نتابع: فلسطين عبر التاريخ، انتفاضة من البراق إلى الأقصى، انتفاضة الحجارة، 1987م
أبو جهاد شهيد الانتفاضة
مع نهاية الشهر الأول للانتفاضة،انعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في بغداد بين 6،9 كانون الثاني/ يناير 1988 يستمع إلى أول تقرير رسمي عن الانتفاضة، من إعداد قائد بارز ومتخصص بشؤون فلسطين المحتلة، هو الشهيد خليل الوزير “ابو جهاد” تكمن قيمة هذا التقرير ظن فيما اكتسبه الأيام من مصداقية وفي ما شهدت به نداءات القيادة الموحدة للانتفاضة، ومنها تلك التي صدرت ولا تزال بعد استشهاد واضعة، فجر 16 نيسان / إبريل 1988، إثر عملية كوما ندوس قامت بها وحدات إسرائيلية خاصة في تونس. مما قاله الشهيد في تقريره، إن الانتفاضة قرار دائم وممارسة يومية تعكس أصالة شعب فلسطين وتواصله التاريخي المتجدد.
وإنها جاءت تتويجاً لمجمل النضال الوطني، لم تكن مقطوعة أو منفصلة عن مجمل المسيرة النضالية، بل جاءت نتاجاً طبيعياً لهذه المسيرة التي تقودها منظمة التحرير الفلسطينية، مسلحة ببرامجها وشعاراتها السياسية كما ركز القائد الشهيد في تقريره، على جملة ملافظات منها شمولية النضال لكافة جماهير الشعب ومختلف قطاعا ته وفئاته وتياراته وأجياله، وشموليتها لكل مدينة وقرية وحي ومخيم كما ركز على تطوير الخبرات النضالية، وارتقاء مستوى الأداء في القبضة الحديدية وأساليبها القمعية وحملات القتل الجماعية وفي هذا المجال أشاد يقوى الشعب وأطره ومؤسساته وخاصة اللجان الوطنية والشعبية التي أفرزت على مستوى القاعدة في كل مكان.
وحول أهداف الانتفاضة جاء في تقرير القائد الشهيد، أنه في الوقت الذي كان شعار“ الإنهاء الفوري للاحتلال، والالتفاف حول م.ت.ف. وأهدافها هو عنوان الانتفاضة فإن هذه الانتفاضة كانت تتعامل باقتدار في طرح مطالب للتنفيذ الفوري، مثل إلغاء قانون الطوارئ الصادر في عهد الانتداب البريطاني ومنه الإبعاد والاعتقال الإداري من غير محاكمة ونسف البيوت والمطالبة بالإفراج عن معتقيها وإلغاء الضرائب الإضافية …..الخ.وكل ذلك لمنح الانتفاضة قوة دفع جديدة.
كما لاحظ التقرير، نجاح التجربة الجديدة للجان الشعبية والوطنية في إدارة أمور الحياة اليومية، من خلال تنظيم حملات الاستغاثة وتوفير المواد التموينية للمناطق المحاصرة، ورعاية أسر الشهداء والمعتقلين، فضلاً عن التعامل الذكي مع وسائل الإعلام الغربية لإيصال صورة الانتفاضة إلى العالم كله. إن من عاش بعد رحيل أبو جهاد يستطيع الشهادة بأخذ ذلك التقرير كان قراءة كافات من فكر الانتفاضة وتنظيمها بقدر ما كان قراءة كما هو آت وهو يؤكد موقعه فيها ومكانتها في فكره وقلبه وهو من قال: لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة، وإن الانتفاضة لم تكن هبة عاطفية عارضة ولكنها فتح جديد وواقع يحمل أفاق مستقبل جديد وإن الانتفاضة أكدت تلاحم فلسطيني الداخل والخارج؟.
لم تكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تجهل الدور الكبير لأبي جهاد في اندلاع الانتفاضة وتوجيهها وقد ورد في تحليل صحافي أمريكي أن القرار بقتله يعود لكونه أحد الأوائل الذين نظموا الانتفاضة. وقد كان يجري مكالمات هاتفية مع أشخاص في الأراضي المحتلة عن طريق جنيف، ليضلل عملية التصنت الإسرائيلي وقد اعتبره الإسرائيليون قائداً خطراً، فقرروا القضاء عليه قبل أن يوصل الانتفاضة إلى مرحلتها الثالثة، وهي إقامة الدولة أو الحكومة في المنفى.
في الواقع أن القرار الإسرائيلي باغتيال أبو جهاد كان قد اتخذ منذ زمن أبعد بكثير فهو ليس من مؤسسي حركة فتح الأوائل في بداية الستينات وحسب بل ومن رواد المقاومة في غزة سنة 1956 فهو هدف إسرائيل دائم وقد تسائل الكاتب الإسرائيلي رون بن شاي كيف يخطئ رجل مثل ابو جهاد بالسكن قرب شاطئ البحر إلا إذا كان يعتقد أن الوضع السياسي الدولي لن يشجع للإقدام على المساس بأحد زعماء منظمة التحرير ومواجهة الانتقادات الدولية.
وتضافرت الجهود على أعلى المستويات في القوات المسلحة الإسرائيلية وعن اشتراك أربع قطع بحرية منها سفينة حراسة “كورفيت corvette” تحمل طائرتي هليوكبتر لاستعمالها إذا اقتضت الحاجة للنجدة، كما تحمل إحداهما مستشفى عائماً وقد رست القطع على مقربة من المياه الاقليمية التونسية تواكبها طائرة قيادة وطائرة أخرى للتجسس والتعقب. وقد أشرف عدد من كبار العسكريين بينهم اللواء أيهود باراك واللواء أمنون شاحاك رئيس الاستخبارات العسكرية على تنفيذ العملية من الجو والبحر.
وصلت فرق الكوماندوس بالزوارق المطاطية إلى شاطئ تونس وانتقلت وفق ترتيبات معده سابقاً إلى ضاحية سيدي بوسعيد، حيث يقيم أبو جهاد في دائرة متوسطة هادئة وهناك انتظرت عودته في منتصف الليل، وقد انقسمت إلى مجموعات اختبأ بعضها بين الأشجار للحماية والمراقبة وبعد ساعة من وصول أبو جهاد تقدم الاسرائيليون في مجموعات صغيرة نحو المنزل ومحيطه فتم تفجير أبوان المدخل في مقدمة المنزل دون ضجة لاستعمالهم مواد متفجرة حديثة غير معروفة من قبل، وفي ثوان صعدت إحدى المجموعات إلى غرفة القائد وأطلقت علبة سبعين رصاص بكواتم الصوت أصابته منها أربعون احتاط الاسرائيليون في إقدامهم على اغتيال القائد الفلسطيني لكل الاحتمالات ومنعاً لوصول اية غبرة قطعوا الاتصالات التليفونية بتشويش عبر أجهزة الرادار من الجو في منطقة سيدي بوسعيد خلال العملية وعادت المجموعات إلى الشاطئ حيث تركت السيارات التي استعملتها وركبت الزوارق إلى السفن المتأهية في عرض البحر ثم عادت إلى اسرائيل في أربعة أيام وفي حراسة الطائرات الحربية اعتبرت اسرائيل اغتيال القائد أبو جهاد نصراً كبيراً وتشير تفاصيل العملية إلى أن الاسرائيليين قد أعدوا لها بدقة بالغة ولكنهم أخطأوا في التصويب نحو مرمى الهدف الرئيسي وهو اغتيال الانتفاضة فقد مات أبو جهاد وعاشت الانتفاضة مات القائد وعاش الرمز في كل بيت وفي كل قلب ما إن انتشر الخبر المضجع في أرض الانتفاضة حتى شهدت شوارعها في 16 نيسان/ إبريل اعنف التظاهرات منذ قامت الانتفاضة. ابتدأت التظاهرات بمسيرات صامتة حداداً وخشوعاً فبادر الجيش الاسرائيلي إلى تفريقها بقنابل الغاز المسيل للدموع وبالنار والرصاص المطاطي وانطلقت غزة مدينة أبو جهاد بعد الرملة، تتحدى منع التجول المفروض عليها وشارك حتى الأطفال في التظاهرات وانتهى اليوم الغاضب الاول في وداع الأرض المحتلة لابنها البار باستشهاد سبعة عشر مواطناً بينهم ثلاث نساء، كما أصيب بجراح بالغة أما المعتقلون فكانوا بالمئات لن تتوقف الخيارات الرمزية في أسبوع أبو جهاد ولم تنزل الاعلام الفلسطينية والاعلام السوداء عن المنازل والأبنية والمساجد والكنائس وقد طالبت الهيئة الاسلامية العليا بدفن جثمان القائد الشهيد في رحاب المسجد الأقصى، هذا وفرضت سلطات الاحتلال منع التجول على جميع مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة وأعلن أن مناطق عديدة باتت مناطق عسكرية مغلقة بوجه الصحافة وأقامت معتقلاً جديداً بالقرب من القدس أطلق عليه اسم أنصار الصغير وذكرت بأنها ستفتح سجناً آخر لاستيعاب المعتقلين.
وعى الرغم من الاجراءات القمعية ومن الحصار العسكري والاقتصادي الخانق على المخيمات انطلقت التظاهرات في ذكرى الاسبوع في 22 نيسان / إبريل إثر صلاة الغائب في كل مكان تتحدى قرار منع التجول. دفن القائد الشهيد في الرابع من رمضان 1408للهجرة، الموافق للعشرين من نيسان/ إبريل 1988 في دمشق فكان يوماً عربياً مشهوداً، رفرفت فيه روح الانتفاضة وتكرس فيه الشهيد رمزاً خالداً من رموزها، وجاء في وصف الوداع في جريدة السفير اللبنانية.
"قلب العروبة النابض" ضخ إلى الشوارع نصف مليون إنسان وأكثر فملىء هديرهم جنبات المدينة العريقة بالعافية، في دمشق فقط كان يمكن أن يجري أمس الذي جرى معيداً إلى الحياة صورة كادت تصبح من الماضي.. صورة الحشد المندفع بعواطفه وطموحاته وحماسته وارادتها الصلبة في المجابهة ورد التحدي.. في دمشق اتخذ الرد على اغتيال أبو جهاد وبعده الكامل ها هو الشعب كله في الساحة، هاهي الأمة كلها تنخرط في الانتفاضة لتحمي فلسطينها، كانوا أكثر من نصف مليون، انتشروا من مستشفى المؤاساة حتى اليرموك، وتجمعوا هناك وتحولوا إلى بحر بشري غطى المخيم ومحيطه وشكلوا أكبر تظاهرة تأييد للانتفاضة وهي في مستوى اخر تذكر إلى حد بسميرة التشييع التي جرت في القاهرة لوداع الرئيس جمال عبد الناصر. وكما كان الشهيد الراحل أبو جهاد معطاء في حياته هكذا كان في حماسته وكادت روحه أن ترتاح لأمنية طالما سعى إليها وهي استكمال الوحدة الوطنية وتطبيع علاقات الاخوة مع سوريا فتمت لقاءات بين مسئولين من فتح ومسئولين سوريين كما التقى الرئيس عرفات مع الرئيس السوري حافظ الأسد في 25 نيسان/إبريل 1988 وتعلقت الأمال بطي صفحة الخلافات ولكن اتضح أن تلك أمنية لا تزال تنتظر فرصة اخرى.
يتبع
أبو جهاد شهيد الانتفاضة
مع نهاية الشهر الأول للانتفاضة،انعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في بغداد بين 6،9 كانون الثاني/ يناير 1988 يستمع إلى أول تقرير رسمي عن الانتفاضة، من إعداد قائد بارز ومتخصص بشؤون فلسطين المحتلة، هو الشهيد خليل الوزير “ابو جهاد” تكمن قيمة هذا التقرير ظن فيما اكتسبه الأيام من مصداقية وفي ما شهدت به نداءات القيادة الموحدة للانتفاضة، ومنها تلك التي صدرت ولا تزال بعد استشهاد واضعة، فجر 16 نيسان / إبريل 1988، إثر عملية كوما ندوس قامت بها وحدات إسرائيلية خاصة في تونس. مما قاله الشهيد في تقريره، إن الانتفاضة قرار دائم وممارسة يومية تعكس أصالة شعب فلسطين وتواصله التاريخي المتجدد.
وإنها جاءت تتويجاً لمجمل النضال الوطني، لم تكن مقطوعة أو منفصلة عن مجمل المسيرة النضالية، بل جاءت نتاجاً طبيعياً لهذه المسيرة التي تقودها منظمة التحرير الفلسطينية، مسلحة ببرامجها وشعاراتها السياسية كما ركز القائد الشهيد في تقريره، على جملة ملافظات منها شمولية النضال لكافة جماهير الشعب ومختلف قطاعا ته وفئاته وتياراته وأجياله، وشموليتها لكل مدينة وقرية وحي ومخيم كما ركز على تطوير الخبرات النضالية، وارتقاء مستوى الأداء في القبضة الحديدية وأساليبها القمعية وحملات القتل الجماعية وفي هذا المجال أشاد يقوى الشعب وأطره ومؤسساته وخاصة اللجان الوطنية والشعبية التي أفرزت على مستوى القاعدة في كل مكان.
وحول أهداف الانتفاضة جاء في تقرير القائد الشهيد، أنه في الوقت الذي كان شعار“ الإنهاء الفوري للاحتلال، والالتفاف حول م.ت.ف. وأهدافها هو عنوان الانتفاضة فإن هذه الانتفاضة كانت تتعامل باقتدار في طرح مطالب للتنفيذ الفوري، مثل إلغاء قانون الطوارئ الصادر في عهد الانتداب البريطاني ومنه الإبعاد والاعتقال الإداري من غير محاكمة ونسف البيوت والمطالبة بالإفراج عن معتقيها وإلغاء الضرائب الإضافية …..الخ.وكل ذلك لمنح الانتفاضة قوة دفع جديدة.
كما لاحظ التقرير، نجاح التجربة الجديدة للجان الشعبية والوطنية في إدارة أمور الحياة اليومية، من خلال تنظيم حملات الاستغاثة وتوفير المواد التموينية للمناطق المحاصرة، ورعاية أسر الشهداء والمعتقلين، فضلاً عن التعامل الذكي مع وسائل الإعلام الغربية لإيصال صورة الانتفاضة إلى العالم كله. إن من عاش بعد رحيل أبو جهاد يستطيع الشهادة بأخذ ذلك التقرير كان قراءة كافات من فكر الانتفاضة وتنظيمها بقدر ما كان قراءة كما هو آت وهو يؤكد موقعه فيها ومكانتها في فكره وقلبه وهو من قال: لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة، وإن الانتفاضة لم تكن هبة عاطفية عارضة ولكنها فتح جديد وواقع يحمل أفاق مستقبل جديد وإن الانتفاضة أكدت تلاحم فلسطيني الداخل والخارج؟.
لم تكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تجهل الدور الكبير لأبي جهاد في اندلاع الانتفاضة وتوجيهها وقد ورد في تحليل صحافي أمريكي أن القرار بقتله يعود لكونه أحد الأوائل الذين نظموا الانتفاضة. وقد كان يجري مكالمات هاتفية مع أشخاص في الأراضي المحتلة عن طريق جنيف، ليضلل عملية التصنت الإسرائيلي وقد اعتبره الإسرائيليون قائداً خطراً، فقرروا القضاء عليه قبل أن يوصل الانتفاضة إلى مرحلتها الثالثة، وهي إقامة الدولة أو الحكومة في المنفى.
في الواقع أن القرار الإسرائيلي باغتيال أبو جهاد كان قد اتخذ منذ زمن أبعد بكثير فهو ليس من مؤسسي حركة فتح الأوائل في بداية الستينات وحسب بل ومن رواد المقاومة في غزة سنة 1956 فهو هدف إسرائيل دائم وقد تسائل الكاتب الإسرائيلي رون بن شاي كيف يخطئ رجل مثل ابو جهاد بالسكن قرب شاطئ البحر إلا إذا كان يعتقد أن الوضع السياسي الدولي لن يشجع للإقدام على المساس بأحد زعماء منظمة التحرير ومواجهة الانتقادات الدولية.
وتضافرت الجهود على أعلى المستويات في القوات المسلحة الإسرائيلية وعن اشتراك أربع قطع بحرية منها سفينة حراسة “كورفيت corvette” تحمل طائرتي هليوكبتر لاستعمالها إذا اقتضت الحاجة للنجدة، كما تحمل إحداهما مستشفى عائماً وقد رست القطع على مقربة من المياه الاقليمية التونسية تواكبها طائرة قيادة وطائرة أخرى للتجسس والتعقب. وقد أشرف عدد من كبار العسكريين بينهم اللواء أيهود باراك واللواء أمنون شاحاك رئيس الاستخبارات العسكرية على تنفيذ العملية من الجو والبحر.
وصلت فرق الكوماندوس بالزوارق المطاطية إلى شاطئ تونس وانتقلت وفق ترتيبات معده سابقاً إلى ضاحية سيدي بوسعيد، حيث يقيم أبو جهاد في دائرة متوسطة هادئة وهناك انتظرت عودته في منتصف الليل، وقد انقسمت إلى مجموعات اختبأ بعضها بين الأشجار للحماية والمراقبة وبعد ساعة من وصول أبو جهاد تقدم الاسرائيليون في مجموعات صغيرة نحو المنزل ومحيطه فتم تفجير أبوان المدخل في مقدمة المنزل دون ضجة لاستعمالهم مواد متفجرة حديثة غير معروفة من قبل، وفي ثوان صعدت إحدى المجموعات إلى غرفة القائد وأطلقت علبة سبعين رصاص بكواتم الصوت أصابته منها أربعون احتاط الاسرائيليون في إقدامهم على اغتيال القائد الفلسطيني لكل الاحتمالات ومنعاً لوصول اية غبرة قطعوا الاتصالات التليفونية بتشويش عبر أجهزة الرادار من الجو في منطقة سيدي بوسعيد خلال العملية وعادت المجموعات إلى الشاطئ حيث تركت السيارات التي استعملتها وركبت الزوارق إلى السفن المتأهية في عرض البحر ثم عادت إلى اسرائيل في أربعة أيام وفي حراسة الطائرات الحربية اعتبرت اسرائيل اغتيال القائد أبو جهاد نصراً كبيراً وتشير تفاصيل العملية إلى أن الاسرائيليين قد أعدوا لها بدقة بالغة ولكنهم أخطأوا في التصويب نحو مرمى الهدف الرئيسي وهو اغتيال الانتفاضة فقد مات أبو جهاد وعاشت الانتفاضة مات القائد وعاش الرمز في كل بيت وفي كل قلب ما إن انتشر الخبر المضجع في أرض الانتفاضة حتى شهدت شوارعها في 16 نيسان/ إبريل اعنف التظاهرات منذ قامت الانتفاضة. ابتدأت التظاهرات بمسيرات صامتة حداداً وخشوعاً فبادر الجيش الاسرائيلي إلى تفريقها بقنابل الغاز المسيل للدموع وبالنار والرصاص المطاطي وانطلقت غزة مدينة أبو جهاد بعد الرملة، تتحدى منع التجول المفروض عليها وشارك حتى الأطفال في التظاهرات وانتهى اليوم الغاضب الاول في وداع الأرض المحتلة لابنها البار باستشهاد سبعة عشر مواطناً بينهم ثلاث نساء، كما أصيب بجراح بالغة أما المعتقلون فكانوا بالمئات لن تتوقف الخيارات الرمزية في أسبوع أبو جهاد ولم تنزل الاعلام الفلسطينية والاعلام السوداء عن المنازل والأبنية والمساجد والكنائس وقد طالبت الهيئة الاسلامية العليا بدفن جثمان القائد الشهيد في رحاب المسجد الأقصى، هذا وفرضت سلطات الاحتلال منع التجول على جميع مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة وأعلن أن مناطق عديدة باتت مناطق عسكرية مغلقة بوجه الصحافة وأقامت معتقلاً جديداً بالقرب من القدس أطلق عليه اسم أنصار الصغير وذكرت بأنها ستفتح سجناً آخر لاستيعاب المعتقلين.
وعى الرغم من الاجراءات القمعية ومن الحصار العسكري والاقتصادي الخانق على المخيمات انطلقت التظاهرات في ذكرى الاسبوع في 22 نيسان / إبريل إثر صلاة الغائب في كل مكان تتحدى قرار منع التجول. دفن القائد الشهيد في الرابع من رمضان 1408للهجرة، الموافق للعشرين من نيسان/ إبريل 1988 في دمشق فكان يوماً عربياً مشهوداً، رفرفت فيه روح الانتفاضة وتكرس فيه الشهيد رمزاً خالداً من رموزها، وجاء في وصف الوداع في جريدة السفير اللبنانية.
"قلب العروبة النابض" ضخ إلى الشوارع نصف مليون إنسان وأكثر فملىء هديرهم جنبات المدينة العريقة بالعافية، في دمشق فقط كان يمكن أن يجري أمس الذي جرى معيداً إلى الحياة صورة كادت تصبح من الماضي.. صورة الحشد المندفع بعواطفه وطموحاته وحماسته وارادتها الصلبة في المجابهة ورد التحدي.. في دمشق اتخذ الرد على اغتيال أبو جهاد وبعده الكامل ها هو الشعب كله في الساحة، هاهي الأمة كلها تنخرط في الانتفاضة لتحمي فلسطينها، كانوا أكثر من نصف مليون، انتشروا من مستشفى المؤاساة حتى اليرموك، وتجمعوا هناك وتحولوا إلى بحر بشري غطى المخيم ومحيطه وشكلوا أكبر تظاهرة تأييد للانتفاضة وهي في مستوى اخر تذكر إلى حد بسميرة التشييع التي جرت في القاهرة لوداع الرئيس جمال عبد الناصر. وكما كان الشهيد الراحل أبو جهاد معطاء في حياته هكذا كان في حماسته وكادت روحه أن ترتاح لأمنية طالما سعى إليها وهي استكمال الوحدة الوطنية وتطبيع علاقات الاخوة مع سوريا فتمت لقاءات بين مسئولين من فتح ومسئولين سوريين كما التقى الرئيس عرفات مع الرئيس السوري حافظ الأسد في 25 نيسان/إبريل 1988 وتعلقت الأمال بطي صفحة الخلافات ولكن اتضح أن تلك أمنية لا تزال تنتظر فرصة اخرى.
يتبع