سليمان بشارات/ صحفي فلسطيني
عند وقوفنا لدراسة أي مجتمع من
المجتمعات، فإننا نلامس فارقا بين كل هذه المجتمعات
في كثير من النقاط، وبنفس الوقت قد يكون هناك نقاط التقاء أيضا بينها. ويكون ذلك كله (التلاقي أو التباعد) نتيجة لعوامل وظروف محيطة، وللطبيعة الجغرافية، إضافة لعدد آخر من العوامل التي تمس بشكل مباشر هذه التشكيلة الاجتماعية.
والمجتمع الفلسطيني كأحد هذه المجتمعات
هو الآخر له تكويناته الخاصة به، وله خصائصه ومميزاته،
وله مراحل للبناء والتطور المعتمدة على الظروف التي مر بها، لذلك
يمكن ملاحظة أن المجتمع الفلسطيني له ميزة تختلف عن باقي المجتمعات الأخرى لا سيما أن
الظروف المحيطة به مختلفة إلى حد ما عن باقي المجتمعات.
ولتكون دراستنا واضحة المعالم
والأهداف لا بد لنا أن نقسمها لتمثل عددا من المحاور والنقاط والتي ستكون كما يلي:
1.المراحل التي مر بها المجتمع الفلسطيني، وخصائص كل منها، وهي:
- ما قبل 1948 – 1948
- المرحلة ما بعد 1948- 1967
- مرحلة ما بعد 1967 – 1987
- ما بعد 1987- 1993
- ما بعد 1993- 2000
- ما بعد 2000 حتى الآن.
2.التركيبة الداخلية للمجتمع.
- الحضر
- الريف
- البدو
- اللاجئين
ما قبل 1948 - 1948
عاش المجتمع الفلسطيني كبقية المجتمعات العربية المحيطة، وكان عام 1948 هو
العام الذي فصل المجتمع الفلسطيني عن المحيط وذلك بعد نكبة 48، وهذا بالتالي كان له
تأثير ونقطة تحول لدى الفلسطينيين في
كيفية نمط معيشتهم وتوزيعهم بعد هذه المرحلة.
فقبل هذه النقطة كان المجتمع الفلسطيني مترابطا بين كل مدنه وقراه، ولم يكن هناك أي حاجز
يعيق التنقل بينها.. كما أنه كان أيضا
مفتوحا على المجتمعات الأخرى، لذلك كان من السهل على
الفلسطيني أن يسافر إلى أي قطر أراد والعكس كان يتم أيضا.
فهذه الحالة من الهدوء كان لها
أثر في بناء وتماسك المجتمع الذي كان يعتمد في الغالب على العائلة الكبرى أو ما يطلق عليه (الحمولة)
وكان قريبا في حياته من حياة البداوة، واعتماده في ذلك
الوقت كان إما على التجارة أو
الزراعة أو رعي الأغنام وهي مصادر بناء المجتمع آنذاك.
ما بعد 48- 1967:
عام 48 كان يمثل للشعب الفلسطيني نقطة
تاريخية وتحول دراماتيكي، فقبيل هذا العام
بسنوات قلائل كانت الهجرة اليهودية قد بدأت إلى فلسطين وأخذ اليهود بإنشاء كيان لهم على هذه الأرض لمحاولة الاستيلاء عليها وطرد أهلها.
فكانت نكبة 48 هي النقطة التي
أخرجوا فيها اليهود مخططهم الكبير إلى حيز الوجود، فأخذت
العصابات الصهيونية باقتحام المدن والقرى الفلسطينية وأعملت فيها المجازر البشعة، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
وتشير الإحصائيات الفلسطينية إلى أن
حرب 48 أدت إلى طرد ما يزيد عن 714 ألف فلسطيني عن أرضه وبيته، وبذلك
عملت على تشتت الشمل الفلسطيني، حيث توزعت هذه
الأعداد الضخمة في عدد من الأماكن سواء داخل الأراضي الفلسطينية (مخيمات للاجئين
في الداخل) أو هجروا إلى الدول المجاورة (الأردن، لبنان، سوريا، مصر).
ولم يتوقف المخطط اليهودي ضد
الفلسطينيين عن عام 48، بل استمر في الأعوام اللاحقة،
وفي الوقت نفسه عملت الحركة الصهيونية العالمية على إيفاد المئات من اليهود من دول العالم إلى فلسطين حيث كانت تهدف من ذلك الضغط على
الوجود الفلسطيني ومحاولة رفع عدد اليهود المتواجدين في
فلسطين بحيث يكون لهم كيان وهيكلية تدفع بالكيان
الفلسطيني إلى الخارج وطرده عن وطنه.
ويمكن تحديد المناطق التي احتلت عام
48 بأنها هي الأراضي الفلسطينية التي يطلق عليها
اليوم (داخل الخط الأخضر)، إضافة إلى قطاع غزة. أما الضفة الغربية فإن احتلالها جاء بمرحلة لاحقة.
مرحلة 67- 1987
بعد المرحلة السابقة وما تبعها من
مخططات للقضاء على تماسك المجتمع الفلسطيني، جاءت حرب 1967 لتكمل الجزء الآخر من الحلقة التي
رسمت عام 48، وكانت هذه الحرب بمثابة الاحتلال الكامل للأراضي الفلسطينية وإخضاعها للسيطرة
المحتل، وبنفس الوقت كان الوجود اليهودي قد بدأ يتعاظم وأخذت العصابات
الإسرائيلية بالعمل في تحقيق مخططاتها بالطريقة التي تراها مناسبة،
فكانت عشرات المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينيين؛ وهو ما أضر بآلاف الفلسطينيين واضطرهم إلى ترك منازلهم وقراهم والرحيل بحثا عن الأمن والآمان.
ومن ثم تتابعت هذه الأحداث
الواحدة تلو الأخرى، إلا أن الشعب الفلسطيني كان قد اكتسب
بعض الخبرة من السنوات السابقة.. وكان يعي إلى حد ما المخطط الصهيوني
آنذاك، فكان يحاول بكل الوسائل كسر هذا المخطط، وذلك من خلال عدة طرق نذكر منها:
- البقاء داخل الأراضي الفلسطينية
على الرغم من طرده وإبعاده من الأرض التي ولد بها، وكان لهذه المرحلة أهمية كبيرة على مستوى أبعد حيث حافظ
الفلسطيني على وجودة على أرض فلسطين رغم كل ما تعرض له.
- رفض التدخل اليهودي في مصالحه
الشخصية، وفض النزاعات الداخلية، وكان ذلك يتمثل في القانون العائلي أو العشائري الذي بقي يتعامل به، وهناك عدد من المناطق ما زالت تعمل به في فلسطين حتى الآن.
مرحلة ما بعد 1987- 1994:
وتعتبر هذه المرحلة من أهم الوقفات
في التاريخ الفلسطيني، وهي الانتفاضة الأولى التي
انطلقت للحفاظ على الهوية وترسيخ الوجود الفلسطيني.
فبعد حرب نكبة 76، وما تلاها من
سنوات شبه هدوء بدأ التخوف أن يندمج المجتمع الفلسطيني في الوجود اليهودي أو التأثر به ونسيان حقه في هذه
الأرض، لذلك جاءت هذه الانتفاضة عام (1987)
كمنبه وميقظ للوجود الفلسطيني الذي رفض التعايش مع المحتل.
واستمرت هذه الانتفاضة حتى أواخر
عام 1993.
وملامح هذه المرحلة يمكن إيجازه
في بعض النقاط هي:
- بداية الوعي الحقيقي للشارع
الفلسطيني سواء بمعرفة الحقوق أو حتى بالسعي لتحقيق المستويات العملية والتعليم الذي يشكل أساسا في حرب الوجود.
- عدم القبول بالوصاية الخارجية
ومحاولة أخذ الحق باليد.
- إعادة تماسك المجتمع بشكل أكبر مما كان عليه.
- فرض المجتمع نفسه على الواقع الدولي الذي تناساه وتناسى جرحه مع مرور
الأيام.
- السعي لتشكيل كيان فلسطيني
معترف به دوليا وله مقوماته وأركانه.
ما بعد 1994- 2000:
كما ذكرنا في المرحلة السابقة،
فقد أتت الانتفاضة الفلسطينية بعض ثمارها، وذلك دون إغفال أن المجتمع الفلسطيني قدم فيها كثيرا من التضحيات البشرية والمادية.
فبعد أن حركت هذه الانتفاضة
المياه الراكدة، والهدوء العالمي، سعى المجتمع الدولي محاولا إسكات الصوت الفلسطيني بإعطائه جزءا من الحقوق،
ومن هنا بدأت المفاوضات مع منظمة
التحرير الفلسطينية والتي كانت قيادتها ورئاستها آنذاك
في الخارج، إلا أن المجتمع الفلسطيني الداخلي (الشعب) كان يرفض كل المفاوضات التي تنقص
الشعب الفلسطيني أي جزء من حقه.
تمخضت هذه المفاوضات أخيرا عن اتفاق
أوسلو في العام 1993، وبدأت تطبيقه على أرض الواقع
مع بداية 1994، ومن هنا كان هذا العام تاريخا جديدا يضاف إلى سجلات الشعب الفلسطيني.
مميزات هذه المرحلة:
- هدوء مشوب بالحذر من أي تطور
جديد.
- دخول السلطة الفلسطينية والبدء
بتطبيق الحكم الذاتي في بعض المدن الفلسطينية.
وكانت بداية بمدينة غزة ثم أريحا، وبعدها انطلق ليشمل عددا آخر من مدن الضفة والقطاع.
- أعاد المجتمع بعض هيكليته الداخلية لتتلاءم مع الوضع الجديد.
- عملية بناء داخل المجتمع الفلسطيني، لكن هذا البناء كان بطيئا وخاصة على المستوى
الرسمي، وذلك قد يعود للضغوط
الخارجية عليه التي تتخوف من مدى اكتمال الحلقة الفلسطينية الداخلية
والخارجية.
- استغلت إسرائيل فترة الهدوء هذه
لتبث سمها بشكل متخف بين المجتمع الفلسطيني وسلطته لمحاولة الفتنة الداخلية وإشعال الحرب
الأهلية، إلا أن وعي المجتمع الفلسطيني حال دون وقوع ذلك.
المرحلة ما بعد 2000 وحتى الآن.
وهذه المرحلة بالتحديد هي ما بعد 29
سبتمبر 2000، أي بعد انطلاقة انتفاضة الأقصى التي يعلم الجميع
أسباب انطلاقتها والاستفزاز الإسرائيلي في اقتحام المسجد
الأقصى من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي إريل شارون له.
بعد فشل إسرائيل في تحقيق
مخططاتها والإيقاع بين الفلسطينيين أنفسهم كما تحدثنا
في المرحلة السابقة، بدأت إسرائيل تبحث عن قضايا تستفز بها المجتمع الفلسطيني، وبالتالي لكي لا تلزم هي الأخرى بالاتفاقيات التي
وقعتها.
فانطلقت انتفاضة الأقصى لتعيد
الحق لأهلة، وترفع الكرامة الفلسطينية لأهلها.
ملامح هذه المرحلة يمكن أن نجملها
بما يلي:
-حاولت إسرائيل إيقاع الشعب
الفلسطيني في فك الخلاف الداخلي (السلطة والمعارضة)، أو من خلال العملاء لها بين
الشعب.
-إدراك الشعب الفلسطيني ووعيه للمخطط الصهيوني بات أكثر إدراكا وبالتالي فإن الاتفاقيات كلها تعتبر ملغاة (بالنسبة للشعب) لأن إسرائيل لا تحترم المواثيق.
-المجتمع الفلسطيني بات يعيش في
كنتونات معزولة، وذلك بسبب الإغلاق والحصار الدائم للمدن والقرى الفلسطينية.
-سعت إسرائيل لتدمير البنية
التحتية للمؤسسة الفلسطينية التي تجعل المجتمع أكثر تماسكا وقوة، لكن رغم هذه الهجمة الشرسة من قبل الاحتلال
فإن تماسك المجتمع جعله يصمد في وجه هذه الغطرسة.
-توحد الصف الفلسطيني خلف هدف واحد وهو المقاومة ودعمها من أجل الحصول على الحق؛ لذلك فالمدن والقرى والمخيمات كلها انتفضت مقاومة للمحتل.
2- التركيبة الداخلية للمجتمع.
وفي هذه النقطة سنحاول عرض سريع
لتركيبة
المجتمع الفلسطيني التي يمكن تقسيمها إلى الحضر (المدينة)، الريف
وأشباه الريف (القرية والبلدة)، وأخيرا مخيمات اللاجئين.
يبلغ عدد سكان الضفة الغربية نحو
مليوني نسمة مع نهاية عام 2003، منهم 33.4% يعيشون في مناطق حضرية و66.6% يتوزعون
ما بين مناطق ريفية ومخيمات للاجئين. أما في قطاع غزة
فيبلغ عدد السكان الكلي نحو مليون نسمة، يعيش ما يقارب 45% في المخيمات، 48% في مدن يزيد عدد سكانها عن 10.000 نسمة، 7% يعيشون في قرى يقل عدد سكانها عن 10.000 نسمة.
خصائص كل منطقة يمكن إجمالها
كالآتي:
1. المناطق الحضرية: ويقصد بها
المدن، وتتميز هذه باحتوائها على الخدمات البلدية والإدارية (الكهرباء، المياه، الصرف الصحي، شبكات الهاتف... إلخ) والإدارية المتمثلة بالدوائر الحكومية الرسمية.
كما أنها تتميز بالنشاط التجاري
أو الصناعي أو كليهما معا، وهذا بالتالي يجعل حركة
رؤوس الأموال فيها أكبر من باقي المناطق الفلسطينية، وبالتالي أيضا اختلاف في المستوى المعيشي للأفراد.
2. مناطق الريف وأشباه الريف: وهي المناطق
التي تأتي مباشرة بعد المدينة من حيث عدد السكان، وتحتوي هي الأخرى على الخدمات البلدية، لكنها لا تحتوي على الخدمات الإدارية.
أما فيما يتعلق بنوعية الأعمال
التي يقوم بها مواطنوها فتتمثل في توريد الأيدي العاملة
للمناطق الحضرية (بمختلف المجالات) أعمال الزراعة بشكل واسع وربما هنا قسم آخر يعمل بالتجارة لكن ليس كما في المدن.
المستوى المعيشي للفرد فيها أقل
من المدينة، وذلك طبعا لحركة رؤوس الأموال الأقل إذا ما قورنت بالمدينة.
في المناطق شبه الريفية ترتفع
نسبة المواطنين الذين يعملون في مجال تربية المواشي،
وبالتالي يعتبرون المصدر الأساسي لجميع مشتقات الثروة الحيوانية سواء للمدينة أو الريف أو المخيم.
3. مخيمات اللاجئين:
وهي عبارة عن المخيمات التي أقيمت
لإسكان الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم من أراضيهم
وقراهم من قبل العصابات الصهيونية، وغالبا هذه المخيمات تكون متواجدة
بالقرب من المدن الفلسطينية
.
ويوجد نحو 524 ألف لاجئ في الضفة
موزع نحو 130 ألف منهم على 18 مخيما، أما في قطاع غزة فيبلغ عدد اللاجئين حوالي 435,263
نسمة.
وتتميز هذه المخيمات بما يلي:
- كثافة عدد السكان على مساحة
صغيرة من الأرض.
- ضعف الخدمات البلدية المقدمة
للمواطنين.
- انخفاض المستوى المعيشية
والاعتماد بشكل أساسي على ما تقدمة وكالة الغوث واللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) وهي اللجنة الدولية المطالب منها
الاهتمام بقضايا اللاجئين.
هكذا يمكن أن يكون الباحث قد
استطاع من خلال هذه الجولة الصغيرة رسم بعض الملامح
للمجتمع الفلسطيني الذي سطر ملامح الصمود الأسطوري في تاريخ المجتمعات
كلها، فالبرغم من كل مراحل التغير التي مر بها فإنه استطاع أن يتكيف مع كل منها ويتعامل معه بالإطار المناسب.
المصادر والمراجع التي اعتمدها
الباحث:
- الموسوعة الفلسطينية (الجزء
الأول).
- كتاب الطرق إلى بيت المقدس "القضية
الفلسطينية منذ آدم عليه السلام حتى سنة 1992".