بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات ماذا يعني شرط الاعتراف بيهودية الدولة؟.. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ماذا يعني شرط الاعتراف بيهودية الدولة؟.. إظهار كافة الرسائل

2009-09-01

ماذا يعني شرط الاعتراف بيهودية الدولة؟.

ماذا يعني شرط الاعتراف بيهودية الدولة؟..
د.أنيس فوزي قاسم/ محام فلسطيني مقيم في الأردن
منذ توقيع اتفاقيات اوسلو في 1993، وقادة إسرائيل، سياسيون ومفكرون، يشترطون أن أية تسوية سياسية مع الفلسطينيين يجب أن تتضمن اعترافاً منهم بأن إسرائيل هي دولة اليهود. هذا شرط ومطلب مستحدث وله مغزاه وأبعاده. ولكنه أصبح شرطاً خطيراً وسامّاً حين بدأ الرئيس الاميركي يردده، ولا نعلم إن كان الرئيس يتبنى هذا الشرط بإدراك ووعي، أم انه تورط فيه كما تورط في جرائم اخرى كجريمة غزو العراق. وقبل التعرض لمعنى هذا الاشتراط الجديد والآثار التي تترتب عليه، لا بدّ من التساؤل عما إذا أنشئت إسرائيل بمواصفات دولة اليهود حسب الفكر الصهيوني؟

بداية، لا بدّ من التفريق بين ما يسمى بـ "الدولة اليهودية" و "دولة اليهود" أو "دولة الشعب اليهودي". ان "الدولة اليهودية"، وكما وردت في التوصية الصادرة عن هيئة الامم المتحدة في العام 1947، كان تعبيراً مستخدماً في مقابل تعبير "الدولة العربية" ولم يكن يرد في تلك الاثناء تعبير "الدولة الفلسطينية"، وهذا المفهوم مختلف جذرياً عما ورد، ولازال يرد، في التعابير الإسرائيلية والصهيونية عن تعبير "دولة اليهود" أو "دولة الشعب اليهودي"، ذلك ان هذا التعبير الاخير يؤكد على صهيونية الدولة بالمواصفات التي صاغها ثيودور هيرتزل. وقد كان المرحوم الدكتور فايز الصايغ يؤكد ان الترجمة الصحيحة لكتاب هيرتزل هو "دولة اليهود" وليس "الدولة اليهودية".

لا جدال في أن قادة الحركة الصهيونية ومنظّريها قد وضعوا تصوراتهم حول دولة اليهود ومواصفات هذه الدولة، واختصر حاييم وايزمن الأمر بمقولته المشهورة والواضحة لمؤتمر السلم في باريس في العام 1919 بأنه يريد فلسطين يهودية كما هي انجلترا انجليزية، وأن دولة اليهود يجب أن تضم أغلبية يهودية "حاسمة"، كما كان يطلب بن غوريون. وبعد قيام الدولة في العام 1948، أعلن قادة الدولة الجديدة أن دولتهم هذه هي دولة "الشعب اليهودي" وأن أبوابها مفتوحة لعودة اليهود الى وطنهم الأصلي، وتأكيداً لذلك وضعوا " قانون العودة" الذي منح كل يهودي الحق في الهجرة (أو العودة) الى أرض إسرائيل. وأكد القاضي براك، رئيس محكمة العدل العليا الإسرائيلية، في قضية حديثة على هذا المفهوم بقوله إن في دولة اليهود "يكون اليهود فيها الأكثرية وتكون اللغة العبرية هي اللغة الرسمية والمركزية وتكون أعيادها ورموزها تعبّر عن استعادة الصحوة القومية للشعب اليهودي، وأن الموروث الديني لشعب إسرائيل يشكل مركباً اساسياً للموروث الديني والثقافي في دولة إسرائيل".

فهل قبل المجتمع الدولي، بما فيها الدول الامبريالية الكبرى التي ساعدت على خلق إسرائيل، بهذه المواصفات الصهيونية لدولة اليهود؟
تحتوي وثيقة "الاستقلال" لإسرائيل على ثلاث وثائق قانونية تستند فيها إسرائيل على إنشائها، وهي: إعلان بلفور، وصك الانتداب والتوصية بتقسيم فلسطين الصادرة عن الأمم المتحدة في العام 1947. وسوف نتناول هذه الوثائق الثلاث بنفس الترتيب.

أما الوثيقة الاولى فهي اعلان بلفور. في البداية لا بدّ من تصحيح خطأين شاعا في أوساطنا لدرجة اليقين. الأول أننا نطلق على إعلان بلفور بأنه "وعد بلفور"، ولا ندري من أين أتت هذه الترجمة، وهي ترجمة خاطئة، لأن هذه الوثيقة لم تتضمن، لا في مسماها ولا في محتواها، على كلمة "وعد"، وكل ما ورد هو تعبير انجليزي غامض يقول إن بريطانيا "تنظر بعين العطف..."، وهي عبارة لا تنشئ التزاماً ولا وعداً بالتزام.

والخطأ الشائع الثاني هو اننا اعتبرنا هذا الاعلان انتصاراً للحركة الصهيونية، بينما كان نكوصاً لها. ويسجل لينورد شتاين، السكرتير القانوني والسياسي للحركة الصهيونية في كتابه الوثائقي "إعلان بلفور" مسيرة هذا الإعلان وتاريخه التشريعي. ويخبرنا شتاين ان الاعلان مرّ في ست مسودات، ويهمنا هنا ما طرحته الحركة الصهيونية التي قدمت مشروعاً ينص على " أن تقبل [الحكومة البريطانية] الاعتراف بمبدأ إعادة تأسيس فلسطين كوطن قومي للشعب اليهودي" والاعتراف بالمنظمة الصهيونية. ويلحظ من هذا النص الطلب – اولا- من الحكومة البريطانية "الاعتراف"، مما يشكل التزاماً على الدولة العظمى آنئذٍ، والاعتراف – ثانيا- باعادة تأسيس فلسطين، مما يعني الاقرار بالحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين، والاعتراف – ثالثا- بهذا الحق التاريخي في كل فلسطين، والاعتراف – رابعاً- بأن الدولة المطلوب انشاؤها ستكون دولة الشعب اليهودي.

وبرغم ان بلفور وافق من حيث المبدأ على هذه الصياغة الاّ انه كان يدرك ان رئيس الوزراء، لويد جورج، قد يعترض عليها، ولذا طلب صيغة مخففة من النص الأصلي. وحين عرضت الصيغة المخفّفة على مجلس الوزراء، تصدى لها الوزير اليهودي الوحيد، ادوين مونتاجيو، واتهم حكومته، باستعدادها لاصدار هذا الاعلان، بأنها حكومة معادية للسامية، وأثار مسألة الاشكاليات التي قد يسببها مثل هذا الاعلان لليهود من مواطني الدول الأخرى وما قد يحدثه مثل هذا الاعلان للسكان الأصليين في فلسطين. وتمخض النقاش الذي احتدم في مجلس الوزراء عن النص الذي نعرفه حالياً وهو ان بريطانيا "تنظر بعين العطف... لاقامة وطن قومي في فلسطين" ووضعت شرطين صريحين لهذا الأمر بأن ذلك سوف لا يؤثر على "الحقوق المدنية والدينية" للفلسطينيين، او على "الحقوق والوضع السياسي لليهود في الاقطار الاخرى". ويلحظ من مقارنة المشروع الصهيوني بالنص الأخير ان اياً من المطالب الأصلية لم تتحقق، بل ان الاعلان اضاف شرطين صريحين لهما مغزى بعيد الأثر، من حيث انه رفض سلطة المنظمة الصهيونية في تمثيل اليهود من مواطني الدول الاخرى. وقدم حماية واضحة للفلسطينيين من آثار هذا المشروع الصهيوني.

وليس أدل على هزيمة الحركة الصهيونية من اصدار اعلان بلفور بهذه الصيغة ما يسجله شتاين، ويؤكده حاييم وايزمن في مذكراته "التجربة والخطأ"، من ان وايزمن كان ينتظر في مكان قريب من قاعة مجلس الوزراء بانتظار اصدار الاعلان، حين خرج سكرتير المجلس ملوحاً بورقة بيده وينادي "د.وايزمن... انه ولد!!". ويقول وايزمن حين قرأت الصياغة النهائية لم أحب ذلك الولد!! ولكنه اضاف قائلاً: سنجعل منه ما نريده ان يكون.

اما الوثيقة الثانية التي ترتكز اليها إسرائيل في قيامها فهي صك الانتداب. من المسلم به ان اعلان بلفور أُعيد انتاجه في صك الانتداب، وبالضرورة أُعيد انتاج الشرطين المحددين معه مرة اخرى، الاّ انه يجب ان يُنظر اليه ضمن الاطار العام من ان الانتداب هو "عهدة مقدسة" وانه مسؤول عن مساعدة الشعوب الواقعة تحت الانتداب للوصول الى حق تقرير المصير والاستقلال. وتنص الماده (5) من صك الانتداب على ان دولة الانتداب ملزمة بالمحافظة على الوحدة الاقليمية لفلسطين، وانها، في الوقت الذي تسهل فيه الهجرة اليهودية الى فلسطين، ملزمة بالمحافظة على حقوق واوضاع السكان الفلسطينيين. وتنص الماده (15) على التزام سلطة الانتداب بعدم التمييز بين السكان على اساس العرق او الدين او اللغة. ومع هذه الضمانات الدولية التي ضمنها صك الانتداب للوحدة الاقليمية لفلسطين والمحافظة على المساواه بين اليهود وغير اليهود كيف لنا ان نقول ان صك الانتداب قد صادق على تأسيس دولة اليهود في فلسطين بالمواصفات الصهيونية؟

اما الوثيقة الثالثة، فهي التوصية الصادرة عن هيئة الامم المتحدة في العام 1947 بتقسيم فلسطين الى دولة عربية ودولة يهودية وجعل القدس في وضع دولي خاص. وبرغم ما اعتور تلك التوصية من مؤامرات ومطاعن على شرعيتها وقانونيتها (بما في ذلك احباط محاولة استدراج رأي استشاري من محكمة العدل الدولية)، الاّ انه تجدر الاشارة الى ان تلك التوصية حين حددت عدد السكان في كل دولة، كان عدد العرب الذين سوف يقطنون في اقليم الدولة اليهودية مساوياً تقريباً لعدد اليهود، والفارق لم يتجاوز 70.000 نسمه لصالح اليهود، وهذا لا يشكل أغلبية حاسمه لليهود. فكيف، بعد ذلك يمكن الادعاء، ان هيئة الامم قررت انشاء "دولة لليهود"، ونصف عدد السكان تقريباً كان من الفلسطينيين؟. يضاف الى ذلك، ان التوصية بتقسيم فلسطين وضعت مبادئ عامة وطلبت من كل من الدولة اليهودية والدولة العربية تضمينها في دساتيرها. ومن ضمن هذه المبادئ ان على كل دولة ان تضمن لجميع مواطنيها حقوقاً متساوية في جميع الامور المدنية والسياسية والاقتصادية والدينية وضمان حقوق الانسان والحريات الأساسية. ولو كانت الامم المتحده تقرّ بيهودية الدولة – كما صاغتها العقيده الصهيونية- لما نصت على مبادئ المساواة في جميع المجالات، لأنه ومن ابجديات انشاء دولة لليهود – ان اليهود في مثل هكذا دولة سوف يتمتعون بحقوق وامتيازات خاصة بهم، وان تساوت تلك الحقوق والامتيازات بما هو حق لمواطني الدولة من غير اليهود، فان دولة اليهود سوف تفقد مبرر وجودها.

ان الوثائق القانونية الرئيسية التي ترتكز اليها إسرائيل في قيامها لا تقرّ بيهودية الدولة كما تراها وصاغتها ووضعت مواصفاتها الحركه الصهيونية، ومن الواضح ان فكرة دولة يهودية، كما نظر اليها المجتمع الدولي الامبريالي، لم تكن متفقه مع المواصفات الصهيونية، في أي من مراحل تأسيس هذه الدولة. ولا أدلّ على ذلك من أن قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم ما هو الاّ تأكيد على ان المجتمع الدولي لم يكن موافقاً على صيغة الدولة اليهودية بالمفهوم الصهيوني، اذ ان القرار الدولي فرض عودة حوالي سبعمائة الف فلسطيني الى ديارهم التي هجّروا منها، ومعنى هذا ان دولة يهودية بأغلبية عربية يتعارض مع المبدأ الصهيوني الأول. وحيث ان الجمعية العمومية لازالت تؤكد على القرار 194، فان ذلك ينطوي على تقرير مبدأ دولي مؤداه ان لا دولة يهودية بالمعايير الصهيونية.

الان، وبعد قيام دولة يهودية، وبأغلبية يهودية حاسمة كيف نرى، ويرى العالم، مثل هذه الدولة في الممارسة العملية؟.

لو بدأنا بترتيب عكسي من الشواهد والاثباتات، لبدأنا بكتاب الرئيس جيمي كارتر الذي وصل الى نتيجه لخصها في عنوان كتابه من أن إسرائيل أصبحت دولة ابارتهايد بعد ان اندحر الابارتهايد في جنوب افريقيا. وينعى ابراهام بورغ، رئيس الكنيست السابق، على إسرائيل كونها مشروعاً فاشلاً وقد تحولت الى مسيرة متواصلة لمشروع هتلر. وهل بقي لدى منظمات حقوق الانسان الإسرائيلية والفلسطينية والدولية من صفات قبيحة الاّ وألصقتها بدولة اليهود؟ وهل يحتفظ الصليب الاحمر الدولي بأي كلمة اطراء لإسرائيل؟ وأوجه الدعوة لكل ذي نيّة حسنة ان يدلني على مبدأ من مبادئ القانون الدولي الانساني و/أو مبادئ حقوق الانسان لم تقم إسرائيل بخرقه عدة مرات، بل امتهنته امتهاناً شديداً ومقصوداً. وقالت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في 2004 ان إسرائيل أخلّت بالتزاماتها الدولية وذلك باقامة المستوطنات وبناء جدار الفصل العنصري في الاراضي المحتلة وحرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره. وقبل أيام شاهدنا على شاشات التلفزة الاسيرة الفلسطينية التي أُفرج عنها مؤخراً هي وطفلها الذي ولد في السجن، وروت لنا كيف وضعت طفلها وهي مكبلة اليدين والرجلين. هذه هي دولة اليهود، دولة في غاية التوحش وانعدام الحس الانساني.

ولو انتقلنا الى ممارسات دولة اليهود مع مواطنيها من الفلسطينيين لظهر أقبح شكل من اشكال التمييز العنصري يشهده التاريخ الحديث. ذلك انه في جنوب افريقيا كان الابارتهايد وسيلة لاستثناء السود من مناطق البيض وحشرهم في بانتوستانات خاصه بهم. أما في دولة اليهود، ليس المطلوب استثناء غير اليهود، بل اقتلاعهم وترحيلهم لافساح المجال لليهود القادمين (او العائدين بالتعبير الصهيوني)، اذ بدون الاقتلاع والترحيل لن تتحقق دولة اليهود.

وكمثال آخر على ان التمييز العنصري الذي يُمارس ضد غير اليهود في دولة اليهود كسابقة فريدة في تاريخ المجتمعات المصابة بعاهة التمييز العنصري، هو أن الفلسطيني الذي يتمتع بالجنسية الإسرائيلية له حق ان ينتخب ويُنتخب في الانتخابات التشريعية او البلدية، وله حق التقدم الى الوظائف العامة في الدولة، ولكن هذا المواطن نفسه يصبح في القانون الإسرائيلي "غائباً"، اي غير موجود في إسرائيل، اذا طالب باسترداد أرضه التي صُودرت منه. فهو "موجود" لممارسة حق سياسي ولكنه "غائب" اذا طالب بحقه في أرضه. ففي أي فقه او تشريع يمكن للانسان ان يتصور مثل هذه المعادلة البهلوانية؟

قال حاييم وايزمن في مذكراته، ان العالم سوف يحكم علينا من معاملتنا للفلسطينيين. وورد في وثيقة "استقلال إسرائيل" انها تلتزم بالمحافظة على المساواة بين مواطنيها بغض النظر عن الدين والعرق والجنس ولكن، وعلى ضوء معاملة إسرائيل لمواطنيها من غير اليهود، اصدر العالم، ممثلاّ بالجمعية العمومية للأمم المتحدة، قراراً شهيراً بتاريخ 10/11/1975 أعلن فيه ان الصهيونية شكل من أشكال التمييز العنصري. وقد ورد في محاضر تلك الجلسات دراسات ومناقشات في غاية الاهمية مؤداها ان الصهيونية ليست عنصرية بالصدفة او بسبب ظروف تاريخية رافقت نشوءها، بل ان العنصرية أصيلة في فلسفتها وتكوينها، وثبت ذلك بالتجربة العملية. ففي دستور الصندوق القومي اليهودي الذي انشئ في مطلع القرن الماضي، ولازال قائماً ونشطاً، ورد نص مؤداه ان الصندوق يمتلك الاراضي في فلسطين باسم "الشعب اليهودي"، أي ان الارض التي يتم الاستيلاء عليها شراءاً او استيطاناً هي ملكية مشتركة "للشعب اليهودي" وليس لشعب إسرائيل، مثلاً، او لليهود في إسرائيل، بل لكل من هو عضو في "الشعب اليهودي". وينص دستور الوكالة اليهودية، والتي مازالت قائمة وفاعلة، على ان اليد العاملة التي توظف في الزراعة يجب ان تكون قائمة على "اليد العاملة اليهودية". وتم استكمال دائرة التهويد بأن فرضت الوكالة اليهودية على اليهود شراء المنتجات اليهودية حصراً. أي ان المستوطنين اليهود خلقوا في فلسطين اقتصاداً يهودياً مغلقاً. واستفحل امر العنصرية في المجتمع الإسرائيلي بعد قيام الدولة ودلالة ذلك سلسلة القوانين اعتباراً من قانون العودة الى آخر تقليعة تشريعية والتي تحرم على أي "إسرائيلي" الزواج من فلسطيني او فلسطينية من المقيمين في الاراضي المحتلة.

ان الغاء هذا القرار من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 16/12/1991 لا يغيّر من عنصرية الصهيونية في شيء، لأنها هي ذاتها لم تتغير لا فلسفة ولا مؤسسات ولا ممارسة.

هذه هي الدولة اليهودية المطلوب من الفلسطيني الاعتراف بها كشرط مسبق للوصول الى تسوية سياسية معها.

أن مثل هذا الاعتراف – لو حصل- سوف يرتب سلسة من النتائج الضارة وطنياً ودولياً. النتيجة الاولى، وفي التطبيق العملي، سوف تبرر اقتلاع وترحيل من بقي من الفلسطينيين في داخل الخط الاخضر، أي سوف نشهد عملية تطهير عرقي بطرد الفلسطينيين مما سيخلق أعباءاً ثقيلة على الدول المجاورة ولاسيما الاردن وسوريا ولبنان والتي هي مثقلة أصلاً بالهم الفلسطيني. والنتيجة الثانية هي ان الاقتلاع والترحيل سوف يؤدي الى مصادرة ممتلكات هؤلاء المهجرين وتصبح ملكيتها ملكية مشتركه "للشعب اليهودي" دون حق لهم بالمطالبة بالتعويض. والنتيجة الثالثة هي ان اللاجئين الذين اقتلعوا في الاعوام 1947-1949 سوف يظلون في اماكنهم ويفقدون حق العودة وحق التعويض وتتحول كل القرارات الدولية التي أكدت على حقهم في ذلك حبراً كالحاً على ورق أصفر. أما النتيجة الرابعة فهي ان على الفلسطيني ان يقبل ويقرّ ويوافق على "الصهيونية" كعقيدة وفلسفة وممارسة، وذلك في الوقت الذي اصبحت فيه العنصرية والتمييز العنصري والابارتهايد جرائم يعاقب عليها القانون الدولي. أي ان على الفلسطيني ان يجري في اتجاه معاكس للتاريخ.

أما على المستوى الدولي، فان السؤال الذي يفرض نفسه هو ماذا سيكون عليه موقف الامم المتحدة من دولة عضو فيها تعلن وتصرّ على انها دولة اليهود؟ هل ينسجم ذلك مع ميثاق الامم المتحدة؟ تنص الماده (55) من الميثاق على التزام المنظمة الدولية بأن تشيع في العالم "احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس او اللغة او الدين..." وتنص المادة (56) على أن "يتعهد جميع الاعضاء بأن يقوموا، منفردين ومجتمعين، بما يجب عليهم من عمل.. لادراك المقاصد المنصوص عليها في المادة 55." ومن هنا يتبين ان على المنظمة الدولية اتخاذ الاجراءات القانونية طبقاً للميثاق، وانسجاماً مع ممارساتها منذ العام 1947 لكي تفرض على إسرائيل الامتثال لاحكام المادة (55)، وتفرض على الدول الاخرى التقيّد بالمادة (56)، وليس من داع لاستدعاء الاتفاقيات الدولية الاخرى مثل معاهدة مكافحة جميع اشكال التمييز العنصري. وعلى الوفد الفلسطيني المفاوض التهديد باللجوء الى الجمعية العمومية للأمم المتحدة لاتخاذ ما يلزم لمنع إسرائيل من فرض شروط التمييز العنصري على الشعب الفلسطيني.

إن على الدول العربية، ولاسيما الدول الأقرب إلى فلسطين التاريخية، التصدّي لهذا الشرط، ليس للأسباب الواردة أعلاه وحسب، بل ايضاً لأسباب عملية وهي أنها هي المستهدفة بترحيل الفلسطينيين اليها، وحلّ مشاكل الصهيونية على حسابها ونفقتها ومسؤوليتها. إن شعار يهودية الدولة ليس شعاراً لاقتلاع الشعب الفلسطيني وترحيله وحسب، بل هو أداة جديده للتوسع الصهيوني في أراضيها كذلك.

ولا مناص من القول ان الاشتراط الإسرائيلي على الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية الدولة هو اشتراط تعجيزي، ذلك أن الإسرائيليين أنفسهم لم يحسموا أمرهم في تحديد هوية هذه الدولة، وليس سرّاً أن عدم تمكن الفقهاء الإسرائيليين من الوصول الى إجماع حول تعريف من هو اليهودي هو أحد الأسباب الرئيسية التي لا زالت تحول دون وضع دستور مكتوب في إسرائيل. وإخفاءاً لهذه المعضلة، اشترط التعديل الأخير لقانون الاساس – الكنيست في المادة 7/أ على أن كل مرشح في القوائم الحزبية ان يعترف بمبدأ يهودية الدولة وديمقراطيتها معاً، وكأنه يمكن الجمع بين الصفتين، وهو أمر مستحيل كاستحالة خلط الماء بالزيت.