة عبر الأجيال، وإما لعادات اجتماعية تقضي بالتحفظ عن ذكر أسماء النساء. وبما أنه ليس هناك أي مانع شرعي في الأمر، إذ إن أسماء زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) وبناته قد ذُكرت كاملة في شجرة عائلته وكذلك بقية الصحابة، فقد استحسنّا اعتماد أسماء الذكور والإناث معاً لأن الغاية من العمل تسهيل التعارف والتواصل بين جميع أفراد العائلة دون استثناء.
الثالثة: قدم لي أحد أفراد العائلة، شجرة عائلة لأحد الصحابة الكبار فيها إشارة واضحة إلى ذكر اسم عائلتنا في شجرته.. وعلى رغم أهمية الوثيقة وقيمتها، إلا أن مصدر الوثيقة (وهي قديمة جداً) غير واضح وكذلك تاريخها، فأبقيناها للاستئناس حتى يُتاح التثبت من دقة المعلومة.. وقد ذكرنا الأمر هنا للإشارة إلى خطأ شائع يحذّر منه علماء الأنساب وهو نزعة الإنسان الفطرية لربط نسبه بالعظماء ورجال التاريخ، لا سيما بالنبي وصحابته بالنسبة لنا نحن المسلمين، وعليه فإن تتبع النسب القديم يحتاج إلى التدقيق بأسلوب علمي موثق قبل الجزم فيه.
الرابعة: يحتاج العمل إلى نَفَس طويل رغم سهولة التواصل بالتقنيات الحديثة في هذا الزمن. فقد تحتاج معلومة إلى دقيقة واحدة أو دقيقتين أحياناً، ولكنها تمتد أحياناً لساعة أو ساعتين عند مجالسة كبار السن لأنهم قد يروون حكاية وتاريخاً لكل اسم.. الأمر شاق ولكنه ممتع، وهو باب واسع من أبواب التاريخ الشفوي الذي يحرص الفلسطينيون على توثيقه، وهذا ما نطمح إليه.
يبقى العمل السابق بداية لمشروع طويل، فالعائلات تكبر وتتكاثر، وعلى العمل أن يتواصل ويستمر ولن يكتمل، ولكنه دون شك سيحقق مبتغاه عندما توضع هذه المادة بين أيدي أفراد العائلات بأيسر الطرق وأكثرها فاعلية لتحقيق التواصل في ما بينهم، وربط عائلتهم بالوطن الأم فلسطين.
ياسر قدورة/ أبو ظبي
المصدر: Howiyya
مع استمرار سنوات النكبة أبدع أبناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته الأهلية بالأفكار والفعاليات التي توثق صلة اللاجئين بفلسطين وتؤكد حقهم بالعودة إليها.. ومن بين الأفكار التي طرحها بعض الناشطين تشجيع ظاهرة بناء شجرة العائلة لما لها من تأثير في التواصل والتراحم بين أبناء العائلة الفلسطينية الواحدة، وخاصة إذا ما تيسّر لأبناء العائلة المساهمة في بنائها وتحديثها والاطلاع عليها بالوسائل التقنية الحديثة، ومن هنا كانت البداية.
بدأتُ بالعمل على بناء شجرة العائلة، على أن تكون نقطة الانطلاق لمشروع مستقبلي يوثق شجرة العائلة الفلسطينية ويعمل على تسهيل التواصل بين أفراد العائلة الواحدة.. وجدت أن عدداً من أبناء العائلة قد سبقوني إلى مثل هذا العمل، وإن كانت جهودهم متنوعة وطريقة عملهم مختلفة: فمنهم من رسم شجرة للعائلة، ومنهم من جمع أسماء الأفراد في ملفات مستقلة، ومنهم – خاصة المغتربين في بلاد نائية – من عمل على جمع ألبومات صور لأفراد العائلة وكبار السن لتعريف الجيل الجديد بأجدادهم وأقربائهم.. ووجدت أن العمل الجدّي والرسمي ينطلق أساساً من شجرة للعائلة كان قد رسمها الشهيد ساري إبراهيم قدورة عام 1970، وقد أضاف إليها أبناء العائلة كثيراً من الأسماء التي ولدت بعد ذلك التاريخ. وقد حاولت جاهداً أن أجمع كل جهد بُذل في هذا المجال لتجنّب التكرار وحصر الأخطاء وبدأت الزيادة عليها والتحديث.. وخلال فترة العمل التي امتدت بضعة أشهر حتى الآن تمكنت من أن أسجل بعض النقاط المهمة التي يجب أخذها بعين الاعتبار في أي عمل مماثل:
الأولى: العمل لا يكتمل من دون تعاون أفراد العائلة، ولذلك لا بد من تقدير كل جهد والحرص على الاستفادة من أي عمل سابق، مع ضرورة ذكر أسماء القائمين عليها خاصة من قدموا أعمالاً مكتملة، وهي ضرورة علمية بالدرجة الأولى لتحديد مصدر المعلومة التاريخية. وتجدر الإشارة إلى أنني لم أجد من يقلّل من شأن هذا العمل أو لا يقدره، بل على العكس فقد لاقى القبول والتشجيع من الشباب وكبار السن على السواء.
الثانية: مسألة الذكور والإناث في شجرة العائلة مسألة جدلية، ومن يتتبع الأعمال المنجزة في هذا المجال يجد أن العائلات منقسمة، فمنهم من أضاف أسماء الجنسين معاً، ومنهم من اقتصر على الذكور دون الإناث. اعتماد الذكور فقط جاء إما لاعتبار أنهم فقط من يحملون اسم العائلة عبر الأجيال، وإما لعادات اجتماعية تقضي بالتحفظ عن ذكر أسماء النساء. وبما أنه ليس هناك أي مانع شرعي في الأمر، إذ إن أسماء زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) وبناته قد ذُكرت كاملة في شجرة عائلته وكذلك بقية الصحابة، فقد استحسنّا اعتماد أسماء الذكور والإناث معاً لأن الغاية من العمل تسهيل التعارف والتواصل بين جميع أفراد العائلة دون استثناء.
الثالثة: قدم لي أحد أفراد العائلة، شجرة عائلة لأحد الصحابة الكبار فيها إشارة واضحة إلى ذكر اسم عائلتنا في شجرته.. وعلى رغم أهمية الوثيقة وقيمتها، إلا أن مصدر الوثيقة (وهي قديمة جداً) غير واضح وكذلك تاريخها، فأبقيناها للاستئناس حتى يُتاح التثبت من دقة المعلومة.. وقد ذكرنا الأمر هنا للإشارة إلى خطأ شائع يحذّر منه علماء الأنساب وهو نزعة الإنسان الفطرية لربط نسبه بالعظماء ورجال التاريخ، لا سيما بالنبي وصحابته بالنسبة لنا نحن المسلمين، وعليه فإن تتبع النسب القديم يحتاج إلى التدقيق بأسلوب علمي موثق قبل الجزم فيه.
الرابعة: يحتاج العمل إلى نَفَس طويل رغم سهولة التواصل بالتقنيات الحديثة في هذا الزمن. فقد تحتاج معلومة إلى دقيقة واحدة أو دقيقتين أحياناً، ولكنها تمتد أحياناً لساعة أو ساعتين عند مجالسة كبار السن لأنهم قد يروون حكاية وتاريخاً لكل اسم.. الأمر شاق ولكنه ممتع، وهو باب واسع من أبواب التاريخ الشفوي الذي يحرص الفلسطينيون على توثيقه، وهذا ما نطمح إليه.
يبقى العمل السابق بداية لمشروع طويل، فالعائلات تكبر وتتكاثر، وعلى العمل أن يتواصل ويستمر ولن يكتمل، ولكنه دون شك سيحقق مبتغاه عندما توضع هذه المادة بين أيدي أفراد العائلات بأيسر الطرق وأكثرها فاعلية لتحقيق التواصل في ما بينهم، وربط عائلتهم بالوطن الأم فلسطين.
ياسر قدورة/ أبو ظبي
المصدر: Howiyya