تاريخ بيت المقدس -1-
صراعٌ دامٍ حول "أرض الميعاد" وصارت الفكرة معتقدًا لدى البعض، وقد كانت العيون على القدس فلا أرض ميعاد بدون القدس حيث الهيكل المزعوم، ورغم أن الله طلب من بني إسرائيل دخول الأرض المقدسة مع موسى وطالوت إلا أن عصيانهم حرّمها عليهم فعاشوا في الشتات، ورغم أن الحركة الصهيونية نجحت نظريًّا أن تضع خطّة بدعم الدول الكبرى (بريطانيا ثم فرنسا وأمريكا)، وكانت تحقق خطواتها الوئيدة الأكيدة التي انتهت بالسطو على الأرض، وإخراج أهلها منها وجعلهم لاجئين في الشتات، ولكن وجد وعد حق وآخر مفترى؛ ففلسطين لم تكن أرضًا فقط بل دينًا أن نتوجه إلى أرض المسرى. نعم يملك اليهود القوة والذراع الطولى والمزاعم والأساطير، ومن "يجرؤ على الكلام؟" والويل لمن تأخذه عزّة بدين أو يتمسك بأرض سيجد له نيرانًا تحرق، أو تفجيرًا يُدَوّى، ليصير في خبر كان وتخفت الأصوات فلا تسمع إلا همسًا في الغرب والشرق.
ولكن قد خرجت من رحم الأرض المباركة الصرخة المدوية ليعود الإسلام من جديد إلى القضية، فكما أرادها الله، فإن كان اليهود أرادوها حربًا مقدسة، صار الجهاد اليوم علمًا يرفع، وإليكم الحقيقة..
تاريخ موغل في القدم
فلسطين ميراث إسلامي بذلت فيه الدماء عبر تاريخها الممتد منذ 600 سنة قبل الميلاد، كما أشارت الآثار القديمة في جوار أريحا والبحر الميّت، مما يعد دلالة على التوطين البشري المبكر، وأنها كانت تحمل جوانب جذب للكثيرين، فهي أرض للأنبياء، وموئل.
عرفت فلسطين منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد بأرض كنعان كما دلّت عليها مسلة أدريمي والمصادر المسمارية ورسائل تل العمارنة، وغالبًا ما يكون أصل كلمة فلسطين (فلستيبا) التي وردت في السجلات الأشورية إذ يذكر أحد الملوك الأشوريين سنة (800 ق.م) أنّ قواته أخضعت "فلستو"، وأجبرت أهلها على دفع الضرائب.
وتتبلور صيغة التسمية عند هيرودوتس على أسس آرامية في ذكره لفلسطين باسم "بالستين" Palestine، ويستدل على أن هذه التسمية كان يقصد بها الأرض الساحلية والجزء الجنوبي من سوريّا الممتدة من سيناء جنوبًا وغور الأردن شرقًا، وأصبح اسم فلسطين في العهد الروماني ينطبق على كل الأرض المقدّسة، وغدا مصطلحًا اسميًّا منذ عهد الإمبراطور الروماني "هادريان"، وكان يشار إليه دائمًا في تقارير الحجاج المسيحيين.
وفلسطين سكنها الكنعانيون قديمًا منذ أكثر من 5000 عام، وفي نحو 1250 ق.م دخل بنو إسرائيل فلسطين لأول مرة مع نبي الله موسى عليه السلام وذكر ذلك القرآن الكريم بعد الخروج من مصر وأراد نبي الله موسى أن يسكنهم فلسطين، ولكنهم خافوا من الكنعانيين وأبوا دخولها فقال الله فيهم: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26]، ثم حاولوا دخول فلسطين مع الملك طالوت كما ورد في القرآن الكريم، وكانت منهم قلة مؤمنة {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247] ثم صار الملك لنبيّ الله داود الذي كان أحد جنود طالوت، وورثه نبي الله سليمان في نبوته وفي ملكه، فأرسى دعائم التوحيد، حيث أيّد بمعجزات كثيرة وكانت له سطوة على الخلائق {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16]، وبنى النبي سليمان معبدًا تقام فيه الصلاة، وعقب موت سليمان انقسمت مملكة سليمان إلى مملكتين بينهما تنافس: إسرائيل، ويهوذا، وضعفت قوة بني إسرائيل لاختلافهم فاستولى الأشوريون على فلسطين، وفي العام 586 ق.م هاجم البابليون مملكة يهوذا بقيادة نبوخذ نصر، أو بختنصر، وقاموا بأسر اليهود، وهدموا معبد سليمان، وبعد 45 عامًا، يهاجم الفرس بابل ليعود بعض اليهود إلى فلسطين ويسعون لبناء المعبد، وفي العام 333 ق.م يسيطر الإسكندر المقدوني على بلاد فارس ويجعل فلسطين تحت الحكم اليوناني، ويموت الإسكندر بعد ذلك بعشر سنوات ويتناوب على حكم فلسطين البطالمة, والمصريون، والسلوقيون الذين حاولوا فرض الوثنية الهيلينية، استأنفت الإمبراطوريات القريبة توسعها على حساب بلاد الشام، ولم يستطع الإسرائيليون المقسَّمون الإبقاء على استقلالهم.
لقد كان لليهود وجود في فلسطين خلال مراحل عدة من التاريخ، واتسم تواجدهم بعدم الاستقرار، وعدم طاعة قادتهم سواء كانوا أنبياء أو ملوكًا، وإثارة القلاقل كان دأبًا لهم على مدار التاريخ، مما كان يؤدي إلى العصف بهم، أو تشريدهم أو وقوعهم في الأسر، ولم تكن لهم مستقرًّا، وإن كتبها الله كمستقر لبني إسرائيل ما أطاعوا الله، ولكن حين عصوه حرّمها عليهم، ومن أصدق من الله حديثًا {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، ويثور اليهود على السلطات مرات متوالية ويحاولون إقامة دولة مستقلة 165 ق.م - حسب الروايات اليهودية التي لم تثبت في روايات أخرى، وفي العام 63 ق.م تضم فلسطين إلى الإمبراطورية الرومانية، وعاش اليهود بسلام في فلسطين، ولكنهم حاولوا الثورة على الإمبراطورية الرومانية في سنة 70 ميلادية، فقام الإمبراطور طيطس بتدمير القدس وسوّاها بالأرض، ودمّر معبدها، وحين قاموا بثورة أخرى في العام 132م أقام الإمبراطور "هادريان" مدينة وثنية أطلق عليها اسم "كولونيا إيليا كابوتاليا"، وحرّم على اليهود دخولها، وبدأت النصرانية تنتشر في فلسطين، ثم ترك الإمبراطور قسطنطين الوثنية واعتنق النصرانية ولكن صبغها بالصبغة الوثنية فصارت ديانة وثنية وفقدت صفاءها، وخاصةً بعد قيام عدد من الحواريين بكتابة سيرة المسيح عليه السلام بطريقة تأثرت بالديانات الوثنية، حسب الأماكن التي نشأ فيها كاتب الإنجيل نفسه .
الفتح الإسلامي
المسجد الأقصى لم يسع المسلمون إلى فتح فلسطين بعد عصر النبوة إلاّ بعد أن خلصت الجزيرة العربية للإسلام، وتمكن الإسلام من النفوس وإن كان حدث الاحتكاك لتأمين جزيرة العرب والسيطرة على القبائل التي كانت تدين بالولاء للرومان ثم اتجهوا إلى بلاد الشام، فوجهوا جزءًا من قواتهم إلى فلسطين وفتحوا مناطق عديدة منها وحاصروا إيلياء زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، واستمات الروم في الدفاع عن بيت المقدس، بيد أن الدين الجديد وما يزرعه في نفوس قواته قد انتصر على عناد الروم ودب الضعف في نفوسهم، ولما اشتد الحصار لـ بيت المقدس 636م ظهر البطريرك "صفرونيوس" من فوق أسوار المدينة وقال لهم: إنا نريد أن نسلم لكن بشرط أن يكون ذلك لأميركم. فقدموا له أمير الجيش فقال: لا، إنما نريد الأمير الأكبر أمير المؤمنين. فكتب أمير الجيش إلى عمر بن الخطاب، فخرج عمر بن الخطاب إلى مدينة القدس، ولما أطل على مشارفها وجد المسلمين في استقباله خارج بابها المسمى بباب دمشق وعلى رأسهم البطريرك "صفرونيوس"، وقد كان عمر على راحلة واحدة ومعه غلامه، فظهر لهم وهو آخذ بمقود الراحلة وغلامه فوقها، فبينما رأوه كذلك خروا له ساجدين، فأشار إليهم غلام أمير المؤمنين عمر من فوق راحلته وصاح فيهم: "ارفعوا رءوسكم لا ينبغي السجود إلا لله، فلما رفعوا رءوسهم انتحى البطريرك "صفرونيوس"ناحية وبكى، فتأثر عمر وأقبل عليه يواسيه قائلاً: "لا تحزن، هوِّن عليك، فالدنيا دواليك يوم لك ويوم عليك". فقال صفرونيوس: أظننتني لضياع الملك بكيت؟ والله ما لهذا بكيت، إنما بكيت لمـّا أيقنت أن دولتكم على الدهر باقية لا ترقّ ولا تنقطع... فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة، وكنت حسبتها دولة فاتحين ثم تنقرض مع السنين.
وتسلم ابن الخطاب مفاتيح القدس من البطريرك صفرونيوس، وخطب في تلك الجموع قائلاً: "يا أهل إيلياء، لكم ما لنا وعليكم ما علينا". ثم دعا البطريرك لتفقد كنيسة القيامة، فلبى دعوته، وأدركته الصلاة وهو فيها فتلفت إلى البطريرك وقال له: أين أصلي؟ فقال: "مكانك صلّ". فقال: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة، فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدًا. وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى، وجاء المسلمون من بعده وبنوا على ذلك المكان مسجدًا وهو قائم إلى يومنا هذا.
وقد عرفت فلسطين باسم جند فلسطين أثناء التقسيمات الإدارية الإسلامية للدولة الإسلامية ومنذ تلك الفترة وفلسطين إسلامية حتى يومنا هذا.
وشهدت فلسطين في العهد الإسلامي الانتعاش والازدهار رغم ما قاسته في فترة الاجتياح المغولي والحروب الصليبية، وإن تكللت بموقعتين عظيمتين من ملاحم المسلمين يشهد لهما التاريخ عين جالوت في اليوم الخامس عشر من رمضان سنة 658هـ/ 3 سبتمبر 1260م، وحطين 24 ربيع الآخر 583هـ/ 4 يوليو 1187م وظل احتلال الصليبيين للقدس ما يقارب 92 عامًا لا يرفع فيها أذان، ولا تقام فيها شعائر معلنة، وتحررت وظلت تشارك في أحداث التاريخ الإسلامي في عهد صلاح الدين حين وحّد الأمة على صعيد واحد حتى في عهد الحكم العثماني الذي دام أربعة قرون.
يتبع
صراعٌ دامٍ حول "أرض الميعاد" وصارت الفكرة معتقدًا لدى البعض، وقد كانت العيون على القدس فلا أرض ميعاد بدون القدس حيث الهيكل المزعوم، ورغم أن الله طلب من بني إسرائيل دخول الأرض المقدسة مع موسى وطالوت إلا أن عصيانهم حرّمها عليهم فعاشوا في الشتات، ورغم أن الحركة الصهيونية نجحت نظريًّا أن تضع خطّة بدعم الدول الكبرى (بريطانيا ثم فرنسا وأمريكا)، وكانت تحقق خطواتها الوئيدة الأكيدة التي انتهت بالسطو على الأرض، وإخراج أهلها منها وجعلهم لاجئين في الشتات، ولكن وجد وعد حق وآخر مفترى؛ ففلسطين لم تكن أرضًا فقط بل دينًا أن نتوجه إلى أرض المسرى. نعم يملك اليهود القوة والذراع الطولى والمزاعم والأساطير، ومن "يجرؤ على الكلام؟" والويل لمن تأخذه عزّة بدين أو يتمسك بأرض سيجد له نيرانًا تحرق، أو تفجيرًا يُدَوّى، ليصير في خبر كان وتخفت الأصوات فلا تسمع إلا همسًا في الغرب والشرق.
ولكن قد خرجت من رحم الأرض المباركة الصرخة المدوية ليعود الإسلام من جديد إلى القضية، فكما أرادها الله، فإن كان اليهود أرادوها حربًا مقدسة، صار الجهاد اليوم علمًا يرفع، وإليكم الحقيقة..
تاريخ موغل في القدم
فلسطين ميراث إسلامي بذلت فيه الدماء عبر تاريخها الممتد منذ 600 سنة قبل الميلاد، كما أشارت الآثار القديمة في جوار أريحا والبحر الميّت، مما يعد دلالة على التوطين البشري المبكر، وأنها كانت تحمل جوانب جذب للكثيرين، فهي أرض للأنبياء، وموئل.
عرفت فلسطين منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد بأرض كنعان كما دلّت عليها مسلة أدريمي والمصادر المسمارية ورسائل تل العمارنة، وغالبًا ما يكون أصل كلمة فلسطين (فلستيبا) التي وردت في السجلات الأشورية إذ يذكر أحد الملوك الأشوريين سنة (800 ق.م) أنّ قواته أخضعت "فلستو"، وأجبرت أهلها على دفع الضرائب.
وتتبلور صيغة التسمية عند هيرودوتس على أسس آرامية في ذكره لفلسطين باسم "بالستين" Palestine، ويستدل على أن هذه التسمية كان يقصد بها الأرض الساحلية والجزء الجنوبي من سوريّا الممتدة من سيناء جنوبًا وغور الأردن شرقًا، وأصبح اسم فلسطين في العهد الروماني ينطبق على كل الأرض المقدّسة، وغدا مصطلحًا اسميًّا منذ عهد الإمبراطور الروماني "هادريان"، وكان يشار إليه دائمًا في تقارير الحجاج المسيحيين.
وفلسطين سكنها الكنعانيون قديمًا منذ أكثر من 5000 عام، وفي نحو 1250 ق.م دخل بنو إسرائيل فلسطين لأول مرة مع نبي الله موسى عليه السلام وذكر ذلك القرآن الكريم بعد الخروج من مصر وأراد نبي الله موسى أن يسكنهم فلسطين، ولكنهم خافوا من الكنعانيين وأبوا دخولها فقال الله فيهم: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26]، ثم حاولوا دخول فلسطين مع الملك طالوت كما ورد في القرآن الكريم، وكانت منهم قلة مؤمنة {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247] ثم صار الملك لنبيّ الله داود الذي كان أحد جنود طالوت، وورثه نبي الله سليمان في نبوته وفي ملكه، فأرسى دعائم التوحيد، حيث أيّد بمعجزات كثيرة وكانت له سطوة على الخلائق {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16]، وبنى النبي سليمان معبدًا تقام فيه الصلاة، وعقب موت سليمان انقسمت مملكة سليمان إلى مملكتين بينهما تنافس: إسرائيل، ويهوذا، وضعفت قوة بني إسرائيل لاختلافهم فاستولى الأشوريون على فلسطين، وفي العام 586 ق.م هاجم البابليون مملكة يهوذا بقيادة نبوخذ نصر، أو بختنصر، وقاموا بأسر اليهود، وهدموا معبد سليمان، وبعد 45 عامًا، يهاجم الفرس بابل ليعود بعض اليهود إلى فلسطين ويسعون لبناء المعبد، وفي العام 333 ق.م يسيطر الإسكندر المقدوني على بلاد فارس ويجعل فلسطين تحت الحكم اليوناني، ويموت الإسكندر بعد ذلك بعشر سنوات ويتناوب على حكم فلسطين البطالمة, والمصريون، والسلوقيون الذين حاولوا فرض الوثنية الهيلينية، استأنفت الإمبراطوريات القريبة توسعها على حساب بلاد الشام، ولم يستطع الإسرائيليون المقسَّمون الإبقاء على استقلالهم.
لقد كان لليهود وجود في فلسطين خلال مراحل عدة من التاريخ، واتسم تواجدهم بعدم الاستقرار، وعدم طاعة قادتهم سواء كانوا أنبياء أو ملوكًا، وإثارة القلاقل كان دأبًا لهم على مدار التاريخ، مما كان يؤدي إلى العصف بهم، أو تشريدهم أو وقوعهم في الأسر، ولم تكن لهم مستقرًّا، وإن كتبها الله كمستقر لبني إسرائيل ما أطاعوا الله، ولكن حين عصوه حرّمها عليهم، ومن أصدق من الله حديثًا {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، ويثور اليهود على السلطات مرات متوالية ويحاولون إقامة دولة مستقلة 165 ق.م - حسب الروايات اليهودية التي لم تثبت في روايات أخرى، وفي العام 63 ق.م تضم فلسطين إلى الإمبراطورية الرومانية، وعاش اليهود بسلام في فلسطين، ولكنهم حاولوا الثورة على الإمبراطورية الرومانية في سنة 70 ميلادية، فقام الإمبراطور طيطس بتدمير القدس وسوّاها بالأرض، ودمّر معبدها، وحين قاموا بثورة أخرى في العام 132م أقام الإمبراطور "هادريان" مدينة وثنية أطلق عليها اسم "كولونيا إيليا كابوتاليا"، وحرّم على اليهود دخولها، وبدأت النصرانية تنتشر في فلسطين، ثم ترك الإمبراطور قسطنطين الوثنية واعتنق النصرانية ولكن صبغها بالصبغة الوثنية فصارت ديانة وثنية وفقدت صفاءها، وخاصةً بعد قيام عدد من الحواريين بكتابة سيرة المسيح عليه السلام بطريقة تأثرت بالديانات الوثنية، حسب الأماكن التي نشأ فيها كاتب الإنجيل نفسه .
الفتح الإسلامي
المسجد الأقصى لم يسع المسلمون إلى فتح فلسطين بعد عصر النبوة إلاّ بعد أن خلصت الجزيرة العربية للإسلام، وتمكن الإسلام من النفوس وإن كان حدث الاحتكاك لتأمين جزيرة العرب والسيطرة على القبائل التي كانت تدين بالولاء للرومان ثم اتجهوا إلى بلاد الشام، فوجهوا جزءًا من قواتهم إلى فلسطين وفتحوا مناطق عديدة منها وحاصروا إيلياء زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، واستمات الروم في الدفاع عن بيت المقدس، بيد أن الدين الجديد وما يزرعه في نفوس قواته قد انتصر على عناد الروم ودب الضعف في نفوسهم، ولما اشتد الحصار لـ بيت المقدس 636م ظهر البطريرك "صفرونيوس" من فوق أسوار المدينة وقال لهم: إنا نريد أن نسلم لكن بشرط أن يكون ذلك لأميركم. فقدموا له أمير الجيش فقال: لا، إنما نريد الأمير الأكبر أمير المؤمنين. فكتب أمير الجيش إلى عمر بن الخطاب، فخرج عمر بن الخطاب إلى مدينة القدس، ولما أطل على مشارفها وجد المسلمين في استقباله خارج بابها المسمى بباب دمشق وعلى رأسهم البطريرك "صفرونيوس"، وقد كان عمر على راحلة واحدة ومعه غلامه، فظهر لهم وهو آخذ بمقود الراحلة وغلامه فوقها، فبينما رأوه كذلك خروا له ساجدين، فأشار إليهم غلام أمير المؤمنين عمر من فوق راحلته وصاح فيهم: "ارفعوا رءوسكم لا ينبغي السجود إلا لله، فلما رفعوا رءوسهم انتحى البطريرك "صفرونيوس"ناحية وبكى، فتأثر عمر وأقبل عليه يواسيه قائلاً: "لا تحزن، هوِّن عليك، فالدنيا دواليك يوم لك ويوم عليك". فقال صفرونيوس: أظننتني لضياع الملك بكيت؟ والله ما لهذا بكيت، إنما بكيت لمـّا أيقنت أن دولتكم على الدهر باقية لا ترقّ ولا تنقطع... فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة، وكنت حسبتها دولة فاتحين ثم تنقرض مع السنين.
وتسلم ابن الخطاب مفاتيح القدس من البطريرك صفرونيوس، وخطب في تلك الجموع قائلاً: "يا أهل إيلياء، لكم ما لنا وعليكم ما علينا". ثم دعا البطريرك لتفقد كنيسة القيامة، فلبى دعوته، وأدركته الصلاة وهو فيها فتلفت إلى البطريرك وقال له: أين أصلي؟ فقال: "مكانك صلّ". فقال: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة، فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدًا. وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى، وجاء المسلمون من بعده وبنوا على ذلك المكان مسجدًا وهو قائم إلى يومنا هذا.
وقد عرفت فلسطين باسم جند فلسطين أثناء التقسيمات الإدارية الإسلامية للدولة الإسلامية ومنذ تلك الفترة وفلسطين إسلامية حتى يومنا هذا.
وشهدت فلسطين في العهد الإسلامي الانتعاش والازدهار رغم ما قاسته في فترة الاجتياح المغولي والحروب الصليبية، وإن تكللت بموقعتين عظيمتين من ملاحم المسلمين يشهد لهما التاريخ عين جالوت في اليوم الخامس عشر من رمضان سنة 658هـ/ 3 سبتمبر 1260م، وحطين 24 ربيع الآخر 583هـ/ 4 يوليو 1187م وظل احتلال الصليبيين للقدس ما يقارب 92 عامًا لا يرفع فيها أذان، ولا تقام فيها شعائر معلنة، وتحررت وظلت تشارك في أحداث التاريخ الإسلامي في عهد صلاح الدين حين وحّد الأمة على صعيد واحد حتى في عهد الحكم العثماني الذي دام أربعة قرون.
يتبع