الرحّالة ابن بطوطة في وصف المسجد الأقصى وقبّة الصخرة.
لقد كان ابن بطوطة من أهمّ وأشهر الرحّالة على الإطلاق في عصره، لم يكنْ جغرافياً لكنّه استطاع أنْ يصوّر الأماكن والمناطق التي زارها وصفاً دقيقاً، وقد يكفي أنْ نقول إنّ المسافة التي قطعها في رحلاته، ولنا أنْ نتصوّر صعوبة التنقّل في ذلك الوقت لمسافةٍ تقدّر بـ120 ألف كم، وكان حريصاً على أنْ لا يتردّد على طريقٍ أكثر من مرة، وقد شملت رحلاته الكثيرة مناطق شتى، شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، ومن البلاد التي زارها على سبيل التقدير لا الحصر مصر وشمال وشرق أفريقيا، فبلاد الشام، وزار حوض الفولجا الأدنى وبلاد القرم، والقسطنطينية، وخوارزم وتركستان والهند والصين وأفغانستان وبخارى وبلاد الأندلس، ومن القاهرة سافر شمالاً عبر صحراء سيناء ونزل في غزّة هاشم، ومنها سافر إلى الخليل فالقدس. وغيرها من البلاد التي دوّن عنها ما يعتبر توثيقاً لمشاهداته في تلك الفترة.
وقد تُوفِّيَ ابن بطوطة في العام 770هـ/1369م، وكان قد فرغ من كتابة مذكرات رحلاته في العام 1356م، وقد كلّف السلطان أبو عنان كاتبه ابن جزي لتدوين يوميات رحلات ابن بطوطة وما تحمِل من صورٍ فريدة ومشرقة للمجتمع الإسلامي في الربع الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي.
ويعتبر كتاب (تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) من أهمّ كتب الرحلات قاطبة لما تحتويه من توثيق ووصف بليغ.
وُلِد ابن بطوطة في مدينة طنجة 24 شباط 1304م الموافق 14 رجب 703هـ، وكان فقيهاً عالماً من أُسْرةٍ كان جلّ اهتمامها دراسة العلوم الشرعية والتفقّه فيها، وعمل قاضياً على الحُجّاج في مواسم الحج، كما وليَ قضاء جزر المالديف، وخدَم ملك دلهي ثمان سنوات. بدأ رحلته إلى المشرق في شهر رجب 735هـ/1325م وقد زار مدينة القدس مرتيْن لمكانتها الرفيعة عند المسلمين، ولمعالمها الجميلة والآثار الإسلامية الغالية فيها، وقد أسهب في وصف مشاهداته في القدس، وبخاصةٍ المسجد الأقصى وما يحويه من المسجد القبليّ وقبة الصخرة، وكذلك أكناف بيت المقدس.
أقتطف هنا بعضاً من مشاهداته ووصفه للمسجد القبليّ وقبة الصخرة المشرفة.
يقول في وصف المسجد القبليّ:
(هو من المساجد العجيبة الرائقة الفائقة الحسن، يُقال: إنّه ليس على وجه الأرض مسجدٌ أكبر منه، وأنّ طوله من شرقٍ إلى غربٍ سبعمائة واثنتان وخمسون ذراعاً "بالذراع المالكية"، وعرضه من القبلة إلى الجوف أربعمائة ذراع وخمس وثلاثون ذراعاً، وله أبواب كثيرة في جهاته الثلاث، وأمّا الجهة القبلية منه فلا أعلم بها إلا باباً واحداً، وهو الذي يدخل منه الإمام، والمسجد كلّه فضاءٌ وغير مسقّف إلا المسجد الأقصى فهو مسقّف في النهاية من إحكام الفعل وإتقان الصنعة، مموّهٌ بالذهب والأصبغة الرائقة، وفي المسجد مواضع سواه مسقفة).
وقال في وصف قبة الصخرة:
(هي من أعجب المباني وأتقنها وأغربها شكلاً، قد توفّر حظّها من المحاسن، وأخذت من كلّ بديعةٍ بطرف وهي قائمة على نشر في وسط المسجد، يصعد إليها في درج رخام، ولها أربعة أبواب، والجائر فيها مفروض بالرخام أيضاً، محكم الصنعة وكذلك داخلها، وفي ظاهرها وباطنها من أنواع الذواقة ورائق الصنعة ما يعجز الواصف، وأكثر ذلك مغشّى بالذهب فهي تتلألأ أنواراً أو تلمع لمعان البرق يحار بصر متأمّلها في محاسنها، ويقصر لسان رائيها عن تمثيلها، وفي وسط القبة الصخرية الكريمة التي جاء ذكرها في الآثار، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم عرج منها إلى السماء، وهي صخرة صماء ارتفاعها قدر قامة، وتحتها مغارة مقدار بيت صغير، ارتفاعها نحو قامة أيضاً، ينزل إليها على درج وهنالك شكل محراب، وعلى الصخرة شبّاكان اثنان محكما العمل يغلقان عليها، أحدهما وهو الذي يلي الصخرة من حديد بديع الصنعة، والثاني من خشب، وفي القبة درقة كبيرة من حديد معلقة هنالك، والناس يزعمون أنّها درقة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه).
رحم الله ابن بطوطة الرحّالة العربي المسلم الذي كان صادقاً وموثّقاً وأميناً في التصوير والنقل، وعبّر بذلك عن رفعة الإسلام على مرّ العصور.
المصدر: عدنان كنفاني- خاص بموقع مدينة القدس.
لقد كان ابن بطوطة من أهمّ وأشهر الرحّالة على الإطلاق في عصره، لم يكنْ جغرافياً لكنّه استطاع أنْ يصوّر الأماكن والمناطق التي زارها وصفاً دقيقاً، وقد يكفي أنْ نقول إنّ المسافة التي قطعها في رحلاته، ولنا أنْ نتصوّر صعوبة التنقّل في ذلك الوقت لمسافةٍ تقدّر بـ120 ألف كم، وكان حريصاً على أنْ لا يتردّد على طريقٍ أكثر من مرة، وقد شملت رحلاته الكثيرة مناطق شتى، شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، ومن البلاد التي زارها على سبيل التقدير لا الحصر مصر وشمال وشرق أفريقيا، فبلاد الشام، وزار حوض الفولجا الأدنى وبلاد القرم، والقسطنطينية، وخوارزم وتركستان والهند والصين وأفغانستان وبخارى وبلاد الأندلس، ومن القاهرة سافر شمالاً عبر صحراء سيناء ونزل في غزّة هاشم، ومنها سافر إلى الخليل فالقدس. وغيرها من البلاد التي دوّن عنها ما يعتبر توثيقاً لمشاهداته في تلك الفترة.
وقد تُوفِّيَ ابن بطوطة في العام 770هـ/1369م، وكان قد فرغ من كتابة مذكرات رحلاته في العام 1356م، وقد كلّف السلطان أبو عنان كاتبه ابن جزي لتدوين يوميات رحلات ابن بطوطة وما تحمِل من صورٍ فريدة ومشرقة للمجتمع الإسلامي في الربع الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي.
ويعتبر كتاب (تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) من أهمّ كتب الرحلات قاطبة لما تحتويه من توثيق ووصف بليغ.
وُلِد ابن بطوطة في مدينة طنجة 24 شباط 1304م الموافق 14 رجب 703هـ، وكان فقيهاً عالماً من أُسْرةٍ كان جلّ اهتمامها دراسة العلوم الشرعية والتفقّه فيها، وعمل قاضياً على الحُجّاج في مواسم الحج، كما وليَ قضاء جزر المالديف، وخدَم ملك دلهي ثمان سنوات. بدأ رحلته إلى المشرق في شهر رجب 735هـ/1325م وقد زار مدينة القدس مرتيْن لمكانتها الرفيعة عند المسلمين، ولمعالمها الجميلة والآثار الإسلامية الغالية فيها، وقد أسهب في وصف مشاهداته في القدس، وبخاصةٍ المسجد الأقصى وما يحويه من المسجد القبليّ وقبة الصخرة، وكذلك أكناف بيت المقدس.
أقتطف هنا بعضاً من مشاهداته ووصفه للمسجد القبليّ وقبة الصخرة المشرفة.
يقول في وصف المسجد القبليّ:
(هو من المساجد العجيبة الرائقة الفائقة الحسن، يُقال: إنّه ليس على وجه الأرض مسجدٌ أكبر منه، وأنّ طوله من شرقٍ إلى غربٍ سبعمائة واثنتان وخمسون ذراعاً "بالذراع المالكية"، وعرضه من القبلة إلى الجوف أربعمائة ذراع وخمس وثلاثون ذراعاً، وله أبواب كثيرة في جهاته الثلاث، وأمّا الجهة القبلية منه فلا أعلم بها إلا باباً واحداً، وهو الذي يدخل منه الإمام، والمسجد كلّه فضاءٌ وغير مسقّف إلا المسجد الأقصى فهو مسقّف في النهاية من إحكام الفعل وإتقان الصنعة، مموّهٌ بالذهب والأصبغة الرائقة، وفي المسجد مواضع سواه مسقفة).
وقال في وصف قبة الصخرة:
(هي من أعجب المباني وأتقنها وأغربها شكلاً، قد توفّر حظّها من المحاسن، وأخذت من كلّ بديعةٍ بطرف وهي قائمة على نشر في وسط المسجد، يصعد إليها في درج رخام، ولها أربعة أبواب، والجائر فيها مفروض بالرخام أيضاً، محكم الصنعة وكذلك داخلها، وفي ظاهرها وباطنها من أنواع الذواقة ورائق الصنعة ما يعجز الواصف، وأكثر ذلك مغشّى بالذهب فهي تتلألأ أنواراً أو تلمع لمعان البرق يحار بصر متأمّلها في محاسنها، ويقصر لسان رائيها عن تمثيلها، وفي وسط القبة الصخرية الكريمة التي جاء ذكرها في الآثار، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم عرج منها إلى السماء، وهي صخرة صماء ارتفاعها قدر قامة، وتحتها مغارة مقدار بيت صغير، ارتفاعها نحو قامة أيضاً، ينزل إليها على درج وهنالك شكل محراب، وعلى الصخرة شبّاكان اثنان محكما العمل يغلقان عليها، أحدهما وهو الذي يلي الصخرة من حديد بديع الصنعة، والثاني من خشب، وفي القبة درقة كبيرة من حديد معلقة هنالك، والناس يزعمون أنّها درقة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه).
رحم الله ابن بطوطة الرحّالة العربي المسلم الذي كان صادقاً وموثّقاً وأميناً في التصوير والنقل، وعبّر بذلك عن رفعة الإسلام على مرّ العصور.
المصدر: عدنان كنفاني- خاص بموقع مدينة القدس.