من دفاتر النكبة (17): قصة معركة عراق المنشية..
د.مصطفى كبها/ خاص بـ عــ48ـرب
عراق
المنشية قرية من قرى قضاء غزة الانتدابي، تبعد عن غزة 30 كم باتجاه الشمال
الشرقي. تحدها من الغرب قرى الفالوجة وحتّا والجسير وعراق سويدان ومن
الشمال الغربي صميل الخليل ومن الشرق بيت جبرين وزيتا الخليل وقد انتشرت من
حولها كذلك مضارب عشيرة الجبارات.
بلغ عدد سكان القرية عشية النكبة قرابة 2500 نسمة، في حين بلغت مساحة أراضيها 14000 دونم زرعت معظمها بالغلال والحبوب والقسم الأخر ببساتين الفواكه (العنب واللوز والزيتون والحمضيات) والخضراوات. كان في القرية مسجدان ومقام (مقام الشيخ أحمد العريني الذي كان يقع على تل صغير في الجهة الشمالية للقرية)، وكذلك مدرسة بلغ عدد طلابها عشية النكبة 270 طالباً.
في ثورة 1936 -1939 كان في القرية فصيل ثوري نسق نشاطه مع قائدي منطقة الخليل عيسى البطاط وبعده عبد الحليم الجولاني.
في حرب عام 1948 وبعد دخول الجيش المصري فلسطين (مع باقي الجيوش العربية ) في الخامس عشر من أيار 1948 تمركزت في عراق المنشية والفالوجة وحدات من الكتيبة المصرية السادسة التي كان يقودها العقيد سيد طه (المعروف بلقب الضبع الأسود ) في حين كان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قائد أركان هذه الكتيبة وقد كان في حينه برتبة بكباشي (مقدّم).
في شهر تشرين الأول 1948 بدأ تراجع للقوات المصرية بعدما كانت قد وصلت إلى منطقة شمال أسدود (على بعد 17كم من تل أبيب) في الغرب وإلى منطقة الخليل وبيت لحم في الشرق.
في الخامس عشر من تشرين الأول قامت وحدة إسرائيلية تابعة للواء "يفتاح" باحتلال خربة الراعي الإستراتيجية المسيطرة على شارع المجدل – الخليل. وقد أوجب ذلك من الجيش المصري محاول استعادة هذه النقطة المهمة. ويفيد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مذكراته عن حرب فلسطين أنه أشرف بنفسه على التحضيرات للهجوم المعاكس الذي تحدد له تمام الساعة الخامسة من فجر يوم السادس عشر من الشهر ذاته.
عندما كانت التحضيرات المصرية للهجوم المعاكس بأوجها والتي كانت تتم في قرية عراق المنشية، قرر يجئال ألون، القائد الإسرائيلي للمنطقة الجنوبية في حينه، مهاجمة عراق المنشية ومنع خروج القوات المصرية للهجوم، وقد حدد ساعة الصفر للهجوم الإسرائيلي الموعد المصري ذاته.
كانت خطة الهجوم الإسرائيلي تقضي بأن تتم مهاجمة عراق المنشية من الشمال، وأن تشترك فيه قوات تابعة للوائين السابع والثامن التابعين للواء النقب بقيادة عوزي نركيس على أن تفوز هذه القوات بدعم من سلاح الجو واللواء المدرع الثاني والثمانين الذي أمد العملية بطاقمين انجليزيين لدبابتي "كرومويل" مع مدافع قطرها 57 ملم وثمانية طواقم شغلت ثماني دبابات فرنسية من طراز هوتشكيز مع مدافع قطرها 37 ملم، هذا إضافة إلى بضعة مدرعات خفيفة وسيارات الجيب المصفحة.
كان من المفروض أن تتم السيطرة على بعض مرابض المدفعية المحيطة بكيبوتس "جات" والمشرفة على عراق المنشية، وذلك تحت غطاء من القصف الجوي المركز، والذي كان من المفروض أن يبدأ تمام الساعة الخامسة صباحاً ولكن الطائرات تأخرت بالوصول وتم إرجاء الشروع به ساعة كاملة، بحيث بدأ بقصف مركز على مدرسة القرية التي تحصن فيها الجنود المصريون وبقصف على طول الشارع العام الذي يربط عراق المنشية بالفالوجة.
لم يطل الوقت وبدأ المصريون يردون على القوات المهاجمة بقصف مدفعي عنيف بقنابل زنة 25 رطلاً، من المدافع المصرية المنصوبة في الفالوجة وفي تل الشيخ العريني المشرف على عراق المنشية. ولما لم يكن لظهور الدبابات الإسرائيلية العامل النفسي الهدام الذي توقعه يتسحاق سديه في توجيهاته للقوات المهاجمة، بدأت القوات المصرية بهجوم معاكس ضد بعض السرايا الإسرائيلية التي نجحت بالتسلل نحو القرية تحت غطاء القصف المدفعي والجوي المركز. كانت المعركة الفاصلة في محيط مدرسة القرية التي وصلت طلائع القوة الإسرائيلية المدرعة إلى بعد أمتار قليلة عنها. وهناك تم إعطاب دبابتين من طراز هوتشكيز والاستيلاء على أخريين في حين تم إصابة وأسر كافة طواقمها.
مع تقدم ساعات القتال تمت إصابة أكثر من ثلث القوات المهاجمة وإعطاب نسبة كبيرة من عتادها الحربي، في حين لم يتمكن سلاح الجو من التدخل في ظل الالتحام الحاصل بين القوات في محيطي المدرسة وتل الشيخ العريني.
تراجعت القوات المهاجمة في الساعة العاشرة قبل الظهر لتبدأ موجة هجوم أخرى في الحادية عشرة، وقد قام المدافعون المصريون بصد هذه الموجة أيضاً تمام الثانية بعد الظهر بعد أن تكبدت المزيد من القتلى والجرحى وخسرت أربع دبابات أخرى.
لم تيأس القوات المهاجمة وزجت لأرض المعركة بقوات جديدة بدأت هجوماً ثالثاً في الرابعة والنصف استمر حتى غروب الشمس. وقد صده هذه المرة هجوم مصري كاسح، وتتبع بالقصف المدفعي المركز فلول المهاجمين حتى قرية القسطينة المهجرة. كانت الخسائر البشرية للقوات المهاجمة 74 قتيلاً و81 جريحاً، في حين بلغت خسائر الطرف العربي 24 شهيداً (منهم أربعة من المدنيين الفلسطينيين والباقي جنود مصريون) و32 جريحاً (نصفهم من المدنيين).
لم تهاجم القوات الإسرائيلية، هجوماً مباشراً، عراق المنشية مرة أخرى، بل تجاوزتها في تقدمها نحو الجنوب لاحتلال بئر السبع وباقي أجزاء النقب. بقيت هذه القرية وقرية الفالوجة صامدتين فيما عرف باسم " جيب الفالوجة حتى تم توقيع اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل وانسحاب القوات المصرية من ذلك الجيب وعن ذلك سنتحدث في حلقات قادمة من هذه السلسلة.
بلغ عدد سكان القرية عشية النكبة قرابة 2500 نسمة، في حين بلغت مساحة أراضيها 14000 دونم زرعت معظمها بالغلال والحبوب والقسم الأخر ببساتين الفواكه (العنب واللوز والزيتون والحمضيات) والخضراوات. كان في القرية مسجدان ومقام (مقام الشيخ أحمد العريني الذي كان يقع على تل صغير في الجهة الشمالية للقرية)، وكذلك مدرسة بلغ عدد طلابها عشية النكبة 270 طالباً.
في ثورة 1936 -1939 كان في القرية فصيل ثوري نسق نشاطه مع قائدي منطقة الخليل عيسى البطاط وبعده عبد الحليم الجولاني.
في حرب عام 1948 وبعد دخول الجيش المصري فلسطين (مع باقي الجيوش العربية ) في الخامس عشر من أيار 1948 تمركزت في عراق المنشية والفالوجة وحدات من الكتيبة المصرية السادسة التي كان يقودها العقيد سيد طه (المعروف بلقب الضبع الأسود ) في حين كان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قائد أركان هذه الكتيبة وقد كان في حينه برتبة بكباشي (مقدّم).
في شهر تشرين الأول 1948 بدأ تراجع للقوات المصرية بعدما كانت قد وصلت إلى منطقة شمال أسدود (على بعد 17كم من تل أبيب) في الغرب وإلى منطقة الخليل وبيت لحم في الشرق.
في الخامس عشر من تشرين الأول قامت وحدة إسرائيلية تابعة للواء "يفتاح" باحتلال خربة الراعي الإستراتيجية المسيطرة على شارع المجدل – الخليل. وقد أوجب ذلك من الجيش المصري محاول استعادة هذه النقطة المهمة. ويفيد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مذكراته عن حرب فلسطين أنه أشرف بنفسه على التحضيرات للهجوم المعاكس الذي تحدد له تمام الساعة الخامسة من فجر يوم السادس عشر من الشهر ذاته.
عندما كانت التحضيرات المصرية للهجوم المعاكس بأوجها والتي كانت تتم في قرية عراق المنشية، قرر يجئال ألون، القائد الإسرائيلي للمنطقة الجنوبية في حينه، مهاجمة عراق المنشية ومنع خروج القوات المصرية للهجوم، وقد حدد ساعة الصفر للهجوم الإسرائيلي الموعد المصري ذاته.
كانت خطة الهجوم الإسرائيلي تقضي بأن تتم مهاجمة عراق المنشية من الشمال، وأن تشترك فيه قوات تابعة للوائين السابع والثامن التابعين للواء النقب بقيادة عوزي نركيس على أن تفوز هذه القوات بدعم من سلاح الجو واللواء المدرع الثاني والثمانين الذي أمد العملية بطاقمين انجليزيين لدبابتي "كرومويل" مع مدافع قطرها 57 ملم وثمانية طواقم شغلت ثماني دبابات فرنسية من طراز هوتشكيز مع مدافع قطرها 37 ملم، هذا إضافة إلى بضعة مدرعات خفيفة وسيارات الجيب المصفحة.
كان من المفروض أن تتم السيطرة على بعض مرابض المدفعية المحيطة بكيبوتس "جات" والمشرفة على عراق المنشية، وذلك تحت غطاء من القصف الجوي المركز، والذي كان من المفروض أن يبدأ تمام الساعة الخامسة صباحاً ولكن الطائرات تأخرت بالوصول وتم إرجاء الشروع به ساعة كاملة، بحيث بدأ بقصف مركز على مدرسة القرية التي تحصن فيها الجنود المصريون وبقصف على طول الشارع العام الذي يربط عراق المنشية بالفالوجة.
لم يطل الوقت وبدأ المصريون يردون على القوات المهاجمة بقصف مدفعي عنيف بقنابل زنة 25 رطلاً، من المدافع المصرية المنصوبة في الفالوجة وفي تل الشيخ العريني المشرف على عراق المنشية. ولما لم يكن لظهور الدبابات الإسرائيلية العامل النفسي الهدام الذي توقعه يتسحاق سديه في توجيهاته للقوات المهاجمة، بدأت القوات المصرية بهجوم معاكس ضد بعض السرايا الإسرائيلية التي نجحت بالتسلل نحو القرية تحت غطاء القصف المدفعي والجوي المركز. كانت المعركة الفاصلة في محيط مدرسة القرية التي وصلت طلائع القوة الإسرائيلية المدرعة إلى بعد أمتار قليلة عنها. وهناك تم إعطاب دبابتين من طراز هوتشكيز والاستيلاء على أخريين في حين تم إصابة وأسر كافة طواقمها.
مع تقدم ساعات القتال تمت إصابة أكثر من ثلث القوات المهاجمة وإعطاب نسبة كبيرة من عتادها الحربي، في حين لم يتمكن سلاح الجو من التدخل في ظل الالتحام الحاصل بين القوات في محيطي المدرسة وتل الشيخ العريني.
تراجعت القوات المهاجمة في الساعة العاشرة قبل الظهر لتبدأ موجة هجوم أخرى في الحادية عشرة، وقد قام المدافعون المصريون بصد هذه الموجة أيضاً تمام الثانية بعد الظهر بعد أن تكبدت المزيد من القتلى والجرحى وخسرت أربع دبابات أخرى.
لم تيأس القوات المهاجمة وزجت لأرض المعركة بقوات جديدة بدأت هجوماً ثالثاً في الرابعة والنصف استمر حتى غروب الشمس. وقد صده هذه المرة هجوم مصري كاسح، وتتبع بالقصف المدفعي المركز فلول المهاجمين حتى قرية القسطينة المهجرة. كانت الخسائر البشرية للقوات المهاجمة 74 قتيلاً و81 جريحاً، في حين بلغت خسائر الطرف العربي 24 شهيداً (منهم أربعة من المدنيين الفلسطينيين والباقي جنود مصريون) و32 جريحاً (نصفهم من المدنيين).
لم تهاجم القوات الإسرائيلية، هجوماً مباشراً، عراق المنشية مرة أخرى، بل تجاوزتها في تقدمها نحو الجنوب لاحتلال بئر السبع وباقي أجزاء النقب. بقيت هذه القرية وقرية الفالوجة صامدتين فيما عرف باسم " جيب الفالوجة حتى تم توقيع اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل وانسحاب القوات المصرية من ذلك الجيب وعن ذلك سنتحدث في حلقات قادمة من هذه السلسلة.