المفصل في أحكام الأضحية، في حق من تشرع الأضحية، - 5 -
وأما الحاج بمنى فقد ورد في خصوصه نصٌ ، قال الإمام البخاري :[ باب الأضحية
للمسافر والنساء ] ثم ساق بإسناده عن عائشة رضي الله عنها :( أن النبي
دخل عليها وحاضت بسرف قبل أن تدخل مكة وهي تبكي فقال : مالك ؟ أنفست ؟ قالت
: نعم .
قال : إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم ، فاقضي ما يقضي الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت . فلما كنا بمكة أُتيتُ بلحم بقر . فقلت : ما هذا ؟ قالوا : ضحى رسول الله عن أزواجه بالبقر ) (1) ، ورواه مسلم أيضاً (2) .
أدلة الحنفية :
وأما الحنفية فقالوا إنها لا تجب على المسافر ، لأنها لا تتأدى بكل مال ، ولا في كل زمان، بل بحيوان مخصوص في وقت مخصوص ، والمسافر لا يظفر به في كل مكان في وقت الأضحية ، فلو أوجبنا عليه ، لاحتاج إلى حمله مع نفسه وفيه من الحرج ما لا يخفى أو احتاج إلى ترك السفر ، وفيه ضرر ، فدعت الضرورة إلى امتناع الوجوب (1) .
واحتجوا بما جاء في الحديث :( من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ) .
قال التهانوي :[ ثم هو يدل على اشتراط الإقامة أيضاً ، لأن المسافر جعله الشارع مصرفاً للصدقات ، ولو كان غنياً في وطنه ، فلا يكون ذا سعة في سفره فلا يجب عليه العبادة المالية التي يطالب بإقامتها في الحال كالأضحية … ] (2) .
واحتج الحنفية بما ورد عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا لا يضحون في السفر ولا في الحج فمن ذلك :
1. ما رواه عبد الرزاق بإسناده عن عمر بن الخطاب أنه كان يحج فلا يضحي (3) .
2. وروى أيضاً بإسناده عن نافع عن ابن عمر قال :[ لم يكن أحد من أهله يسأله بالمدينة ضحية إلا ضحى عنه وكان لا يضحي عنهم بمنى ] (4) .
3. وروى أيضاً بسنده عن إبراهيم النخعي قال:[رخص للحاج والمسافر أن لا يضحي] (5)
4. وروى عنه أيضاً قال :[ كانوا يحجون ومعهم الأوراق فلا يضحون ] (6) .
5. وروى عنه أيضاً قال :[ كانوا إذا شهدوا ضحوا وإذا سافروا لم يضحوا ] (7) .
6. وذكر ابن حزم بسنده عن النخعي قال :[ كان عمر يحج ولا يضحي وكان أصحابنا يحجون معهم الورق والذهب فلا يضحون ما يمنعهم من ذلك إلا ليتفرغوا لنسكهم ] (8).
أدلة الإمام مالك :
ويرى الإمام مالك أن الحاج إنما هو مخاطب في الأصل بالهدي ، فإذا أراد أن يضحي جعله هدياً ، والناس غير الحاج إنما أمروا بالأضحية ، ليتشبهوا بأهل منى فيحصل لهم حظ من أجرهم (1) .
وقال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي – بعد أن ذكر الخلاف في المسألة – مرجحاً مذهب الإمام مالك ما نصه :[ أظهر القولين دليلاً عندي في هذا الفرع قول مالك وأصحابه وإن خالفهم الجمهور ، وأن الأضحية لا تسن للحاج بمنى ، وأن ما يذبحه هدي لا أضحية ، وأن الاستدلال بحديث عائشة المتفق عليه المذكور آنفاً لا تنهض به الحجة على مالك وأصحابه ، ووجه كون مذهب مالك أرجح في نظرنا هنا مما ذهب إليه جمهور أهل العلم ، هو أن القرآن العظيم دالٌ عليه ، ولم يثبت ما يخالف دلالة القرآن عليه ، سالماً من المعارض من كتاب أو سنة ، ووجه دلالة القرآن على أن ما يذبحه الحاج بمنى هدي لا أضحية ، هو ما قدمناه موضحاً لأن قوله تعالى:} وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا { سورة الحج الآيتان 27-28 ، فيه معنى أذن في الناس بالحج : يأتوك مشاةً وركباناً لحكم .منها : شهودهم منافع لهم ، ومنها : ذكرهم اسم الله عَلَى } مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ { عند ذبحها تقرباً إلى الله ، والذي يكون من حكم التأذين فيهم بالحج ، حتى يأتوا مشاةً وركباناً ، ويشهدوا المنافع ويتقربوا بالذبح ، إنما هو الهدي خاصة دون الأضحية
--------------------------------------
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/100-101 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 3/310 .
(1) بدائع الصنائع 4/195 .
(2) إعلاء السنن 17/235 ، وانظر الاختيار 5/17 .
(3) المصنف 4/382 .
(4) المصدر السابق 4/381 .
(5) المصدر السابق 4/382 .
(6) المصدر السابق 4/382 .
(7) المصدر السابق 4/382 .
(8) المحلى 6/37 .
(1) انظر تفسير القرطبي 12/47 .
----------------------------------
لإجماع العلماء على أن للمضحي : أن يذبح أضحيته في أي مكان شاءه من أقطار الدنيا ، ولا يحتاج في التقرب بالأضحية ، إلى إتيانهم مشاة وركباناً من كل فج عميق ، فالآية ظاهرة في الهدي ، دون الأضحية ، وما كان القرآن أظهر فيه وجب تقديمه على غيره . أما الاحتجاج بحديث عائشة المتفق عليه ( أنه ضحى ببقر عن نسائه يوم النحر صلوات الله وسلامه عليه ) فلا تنهض به الحجة ، لكثرة الأحاديث الصحيحة المصرحة بأنهن متمتعات ، وأن ذلك البقر هدي واجب ، وهو هدي التمتع المنصوص عليه في القرآن وأن عائشة منهن قارنة ، والبقرة التي ذبحت عنها ، هدي قران ، سواء قلنا إنها استقلت بذبح بقرة عنها وحدها ، كما قدمناه في بعض الروايات
الصحيحة ، أو كان بالاشتراك مع غيرها في بقرة ، كما قال به بعضهم ، وأكثر الروايات ليس فيها لفظ ( ضحى ) بل فيها ( أهدى ) وفيها ( ذبح عن نسائه ) وفيها ( نحر عن نسائه ) فلفظ ( ضحى ) من تصرف بعض الرواة للجزم بأن ما ذبح عنهن من البقر يوم النحر بمنى هدي تمتع بالنسبة لغير عائشة وهدي قران بالنسبة إليها ، كما هو معلوم بالأحاديث الصحيحة ، التي لا نزاع فيها ، وبهذا الذي ذكرنا تعلم أن ظاهر القرآن مع مالك ، والحديث ليس فيه حجة عليه .
وقال ابن حجر في فتح الباري في باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن بعد ذكره رواية :( ضحى ) المذكورة ما نصه : والظاهر أن التصرف من الرواة ، لأنه في الحديث ذكر النحر ، فحمله بعضهم على الأضحية فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك ، كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ ( أهدى ) وتبين أنه هدي التمتع فليس فيه حجة على مالك في قوله : لا ضحايا على أهل منى . أهـ محل الغرض من فتح الباري ، وهو واضح فيما ذكرنا ، والعلم عند الله تعالى ] (1) .
قلت : إن كلام الشيخ الشنقيطي في بيان عدم صحة الاستدلال بحديث عائشة أن النبي ضحى عن نسائه بالبقر في منى ، كلام قوي ومتجه ، وأن الصواب أن ذلك كان هدياً وليس أضحية .
ولكن يعكر على ترجيح الشيخ الشنقيطي لمذهب الإمام مالك ما رواه مسلم بإسناده عن ثوبان قال : ( ذبح رسول الله ضحيته ثم قال : يا ثوبان أصلح لحم هذه ، فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة ) .
وفي رواية أخرى عند مسلم عن ثوبان مولى رسول الله قال :( قال لي رسول الله في حجة الوداع : أصلح هذا اللحم، قال : فأصلحته فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة ) (2).
ففي هذا الحديث تصريح بأن النبي ضحى وهو حاج مسافر ، ولعل المالكية يقولون إن النبي ضحى بمنى لأنها كانت واجبة في حقه .
ولكن الأدلة لم تنهض على إثبات ذلك ، وقد سبقت الإشارة إلى أن الحديث الوارد في اختصاص النبي بالأضحية على سبيل الوجوب ضعيف لا يثبت (1) .
وأما ما استدل به الحنفية من الآثار عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا لا يضحون في السفر وكذا في منى .
فالجواب : أن لا دلالة في فعلهم على أن الأضحية غير مشروعة في حق المسافر والحاج ، وإنما تدل على تركهم للأضحية في تلك الحال ، لانشغالهم بالسفر أو النسك ، وهذا بناءً على ذهابهم إلى أن الأضحية سنة ، وليست واجبة فيجوز تركها كما قال سعيد بن المسيب لرجل :[ ضحى رسول الله وإن تركته فليس عليك ] (2) .
وسبق أن ذكرت أنه صح عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يظن الناس وجوبها .
وبهذا يظهر لي رجحان قول الجمهور أن الأضحية مشروعة ومسنونة في حق جميع الناس بدواً وحضراً في حال السفر وفي حال الإقامة وللحاج وغيره والله أعلم .
قال النووي :[ … الصواب أن التضحية سنة للحاج بمنى كما هي سنة في غيره ] (3) .
يرى الحنفية أنه يشترط في المضحي أن يكون غنياً ، أي مالكاً لنصاب الزكاة فاضلاً عن حوائجه الأصلية ، ودليلهم على ذلك ما ورد في الحديث :( من وجد سعةً فلم يضح فلا يقربنَّ مصلانا ) فالرسول شرط عليه السعة وهي الغنى ، وهو أن يكون في ملكه مئتا درهم أو عشرون ديناراً أو شيء تبلغ قيمته ذلك ، سوى مسكنه وما يتأثث به وكسوته وكسوة من يمونهم (1) .
وقال المالكية إن الأضحية لا تسن في حق الفقير الذي لا يملك قوت عامه ، وتشرع بحيث لا تجحف بمال المضحي ، بأن لا يحتاج لثمنها في ضرورياته في عامه ، فإن احتاج فهو فقير (2) ، وقالوا إن من ليس معه ثمن الأضحية فلا يتسلف ليضحي (3) .
--------------------------------
(1) أضواء البيان 5/423-424 .
(2) صحيح مسلم مع شرح النووي 5/116 .
(1) انظر التلخيص الحبير 3/118 .
(2) مصنف عبد الرزاق 4/380 .
(3) المجموع 8/383 .
(1) تبيين الحقائق 6/3 ، بدائع الصنائع 4/196 ، حاشية ابن عابدين 6/312 .
(2) بلغة السالك 1/286 ، الذخيرة 4/142 .
-----------------------------------
وقال الشافعية تشرع الأضحية في حق من ملك ثمنها فاضلاً عن حاجته وحاجة من يمونه في يومه وليلته وكسوة فصله ، أي ينبغي أن تكون فاضلة عن يوم العيد وأيام التشريق (4).
وأما الحنابلة فقالوا تشرع الأضحية في حق القادر عليها الذي يمكنه الحصول على ثمنها ولو بالدَّين ، إذا كان يقدر على وفاء دينه (5) .
والذي أرجحه أن الأضحية مشروعة في حق الغني الذي يملك نصاب الزكاة فاضلاً عن حوائجه الأصلية ، ومقداره في يومنا هذا ( 30 رمضان 1419 ) خمسمئة وخمسون ديناراً أردنياً ، وثمن ما يصح أضحية لا يقل عن مئة وخمسين ديناراً ، ومن لا يملك النصاب فهو فقير .
المبحث الثامن
شروط الأضحية
الشرط الأول أن تكون الأضحية من الأنعام
اتفق جمهور أهل العلم بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة (1) على أنه يشترط في الأضحية أن تكون من الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم .
ويشمل ذلك الذكر والأنثى من النوع الواحد ، وكذا الخصي والفحل ، والمعز نوع من الغنم ، والجاموس نوع من البقر .
قال القرطبي :[ والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية وهي الضأن والمعز والإبل والبقر ] (2) .
ولا يصح في الأضاحي شيء من الحيوان الوحشي ، كالغزال ، ولا من الطيور كالديك ، ويدل على ذلك قوله تعالى:} وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ { سورة الحج الآية 34 .
قال القرطبي أيضاً :[ والأنعام هنا هي الإبل والبقر والغنم ] (3) .
ويدل على ذلك أنه لم تنقل التضحية بغير الأنعام عن النبي .
ويدل على ذلك قوله تعالى :} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ { سورة المائدة الآية 1 .
ويدل على ذلك أيضاً أنه لما اختصت الأنعام بوجوب الزكاة ، اختصت بالأضحية ، لأنها قربة .
قال الشافعي :[ هم الأزواج الثمانية التي قال الله تعالى :} ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ { الأنعام الآية 143 . وقال تعالى :} وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ { الأنعام الآية 144 . يعني ذكراً وأنثى ، فاختص هذه الأزواج الثمانية من النعم بثلاثة أحكام :أحدها : وجوب الزكاة فيها. والثاني : اختصاص الأضاحي بها . والثالث : إباحتها في الحرم والإحرام ] (1) .
ونقل عن الحسن بن صالح – من فقهاء السلف المتقدمين - أن بقرة الوحش والظبي تجزئ في الأضحية (2) .
وقال ابن حزم :[ والأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع أو طائر كالفرس والإبل وبقر الوحش والديك وسائر الطير والحيوان الحلال أكله ] (3) .
وزعم ابن حزم أن النصوص تشهد لقوله ، وذلك أن الأضحية قربة إلى الله تعالى فالتقرب إلى الله تعالى – بكل ما لم يمنع منه قرآن ولا نص سنة – حسن .
وقال تعالى :} وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { سورة الحج الآية 77 .
والتقرب إليه عز وجل بما لم يمنع من التقرب إليه به فعل خير .
واحتج بما جاء في الحديث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله :( مثل المهجر إلى الجمعة كمثل من يهدي بدنة ثم كمن يهدي بقرة…. ثم كمن يهدي بيضة ) رواه البخاري بهذا اللفظ (4) .
----------------------------------
(3) شرح الخرشي 3/33 .
(4) مغني المحتاج 6/123 ، الإقناع 2/278 .
(5) كشاف القناع 3/18 ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 26/305 .
(1) المغني 9/440 ، المجموع 8/394 ، بدائع الصنائع 4/205 ، تفسير القرطبي 15/109 ، السيل الجرار 4/78 ،
بداية المجتهد 1/348 .
(2) تفسير القرطبي 15/109 .
(3) تفسير القرطبي 11/44 .
(1) الحاوي 15/75-76 .
(2) المغني 9/440 ، المجموع 8/394 ، بداية المجتهد 1/349 .
(3) المحلى 6/29 .
(4) صحيح البخاري مع الفتح 3/58 .
----------------------------------
واحتج بالحديث الآخر عن أبي هريرة أن رسول قال :( من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ) رواه البخاري ومسلم (5) .
ثم قال ابن حزم :[ ففي هذين الخبرين هدي دجاجة وعصفور وتقريبهما وتقريب بيضة
والأضحية تقريب بلا شك … ولا معترض على هذين النصين أصلاً ]، وذكر ابن حزم قبل ذلك قول بلال :[ ما أبالي لو ضحيت بديك ] وعن ابن عباس في ابتياعه لحماً بدرهمين وقال :[ هذه أضحية ابن عباس ] (1) .
والجواب عن استدلال ابن حزم : أن الآية عامة والأدلة الواردة في التضحية بالأنعام خاصة فتقدم عليها ، لأن الخاص يقدم على العام .
وأما استدلال ابن حزم بالحديثين فمنقوض ، حيث إنه كان يلزم ابن حزم أن يجيز الأضحية بالبيضة لأنها وردت في الحديث ! فلماذا قصر الأضحية على الحيوان والطائر ؟ فأعمل بعض الحديث وأهمل بعضه ، وأيضاً يلزم ابن حزم القول بإجزاء الدجاجة والعصفور والفرس ونحوها في هدايا الحج ، لأن الحديث ورد بلفظ الهدي وهو لا يقول بجوازها في الهدي بل الهدي عنده هو من الأنعام فقط .
والصحيح أن الإهداء المذكور في الحديث مفسر بالتصدق ، وليس المقصود إراقة الدم بدليل ذكر البيضة فيه . وكذلك فقد ورد في الحديث ( فكأنما قرب … ) والتقريب هو التصدق بالمال تقرباً إلى الله عز وجل ، وصحيح أن الأضحية تقريب ولكنها مقيدة بإراقة الدم كالهدي .
وأما احتجاج ابن حزم بما ورد عن بلال وعن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فلا حجة في أحد دون رسول الله عند ابن حزم . وقد ثبت أن رسول الله كان يضحي بالأنعام فقط .
ويمكن أن يحمل فعلهما على أنهما كان معسرين أو لم يضحيا خشية أن يظن الناس أنها واجبة كما نقل عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأما ما نقل عن الحسن بن صالح فهو شاذ مردود مخالف للكتاب وللسنة (2) .
وبعد هذه المناقشة يظهر لي أن القول الراجح والصحيح هو أن الأضحية لا تجزئ إلا من الأنعام والله أعلم .
الشرط الثاني أن تبلغ سن التضحية
اختلف الفقهاء في السن المجزئة في الأضحية على ثلاثة أقوال :
1. اتفق جمهور أهل العلم على أنه لا يجزئ من الإبل و البقر والمعز إلا الثني فما فوقه ويجزئ من الضأن الجذع فما فوقه .
2. وقال الزهري : لا يجزئ الجذع من الضأن ولا من غيره ، ونقل عن ابن عمر ، وبه قال ابن حزم .
3. وقال الأوزاعي : يجزئ الجذع من الإبل والبقر والضأن والمعز ، ونقل عن عطاء (1) .
أدلة العلماء :
استدل جمهور العلماء بما يلي :
1. حديث جابر أن الرسول قال :( لا تذبحوا إلا مسنةً إلا أن يَعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن ) رواه مسلم (2) .
قال الإمام النووي :[ قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها ، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال ] (3) .
2. واحتجوا بما رواه أبو داود بإسناده عن عاصم بن كليب عن أبيه قال :( كنا مع رجل من أصحاب النبي يقال له مجاشع من بني سليم فعزت الغنم ، فأمر منادياً فنادى أن رسول الله كان يقول : إن الجذع يوفِّي مما يوفِّي منه الثني ) قال أبو داود وهو
مجاشع بن مسعود .
ورواه النسائي وابن ماجة والبيهقي والحاكم وقال حديث صحيح . وقال ابن حزم هو في غاية الصحة (4) . وقال الشيخ الألباني : صحيح (5) .
-------------------------------
(5) صحيح البخاري مع الفتح 3/17 –18 ، صحيح مسلم بشرح النووي 2/451 .
(1) المحلى 6/30-31 .
(2) انظر إعلاء السنن 17/229-230 .
(1) المجموع 8/394 ، المغني 9/439 ، تبيين الحقائق 6/7 ، الذخيرة 4/145 ، المحلى 6/13 ، الحاوي 15/76 ، طرح التثريب 5/191 ، فتح الباري 12/111 .
(2) صحيح مسلم مع شرح النووي 5/101 .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم 5/101-102 .
(4) المحلى 6/26 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/356 ، سنن النسائي 7/218-219 ، سنن ابن ماجة 2/1049 ، سنن البيهقي 9/270 ، المستدرك 4/252 .
(5) إرواء الغليل 4/359-360 .
--------------------------------------
3. واستدل الجمهور أيضاً بحديث عقبة بن عامر الجهني قال :( قسم النبي بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقلت : يا رسول الله صارت لي جذعة . قال ضح بها ) رواه البخاري ومسلم (1) .
4. وفي رواية أخرى عن عقبة بن عامر قال :( ضحينا مع رسول الله بجذع من
الضأن ) رواه النسائي وابن الجارود والبيهقي (2) .وقال الحافظ ابن حجر :[ أخرجه النسائي بإسناد قوي ] (3) . وقال الشيخ الألباني :[ وهذا إسناد جيد وقواه الحافظ ] (4) .
وقال الشيخ الألباني في موضع آخر :[ وهذا إسناد جيد رجاله ثقات وإعلال ابن حزم له بقوله :( ابن خبيب هذا مجهول ) ليس بذاك ] (5).
5. وعن أبي كباش قال :( جلبت غنماً جذعاناً إلى المدينة فكسدت عليَّ فلقيت أبا هريرة فقال : سمعت رسول الله يقول : نعم أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن قال : فانتهبه الناس ) رواه الترمذي وقال: حسن غريب ، وقد روي هذا عن أبي هريرة موقوفاً وعثمان بن واقد هو ابن محمد بن زياد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم أن الجذع من الضأن يجزئ في الأضحية (6) .
ورواه أحمد في المسند ورواه البيهقي أيضاً (7) .
وضعفه الشيخ الألباني ثم تراجع عن تضعيفه فقال :[ نستطيع أن نستخلص مما سبق من التحقيق أن حديث هلال هذا ( نعمت الأضحية الجذع من الضأن ) وكذا الذي قبله
- حديث أبي كباش – وإن كان ضعيف المبنى فهو صحيح المعنى يشهد له حديث عقبة ومجاشع ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لما أوردتهما في هذه السلسلة – أي الضعيفة - ولأوردت بدلهما حديث جابر هذا … ] (8) .
6. ويدل لقول الجمهور أيضاً ما جاء في الحديث عن أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله قال :( يجوز الجذع من الضأن أضحية ) رواه ابن ماجة ، وقواه الشيخ الألباني لشواهده (1) .
7. ويؤيد قول الجمهور أيضاً ما جاء عن عمران بن حصين قال : ( لأن أضحي بجذع أحب إليَّ من أن أضحي بهرم ، الله أحق بالغنى والكرم ، وأحبهن إليَّ أن أضحي به ، أحبهن إليَّ بأن أقتنيه) قال الهيثمي :[ رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ] (2)
أدلة ابن حزم ومن وافقه :
احتج ابن حزم بحديث البراء بن عازب وفيه : أن خاله أبا بردة قال :( يا رسول الله إن عندي عناق لبن وهي خير من شاتي لحم . قال : هي خير نسيكتيك ولا تجزئ جذعة عن أحدٍ بعدك ) .
وفي رواية أخرى أن أبا بردة قال لرسول الله :( عندي جذعة خير من مسنتين .
قال : اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك ) .
ثم قال ابن حزم :[ فقطع عليه الصلاة والسلام أن لا تجزئ جذعة عن أحد بعد أبي بردة، فلا يحل لأحد تخصيص نوع دون نوع بذلك ،ولو أن ما دون الجذعة يجزئ لبيَّنه النبي المأمور بالبيان من ربه تعالى :} وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا{ ] (3).
ويرى ابن حزم أن قول الرسول :( لا تجزئ جذعة عن أحد بعدك ) ناسخ لكل الروايات الواردة عن الرسول والآثار الواردة عن الصحابة بإجازة الجذع في
الأضحية (4) .
ويضاف إلى ذلك أن ابن حزم يضعف حديث جابر الذي احتج به الجمهور حيث قال :
----------------------------------
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/100 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/103 .
(2) سنن النسائي 7/219 ، سنن البيهقي 9/270 .
(3) فتح الباري 12/111 .
(4) إرواء الغليل 4/358 .
(5) السلسلة الضعيفة 1/89 .
(6) سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 6/236 .
(7) الفتح الرباني 13/72 ، سنن البيهقي 9/271 .
(8) السلسلة الضعيفة 1/95 .
(1) السلسلة الضعيفة 1/95 .
(2) مجمع الزوائد 4/20 ، وانظر مصنف عبد الرزاق 4/385 ، المحلى 6/26 .
(3) المحلى 6/15-16 .
(4) المصدر السابق 6/22-23 .
---------------------------------
[ … وأما نحن فلا نصححه لأن أبا الزبير مدلس ، ما لم يقل في الخبر إنه سمعه من
جابر … ] (5) .
أدلة الأوزاعي :
ومن الحجة للأوزاعي على إجزاء الجذع مطلقاً في الأضحية حديث عقبة بن عامر :
( أن النبي أعطاه غنماً يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود فذكره للنبي .
فقال : ضح أنت بها ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى .
ونقل الإمام النووي عن أبي عبيد من أهل اللغة وغيره : أن العتود من أولاد المعز ، وهو ما رعى وقوي .
ويجاب عن هذا الحديث بأن البيهقي رواه وفيه زيادة وهي:(ولا رخصة لأحد فيها بعدك )
ثم قال البيهقي :[ فهذه الزيادة إذا كانت محفوظة كانت رخصة له كما رخص لأبي بردة بن نيار ] (1) .
وقال الحافظ ابن حجر مصححاً لهذه الزيادة :[ … فإنها خارجة من مخرج الصحيح فإنها عند البيهقي من طريق عبد الله البوشنجي أحد الائمة الكبار في الحفظ والفقه وسائر فنون العلم ، رواها عن الليث بالسند الذي ساقه البخاري ] (2) .
الترجيح :
الذي يظهر لي رجحان قول الجمهور في أن الأضحية لا تصح بالجذع من الإبل والبقر والمعز ، ويصح الجذع من الضأن دون غيره لحديث جابر المتقدم ولا يصح تضعيف ابن حزم له فإن الحديث رواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد ، وقال الإمام البغوي : هذا حديث صحيح . وصححه الحافظ ابن حجر ، وعزاه الزيلعي وابن الملقن والغماري لمسلم وصححوه ولم يذكروا فيه أي علة (1) .
ويؤيد هذا ما جاء في حديث عقبة وحديث مجاشع ، فإن دلالتهما ظاهر ة في جواز التضحية بالجذع من الضأن دون غيره ، وحديث مجاشع وإن كان بعمومه يشمل الجذع من المعز ، فقد جاء ما يدل على أنه غير مراد وهو حديث البراء قال :( ضحى خالي أبو بردة قبل الصلاة . فقال رسول الله : تلك شاة لحم ، فقال : يا رسول الله إن عندي جذعة من المعز . فقال : ضحِ بها ولا تصلح لغيرك ) .
وفي رواية ( إذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك ) .
وفي أخرى ( ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى .
فالجذعة المذكورة في الحديث كانت من المعز ، ولكن قامت القرينة على تخصيص أبي بردة بذلك (2) .
وقد اختلف جمهور الفقهاء في المراد بالجذع والثني كما يلي :
قال الحنفية : الجذع من الضأن ما تمت له ستة أشهر فيجوز أن يضحى به إذا كان الجذع عظيماً بحيث لو خلط بالثنيات يشتبه على الناظر من بعد .
وذكر الزعفراني من الحنفية أن الجذع من الضأن ما كان له سبعة أشهر .
وقيل ثمانية أشهر .
وقيل تسعة أشهر .
والثني من الضأن والمعز ما أتم سنة .
والثني من البقر ما أتم سنتين .
والثني من الإبل ما أتم خمس سنين (1) .
وقال المالكية : الجذع من الضأن ما أتم سنة ودخل في الثانية .
والثني من الضأن ما أتم سنتين .
والثني من المعز ما أتم سنتين .
والثني من البقر ما أتم ثلاثاً ودخل في الرابعة .
والثني من الإبل ما أتم خمساً ودخل في السادسة (2) .
وقال الشافعية : الجذع من الضأن ما أتم السنة على أصح الأوجه عندهم ودخل في الثانية. والثني من المعز ما أتم سنتين ، وقيل ما استكمل سنة ودخل في الثانية .
---------------------------------------
(5) المصدر السابق 6/20 .
(1) سنن البيهقي 9/270 .
(2) فتح الباري 12/110 .
(1) شرح السنة 4/331 ، فتح الباري 12/111 ، سنن النسائي 7/218 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/352 ، سنن ابن ماجة 2/1049 ، الفتح الرباني 13/71 ، نصب الراية 4/216 ، تحفة المحتاج 2/531 ، الهداية 6/187-188.
(2) انظر السلسلة الضعيفة 1/93-94 .
(1) تبيين الحقائق 6/7 ، بدائع الصنائع 4/206 .
(2) الذخيرة 4/154 ، شرح الخرشي 3/33-34 ، القوانين الفقهية ص126 .
----------------------------
والثني من البقر ما أتم سنتين ودخل في الثالثة .
والثني من الإبل ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة (3) .
وقال الحنابلة : الجذع من الضأن ما له ستة أشهر ودخل في السابع .
والثني من المعز ما أتم سنة ودخل في الثانية .
والثني من البقر ما أتم سنتين ودخل في الثالثة .
والثني من الإبل ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة (4) .
واختلاف الفقهاء في بيان الجذع والثني مردّه إلى اختلاف أهل اللغة فيهما فلا بد من الرجوع إلى كلام اللغويين في تفسير هذين اللفظين .
أما الجذع فقد قال الأزهري :[ … ومن الضأن لثمانية أشهر أو تسعة ] (1) .
وقال الجوهري :[ الجذع قبل الثني والجمع جُذعان وجِذاعٌ والأنثى جذعة والجمع جذعات . تقول منه لولد الشاة في السنة الثانية ولولد البقر والحافر في السنة الثالثة وللإبل في السنة الخامسة : أجذع . والجذع اسم له في زمن ليس بسن تنبت ولا تسقط .وقد قيل في ولد النعجة إنه يجذع في ستة أشهر أو تسعة أشهر وذلك جائز في الأضحية ] (2) .
وأما الثني : فقال الجوهري :[ والثني الذي يلقي ثنيته – واحدة الثنايا من السن – ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة وفي الخف في السنة السادسة ] (3) .
وقال ابن منظور :[ والثني من الإبل : الذي يلقي ثنيته ، وذلك في السادسة ومن الغنم الداخل في السنة الثالثة ، تيساً كان أو كبشاً . التهذيب : البعير إذا استكمل الخامسة وطعن السادسة فهو ثني ، وهو أدنى ما يجوز من سن الإبل في الأضاحي وكذلك من البقر والمعزى ، فأما الضأن فيجوز منها الجذع في الأضاحي ، وإنما سمي البعير ثنياً لأنه ألقى ثنيته … والثني من الغنم الذي استكمل الثانية ودخل في السادسة ثم ثني في السنة الثالثة مثل الشاة سواء ] (4) .
وبعد هذا أقول إن ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة في بيان الجذع من الضأن له أساس قوي في لغة العرب وبناءً عليه أرى أن الراجح هو قولهم بجواز الأضحية بما مضى عليه أكثر العام من الضأن وهو الجذع ، أي مضى عليه ستة أشهر فأكثر ، وخاصة إذا كان عظيماً بحيث لو خلط بالثنيات يشتبه على الناظر من بعد .
قال إبراهيم النخعي :[ الجذع من الضأن يجزئ إذا كان عظيماً ] (5) .
حكم التضحية بالعجول المسمّنة التي لم تبلغ السن المقرر شرعاً
إن الالتزام بالسن المقرر شرعاً في الأضحية أمر مطلوب شرعاً ، ولا تجوز مخالفته بالنقص عنه ، وتجوز الزيادة عليه ، ولكن بعض الناس تعارفوا في بعض مناطق فلسطين ، على التضحية بالعجول المسمنة التي تقل أعمارها عن السن المطلوب ، وغالبها له من العمر تسعة أشهر إلى سنة ونصف ، ويظنون أن هذه العجول السمينة تجزئ في الأضاحي وقد بحثت هذه المسألة بحثاً مطولاً في كتب الفقهاء ، فلم أجد أحداً منهم ، قال بجواز النقص عن السن المقرر شرعاً ، حتى إني لأظن - ولا أجزم - بأن قضية السن في الأضحية تعبدية حيث خُصَّ من هذا الحكم ، واحد من الصحابة أو اثنان ، بنص أحاديث النبي كما سيأتي وبناءاً على ذلك أقول:
لقد وردت الأحاديث التي أشارت إلى السن المعتبر في الأضاحي ، والتي اعتمد عليها الفقهاء في تحديد السن المعتبر في الأضاحي ، واعتبروا ذلك شرطاً من شروط صحة الأضحية .
فقد اتفق العلماء على أنه تجوز التضحية بالثني فما فوقه من الإبل والبقر والغنم ، والمراد بالثني من الإبل ما أكمل خمس سنين ودخل في السادسة ، ومن البقر ما أكمل سنتين ودخل في الثالثة ، ومن الغنم ما أكمل سنة ودخل في الثانية .
قال في المصباح المنير :[ الثني الجمل يدخل في السادسة … والثني أيضاً الذي يلقي ثنيته يكون من ذوات الظلف والحافر في السنة الثالثة ومن ذوات الخف في السنة السادسة ] (1).
واتفق العلماء على أنه لا تجوز التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز .
واختلفوا في الجذع من الضأن :
قال الإمام الشافعي : [ الضحايا الجذع من الضأن ، والثني من المعز والإبل والبقر ، ولا يكون شيء دون هذا ضحية ] (2) .
-----------------------------------
(3) الحاوي 15/77 ، كفاية الأخيار ص529 ، طرح التثريب 5/194 .
(4) المغني 9/440 ، كشاف القناع 2/531-532 ، منار السبيل 1/272 .
(1) لسان العرب 2/219-220 مادة جذع ، وانظر تاج العروس 11/58 مادة جذع .
(2) الصحاح 3/1194 مادة جذع .
(3) الصحاح 6/2295 ماد ثنى .
(4) لسان العرب 2/141-142 مادة ثنيّ ، وانظر تاج العروس 19/257-258 مادة ثنى .
(5) الآثار لأبي يوسف ص63 .
(1) المصباح المنير ص85 .
(2) الأم 2/223 .
-----------------------------------
قال الإمام النووي:[ وأجمعت الأمة على أنه لا تجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني ] (3)
ونقل ابن قدامة عن أئمة اللغة :[ إذا مضت الخامسة على البعير ودخل في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثني … وأما البقرة فهي التي لها سنتان لأن النبي قال :( لا تذبحوا إلا مسنة ) ومسنة البقر التي لها سنتان ] (1).
وقال الإمام النووي :[ قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال وهذا مجمع عليه ] (2).
وقد اتفق العلماء على أنه لا يجزئ الجذع من البقر والجذع من البقر هو من وقت ولادته إلى أن يبلغ سنتين من عمره والعجل المسمن الذي يبلغ تسعة أشهر هو جذع فلا يجزئ في الأضحية وكونه سميناً وأكثر لحماً من الذي بلغ سنتين من عمره ليس سبباً في ترك السن المعتمدة وهي سنتان فأكثر .
وإن المدقق في الأحاديث التي أشارت إلى السن يرى أنه لا يجوز تجاوز تلك السن ويدل على ذلك الأحاديث التالية :
1. عن البراء بن عازب قال : قال النبي :( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر من فعله فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال إن عندي جذعة ، فقال إذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك ) رواه البخاري وقد مضى.
2. قال الإمام البخاري : باب قول النبي لأبي بردة :( ضح بالجذع من المعز ولن تجزئ عن أحد بعدك ) ثم ساق حديث البراء المتقدم برواية أخرى :( ضحى خال لي يقال له
أبو بردة قبل الصلاة فقال له رسول الله :شاتك شاة لحم . فقال: يا رسول الله: إن عندي داجناً جذعة من المعز . فقال النبي : إذبحها ولا تصلح لغيرك ) (3).
وقد ورد في عدة روايات اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز وشاركه في الاختصاص عقبة بن عامر والألفاظ التي تدل على الاختصاص كما بينها الحافظ
ابن حجر :( ولا رخصة فيها لأحد بعدك ) ، ( ولن تجزئ عن أحد بعدك ) ، ( وليست فيها رخصة لأحد بعدك ) (1) .وهذا التخصيص من النبي يدل على أنه لا تصح
التضحية بالجذع من الإبل والبقر والماعز ، وهو الذي اعتمد عليه الفقهاء في قولهم
إنه لا تجوز التضحية بما دون السنتين من البقر .
وبناءً على ما تقدم أقول :
لا تصح التضحية بالعجول المسمنة مهما بلغ وزنها ولا بد من الالتزام بالسن المقرر عند الفقهاء في البقر وهو سنتان ،ولا يصح النقص عنه .
جاء في الفتاوى الهندية :[ وتقدير هذه الأسنان بما قلنا يمنع النقصان ولا يمنع الزيادة حتى ولو ضحى بأقل من ذلك شيئاً لا يجوز ولو ضحى بأكثر من ذلك شيئاً يجوز ويكون أفضل ولا يجوز في الأضحية حمل ولا جدي ولا عجول ولا فصيل ] (2).
وينبغي أن يعلم أنه ليس المقصود من الأضحية اللحم فقط ، وتوزيعه صدقة أو هدية ، وإنما يقصد بالأضحية أيضاً تعظيم شعائر الله عز وجل ، وإراقة الدم كوسيلة من وسائل الشكر لله تعالى ، قال الله تعالى :} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { سورة الحج الآية 32 .
وكذلك الامتثال لأمر الله عز وجل بإراقة الدم ، اقتداءً بإبراهيم عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى :}لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ { سورة الحج
الآية 37 . (3)
الشرط الثالث
أن تكون الأضحية سليمة من العيوب المانعة من صحة الأضحية
لمَّا كانت الأضحية قربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً ، فينبغي أن تكون الأضحية ، طيبة ، وسمينة ، وخالية من العيوب التي تنقص من لحمها وشحمها ، فقد ثبت في الحديث عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله :
( أربعٌ لا تجوز في الأضاحي : العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير التي لا تنقي .
قال : – أي الراوي عن البراء وهو عبيد بن فيروز – قلت : فإني أكره النقص في السن .
-----------------------------
(3) المجموع 8/394 .
(1) المغني 9/440 .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 13/101 –102 .
(3) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 12/108-109 .
(1) فتح الباري 12/109 .
(2) الفتاوى الهندية 5/297 .
(3) يسألونك 3/101-103 .
--------------------------------
قال : - أي البراء – ما كرهتَ فدعه ، ولا تحرمه على أحد ) رواه أصحاب السنن .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم .
وصححه الشيخ الألباني (1) .
وحديث البراء هذا هو الأصل في باب العيوب في الأضحية وبناءً عليه قال أهل العلم
لا يجزئ في الأضاحي ما يلي :
أولاً : العوراء البين عورها ، ومن باب أولى العمياء .
ثانياً : المريضة البين مرضها .
ثالثاً : العرجاء البين عرجها ، ومن باب أولى مقطوعة الرجل .
رابعاً : الكسير التي لا تنقي ، وهي التي لا تقوم ولا تنهض من الهزال .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها لا أعلم خلافاً بين العلماء فيها . ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها ولا سيما إذا كانت العلة فيها أبين ، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز فالعمياء أحرى ألا تجوز ، وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أو التي لا رجل لها المقعدة أحرى ألا تجوز ، وهذا كله واضح لا خلاف فيه ] (2) .
وحديث البراء يدل على أن المرض الخفيف لا يضر ، وكذا العرج الخفيف الذي تلحق به الشاة الغنم لقوله البين مرضها ، والبين عرجها وكذا ما كان فيها هزال خفيف .
والمرض البين هو المفسد للحم والمنقص للثمن ؛ فلا تجزئ كما لو كانت جرباء أو كان بها بُثُورٌ وقروح . وكذا العجفاء التي لا تنقي ، فالعجف فرط الهزال المذهب للَّحم .
والتي لا تنقي أي لا مخ فيها لعجفها (1) .
وقد وردت بعض الأحاديث الأخرى في العيوب التي تمنع إجزاء الأضحية أذكرها وأبيِّنُ ما قال أهل الحديث فيها :
1. عن يزيد ذو مصر قال :( أتيت عتبة بن عبدٍ السُلمي فقلت : يا أبا الوليد إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئاً يعجبني غير ثرماء فكرهتها فما تقول . قال: أفلا جئتني بها. قلت: سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني . قال: نعم إنك تشك ولا أشك ، إنما نهى رسول الله عن المصفرة والمستأصَلة والبخقاء والمشيَّعة وكسرى .
والمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو سماخها .
والمستأصَلة التي استؤصل قرنها من أصله .
والبخقاء التي تُبخق عينها والبخق هو أقبح العور .
والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفاً وضعفاً .
والكسراء هي الكسيرة ) .
رواه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري (2) ورواه أحمد (3) والحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي (4) .
2. وروى أبو داود بإسناده عن شريح بن النعمان وكان رجل صدق عن علي قال :
( أمرنا رسول الله أن نستشرف العين والأذنين ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء ) .
قال زهير – أحد رجال السند – فقلت لأبي إسحاق أذكر عضباء ؟ قال : لا .
قلت: فما المقابلة ؟ قال: يقطع طرف الأذن .
قلت: فما المدابرة ؟ قال: يقطع من مؤخر الأذن .
قلت: فما الشرقاء ؟ قال: تشق الأذن .
قلت: فما الخرقاء ؟ قال: تخرق أذنها للسِّمة ) (1) .
ورواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح ؛ ثم قال قوله : أن نستشرف ، أي أن ننظر صحيحاً (2). والمقصود أن ننظر إليهما ونتأمل في سلامتهما من آفة تكون بهما .
ورواه النسائي وأحمد (3) ورواه ابن حبان دون قوله :( ولا نضحي بعوراء … الخ )
---------------------------------
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/357-358 ، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/67 ، سنن النسائي 7/214 ، سنن ابن ماجة 2/1050 ، إرواء الغليل 4/361 .
(2) فتح المالك 7/6 .
(1) الحاوي 15/81-82 ، وانظر الاستذكار 15/125 .
(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/358 .
(3) الفتح الرباني 13/78 .
(4) المستدرك 4/250-251 .
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/359 ، وانظر الاستذكار 15/127-128 .
(2) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/68 .
------------------------------
وقال محققه: إسناده قوي (4) .
ورواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي . وحسَّنه محقق شرح
السنة (5) .
3. وروى أبو داود بإسناده عن قتادة عن جُري بن كليب عن علي :( أن النبي نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن ) (6) .
ثم قال أبو داود جُرَيٌّ سدوسي بصري لم يحدث عنه إلا قتادة .
ثم روى بسنده عن قتادة قال : قلت لسعيد بن المسيب: ما الأعضب ؟ قال :النصف فما فوقه . وسكت عنه أبو داود والمنذري .
ورواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح (7) ورواه النسائي وابن ماجة ورواه أحمد (8) ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (9) .
ذكر صفات قد توجد في الأضحية واختلاف الفقهاء فيها
ذكر الفقهاء صفات كثيرة قد توجد في الأضحية إن وجد بعضها يمنع الإجزاء .
وقال بعضهم: لا بأس بالتضحية بالحيوان مع وجودها .
وسأذكر ما وقفت عليه من الصفات وسأرتبها حسب أعضاء الحيوان :
أولاً: صفات في العين :
1. العمياء: وهي فاقدة العينين ، وهذه باتفاق الفقهاء لا تجزئ في الأضحية ، لأن العواء وهي ما فقدت عيناً واحدة لا تجزئ فالعمياء من باب أولى .
ولكن بعض أهل الظاهر أجازوا التضحية بالعمياء ، لأن النهي ورد في الحديث عن التضحية بالعوراء وهذا جمود على ظاهر النص ، لأن العمى عور مضاعف والراجح هو عدم إجزاء العمياء (1) .
2. العوراء: وهي التي فقدت عينها أو فقدت الإبصار بها مع بقاء العين وهذه لا تجزئ باتفاق الفقهاء ، إن كان العور بيِّناً كما ورد النص في حديث البراء لأن العور قد أذهب عضواً منها ويقصر بها في الرعي فيقل لحمها ولأن العور موكس لثمنها (2) .
3. العشواء: وهي التي تبصر نهاراً ولا تبصر ليلاً عند الفقهاء ، وفي اللغة العشى ضعف البصر (3) .
والصحيح أن العشواء مجزئة في الأضحية لأنها تبصر في وقت الرعي والعشى لا يؤثر
عليها (4) .
4. الحولاء: وهي التي في عينها حول ، وهذه تجزئ لأن الحول لا يؤثر عليها ولا يمنعها من الرعي (5) .
5. العمشاء: وهي التي يسيل دمعها مع ضعف البصر (1) . قال ابن منظور :[ والعمش أن لا تزال العين تسيل الدمع ولا يكاد الأعمش يبصر بها ، وقيل العمش ضعف رؤية العين مع سيلان دمعها في أكثر أوقاته … واستعمله قيس بن ذريح في الإبل … ] (2) .
والعمشاء تجزئ في الأضحية (3) .
6. التي في عينها بياض ، تجزئ في الأضحية نص على ذلك المالكية والحنابلة (4) .
----------------------------------
(3) سنن النسائي 7/217 ، الفتح الرباني 13/77 .
(4) الإحسان 13/242 .
(5) المستدرك 4/250 ، شرح السنة 4/337 ، وانظر شرح معاني الآثار 4/169-171 .
(6) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/360 .
(7) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/74 .
(8) سنن النسائي 7/217-218 ، سنن ابن ماجة 2/1051 ، الفتح الرباني 13/77 .
(9) المستدرك 4/249 .
(1) المجموع 8/400 ، الحاوي 15/81 ، بدائع الصنائع 4/214 ، القوانين الفقهية ص127 ، كشاف القناع 3/5 .
(2) المجموع 8/400 ، الحاوي 15/80-81 ، بدائع الصنائع 4/214 ، القوانين الفقهية ص127 ، كشاف القناع 3/5 .
(3) المصباح المنير ص412 .
(4) المجموع 8/400 ، الحاوي 15/81 .
(5) حاشية ابن عابدين 6/325 ، الفتاوى الهندية 5/298 ، الحاوي 15/81 .
(1) المصباح المنير ص429 .
(2) لسان العرب 9/398 .
(3) المجموع 8/400 .
-----------------------------------
قال : إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم ، فاقضي ما يقضي الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت . فلما كنا بمكة أُتيتُ بلحم بقر . فقلت : ما هذا ؟ قالوا : ضحى رسول الله عن أزواجه بالبقر ) (1) ، ورواه مسلم أيضاً (2) .
أدلة الحنفية :
وأما الحنفية فقالوا إنها لا تجب على المسافر ، لأنها لا تتأدى بكل مال ، ولا في كل زمان، بل بحيوان مخصوص في وقت مخصوص ، والمسافر لا يظفر به في كل مكان في وقت الأضحية ، فلو أوجبنا عليه ، لاحتاج إلى حمله مع نفسه وفيه من الحرج ما لا يخفى أو احتاج إلى ترك السفر ، وفيه ضرر ، فدعت الضرورة إلى امتناع الوجوب (1) .
واحتجوا بما جاء في الحديث :( من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ) .
قال التهانوي :[ ثم هو يدل على اشتراط الإقامة أيضاً ، لأن المسافر جعله الشارع مصرفاً للصدقات ، ولو كان غنياً في وطنه ، فلا يكون ذا سعة في سفره فلا يجب عليه العبادة المالية التي يطالب بإقامتها في الحال كالأضحية … ] (2) .
واحتج الحنفية بما ورد عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا لا يضحون في السفر ولا في الحج فمن ذلك :
1. ما رواه عبد الرزاق بإسناده عن عمر بن الخطاب أنه كان يحج فلا يضحي (3) .
2. وروى أيضاً بإسناده عن نافع عن ابن عمر قال :[ لم يكن أحد من أهله يسأله بالمدينة ضحية إلا ضحى عنه وكان لا يضحي عنهم بمنى ] (4) .
3. وروى أيضاً بسنده عن إبراهيم النخعي قال:[رخص للحاج والمسافر أن لا يضحي] (5)
4. وروى عنه أيضاً قال :[ كانوا يحجون ومعهم الأوراق فلا يضحون ] (6) .
5. وروى عنه أيضاً قال :[ كانوا إذا شهدوا ضحوا وإذا سافروا لم يضحوا ] (7) .
6. وذكر ابن حزم بسنده عن النخعي قال :[ كان عمر يحج ولا يضحي وكان أصحابنا يحجون معهم الورق والذهب فلا يضحون ما يمنعهم من ذلك إلا ليتفرغوا لنسكهم ] (8).
أدلة الإمام مالك :
ويرى الإمام مالك أن الحاج إنما هو مخاطب في الأصل بالهدي ، فإذا أراد أن يضحي جعله هدياً ، والناس غير الحاج إنما أمروا بالأضحية ، ليتشبهوا بأهل منى فيحصل لهم حظ من أجرهم (1) .
وقال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي – بعد أن ذكر الخلاف في المسألة – مرجحاً مذهب الإمام مالك ما نصه :[ أظهر القولين دليلاً عندي في هذا الفرع قول مالك وأصحابه وإن خالفهم الجمهور ، وأن الأضحية لا تسن للحاج بمنى ، وأن ما يذبحه هدي لا أضحية ، وأن الاستدلال بحديث عائشة المتفق عليه المذكور آنفاً لا تنهض به الحجة على مالك وأصحابه ، ووجه كون مذهب مالك أرجح في نظرنا هنا مما ذهب إليه جمهور أهل العلم ، هو أن القرآن العظيم دالٌ عليه ، ولم يثبت ما يخالف دلالة القرآن عليه ، سالماً من المعارض من كتاب أو سنة ، ووجه دلالة القرآن على أن ما يذبحه الحاج بمنى هدي لا أضحية ، هو ما قدمناه موضحاً لأن قوله تعالى:} وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا { سورة الحج الآيتان 27-28 ، فيه معنى أذن في الناس بالحج : يأتوك مشاةً وركباناً لحكم .منها : شهودهم منافع لهم ، ومنها : ذكرهم اسم الله عَلَى } مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ { عند ذبحها تقرباً إلى الله ، والذي يكون من حكم التأذين فيهم بالحج ، حتى يأتوا مشاةً وركباناً ، ويشهدوا المنافع ويتقربوا بالذبح ، إنما هو الهدي خاصة دون الأضحية
--------------------------------------
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/100-101 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 3/310 .
(1) بدائع الصنائع 4/195 .
(2) إعلاء السنن 17/235 ، وانظر الاختيار 5/17 .
(3) المصنف 4/382 .
(4) المصدر السابق 4/381 .
(5) المصدر السابق 4/382 .
(6) المصدر السابق 4/382 .
(7) المصدر السابق 4/382 .
(8) المحلى 6/37 .
(1) انظر تفسير القرطبي 12/47 .
----------------------------------
لإجماع العلماء على أن للمضحي : أن يذبح أضحيته في أي مكان شاءه من أقطار الدنيا ، ولا يحتاج في التقرب بالأضحية ، إلى إتيانهم مشاة وركباناً من كل فج عميق ، فالآية ظاهرة في الهدي ، دون الأضحية ، وما كان القرآن أظهر فيه وجب تقديمه على غيره . أما الاحتجاج بحديث عائشة المتفق عليه ( أنه ضحى ببقر عن نسائه يوم النحر صلوات الله وسلامه عليه ) فلا تنهض به الحجة ، لكثرة الأحاديث الصحيحة المصرحة بأنهن متمتعات ، وأن ذلك البقر هدي واجب ، وهو هدي التمتع المنصوص عليه في القرآن وأن عائشة منهن قارنة ، والبقرة التي ذبحت عنها ، هدي قران ، سواء قلنا إنها استقلت بذبح بقرة عنها وحدها ، كما قدمناه في بعض الروايات
الصحيحة ، أو كان بالاشتراك مع غيرها في بقرة ، كما قال به بعضهم ، وأكثر الروايات ليس فيها لفظ ( ضحى ) بل فيها ( أهدى ) وفيها ( ذبح عن نسائه ) وفيها ( نحر عن نسائه ) فلفظ ( ضحى ) من تصرف بعض الرواة للجزم بأن ما ذبح عنهن من البقر يوم النحر بمنى هدي تمتع بالنسبة لغير عائشة وهدي قران بالنسبة إليها ، كما هو معلوم بالأحاديث الصحيحة ، التي لا نزاع فيها ، وبهذا الذي ذكرنا تعلم أن ظاهر القرآن مع مالك ، والحديث ليس فيه حجة عليه .
وقال ابن حجر في فتح الباري في باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن بعد ذكره رواية :( ضحى ) المذكورة ما نصه : والظاهر أن التصرف من الرواة ، لأنه في الحديث ذكر النحر ، فحمله بعضهم على الأضحية فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك ، كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ ( أهدى ) وتبين أنه هدي التمتع فليس فيه حجة على مالك في قوله : لا ضحايا على أهل منى . أهـ محل الغرض من فتح الباري ، وهو واضح فيما ذكرنا ، والعلم عند الله تعالى ] (1) .
قلت : إن كلام الشيخ الشنقيطي في بيان عدم صحة الاستدلال بحديث عائشة أن النبي ضحى عن نسائه بالبقر في منى ، كلام قوي ومتجه ، وأن الصواب أن ذلك كان هدياً وليس أضحية .
ولكن يعكر على ترجيح الشيخ الشنقيطي لمذهب الإمام مالك ما رواه مسلم بإسناده عن ثوبان قال : ( ذبح رسول الله ضحيته ثم قال : يا ثوبان أصلح لحم هذه ، فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة ) .
وفي رواية أخرى عند مسلم عن ثوبان مولى رسول الله قال :( قال لي رسول الله في حجة الوداع : أصلح هذا اللحم، قال : فأصلحته فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة ) (2).
ففي هذا الحديث تصريح بأن النبي ضحى وهو حاج مسافر ، ولعل المالكية يقولون إن النبي ضحى بمنى لأنها كانت واجبة في حقه .
ولكن الأدلة لم تنهض على إثبات ذلك ، وقد سبقت الإشارة إلى أن الحديث الوارد في اختصاص النبي بالأضحية على سبيل الوجوب ضعيف لا يثبت (1) .
وأما ما استدل به الحنفية من الآثار عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا لا يضحون في السفر وكذا في منى .
فالجواب : أن لا دلالة في فعلهم على أن الأضحية غير مشروعة في حق المسافر والحاج ، وإنما تدل على تركهم للأضحية في تلك الحال ، لانشغالهم بالسفر أو النسك ، وهذا بناءً على ذهابهم إلى أن الأضحية سنة ، وليست واجبة فيجوز تركها كما قال سعيد بن المسيب لرجل :[ ضحى رسول الله وإن تركته فليس عليك ] (2) .
وسبق أن ذكرت أنه صح عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يظن الناس وجوبها .
وبهذا يظهر لي رجحان قول الجمهور أن الأضحية مشروعة ومسنونة في حق جميع الناس بدواً وحضراً في حال السفر وفي حال الإقامة وللحاج وغيره والله أعلم .
قال النووي :[ … الصواب أن التضحية سنة للحاج بمنى كما هي سنة في غيره ] (3) .
المبحث السابع
في حق من تشرع الأضحية
في حق من تشرع الأضحية
يرى الحنفية أنه يشترط في المضحي أن يكون غنياً ، أي مالكاً لنصاب الزكاة فاضلاً عن حوائجه الأصلية ، ودليلهم على ذلك ما ورد في الحديث :( من وجد سعةً فلم يضح فلا يقربنَّ مصلانا ) فالرسول شرط عليه السعة وهي الغنى ، وهو أن يكون في ملكه مئتا درهم أو عشرون ديناراً أو شيء تبلغ قيمته ذلك ، سوى مسكنه وما يتأثث به وكسوته وكسوة من يمونهم (1) .
وقال المالكية إن الأضحية لا تسن في حق الفقير الذي لا يملك قوت عامه ، وتشرع بحيث لا تجحف بمال المضحي ، بأن لا يحتاج لثمنها في ضرورياته في عامه ، فإن احتاج فهو فقير (2) ، وقالوا إن من ليس معه ثمن الأضحية فلا يتسلف ليضحي (3) .
--------------------------------
(1) أضواء البيان 5/423-424 .
(2) صحيح مسلم مع شرح النووي 5/116 .
(1) انظر التلخيص الحبير 3/118 .
(2) مصنف عبد الرزاق 4/380 .
(3) المجموع 8/383 .
(1) تبيين الحقائق 6/3 ، بدائع الصنائع 4/196 ، حاشية ابن عابدين 6/312 .
(2) بلغة السالك 1/286 ، الذخيرة 4/142 .
-----------------------------------
وقال الشافعية تشرع الأضحية في حق من ملك ثمنها فاضلاً عن حاجته وحاجة من يمونه في يومه وليلته وكسوة فصله ، أي ينبغي أن تكون فاضلة عن يوم العيد وأيام التشريق (4).
وأما الحنابلة فقالوا تشرع الأضحية في حق القادر عليها الذي يمكنه الحصول على ثمنها ولو بالدَّين ، إذا كان يقدر على وفاء دينه (5) .
والذي أرجحه أن الأضحية مشروعة في حق الغني الذي يملك نصاب الزكاة فاضلاً عن حوائجه الأصلية ، ومقداره في يومنا هذا ( 30 رمضان 1419 ) خمسمئة وخمسون ديناراً أردنياً ، وثمن ما يصح أضحية لا يقل عن مئة وخمسين ديناراً ، ومن لا يملك النصاب فهو فقير .
المبحث الثامن
شروط الأضحية
الشرط الأول أن تكون الأضحية من الأنعام
اتفق جمهور أهل العلم بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة (1) على أنه يشترط في الأضحية أن تكون من الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم .
ويشمل ذلك الذكر والأنثى من النوع الواحد ، وكذا الخصي والفحل ، والمعز نوع من الغنم ، والجاموس نوع من البقر .
قال القرطبي :[ والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية وهي الضأن والمعز والإبل والبقر ] (2) .
ولا يصح في الأضاحي شيء من الحيوان الوحشي ، كالغزال ، ولا من الطيور كالديك ، ويدل على ذلك قوله تعالى:} وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ { سورة الحج الآية 34 .
قال القرطبي أيضاً :[ والأنعام هنا هي الإبل والبقر والغنم ] (3) .
ويدل على ذلك أنه لم تنقل التضحية بغير الأنعام عن النبي .
ويدل على ذلك قوله تعالى :} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ { سورة المائدة الآية 1 .
ويدل على ذلك أيضاً أنه لما اختصت الأنعام بوجوب الزكاة ، اختصت بالأضحية ، لأنها قربة .
قال الشافعي :[ هم الأزواج الثمانية التي قال الله تعالى :} ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ { الأنعام الآية 143 . وقال تعالى :} وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ { الأنعام الآية 144 . يعني ذكراً وأنثى ، فاختص هذه الأزواج الثمانية من النعم بثلاثة أحكام :أحدها : وجوب الزكاة فيها. والثاني : اختصاص الأضاحي بها . والثالث : إباحتها في الحرم والإحرام ] (1) .
ونقل عن الحسن بن صالح – من فقهاء السلف المتقدمين - أن بقرة الوحش والظبي تجزئ في الأضحية (2) .
وقال ابن حزم :[ والأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع أو طائر كالفرس والإبل وبقر الوحش والديك وسائر الطير والحيوان الحلال أكله ] (3) .
وزعم ابن حزم أن النصوص تشهد لقوله ، وذلك أن الأضحية قربة إلى الله تعالى فالتقرب إلى الله تعالى – بكل ما لم يمنع منه قرآن ولا نص سنة – حسن .
وقال تعالى :} وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { سورة الحج الآية 77 .
والتقرب إليه عز وجل بما لم يمنع من التقرب إليه به فعل خير .
واحتج بما جاء في الحديث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله :( مثل المهجر إلى الجمعة كمثل من يهدي بدنة ثم كمن يهدي بقرة…. ثم كمن يهدي بيضة ) رواه البخاري بهذا اللفظ (4) .
----------------------------------
(3) شرح الخرشي 3/33 .
(4) مغني المحتاج 6/123 ، الإقناع 2/278 .
(5) كشاف القناع 3/18 ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 26/305 .
(1) المغني 9/440 ، المجموع 8/394 ، بدائع الصنائع 4/205 ، تفسير القرطبي 15/109 ، السيل الجرار 4/78 ،
بداية المجتهد 1/348 .
(2) تفسير القرطبي 15/109 .
(3) تفسير القرطبي 11/44 .
(1) الحاوي 15/75-76 .
(2) المغني 9/440 ، المجموع 8/394 ، بداية المجتهد 1/349 .
(3) المحلى 6/29 .
(4) صحيح البخاري مع الفتح 3/58 .
----------------------------------
واحتج بالحديث الآخر عن أبي هريرة أن رسول قال :( من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ) رواه البخاري ومسلم (5) .
ثم قال ابن حزم :[ ففي هذين الخبرين هدي دجاجة وعصفور وتقريبهما وتقريب بيضة
والأضحية تقريب بلا شك … ولا معترض على هذين النصين أصلاً ]، وذكر ابن حزم قبل ذلك قول بلال :[ ما أبالي لو ضحيت بديك ] وعن ابن عباس في ابتياعه لحماً بدرهمين وقال :[ هذه أضحية ابن عباس ] (1) .
والجواب عن استدلال ابن حزم : أن الآية عامة والأدلة الواردة في التضحية بالأنعام خاصة فتقدم عليها ، لأن الخاص يقدم على العام .
وأما استدلال ابن حزم بالحديثين فمنقوض ، حيث إنه كان يلزم ابن حزم أن يجيز الأضحية بالبيضة لأنها وردت في الحديث ! فلماذا قصر الأضحية على الحيوان والطائر ؟ فأعمل بعض الحديث وأهمل بعضه ، وأيضاً يلزم ابن حزم القول بإجزاء الدجاجة والعصفور والفرس ونحوها في هدايا الحج ، لأن الحديث ورد بلفظ الهدي وهو لا يقول بجوازها في الهدي بل الهدي عنده هو من الأنعام فقط .
والصحيح أن الإهداء المذكور في الحديث مفسر بالتصدق ، وليس المقصود إراقة الدم بدليل ذكر البيضة فيه . وكذلك فقد ورد في الحديث ( فكأنما قرب … ) والتقريب هو التصدق بالمال تقرباً إلى الله عز وجل ، وصحيح أن الأضحية تقريب ولكنها مقيدة بإراقة الدم كالهدي .
وأما احتجاج ابن حزم بما ورد عن بلال وعن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فلا حجة في أحد دون رسول الله عند ابن حزم . وقد ثبت أن رسول الله كان يضحي بالأنعام فقط .
ويمكن أن يحمل فعلهما على أنهما كان معسرين أو لم يضحيا خشية أن يظن الناس أنها واجبة كما نقل عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأما ما نقل عن الحسن بن صالح فهو شاذ مردود مخالف للكتاب وللسنة (2) .
وبعد هذه المناقشة يظهر لي أن القول الراجح والصحيح هو أن الأضحية لا تجزئ إلا من الأنعام والله أعلم .
الشرط الثاني أن تبلغ سن التضحية
اختلف الفقهاء في السن المجزئة في الأضحية على ثلاثة أقوال :
1. اتفق جمهور أهل العلم على أنه لا يجزئ من الإبل و البقر والمعز إلا الثني فما فوقه ويجزئ من الضأن الجذع فما فوقه .
2. وقال الزهري : لا يجزئ الجذع من الضأن ولا من غيره ، ونقل عن ابن عمر ، وبه قال ابن حزم .
3. وقال الأوزاعي : يجزئ الجذع من الإبل والبقر والضأن والمعز ، ونقل عن عطاء (1) .
أدلة العلماء :
استدل جمهور العلماء بما يلي :
1. حديث جابر أن الرسول قال :( لا تذبحوا إلا مسنةً إلا أن يَعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن ) رواه مسلم (2) .
قال الإمام النووي :[ قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها ، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال ] (3) .
2. واحتجوا بما رواه أبو داود بإسناده عن عاصم بن كليب عن أبيه قال :( كنا مع رجل من أصحاب النبي يقال له مجاشع من بني سليم فعزت الغنم ، فأمر منادياً فنادى أن رسول الله كان يقول : إن الجذع يوفِّي مما يوفِّي منه الثني ) قال أبو داود وهو
مجاشع بن مسعود .
ورواه النسائي وابن ماجة والبيهقي والحاكم وقال حديث صحيح . وقال ابن حزم هو في غاية الصحة (4) . وقال الشيخ الألباني : صحيح (5) .
-------------------------------
(5) صحيح البخاري مع الفتح 3/17 –18 ، صحيح مسلم بشرح النووي 2/451 .
(1) المحلى 6/30-31 .
(2) انظر إعلاء السنن 17/229-230 .
(1) المجموع 8/394 ، المغني 9/439 ، تبيين الحقائق 6/7 ، الذخيرة 4/145 ، المحلى 6/13 ، الحاوي 15/76 ، طرح التثريب 5/191 ، فتح الباري 12/111 .
(2) صحيح مسلم مع شرح النووي 5/101 .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم 5/101-102 .
(4) المحلى 6/26 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/356 ، سنن النسائي 7/218-219 ، سنن ابن ماجة 2/1049 ، سنن البيهقي 9/270 ، المستدرك 4/252 .
(5) إرواء الغليل 4/359-360 .
--------------------------------------
3. واستدل الجمهور أيضاً بحديث عقبة بن عامر الجهني قال :( قسم النبي بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقلت : يا رسول الله صارت لي جذعة . قال ضح بها ) رواه البخاري ومسلم (1) .
4. وفي رواية أخرى عن عقبة بن عامر قال :( ضحينا مع رسول الله بجذع من
الضأن ) رواه النسائي وابن الجارود والبيهقي (2) .وقال الحافظ ابن حجر :[ أخرجه النسائي بإسناد قوي ] (3) . وقال الشيخ الألباني :[ وهذا إسناد جيد وقواه الحافظ ] (4) .
وقال الشيخ الألباني في موضع آخر :[ وهذا إسناد جيد رجاله ثقات وإعلال ابن حزم له بقوله :( ابن خبيب هذا مجهول ) ليس بذاك ] (5).
5. وعن أبي كباش قال :( جلبت غنماً جذعاناً إلى المدينة فكسدت عليَّ فلقيت أبا هريرة فقال : سمعت رسول الله يقول : نعم أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن قال : فانتهبه الناس ) رواه الترمذي وقال: حسن غريب ، وقد روي هذا عن أبي هريرة موقوفاً وعثمان بن واقد هو ابن محمد بن زياد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم أن الجذع من الضأن يجزئ في الأضحية (6) .
ورواه أحمد في المسند ورواه البيهقي أيضاً (7) .
وضعفه الشيخ الألباني ثم تراجع عن تضعيفه فقال :[ نستطيع أن نستخلص مما سبق من التحقيق أن حديث هلال هذا ( نعمت الأضحية الجذع من الضأن ) وكذا الذي قبله
- حديث أبي كباش – وإن كان ضعيف المبنى فهو صحيح المعنى يشهد له حديث عقبة ومجاشع ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لما أوردتهما في هذه السلسلة – أي الضعيفة - ولأوردت بدلهما حديث جابر هذا … ] (8) .
6. ويدل لقول الجمهور أيضاً ما جاء في الحديث عن أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله قال :( يجوز الجذع من الضأن أضحية ) رواه ابن ماجة ، وقواه الشيخ الألباني لشواهده (1) .
7. ويؤيد قول الجمهور أيضاً ما جاء عن عمران بن حصين قال : ( لأن أضحي بجذع أحب إليَّ من أن أضحي بهرم ، الله أحق بالغنى والكرم ، وأحبهن إليَّ أن أضحي به ، أحبهن إليَّ بأن أقتنيه) قال الهيثمي :[ رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ] (2)
أدلة ابن حزم ومن وافقه :
احتج ابن حزم بحديث البراء بن عازب وفيه : أن خاله أبا بردة قال :( يا رسول الله إن عندي عناق لبن وهي خير من شاتي لحم . قال : هي خير نسيكتيك ولا تجزئ جذعة عن أحدٍ بعدك ) .
وفي رواية أخرى أن أبا بردة قال لرسول الله :( عندي جذعة خير من مسنتين .
قال : اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك ) .
ثم قال ابن حزم :[ فقطع عليه الصلاة والسلام أن لا تجزئ جذعة عن أحد بعد أبي بردة، فلا يحل لأحد تخصيص نوع دون نوع بذلك ،ولو أن ما دون الجذعة يجزئ لبيَّنه النبي المأمور بالبيان من ربه تعالى :} وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا{ ] (3).
ويرى ابن حزم أن قول الرسول :( لا تجزئ جذعة عن أحد بعدك ) ناسخ لكل الروايات الواردة عن الرسول والآثار الواردة عن الصحابة بإجازة الجذع في
الأضحية (4) .
ويضاف إلى ذلك أن ابن حزم يضعف حديث جابر الذي احتج به الجمهور حيث قال :
----------------------------------
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/100 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/103 .
(2) سنن النسائي 7/219 ، سنن البيهقي 9/270 .
(3) فتح الباري 12/111 .
(4) إرواء الغليل 4/358 .
(5) السلسلة الضعيفة 1/89 .
(6) سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 6/236 .
(7) الفتح الرباني 13/72 ، سنن البيهقي 9/271 .
(8) السلسلة الضعيفة 1/95 .
(1) السلسلة الضعيفة 1/95 .
(2) مجمع الزوائد 4/20 ، وانظر مصنف عبد الرزاق 4/385 ، المحلى 6/26 .
(3) المحلى 6/15-16 .
(4) المصدر السابق 6/22-23 .
---------------------------------
[ … وأما نحن فلا نصححه لأن أبا الزبير مدلس ، ما لم يقل في الخبر إنه سمعه من
جابر … ] (5) .
أدلة الأوزاعي :
ومن الحجة للأوزاعي على إجزاء الجذع مطلقاً في الأضحية حديث عقبة بن عامر :
( أن النبي أعطاه غنماً يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود فذكره للنبي .
فقال : ضح أنت بها ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى .
ونقل الإمام النووي عن أبي عبيد من أهل اللغة وغيره : أن العتود من أولاد المعز ، وهو ما رعى وقوي .
ويجاب عن هذا الحديث بأن البيهقي رواه وفيه زيادة وهي:(ولا رخصة لأحد فيها بعدك )
ثم قال البيهقي :[ فهذه الزيادة إذا كانت محفوظة كانت رخصة له كما رخص لأبي بردة بن نيار ] (1) .
وقال الحافظ ابن حجر مصححاً لهذه الزيادة :[ … فإنها خارجة من مخرج الصحيح فإنها عند البيهقي من طريق عبد الله البوشنجي أحد الائمة الكبار في الحفظ والفقه وسائر فنون العلم ، رواها عن الليث بالسند الذي ساقه البخاري ] (2) .
الترجيح :
الذي يظهر لي رجحان قول الجمهور في أن الأضحية لا تصح بالجذع من الإبل والبقر والمعز ، ويصح الجذع من الضأن دون غيره لحديث جابر المتقدم ولا يصح تضعيف ابن حزم له فإن الحديث رواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد ، وقال الإمام البغوي : هذا حديث صحيح . وصححه الحافظ ابن حجر ، وعزاه الزيلعي وابن الملقن والغماري لمسلم وصححوه ولم يذكروا فيه أي علة (1) .
ويؤيد هذا ما جاء في حديث عقبة وحديث مجاشع ، فإن دلالتهما ظاهر ة في جواز التضحية بالجذع من الضأن دون غيره ، وحديث مجاشع وإن كان بعمومه يشمل الجذع من المعز ، فقد جاء ما يدل على أنه غير مراد وهو حديث البراء قال :( ضحى خالي أبو بردة قبل الصلاة . فقال رسول الله : تلك شاة لحم ، فقال : يا رسول الله إن عندي جذعة من المعز . فقال : ضحِ بها ولا تصلح لغيرك ) .
وفي رواية ( إذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك ) .
وفي أخرى ( ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى .
فالجذعة المذكورة في الحديث كانت من المعز ، ولكن قامت القرينة على تخصيص أبي بردة بذلك (2) .
وقد اختلف جمهور الفقهاء في المراد بالجذع والثني كما يلي :
قال الحنفية : الجذع من الضأن ما تمت له ستة أشهر فيجوز أن يضحى به إذا كان الجذع عظيماً بحيث لو خلط بالثنيات يشتبه على الناظر من بعد .
وذكر الزعفراني من الحنفية أن الجذع من الضأن ما كان له سبعة أشهر .
وقيل ثمانية أشهر .
وقيل تسعة أشهر .
والثني من الضأن والمعز ما أتم سنة .
والثني من البقر ما أتم سنتين .
والثني من الإبل ما أتم خمس سنين (1) .
وقال المالكية : الجذع من الضأن ما أتم سنة ودخل في الثانية .
والثني من الضأن ما أتم سنتين .
والثني من المعز ما أتم سنتين .
والثني من البقر ما أتم ثلاثاً ودخل في الرابعة .
والثني من الإبل ما أتم خمساً ودخل في السادسة (2) .
وقال الشافعية : الجذع من الضأن ما أتم السنة على أصح الأوجه عندهم ودخل في الثانية. والثني من المعز ما أتم سنتين ، وقيل ما استكمل سنة ودخل في الثانية .
---------------------------------------
(5) المصدر السابق 6/20 .
(1) سنن البيهقي 9/270 .
(2) فتح الباري 12/110 .
(1) شرح السنة 4/331 ، فتح الباري 12/111 ، سنن النسائي 7/218 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/352 ، سنن ابن ماجة 2/1049 ، الفتح الرباني 13/71 ، نصب الراية 4/216 ، تحفة المحتاج 2/531 ، الهداية 6/187-188.
(2) انظر السلسلة الضعيفة 1/93-94 .
(1) تبيين الحقائق 6/7 ، بدائع الصنائع 4/206 .
(2) الذخيرة 4/154 ، شرح الخرشي 3/33-34 ، القوانين الفقهية ص126 .
----------------------------
والثني من البقر ما أتم سنتين ودخل في الثالثة .
والثني من الإبل ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة (3) .
وقال الحنابلة : الجذع من الضأن ما له ستة أشهر ودخل في السابع .
والثني من المعز ما أتم سنة ودخل في الثانية .
والثني من البقر ما أتم سنتين ودخل في الثالثة .
والثني من الإبل ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة (4) .
واختلاف الفقهاء في بيان الجذع والثني مردّه إلى اختلاف أهل اللغة فيهما فلا بد من الرجوع إلى كلام اللغويين في تفسير هذين اللفظين .
أما الجذع فقد قال الأزهري :[ … ومن الضأن لثمانية أشهر أو تسعة ] (1) .
وقال الجوهري :[ الجذع قبل الثني والجمع جُذعان وجِذاعٌ والأنثى جذعة والجمع جذعات . تقول منه لولد الشاة في السنة الثانية ولولد البقر والحافر في السنة الثالثة وللإبل في السنة الخامسة : أجذع . والجذع اسم له في زمن ليس بسن تنبت ولا تسقط .وقد قيل في ولد النعجة إنه يجذع في ستة أشهر أو تسعة أشهر وذلك جائز في الأضحية ] (2) .
وأما الثني : فقال الجوهري :[ والثني الذي يلقي ثنيته – واحدة الثنايا من السن – ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة وفي الخف في السنة السادسة ] (3) .
وقال ابن منظور :[ والثني من الإبل : الذي يلقي ثنيته ، وذلك في السادسة ومن الغنم الداخل في السنة الثالثة ، تيساً كان أو كبشاً . التهذيب : البعير إذا استكمل الخامسة وطعن السادسة فهو ثني ، وهو أدنى ما يجوز من سن الإبل في الأضاحي وكذلك من البقر والمعزى ، فأما الضأن فيجوز منها الجذع في الأضاحي ، وإنما سمي البعير ثنياً لأنه ألقى ثنيته … والثني من الغنم الذي استكمل الثانية ودخل في السادسة ثم ثني في السنة الثالثة مثل الشاة سواء ] (4) .
وبعد هذا أقول إن ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة في بيان الجذع من الضأن له أساس قوي في لغة العرب وبناءً عليه أرى أن الراجح هو قولهم بجواز الأضحية بما مضى عليه أكثر العام من الضأن وهو الجذع ، أي مضى عليه ستة أشهر فأكثر ، وخاصة إذا كان عظيماً بحيث لو خلط بالثنيات يشتبه على الناظر من بعد .
قال إبراهيم النخعي :[ الجذع من الضأن يجزئ إذا كان عظيماً ] (5) .
حكم التضحية بالعجول المسمّنة التي لم تبلغ السن المقرر شرعاً
إن الالتزام بالسن المقرر شرعاً في الأضحية أمر مطلوب شرعاً ، ولا تجوز مخالفته بالنقص عنه ، وتجوز الزيادة عليه ، ولكن بعض الناس تعارفوا في بعض مناطق فلسطين ، على التضحية بالعجول المسمنة التي تقل أعمارها عن السن المطلوب ، وغالبها له من العمر تسعة أشهر إلى سنة ونصف ، ويظنون أن هذه العجول السمينة تجزئ في الأضاحي وقد بحثت هذه المسألة بحثاً مطولاً في كتب الفقهاء ، فلم أجد أحداً منهم ، قال بجواز النقص عن السن المقرر شرعاً ، حتى إني لأظن - ولا أجزم - بأن قضية السن في الأضحية تعبدية حيث خُصَّ من هذا الحكم ، واحد من الصحابة أو اثنان ، بنص أحاديث النبي كما سيأتي وبناءاً على ذلك أقول:
لقد وردت الأحاديث التي أشارت إلى السن المعتبر في الأضاحي ، والتي اعتمد عليها الفقهاء في تحديد السن المعتبر في الأضاحي ، واعتبروا ذلك شرطاً من شروط صحة الأضحية .
فقد اتفق العلماء على أنه تجوز التضحية بالثني فما فوقه من الإبل والبقر والغنم ، والمراد بالثني من الإبل ما أكمل خمس سنين ودخل في السادسة ، ومن البقر ما أكمل سنتين ودخل في الثالثة ، ومن الغنم ما أكمل سنة ودخل في الثانية .
قال في المصباح المنير :[ الثني الجمل يدخل في السادسة … والثني أيضاً الذي يلقي ثنيته يكون من ذوات الظلف والحافر في السنة الثالثة ومن ذوات الخف في السنة السادسة ] (1).
واتفق العلماء على أنه لا تجوز التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز .
واختلفوا في الجذع من الضأن :
قال الإمام الشافعي : [ الضحايا الجذع من الضأن ، والثني من المعز والإبل والبقر ، ولا يكون شيء دون هذا ضحية ] (2) .
-----------------------------------
(3) الحاوي 15/77 ، كفاية الأخيار ص529 ، طرح التثريب 5/194 .
(4) المغني 9/440 ، كشاف القناع 2/531-532 ، منار السبيل 1/272 .
(1) لسان العرب 2/219-220 مادة جذع ، وانظر تاج العروس 11/58 مادة جذع .
(2) الصحاح 3/1194 مادة جذع .
(3) الصحاح 6/2295 ماد ثنى .
(4) لسان العرب 2/141-142 مادة ثنيّ ، وانظر تاج العروس 19/257-258 مادة ثنى .
(5) الآثار لأبي يوسف ص63 .
(1) المصباح المنير ص85 .
(2) الأم 2/223 .
-----------------------------------
قال الإمام النووي:[ وأجمعت الأمة على أنه لا تجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني ] (3)
ونقل ابن قدامة عن أئمة اللغة :[ إذا مضت الخامسة على البعير ودخل في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثني … وأما البقرة فهي التي لها سنتان لأن النبي قال :( لا تذبحوا إلا مسنة ) ومسنة البقر التي لها سنتان ] (1).
وقال الإمام النووي :[ قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال وهذا مجمع عليه ] (2).
وقد اتفق العلماء على أنه لا يجزئ الجذع من البقر والجذع من البقر هو من وقت ولادته إلى أن يبلغ سنتين من عمره والعجل المسمن الذي يبلغ تسعة أشهر هو جذع فلا يجزئ في الأضحية وكونه سميناً وأكثر لحماً من الذي بلغ سنتين من عمره ليس سبباً في ترك السن المعتمدة وهي سنتان فأكثر .
وإن المدقق في الأحاديث التي أشارت إلى السن يرى أنه لا يجوز تجاوز تلك السن ويدل على ذلك الأحاديث التالية :
1. عن البراء بن عازب قال : قال النبي :( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر من فعله فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال إن عندي جذعة ، فقال إذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك ) رواه البخاري وقد مضى.
2. قال الإمام البخاري : باب قول النبي لأبي بردة :( ضح بالجذع من المعز ولن تجزئ عن أحد بعدك ) ثم ساق حديث البراء المتقدم برواية أخرى :( ضحى خال لي يقال له
أبو بردة قبل الصلاة فقال له رسول الله :شاتك شاة لحم . فقال: يا رسول الله: إن عندي داجناً جذعة من المعز . فقال النبي : إذبحها ولا تصلح لغيرك ) (3).
وقد ورد في عدة روايات اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز وشاركه في الاختصاص عقبة بن عامر والألفاظ التي تدل على الاختصاص كما بينها الحافظ
ابن حجر :( ولا رخصة فيها لأحد بعدك ) ، ( ولن تجزئ عن أحد بعدك ) ، ( وليست فيها رخصة لأحد بعدك ) (1) .وهذا التخصيص من النبي يدل على أنه لا تصح
التضحية بالجذع من الإبل والبقر والماعز ، وهو الذي اعتمد عليه الفقهاء في قولهم
إنه لا تجوز التضحية بما دون السنتين من البقر .
وبناءً على ما تقدم أقول :
لا تصح التضحية بالعجول المسمنة مهما بلغ وزنها ولا بد من الالتزام بالسن المقرر عند الفقهاء في البقر وهو سنتان ،ولا يصح النقص عنه .
جاء في الفتاوى الهندية :[ وتقدير هذه الأسنان بما قلنا يمنع النقصان ولا يمنع الزيادة حتى ولو ضحى بأقل من ذلك شيئاً لا يجوز ولو ضحى بأكثر من ذلك شيئاً يجوز ويكون أفضل ولا يجوز في الأضحية حمل ولا جدي ولا عجول ولا فصيل ] (2).
وينبغي أن يعلم أنه ليس المقصود من الأضحية اللحم فقط ، وتوزيعه صدقة أو هدية ، وإنما يقصد بالأضحية أيضاً تعظيم شعائر الله عز وجل ، وإراقة الدم كوسيلة من وسائل الشكر لله تعالى ، قال الله تعالى :} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { سورة الحج الآية 32 .
وكذلك الامتثال لأمر الله عز وجل بإراقة الدم ، اقتداءً بإبراهيم عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى :}لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ { سورة الحج
الآية 37 . (3)
الشرط الثالث
أن تكون الأضحية سليمة من العيوب المانعة من صحة الأضحية
لمَّا كانت الأضحية قربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً ، فينبغي أن تكون الأضحية ، طيبة ، وسمينة ، وخالية من العيوب التي تنقص من لحمها وشحمها ، فقد ثبت في الحديث عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله :
( أربعٌ لا تجوز في الأضاحي : العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير التي لا تنقي .
قال : – أي الراوي عن البراء وهو عبيد بن فيروز – قلت : فإني أكره النقص في السن .
-----------------------------
(3) المجموع 8/394 .
(1) المغني 9/440 .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 13/101 –102 .
(3) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 12/108-109 .
(1) فتح الباري 12/109 .
(2) الفتاوى الهندية 5/297 .
(3) يسألونك 3/101-103 .
--------------------------------
قال : - أي البراء – ما كرهتَ فدعه ، ولا تحرمه على أحد ) رواه أصحاب السنن .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم .
وصححه الشيخ الألباني (1) .
وحديث البراء هذا هو الأصل في باب العيوب في الأضحية وبناءً عليه قال أهل العلم
لا يجزئ في الأضاحي ما يلي :
أولاً : العوراء البين عورها ، ومن باب أولى العمياء .
ثانياً : المريضة البين مرضها .
ثالثاً : العرجاء البين عرجها ، ومن باب أولى مقطوعة الرجل .
رابعاً : الكسير التي لا تنقي ، وهي التي لا تقوم ولا تنهض من الهزال .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها لا أعلم خلافاً بين العلماء فيها . ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها ولا سيما إذا كانت العلة فيها أبين ، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز فالعمياء أحرى ألا تجوز ، وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أو التي لا رجل لها المقعدة أحرى ألا تجوز ، وهذا كله واضح لا خلاف فيه ] (2) .
وحديث البراء يدل على أن المرض الخفيف لا يضر ، وكذا العرج الخفيف الذي تلحق به الشاة الغنم لقوله البين مرضها ، والبين عرجها وكذا ما كان فيها هزال خفيف .
والمرض البين هو المفسد للحم والمنقص للثمن ؛ فلا تجزئ كما لو كانت جرباء أو كان بها بُثُورٌ وقروح . وكذا العجفاء التي لا تنقي ، فالعجف فرط الهزال المذهب للَّحم .
والتي لا تنقي أي لا مخ فيها لعجفها (1) .
وقد وردت بعض الأحاديث الأخرى في العيوب التي تمنع إجزاء الأضحية أذكرها وأبيِّنُ ما قال أهل الحديث فيها :
1. عن يزيد ذو مصر قال :( أتيت عتبة بن عبدٍ السُلمي فقلت : يا أبا الوليد إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئاً يعجبني غير ثرماء فكرهتها فما تقول . قال: أفلا جئتني بها. قلت: سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني . قال: نعم إنك تشك ولا أشك ، إنما نهى رسول الله عن المصفرة والمستأصَلة والبخقاء والمشيَّعة وكسرى .
والمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو سماخها .
والمستأصَلة التي استؤصل قرنها من أصله .
والبخقاء التي تُبخق عينها والبخق هو أقبح العور .
والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفاً وضعفاً .
والكسراء هي الكسيرة ) .
رواه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري (2) ورواه أحمد (3) والحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي (4) .
2. وروى أبو داود بإسناده عن شريح بن النعمان وكان رجل صدق عن علي قال :
( أمرنا رسول الله أن نستشرف العين والأذنين ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء ) .
قال زهير – أحد رجال السند – فقلت لأبي إسحاق أذكر عضباء ؟ قال : لا .
قلت: فما المقابلة ؟ قال: يقطع طرف الأذن .
قلت: فما المدابرة ؟ قال: يقطع من مؤخر الأذن .
قلت: فما الشرقاء ؟ قال: تشق الأذن .
قلت: فما الخرقاء ؟ قال: تخرق أذنها للسِّمة ) (1) .
ورواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح ؛ ثم قال قوله : أن نستشرف ، أي أن ننظر صحيحاً (2). والمقصود أن ننظر إليهما ونتأمل في سلامتهما من آفة تكون بهما .
ورواه النسائي وأحمد (3) ورواه ابن حبان دون قوله :( ولا نضحي بعوراء … الخ )
---------------------------------
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/357-358 ، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/67 ، سنن النسائي 7/214 ، سنن ابن ماجة 2/1050 ، إرواء الغليل 4/361 .
(2) فتح المالك 7/6 .
(1) الحاوي 15/81-82 ، وانظر الاستذكار 15/125 .
(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/358 .
(3) الفتح الرباني 13/78 .
(4) المستدرك 4/250-251 .
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/359 ، وانظر الاستذكار 15/127-128 .
(2) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/68 .
------------------------------
وقال محققه: إسناده قوي (4) .
ورواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي . وحسَّنه محقق شرح
السنة (5) .
3. وروى أبو داود بإسناده عن قتادة عن جُري بن كليب عن علي :( أن النبي نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن ) (6) .
ثم قال أبو داود جُرَيٌّ سدوسي بصري لم يحدث عنه إلا قتادة .
ثم روى بسنده عن قتادة قال : قلت لسعيد بن المسيب: ما الأعضب ؟ قال :النصف فما فوقه . وسكت عنه أبو داود والمنذري .
ورواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح (7) ورواه النسائي وابن ماجة ورواه أحمد (8) ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (9) .
ذكر صفات قد توجد في الأضحية واختلاف الفقهاء فيها
ذكر الفقهاء صفات كثيرة قد توجد في الأضحية إن وجد بعضها يمنع الإجزاء .
وقال بعضهم: لا بأس بالتضحية بالحيوان مع وجودها .
وسأذكر ما وقفت عليه من الصفات وسأرتبها حسب أعضاء الحيوان :
أولاً: صفات في العين :
1. العمياء: وهي فاقدة العينين ، وهذه باتفاق الفقهاء لا تجزئ في الأضحية ، لأن العواء وهي ما فقدت عيناً واحدة لا تجزئ فالعمياء من باب أولى .
ولكن بعض أهل الظاهر أجازوا التضحية بالعمياء ، لأن النهي ورد في الحديث عن التضحية بالعوراء وهذا جمود على ظاهر النص ، لأن العمى عور مضاعف والراجح هو عدم إجزاء العمياء (1) .
2. العوراء: وهي التي فقدت عينها أو فقدت الإبصار بها مع بقاء العين وهذه لا تجزئ باتفاق الفقهاء ، إن كان العور بيِّناً كما ورد النص في حديث البراء لأن العور قد أذهب عضواً منها ويقصر بها في الرعي فيقل لحمها ولأن العور موكس لثمنها (2) .
3. العشواء: وهي التي تبصر نهاراً ولا تبصر ليلاً عند الفقهاء ، وفي اللغة العشى ضعف البصر (3) .
والصحيح أن العشواء مجزئة في الأضحية لأنها تبصر في وقت الرعي والعشى لا يؤثر
عليها (4) .
4. الحولاء: وهي التي في عينها حول ، وهذه تجزئ لأن الحول لا يؤثر عليها ولا يمنعها من الرعي (5) .
5. العمشاء: وهي التي يسيل دمعها مع ضعف البصر (1) . قال ابن منظور :[ والعمش أن لا تزال العين تسيل الدمع ولا يكاد الأعمش يبصر بها ، وقيل العمش ضعف رؤية العين مع سيلان دمعها في أكثر أوقاته … واستعمله قيس بن ذريح في الإبل … ] (2) .
والعمشاء تجزئ في الأضحية (3) .
6. التي في عينها بياض ، تجزئ في الأضحية نص على ذلك المالكية والحنابلة (4) .
----------------------------------
(3) سنن النسائي 7/217 ، الفتح الرباني 13/77 .
(4) الإحسان 13/242 .
(5) المستدرك 4/250 ، شرح السنة 4/337 ، وانظر شرح معاني الآثار 4/169-171 .
(6) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/360 .
(7) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/74 .
(8) سنن النسائي 7/217-218 ، سنن ابن ماجة 2/1051 ، الفتح الرباني 13/77 .
(9) المستدرك 4/249 .
(1) المجموع 8/400 ، الحاوي 15/81 ، بدائع الصنائع 4/214 ، القوانين الفقهية ص127 ، كشاف القناع 3/5 .
(2) المجموع 8/400 ، الحاوي 15/80-81 ، بدائع الصنائع 4/214 ، القوانين الفقهية ص127 ، كشاف القناع 3/5 .
(3) المصباح المنير ص412 .
(4) المجموع 8/400 ، الحاوي 15/81 .
(5) حاشية ابن عابدين 6/325 ، الفتاوى الهندية 5/298 ، الحاوي 15/81 .
(1) المصباح المنير ص429 .
(2) لسان العرب 9/398 .
(3) المجموع 8/400 .
-----------------------------------