نتابع: الطوائف والمذاهب والجاليات في فلسطين، السريان
- أصل السريان
- اللغة السريانية
- السريان في فلسطين
- الكنيسة السريانية
أصل السريان
السريان هم أقدم الطوائف المسيحية، كانوا يسمون بالآراميين، نسبة إلى آرام الابن الخامس لسام بن نوح الجد الأعلى لجميع الشعوب السامية، ومصطلح السريان أطلقه المؤرخون اليونانيون على الآراميين، بعد أن تركوا عبادة الأوثان، واعتنقوا الديانة المسيحية في القرن الأول والثاني للميلاد.
انطلق الآراميون من الصحراء السورية حوالي 2300 ق.م إلى أعالي مابين النهرين، استقروا في البداية في حران، وأسسوا عدة ممالك مستقلة غير موحدة بين القرنيين 11-10 ق .م، وقد دخلت تلك الممالك في صراع مرير مع الأشوريين وغيرهم من الشعوب المجاورة كالحيثيين في شمال وداخل سوريا والكنعانيين على الساحل السوري، وأيضا في وقت متأخر مع العبرانيين، إلا أن الأشوريين هم من تمكن في النهاية من القضاء على معظم النفوذ السياسي للآراميين سنة 710 ق .م، وبالرغم من الانتصار العسكري للآشوريين على الآراميين إلا أن النفوذ الثقافي والحضاري للآراميين ظل قويا هناك، وخصوصا في الممالك التي بقيت حية بيد الآراميين ولعبت دورا كبيرا قبيل سقوطها في القرن الثاني والثالث بعد الميلاد مثل مملكة الرها " تركيا", مملكة تدمر "سوريا", مملكة الحظر "العراق", ومملكة الأنباط "الأردن".
وكانت هذه الممالك الآرامية مختلفة عن بعضها البعض في حجمها وقوتها وسلطتها ونفوذها، إلا أن ضعف الآراميين يكمن في أنهم لم يؤسسوا دولة موحدة كبيرة تحت قيادة ملك أو حاكم واحد قوي، لذلك كانت هذه الممالك سهلة السقوط بيد الغزاة والطامعين.
انتشر الآراميون بشكل أساسي في دول بلاد الشام (سوريا، لبنان، فلسطين والأردن) والعراق والهند، إضافة إلى عدد من الدول الأخرى، وبحسب المصادر المسيحية فإن السريان هم أول شعب وثني اعتنق المسيحية منذ السنوات الأولى لظهورها.
وتقول بعض المصادر المسيحية بأن السريان تخلوا عن اسمهم القديم "الآراميين"، لأنه كان يذكّرهم بوثنيتهم، وصارت اللغة الآرامية تعرف بـ "اللغة السريانية"، وما زال بعض سكان قرى سوريا وشمال العراق يتحدثون هذه اللغة إلى اليوم.
ويطلق البعض على السريان أسم "اليعاقبة" نسبة إلى يعقوب البرادعي، أحد أنشط دعاة النصرانية في أواسط القرن السادس الميلادي. ولكن، على الرغم من تعظيم السريان ليعقوب البرادعي واعتباره قدّيساً، والاعتراف بجهده في تثبيت دعائم عقيدتهم، إلا أنهم يرفضون تسميتهم باليعاقبة، لأنهم يعتبرون عقيدتهم أقدم من يعقوب، وأن انتسابهم إليه إنكار لعلاقتهم بمن سبقوه من الآباء والقديسين.
عرفت كنيسة السريان باسم "الكنيسة السريانية الأرثوذكسية"، إلى أن اعتنق مجموعة من السريان الأرثوذكس المذهب الكاثوليكي بفعل التبشير، وصاروا يتبعون بابا روما، ومن هنا نشأت كنيسة جديدة، هي "كنيسة السريان الكاثوليك" أو "بطريركية أنطاكيا للسريان الكاثوليك".
عدد السريان
لا تتوفر إحصائيا دقيقة لأعداد السريان، لكن ثمة تقديرات تفيد بأن عددهم في الدول العربية (سوريا ولبنان والعراق وفلسطين) يناهز الـ 250 ألف سريانيا. 60% منهم يتبعون المذهب الأرثوذكسي، و40% من الكاثوليك.
أما في فلسطين فيعتبر السريان ثالث طائفة من حيث العدد بعد الروم واللاتين حيث يمثلون 10% من مسيحيي الديار المقدسة، فهناك 300 عائلة في القدس و 500 عائلة في بيت لحم، ويربو عددهم جميعا عن 4000 نسمة، حسب إحصاء رسمي مسيحي.
اللغة السريانية
تعرف اللغة السريانية بالآرامية أيضا، فهي تنتمي إلى اللغات السامية، فقد كانت قديماً لغة الآراميين الذين استوطنوا منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد بلاد آرام الشام وأرام النهرين.
وقد اعتمد الآراميون في لغتهم الأبجدية الفينيقية، التي تتألف من 22 حرفاً ولم يزيدوا عليها أي حرف جديد.
انتشرت اللغة السريانية في العالم القديم انتشاراً واسعاً، وصارت حروفها حروف هجاء للغات شرقية عديدة حتى أنها كانت مستخدمة في عهد الملك نابو بلاصر كلغة متداولة في البلاط البابلي، وجعلت في عهد داريوس الكبير "52 ـ 486 ق.م" اللغة الرسمية في مقاطعات الإمبراطورية الفارسية، بل أمست لغة دولية في الشرق كله زمناً طويلاً.
وكان اليهود قد تعلموها واستعملوها خلال السبي البابلي، بل صارت لغتهم اليومية. وتكلم السيد المسيح ورسله السريانية قبل أكثر من ألفي عام في بيت لحم والناصرة والقدس وقانا وصور وغور الأردن، واستمرت سائدة بين معظم شعوب الشرق حتى أواخر القرن السابع للميلاد إذ أخذت اللغة العربية تحل محل السريانية رويداً رويداً، ولكن لهجاتها ما زالت قيد التداول حتى اليوم في طور عابدين بتركيا، وقرى الموصل وغيرها في شمال العراق، وحي السريان في مدينة حلب وبلدتي معلولا وصيدنايا المجاورتين لدمشق في سورية، فضلا عن مئات الأسر السريانية في سوريا وتركيا وفلسطين ولبنان والعراق وغيرها.
وقد تسرب كثير من مفردات وقواعد اللغة الآرامية/السريانية إلى اللغة العربية المحكية، ومازالت هذه المفردات والقواعد شائعة في اللهجات العربية المتداولة في المدن الفلسطينية ومنطقة الجليل فضلا عن معظم مدن وريف سورية ولبنان. ناهيك عن أثارها الظاهرة في أسماء مدن وقرى عديدة في الشرق الأوسط.
وفي فجر المسيحية كانت اللغة السريانية لغة أهل أنطاكية الأصليين، لاسيما القاطنين في ضواحيها، كما كانت لغة سائر بلاد سوريا الداخلية، أما اللغة اليونانية التي استقدمها السلوقيون فكانت مجرد لغة رسمية للبلاد لا يتحدث بها سوى أبناء الجالية اليونانية والأوساط الأرستقراطية والمضطرون للمعاملات الرسمية.
استعملت كنيسة إنطاكية اللغة السريانية في طقوسها الدينية، ففيها أقامت خدمة أول قداس كتبه بالسريانية مار يعقوب شقيق أسقف أورشليم، ولا تزال جميع الكنائس السريانية في العالم حتى اليوم تتلوه بالسريانية إلى جانب لغاتها المحلية الوطنية.
الأسماء التي أطلقت على الآرامية:
توسعت اللغة الآرامية دولياً بعد أن كانت محصورة في بلاد الرافدين، وأطلقت على هذه اللغة عبر التاريخ تسميات عديدة من قبل الشعوب الأجنبية، ومن هذه التسميات ما ثبت وترسخ، فتبنته حتى الشعوب الناطقة بالآرامية ومنها ما اندثر. ومن أهم الأسماء التي أعطيت للآرامية: الآشورية والكلدانية والسريانية.
الأبجدية الآرامية القديمة:
الأبجدية الآرامية
اللهجات السريانية:
تحتوي اللغة السريانية على عدة لهجات وهي:
الرهوية: يستخدمها حالياً السريان الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة في طقوسهم.
سورت: اللهجة السريانية الشرقية، يستخدمها أتباع الكنائس الشرقية (الآشوريون والكلدانيون).
طورويو: لهجة خاصة يتكلم بها السريان في طور عابدين في تركيا.
النبطية: أي اللهجة الآرامية الفلسطينية، يتكلم بها سكان ثلاث قرى سورية هي بخعة وجبعدين ومعلولا؛ وهي نفس اللغة التي تكلم بها السيد المسيح.
ويفخر السريانيون بأن لغتهم كانت لغة المسيح وأمه مريم، ولا تزال تستعمل في الكنائس السريانية من قبل الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة في طقوسهم في فلسطين ولبنان وسورية والعراق وتركيا والهند.
السريان في فلسطين
منذ عام 1471م توجد في القدس أسقفية للسريان الأرثوذكس، وأما طلائع مسيحيي هذه الطائفة فقد نزحوا إلى بيت لحم حوالي سنة 1838م، ومعظمهم أتوا إليها في بدايات القرن العشرين من تركيا، وخاصة من منطقة طورعابدين، وذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولى، في حين كان قد توافد سريان آخرون إلى فلسطين حجاجاً واستقروا فيها بالقرب من الأماكن المقدسة لاسيما في القدس وبيت لحم.
منذ انطلاق المسيحية من الأراضي المقدسة حيث كان الآراميون والأشوريون يعيشون فيها، انتشرت السريانية كلغة للمسيحية لأن السيد المسيح كان يتحدث بها. وكانت السريانية هي لغة غالبية سكان بلاد الشام قبل انتشار الإسلام في هذه البلاد.
الكنيسة السريانية
أملاك الكنيسة والطائفة السريانية
كانت للكنيسة السريانية في القدس أملاك وأوقاف عديدة، منها عشرة أديرة لم يتبق منها سوى دير مار مرقس داخل البلدة القديمة "وهو محاط من ثلاث جهات بالاستيطان اليهودي"، وكان حي السريان بالقدس يمتد من حارة السعدية حتى باب الأسباط.
تكمن أهميته دير مار مرقس، بالرغم من مساحته الصغيرة في أن العشاء الرباني الأخير للمسيح جرى في المكان الذي يقوم عليه هذا الدير، وفيه أيضا "كنيسة العذراء"، وهي مبنية على المكان الذي كان يوما بيتا للسيدة مريم العذراء.
وحسب الاعتقاد السرياني فإن المكان الذي يقوم عليه هذا الدير شهد نزول روح القدس على تلاميذ المسيح بعد صعوده إلى السماء لحثهم على نشر الديانة المسيحية، ويعتبر عيد العنصرة، وهو اليوم الذي نزل فيه روح القدس عيداً لكافة الكنائس المسيحية.
ويضم دير مار مرقس مكتبة قديمة قيمة تحوي مئات الوثائق التاريخية التي تعد مصدراً مهما لتاريخ فلسطين، وقد تداول على هذا الدير عبر التاريخ سبعة أساقفة سريان.
ويمتلك السريان الأرثوذكس، إلى جانب أربع طوائف أخرى (الأرمن الأرثوذكس، والأقباط الأرثوذكس، والروم، واللاتين) حقا حصريا في الدخول والصلاة، ككنيسة، في الأماكن المقدسة الأساسية (كنيسة المهد، كنيسة القيامة، جبل الزيتون، كنيسة السيدة مريم)، وذلك في كافة الأوقات.
أما في بيت لحم فهناك كنيسة العذراء مريم للسريان الأرثوذكس التي بنيت في عام 1922م وقد دُشنت عام 1928م، إضافة إلى كنيسة مار أفرام وهي كنيسة مقبرة السريان الأرثوذكس في بيت لحم فدُشنت سنة 1935م وسميت كذلك تيمناً بالقديس أفرام السرياني أحد آباء الكنيسة المقدسة.
وللسريان عدة مؤسسات منها جمعية مار مرقس بالقدس والتي تأسست عام1926م والنادي الأرثوذكسي السرياني "تأسس في العشرينات"، وفي بيت لحم النادي السرياني وتأسس عام 1966م، وغيرها من المؤسسات السريانية.
وللسريان مجلة "الحكمة" والتي تهتم وتسعى لإحياء التراث السرياني ونشرها المقالات الدينية والدراسات والأبحاث عن السريان وصدر العدد الأول لهذه المجلة عام 1914م في دير الزعفران في تركيا وتوقفت بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، ثم أعيد إصدارها في مدينة القدس عام 1926 في دير مار مرقس لمدة أربع سنوات، ثم توقفت مع بداية انتفاضة البراق، وأعاد الكاتب والصحافي الفلسطيني-السرياني جاك خزمو إصدارها عام 1990م. وهو أيضا صاحب ورئيس تحرير مجلة "البيادر" المقدسية التي لعبت دورا تعبويا وطنيا هاما إبان انتفاضة عام 1987.
الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية
الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية هي كنيسة أنطاكية أرثوذوكسية مشرقية، تتمركز في منطقة الشرق الأوسط، وينتشر أفرادها في مختلف بقاع العالم، وهي كنيسة مستقلة، مرتبطة بباقي الكنائس الأرثوذكسية بوحدة الإيمان والأسرار والتقليد الكنسي.
تمتد ولاية البطريركية الأنطاكية السريانية لتشمل سورية ولبنان وفلسطين والعراق والكويت وتركيا والهند وإيران وشبه الجزيرة العربية وأمريكا الشمالية و أمريكا الجنوبية والوسطى واستراليا ونيوزيلندا.
لغة الكنيسة الرسمية هي السريانية، وتستخدم الكتابة السريانية في مخطوطاتها الدينية، وتتشارك هذه الكنيسة بعقيدتها مع كل من الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية والكنيسة الأرمينية الأرثوذوكسية و الكنيسة الأثيوبية. وترجع جذور هذه الكنيسة إلى بدايات المسيحية، لذلك تعتبر نفسها أحد أقدم الكنائس، وإن تسمية أو مصطلح مسيحي أطلق لأول مرة على تلاميذ المسيح من قبل هذه الكنيسة في أنطاكية.
عندما انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية والإمبراطورية الرومانية الغربية انقسمت الكنيسة المسيحية بدورها إلى كنيسة شرقية وغربية، وتمركزت الغربية في روما، وحدثت انشقاقات فيها لاحقا بظهور البروتستانتية، بينما تمحورت الكنيسة الشرقية حول الإمبراطورية البيزنطية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية.
أضطر بطاركة الكنيسة نتيجة اضطرابات وعنف حدثت أثناء تلك الفترة التاريخية إلى الخروج من مركزهم في أنطاكية عام 518م واستقروا في دير الزعفران الواقع في منطقة ماردين بتركيا. وفي فترة الحرب العالمية الأولى اضطرت الكنيسة لنقل مركزها إلى حمص في سوريا، وأخيراً إلى دمشق في عام 1957م.
تفرع عن السريان الأرثوذكس في أواسط القرن السابع عشر السريان الكاثوليك. وتضم الكنيسة السريانية اليوم سبع كنائس هي:
1- السريانية الأرثوذكسية الأم.
2- النسطورية.
3- الكلدانية.
4- الروم الأرثوذكس.
5- الموارنة.
6- الروم الكاثوليك.
7- السريان الكاثوليك.
إيمان الكنيسة
تعترف الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية بالمجامع المسكونية الثلاثة؛ مجمع نيقيا 325م ومجمع القسطنطينية 381م ومجمع أفسس 431م. وتقر بكل ما اقره الآباء الذين عقدوا تلك المجامع، و تعتبر مجمع أفسس هو المجمع المسكوني الأخير، أي أنها لا تعترف بشرعية المجامع اللاحقة ولاسيما مجمع خلقيدونية 451م.
الحياة الروحية في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية
أعطت الكنيسة السريانية للحياة الروحية عناية متكاملة، وكل ما قدمته من علوم وثقافة وحضارة وضعته في خدمة العبادة والحياة الروحية. وتتركز الحياة الروحية في الكنيسة السريانية في العبادة التي تقوم على:
أولاً-
1. سفر الأعمال.
2. رسائل بولس الرسول.
3. قراءة من الإنجيل.
وكل تلك القراءات تتقدم الإنجيل، كما يتقدم الرسل الملك عند زيارته لبلد ما، وينفرد بقراءته الكهنة ورؤساء الكهنة مستهلين إياه بالسلام.
ثانياً ـ الصلاة، وتقسم إلى قسمين:
أ- الصلاة الفرضية: وقد حددت الكنيسة سبعة أوقات للصلاة تشمل خمس عشرة قومة. وفي الصوم الكبير تصلى الصلاة الجهورية صباحاً وظهراً ومساءً خلال أيام الآحاد والأعياد والسبوت. وفي أسبوع الآلام لا تقال التقديسات الثلاث ولا السلام الملائكي، وتصطحب الصلاة الفرضية رسم علامة الصليب بإصبع واحدة. وفي القداس، الذي هو قمة العبادة وأشرف الصلوات يقتصر رسم علامة الصليب على الكاهن الذي يرسم الصليب على الجميع لدى الالتفات إليهم لمنح البركة، كما لا يجب تلاوة الصلاة الفرضية سوى أن يقال "آمين" أو "ارحمني يا رب"، ولا يجوز السجود وانحناء الظهر بل إحناء الرأس. وفي ختام الصلوات الفرضية صباحاً ومساءً (حصرت الأوقات السبع في وقتين صباحاً ومساءً) يتلى دستور الإيمان الذي يبدأ بعبارة "نؤمن بإله واحد..." ثم السلام الملائكي، وفي ختام كل عبادة يجب تقبيل الإنجيل المقدس تبركاً واحتراماً.
ب- الصلوات القانونية: وتشتمل على "الفناقيث" (كتاب الصلوات في الآحاد والأعياد الكبرى) في الآحاد والأعياد والصيام، وأسبوع الآلام و"الإشحيم" (كتاب الصلوات اليومية) في الأيام البسيطة، و"الحسيات" (الطقوس)، حيث يقترن الطقس السرياني عادة بالنغم والموسيقى، وقد كان الطقس السرياني في العصور الأولى مقتصراً على بعض المزامير وبعض الأدعية، ثم أخذ العلماء السريان فيما بعد يؤلفون الصلوات وينظمون الأناشيد البديعة. والسريان أيضاً أول من اعتمد مبدأ الجوقتين في الطقوس الكنسية، حيث تتناوب الجوقتان على أداء الأناشيد الدينية. ويعتبر مار أفرام السرياني أبا الموسيقى الكنسية عند السريان.
ولا يقتصر التلحين على الرجال فقط بل يشمل النساء أيضاً، فقد أعارت التقاليد الدينية السريانية المرأة أهمية بالغة، وأعطتها مكانة مرموقة في النظام الكنسي وفي المجتمع بشكل عام.
ثالثاً ـ ممارسة الأسرار السبعة:
وتعتبر هذه الأسرار بمثابة ينابيع حياة للإنسان المسيحي، لا مجرد طقوس جامدة. وهذه الأسرار بمثابة قنوات تجري فيها الحياة الأبدية للمسيح، وهي المعمودية، الميرون، القربان المقدس، التوبة والاعتراف، الكهنوت، الزواج ومسحة المرضى.
رابعاً ـ الصيام:
هناك خمسة أصناف للصيام عند السريان، وهي:
1ـ صوم نينوى، ومدته ثلاثة أيام.
2ـ الصوم الكبير، ويدوم لأربعين يوماً، ويضاف إليه أسبوع الآلام فيصبح ثمانية وأربعين يوماً. 3ـ صوم الرسل، ويدوم لعشرة أيام، وقد تقرر القيام بهذا الصوم في مجمع حمص الثالث عام 1946م، ومدته ثلاثة أيام.
4ـ صوم العذراء، ومدته 15 يوماً، إلا أن مجمع حمص الثالث 1946م قصّر مدة صيامه إلى خمسة أيام فقط.
5ـ صوم الميلاد وكانت مدته 25 يوماً قبل أن يقرر مجمع حمص الثالث 1946م أن يكون عشرة أيام فقط.
ورتبت الكنيسة الصيام أيام الأربعاء والجمعة على مدار السنة بعد الخمسين يوماً من الصوم الأربعيني عدا السبوت والآحاد، إلا إذا صادفهما عيد سيديّ أو مريميّ فيجوز الإفطار فيهما.
خامساً ـ الأعياد:
تحتفل الكنيسة بأعياد العذراء والشهداء والقديسين للبركة وللشفاعة بصلواتهم دعماً للحياة الروحية، وتقسم إلى الأعياد السريانية الى: "مارانيا" (سيدية)، وهي مكرسة لتذكار أعمال السيد المسيح الخلاصية وهي ثلاثة عشر عيداً، وأعياد العذراء والقديسين وهي ثلاثة عشر عيداً، ما عدا التذكارات التي تقسم، من حيث زمانها، إلى ثابتة ومتحولة.
سادساً ـ زيارة الأماكن والذخائر المقدسة:
الأماكن المقدسة هي التي تضم رفات القديسين وذخائرهم، يقصدها المؤمنون من شتى المذاهب، ومختلف الأقطار للتبرك والتشفع بها، وتسمى مزارات. وقد كان للسريان العديد من مثل هذه الأماكن المقدسة في مختلف البقاع التابعة الكنيسة السريانية في المشرق والمغرب، والتي ضمت ذخائر نفيسة للرسل والشهداء والقديسين، ولكنها، بسبب تقلبات الدهر والظروف زالت واندثرت. أما المزارات الموجودة اليوم فهي: السيدة العذراء بحمص، ذخائر القديس توما الرسول بالموصل، مدفن القديسين في دير مار غبرييل بتركيا وضريح مار متى الناسك ورفاقه القديسين في العراق.
سابعاً ـ العناية بالأيتام والفقراء وذوي العاهات:
يروي التاريخ الكنسي أنه عندما حدث جوع في مدينة الرها خلال عامي 372-373م، كان مار أفرام السرياني يطوف ببيوت الأغنياء ويحثهم على أعمال الرحمة، ويجمع منهم الصدقات ويوزعها على الفقراء، وقد أسس دوراً جمع فيها 300 سريرا، وقيل في رواية أخرى 1300، صارت ملجأً للعجزة. وكان القديس أفرام يشرف يعتني بنزلاء الملجأ بنفسه. وعلى أثر الجوع انتشر وباء الطاعون فانبرى مار أفرام في تطبيب المرضى ومواساتهم. ونجد في الأدب السرياني المبكر دعوات متتالية إلى العناية بالفقراء ومعالجة المشكلات الاجتماعية ومواساة الفقراء والأيتام.
- أصل السريان
- اللغة السريانية
- السريان في فلسطين
- الكنيسة السريانية
أصل السريان
السريان هم أقدم الطوائف المسيحية، كانوا يسمون بالآراميين، نسبة إلى آرام الابن الخامس لسام بن نوح الجد الأعلى لجميع الشعوب السامية، ومصطلح السريان أطلقه المؤرخون اليونانيون على الآراميين، بعد أن تركوا عبادة الأوثان، واعتنقوا الديانة المسيحية في القرن الأول والثاني للميلاد.
انطلق الآراميون من الصحراء السورية حوالي 2300 ق.م إلى أعالي مابين النهرين، استقروا في البداية في حران، وأسسوا عدة ممالك مستقلة غير موحدة بين القرنيين 11-10 ق .م، وقد دخلت تلك الممالك في صراع مرير مع الأشوريين وغيرهم من الشعوب المجاورة كالحيثيين في شمال وداخل سوريا والكنعانيين على الساحل السوري، وأيضا في وقت متأخر مع العبرانيين، إلا أن الأشوريين هم من تمكن في النهاية من القضاء على معظم النفوذ السياسي للآراميين سنة 710 ق .م، وبالرغم من الانتصار العسكري للآشوريين على الآراميين إلا أن النفوذ الثقافي والحضاري للآراميين ظل قويا هناك، وخصوصا في الممالك التي بقيت حية بيد الآراميين ولعبت دورا كبيرا قبيل سقوطها في القرن الثاني والثالث بعد الميلاد مثل مملكة الرها " تركيا", مملكة تدمر "سوريا", مملكة الحظر "العراق", ومملكة الأنباط "الأردن".
وكانت هذه الممالك الآرامية مختلفة عن بعضها البعض في حجمها وقوتها وسلطتها ونفوذها، إلا أن ضعف الآراميين يكمن في أنهم لم يؤسسوا دولة موحدة كبيرة تحت قيادة ملك أو حاكم واحد قوي، لذلك كانت هذه الممالك سهلة السقوط بيد الغزاة والطامعين.
انتشر الآراميون بشكل أساسي في دول بلاد الشام (سوريا، لبنان، فلسطين والأردن) والعراق والهند، إضافة إلى عدد من الدول الأخرى، وبحسب المصادر المسيحية فإن السريان هم أول شعب وثني اعتنق المسيحية منذ السنوات الأولى لظهورها.
وتقول بعض المصادر المسيحية بأن السريان تخلوا عن اسمهم القديم "الآراميين"، لأنه كان يذكّرهم بوثنيتهم، وصارت اللغة الآرامية تعرف بـ "اللغة السريانية"، وما زال بعض سكان قرى سوريا وشمال العراق يتحدثون هذه اللغة إلى اليوم.
ويطلق البعض على السريان أسم "اليعاقبة" نسبة إلى يعقوب البرادعي، أحد أنشط دعاة النصرانية في أواسط القرن السادس الميلادي. ولكن، على الرغم من تعظيم السريان ليعقوب البرادعي واعتباره قدّيساً، والاعتراف بجهده في تثبيت دعائم عقيدتهم، إلا أنهم يرفضون تسميتهم باليعاقبة، لأنهم يعتبرون عقيدتهم أقدم من يعقوب، وأن انتسابهم إليه إنكار لعلاقتهم بمن سبقوه من الآباء والقديسين.
عرفت كنيسة السريان باسم "الكنيسة السريانية الأرثوذكسية"، إلى أن اعتنق مجموعة من السريان الأرثوذكس المذهب الكاثوليكي بفعل التبشير، وصاروا يتبعون بابا روما، ومن هنا نشأت كنيسة جديدة، هي "كنيسة السريان الكاثوليك" أو "بطريركية أنطاكيا للسريان الكاثوليك".
عدد السريان
لا تتوفر إحصائيا دقيقة لأعداد السريان، لكن ثمة تقديرات تفيد بأن عددهم في الدول العربية (سوريا ولبنان والعراق وفلسطين) يناهز الـ 250 ألف سريانيا. 60% منهم يتبعون المذهب الأرثوذكسي، و40% من الكاثوليك.
أما في فلسطين فيعتبر السريان ثالث طائفة من حيث العدد بعد الروم واللاتين حيث يمثلون 10% من مسيحيي الديار المقدسة، فهناك 300 عائلة في القدس و 500 عائلة في بيت لحم، ويربو عددهم جميعا عن 4000 نسمة، حسب إحصاء رسمي مسيحي.
اللغة السريانية
تعرف اللغة السريانية بالآرامية أيضا، فهي تنتمي إلى اللغات السامية، فقد كانت قديماً لغة الآراميين الذين استوطنوا منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد بلاد آرام الشام وأرام النهرين.
وقد اعتمد الآراميون في لغتهم الأبجدية الفينيقية، التي تتألف من 22 حرفاً ولم يزيدوا عليها أي حرف جديد.
انتشرت اللغة السريانية في العالم القديم انتشاراً واسعاً، وصارت حروفها حروف هجاء للغات شرقية عديدة حتى أنها كانت مستخدمة في عهد الملك نابو بلاصر كلغة متداولة في البلاط البابلي، وجعلت في عهد داريوس الكبير "52 ـ 486 ق.م" اللغة الرسمية في مقاطعات الإمبراطورية الفارسية، بل أمست لغة دولية في الشرق كله زمناً طويلاً.
وكان اليهود قد تعلموها واستعملوها خلال السبي البابلي، بل صارت لغتهم اليومية. وتكلم السيد المسيح ورسله السريانية قبل أكثر من ألفي عام في بيت لحم والناصرة والقدس وقانا وصور وغور الأردن، واستمرت سائدة بين معظم شعوب الشرق حتى أواخر القرن السابع للميلاد إذ أخذت اللغة العربية تحل محل السريانية رويداً رويداً، ولكن لهجاتها ما زالت قيد التداول حتى اليوم في طور عابدين بتركيا، وقرى الموصل وغيرها في شمال العراق، وحي السريان في مدينة حلب وبلدتي معلولا وصيدنايا المجاورتين لدمشق في سورية، فضلا عن مئات الأسر السريانية في سوريا وتركيا وفلسطين ولبنان والعراق وغيرها.
وقد تسرب كثير من مفردات وقواعد اللغة الآرامية/السريانية إلى اللغة العربية المحكية، ومازالت هذه المفردات والقواعد شائعة في اللهجات العربية المتداولة في المدن الفلسطينية ومنطقة الجليل فضلا عن معظم مدن وريف سورية ولبنان. ناهيك عن أثارها الظاهرة في أسماء مدن وقرى عديدة في الشرق الأوسط.
وفي فجر المسيحية كانت اللغة السريانية لغة أهل أنطاكية الأصليين، لاسيما القاطنين في ضواحيها، كما كانت لغة سائر بلاد سوريا الداخلية، أما اللغة اليونانية التي استقدمها السلوقيون فكانت مجرد لغة رسمية للبلاد لا يتحدث بها سوى أبناء الجالية اليونانية والأوساط الأرستقراطية والمضطرون للمعاملات الرسمية.
استعملت كنيسة إنطاكية اللغة السريانية في طقوسها الدينية، ففيها أقامت خدمة أول قداس كتبه بالسريانية مار يعقوب شقيق أسقف أورشليم، ولا تزال جميع الكنائس السريانية في العالم حتى اليوم تتلوه بالسريانية إلى جانب لغاتها المحلية الوطنية.
الأسماء التي أطلقت على الآرامية:
توسعت اللغة الآرامية دولياً بعد أن كانت محصورة في بلاد الرافدين، وأطلقت على هذه اللغة عبر التاريخ تسميات عديدة من قبل الشعوب الأجنبية، ومن هذه التسميات ما ثبت وترسخ، فتبنته حتى الشعوب الناطقة بالآرامية ومنها ما اندثر. ومن أهم الأسماء التي أعطيت للآرامية: الآشورية والكلدانية والسريانية.
الأبجدية الآرامية القديمة:
الأبجدية الآرامية
اللهجات السريانية:
تحتوي اللغة السريانية على عدة لهجات وهي:
الرهوية: يستخدمها حالياً السريان الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة في طقوسهم.
سورت: اللهجة السريانية الشرقية، يستخدمها أتباع الكنائس الشرقية (الآشوريون والكلدانيون).
طورويو: لهجة خاصة يتكلم بها السريان في طور عابدين في تركيا.
النبطية: أي اللهجة الآرامية الفلسطينية، يتكلم بها سكان ثلاث قرى سورية هي بخعة وجبعدين ومعلولا؛ وهي نفس اللغة التي تكلم بها السيد المسيح.
ويفخر السريانيون بأن لغتهم كانت لغة المسيح وأمه مريم، ولا تزال تستعمل في الكنائس السريانية من قبل الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة في طقوسهم في فلسطين ولبنان وسورية والعراق وتركيا والهند.
السريان في فلسطين
منذ عام 1471م توجد في القدس أسقفية للسريان الأرثوذكس، وأما طلائع مسيحيي هذه الطائفة فقد نزحوا إلى بيت لحم حوالي سنة 1838م، ومعظمهم أتوا إليها في بدايات القرن العشرين من تركيا، وخاصة من منطقة طورعابدين، وذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولى، في حين كان قد توافد سريان آخرون إلى فلسطين حجاجاً واستقروا فيها بالقرب من الأماكن المقدسة لاسيما في القدس وبيت لحم.
منذ انطلاق المسيحية من الأراضي المقدسة حيث كان الآراميون والأشوريون يعيشون فيها، انتشرت السريانية كلغة للمسيحية لأن السيد المسيح كان يتحدث بها. وكانت السريانية هي لغة غالبية سكان بلاد الشام قبل انتشار الإسلام في هذه البلاد.
الكنيسة السريانية
أملاك الكنيسة والطائفة السريانية
كانت للكنيسة السريانية في القدس أملاك وأوقاف عديدة، منها عشرة أديرة لم يتبق منها سوى دير مار مرقس داخل البلدة القديمة "وهو محاط من ثلاث جهات بالاستيطان اليهودي"، وكان حي السريان بالقدس يمتد من حارة السعدية حتى باب الأسباط.
تكمن أهميته دير مار مرقس، بالرغم من مساحته الصغيرة في أن العشاء الرباني الأخير للمسيح جرى في المكان الذي يقوم عليه هذا الدير، وفيه أيضا "كنيسة العذراء"، وهي مبنية على المكان الذي كان يوما بيتا للسيدة مريم العذراء.
وحسب الاعتقاد السرياني فإن المكان الذي يقوم عليه هذا الدير شهد نزول روح القدس على تلاميذ المسيح بعد صعوده إلى السماء لحثهم على نشر الديانة المسيحية، ويعتبر عيد العنصرة، وهو اليوم الذي نزل فيه روح القدس عيداً لكافة الكنائس المسيحية.
ويضم دير مار مرقس مكتبة قديمة قيمة تحوي مئات الوثائق التاريخية التي تعد مصدراً مهما لتاريخ فلسطين، وقد تداول على هذا الدير عبر التاريخ سبعة أساقفة سريان.
ويمتلك السريان الأرثوذكس، إلى جانب أربع طوائف أخرى (الأرمن الأرثوذكس، والأقباط الأرثوذكس، والروم، واللاتين) حقا حصريا في الدخول والصلاة، ككنيسة، في الأماكن المقدسة الأساسية (كنيسة المهد، كنيسة القيامة، جبل الزيتون، كنيسة السيدة مريم)، وذلك في كافة الأوقات.
أما في بيت لحم فهناك كنيسة العذراء مريم للسريان الأرثوذكس التي بنيت في عام 1922م وقد دُشنت عام 1928م، إضافة إلى كنيسة مار أفرام وهي كنيسة مقبرة السريان الأرثوذكس في بيت لحم فدُشنت سنة 1935م وسميت كذلك تيمناً بالقديس أفرام السرياني أحد آباء الكنيسة المقدسة.
وللسريان عدة مؤسسات منها جمعية مار مرقس بالقدس والتي تأسست عام1926م والنادي الأرثوذكسي السرياني "تأسس في العشرينات"، وفي بيت لحم النادي السرياني وتأسس عام 1966م، وغيرها من المؤسسات السريانية.
وللسريان مجلة "الحكمة" والتي تهتم وتسعى لإحياء التراث السرياني ونشرها المقالات الدينية والدراسات والأبحاث عن السريان وصدر العدد الأول لهذه المجلة عام 1914م في دير الزعفران في تركيا وتوقفت بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، ثم أعيد إصدارها في مدينة القدس عام 1926 في دير مار مرقس لمدة أربع سنوات، ثم توقفت مع بداية انتفاضة البراق، وأعاد الكاتب والصحافي الفلسطيني-السرياني جاك خزمو إصدارها عام 1990م. وهو أيضا صاحب ورئيس تحرير مجلة "البيادر" المقدسية التي لعبت دورا تعبويا وطنيا هاما إبان انتفاضة عام 1987.
الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية
الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية هي كنيسة أنطاكية أرثوذوكسية مشرقية، تتمركز في منطقة الشرق الأوسط، وينتشر أفرادها في مختلف بقاع العالم، وهي كنيسة مستقلة، مرتبطة بباقي الكنائس الأرثوذكسية بوحدة الإيمان والأسرار والتقليد الكنسي.
تمتد ولاية البطريركية الأنطاكية السريانية لتشمل سورية ولبنان وفلسطين والعراق والكويت وتركيا والهند وإيران وشبه الجزيرة العربية وأمريكا الشمالية و أمريكا الجنوبية والوسطى واستراليا ونيوزيلندا.
لغة الكنيسة الرسمية هي السريانية، وتستخدم الكتابة السريانية في مخطوطاتها الدينية، وتتشارك هذه الكنيسة بعقيدتها مع كل من الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية والكنيسة الأرمينية الأرثوذوكسية و الكنيسة الأثيوبية. وترجع جذور هذه الكنيسة إلى بدايات المسيحية، لذلك تعتبر نفسها أحد أقدم الكنائس، وإن تسمية أو مصطلح مسيحي أطلق لأول مرة على تلاميذ المسيح من قبل هذه الكنيسة في أنطاكية.
عندما انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية والإمبراطورية الرومانية الغربية انقسمت الكنيسة المسيحية بدورها إلى كنيسة شرقية وغربية، وتمركزت الغربية في روما، وحدثت انشقاقات فيها لاحقا بظهور البروتستانتية، بينما تمحورت الكنيسة الشرقية حول الإمبراطورية البيزنطية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية.
أضطر بطاركة الكنيسة نتيجة اضطرابات وعنف حدثت أثناء تلك الفترة التاريخية إلى الخروج من مركزهم في أنطاكية عام 518م واستقروا في دير الزعفران الواقع في منطقة ماردين بتركيا. وفي فترة الحرب العالمية الأولى اضطرت الكنيسة لنقل مركزها إلى حمص في سوريا، وأخيراً إلى دمشق في عام 1957م.
تفرع عن السريان الأرثوذكس في أواسط القرن السابع عشر السريان الكاثوليك. وتضم الكنيسة السريانية اليوم سبع كنائس هي:
1- السريانية الأرثوذكسية الأم.
2- النسطورية.
3- الكلدانية.
4- الروم الأرثوذكس.
5- الموارنة.
6- الروم الكاثوليك.
7- السريان الكاثوليك.
إيمان الكنيسة
تعترف الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية بالمجامع المسكونية الثلاثة؛ مجمع نيقيا 325م ومجمع القسطنطينية 381م ومجمع أفسس 431م. وتقر بكل ما اقره الآباء الذين عقدوا تلك المجامع، و تعتبر مجمع أفسس هو المجمع المسكوني الأخير، أي أنها لا تعترف بشرعية المجامع اللاحقة ولاسيما مجمع خلقيدونية 451م.
الحياة الروحية في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية
أعطت الكنيسة السريانية للحياة الروحية عناية متكاملة، وكل ما قدمته من علوم وثقافة وحضارة وضعته في خدمة العبادة والحياة الروحية. وتتركز الحياة الروحية في الكنيسة السريانية في العبادة التي تقوم على:
أولاً-
1. سفر الأعمال.
2. رسائل بولس الرسول.
3. قراءة من الإنجيل.
وكل تلك القراءات تتقدم الإنجيل، كما يتقدم الرسل الملك عند زيارته لبلد ما، وينفرد بقراءته الكهنة ورؤساء الكهنة مستهلين إياه بالسلام.
ثانياً ـ الصلاة، وتقسم إلى قسمين:
أ- الصلاة الفرضية: وقد حددت الكنيسة سبعة أوقات للصلاة تشمل خمس عشرة قومة. وفي الصوم الكبير تصلى الصلاة الجهورية صباحاً وظهراً ومساءً خلال أيام الآحاد والأعياد والسبوت. وفي أسبوع الآلام لا تقال التقديسات الثلاث ولا السلام الملائكي، وتصطحب الصلاة الفرضية رسم علامة الصليب بإصبع واحدة. وفي القداس، الذي هو قمة العبادة وأشرف الصلوات يقتصر رسم علامة الصليب على الكاهن الذي يرسم الصليب على الجميع لدى الالتفات إليهم لمنح البركة، كما لا يجب تلاوة الصلاة الفرضية سوى أن يقال "آمين" أو "ارحمني يا رب"، ولا يجوز السجود وانحناء الظهر بل إحناء الرأس. وفي ختام الصلوات الفرضية صباحاً ومساءً (حصرت الأوقات السبع في وقتين صباحاً ومساءً) يتلى دستور الإيمان الذي يبدأ بعبارة "نؤمن بإله واحد..." ثم السلام الملائكي، وفي ختام كل عبادة يجب تقبيل الإنجيل المقدس تبركاً واحتراماً.
ب- الصلوات القانونية: وتشتمل على "الفناقيث" (كتاب الصلوات في الآحاد والأعياد الكبرى) في الآحاد والأعياد والصيام، وأسبوع الآلام و"الإشحيم" (كتاب الصلوات اليومية) في الأيام البسيطة، و"الحسيات" (الطقوس)، حيث يقترن الطقس السرياني عادة بالنغم والموسيقى، وقد كان الطقس السرياني في العصور الأولى مقتصراً على بعض المزامير وبعض الأدعية، ثم أخذ العلماء السريان فيما بعد يؤلفون الصلوات وينظمون الأناشيد البديعة. والسريان أيضاً أول من اعتمد مبدأ الجوقتين في الطقوس الكنسية، حيث تتناوب الجوقتان على أداء الأناشيد الدينية. ويعتبر مار أفرام السرياني أبا الموسيقى الكنسية عند السريان.
ولا يقتصر التلحين على الرجال فقط بل يشمل النساء أيضاً، فقد أعارت التقاليد الدينية السريانية المرأة أهمية بالغة، وأعطتها مكانة مرموقة في النظام الكنسي وفي المجتمع بشكل عام.
ثالثاً ـ ممارسة الأسرار السبعة:
وتعتبر هذه الأسرار بمثابة ينابيع حياة للإنسان المسيحي، لا مجرد طقوس جامدة. وهذه الأسرار بمثابة قنوات تجري فيها الحياة الأبدية للمسيح، وهي المعمودية، الميرون، القربان المقدس، التوبة والاعتراف، الكهنوت، الزواج ومسحة المرضى.
رابعاً ـ الصيام:
هناك خمسة أصناف للصيام عند السريان، وهي:
1ـ صوم نينوى، ومدته ثلاثة أيام.
2ـ الصوم الكبير، ويدوم لأربعين يوماً، ويضاف إليه أسبوع الآلام فيصبح ثمانية وأربعين يوماً. 3ـ صوم الرسل، ويدوم لعشرة أيام، وقد تقرر القيام بهذا الصوم في مجمع حمص الثالث عام 1946م، ومدته ثلاثة أيام.
4ـ صوم العذراء، ومدته 15 يوماً، إلا أن مجمع حمص الثالث 1946م قصّر مدة صيامه إلى خمسة أيام فقط.
5ـ صوم الميلاد وكانت مدته 25 يوماً قبل أن يقرر مجمع حمص الثالث 1946م أن يكون عشرة أيام فقط.
ورتبت الكنيسة الصيام أيام الأربعاء والجمعة على مدار السنة بعد الخمسين يوماً من الصوم الأربعيني عدا السبوت والآحاد، إلا إذا صادفهما عيد سيديّ أو مريميّ فيجوز الإفطار فيهما.
خامساً ـ الأعياد:
تحتفل الكنيسة بأعياد العذراء والشهداء والقديسين للبركة وللشفاعة بصلواتهم دعماً للحياة الروحية، وتقسم إلى الأعياد السريانية الى: "مارانيا" (سيدية)، وهي مكرسة لتذكار أعمال السيد المسيح الخلاصية وهي ثلاثة عشر عيداً، وأعياد العذراء والقديسين وهي ثلاثة عشر عيداً، ما عدا التذكارات التي تقسم، من حيث زمانها، إلى ثابتة ومتحولة.
سادساً ـ زيارة الأماكن والذخائر المقدسة:
الأماكن المقدسة هي التي تضم رفات القديسين وذخائرهم، يقصدها المؤمنون من شتى المذاهب، ومختلف الأقطار للتبرك والتشفع بها، وتسمى مزارات. وقد كان للسريان العديد من مثل هذه الأماكن المقدسة في مختلف البقاع التابعة الكنيسة السريانية في المشرق والمغرب، والتي ضمت ذخائر نفيسة للرسل والشهداء والقديسين، ولكنها، بسبب تقلبات الدهر والظروف زالت واندثرت. أما المزارات الموجودة اليوم فهي: السيدة العذراء بحمص، ذخائر القديس توما الرسول بالموصل، مدفن القديسين في دير مار غبرييل بتركيا وضريح مار متى الناسك ورفاقه القديسين في العراق.
سابعاً ـ العناية بالأيتام والفقراء وذوي العاهات:
يروي التاريخ الكنسي أنه عندما حدث جوع في مدينة الرها خلال عامي 372-373م، كان مار أفرام السرياني يطوف ببيوت الأغنياء ويحثهم على أعمال الرحمة، ويجمع منهم الصدقات ويوزعها على الفقراء، وقد أسس دوراً جمع فيها 300 سريرا، وقيل في رواية أخرى 1300، صارت ملجأً للعجزة. وكان القديس أفرام يشرف يعتني بنزلاء الملجأ بنفسه. وعلى أثر الجوع انتشر وباء الطاعون فانبرى مار أفرام في تطبيب المرضى ومواساتهم. ونجد في الأدب السرياني المبكر دعوات متتالية إلى العناية بالفقراء ومعالجة المشكلات الاجتماعية ومواساة الفقراء والأيتام.
يتبع