شخصيات لها بصمات في التاريخ, فارس الخوري
فارس الخوري (20 نوفمبر 1873 - 2 ديسمبر 1962)
سياسي ومفكر ووطني سوري ولد سنة 1873م في قرية الكفير التابعة حاليا لقضاء
حاصبيا في لبنان. [1][2][3]
واحد من أشهر رجالات سورية
أدى دوراً متميزاً في استقلالها وجلاء الجيوش الأجنبية عنها وانتخابها في
عضوية مجلس الأمن، وترؤسه لمجلس الأمن مرتين، تاركاً بصمة لا تمحى في
تاريخها.
إنه شيخ السياسة العربية كما أسموه في مجلس الأمن، وعلمٌ من أعلام الأمة العربية ورائد من رواد قوميتها.
إنه شيخ السياسة العربية كما أسموه في مجلس الأمن، وعلمٌ من أعلام الأمة العربية ورائد من رواد قوميتها.
والده يعقوب بن جبور الخوري مسيحي بروتستانتي، كان نجاراً وله بعض الأملاك
الزراعية في قريته. والدته حميدة بنت عقيل الفاخوري ابنة رجل قضى في مذبحة عام
1860 بين الدروز والمسيحيين. كانت مهتمة بابنها البكر فارس كل الاهتمام وتخطت كل المصاعب
من أجل تعليمه.
تلقى فارس الخوري علومه الابتدائية في مدرسة القرية، ثم بالمدرسة الأمريكية
في صيدا، ولما كان متفوقاً على أقرانه فقد عينه المرسلون الأمريكان معلماً في مدرستهم
الابتدائية في زحلة.
دخل فارس الكلية الإنجيلية السورية، والتي سميت بعد ذلك الجامعة الأمريكية
في بيروت. ولكن المرسلين الأمريكيين لم يمكنوه من الاستمرار، فقد عينوه من جديد في
مدرستهم بقرية مجدل شمس عام 1892، ثم نقلوه إلى صيدا، وفي عام 1894 عاد للدراسة في
الجامعة الأمريكية وحصل على شهادة بكالوريوس في العلوم عام 1897، وكانت هذه الشهادة
في ذلك الحين شهادة ثقافية عامة ليس فيها اختصاص في أحد فروع العلوم والآداب، دعاه
رئيس الجامعة للتدريس في القسم الاستعدادي كمعلم للرياضيات واللغة العربية.
دعي فارس الخوري لإدارة المدارس الأرثوذكسية في دمشق، ولإعطاء بعض الدروس
في مدرسة تجهيز عنبر (مكتب عنبر). ثم عُين ترجماناً للقنصلية البريطانية (1902ـ
1908) حيث أكسبته وظيفته الجديدة نوعاً من الحماية ضد استبداد الحكم العثماني.
لم يترك فارس الخوري الدرس والتحصيل، بل ظل منكباً على الدراسة والمطالعة
فدرس اللغتين الفرنسية والتركية لوحده دون معلم وبرع فيهما، كما أنه أخذ يطالع الحقوق
لنفسه، وامتهن المحاماة بدمشق، وتقدم بفحص معادلة الليسانس بالحقوق فنالها. في عام
1908م انتسب لجمعية الاتحاد والترقي فكان هذا أول عهده بالسياسة.
نظم فارس الخوري الشعر وأولع به، فكان شعره وطنياً تناول فيه القضايا
العربية، وكذلك كان أديباً حيث ملأت منظوماته الشعرية وكتاباته الصحف السورية والمصرية.
إلا أن انشغاله في علوم السياسة والاقتصاد والعمل الوطني والقومي والعلمي جعله ينصرف
عن الشعر ولا يقوله إلا في المناسبات.
تزوج في 22 آب من عام 1909 من الآنسة أسماء جبرائيل عيد من أهالي عكا، وهي
ابنة ليا زيدان أخت المحامي أمين زيدان، وكانت قد جاءت من بلدها عكا لتزور
خالها زيارة قصيرة، وشاء لقاؤها مع فارس أن تدوم زيارتها أكثر من نصف قرن،
وتوفيت في دمشق عام 1969 أي بعد فارس بسبع سنوات.
انتخب فارس الخوري سنة 1914 نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان العثماني.
وفي سنة 1916 سجنه جمال باشا بتهمة التآمر على الدولة العثمانية، لكنه بُرئ ونفي إلى
استانبول، حيث مارس التجارة هناك.
عاد فارس الخوري إلى دمشق بعد انفصال سوريا عن الحكم العثماني. وفي عام
1919 عُين عضواً في مجلس الشورى الذي اقترح على الشريف فيصل تأسيسه، كما سعى فارس مع
عدد من رفاقه إلى تأسيس معهد الحقوق العربي، وكان هو أحد أساتذته، كما اشترك في تأسيس
المجمع العلمي العربي بدمشق.
تولى فارس الخوري وزارة المالية في الوزارات الثلاث التي تألفت خلال العهد
الفيصلي في سوريا. وعلى إثر احتلال الفرنسيين لسوريا عام 1920 انصرف الخوري إلى العمل
الحر كمحام. ثم انتخب نقيباً للمحامين واستمر خمس سنوات متتاليات، كما عُين حقوقياً
لبلدية دمشق، وعين أستاذاً في معهد الحقوق العربي لتدريس مادتي أصول المالية وأصول
المحاكمات الحقوقية. لفارس الخوري ثلاث مؤلفات في القانون هي: (أصول المحاكمات الحقوقية)
و(موجز في علم المالية) و(صك الجزاء).
أسس فارس الخوري وعبد الرحمن الشهبندر وعدد من الوطنيين في سوريا حزب
الشعب رداً على استبداد السلطة الفرنسية... ولما قامت الثورة السورية الكبرى عام
1925 اعتقل فارس الخوري وآخرون ونفوا إلى معتقل أرواد.
في عام 1926 نفي الفرنسين فارس الخوري إلى خارج سورية بسبب استقالته من
منصب وزير المعارف في حكومة الداماد أحمد نامي بك احتجاجاً على سوء نوايا الفرنسيين.
شارك فارس الخوري وعدد من الوطنيين في تأسيس الكتلة الوطنية، وكان نائباً
لرئيسها يضع القرارات ويكتب منشوراتها، وهذه الكتلة قادت حركة المعارضة والمقاومة ضد
الفرنسيين، وكانت من أكثر الهيئات السياسة توفيقاً وفوزاً مدة تقارب العشرين عاماً.
على أثر الإضراب الستيني الذي عم سوريا عام 1936 للمطالبة بإلغاء الانتداب
الفرنسي تم الاتفاق على عقد معاهدة بين سوريا وفرنسا، ويقوم وفد بالمفاوضة لأجلها في
باريس، فكان فارس الخوري أحد أعضاء هذا الوفد ونائباً لرئيسه.
انتخب فارس الخوري رئيساً للمجلس النيابي السوري عام 1936 ومرة أخرى عام
1943، كما تولى رئاسة مجلس الوزراء السوري ووزيراً للمعارف والداخلية في تشرين أول
عام 1944... وكان لتولي فارس الخوري رئاسة السلطة التنفيذية في البلد السوري المسلم
وهو رجل مسيحي صدى عظيم فقد جاء في الصحف: (... وأن مجيئه إلى رئاسة الوزراء وهو مسيحي
بروتستانتي يشكل سابقة في تاريخ سورية الحديث بإسناد السلطة التنفيذية إلى رجل غير
مسلم، مما يدل على ما بلغته سورية من النضوج القومي، كما أنه يدل على ما اتصف به رئيس
الدولة من حكمة وجدارة). وقد أعاد تشكيل وزارته ثلاث مرات في ظل تولي شكري القوتلي
رئاسة الجمهورية السورية.
كان فارس الخوري رئيس وزراء سورية 1944، وفي ذات التاريخ وزيرا للأوقاف
الإسلامية، وعندما اعترض البعض خرج نائب الكتلة الإسلامية في المجلس آنذاك عبد الحميد
طباع ليتصدى للمعترضين قائلا: إننا نؤّمن فارس بك الخوري على أوقافنا أكثر مما نؤمن
أنفسنا.
كان فارس الخوري متجرداً في أحكامه، عميقاً في تفكيره، صائباً في نظرته،
وقد جره هذا الإنصاف لأن يقول عن (الإسلام) الذي درسه وتعمق فيه أنه محققاً للعدالة
الاجتماعية بين بني البشر. فمن أقواله في الإسلام: (.. يمكن تطبيق الإسلام كنظام دون
الحاجة للإعلان عنه أنه إسلام). ـ (… لا يمكننا محاربة النظريات الهدامة التي تهدد
كلاّ من المسيحية والإسلام إلا بالإسلام). ـ (… لو خيرت بين الإسلام وبين الشيوعية
لاخترت الإسلام). ـ (… هذا هو إيماني. أنا مؤمن بالإسلام وبصلاحه لتنظيم أحوال المجتمع
العربي وقوته في الوقوف بوجه كل المبادئ والنظريات الأجنبية مهما بلغ من اعتداد القائمين
عليها. لقد قلت ولازلت أقول، لا يمكن مكافحة الشيوعية والاشتراكية مكافحة جدية إلا
بالإسلام، والإسلام وحده هو القادر على هدمها ودحرها). ويؤثر عنه كثير ممن عاشره حبه
للإسلام وتعلقه به عقيدة وشريعة، وكثيراً ما أسر باعتقاده هذا إلى زائريه ومخلصيه.
في عام 1945 ترأس فارس
الخوري الوفد السوري الذي كُلّف ببحث قضية جلاء الفرنسيين عن سوريا أمام منظمة
الأمم المتحدة، التي تم تأسيسها في نفس العام، حيث اشترك الخوري بتوقيع ميثاق
الأمم المتحدة نيابة عن سورية كعضو مؤسس.
كما ألقى الخوري خطبة في المؤتمر المنعقد في دورته الأولى نالت تقدير
العالم وإعجابه. حيث أبدى فيها استعداد بلده سورية وشقيقاتها العربيات لتلبية نداء
البشرية من أجل تفاهم متبادل أتم، وتعاون أوثق، كما تحدث فيها عن خطورة المهمة الملقاة
على عاتق المؤتمر، وأظهر تفاؤله في إمكانية تحقيق الفكرة السامية التي تهدف إليها المنظمة
العالمية. وبناء على جهوده فقد منحته جامعة كاليفورنيا (الدكتوراه الفخرية) في الخدمة
الخارجية اعترافاً بمآثره العظيمة في حقل العلاقات الدولية.
انتخب فارس الخوري عضواً في مجلس الأمن الدولي
(1947ـ 1948)، كما أصبح رئيساً له في آب 1947،
إضافة لاهتمامة بوطنة سوريا اهتم بالقضية
الفلسطينية اهتماماً خاصاً، وأكد رفض الدول العربية إقامة دولة لليهود فيها. كما شرح
القضية المصرية وطالب بجلاء الإنجليز عن أراضيها، وأكد على السلام العالمي وطالب بإنهاء
تنافس الدول الكبرى، وحذر من وقوع حرب ذرية مدمرة. ولطالما ضجت هيئة الأمم بخطبه ومناقشاته
باللغة الإنجليزية من أجل نصرة الحق في القضية العربية.
عاد فارس الخوري إلى بلاده بعد انتهاء عضوية سورية في مجلس الأمن الدولي،
وكان قد انتخب رئيساً للمجلس النيابي لعام 1947 عندما كان يمثل سورية في مجلس الأمن.
ولكن عندما حل هذا المجلس على أثر الانقلاب الذي قام به حسني الزعيم ثابر فارس الخوري
على عمله في الحقل الدولي، وترأس الوفود السورية إلى هيئة الأمم متابعاً نضاله ودفاعه
عن القضايا العربية.
في عام 1954 طلب رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي من فارس الخوري تشكيل حكومة
سورية، لكنها لم تستمر سوى أشهر معدودة، وكان من أهم الأمور السياسية أثناء توليه وزارته
الرابعة، الصدى البعيد في المجلس النيابي، وفي دوائر الحكومة وجماهير الشعب الذي أحدثه
صدور الأحكام القاسية ضد الإخوان المسلمين في مصر. مما جعل سائر الحكومات العربية
(بما فيها الحكومة السورية) تتوسط لدى القاهرة لتخفيف هذه الأحكام، وعرض الخوري وساطته
الشخصية بالإضافة لوساطة حكومته والشعب السوري برئيس جمهوريته ومجلسه النيابي وفئاته
وأحزابه، وواضعاً كرامته الشخصية كرجل يحفظ له المصريون أخلد الذكريات، لقاء تخفيف
هذه الأحكام فلم يجد ذلك نفعاً، ونفذت أحكام الإعدام في ست من أقطاب الدعوة الإسلامية
في وادي النيل. فكان لذلك أثر كبير في نفسه لم يزايله بقية عمره.
اعتكف فارس الخوري في منزله بدمشق.. يذهب مرة كل عام إلى جنيف ليشترك
في جلسات لجنة القانون الدولي التي هو عضو فيها. وأقيمت الوحدة بين سورية ومصر ولم
يكن للأستاذ فارس الخوري أي رأي بقيامها أو بانهيارها.
في 22 شباط 1960، أصيب فارس الخوري بكسر في عنق فخذه الأيسر بغرفة نومه،
وكان يعاني من آلام المرض الشديد في مستشفى السادات بدمشق، حينما منح جائزة الدولة
التقديرية في العلوم الاجتماعية من قبل الرئيس جمال عبد الناصر بناء على توصية المجلس
الأعلى للعلوم والفنون.
مواقف سياسية مشهورة
من أحد المواقف المشهورة له أنه دخل إلى الأمم المتحدة حديثة المنشأ،
بطربوشه الأحمر وبذته البيضاء الانيقة... قبل موعد الاجتماع الذي طلبته سوريا من اجل
رفع الانتداب الفرنسي عنها بدقائق واتجه مباشرة إلى مقعد المندوب الفرنسي لدى الأمم
المتحدة وجلس على الكرسي المخصص لفرنسا. بدء السفراء بالتوافد إلى مقر الأمم المتحدة
بدون اخفاء دهشتهم من جلوس 'فارس بيك' المعروف برجاحة عقله وسعة علمه وثقافته في المقعد
المخصص للمندوب الفرنسي، تاركا المقعد المخصص لسوريا فارغا. دخل المندوب الفرنسي، ووجد
فارس بيك يحتل مقعد فرنسا في الجلسة... فتوجه اليه وبدأ يخبره ان هذا المقعد مخصص لفرنسا
ولهذا وضع أمامه علم فرنسا، وأشار له إلى مكان وجود مقعد سوريا مستدلا عليه بعلم سوريا
ولكن فارس بيك لم يحرك ساكنا، بل بقي ينظر إلى ساعته.. دقيقة، اثنتان، خمسة...
استمر المندوب الفرنسي في محاولة 'إفهام' فارس بيك بأن الكرسي المخصص
له في الجهة الأخرى ولكن فارس بيك استمر بالتحديق إلى ساعته: عشر دقائق، أحد عشرة،
اثنا عشرة دقيقة وبدء صبر المندوب الفرنسي بالنفاذ واستخدم عبارات لاذعة ولكن فارس
بيك استمر بالتحديق بساعته، تسع عشرة دقيقة، عشرون، واحد وعشرون... واهتاج المندوب
الفرنسي، ولولا حؤول سفراء الأمم الأخرى بينه وبين عنق فارس بيك لكان دكه..... وعند
الدقيقة الخامسة والعشرين، تنحنح فارس بيك، ووضع ساعته في جيب الجيليه، ووقف بابتسامة
عريضة تعلو شفاهه وقال للمندوب الفرنسي:
سعادة السفير، جلست على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة فكدت تقتلني غضبا
وحنقا، سوريا استحملت سفالة جنودكم خمس وعشرين سنة، وآن لها ان تستقل. في هذه الجلسة
نالت سوريا استقلالها.. وفي مثل هذا اليوم من عام 1946، جلى آخر جندي فرنسي عن سوريا..
خلال مناقشة قضية استقلال
سورية في مجلس الأمن ، أظهر الانجليز معارضة شديدة
وقالوا بوجوب بقائهم فيها حتى لايقتتل السوريين بعضهم بعضاً بعد خروج الفرنسيين ،
وكان الفرنسيين أيضاً يقولون بوجوب بقائهم وحجتهم أنهم إذا تركوا سورية فإنها سوف
لاتنتفع من جلائهم عنها لأن الانجليز سيحتلون مكانهم وهم لا يطيقون أن يروا
الإنجليز يحتلون مكان الفرنسيين !
وكان دولة الأستاذ فارس الخوري
يرأس الوفد السوري في ذلك العام فقال لهم : إن موقفكم هذا يشبه تلك الحكاية ، وهي
أن رجلاً شاهد كومة من الحجارة وقد ارتكز عليها فانوس أحمر ، فسأل لماذا هذه
الحجارة ، قالوا له ، حتى نركز الفانوس عليها ، فسأل ولماذا هذا الفانوس ؟ فأجابوه
لكي يرى المارة الحجارة فلا يتعثرون بها ...!!
وضحك أعضاء مجلس الأمن لهذه
النكتة وأقروا الجلاء لبعد شهرين !
وأخبر الأستاذ الخوري الحكومة
مفتخراً أن مجلس الأمن أقر الجلاء بعد شهرين ، فما كان من الحكومة إلا أن بعثت إلى
فارس بك بكتاب كله استياء وعدم رضا لأن المجلس لم يقرر الجلاء حالاً وإنما أقره
لبعد شهرين وطلبت من فارس بك أن يحتج إلى المنظمة الدولية على هذا التأجيل فأجاب
فارس بك الحكومة على كتابها بنكتة أيضاً حلت الإشكال ، فقد كتب : " أنه كان في قطنا
رجل ذو لحية طويلة ، وفي ذات يوم ذهب إلى الحلاق ليشجب له منها ولكن الحلاق قرط
عليها كثيراً على مايظهر حتى كاد أن يأتي عليها كلها فاستاء وعزم على إقامة دعوى
يطالبه بها بالعطل والضرر وذهب إلى أحد المحامين يستشيره في الأمر فقال له الأستاذ
المحامي أنصحك أن لاتقيم هذه الدعوى ...!
قال له : ولماذا ...!!!؟؟؟؟
فقال له المحامي : لأن المحكمة
لاتنظر فيها إلا بعد مضي أسبوعين أو أكثر لبينما يأتي دورها ، ومن الآن لأسبوعين
تكون لحيتك قد طالت ورجعت إلى ما كانت عليه ! "
وضحكت الوزارة من هذه النكتة
وقالوا : والله صحيح لأننا إذا رفعنا احتجاجنا فقد تمر شهور وشهور قبل أن يبت في
القضية بدون أن نستفيد شيئاً ... فالنقبل بالشهرين ....
وبعد
شهرين عقد مجلس الأمن اجتماعاً ليقر فيه استقلال سورية استقلالاً تاماً ، فدخل فارس
بيك الخوري، ممثل سوريا في الامم المتحدة ، بطربوشه الاحمر و بذته البيضاء
الانيقة.. قبل موعد الاجتماع الذي طلبته سوريا من اجل رفع الانتداب الفرنسي عنها
بدقائق و اتجه مباشرة الى مقعد المندوب الفرنسي لدى الامم المتحدة و جلس على الكرسي
المخصص لفرنسا..
بدأ
السفراء بالتوافد إلى مقر الامم المتحدة بدون اخفاء دهشتهم من جلوس 'فارس
بيك' المعروف برجاحة عقله و سعة علمه و ثقافته في المقعد المخصص للمندوب الفرنسي،
تاركا المقعد المخصص لسوريا فارغاً ، دخل المندوب الفرنسي، و وجد فارس بيك يحتل
مقعد فرنسا في الجلسة.. فتوجه اليه و بدأ يخبره ان هذا المقعد مخصص لفرنسا و لهذا
وضع امامه علم فرنسا، و اشار له إلى مكان وجود مقعد سوريا مستدلا عليه بعلم سوريا و
لكن فارس بيك لم يحرك ساكنا، بل بقي ينظر إلى ساعته. دقيقة، اثنتان، خمسة.
استمر المندوب الفرنسي في
محاولة 'إفهام' فارس بيك بأن هذا المقعد هو مقعد المندوب الفرنسي ... ولكن فارس بيك
استمر بالتحديق إلى ساعته: عشر دقائق، احد عشرة، اثنا عشرة دقيقة و بدأ صبر المندوب
الفرنسي بالنفاذ: هنا مقعد فرنسا الحرة ، أنت لاتعرف أين تجلس ، و لكن فارس بيك
استمر بالتحديق بساعته، تسع عشرة دقيقة، عشرون، واحد و عشرون.
واهتاج المندوب الفرنسي ، و
لولا حؤول سفراء الامم الاخرى بينه و بين عنق فارس بيك لكان دكه و عند الدقيقة
الخامسة و العشرين، تنحنح فارس بيك، ووضع ساعته في جيب الجيليه، و وقف بابتسامة
عريضة تعلو شفاهه و قال للمندوب
الفرنسي: سعادة السفير، جلست على مقعدك لمدة خمس و عشرين دقيقة فكدت تقتلني غضبا و
حنقا، سوريا استحملت سفالة جنودكم خمس و عشرين سنة، و آن لها ان تستقل ، وفي هذه
الجلسة أعلن استقلال سورية وانتهاء الانتداب الفرنسي .... "
حين كان فارس الخوري رئيساً للمجلس النيابي, كان المجلس يضم عدداً من
نواب العشائر شبه الأميين. فوقف واحد منهم يتحدث قائلاً: (حضرات النواب المحترمون),
فصحح له فارس الخوري بقوله: (حضرات النواب المحترمين). فأعاد النائب نطقها بالشكل الصحيح,
ثم تابع قوله: (كان النواب المحترمين), فقاطعه فارس الخوري, وصحح له مرة أخرى بقوله:(كان
النواب المحترمون). فثارت ثائرة النائب وصاح محتجاً باللهجة العامية: - ليش هيك متحطط
عليّ يا دولة الرئيس? لما قلت (المحترمون) صححتها لي إلى (المحترمين) ولما قلت (المحترمين)
قاطعتني وقلت: (المحترمون). فهل تريدني أن أقول (المحترمون) أم (المحترمين)? فرد عليه
فارس الخوري ضاحكاً: - لست أنا من يريد وإنما سيبويه هو الذي يريد وفي مرة أخرى كان
فيها أيضاً فارس الخوري رئيساً للمجلس النيابي. كان المجلس يناقش مشروع قانون, وطال
النقاش حول أحد مواد القانون, واقترح أحد النواب حذف هذه المادة لحل المشكلة. فرد عليه
فارس الخوري أنه لا يمكن حذفها, لأن عدة مواد في الفصل تستند عليها, فاقترح النائب
حذف الفصل بكامله من مشروع القانون, فحبكت الضحكة على فارس بيك ورد على النائب قائلاً:
لا بأس ولكن سيكون حذف الفصل فصلاً ناقصاً من المجلس أمام الحكومة. هذه المواقف الطريفة
تعبر عن شخصية سياسية فذة وفكر منير لشخص أبيّ قلمانجد مثيله بين السياسيين.
من ضمن تلك المواقف موقفه بشأن فلسطين حيث صرح "بأن قضية فلسطين
لا تُحل في أروقة مجلس الأمن ولكنها تُحل على ثرى فلسطين" جاء هذا في كتاب (هتاف
المجد) لعلي الطنطاوي وقد عاصره.
كانت وفاة فارس الخوري مساء الثلاثاء 2 كانون الثاني 1962، في مستشفى
السادات بدمشق.
مراجع
1. مركز
الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية
http://www.asharqalarabi.org.uk/center/rijal-fares.htm
2. (فارس
الخوري) محمد الفرحاني، مطبعة دار الغد، لبنان/ بيروت، 1964
3. ـ (موسوعة
رجالات من بلاد العرب) د. صالح زهر الدين، المركز العربي للأبحاث والتوثيق، بيروت،
الطبعة الأولى 2001، ص (592).