الرحالة الشريف الإدريسي السبتي يصف القدس إبّان الاحتلال الصليبيّ.
لقد تناول الشريف الإدريسي في كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) أموراً على غاية من الأهمية نستطيع أنْ نضعها في المعيار السياسيّ والديني على خلفيّة ما يتعرّض له الإسلام والمسلمون من هجوماتٍ ظالمة تمسّ قيَم العقيدة، وبخاصة ذلك التشويه الذي حصل منذ القدم من خلال نقل صورٍ مشوّهة وكاذبة وملفّقة عن تعامل المسلمين مع المزارات والآثار للديانات الأخرى التي كانت تعيش في بلاد المسلمين، وتحمل قِيَم المواطنة بالشكل الكامل.
وبما أنّ مدينة القدس وما فيها وعلى أرضها من آثارٍ ومعالم دينية على غاية من الأهمية بالنسبة للديانات السماوية الثلاث، فقد جرى التشويه الذي عمل عليه المستشرقون الغربيّون، وما نقلوه من تشويهٍ وافتراءٍ للإساءة إلى الإسلام والمسلمين، ونقلهم صوراً مشوّهة حول العلاقة بين المسلمين والديانات الأخرى في مدينة القدس على وجه التحديد.
والشريف الإدريسي المولود في مدينة سبته 1100 م رحّالة جاب كثيراً من البلاد والأمصار، وكان له السبْق في وضع خرائط لم يكنْ العالم يعرف عنها أو يسمع بها أو يفهمها، وكان جغرافياً بامتياز ورجل دولة، وعارفاً بعلوم الحساب والهندسة والفلك والطب وعلم الأعشاب، إضافةً إلى عمله في السياسة. أقام عند "روجار الثاني" ملك صقلية عشرين عاماً رسم خلالها خريطةً للعالم على "لوح الترسيم" وهو بشكل دائرة من الفضّة الخالصة، ووصف الأقاليم التي زارها، وجمع مشاهداته في كتاب "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" وقد أتمّه في العام 1154م.
وقد كان شاهد عيانٍ وليس راوياً أو ناقلاً لحقيقة تعامل المسلمين مع المعالم الدينية والديانات الأخرى في مدينة القدس، وقد زارها الإدريسي في مجريات أواسط القرن الثاني عشر ميلادي وكانت تحت الاحتلال الصليبي.
وقد كتب الإدريسي عن المزارات الإسلامية والمسيحية في القدس، ويشير الباحثون إلى أنّه كان الأكثر اهتماماً بشأن المزارات المسيحية المقدّسة في فلسطين، ولعلّ السبب في ذلك كان على خلفية طلب ملك صقلية "روجار الثاني" المسيحي من الإدريسي التحقيق في ذلك.
فتحدّث عن كنيسة القيامة "القمامة كما كان يطلق عليها في حينه" وقال: (إنها الكنيسة المحجوج إليها في جميع بلاد الروم التي هي في مشارق الأرض ومغاربها، وهي من عجائب الدنيا، ولها باب من جهة الشمال ينزل منه إلى أسفل الكنيسة على ثلاثين درجة، ويسمّى هذا الباب باب "شنت مَرِيه"، وعند نزول الداخل إلى الكنيسة تلقاه المقبرة المقدسة المعظّمة، وعليها قبة معقودة قد أتقن بنيانها وحصن تشييدها وأبدع تنميقها...... الخ).
لقد كانت هذه الشهادة كافية ليس فقط للتدليل على مدى احترام المسلمين لمقدّسات الآخرين، بل للتدليل على أنّ المسلمين كان في استطاعتهم، في وقت تمكّنهم، أنْ لا يتركوا أثراً لمعالم الديانات الأخرى ولكنّهم، وبدافع من إيمانهم بالتعليمات التي زوّدهم بها دينهم الحنيف حرصوا على أنْ يحتفظوا بتلك الأمانات احتفاظهم بأمانتهم، وبغيرةٍ لا تقلّ عن غيرتهم على صيانة بناء سيدنا سليمان ومهد المسيح -عليهما السلام-، بل إنّهم احتفظوا بالأسماء الجغرافية كما هي من غير أنْ يزيدوا أو ينقصوا.
ثم يتحدّث عن المسجد الأقصى فيقول: (ليس في الأرض كلّها مسجدٌ على قدره إلا المسجد الجامع الذي في قرطبة من ديار الأندلس).
وقال في وصفه أيضاً: (إنّ المسجد الأقصى بناه سليمان بن داود عليه السلام وكان مسجداً محجوجاً إليه في أيام دولة اليهود.... الخ).
ويضيف الإدريسي قائلاً: (ثم انُتزِع من اليهود وأُخرِجوا منه إلى أنْ ظهر الإسلام فكان معظّماً في ملك المسلمين وهو المسجد المسمى بالمسجد الأقصى عندهم).
كما قام الإدريسي بوصفٍ دقيق لقبّة الصخرة، وأماكن دينية إسلامية أخرى في المدينة المقدسة.
وتناول أيضاً في كتابه الوضع الاقتصادي للمدينة إبان الاحتلال الصليبي، والنشاط الزراعي فيها فقال: (إنّ مدينة بيت المقدس في وهدة بين جبال كثيفة الأشجار "أشجار الزيتون والتين والجميز والفواكه المختلفة").
لقد قدّم الإدريسي في كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) شهاداتٍ يُعتَمد عليها، وبخاصة في فترة احتلال الغزاة الفرنجة لبلاد الشام وبيت المقدس، فكان كتاباً مهماً ومرجعاً تاريخياً يعتمد عليه كثيرٌ من الباحثين.
المصدر: بقلم الأستاذ/ عدنان كنفاني- خاص بموقع مدينة القدس.
لقد تناول الشريف الإدريسي في كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) أموراً على غاية من الأهمية نستطيع أنْ نضعها في المعيار السياسيّ والديني على خلفيّة ما يتعرّض له الإسلام والمسلمون من هجوماتٍ ظالمة تمسّ قيَم العقيدة، وبخاصة ذلك التشويه الذي حصل منذ القدم من خلال نقل صورٍ مشوّهة وكاذبة وملفّقة عن تعامل المسلمين مع المزارات والآثار للديانات الأخرى التي كانت تعيش في بلاد المسلمين، وتحمل قِيَم المواطنة بالشكل الكامل.
وبما أنّ مدينة القدس وما فيها وعلى أرضها من آثارٍ ومعالم دينية على غاية من الأهمية بالنسبة للديانات السماوية الثلاث، فقد جرى التشويه الذي عمل عليه المستشرقون الغربيّون، وما نقلوه من تشويهٍ وافتراءٍ للإساءة إلى الإسلام والمسلمين، ونقلهم صوراً مشوّهة حول العلاقة بين المسلمين والديانات الأخرى في مدينة القدس على وجه التحديد.
والشريف الإدريسي المولود في مدينة سبته 1100 م رحّالة جاب كثيراً من البلاد والأمصار، وكان له السبْق في وضع خرائط لم يكنْ العالم يعرف عنها أو يسمع بها أو يفهمها، وكان جغرافياً بامتياز ورجل دولة، وعارفاً بعلوم الحساب والهندسة والفلك والطب وعلم الأعشاب، إضافةً إلى عمله في السياسة. أقام عند "روجار الثاني" ملك صقلية عشرين عاماً رسم خلالها خريطةً للعالم على "لوح الترسيم" وهو بشكل دائرة من الفضّة الخالصة، ووصف الأقاليم التي زارها، وجمع مشاهداته في كتاب "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" وقد أتمّه في العام 1154م.
وقد كان شاهد عيانٍ وليس راوياً أو ناقلاً لحقيقة تعامل المسلمين مع المعالم الدينية والديانات الأخرى في مدينة القدس، وقد زارها الإدريسي في مجريات أواسط القرن الثاني عشر ميلادي وكانت تحت الاحتلال الصليبي.
وقد كتب الإدريسي عن المزارات الإسلامية والمسيحية في القدس، ويشير الباحثون إلى أنّه كان الأكثر اهتماماً بشأن المزارات المسيحية المقدّسة في فلسطين، ولعلّ السبب في ذلك كان على خلفية طلب ملك صقلية "روجار الثاني" المسيحي من الإدريسي التحقيق في ذلك.
فتحدّث عن كنيسة القيامة "القمامة كما كان يطلق عليها في حينه" وقال: (إنها الكنيسة المحجوج إليها في جميع بلاد الروم التي هي في مشارق الأرض ومغاربها، وهي من عجائب الدنيا، ولها باب من جهة الشمال ينزل منه إلى أسفل الكنيسة على ثلاثين درجة، ويسمّى هذا الباب باب "شنت مَرِيه"، وعند نزول الداخل إلى الكنيسة تلقاه المقبرة المقدسة المعظّمة، وعليها قبة معقودة قد أتقن بنيانها وحصن تشييدها وأبدع تنميقها...... الخ).
لقد كانت هذه الشهادة كافية ليس فقط للتدليل على مدى احترام المسلمين لمقدّسات الآخرين، بل للتدليل على أنّ المسلمين كان في استطاعتهم، في وقت تمكّنهم، أنْ لا يتركوا أثراً لمعالم الديانات الأخرى ولكنّهم، وبدافع من إيمانهم بالتعليمات التي زوّدهم بها دينهم الحنيف حرصوا على أنْ يحتفظوا بتلك الأمانات احتفاظهم بأمانتهم، وبغيرةٍ لا تقلّ عن غيرتهم على صيانة بناء سيدنا سليمان ومهد المسيح -عليهما السلام-، بل إنّهم احتفظوا بالأسماء الجغرافية كما هي من غير أنْ يزيدوا أو ينقصوا.
ثم يتحدّث عن المسجد الأقصى فيقول: (ليس في الأرض كلّها مسجدٌ على قدره إلا المسجد الجامع الذي في قرطبة من ديار الأندلس).
وقال في وصفه أيضاً: (إنّ المسجد الأقصى بناه سليمان بن داود عليه السلام وكان مسجداً محجوجاً إليه في أيام دولة اليهود.... الخ).
ويضيف الإدريسي قائلاً: (ثم انُتزِع من اليهود وأُخرِجوا منه إلى أنْ ظهر الإسلام فكان معظّماً في ملك المسلمين وهو المسجد المسمى بالمسجد الأقصى عندهم).
كما قام الإدريسي بوصفٍ دقيق لقبّة الصخرة، وأماكن دينية إسلامية أخرى في المدينة المقدسة.
وتناول أيضاً في كتابه الوضع الاقتصادي للمدينة إبان الاحتلال الصليبي، والنشاط الزراعي فيها فقال: (إنّ مدينة بيت المقدس في وهدة بين جبال كثيفة الأشجار "أشجار الزيتون والتين والجميز والفواكه المختلفة").
لقد قدّم الإدريسي في كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) شهاداتٍ يُعتَمد عليها، وبخاصة في فترة احتلال الغزاة الفرنجة لبلاد الشام وبيت المقدس، فكان كتاباً مهماً ومرجعاً تاريخياً يعتمد عليه كثيرٌ من الباحثين.
المصدر: بقلم الأستاذ/ عدنان كنفاني- خاص بموقع مدينة القدس.