المفصل في أحكام الأضحية، في صفات الأضحية، - 6 -
ثانياً: صفات في الأذن :
1. السكاء: من السكك وهو صغر الأذنين ويقال إذن سكاء أي صغيرة (5) .
وقد تسمى صمعاء ، والصمع لصوق الأذنين وصغرهما (6) .
قال القرافي :[ والسكاء وهي الصغيرة الأذن وهي الصمعاء ] (7) .
والسكاء والصمعاء تجزئ في الأضحية وقد نص على ذلك الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة (8) .
وقد روى البيهقي بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يرى بأساً أن يضحى بالصمعاء .
قال أبو عبيد : قال الأصمعي :[ الصمعاء هي الصغيرة الأذن ] (9) .
2. التي خلقت بلا أذنين أو خلقت بأذن واحدة :
وهذه لا تجزئ عند الحنفية والمالكية والشافعية ،وتجزىء عند الحنابلة (10) .
قال الماوردي :[ فأما التي خلقت لا أذن لها قال الشافعي في الجديد لا تجوز الأضحية بها لأنه نقص عضو من خلقتها ] (1) . وقول الجمهور أقوى دليلاً وأحوط .
3. المُقَابَلَةُ: وهي التي قطع من مقدم أذنها قطعة ، وتدلت في مقابلة الأذن ولم تنفصل (2) .
فهذه تجزئ مع الكراهة عند المالكية والشافعية والحنابلة ، وقال الحنفية تجزئ بلا كراهة (3)
قال الكاساني :[ وما روي أن رسول نهى أن يضحى بالشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة … فالنهي في الشرقاء والمقابلة والمدابرة محمول على الندب ، وفي الخرقاء على الكثير …] (4) . وقول الجمهور أولى .
4. المدابرة: وهي ما قطع من مؤخر إذنها قطعة وتدلت ولم تنفصل وهي عكس
المقابلة (5) وهذه تجزئ عند المالكية والشافعية والحنابلة مع الكراهة ، وقال الحنفية تجزئ بلا كراهة (6). وقول الجمهور أولى أيضاً .
5. الشرقاء: وهي مشقوقة الأذن وتسمى عند أهل اللغة أيضاً عضباء (7) ، وهذه تجزئ مع الكراهة عند المالكية والشافعية والحنابلة وهو الأولى . وقال الحنفية تجزئ بلا كراهة (8) .
6. الخرقاء: وهي التي في إذنها خرق وهو ثقب مستدير (9) وهذه تجزئ مع الكراهة عند المالكية والشافعية والحنابلة (10) .
---------------------------------
(4) الذخيرة 4/146 ، شرح الخرشي 3/35 ، المغني 9/441 ، كشاف القناع 3/6 .
(5) المصباح المنير ص282 .
(6) المصباح المنير ص347 .
(7) الذخيرة 4/147 .
(8) الفتاوى البزازية 3/293 ، الذخيرة 4/147 ، المجموع 8/401 ، الحاوي 15/83 ، المغني 9/442 ،
كشاف القناع 3/6 ، الاستذكار 15/128 .
(9) سنن البيهقي 9/276 .
(10) حاشية ابن عابدين 6/324 ، شرح الخرشي 3/35 ، المجموع 8/401 ، منار السبيل 1/272 .
(1) الحاوي 15/83 .
(2) المصباح المنير ص488 .
(3) القوانين الفقهية ص127 ، المجموع 8/402 ، الحاوي 15/82 ، المغني 9/443 ، بدائع الصنائع 4/216 ،
الفتاوى الهندية 5/298 .
(4) بدائع الصنائع 4/216 .
(5) المصباح المنير ص488 .
(6) القوانين الفقهية ص127 ، المجموع 8/402 ، الحاوي 15/82 ، المغني 9/443 ، بدائع الصنائع 4/216 ،
الفتاوى الهندية 5/298 وانظر كلام الكاساني المتقدم .
(7) المصباح المنير ص311 وص414 .
(8) القوانين الفقهية ص127 ، المجموع 8/402 ، الحاوي 15/82 ، المغني 9/443 ، بدائع الصنائع 4/216 ،
الفتاوى الهندية 5/298 وانظر كلام الكاساني المتقدم .
-----------------------------------
وقال الحنفية تجزئ بلا كراهة ، والنهي الوارد في الحديث عن الخرقاء ، يحمل على الخرق الكثير دون القليل (1) . وقول الجمهور أولى أيضاً .
7. مقطوعة الأذنين أو مقطوعة الأذن ، وهذه غير التي سبقت في رقم (2) لأن تلك خلقت بلا أذنين أو بلا أذن ، وأما هذه فقطعت أذناها أو أذنها . ومقطوعة الأذنين لا تجزئ وكذا مقطوعة الأذن ، لا تجزئ عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
هذا إذا كان القطع لجميع الأذن ، وأما إذا قُطِعَ بعضُ الأذن ، فقال الحنفية والحنابلة إذا قطع أكثر الأذن لا تجزئ ، ويؤيد قولهم حديث علي السابق :( نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن. وقال قتادة:قلت لسعيد بن المسيب ما الأعضب ؟ قال : النصف فما فوقه )
فقد اعتبر الأكثر .
وقال المالكية إن كان المقطوع ثلث الأذن فدون أجزأت . وقال الشافعية إن قطعَ بعض الأذن يمنع من الإجزاء (2) .
ولأهل اللغة تفصيل في صفة القطع من الأذن ؛ قال ابن منظور :[ والقصواء التي قطع طرف أذنها ، وكل ما قطع من الأذن فهو جدع ، فإذا بلغ الربع فهو قصو ، فإذا جاوزه فهو عضب ، فإذا استؤصلت فهو صلم ] (3) .
فالناقة مقطوعة الأذن تسمى قصواء وعضباء وصلماء وجدعاء .
ومذهب الحنفية والحنابلة هو الأرجح .
ثالثاً: صفات في القرن :
1. الجماء: التي لم يخلق لها قرن وتسمى جلحاء أيضاً (4) .
قال الأزهري من أئمة اللغة :[ …إن الجلحاء من الشاء والبقر بمنزلة الجماء التي لا
قرن لها ] (5) .
وهذه مجزئة في الأضحية باتفاق أصحاب المذاهب الأربعة (1) .
2. مكسورة القرن: وتسمى عضباء وقصماء (2) .
قال ابن دريد من أئمة اللغة :[ القصماء من المعز المكسورة القرن الخارج ، والعضباء المكسورة القرن الداخل وهو المشاش ] (3) .
والعضب صفة تكون في الأذن وفي القرن أيضاً . قال أبو عبيد من أئمة اللغة :[ الأعضب المكسور القرن الداخل … وقد يكون العضب في الأذن أيضاً ، فأما المعروف ففي القرن وهو فيه أكثر ] (4).
ويؤيده ما ورد في حديث علي السابق ( أنه نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن ) .
ومكسورة القرن تجزئ عند الشافعية مع الكراهة .
قال الماوردي :[ فتجوز الأضحية بالجلحاء ، وهي الجماء التي خلقت لا قرن لها ، وبالعضباء وهي المكسورة القرن سواء دمي موضع قرنها بالكسر أو لم يدم ] (5) .
وقال الحنفية تجزئ مكسورة القرن إلا إذا بلغ الكسر الدماغ (6) .
وعند المالكية ثلاثة أقوال :
1. تجزئ .
---------------------------------
(9) المصباح المنير ص167 .
(10) القوانين الفقهية ص127 ، المهذب 8/399 ، الحاوي15/82 ، كشاف القناع 3/6 ، المغني 9/443 .
(1) بدائع الصنائع 4/216 ، الفتاوى الهندية 5/298 ، ملتقى الأبحر 2/224 .
(2) حاشية ابن عابدين 6/323 ، الفتاوى الهندية 5/297 ، القوانين الفقهية ص127 ، شرح الخرشي 3/36 ، الحاوي 15/83 ، كشاف القناع 5/3 ، المغني 9/441 ، بدائع الصنائع 4/215 .
(3) لسان العرب 11/200 .
(4) المصباح المنير ص104 ، ص110 .
(5) لسان العرب 2/319 .
(1) بدائع الصنائع 4/216 ، ملتقى الأبحر 2/224 ، الذخيرة 4/147 ، جامع الأمهات ص229 ، الحاوي 15/84 ، المغني 9/442 .
(2) لسان العرب 9/252 .
(3) لسان العرب 11/197 .
(4) لسان العرب 11/197 .
(5) الحاوي 15/84 ، وانظر المجموع 8/402 .
(6) الفتاوى البزازية 3/293 ، بدائع الصنائع 4/216 .
----------------------------------
2. لا تجزئ .
3. الفرق بين أن يدمي القرن المكسور أو لا يدمي ، فإن كان القرن يدمي من الكسر ، فلا تجزئ وإن كان لا يدمي تجزئ ، وهو القول المشهور في المذهب (7) .
وقال الحنابلة لا تجزئ مكسورة القرن (8).
وحجة من قال بالإجزاء ، أن القرن ليس عضواً مأكولاً ، كما أن فقده لا يؤدي إلى فساد اللحم ، وهذا بخلاف العضب في الأذن ، لأن الأذن عضو مأكول .
والنهي الوارد في حديث علي ( أن النبي نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن ) محمول على الكراهة دون التحريم (1) .
والراجح أنها تجزىء إلا إذا كان الدم يسيل فتكره حيتئذ .
قال الحافظ ابن عبد البر : [ جمهور العلماء على القول بجواز الضحية المكسورة القرن إذا كان لا يدمي ، فإن كان يدمي ، فقد كرهه مالك ، وكأنه جعله مرضاً بيِّناً.
وقد روى قتادة عن جري بن كليب عن علي أن رسول الله نهى عن أعضب القرن والأذن .
قال قتادة : فقلت لسعيد بن المسيب : ما عضب الأذن والقرن ؟ قال : النصف أو أكثر .
قال أبو عمر : لا يوجد ذكر القرن في غير هذا الحديث … وهذا الذي عليه جماعة الفقهاء في القرن … وفي إجماعهم على إجازة الضحية بالجماء ما يبين لك أنَّ حديث القرن لا يثبت ولا يصح وهو منسوخ ؛ لأنه معلوم أن ذهاب القرنين معاً أكثر من ذهاب بعض أحدهما ] (2) .
رابعاً: صفات في الأنف :
الجدعاء: وهي مقطوعة الأنف ، والجدع يستعمل في قطع الأنف والأذن والشفة واليد ونحوها (3).
وقد نص فقهاء الحنفية على أن مقطوعة الأنف لا تجزئ لذهاب عضو منها (4) .
خامساً: صفات في اللسان والأسنان :
1. الهتماء: وهي التي انكسرت ثنيتها وهو فوق الثرم (5) .
وعند الفقهاء الهتماء التي ذهبت أسنانها والثرماء التي ذهبت بعض أسنانها .
فالهتماء وهي التي ذهبت جميع أسنانها : قال الشافعية والمالكية وأبو يوسف من الحنفية لا تجزئ . وعند أبي حنيفة تجزئ إذا كانت ترعى وتعتلف ، وهو قول الحنابلة (1) .
وأما الثرماء وهي التي ذهبت بعض أسنانها فتجوز عند أبي حنيفة إذا كانت تعتلف ، وهو قول الشافعية والحنابلة في أصح الوجهين عندهم .
ولأبي يوسف فيها قولان :قول اعتبر فيه بقاء أكثر الأسنان .
وقول اعتبر فيه الاعتلاف (2) .
والراجح أن الهتماء والثرماء تجزئان في الأضحية ويدل على ذلك ما يلي:
أ. ما سبق في حديث يزيد ذو مصر وفيه :( إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئاً يعجبني غير ثرماء فكرهتها . فما تقول ؟ قال : أفلا جئتني بها .
قلت : سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني . قال نعم إنك تشك ولا أشك … الخ )
ب. ويؤيد ذلك ما سبق في حديث البراء في عيوب الأضحية غير المجزئة ، حيث قال الراوي عن البراء وهو عبيد بن فيروز للبراء : قال : قلت : فإني أكره أن يكون في السن نقص فقال البراء : ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد .
ج. ورد عن طاووس أنه قال في الهتماء : يضحى بها .
د. ونقل القاضي حسين عن الإمام الشافعي أنه قال : لا نحفظ عن النبي في نقص الأسنان شيء . يعني في النهي (3) .
-----------------------------------
(7) القوانين الفقهية ص127 ، الذخيرة 4/146 .
(8) كشاف القناع 3/6 ، الفروع 3/542 ، المغني 9/441 ، منار السبيل 1/273 .
(1) الحاوي 15/84 .
(2) الاستذكار 15/132-134 .
(3) لسان العرب 2/207 ، المصباح المنير ص93 .
(4) حاشية ابن عابدين 6/324 ، الفتاوى الهندية 5/298 .
(5) لسان العرب 15/26 ، المصباح المنير ص633 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/324 ، المجموع 8/401 ، الفروع 3/524 ،كشاف القناع 3/6 ، الذخيرة 4/148 .
(2) إعلاء السنن 17/287 ، وانظر المصادر في الهامش السابق .
--------------------------------------
2. التي لا لسان لها أصلاً تجزئ عند الحنفية إذا كانت من الغنم فقط .
وأما إذا كانت من البقر فلا تجزئ ، لأن البقر يأخذ العلف باللسان ، فإذا انقطع من اللسان أكثر من الثلث فلا تجزئ عندهم.
وقال الشافعية مقطوعة بعض اللسان لا تجزئ (4) .
وهو والراجح لذهاب عضو مأكول .
سادساً: صفات في الضرع :
والضرع: لذات الظلف كالثدي للمرأة ويسمى أيضاً الطُّبْي ، ويجمع على أطْباء .
وإن كان الطُّبْي يستعمل أيضاً في ذات الخف (1) .
1. الجدَّاء: قال ابن منظور :[ شاة جدَّاء قليلة اللبن يابسة الضرع وكذلك الناقة والأتان .
وقيل الجدَّاء من كل حلوبة الذاهبة اللبن عن عيب …
الجدَّاء الشاة التي انقطعت أخلافها…
وقيل … هي المقطوعة الضرع
وقيل هي اليابسة الأخلاف … ] (2) .
وقال الفقهاء إن الجدَّاء التي يبس ضرعها ، لا تجزئ لأن بها نقصاً في الخلقة كذا علله الإمام أحمد (3) .
وكذلك فإن مقطوعة الأَطْبَاء لا تجزئ لذهاب عضو منها (4) .
2. وأما التي خلقت بلا ضرع فتجزئ ، وكذا صغيرة الضرع خلقةً فتجزئ ، وكذا التي لها ضرع ولكن لا تحلب تجزئ أيضاً (5) .
سابعاً: صفات في الذنب والألية :
والذنب للإبل والبقر والمعز والألية للضأن .
1. البتراء والمبتورة بمعنى واحد ، وهي التي لا ذنب لها خلقةً أو مقطوعاً (6) .
فإن كانت لا ذنب لها ، خلقة فتجزئ عند الحنابلة ، ولا تجزئ عند الحنفية والمالكية
والشافعية .
وإن كان لها ذنب فقطع فتجزئ عند الحنابلة أيضاً ، ولا تجزئ عند الحنفية والمالكية والشافعية (7) .
فإن كان بعض الذنب مقطوعاً فتجزئ عند الحنابلة . وأما الحنفية فقالوا مقطوعة أكثر الذنب لا تجزئ فإن كان يسيراً أجزأت . وعند المالكية مقطوعة ثلث الذنب فأكثر
لا تجزئ (1) .
وعند الشافعية لا تجزئ . والراجح أن مقطوعة الذنب لا تجزىء ، لأنه يعد عيباً فيها .
2. المخلوقة بلا ألية أصلاً تجزئ عند أبي حنيفة والشافعية والحنابلة ولا تجزئ عند المالكية(2)
وأما مقطوعة الألية وهي التي كانت لها ألية فقطعت ، فلا تجزئ عند الفقهاء ، لأنها فقدت عضواً مأكولاً (3) .
وأما إن قطع بعض أليتها فاختلف الفقهاء :
فقال الحنفية: إن كان القطع يسيراً أجزأت ، وإن كان كثيراً لم تجزئ .
وقال المالكية: إن كان القطع ثلث الألية فأكثر فلا تجزئ .
وقال الحنابلة: إن قطع دون النصف أجزأت (4) .
---------------------------------
(3) التلخيص الحبير 4/141 .
(4) حاشية ابن عابدين 6/352 ، المجموع 8/401 .
(1) المصباح المنير ص361،369 .
(2) لسان العرب 2/201 .
(3) الفروع 3/542 .
(4) حاشية ابن عابدين 6/324 ، شرح الخرشي 3/36 ، المغني 9/442 ، كشاف القناع 3/6 ، الفتاوى الهندية 5/298
(5) المجموع 8/401 ، حاشية ابن عابدين 6/324 ، الفتاوى البزازية 3/293 .
(6) لسان العرب 1/309 ، المصباح المنير ص35 .
(7) المغني 9/442 ، كشاف القناع 3/6 ، حاشية ابن عابدين 6/325 ، شرح الخرشي 3/35 ، الحاوي 15/83 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/323 ، المغني 9/442 ، شرح الخرشي 3/35 ، الحاوي 15/83 .
(2) المصادر السابقة .
(3) المصادر السابقة .
(4) المصادر السابقة .
----------------------------------
وأما إن كان لها ألية صغيرة تشبه الذنب فهي مجزئة (5) .
والذي أرجحه من أقوال الفقهاء جواز الأضحية بالتي خلقت بلا ذنب أو ألية .
وقد نقل جوازها عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن النخعي (6)
ثامناً: صفات أخرى :
1. الهيماء :من الهيام وهو داء يأخذ الإبل فتهيم في الأرض لا ترعى .
وقيل هو داء كالحمى يصيب الإبل لشربها ماءاً آسناً (7) .
وقال الشافعية في وجه عندهم لا تجزئ الهيماء (8) .
والذي يظهر لي أن الهيماء لا يصح أن يضحى بها إن كانت هزيلة بسبب مرضها ، وإلا فتجزئ إن كانت سمينة .
2. الثولاء :من الثَوَل ، وهو داء يصيب الشاة فتسترخي أعضاؤها ، وقيل هو جنون يصيب الشاة فلا تتبع الغنم وتستدبر في مرتعها ، وقيل هو داء يأخذ الغنم في ظهورها ورؤوسها فتخر منه (1) . ويصف الفقهاء الثولاء بأنها المجنونة التي تستدبر المرعى ولا ترعى إلا قليلاً فتهزل ، فإذا كانت كذلك فلا تجزئ في الأضحية .
وأما إذا لم يمنعها الثول من الرعي والاعتلاف فتجزئ إذا كانت سمينة (2) . وورد عن الحسن أنه قال : لا بأس أن يضحى بالثولاء ، وهذا محمول على أنها سمينة (3) .
3. الجرباء :من الجرب وهو مرض يصيب الدواب والناس أيضاً (4) . والجرباء لا تجزئ في الأضحية لأن بها مرضاً مفسداً للحم كما أن النفوس تعافها وهذا مذهب الجمهور .
وقال الحنفية تجزئ الجرباء إذا كانت سمينة فإن كانت مهزولة فلا تجزئ (5) .
ويظهر لي أن القول بعدم الإجزاء هو الأرجح .
4. المشيعة :وهي التي لاتتبع الغنم عجفاً وضعفاً ، وقيل هي التي لا تتبع الغنم عادة وكسلاً
وقد قال الفقهاء إن كانت لا تتبع الغنم لهزالها وضعفها ، فلا تجزئ وهذه التي ورد النهي عن التضحية بها في حديث يزيد ذو مصر السابق وفيه ( والمشيعة … ) .
وأما إذا كانت لا تتبع الغنم عادة وكسلاً فتجزئ (6) .
5. الموجوء والخصي :الموجوء من الوجء وهو أن ترض أنثيا – خصيتا – الفحل رضاً شديداً يذهب شهوة الجماع .
وقيل أن توجأ العروق والخصيتان بحالهما (7) .
والخصي : من الخصاء وهو سلُّ خصيتي الفحل (1) .
وقد قال أكثر الفقهاء إن الخصي والموجوء يجزئان في الأضحية .
قال ابن قدامة :[ ويجزئ الخصي لأن النبي :ضحى بكبشين موجؤين ... وبهذا قال الحسن وعطاء والشعبي والنخعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً ] (2) .
وقد نسب بعض الشافعية إلى القول الجديد للشافعي أن الخصي لا يجزئ في الأضحية ، لأنه قد فات منه الخصيتان وهما مأكولتان .
وهذا بناءاً على التفريق بين الموجوء والخصي ، لأن الوجئ هو رض عروق البيضتين ، والخصاء هو سلهما ، وأشار إلى هذا الزركشي .
----------------------------------
(5) الفتاوى البزازية 3/293 .
(6) فتح المالك 7/7 .
(7) لسان العرب 15/183 ، المصباح المنير ص645 .
(8) المجموع 8/400 ، الحاوي 15/82 .
(1) لسان العرب 2/151 ، المصباح المنير ص88 .
(2) بدائع الصنائع 4/216 ، فتح باب العناية 2/76 ، ملتقى الأبحر 2/224 ، المجموع 8/401 ، الذخيرة 4/147 .
(3) إعلاء السنن 17/278 ، 280 .
(4) لسان العرب 2/227 .
(5) الذخيرة 4/147 ، المجموع 8/400 ، الحاوي 15/81 ، الفروع 3/542 ، بدائع الصنائع 4/216 ، الفتاوى البزازية 3/293 ، ملتقى الأبحر 2/224 .
(6) المجموع 8/402 .
(7) لسان العرب 15/214 ، المصباح المنير ص650 .
(1) لسان العرب 4/114 ، المصباح المنير ص171 .
(2) المغني 9/442 ، وانظر المجموع 8/402 ، حاشية ابن عابدين 6/323 ، الذخيرة 4/147 ، كشاف القناع 3/6 .
-------------------------------------------
وقد اعتبر الإمام النووي أن نسبة هذا إلى الشافعي ضعيفة واعتبره قولاً شاذاً فقال :[ يجزئ الموجوء والخصي ، كذا قطع الأصحاب وهو الصواب . وشذ ابن كج فحكى في الخصي قولين وجعل المنع هو قول الجديد وهذا ضعيف منابذ للحديث الصحيح ] (3) .
وقد ورد في عدد من الأحاديث أن النبي ضحى بكبشين موجوئين منها :
1. عن جابر بن عبد الله قال :( ذبح النبي يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوئين فلما وجهها قال : إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفاً ، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك عن محمد وأمته باسم الله والله أكبر ثم ذبح ) رواه أبو داود والبيهقي وسكت عنه أبو داود وله طرق تقويه (4) .
2. وعن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما :( أن رسول الله كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد ) .
رواه ابن ماجة وأحمد والبيهقي والحاكم وقال الشيخ الألباني : صحيح (1) .
3. وعن أبي الدرداء قال :( ضحى رسول الله بكبشين جذعين خصيين ) رواه أحمد والطبراني وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وفيه مقال (2) .
4. وعن أبي رافع مولى رسول الله قال :( ضحى رسول الله بكبشين أملحين موجوئين خصيين فقال : أحدهما عمَّن شهد بالتوحيد وله بالبلاغ ، والآخر عنه وعن أهل بيته قال : فكأن رسول الله قد كفانا ) .
رواه أحمد وأورده الهيثمي وقال:رواه أحمد وإسناده حسن وقال الشيخ الألباني صحيح (3)
وهذه الأحاديث تدل على جواز التضحية بالموجوء والخصي .
وهو القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة .
قال الخطابي معلقاً على حديث جابر السابق :( وفي هذا دليل على أن الخصي في الضحايا غير مكروه ، وقد كرهه بعض أهل العلم لنقص العضو ، وهذا نقص ليس بعيب لأن الخصاء يفيد اللحم طيباً ، وينفي منه الزهومة وسوء الرائحة ) (4).
وقال ابن قدامة :[ ولأن الخصاء ذهاب عضو غير مستطاب يطيب اللحم بذهابه ويكثر ويسمن . قال الشعبي : ما زاد في لحمه وشحمه أكثر مما ذهب منه ] (5) .
وسئل إبراهيم عن الخصي والفحل أيهما أكمل في الأضحية ؟ قال : الخصي لأنه إنما طلب صلاحه (6) .
6. الفحل : الذي كثر نزوه يجزئ ، وقال المالكية إن فسد لحمه لا يجزئ (7) .
7. الحامل : تجزئ ، وقال أكثر الشافعية لا تجزئ وخالفهم ابن الرفعة فقال تجزئ (8) .
8. المجزوزة : وهي التي جز صوفها تجزئ (1) .
9. المكوية : وهي التي بها كيٌّ تجزئ (2) .
10. الأنثى : وإن كثرت ولادتها تجزئ ، وقال المالكية إذا فسد لحمها لا تجزئ (3).
11. الساعلة : وهي التي بها سعال تجزئ (4) .
---------------------------------------
(3) المجموع 8/401-402 ، وانظر الأجوبة المرضية 2/816 .
(4) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/351 ، إرواء الغليل 4/351 ، سنن البيهقي 9/287 .
(1) سنن ابن ماجة 2/1044 ، الفتح الرباني 13/83 ، المستدرك 4/253 ، سنن البيهقي 9/287 ، صحيح سنن ابن ماجة 2/199 .
(2) الفتح الرباني 13/83 .
(3) الفتح الرباني 13/83 ، إرواء الغليل 4/360 ، مجمع الزوائد 4/21 .
(4) معالم السنن 2/197 .
(5) المغني 9/442 .
(6) عقود الجواهر المنيفة 2/72 .
(7) المجموع 8/401 ، الذخيرة 4/148 .
(8) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 26/307 ، كشاف القناع 3/6 ، الفروع 3/544 ، الإقناع 2/280 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/325 ، الفتاوى الهندية 5/298 .
(2) حاشية ابن عابدين 6/325 ، الفتاوى الهندية 5/297 ، المجموع 8/401 ، الإقناع 2/279 .
(3) المجموع 8/401 ، الذخيرة 4/148 .
(4) حاشية ابن عابدين 6/325 ، الفتاوى الهندية 5/297 .
---------------------------------------
12. فاقدة رجل أو يد لا تجزئ ، لأنها فقدت عضواً مأكولاً (5) .
13.البكماء : التي فقدت صوتها تجزئ لأنه لا يؤثر على لحمها وشحمها . وقال المالكية لا تجزئ (6) .
14. البخراء : وهي متغيرة رائحة الفم تجزئ لأنه شيء عادي أن يكون لها رائحة فم . وقال المالكية لا تجزئ (7) .
15. الخنثى : تجزئ لأنها ذكراً أو أنثى وكلاهما يجزئ وليس فيها ما ينقص اللحم (8)
وخلاصة الأمر أن العيوب التي تمنع الإجزاء هي ما كانت مؤذية للحيوان ومنقصة من لحمه وشحمه وثمنه .
وينبغي أن تكون الأضحية خالية من أي عيب وهذا هو الأكمل والأحسن فقد كان ابن عمر يتقي من الضحايا التي نقص من خلقها .
وورد مثل ذلك عن السلف أنهم يكرهون كل نقص في الضحية .
قال ابن عابدين :[ واختلف أصحابنا في الفاصل بين القليل والكثير .
فعن أبي حنيفة أربع روايات :
روى محمد عنه في الأصل والجامع الصغير أن المانع ذهاب أكثر من الثلث .
وعنه أنه الثلث .
وعنه أنه الربع .
وعنه أن يكون الذاهب أقل من الباقي أو مثله .
والأولى هي ظاهر الرواية …
والرابعة هي قولهما قال في الهداية : وقالا إذا بقي الأكثر من النصف أجزأه وهو اختيار الفقيه أبي الليث .
قال أبو يوسف : أخبرت بقولي أبا حنيفة فقال : قولي هو قولك . قيل هو رجوع منه إلى قول أبي يوسف …
ووجه الرابعة وهو قولهما وإليها رجع الإمام أن الكثير من كل شيء أكثره …
وعليها الفتوى ] (1) .
وعند المالكية ما كان دون الثلث فيسير وما كان فوقه فكثير (2) .
وعند الشافعية قال إمام الحرمين الجويني :[ وأقرب ضبط بين الكثير واليسير أنه إن لاح النقص من البعد فكثير وإلا فقليل ] (3) .
وقال الحنابلة ما كان دون النصف أجزأ ، وما كان أكثر فلا يجزئ ، وفي رواية أخرى أن الحد الفاصل بين القليل والكثير الثلث ، فما كان دونه أجزأ ، وما كان فوقه لا يجزئ (4).
ويرى ابن حزم الظاهري أن التحديد المذكور عند الفقهاء بالثلث أو النصف أو غيره ، لا دليل عليه من الشرع (1) .
ويرى الشوكاني أن المعفو عنه من العيوب ، هو اليسير لأن قوله في حديث البراء :( البين عورها والبين مرضها والبين ظلعها ) يدل على ذلك (2) .
اختلف الفقهاء في هذه المسألة كما يلي :
-----------------------------------------
(5) الفتاوى الهندية 5/299 ، شرح الخرشي 3/35 ، الفتاوى البزازية 3/293 .
(6) شرح الخرشي 3/36 .
(7) المصدر السابق 3/36 .
(8) الإقناع 2/278 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/324 ، وانظر بدائع الصنائع 4/215 ، فتح باب العناية 3/77.
(2) الذخيرة 4/148 ، جامع الأمهات ص229 .
(3) المجموع 8/401 .
(4) المغني 9/441 ، الفروع 3/542 .
(1) المحلى 6/13 .
(2) السيل الجرار 4/80 .
-----------------------------------
القول الأول : يذبحها وتجزؤه ، نقل هذا القول عن عطاء والحسن والنخعي والزهري والثوري والشافعي وأحمد واسحق وهو قول الهادوية (1) .
القول الثاني : لا تجزؤه ، ولا بد أن يذبح بدلها ، وهو قول الحنفية والمالكية (2) .
حجة الفريق الأول :
ما ورد في الحديث عن أبي سعيد قال :( اشتريت كبشاً أضحي به فعدا الذئب فأخذ أليته فسألت النبي فقال : ضح به ) رواه أحمد والبيهقي (3) .
ورواه ابن ماجة ولفظه عن أبي سعيد قال :( ابتعنا كبشاً نضحي به فأصاب الذئب من أليته أو أذنه فسألنا النبي فأمرنا أن نضحي به ) (4) .
وقال في الزوائد:[ في إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف قد اتُهِمْ ] (5) وكذَّبه ابن حزم (6).
وفي رواية أخرى عند البيهقي عن أبي سعيد :( أن رجلاً سأل النبي عن شاة قطع الذئب ذنبها ، يضحي بها ؟ قال : ضح بها ) (7) .
وقال المجد ابن تيمية بعد أن ذكر حديث أبي سعيد :[ وهو دليل على أن العيب الحادث بعد التعيين لا يضر ] (8) .
قال الشوكاني :[ فيه دليل على أن ذهاب الألية ليس عيباً في الضحية ، من غير فرق بين أن يكون ذلك بعد التعيين أو قبله ، كما يدل على ذلك رواية البيهقي ] (1) .
ومما يؤيد القول الأول : أن ابن الزبير رضي الله عنهما رأى هدايا له فيها ناقة عوراء
فقال :[ إن كان أصابها بعدما اشتريتموها فأمضوها ، وإن كان أصابها قبل أن تشتروها فأبدلوها ] (2) .
وروى عبد الرزاق بإسناده عن الزهري قال :[ إذا اشترى الرجل أضحيته فمرضت عنده أو عرض لها مرض فهي جائزة ] (3) .
وقال ابن قدامة مستدلاً للإجزاء :[ ولأنه عيب حدث في الأضحية الواجبة فلم يمنع الإجزاء ، كما لو حدث بها عيب بمعالجة الذبح ] (4) .
حجة الفريق الثاني :
قال الزيلعي الفقيه :[ ولو اشتراها سليمة ثم تعيبت بعيب مانع من التضحية ، كان عليه أن يقيم غيرها مقامها إن كان غنياً .
وإن كان فقيراً يجزئه ذلك ؛ لأن الوجوب على الغني بالشرع ابتداءً ، لا بالشراء فلم يتعين بالشراء .
والفقير ليس عليه واجب شرعاً ، فتعينت بشرائه بنية الأضحية ، ولا يجب عليه ضمان نقصانها ، لأنها غير مضمونة عليه فأشبهت نصاب الزكاة ] (5) .
ثم ذكر حديث أبي سعيد السابق ثم قال :[ ويحمل على أنه كان فقيراً لأن الغني لا يجزئه لوجوبها في ذمته ولا كذلك الفقير … ] (6) .
وأما إذا طرأ العيب على الأضحية حين إضجاعها للذبح ، كأن أضجعها فاضطربت فأصابت السكين عينها ، فعورت أو كسرت رجلها ، فاختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الأول : أنه يذبحها وتجزئه أضحية ، وهذا قول الحنفية استحساناً والحنابلة ،
وهو أحد القولين عند الشافعية (1) .
---------------------------------------------
(1) المغني 9/433 ، مصنف عبد الرزاق 4/386 ، السيل الجرار 4/85 .
(2) تبيين الحقائق 6/6 ، حاشية ابن عابدين 6/325 ، حاشية الدسوقي 2/125 ، جامع الأمهات ص 228 .
(3) الفتح الرباني 13/80 ، سنن البيهقي 9/289 .
(4) سنن ابن ماجة 2/1051 .
(5) المصدر السابق .
(6) المحلى 6/12 .
(7) سنن البيهقي 9/289 .
(8) منتقى الأخبار مع شرحه نيل الأوطار 5/133 .
(1) نيل الأوطار 5/133 .
(2) نيل الأوطار 5/134 .
(3) مصنف عبد الرزاق 4/386 .
(4) المغني 9/444 .
(5) تبيين الحقائق 6/6 ، وانظر بدائع الصنائع 4/216 .
(6) تبيين الحقائق 6/6-7 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/325 ، المغني 9/444 .
-------------------------------------
قال صاحب الدر المختار :[ ولا يضر تعيبها من اضطرابها عند الذبح ] (2) .
وقال الكاساني :[ ولو قدم أضحية ليذبحها فاضطربت في المكان الذي يذبحها فيه فانكسرت رجلها ثم ذبحها على مكانها أجزأه . وكذلك إذا انقلبت منه الشفرة فأصابت عينها فذهبت .
والقياس أنه لا يجوز .
وجه القياس : أن هذا عيب دخلها قبل تعيين القربة فصار كما لو كان قبل حال الذبح.
وجه الاستحسان : أن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه لأن الشاة تضطرب فتلحقها العيوب من اضطرابها ] (3) .
القول الثاني : لا تجزئه ، وهو قول المالكية وأصح القولين عند الشافعية (4) .
القول الراجح :
والذي يظهر لي رجحان القول بجواز الأضحية إن طرأ العيب عليها بعد شرائها ، وكذا إن طرأ العيب عليها عند معالجة ذبحها .
أما في الحالة الأولى : فقد سبق القول بأن الراجح من أقوال أهل العلم أنه الأضحية سنة وليست واجبة ، وهذا قد اشترى الأضحية المجزئة الخالية من العيوب ، ثم طرأ العيب بعد ذلك دون تقصير منه ، فلا يُكَلَف شراء أخرى ، لما في ذلك من المشقة .
ويمكن الاستئناس بحديث أبي سعيد السابق ، فإنه وإن ضعفه بعض أهل الحديث لأنه من رواية جابر الجعفي .
إلا أن شعبة بن الحجاج روى عنه وفي ذلك تقوية له .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ وقد تكلموا في جابر الجعفي ولكن شعبة روى عنه وكان يحسن الثناء عليه وحسبك بذلك من شعبة ] (1) .
كما وأن رواية جابر الجعفي هذه تتقوى بالرواية الأخرى عند البيهقي ، فيرتقي الحديث إلى درجة الحسن لغيره .
ويمكن الاستئناس بما رواه البيهقي عن ابن الزبير أيضاً ، وبما رواه عبد الرزاق عن الزهري .
وأما الحالة الثانية - إذا تعيبت عند الذبح - : فأرى أنها مجزئة أيضاً ، لأن الغالب على الحيوان الاضطراب عند الذبح ، وقد تصيبه السكين قبل ذبحه فلا يمكن التحرز من ذلك ، فالقول بالإجزاء هو الأولى ، والقول بخلافه فيه تشدد وإلحاق الحرج بالمضحي لأنه سيتكلف بدلها والله أعلم .
المبحث الحادي عشر
المجزئ في الأضحية
المطلب الأول: المجزئ من الغنم :
أولاً : قال جمهور أهل العلم إن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت الواحد ، فإذا ضحى بها واحد من أهل البيت ، تأدى الشعار والسنة بجميعهم ، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والأوزاعي (1) .
ويدل على ذلك ما يلي :
1. روى الترمذي بإسناده عن عُمارة بن عبد الله قال : ( سمعت عطاء بن يسار يقول : سألت أبا أيوب :( كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله ؟ فقال : كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ، فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصارت كما
ترى ) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح . ورواه ابن ماجة ومالك .
قال الإمام النووي: هذا حديث صحيح . والصحيح أن هذه الصيغة تقتضي أنه حديث مرفوع . وصححه الشيخ الألباني (2) .
2. وروى ابن ماجة بإسناده عن الشعبي عن أبي سريحة – وهو صحابي شهد الحديبية - قال :( حملني أهلي على الجفاء بعد ما علمت من السنة . كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والآن يُبَخِّلُنا جيراننا ) .
قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله موثقون.ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (3) وقال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد (4) .
3. ومما يدل على ذلك حديث جابر بن عبد الله قال :( شهدتُ مع رسول الله الأضحى في المصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأُتِيَ بكبشٍ فذبحه رسول الله بيده وقال : باسم الله والله أكبر ، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي ) .
رواه أبو داود في باب : الشاة يضحى بها عن جماعة وقد سبق تخريج الحديث .
----------------------------------
(2) الدر المختار بهامش حاشية ابن عابدين 6/325 .
(3) بدائع الصنائع 4/216-217 .
(4) حاشية الدسوقي 2/124 ، المجموع 8/400 ، كفاية الأخيار ص 529 .
(1) فتح المالك 7/7 .
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 5/106 ، معالم السنن 2/197 ، المغني 9/438 ، المجموع 8/384 .
(2) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/75-76 ، سنن ابن ماجة 2/1051، الاستذكار 15/180 ،المجموع 8/384 صحيح سنن ابن ماجة 2/203 .
(3) سنن ابن ماجة 2/1052 ، المستدرك 4/254 .
(4) صحيح سنن ابن ماجة 2/203 .
----------------------------------------
4. وعن عبد الله بن هشام قال :( كان رسول الله يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله ) رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد . ووافقه الذهبي (1) .
5. وعن عائشة رضي الله عنها :( أن رسول الله أمر بكبش أقرن ، يطأ في سواد ، ويبرك في سواد ، وينظر في سواد ، فأُتِيَ به ليضحي به فقال لها : يا عائشة هلمي المدية .
ثم قال : اشحذيها بحجر ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال : باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ، ومن أمة محمد ثم ضحى به ) رواه مسلم وأبو داود وغيرهما .
قال النووي :[ واستدل بهذا من جوَّز تضحية الرجل عنه وعن أهل بيته واشتراكهم معه في الثواب ، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور … ] (2) .
وقال الخطابي :[ وفي قوله ( تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ) دليل على أن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وأهله وإن كثروا ، وروي عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما كانا يفعلان ذلك ، وأجازه مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد ، وكره ذلك الثوري وأبو حنيفة ] (3) .
6. وأخرج ابن أبي الدنيا عن علي :( أنه كان يضحي بالضحية الواحدة عن جماعة أهله ) (4) .
7. ونقل ابن قدامة عن صالح بن أحمد بن حنبل قال :[ قلت لأبي : يُضَحَّى بالشاة عن أهل البيت ؟ قال : نعم لا بأس . قد ذبح النبي كبشين فقرَّب أحدهما فقال : بسم الله اللهم هذا عن محمد وأهل بيته. وقرَّب الآخر فقال : بسم الله اللهم هذا منك ولك عمن وَحَّدَكَ من أمتي .
وحكى عن أبي هريرة أنه كان يضحي بالشاة فتجئ ابنته فتقول: عني، فيقول:وعنك (5)
قال العلامة ابن القيم :[ وكان من هديه أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم ] (1) ثم ذكر حديث أبي أيوب السابق .
وقال الشوكاني :[ قوله " يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته " فيه دليل على أن الشاة تجزئ عن أهل البيت ، لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك في عهده والظاهر اطلاعه فلا ينكر عليهم … والحق أنها تجزئ عن أهل البيت ، وإن كانوا مئة نفس أو أكثر كما قضت بذلك السنة ] (2) .
ثانياً : قال الحنفية والثوري إن الشاة لا تجزئ إلا عن واحد (3) .
قال الكاساني :[ … فلا يجوز الشاة والمعز إلا عن واحد ، وإن كانت عظيمةً سمينةً تساوي شاتين مما يجوز أن يُضَحَّى بهما .
لأن القياس في الإبل والبقر أن لا يجوز فيهما الاشتراك ، لأن القربة في هذا الباب إراقة الدم ، وإنها لا تحتمل التجزئة ، لأنها ذبح واحد ، وإنما عرفنا جواز ذلك بالخبر ، فبقي الأمر في الغنم على أصل القياس ] (4) .
ويرى الحنفية جواز هبة ثواب الأضحية لأكثر من واحد ، وعلى ذلك حملوا الأحاديث التي احتج بها الجمهور (5) .
وقد زعم الطحاوي أن الأدلة التي احتج بها الجمهور إما منسوخةً أو مخصوصة (6) .
وقاس بعض الحنفية الأضحية على الهدي في هذه المسألة ، حيث قالوا إن الشاة الواحدة في الأضحية لا تجزئ عن أكثر من واحد ، قياساً عل الشاة الواحدة في الهدي ، حيث اتفق العلماء على أنها لا تجزئ إلا عن واحد . (7)
والذي يظهر لي رجحان قول الجمهور بأن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ، مهما كان عددهم لقوة الأدلة التي احتجوا بها .
---------------------------------------
(1) المستدرك 4/255 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 5/105-106 .
(3) معالم السنن 2/197 .
(4) عون المعبود 8/4 .
(5) المغني 9/438 .
(1) زاد المعاد 2/323 .
(2) نيل الأوطار 5/137 .
(3) بدائع الصنائع 4/207 ، المغني 9/438 ، معالم السنن 2/197 .
(4) بدائع الصنائع 4/206 ، وانظر تبيين الحقائق 6/3 .
(5) إعلاء السنن 17/231 .
(6) شرح معاني الآثار 4/178 .
(7) عون المعبود 8/5 .
-------------------------------
ويجاب عن قول الحنفية إن الغنم بقيت على أصل القياس ، بأنه مردود لثبوت الأحاديث في ذلك ، حيث ثبت الاشتراك على عهد رسول الله في الإبل والبقر ، وكذلك ورد النص أنهم اشتركوا على عهد رسول الله في الشاة الواحدة ، إلا أنه قد ثبت الاشتراك في الإبل والبقر من أهل أبيات شتى ، وثبت الاشتراك في الشاة من أهل بيت واحد … فالقول بأن الاشتراك في الشاة خلاف القياس وأنه لا نص فيه ، باطل (1) .
وأما ادعاء الطحاوي بأن أدلة الجمهور إما منسوخة أو مخصوصة . فقد أجاب النووي عن ذلك بقوله :[ … وغَلَّطَه العلماء في ذلك ، فإن النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد
الدعوى ] (2) .
وأما قياسهم الأضحية على الهدي ، بجامع منع الاشتراك في الشاة الواحدة في الهدي ، فهو قياس فاسد الاعتبار ، لأنه قياس في مقابل النص ، والأضحية غير الهدي ، ولهما حكمان مختلفان ، فلا يقاس أحدهما على الآخر ، لأن النص ورد على التفرقة بينهما فوجب تقديم النص على القياس (3) .
وقال الزيلعي المحدث :[ ويشكل على المذهب أيضاً في منعهم الشاة لأكثر من واحد ، بالأحاديث المتقدمة أن النبي ضحَّى بكبش عنه وعن أمته ] ثم ذكر حديث عبد الله بن هشام السابق (4) .
المطلب الثاني : المجزئ من الإبل والبقر
اتفق أكثر أهل العلم على أن البدنة تجزئ عن سبعة والبقرة تجزئ عن سبعة .
قال ابن قدامة :[ وهذا قول أكثر أهل العلم ، روي ذلك عن علي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم ، وبه قال عطاء وطاووس وسالم والحسن وعمرو بن دينار والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ] (1) .
واستدلوا بما يلي :
1. عن جابر قال :( نحرنا مع رسول الله عام الحديبية البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ) رواه مسلم (2) .
2. وعن حذيفة قال :( شَرَّكَ رسول الله في حجته بين المسلمين في البقرة عن
سبعة ) رواه أحمد وقال الهيثمي : رجاله ثقات (3) .
وقال بعض أهل العلم تجزئ البدنة عن عشرة أيضاً ، وبه قال سعيد بن المسيب وإسحاق وابن خزيمة (4) .
ويدل لهم حديث ابن عباس قال :( كنا مع النبي في سفر فحضرنا النحر – وفي رواية الأضحى – فاشتركنا في الجزور عن عشرة والبقرة عن سبعة ) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد. وقال الترمذي : حسن غريب . وقال الشيخ الألباني : وإسناده صحيح رجاله رجال الصحيح (5) .
ورجح الشوكاني هذا القول وقال :[ إنه الحق فتجزئ البدنة والبعير عن عشرة في الأضحية دون الهدي فلا تجزئ إلا عن سبعة ] (6) .
قال الساعاتي :[ وقد جمع الشوكاني بين حديثي جابر وابن عباس ، بأن حديث جابر محمول على الهدي وحديث ابن عباس محمول على الأضحية وقال هذا هو الحق .
قلت : وهو جمع حسن ، وكأن حديث ابن عباس لم يصح عند الجمهور .
وأما البقرة فتجزئ عن سبعة في الهدي والأضحية بالاتفاق ] (1) .
وقد رجح الحافظ ابن عبد البر حديث جابر على حديث ابن عباس فقال :
[ وحديث ( نحر رسول الله يوم الحديبية البدنة عن سبعة ) واضح لا مدخل فيه
للتأويل ، وحسبك بقول جابر :( سَنَّ رسولُ الله البدنةَ عن سبعةٍ والبقرةَ عن سبعة ) .
-----------------------------------
(1) تحفة الأحوذي 5/77-78 .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 5/106 .
(3) عون المعبود 8/5 .
(4) نصب الراية 4/210 .
(1) المغني 9/437 ، وانظر المجموع 8/398،422 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 3/436 .
(3) الفتح الرباني 13/38 ، مجمع الزوائد 3/226 .
(4) المغني 9/437 ، نيل الأوطار 5/137 .
(5) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/72 ، سنن النسائي 7/222 ، سنن ابن ماجة 2/1047 ، الفتح الرباني 13/84 ،
مشكاة المصابيح 1/462 .
(6) نيل الأوطار 5/137 .
(1) الفتح الرباني 13/87 .
----------------------------------
1. السكاء: من السكك وهو صغر الأذنين ويقال إذن سكاء أي صغيرة (5) .
وقد تسمى صمعاء ، والصمع لصوق الأذنين وصغرهما (6) .
قال القرافي :[ والسكاء وهي الصغيرة الأذن وهي الصمعاء ] (7) .
والسكاء والصمعاء تجزئ في الأضحية وقد نص على ذلك الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة (8) .
وقد روى البيهقي بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يرى بأساً أن يضحى بالصمعاء .
قال أبو عبيد : قال الأصمعي :[ الصمعاء هي الصغيرة الأذن ] (9) .
2. التي خلقت بلا أذنين أو خلقت بأذن واحدة :
وهذه لا تجزئ عند الحنفية والمالكية والشافعية ،وتجزىء عند الحنابلة (10) .
قال الماوردي :[ فأما التي خلقت لا أذن لها قال الشافعي في الجديد لا تجوز الأضحية بها لأنه نقص عضو من خلقتها ] (1) . وقول الجمهور أقوى دليلاً وأحوط .
3. المُقَابَلَةُ: وهي التي قطع من مقدم أذنها قطعة ، وتدلت في مقابلة الأذن ولم تنفصل (2) .
فهذه تجزئ مع الكراهة عند المالكية والشافعية والحنابلة ، وقال الحنفية تجزئ بلا كراهة (3)
قال الكاساني :[ وما روي أن رسول نهى أن يضحى بالشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة … فالنهي في الشرقاء والمقابلة والمدابرة محمول على الندب ، وفي الخرقاء على الكثير …] (4) . وقول الجمهور أولى .
4. المدابرة: وهي ما قطع من مؤخر إذنها قطعة وتدلت ولم تنفصل وهي عكس
المقابلة (5) وهذه تجزئ عند المالكية والشافعية والحنابلة مع الكراهة ، وقال الحنفية تجزئ بلا كراهة (6). وقول الجمهور أولى أيضاً .
5. الشرقاء: وهي مشقوقة الأذن وتسمى عند أهل اللغة أيضاً عضباء (7) ، وهذه تجزئ مع الكراهة عند المالكية والشافعية والحنابلة وهو الأولى . وقال الحنفية تجزئ بلا كراهة (8) .
6. الخرقاء: وهي التي في إذنها خرق وهو ثقب مستدير (9) وهذه تجزئ مع الكراهة عند المالكية والشافعية والحنابلة (10) .
---------------------------------
(4) الذخيرة 4/146 ، شرح الخرشي 3/35 ، المغني 9/441 ، كشاف القناع 3/6 .
(5) المصباح المنير ص282 .
(6) المصباح المنير ص347 .
(7) الذخيرة 4/147 .
(8) الفتاوى البزازية 3/293 ، الذخيرة 4/147 ، المجموع 8/401 ، الحاوي 15/83 ، المغني 9/442 ،
كشاف القناع 3/6 ، الاستذكار 15/128 .
(9) سنن البيهقي 9/276 .
(10) حاشية ابن عابدين 6/324 ، شرح الخرشي 3/35 ، المجموع 8/401 ، منار السبيل 1/272 .
(1) الحاوي 15/83 .
(2) المصباح المنير ص488 .
(3) القوانين الفقهية ص127 ، المجموع 8/402 ، الحاوي 15/82 ، المغني 9/443 ، بدائع الصنائع 4/216 ،
الفتاوى الهندية 5/298 .
(4) بدائع الصنائع 4/216 .
(5) المصباح المنير ص488 .
(6) القوانين الفقهية ص127 ، المجموع 8/402 ، الحاوي 15/82 ، المغني 9/443 ، بدائع الصنائع 4/216 ،
الفتاوى الهندية 5/298 وانظر كلام الكاساني المتقدم .
(7) المصباح المنير ص311 وص414 .
(8) القوانين الفقهية ص127 ، المجموع 8/402 ، الحاوي 15/82 ، المغني 9/443 ، بدائع الصنائع 4/216 ،
الفتاوى الهندية 5/298 وانظر كلام الكاساني المتقدم .
-----------------------------------
وقال الحنفية تجزئ بلا كراهة ، والنهي الوارد في الحديث عن الخرقاء ، يحمل على الخرق الكثير دون القليل (1) . وقول الجمهور أولى أيضاً .
7. مقطوعة الأذنين أو مقطوعة الأذن ، وهذه غير التي سبقت في رقم (2) لأن تلك خلقت بلا أذنين أو بلا أذن ، وأما هذه فقطعت أذناها أو أذنها . ومقطوعة الأذنين لا تجزئ وكذا مقطوعة الأذن ، لا تجزئ عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
هذا إذا كان القطع لجميع الأذن ، وأما إذا قُطِعَ بعضُ الأذن ، فقال الحنفية والحنابلة إذا قطع أكثر الأذن لا تجزئ ، ويؤيد قولهم حديث علي السابق :( نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن. وقال قتادة:قلت لسعيد بن المسيب ما الأعضب ؟ قال : النصف فما فوقه )
فقد اعتبر الأكثر .
وقال المالكية إن كان المقطوع ثلث الأذن فدون أجزأت . وقال الشافعية إن قطعَ بعض الأذن يمنع من الإجزاء (2) .
ولأهل اللغة تفصيل في صفة القطع من الأذن ؛ قال ابن منظور :[ والقصواء التي قطع طرف أذنها ، وكل ما قطع من الأذن فهو جدع ، فإذا بلغ الربع فهو قصو ، فإذا جاوزه فهو عضب ، فإذا استؤصلت فهو صلم ] (3) .
فالناقة مقطوعة الأذن تسمى قصواء وعضباء وصلماء وجدعاء .
ومذهب الحنفية والحنابلة هو الأرجح .
ثالثاً: صفات في القرن :
1. الجماء: التي لم يخلق لها قرن وتسمى جلحاء أيضاً (4) .
قال الأزهري من أئمة اللغة :[ …إن الجلحاء من الشاء والبقر بمنزلة الجماء التي لا
قرن لها ] (5) .
وهذه مجزئة في الأضحية باتفاق أصحاب المذاهب الأربعة (1) .
2. مكسورة القرن: وتسمى عضباء وقصماء (2) .
قال ابن دريد من أئمة اللغة :[ القصماء من المعز المكسورة القرن الخارج ، والعضباء المكسورة القرن الداخل وهو المشاش ] (3) .
والعضب صفة تكون في الأذن وفي القرن أيضاً . قال أبو عبيد من أئمة اللغة :[ الأعضب المكسور القرن الداخل … وقد يكون العضب في الأذن أيضاً ، فأما المعروف ففي القرن وهو فيه أكثر ] (4).
ويؤيده ما ورد في حديث علي السابق ( أنه نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن ) .
ومكسورة القرن تجزئ عند الشافعية مع الكراهة .
قال الماوردي :[ فتجوز الأضحية بالجلحاء ، وهي الجماء التي خلقت لا قرن لها ، وبالعضباء وهي المكسورة القرن سواء دمي موضع قرنها بالكسر أو لم يدم ] (5) .
وقال الحنفية تجزئ مكسورة القرن إلا إذا بلغ الكسر الدماغ (6) .
وعند المالكية ثلاثة أقوال :
1. تجزئ .
---------------------------------
(9) المصباح المنير ص167 .
(10) القوانين الفقهية ص127 ، المهذب 8/399 ، الحاوي15/82 ، كشاف القناع 3/6 ، المغني 9/443 .
(1) بدائع الصنائع 4/216 ، الفتاوى الهندية 5/298 ، ملتقى الأبحر 2/224 .
(2) حاشية ابن عابدين 6/323 ، الفتاوى الهندية 5/297 ، القوانين الفقهية ص127 ، شرح الخرشي 3/36 ، الحاوي 15/83 ، كشاف القناع 5/3 ، المغني 9/441 ، بدائع الصنائع 4/215 .
(3) لسان العرب 11/200 .
(4) المصباح المنير ص104 ، ص110 .
(5) لسان العرب 2/319 .
(1) بدائع الصنائع 4/216 ، ملتقى الأبحر 2/224 ، الذخيرة 4/147 ، جامع الأمهات ص229 ، الحاوي 15/84 ، المغني 9/442 .
(2) لسان العرب 9/252 .
(3) لسان العرب 11/197 .
(4) لسان العرب 11/197 .
(5) الحاوي 15/84 ، وانظر المجموع 8/402 .
(6) الفتاوى البزازية 3/293 ، بدائع الصنائع 4/216 .
----------------------------------
2. لا تجزئ .
3. الفرق بين أن يدمي القرن المكسور أو لا يدمي ، فإن كان القرن يدمي من الكسر ، فلا تجزئ وإن كان لا يدمي تجزئ ، وهو القول المشهور في المذهب (7) .
وقال الحنابلة لا تجزئ مكسورة القرن (8).
وحجة من قال بالإجزاء ، أن القرن ليس عضواً مأكولاً ، كما أن فقده لا يؤدي إلى فساد اللحم ، وهذا بخلاف العضب في الأذن ، لأن الأذن عضو مأكول .
والنهي الوارد في حديث علي ( أن النبي نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن ) محمول على الكراهة دون التحريم (1) .
والراجح أنها تجزىء إلا إذا كان الدم يسيل فتكره حيتئذ .
قال الحافظ ابن عبد البر : [ جمهور العلماء على القول بجواز الضحية المكسورة القرن إذا كان لا يدمي ، فإن كان يدمي ، فقد كرهه مالك ، وكأنه جعله مرضاً بيِّناً.
وقد روى قتادة عن جري بن كليب عن علي أن رسول الله نهى عن أعضب القرن والأذن .
قال قتادة : فقلت لسعيد بن المسيب : ما عضب الأذن والقرن ؟ قال : النصف أو أكثر .
قال أبو عمر : لا يوجد ذكر القرن في غير هذا الحديث … وهذا الذي عليه جماعة الفقهاء في القرن … وفي إجماعهم على إجازة الضحية بالجماء ما يبين لك أنَّ حديث القرن لا يثبت ولا يصح وهو منسوخ ؛ لأنه معلوم أن ذهاب القرنين معاً أكثر من ذهاب بعض أحدهما ] (2) .
رابعاً: صفات في الأنف :
الجدعاء: وهي مقطوعة الأنف ، والجدع يستعمل في قطع الأنف والأذن والشفة واليد ونحوها (3).
وقد نص فقهاء الحنفية على أن مقطوعة الأنف لا تجزئ لذهاب عضو منها (4) .
خامساً: صفات في اللسان والأسنان :
1. الهتماء: وهي التي انكسرت ثنيتها وهو فوق الثرم (5) .
وعند الفقهاء الهتماء التي ذهبت أسنانها والثرماء التي ذهبت بعض أسنانها .
فالهتماء وهي التي ذهبت جميع أسنانها : قال الشافعية والمالكية وأبو يوسف من الحنفية لا تجزئ . وعند أبي حنيفة تجزئ إذا كانت ترعى وتعتلف ، وهو قول الحنابلة (1) .
وأما الثرماء وهي التي ذهبت بعض أسنانها فتجوز عند أبي حنيفة إذا كانت تعتلف ، وهو قول الشافعية والحنابلة في أصح الوجهين عندهم .
ولأبي يوسف فيها قولان :قول اعتبر فيه بقاء أكثر الأسنان .
وقول اعتبر فيه الاعتلاف (2) .
والراجح أن الهتماء والثرماء تجزئان في الأضحية ويدل على ذلك ما يلي:
أ. ما سبق في حديث يزيد ذو مصر وفيه :( إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئاً يعجبني غير ثرماء فكرهتها . فما تقول ؟ قال : أفلا جئتني بها .
قلت : سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني . قال نعم إنك تشك ولا أشك … الخ )
ب. ويؤيد ذلك ما سبق في حديث البراء في عيوب الأضحية غير المجزئة ، حيث قال الراوي عن البراء وهو عبيد بن فيروز للبراء : قال : قلت : فإني أكره أن يكون في السن نقص فقال البراء : ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد .
ج. ورد عن طاووس أنه قال في الهتماء : يضحى بها .
د. ونقل القاضي حسين عن الإمام الشافعي أنه قال : لا نحفظ عن النبي في نقص الأسنان شيء . يعني في النهي (3) .
-----------------------------------
(7) القوانين الفقهية ص127 ، الذخيرة 4/146 .
(8) كشاف القناع 3/6 ، الفروع 3/542 ، المغني 9/441 ، منار السبيل 1/273 .
(1) الحاوي 15/84 .
(2) الاستذكار 15/132-134 .
(3) لسان العرب 2/207 ، المصباح المنير ص93 .
(4) حاشية ابن عابدين 6/324 ، الفتاوى الهندية 5/298 .
(5) لسان العرب 15/26 ، المصباح المنير ص633 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/324 ، المجموع 8/401 ، الفروع 3/524 ،كشاف القناع 3/6 ، الذخيرة 4/148 .
(2) إعلاء السنن 17/287 ، وانظر المصادر في الهامش السابق .
--------------------------------------
2. التي لا لسان لها أصلاً تجزئ عند الحنفية إذا كانت من الغنم فقط .
وأما إذا كانت من البقر فلا تجزئ ، لأن البقر يأخذ العلف باللسان ، فإذا انقطع من اللسان أكثر من الثلث فلا تجزئ عندهم.
وقال الشافعية مقطوعة بعض اللسان لا تجزئ (4) .
وهو والراجح لذهاب عضو مأكول .
سادساً: صفات في الضرع :
والضرع: لذات الظلف كالثدي للمرأة ويسمى أيضاً الطُّبْي ، ويجمع على أطْباء .
وإن كان الطُّبْي يستعمل أيضاً في ذات الخف (1) .
1. الجدَّاء: قال ابن منظور :[ شاة جدَّاء قليلة اللبن يابسة الضرع وكذلك الناقة والأتان .
وقيل الجدَّاء من كل حلوبة الذاهبة اللبن عن عيب …
الجدَّاء الشاة التي انقطعت أخلافها…
وقيل … هي المقطوعة الضرع
وقيل هي اليابسة الأخلاف … ] (2) .
وقال الفقهاء إن الجدَّاء التي يبس ضرعها ، لا تجزئ لأن بها نقصاً في الخلقة كذا علله الإمام أحمد (3) .
وكذلك فإن مقطوعة الأَطْبَاء لا تجزئ لذهاب عضو منها (4) .
2. وأما التي خلقت بلا ضرع فتجزئ ، وكذا صغيرة الضرع خلقةً فتجزئ ، وكذا التي لها ضرع ولكن لا تحلب تجزئ أيضاً (5) .
سابعاً: صفات في الذنب والألية :
والذنب للإبل والبقر والمعز والألية للضأن .
1. البتراء والمبتورة بمعنى واحد ، وهي التي لا ذنب لها خلقةً أو مقطوعاً (6) .
فإن كانت لا ذنب لها ، خلقة فتجزئ عند الحنابلة ، ولا تجزئ عند الحنفية والمالكية
والشافعية .
وإن كان لها ذنب فقطع فتجزئ عند الحنابلة أيضاً ، ولا تجزئ عند الحنفية والمالكية والشافعية (7) .
فإن كان بعض الذنب مقطوعاً فتجزئ عند الحنابلة . وأما الحنفية فقالوا مقطوعة أكثر الذنب لا تجزئ فإن كان يسيراً أجزأت . وعند المالكية مقطوعة ثلث الذنب فأكثر
لا تجزئ (1) .
وعند الشافعية لا تجزئ . والراجح أن مقطوعة الذنب لا تجزىء ، لأنه يعد عيباً فيها .
2. المخلوقة بلا ألية أصلاً تجزئ عند أبي حنيفة والشافعية والحنابلة ولا تجزئ عند المالكية(2)
وأما مقطوعة الألية وهي التي كانت لها ألية فقطعت ، فلا تجزئ عند الفقهاء ، لأنها فقدت عضواً مأكولاً (3) .
وأما إن قطع بعض أليتها فاختلف الفقهاء :
فقال الحنفية: إن كان القطع يسيراً أجزأت ، وإن كان كثيراً لم تجزئ .
وقال المالكية: إن كان القطع ثلث الألية فأكثر فلا تجزئ .
وقال الحنابلة: إن قطع دون النصف أجزأت (4) .
---------------------------------
(3) التلخيص الحبير 4/141 .
(4) حاشية ابن عابدين 6/352 ، المجموع 8/401 .
(1) المصباح المنير ص361،369 .
(2) لسان العرب 2/201 .
(3) الفروع 3/542 .
(4) حاشية ابن عابدين 6/324 ، شرح الخرشي 3/36 ، المغني 9/442 ، كشاف القناع 3/6 ، الفتاوى الهندية 5/298
(5) المجموع 8/401 ، حاشية ابن عابدين 6/324 ، الفتاوى البزازية 3/293 .
(6) لسان العرب 1/309 ، المصباح المنير ص35 .
(7) المغني 9/442 ، كشاف القناع 3/6 ، حاشية ابن عابدين 6/325 ، شرح الخرشي 3/35 ، الحاوي 15/83 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/323 ، المغني 9/442 ، شرح الخرشي 3/35 ، الحاوي 15/83 .
(2) المصادر السابقة .
(3) المصادر السابقة .
(4) المصادر السابقة .
----------------------------------
وأما إن كان لها ألية صغيرة تشبه الذنب فهي مجزئة (5) .
والذي أرجحه من أقوال الفقهاء جواز الأضحية بالتي خلقت بلا ذنب أو ألية .
وقد نقل جوازها عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن النخعي (6)
ثامناً: صفات أخرى :
1. الهيماء :من الهيام وهو داء يأخذ الإبل فتهيم في الأرض لا ترعى .
وقيل هو داء كالحمى يصيب الإبل لشربها ماءاً آسناً (7) .
وقال الشافعية في وجه عندهم لا تجزئ الهيماء (8) .
والذي يظهر لي أن الهيماء لا يصح أن يضحى بها إن كانت هزيلة بسبب مرضها ، وإلا فتجزئ إن كانت سمينة .
2. الثولاء :من الثَوَل ، وهو داء يصيب الشاة فتسترخي أعضاؤها ، وقيل هو جنون يصيب الشاة فلا تتبع الغنم وتستدبر في مرتعها ، وقيل هو داء يأخذ الغنم في ظهورها ورؤوسها فتخر منه (1) . ويصف الفقهاء الثولاء بأنها المجنونة التي تستدبر المرعى ولا ترعى إلا قليلاً فتهزل ، فإذا كانت كذلك فلا تجزئ في الأضحية .
وأما إذا لم يمنعها الثول من الرعي والاعتلاف فتجزئ إذا كانت سمينة (2) . وورد عن الحسن أنه قال : لا بأس أن يضحى بالثولاء ، وهذا محمول على أنها سمينة (3) .
3. الجرباء :من الجرب وهو مرض يصيب الدواب والناس أيضاً (4) . والجرباء لا تجزئ في الأضحية لأن بها مرضاً مفسداً للحم كما أن النفوس تعافها وهذا مذهب الجمهور .
وقال الحنفية تجزئ الجرباء إذا كانت سمينة فإن كانت مهزولة فلا تجزئ (5) .
ويظهر لي أن القول بعدم الإجزاء هو الأرجح .
4. المشيعة :وهي التي لاتتبع الغنم عجفاً وضعفاً ، وقيل هي التي لا تتبع الغنم عادة وكسلاً
وقد قال الفقهاء إن كانت لا تتبع الغنم لهزالها وضعفها ، فلا تجزئ وهذه التي ورد النهي عن التضحية بها في حديث يزيد ذو مصر السابق وفيه ( والمشيعة … ) .
وأما إذا كانت لا تتبع الغنم عادة وكسلاً فتجزئ (6) .
5. الموجوء والخصي :الموجوء من الوجء وهو أن ترض أنثيا – خصيتا – الفحل رضاً شديداً يذهب شهوة الجماع .
وقيل أن توجأ العروق والخصيتان بحالهما (7) .
والخصي : من الخصاء وهو سلُّ خصيتي الفحل (1) .
وقد قال أكثر الفقهاء إن الخصي والموجوء يجزئان في الأضحية .
قال ابن قدامة :[ ويجزئ الخصي لأن النبي :ضحى بكبشين موجؤين ... وبهذا قال الحسن وعطاء والشعبي والنخعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً ] (2) .
وقد نسب بعض الشافعية إلى القول الجديد للشافعي أن الخصي لا يجزئ في الأضحية ، لأنه قد فات منه الخصيتان وهما مأكولتان .
وهذا بناءاً على التفريق بين الموجوء والخصي ، لأن الوجئ هو رض عروق البيضتين ، والخصاء هو سلهما ، وأشار إلى هذا الزركشي .
----------------------------------
(5) الفتاوى البزازية 3/293 .
(6) فتح المالك 7/7 .
(7) لسان العرب 15/183 ، المصباح المنير ص645 .
(8) المجموع 8/400 ، الحاوي 15/82 .
(1) لسان العرب 2/151 ، المصباح المنير ص88 .
(2) بدائع الصنائع 4/216 ، فتح باب العناية 2/76 ، ملتقى الأبحر 2/224 ، المجموع 8/401 ، الذخيرة 4/147 .
(3) إعلاء السنن 17/278 ، 280 .
(4) لسان العرب 2/227 .
(5) الذخيرة 4/147 ، المجموع 8/400 ، الحاوي 15/81 ، الفروع 3/542 ، بدائع الصنائع 4/216 ، الفتاوى البزازية 3/293 ، ملتقى الأبحر 2/224 .
(6) المجموع 8/402 .
(7) لسان العرب 15/214 ، المصباح المنير ص650 .
(1) لسان العرب 4/114 ، المصباح المنير ص171 .
(2) المغني 9/442 ، وانظر المجموع 8/402 ، حاشية ابن عابدين 6/323 ، الذخيرة 4/147 ، كشاف القناع 3/6 .
-------------------------------------------
وقد اعتبر الإمام النووي أن نسبة هذا إلى الشافعي ضعيفة واعتبره قولاً شاذاً فقال :[ يجزئ الموجوء والخصي ، كذا قطع الأصحاب وهو الصواب . وشذ ابن كج فحكى في الخصي قولين وجعل المنع هو قول الجديد وهذا ضعيف منابذ للحديث الصحيح ] (3) .
وقد ورد في عدد من الأحاديث أن النبي ضحى بكبشين موجوئين منها :
1. عن جابر بن عبد الله قال :( ذبح النبي يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوئين فلما وجهها قال : إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفاً ، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك عن محمد وأمته باسم الله والله أكبر ثم ذبح ) رواه أبو داود والبيهقي وسكت عنه أبو داود وله طرق تقويه (4) .
2. وعن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما :( أن رسول الله كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد ) .
رواه ابن ماجة وأحمد والبيهقي والحاكم وقال الشيخ الألباني : صحيح (1) .
3. وعن أبي الدرداء قال :( ضحى رسول الله بكبشين جذعين خصيين ) رواه أحمد والطبراني وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وفيه مقال (2) .
4. وعن أبي رافع مولى رسول الله قال :( ضحى رسول الله بكبشين أملحين موجوئين خصيين فقال : أحدهما عمَّن شهد بالتوحيد وله بالبلاغ ، والآخر عنه وعن أهل بيته قال : فكأن رسول الله قد كفانا ) .
رواه أحمد وأورده الهيثمي وقال:رواه أحمد وإسناده حسن وقال الشيخ الألباني صحيح (3)
وهذه الأحاديث تدل على جواز التضحية بالموجوء والخصي .
وهو القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة .
قال الخطابي معلقاً على حديث جابر السابق :( وفي هذا دليل على أن الخصي في الضحايا غير مكروه ، وقد كرهه بعض أهل العلم لنقص العضو ، وهذا نقص ليس بعيب لأن الخصاء يفيد اللحم طيباً ، وينفي منه الزهومة وسوء الرائحة ) (4).
وقال ابن قدامة :[ ولأن الخصاء ذهاب عضو غير مستطاب يطيب اللحم بذهابه ويكثر ويسمن . قال الشعبي : ما زاد في لحمه وشحمه أكثر مما ذهب منه ] (5) .
وسئل إبراهيم عن الخصي والفحل أيهما أكمل في الأضحية ؟ قال : الخصي لأنه إنما طلب صلاحه (6) .
6. الفحل : الذي كثر نزوه يجزئ ، وقال المالكية إن فسد لحمه لا يجزئ (7) .
7. الحامل : تجزئ ، وقال أكثر الشافعية لا تجزئ وخالفهم ابن الرفعة فقال تجزئ (8) .
8. المجزوزة : وهي التي جز صوفها تجزئ (1) .
9. المكوية : وهي التي بها كيٌّ تجزئ (2) .
10. الأنثى : وإن كثرت ولادتها تجزئ ، وقال المالكية إذا فسد لحمها لا تجزئ (3).
11. الساعلة : وهي التي بها سعال تجزئ (4) .
---------------------------------------
(3) المجموع 8/401-402 ، وانظر الأجوبة المرضية 2/816 .
(4) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/351 ، إرواء الغليل 4/351 ، سنن البيهقي 9/287 .
(1) سنن ابن ماجة 2/1044 ، الفتح الرباني 13/83 ، المستدرك 4/253 ، سنن البيهقي 9/287 ، صحيح سنن ابن ماجة 2/199 .
(2) الفتح الرباني 13/83 .
(3) الفتح الرباني 13/83 ، إرواء الغليل 4/360 ، مجمع الزوائد 4/21 .
(4) معالم السنن 2/197 .
(5) المغني 9/442 .
(6) عقود الجواهر المنيفة 2/72 .
(7) المجموع 8/401 ، الذخيرة 4/148 .
(8) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 26/307 ، كشاف القناع 3/6 ، الفروع 3/544 ، الإقناع 2/280 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/325 ، الفتاوى الهندية 5/298 .
(2) حاشية ابن عابدين 6/325 ، الفتاوى الهندية 5/297 ، المجموع 8/401 ، الإقناع 2/279 .
(3) المجموع 8/401 ، الذخيرة 4/148 .
(4) حاشية ابن عابدين 6/325 ، الفتاوى الهندية 5/297 .
---------------------------------------
12. فاقدة رجل أو يد لا تجزئ ، لأنها فقدت عضواً مأكولاً (5) .
13.البكماء : التي فقدت صوتها تجزئ لأنه لا يؤثر على لحمها وشحمها . وقال المالكية لا تجزئ (6) .
14. البخراء : وهي متغيرة رائحة الفم تجزئ لأنه شيء عادي أن يكون لها رائحة فم . وقال المالكية لا تجزئ (7) .
15. الخنثى : تجزئ لأنها ذكراً أو أنثى وكلاهما يجزئ وليس فيها ما ينقص اللحم (8)
وخلاصة الأمر أن العيوب التي تمنع الإجزاء هي ما كانت مؤذية للحيوان ومنقصة من لحمه وشحمه وثمنه .
وينبغي أن تكون الأضحية خالية من أي عيب وهذا هو الأكمل والأحسن فقد كان ابن عمر يتقي من الضحايا التي نقص من خلقها .
وورد مثل ذلك عن السلف أنهم يكرهون كل نقص في الضحية .
المبحث التاسع
الحد الفاصل بين القليل والكثير في عيوب الأضحية
اختلف الفقهاء في
الحد الفاصل في عيوب الأضحية من حيث القليل والكثير ، فمثلاً قالوا إن كان
القطع في الأذن قليلاً يجزئ ، وإن كان كثيراً فلا يجزئ . فما هو ضابط ذلك ؟
الحد الفاصل بين القليل والكثير في عيوب الأضحية
قال ابن عابدين :[ واختلف أصحابنا في الفاصل بين القليل والكثير .
فعن أبي حنيفة أربع روايات :
روى محمد عنه في الأصل والجامع الصغير أن المانع ذهاب أكثر من الثلث .
وعنه أنه الثلث .
وعنه أنه الربع .
وعنه أن يكون الذاهب أقل من الباقي أو مثله .
والأولى هي ظاهر الرواية …
والرابعة هي قولهما قال في الهداية : وقالا إذا بقي الأكثر من النصف أجزأه وهو اختيار الفقيه أبي الليث .
قال أبو يوسف : أخبرت بقولي أبا حنيفة فقال : قولي هو قولك . قيل هو رجوع منه إلى قول أبي يوسف …
ووجه الرابعة وهو قولهما وإليها رجع الإمام أن الكثير من كل شيء أكثره …
وعليها الفتوى ] (1) .
وعند المالكية ما كان دون الثلث فيسير وما كان فوقه فكثير (2) .
وعند الشافعية قال إمام الحرمين الجويني :[ وأقرب ضبط بين الكثير واليسير أنه إن لاح النقص من البعد فكثير وإلا فقليل ] (3) .
وقال الحنابلة ما كان دون النصف أجزأ ، وما كان أكثر فلا يجزئ ، وفي رواية أخرى أن الحد الفاصل بين القليل والكثير الثلث ، فما كان دونه أجزأ ، وما كان فوقه لا يجزئ (4).
ويرى ابن حزم الظاهري أن التحديد المذكور عند الفقهاء بالثلث أو النصف أو غيره ، لا دليل عليه من الشرع (1) .
ويرى الشوكاني أن المعفو عنه من العيوب ، هو اليسير لأن قوله في حديث البراء :( البين عورها والبين مرضها والبين ظلعها ) يدل على ذلك (2) .
المبحث العاشر
طروءُ العيبِ المخلِّ على الأضحية بعد تعيينها
لو اشترى شخص أضحية -
شاة أو بقرة أو ناقة - قبل يوم الأضحى ، ثم حبسها عنده فأصابها عيب مانع
من الإجزاء ، كأن كسرت رجلها ، أو عجفت ، فهل يصح أن يضحي بها وتكون مجزئة
أم لا ؟طروءُ العيبِ المخلِّ على الأضحية بعد تعيينها
اختلف الفقهاء في هذه المسألة كما يلي :
-----------------------------------------
(5) الفتاوى الهندية 5/299 ، شرح الخرشي 3/35 ، الفتاوى البزازية 3/293 .
(6) شرح الخرشي 3/36 .
(7) المصدر السابق 3/36 .
(8) الإقناع 2/278 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/324 ، وانظر بدائع الصنائع 4/215 ، فتح باب العناية 3/77.
(2) الذخيرة 4/148 ، جامع الأمهات ص229 .
(3) المجموع 8/401 .
(4) المغني 9/441 ، الفروع 3/542 .
(1) المحلى 6/13 .
(2) السيل الجرار 4/80 .
-----------------------------------
القول الأول : يذبحها وتجزؤه ، نقل هذا القول عن عطاء والحسن والنخعي والزهري والثوري والشافعي وأحمد واسحق وهو قول الهادوية (1) .
القول الثاني : لا تجزؤه ، ولا بد أن يذبح بدلها ، وهو قول الحنفية والمالكية (2) .
حجة الفريق الأول :
ما ورد في الحديث عن أبي سعيد قال :( اشتريت كبشاً أضحي به فعدا الذئب فأخذ أليته فسألت النبي فقال : ضح به ) رواه أحمد والبيهقي (3) .
ورواه ابن ماجة ولفظه عن أبي سعيد قال :( ابتعنا كبشاً نضحي به فأصاب الذئب من أليته أو أذنه فسألنا النبي فأمرنا أن نضحي به ) (4) .
وقال في الزوائد:[ في إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف قد اتُهِمْ ] (5) وكذَّبه ابن حزم (6).
وفي رواية أخرى عند البيهقي عن أبي سعيد :( أن رجلاً سأل النبي عن شاة قطع الذئب ذنبها ، يضحي بها ؟ قال : ضح بها ) (7) .
وقال المجد ابن تيمية بعد أن ذكر حديث أبي سعيد :[ وهو دليل على أن العيب الحادث بعد التعيين لا يضر ] (8) .
قال الشوكاني :[ فيه دليل على أن ذهاب الألية ليس عيباً في الضحية ، من غير فرق بين أن يكون ذلك بعد التعيين أو قبله ، كما يدل على ذلك رواية البيهقي ] (1) .
ومما يؤيد القول الأول : أن ابن الزبير رضي الله عنهما رأى هدايا له فيها ناقة عوراء
فقال :[ إن كان أصابها بعدما اشتريتموها فأمضوها ، وإن كان أصابها قبل أن تشتروها فأبدلوها ] (2) .
وروى عبد الرزاق بإسناده عن الزهري قال :[ إذا اشترى الرجل أضحيته فمرضت عنده أو عرض لها مرض فهي جائزة ] (3) .
وقال ابن قدامة مستدلاً للإجزاء :[ ولأنه عيب حدث في الأضحية الواجبة فلم يمنع الإجزاء ، كما لو حدث بها عيب بمعالجة الذبح ] (4) .
حجة الفريق الثاني :
قال الزيلعي الفقيه :[ ولو اشتراها سليمة ثم تعيبت بعيب مانع من التضحية ، كان عليه أن يقيم غيرها مقامها إن كان غنياً .
وإن كان فقيراً يجزئه ذلك ؛ لأن الوجوب على الغني بالشرع ابتداءً ، لا بالشراء فلم يتعين بالشراء .
والفقير ليس عليه واجب شرعاً ، فتعينت بشرائه بنية الأضحية ، ولا يجب عليه ضمان نقصانها ، لأنها غير مضمونة عليه فأشبهت نصاب الزكاة ] (5) .
ثم ذكر حديث أبي سعيد السابق ثم قال :[ ويحمل على أنه كان فقيراً لأن الغني لا يجزئه لوجوبها في ذمته ولا كذلك الفقير … ] (6) .
وأما إذا طرأ العيب على الأضحية حين إضجاعها للذبح ، كأن أضجعها فاضطربت فأصابت السكين عينها ، فعورت أو كسرت رجلها ، فاختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الأول : أنه يذبحها وتجزئه أضحية ، وهذا قول الحنفية استحساناً والحنابلة ،
وهو أحد القولين عند الشافعية (1) .
---------------------------------------------
(1) المغني 9/433 ، مصنف عبد الرزاق 4/386 ، السيل الجرار 4/85 .
(2) تبيين الحقائق 6/6 ، حاشية ابن عابدين 6/325 ، حاشية الدسوقي 2/125 ، جامع الأمهات ص 228 .
(3) الفتح الرباني 13/80 ، سنن البيهقي 9/289 .
(4) سنن ابن ماجة 2/1051 .
(5) المصدر السابق .
(6) المحلى 6/12 .
(7) سنن البيهقي 9/289 .
(8) منتقى الأخبار مع شرحه نيل الأوطار 5/133 .
(1) نيل الأوطار 5/133 .
(2) نيل الأوطار 5/134 .
(3) مصنف عبد الرزاق 4/386 .
(4) المغني 9/444 .
(5) تبيين الحقائق 6/6 ، وانظر بدائع الصنائع 4/216 .
(6) تبيين الحقائق 6/6-7 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/325 ، المغني 9/444 .
-------------------------------------
قال صاحب الدر المختار :[ ولا يضر تعيبها من اضطرابها عند الذبح ] (2) .
وقال الكاساني :[ ولو قدم أضحية ليذبحها فاضطربت في المكان الذي يذبحها فيه فانكسرت رجلها ثم ذبحها على مكانها أجزأه . وكذلك إذا انقلبت منه الشفرة فأصابت عينها فذهبت .
والقياس أنه لا يجوز .
وجه القياس : أن هذا عيب دخلها قبل تعيين القربة فصار كما لو كان قبل حال الذبح.
وجه الاستحسان : أن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه لأن الشاة تضطرب فتلحقها العيوب من اضطرابها ] (3) .
القول الثاني : لا تجزئه ، وهو قول المالكية وأصح القولين عند الشافعية (4) .
القول الراجح :
والذي يظهر لي رجحان القول بجواز الأضحية إن طرأ العيب عليها بعد شرائها ، وكذا إن طرأ العيب عليها عند معالجة ذبحها .
أما في الحالة الأولى : فقد سبق القول بأن الراجح من أقوال أهل العلم أنه الأضحية سنة وليست واجبة ، وهذا قد اشترى الأضحية المجزئة الخالية من العيوب ، ثم طرأ العيب بعد ذلك دون تقصير منه ، فلا يُكَلَف شراء أخرى ، لما في ذلك من المشقة .
ويمكن الاستئناس بحديث أبي سعيد السابق ، فإنه وإن ضعفه بعض أهل الحديث لأنه من رواية جابر الجعفي .
إلا أن شعبة بن الحجاج روى عنه وفي ذلك تقوية له .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ وقد تكلموا في جابر الجعفي ولكن شعبة روى عنه وكان يحسن الثناء عليه وحسبك بذلك من شعبة ] (1) .
كما وأن رواية جابر الجعفي هذه تتقوى بالرواية الأخرى عند البيهقي ، فيرتقي الحديث إلى درجة الحسن لغيره .
ويمكن الاستئناس بما رواه البيهقي عن ابن الزبير أيضاً ، وبما رواه عبد الرزاق عن الزهري .
وأما الحالة الثانية - إذا تعيبت عند الذبح - : فأرى أنها مجزئة أيضاً ، لأن الغالب على الحيوان الاضطراب عند الذبح ، وقد تصيبه السكين قبل ذبحه فلا يمكن التحرز من ذلك ، فالقول بالإجزاء هو الأولى ، والقول بخلافه فيه تشدد وإلحاق الحرج بالمضحي لأنه سيتكلف بدلها والله أعلم .
المبحث الحادي عشر
المجزئ في الأضحية
أولاً : قال جمهور أهل العلم إن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت الواحد ، فإذا ضحى بها واحد من أهل البيت ، تأدى الشعار والسنة بجميعهم ، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والأوزاعي (1) .
ويدل على ذلك ما يلي :
1. روى الترمذي بإسناده عن عُمارة بن عبد الله قال : ( سمعت عطاء بن يسار يقول : سألت أبا أيوب :( كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله ؟ فقال : كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ، فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصارت كما
ترى ) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح . ورواه ابن ماجة ومالك .
قال الإمام النووي: هذا حديث صحيح . والصحيح أن هذه الصيغة تقتضي أنه حديث مرفوع . وصححه الشيخ الألباني (2) .
2. وروى ابن ماجة بإسناده عن الشعبي عن أبي سريحة – وهو صحابي شهد الحديبية - قال :( حملني أهلي على الجفاء بعد ما علمت من السنة . كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والآن يُبَخِّلُنا جيراننا ) .
قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله موثقون.ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (3) وقال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد (4) .
3. ومما يدل على ذلك حديث جابر بن عبد الله قال :( شهدتُ مع رسول الله الأضحى في المصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأُتِيَ بكبشٍ فذبحه رسول الله بيده وقال : باسم الله والله أكبر ، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي ) .
رواه أبو داود في باب : الشاة يضحى بها عن جماعة وقد سبق تخريج الحديث .
----------------------------------
(2) الدر المختار بهامش حاشية ابن عابدين 6/325 .
(3) بدائع الصنائع 4/216-217 .
(4) حاشية الدسوقي 2/124 ، المجموع 8/400 ، كفاية الأخيار ص 529 .
(1) فتح المالك 7/7 .
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 5/106 ، معالم السنن 2/197 ، المغني 9/438 ، المجموع 8/384 .
(2) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/75-76 ، سنن ابن ماجة 2/1051، الاستذكار 15/180 ،المجموع 8/384 صحيح سنن ابن ماجة 2/203 .
(3) سنن ابن ماجة 2/1052 ، المستدرك 4/254 .
(4) صحيح سنن ابن ماجة 2/203 .
----------------------------------------
4. وعن عبد الله بن هشام قال :( كان رسول الله يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله ) رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد . ووافقه الذهبي (1) .
5. وعن عائشة رضي الله عنها :( أن رسول الله أمر بكبش أقرن ، يطأ في سواد ، ويبرك في سواد ، وينظر في سواد ، فأُتِيَ به ليضحي به فقال لها : يا عائشة هلمي المدية .
ثم قال : اشحذيها بحجر ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال : باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ، ومن أمة محمد ثم ضحى به ) رواه مسلم وأبو داود وغيرهما .
قال النووي :[ واستدل بهذا من جوَّز تضحية الرجل عنه وعن أهل بيته واشتراكهم معه في الثواب ، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور … ] (2) .
وقال الخطابي :[ وفي قوله ( تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ) دليل على أن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وأهله وإن كثروا ، وروي عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما كانا يفعلان ذلك ، وأجازه مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد ، وكره ذلك الثوري وأبو حنيفة ] (3) .
6. وأخرج ابن أبي الدنيا عن علي :( أنه كان يضحي بالضحية الواحدة عن جماعة أهله ) (4) .
7. ونقل ابن قدامة عن صالح بن أحمد بن حنبل قال :[ قلت لأبي : يُضَحَّى بالشاة عن أهل البيت ؟ قال : نعم لا بأس . قد ذبح النبي كبشين فقرَّب أحدهما فقال : بسم الله اللهم هذا عن محمد وأهل بيته. وقرَّب الآخر فقال : بسم الله اللهم هذا منك ولك عمن وَحَّدَكَ من أمتي .
وحكى عن أبي هريرة أنه كان يضحي بالشاة فتجئ ابنته فتقول: عني، فيقول:وعنك (5)
قال العلامة ابن القيم :[ وكان من هديه أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم ] (1) ثم ذكر حديث أبي أيوب السابق .
وقال الشوكاني :[ قوله " يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته " فيه دليل على أن الشاة تجزئ عن أهل البيت ، لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك في عهده والظاهر اطلاعه فلا ينكر عليهم … والحق أنها تجزئ عن أهل البيت ، وإن كانوا مئة نفس أو أكثر كما قضت بذلك السنة ] (2) .
ثانياً : قال الحنفية والثوري إن الشاة لا تجزئ إلا عن واحد (3) .
قال الكاساني :[ … فلا يجوز الشاة والمعز إلا عن واحد ، وإن كانت عظيمةً سمينةً تساوي شاتين مما يجوز أن يُضَحَّى بهما .
لأن القياس في الإبل والبقر أن لا يجوز فيهما الاشتراك ، لأن القربة في هذا الباب إراقة الدم ، وإنها لا تحتمل التجزئة ، لأنها ذبح واحد ، وإنما عرفنا جواز ذلك بالخبر ، فبقي الأمر في الغنم على أصل القياس ] (4) .
ويرى الحنفية جواز هبة ثواب الأضحية لأكثر من واحد ، وعلى ذلك حملوا الأحاديث التي احتج بها الجمهور (5) .
وقد زعم الطحاوي أن الأدلة التي احتج بها الجمهور إما منسوخةً أو مخصوصة (6) .
وقاس بعض الحنفية الأضحية على الهدي في هذه المسألة ، حيث قالوا إن الشاة الواحدة في الأضحية لا تجزئ عن أكثر من واحد ، قياساً عل الشاة الواحدة في الهدي ، حيث اتفق العلماء على أنها لا تجزئ إلا عن واحد . (7)
والذي يظهر لي رجحان قول الجمهور بأن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ، مهما كان عددهم لقوة الأدلة التي احتجوا بها .
---------------------------------------
(1) المستدرك 4/255 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 5/105-106 .
(3) معالم السنن 2/197 .
(4) عون المعبود 8/4 .
(5) المغني 9/438 .
(1) زاد المعاد 2/323 .
(2) نيل الأوطار 5/137 .
(3) بدائع الصنائع 4/207 ، المغني 9/438 ، معالم السنن 2/197 .
(4) بدائع الصنائع 4/206 ، وانظر تبيين الحقائق 6/3 .
(5) إعلاء السنن 17/231 .
(6) شرح معاني الآثار 4/178 .
(7) عون المعبود 8/5 .
-------------------------------
ويجاب عن قول الحنفية إن الغنم بقيت على أصل القياس ، بأنه مردود لثبوت الأحاديث في ذلك ، حيث ثبت الاشتراك على عهد رسول الله في الإبل والبقر ، وكذلك ورد النص أنهم اشتركوا على عهد رسول الله في الشاة الواحدة ، إلا أنه قد ثبت الاشتراك في الإبل والبقر من أهل أبيات شتى ، وثبت الاشتراك في الشاة من أهل بيت واحد … فالقول بأن الاشتراك في الشاة خلاف القياس وأنه لا نص فيه ، باطل (1) .
وأما ادعاء الطحاوي بأن أدلة الجمهور إما منسوخة أو مخصوصة . فقد أجاب النووي عن ذلك بقوله :[ … وغَلَّطَه العلماء في ذلك ، فإن النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد
الدعوى ] (2) .
وأما قياسهم الأضحية على الهدي ، بجامع منع الاشتراك في الشاة الواحدة في الهدي ، فهو قياس فاسد الاعتبار ، لأنه قياس في مقابل النص ، والأضحية غير الهدي ، ولهما حكمان مختلفان ، فلا يقاس أحدهما على الآخر ، لأن النص ورد على التفرقة بينهما فوجب تقديم النص على القياس (3) .
وقال الزيلعي المحدث :[ ويشكل على المذهب أيضاً في منعهم الشاة لأكثر من واحد ، بالأحاديث المتقدمة أن النبي ضحَّى بكبش عنه وعن أمته ] ثم ذكر حديث عبد الله بن هشام السابق (4) .
المطلب الثاني : المجزئ من الإبل والبقر
اتفق أكثر أهل العلم على أن البدنة تجزئ عن سبعة والبقرة تجزئ عن سبعة .
قال ابن قدامة :[ وهذا قول أكثر أهل العلم ، روي ذلك عن علي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم ، وبه قال عطاء وطاووس وسالم والحسن وعمرو بن دينار والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ] (1) .
واستدلوا بما يلي :
1. عن جابر قال :( نحرنا مع رسول الله عام الحديبية البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ) رواه مسلم (2) .
2. وعن حذيفة قال :( شَرَّكَ رسول الله في حجته بين المسلمين في البقرة عن
سبعة ) رواه أحمد وقال الهيثمي : رجاله ثقات (3) .
وقال بعض أهل العلم تجزئ البدنة عن عشرة أيضاً ، وبه قال سعيد بن المسيب وإسحاق وابن خزيمة (4) .
ويدل لهم حديث ابن عباس قال :( كنا مع النبي في سفر فحضرنا النحر – وفي رواية الأضحى – فاشتركنا في الجزور عن عشرة والبقرة عن سبعة ) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد. وقال الترمذي : حسن غريب . وقال الشيخ الألباني : وإسناده صحيح رجاله رجال الصحيح (5) .
ورجح الشوكاني هذا القول وقال :[ إنه الحق فتجزئ البدنة والبعير عن عشرة في الأضحية دون الهدي فلا تجزئ إلا عن سبعة ] (6) .
قال الساعاتي :[ وقد جمع الشوكاني بين حديثي جابر وابن عباس ، بأن حديث جابر محمول على الهدي وحديث ابن عباس محمول على الأضحية وقال هذا هو الحق .
قلت : وهو جمع حسن ، وكأن حديث ابن عباس لم يصح عند الجمهور .
وأما البقرة فتجزئ عن سبعة في الهدي والأضحية بالاتفاق ] (1) .
وقد رجح الحافظ ابن عبد البر حديث جابر على حديث ابن عباس فقال :
[ وحديث ( نحر رسول الله يوم الحديبية البدنة عن سبعة ) واضح لا مدخل فيه
للتأويل ، وحسبك بقول جابر :( سَنَّ رسولُ الله البدنةَ عن سبعةٍ والبقرةَ عن سبعة ) .
-----------------------------------
(1) تحفة الأحوذي 5/77-78 .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 5/106 .
(3) عون المعبود 8/5 .
(4) نصب الراية 4/210 .
(1) المغني 9/437 ، وانظر المجموع 8/398،422 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 3/436 .
(3) الفتح الرباني 13/38 ، مجمع الزوائد 3/226 .
(4) المغني 9/437 ، نيل الأوطار 5/137 .
(5) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/72 ، سنن النسائي 7/222 ، سنن ابن ماجة 2/1047 ، الفتح الرباني 13/84 ،
مشكاة المصابيح 1/462 .
(6) نيل الأوطار 5/137 .
(1) الفتح الرباني 13/87 .
----------------------------------