نتابع: الأزمة البنيوية في الفكر الصهيوني العنصري -3-
العنصرية في الفكر الصهيوني
ليس من الصّعب على من يُراقب الممارسات اليومية للكيان الصهيوني، ويتابع تصريحات قادته منذ ما قبل الإعلان عن قيام الكيان الغاصب وإلى يومنا هذا، أن يستنتج أن كلّ هذه الممارسات والتصريحات هي نتاج منطقٍ عنصريٍ فاضح، وأن كلّ تطوّرات الصراع مع المشروع الصهيوني لم تكن إلاّ انعكاساً لهذه العنصرية الصهيونية المقيتة. هذا الواقع فرض نفسه على جدول أعمال الجمعية العامّة للأمم المتحدة، فأصدرت في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام1975 القرار رقم 3379 الذي نصّ على أن "الصهيونية شكلٌ من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"... ولكن، بسبب الأزمة العميقة في الواقع العربي، ومنه الواقع الفكري والثقافي، لم يتابَع القرار المذكور بجهودٍ فكريةٍ للحفر في الأصول النظرية والنصوص الأساسية المكوّنة للعنصرية الصهيونية، وتوضيح مدى خطورة تغلغلها في العقل الإنساني، وبخاصّةٍ الغربي الدّاعم للمشروع الصهيوني. لذا، لم يكن من الصعب على الحركة الصهيونية وقوى الاستكبار العالمي، وإثر مؤتمر مدريد للسلام المزعوم، دفع الجمعية العامّة في أواخر العام 1991 لاتخاذ قرارٍ بإلغاء القرار "3379 ". ولكن، هل يعني إلغاء هذا القرار وجود أدنى شكٍ في عنصرية الحركة الصهيونية و كيانها المصطنع الذي قام على أنقاض أكثر من أربعمائة قريةٍ ومدينةٍ فلسطينية، بعد أن شرّد الشعب واغتصب الأرض وفرض قوانين عنصرية على من بقي من أبنائها.
ففكرة "شعب الله المختار" تعني تفوّق اليهود على ما عداهم من شعوب الأرض، وبالتالي "حقّهم المطلق" في لعب دورٍ رياديٍ و قياديٍ على باقي الأمم والشعوب!
يقول أحادهعام، أحد كبار منظّري الحركة الصهيونية: "من الطبيعي أن يسلّم الإنسان بحقيقة وجود درجاتٍ كثيرةٍ في سلّم الخليقة. فالنباتات و الحيوانات و المخلوقات القادرة على النطق يتقدّمها جميعاً الجنس اليهودي" .
"في الدولة اليهودية، يُعتبر اليهود وحدهم بشراً, بينما يخضع غير اليهود لنظام الحيوانات, الحيوانات النافعة أحياناً, و الضارّة و حتى الخطرة أحياناً أخرى. وهناك أناسٌ يظنّون أنه لا يجوز استعمال القساوة حيال الحيوانات وغير اليهود. و هناك آخرون يعتقدون أن لا أهمّية لذلك. و لكن، كلّ من يؤمن بمبدأ الدولة اليهودية مقتنعٌ بأن غير اليهودي في الدولة اليهودية ليس إنساناً (وفقاً لتعريف كانط: "هدفاً بذاته")؛ بل مجرّد وظيفةٍ للمصلحة اليهودية..." .
بتاريخ (7/8 - 2- 2006)، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية ملحقاً على حلقتين ضمّ 12 صفحة، بعنوان "إسرائيل والفصل العنصري"؛ وقد تضمّن مقارنة بين ممارسات "إسرائيل" في الضفة الغربية والممارسات التي كان يقوم بها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ولم تقتصر هذه المقارنة على الكلمات وحسب، حيث عرضت الصحيفة صوراً تكاد تكون متطابقة للممارسات التي كان ينتهجها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وتلك التي تتبعها "إسرائيل" مع الفلسطينيين. وقد أعدّ هذا التقرير الخاصّ، مراسل "الغارديان"، كريس ماك غريل، بعد أربعة أعوامٍ قضاها في القدس وأكثر من عقدٍ أمضاه في جوهانسبرغ.
وممّا كتبه معدّ التقرير: "هناك عددٌ قليلٌ جداً من الدول في العالم التي تخلق حكوماتها شبكة من القوانين التي تميّز بين السكّان حسب مكان إقامة كلٍ منهم. من تلك الدول نظام الأبرتهايد العنصري السابق في جنوب أفريقيا وإسرائيل. ويقارن الكاتب بين القوانين الخاصّة التي سنّها النظام العنصري لصالح البيض في جنوب أفريقيا والقوانين التي سنّتها إسرائيل لصالح اليهود، وتلك التي سنّتها جنوب أفريقيا للتعامل مع الزنوج الأفريقيين مقابل تلك التي سنّتها إسرائيل للتعامل مع العرب. ويصف الجدار الذي تبنيه إسرائيل على أراضي الضفة الغربية بـ"جدار الأبرتهايد"، كونه يفصل بين جمهورين ويبتلع أراضي العرب.
كما قارن الكاتب ما يجري في الضفة الغربية بما كان يحدث في جنوب أفريقيا، حيث خصّصت سلطات الأبرتهايد مداخل خاصّة للبيض مفصولة عن المداخل المخصّصة للسود.
واستبق الكاتب ردود الفعل الإسرائيلية على تقريره قائلاً: سيقوم إسرائيليون ويدّعون أن المقارنة ليست في محلّها، خاصّة وأنه لا توجد في إسرائيل لافتات خاصّة لتوجيه اليهود وأخرى لتوجيه غير اليهود، كما كان عليه الأمر في جنوب أفريقيا. كما لا يتمّ الفصل في حافلات الركّاب أو المراحيض العامّة. ولدحض كلّ ذلك، يقتبس التقرير كلاماً للقنصل الإسرائيلي الأسبق في جنوب أفريقيا، ألون ليئال، يقول فيه: "إذا نظرنا إلى ضخامة التعامل غير العادل مع الفلسطينيين، فسنجد أن هناك مكاناً لمقارنة الأمر بنظام الأبرتهايد. قد تكون فلسفتنا مغايرة وناجمة عن دوافع الأمن؛ لكن، في المحصّلة النهائية، تشير النتائج إلى أننا نتواجد في المجموعة ذاتها" (الأبرتهايد). كما يقتبس التقرير عن يهوديٍ من أصلٍ جنوب أفريقي يُدعى غولدريخ، وقد عانى في ظلّ النظام العنصري في جنوب أفريقيا لرفضه دراسة اللغة الألمانية في مدرسته وإصراره على تعلّم اللغة العبرية. يقول غولدريخ الذي يعيش اليوم في مدينة هرتسيليا- قرب تلّ أبيب: إن إسرائيل اليوم تشبه نظام البيض في جنوب أفريقيا.
وما يفضح أيضاً عنصرية الكيان الصهيوني أن التمييز العنصري فيه لا يمارس بحقّ غير اليهود فقط، بل أيضاً بحقّ اليهود غير الإشكناز. يقول "إسرائيل شاحاك" في كتابه (الصهيونية بين الحقيقة والاختلاق): "إن العرب الذين هم مواطنون من الدرجة الثانية، ليسوا الضحية الوحيدة للممارسات العنصرية لدولة إسرائيل. ولكن، اليهود الشرقيون أيضاً. فإذا كانت إسرائيل هي دولة كلّ اليهود، وجب أن تكون دولة إشكنازية؛ لأن الأغلبية العظمى من يهود العالم هي إشكنازية، بالرّغم من أن اليهود الشرقيين يشكّلون الأغلبية في إسرائيل نفسها... ولكنّهم سيبقون مجموعة الأقلّية بنظر القيادة الصهيونية، حتى لو أصبح عددهم ضعف أو عشرة أضعاف الإشكنازيين".
تقول إيلا حبيبة شوحط، أستاذة الدراسات الشرقية والنسائية في جامعة نيويورك:"في إسرائيل، يشكّل اليهود الأوروبيون نخبة من العالم الأوّل، تسيطر لا على الفلسطينيين فقط، بل على اليهود الشرقيين أيضاً. وكشعبٍ يهوديٍ من العالم الثالث، يشكّل المزراحيم أمّة شبه مستعمرةٍ داخل أمّة... وتضيف: في حين أحال النظام الصهيوني المزراحيم إلى قعرٍ لا مستقبل له، فإنه دفع الأشكناز صعوداً في السلّم الاجتماعي...الأمر الذي أوجد أحياناً أوضاعاً شاذّة يعمل فيها المزراحيم المتعلّمون كعمّالٍ غير مهرة، بينما يحتلّ الإشكناز الأقلّ تعلّماً مواقع إدارية عالية" .
ما سبق من استشهاداتٍ يؤشّر بوضوح إلى الطبيعة العنصرية الفجّة والمركّبة للإيديولوجيا الصهيونية، التي تفوّقت في إجرامها وممارساتها على النازية والفاشية.
يتبع
ليس من الصّعب على من يُراقب الممارسات اليومية للكيان الصهيوني، ويتابع تصريحات قادته منذ ما قبل الإعلان عن قيام الكيان الغاصب وإلى يومنا هذا، أن يستنتج أن كلّ هذه الممارسات والتصريحات هي نتاج منطقٍ عنصريٍ فاضح، وأن كلّ تطوّرات الصراع مع المشروع الصهيوني لم تكن إلاّ انعكاساً لهذه العنصرية الصهيونية المقيتة. هذا الواقع فرض نفسه على جدول أعمال الجمعية العامّة للأمم المتحدة، فأصدرت في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام1975 القرار رقم 3379 الذي نصّ على أن "الصهيونية شكلٌ من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"... ولكن، بسبب الأزمة العميقة في الواقع العربي، ومنه الواقع الفكري والثقافي، لم يتابَع القرار المذكور بجهودٍ فكريةٍ للحفر في الأصول النظرية والنصوص الأساسية المكوّنة للعنصرية الصهيونية، وتوضيح مدى خطورة تغلغلها في العقل الإنساني، وبخاصّةٍ الغربي الدّاعم للمشروع الصهيوني. لذا، لم يكن من الصعب على الحركة الصهيونية وقوى الاستكبار العالمي، وإثر مؤتمر مدريد للسلام المزعوم، دفع الجمعية العامّة في أواخر العام 1991 لاتخاذ قرارٍ بإلغاء القرار "3379 ". ولكن، هل يعني إلغاء هذا القرار وجود أدنى شكٍ في عنصرية الحركة الصهيونية و كيانها المصطنع الذي قام على أنقاض أكثر من أربعمائة قريةٍ ومدينةٍ فلسطينية، بعد أن شرّد الشعب واغتصب الأرض وفرض قوانين عنصرية على من بقي من أبنائها.
ففكرة "شعب الله المختار" تعني تفوّق اليهود على ما عداهم من شعوب الأرض، وبالتالي "حقّهم المطلق" في لعب دورٍ رياديٍ و قياديٍ على باقي الأمم والشعوب!
يقول أحادهعام، أحد كبار منظّري الحركة الصهيونية: "من الطبيعي أن يسلّم الإنسان بحقيقة وجود درجاتٍ كثيرةٍ في سلّم الخليقة. فالنباتات و الحيوانات و المخلوقات القادرة على النطق يتقدّمها جميعاً الجنس اليهودي" .
"في الدولة اليهودية، يُعتبر اليهود وحدهم بشراً, بينما يخضع غير اليهود لنظام الحيوانات, الحيوانات النافعة أحياناً, و الضارّة و حتى الخطرة أحياناً أخرى. وهناك أناسٌ يظنّون أنه لا يجوز استعمال القساوة حيال الحيوانات وغير اليهود. و هناك آخرون يعتقدون أن لا أهمّية لذلك. و لكن، كلّ من يؤمن بمبدأ الدولة اليهودية مقتنعٌ بأن غير اليهودي في الدولة اليهودية ليس إنساناً (وفقاً لتعريف كانط: "هدفاً بذاته")؛ بل مجرّد وظيفةٍ للمصلحة اليهودية..." .
بتاريخ (7/8 - 2- 2006)، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية ملحقاً على حلقتين ضمّ 12 صفحة، بعنوان "إسرائيل والفصل العنصري"؛ وقد تضمّن مقارنة بين ممارسات "إسرائيل" في الضفة الغربية والممارسات التي كان يقوم بها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ولم تقتصر هذه المقارنة على الكلمات وحسب، حيث عرضت الصحيفة صوراً تكاد تكون متطابقة للممارسات التي كان ينتهجها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وتلك التي تتبعها "إسرائيل" مع الفلسطينيين. وقد أعدّ هذا التقرير الخاصّ، مراسل "الغارديان"، كريس ماك غريل، بعد أربعة أعوامٍ قضاها في القدس وأكثر من عقدٍ أمضاه في جوهانسبرغ.
وممّا كتبه معدّ التقرير: "هناك عددٌ قليلٌ جداً من الدول في العالم التي تخلق حكوماتها شبكة من القوانين التي تميّز بين السكّان حسب مكان إقامة كلٍ منهم. من تلك الدول نظام الأبرتهايد العنصري السابق في جنوب أفريقيا وإسرائيل. ويقارن الكاتب بين القوانين الخاصّة التي سنّها النظام العنصري لصالح البيض في جنوب أفريقيا والقوانين التي سنّتها إسرائيل لصالح اليهود، وتلك التي سنّتها جنوب أفريقيا للتعامل مع الزنوج الأفريقيين مقابل تلك التي سنّتها إسرائيل للتعامل مع العرب. ويصف الجدار الذي تبنيه إسرائيل على أراضي الضفة الغربية بـ"جدار الأبرتهايد"، كونه يفصل بين جمهورين ويبتلع أراضي العرب.
كما قارن الكاتب ما يجري في الضفة الغربية بما كان يحدث في جنوب أفريقيا، حيث خصّصت سلطات الأبرتهايد مداخل خاصّة للبيض مفصولة عن المداخل المخصّصة للسود.
واستبق الكاتب ردود الفعل الإسرائيلية على تقريره قائلاً: سيقوم إسرائيليون ويدّعون أن المقارنة ليست في محلّها، خاصّة وأنه لا توجد في إسرائيل لافتات خاصّة لتوجيه اليهود وأخرى لتوجيه غير اليهود، كما كان عليه الأمر في جنوب أفريقيا. كما لا يتمّ الفصل في حافلات الركّاب أو المراحيض العامّة. ولدحض كلّ ذلك، يقتبس التقرير كلاماً للقنصل الإسرائيلي الأسبق في جنوب أفريقيا، ألون ليئال، يقول فيه: "إذا نظرنا إلى ضخامة التعامل غير العادل مع الفلسطينيين، فسنجد أن هناك مكاناً لمقارنة الأمر بنظام الأبرتهايد. قد تكون فلسفتنا مغايرة وناجمة عن دوافع الأمن؛ لكن، في المحصّلة النهائية، تشير النتائج إلى أننا نتواجد في المجموعة ذاتها" (الأبرتهايد). كما يقتبس التقرير عن يهوديٍ من أصلٍ جنوب أفريقي يُدعى غولدريخ، وقد عانى في ظلّ النظام العنصري في جنوب أفريقيا لرفضه دراسة اللغة الألمانية في مدرسته وإصراره على تعلّم اللغة العبرية. يقول غولدريخ الذي يعيش اليوم في مدينة هرتسيليا- قرب تلّ أبيب: إن إسرائيل اليوم تشبه نظام البيض في جنوب أفريقيا.
وما يفضح أيضاً عنصرية الكيان الصهيوني أن التمييز العنصري فيه لا يمارس بحقّ غير اليهود فقط، بل أيضاً بحقّ اليهود غير الإشكناز. يقول "إسرائيل شاحاك" في كتابه (الصهيونية بين الحقيقة والاختلاق): "إن العرب الذين هم مواطنون من الدرجة الثانية، ليسوا الضحية الوحيدة للممارسات العنصرية لدولة إسرائيل. ولكن، اليهود الشرقيون أيضاً. فإذا كانت إسرائيل هي دولة كلّ اليهود، وجب أن تكون دولة إشكنازية؛ لأن الأغلبية العظمى من يهود العالم هي إشكنازية، بالرّغم من أن اليهود الشرقيين يشكّلون الأغلبية في إسرائيل نفسها... ولكنّهم سيبقون مجموعة الأقلّية بنظر القيادة الصهيونية، حتى لو أصبح عددهم ضعف أو عشرة أضعاف الإشكنازيين".
تقول إيلا حبيبة شوحط، أستاذة الدراسات الشرقية والنسائية في جامعة نيويورك:"في إسرائيل، يشكّل اليهود الأوروبيون نخبة من العالم الأوّل، تسيطر لا على الفلسطينيين فقط، بل على اليهود الشرقيين أيضاً. وكشعبٍ يهوديٍ من العالم الثالث، يشكّل المزراحيم أمّة شبه مستعمرةٍ داخل أمّة... وتضيف: في حين أحال النظام الصهيوني المزراحيم إلى قعرٍ لا مستقبل له، فإنه دفع الأشكناز صعوداً في السلّم الاجتماعي...الأمر الذي أوجد أحياناً أوضاعاً شاذّة يعمل فيها المزراحيم المتعلّمون كعمّالٍ غير مهرة، بينما يحتلّ الإشكناز الأقلّ تعلّماً مواقع إدارية عالية" .
ما سبق من استشهاداتٍ يؤشّر بوضوح إلى الطبيعة العنصرية الفجّة والمركّبة للإيديولوجيا الصهيونية، التي تفوّقت في إجرامها وممارساتها على النازية والفاشية.
يتبع