الأبعاد الإستراتيجية لنهب المياه الفلسطينية
قطرة المياه ، ذات الأبعاد الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وفي فلسطين تحديدا ، تشكل أهمية بالغة ، لدرجة أن الكيان الصهيوني أدرجها ضمن قضايا الحل النهائي خلال مفاوضاته مع السلطة الفلسطينية ، لكن ممارسات الاحتلال على الأرض توضح نية مبيتة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم من خلال تجفيف منابع المياه للأماكن التي يقطنون فيها .
فبالنسبة للكيان الصهيوني فإن مسألة المياه تدخل في صميم الأمن القومي، بل هي مسألة وجود بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلم ينصرف أصحاب القرار والمخططون الصهاينة يوماً عن البحث في وضع المخططات ورسم السياسات بهدف السيطرة على أكبر حجم ممكن من المياه العربية سواء في فلسطين أو في الدول العربية، وتبعاً لذلك فإن المياه هي التي حددت جغرافية الكيان وتوسعاته منذ عام 1948 مروراً بعدوان الخامس من يونيو/حزيران في عام 1967 وصولاً إلى اللحظة السياسية الراهنة، الأمر الذي يفسر مسار الجدار العازل منذ البدء في إنشائه في صيف عام 2002، حيث يلتهم أكثر من 50% من أراضي الضفة الفلسطينية البالغة مساحتها الكلية خمسة آلاف وثمانمائة كيلومتر مربع.
فالمستوطنون الصهاينة يستولون على عدد متزايد من ينابيع المياه الفلسطينية في الضفة الغربية ويلجؤون إلى منع أو تحديد وصول الفلسطينيين إلى منافذ المياه في الأراضي الفلسطينية الأمر الذي أكده تقرير للأمم المتحدة (1) ذكر أنه يوجد حاليا 65 نبعا في الضفة الغربية بالقرب من المستوطنات الصهيونية، عدد منها تم الاستيلاء عليها بالكامل ومنع الفلسطينيين من دخولها بينما تظل الينابيع الباقية عرضة لخطر استيلاء المستوطنين عليها نتيجة ما يقومون به من جولات منتظمة وأعمال دورية.
التقرير أكد أيضا أنه في غالبية الأحيان يتم منع الفلسطينيين من الوصول إلى مناطق الينابيع التي تم الاستيلاء عليها من خلال أعمال الترويع والتهديد من قبل المستوطنين الصهاينة حيث يبدأ المستوطنون بتحويل مناطق الينابيع إلى مناطق سياحية من خلال بناء البرك ومناطق التنزه ووضع طاولات وحتى تغيير الأسماء ووضع لافتات لأسماء الينابيع بالعبرية, ولعل هذا ما أكده ما جاء الناشط الإسرائيلي في مجال حقوق الإنسان درور أيتكيس في تصريح له لوكالة روتيرز حين قال :" غير المستوطنون مؤخرا اسم عين (السجمة) الواقعة في قرية نحالين ببيت لحم إلى عين (إسحق), وهذا يعد تصرفا نمطيا يحدث لكل عيون الماء التي تتعرض للاستيلاء, حيث يغلق المدخل أمام الفلسطينيين ثم يغير الاسم إلى اسم عبري ( 2 ) ".
وهذا ديدنهم ففي مقال خاص لمركز بيت المقدس للدكتور محمود المشهدي معقبا على تحريف اليهود للكلمات والمعاني قال : لقد أخبرنا القرآن الكريم أن اليهود "يحرفون الكلم عن مواضعه" و"يحرفون الكلم عن بعد مواضعه" فالأولى في حق اليهود الأوائل والثانية فيمن كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أي حرفوها بعد أن وضعها الله مواضعها وعرفوها وعملوا بها زماناً .
فهذه الصفة ثابتة وملازمة لهم لا تنفك عنهم ، فهم بالأمس يأمرهم أن يقولوا (راعنا) بمعنى المراعاة والانتظار إلا أنهم لووا ألسنتهم واستخدموا هذه الالكلمة بمثابة استهزاء وسخرية وإتهام لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعونة وحاشاه ذلك، مما جعل القرآن بنهى المسلمين عن هذه اللفظة المحتملة لأكثر من معنى واستخدام غيرها في قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظروا واسمعوا....." وكذلك أمرهم الله تعالى أن يدخلوا بيت المقدس بخضوع وتواضع منحنين سجداً ويدعون الله تعالى بأن يحط عنهم خطاياهم . إلا أنهم دخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا حنطة في شعيرة . قال تعالى "وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً واخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون" وهم اليوم يتعاملون معنا من خلال هذه الصفة فيغيرون ويبدلون ويتلاعبون بالألفاظ حسبما يرون لهم ويتمشى مع طبائعهم الشريرة ( مقال للمشهدي – مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية( 3)
ولعل هذا الأمر تؤكده إحصائيات رسمية (4) بإشارتها إلى شح المياه في المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية بمجملها, بل إن المستوطن الصهيوني بات يستهلك ستة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني صاحب الحق بالمصادر الطبيعية الذي تشكل له الينابيع أكبر مصدر مائي للري ومصدرا مهما للاستهلاك المنزلي الأمر الذي اضطر الكثير من المزارعين إلى ترك زراعة الأرض والبحث عن مصدر رزق آخر.
كما أن حصة بعض الفلسطينيين في بعض مناطق الضفة الغربية أقل بكثير مما وضعته منظمة الصحة العالمية التي تعطي الفرد مائة لتر في اليوم على أقل تقدير، لكن حال بعض اللاجئين في مناطق ج بالضفة الغربية تنطبق على نفس أحوال اللاجئين في مخيمات اللجوء في الكونغو والسودان فيما يتعلق بأوضاع المياه بالنسبة للأفراد (5) .
وعلى الرغم من ندرة المياه في فلسطين بشكل عام مقارنة بالنمو السكاني المرتفع فإن أزمة المياه بين الفلسطينيين أخذت منحى خطيرا بعد عام 1967، واتسعت الأزمة المائية لتشمل عدداً من الدول العربية، خاصة بعد سيطرة الكيان على مياه نهر الأردن والحاصباني وغيره، وفي سوريا بانياس وجبل الشيخ، كما سيطر على جميع الأحواض المائية في فلسطين.
فقد استطاع الكيان الصهيوني عبر مخططات وسياسات دؤوبة من السيطرة على 81% من حجم مصادر المياه الفلسطينية خلال الفترة (1967-2009)، حيث تشير الدراسات (6) إلى أن حجم الموارد المائية المتاحة للفلسطينيين في المنطقتين نحو (750) مليون متر مكعب سنوياً.
وعلى الرغم من وجود اتفاقية تقضي بتحويل الكيان لثمانين مليون متر مكعب من المياه في السنة للفلسطينيين، إلا أن الاحتلال تنصل منها.
وفي حين يحتاج فلسطينيو الضفة إلى 150 مليون متر مكعب سنويا من المياه، فلا يتوفر لهم سوى 50% منها (7), ومع الارتفاع المستمر لمجموع سكان الضفة والقطاع الذي وصل إلى أكثر من أربعة ملايين فلسطيني ، سيزداد الطلب على المياه، لاسيما أن الأوضاع التي خلفتها سياسات الاحتلال الصهيوني أدت إلى حدوث مشكلة صحية بسبب تلوث مصادر المياه نتيجة للسحب الزائد للمياه الذي يؤدي إلى دخول المياه العادمة إلى المياه المستعملة.
وتقع 4 ينابيع من الضفة الغربية التي تمثل ما نسبته 6% من إجمالي الينابيع في المنطقة (ب) وهي المنطقة التي تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية وتحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية بالقرب من حدود منطقة (ج) بينما تقع بقية الينابيع في المنطقة( ج) التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية وهي خاضعة رسميا للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية وذلك حسب سلطة المياه الفلسطينية.
إن السيطرة الإسرائيلية على مصادر المياه في أدت إلى جفاف جزء من الآبار الفلسطينية وتقليص كميات المياه التي يمكن استخراجها من أبار وينابيع أخرى في المنطقة, كما أن مجموع كميات المياه التي استخرجها الفلسطينيون في العام 2008 يصل إلى 31 مليون متر مكعب فقط، وهي كمية تقل بـ44% من الكمية التي استخرجها الفلسطينيون في المنطقة قبل "اتفاقية أوسلو" في العام 1995 (8) .
وتوزع التأثير السلبي لسرقة الاحتلال واستيلائه المستمر على مصادر المياه الفلسطينية على شتى مناحي الحياة اليومية للفلسطينيين, وتعدت تداعياته إلى ما هو أبعد من ذلك, ولعل النقاط (9) التي حاولنا إجمالها قد تمثل غيضا من فيض ذلك التأثير, وهي كالتالي:
تآكل سبل معيشة المزارعين المعتمدة على الزراعة, كون الينابيع هي المصدر الوحيد الأكبر للري، ومصدرا هاما لسقي الماشية, وقد أدى فقدان الوصول إلى الينابيع والأرض القريبة منها، إلى تقليص دخل المزارعين المتأثرين بهذا الأمر، إذ أصبح لزاماً عليهم إما التوقف عن زراعة الأرض، أو مجابهة الانخفاض في إنتاجية محاصيلهم.
وبالقدر نفسه، وإن يكن بدرجة أقل، فإن الينابيع تعد مصدر مياه للاستهلاك المنزلي أيضاً, سيما وأن البيوت غير متصلة بشبكات المياه، أو تصلها المياه بطريقة غير منتظمة.
زعزعة سيطرة الفلسطينيين على المنطقة (ج) في الضفة الغربية، حيث يحتفظ الكيان لنفسه هناك بسيطرة شاملة، وهذا بسبب التفاعل المكاني بين الينابيع المُستولى عليها، وبنى تحتية أخرى للمستوطنات في المنطقة كالبؤر الاستيطانية والمناطق الصناعية,كما أن وجود المستوطنين المسلحين في نقاط عدة يرهب المواطنين، ويؤدي عملياً إلى تحويل المكان الواقع بين تلك النقاط إلى مكان غير متاح للفلسطينيين.
لعب وضع اليد على الينابيع وتطويرها كمناطق جذب للسائحين دوراً هاماً في تعزيز سيطرة المستوطنين على المكان، على نحو يتجاوز بكثير الأماكن التي تم الاستيلاء عليها, وهذا ناجم عن الموقع الاستراتيجي للعديد من الينابيع نسبة إلى أماكن أخرى طوّرها المستوطنون في المنطقة نفسها.
إلا أن ذلك كله لم يمنع الكيان الصهيوني من أن يتهم تقرير الأمم المتحدة وغيره من التقارير الصادرة بهذا الشأن بأنها مشوهة ومنحازة وتحوي الكثير من الأخطاء, هذا الأسلوب الذي لم يعد غريبا على قوم تعودوا على الكذب والافتراء وسرقة حقوق الناس دون وجه حق يؤكد لنا حقيقة هذا الكيان المسخ الذي مافتئ يحارب كل ما هو مسلم وعربي بكل ما أوتي من قوة كيف لا وهم يعتبرون أن حدود دولتهم الكبرى من النيل إلى الفرات ما يوضح لنا بشكل قاطع أن أطماعهم المائية والجغرافية تتجاوز حدود فلسطين .
ولكن الأهم هنا هو أن الكيان الصهيوني سيستمر في مخططاته من أجل السيطرة على مزيد من مياه المنطقة العربية، حيث تشير الدراسات إلى أن إسرائيل تستهلك حالياً أكثر من 90% من المياه المتجددة سنوياً لأغراض الاستهلاك المختلفة المنزلية والزراعية والصناعية .
وفي ضوء احتمال اجتذاب أعداد محتملة من المهاجرين اليهود في السنوات القادمة وزيادة الطلب على المياه، من المحتمل أن ترتفع نسبة العجز المائي عندهم لتصل إلى مليار متر مكعب سنوياً، وبالتالي سيبحث الكيان عن خيارات للسيطرة على مصادر مائية عربية لتلبية حاجاته المائية (10) .
مما تقدم يتضح أن سياسات الكيان المائية إزاء الفلسطينيين في الضفة والقطاع والانفجار السكاني الرهيب مع قلة الخدمات ، جعلت شبح العطش والجوع يلوح بالأفق بين الفلسطينيين، في وقت أدارت فيه إسرائيل ظهرها لكافة القرارات والاتفاقيات الدولية وفي المقدمة منها اتفاقية جنيف لعام 1949, وهو ما يطرح تساؤلات ملحة حول الدور الحقيقي الذي يقع على عاتق الأمم المتحدة التي تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان, وحول طبيعة هذا الدور في ظل ازدواجية المعايير الواضحة التي تنتهجها هذه المنظمة, خاصة عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني لتذهب تلك الشعارات الرنانة أدراج الرياح.
وفي الوقت الذي غابت فيه أية خطة مواجهة حقيقية فلسطينية وعربية للحد من سرقة إسرائيل لمزيد من المياه العربية، تكثف اللجان الإسرائيلية المسئولة عن المياه نشاطها لمعركتها القادمة مع الفلسطينيين، حيث يندرج النشاط المذكور ضمن سياسة إستراتيجية لا تنفصل عن السياسة الاستيطانية الهادفة إلى بسط السيطرة على أكبر مساحة من الأرض وعلى كافة مصادر المياه وأقل عدد من السكان الفلسطينيين (11) .
ولكن يبقى السؤال الأهم ما هو الدور المنوط بالعرب والمسلمين تجاه هذه الهجمة من أجل إيقاف عملية النهب الجائرة لهذا المورد الطبيعي بكافة الوسائل والأساليب، لأنّ ذلك النهب يهدد أجيالنا ووجودنا.
-----------------------------------
المصادر
(1) تقرير مكتب تنسيق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الي الفلسطينية (اوتشا) لعام 2011 .
(2) وكالة روترز للأنباء بتاريخ .
(3) مقال للشيخ محمود المشهدي سرقة الحقوق والأسماء نهج يهودي خاص بمركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية .
(4) الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني, مسح البيئة, عام 2009 .
(5) تقرير البنك الدولي حول الشرق الأوسط بالانجليزية وتم ترجمة الفقرات من قبل مركز بيت المقدس . أبريل, 2009 .
(6) دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب, عام 2009 .
(7) إحصائيات سلطة المياه الفلسطينية. عام 2011 .
(8) منظمة بتسليم الإسرائيلية, تقرير شامل, أيار 2011 .
(9) تقرير (أوتشا) –مصدر سابق- .
(10) منظمة بتسليم -مصدر سابق- .
(11) نبيل السهلي, مقال, الجزيرة نت , يناير 2010 .
قطرة المياه ، ذات الأبعاد الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وفي فلسطين تحديدا ، تشكل أهمية بالغة ، لدرجة أن الكيان الصهيوني أدرجها ضمن قضايا الحل النهائي خلال مفاوضاته مع السلطة الفلسطينية ، لكن ممارسات الاحتلال على الأرض توضح نية مبيتة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم من خلال تجفيف منابع المياه للأماكن التي يقطنون فيها .
فبالنسبة للكيان الصهيوني فإن مسألة المياه تدخل في صميم الأمن القومي، بل هي مسألة وجود بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلم ينصرف أصحاب القرار والمخططون الصهاينة يوماً عن البحث في وضع المخططات ورسم السياسات بهدف السيطرة على أكبر حجم ممكن من المياه العربية سواء في فلسطين أو في الدول العربية، وتبعاً لذلك فإن المياه هي التي حددت جغرافية الكيان وتوسعاته منذ عام 1948 مروراً بعدوان الخامس من يونيو/حزيران في عام 1967 وصولاً إلى اللحظة السياسية الراهنة، الأمر الذي يفسر مسار الجدار العازل منذ البدء في إنشائه في صيف عام 2002، حيث يلتهم أكثر من 50% من أراضي الضفة الفلسطينية البالغة مساحتها الكلية خمسة آلاف وثمانمائة كيلومتر مربع.
فالمستوطنون الصهاينة يستولون على عدد متزايد من ينابيع المياه الفلسطينية في الضفة الغربية ويلجؤون إلى منع أو تحديد وصول الفلسطينيين إلى منافذ المياه في الأراضي الفلسطينية الأمر الذي أكده تقرير للأمم المتحدة (1) ذكر أنه يوجد حاليا 65 نبعا في الضفة الغربية بالقرب من المستوطنات الصهيونية، عدد منها تم الاستيلاء عليها بالكامل ومنع الفلسطينيين من دخولها بينما تظل الينابيع الباقية عرضة لخطر استيلاء المستوطنين عليها نتيجة ما يقومون به من جولات منتظمة وأعمال دورية.
التقرير أكد أيضا أنه في غالبية الأحيان يتم منع الفلسطينيين من الوصول إلى مناطق الينابيع التي تم الاستيلاء عليها من خلال أعمال الترويع والتهديد من قبل المستوطنين الصهاينة حيث يبدأ المستوطنون بتحويل مناطق الينابيع إلى مناطق سياحية من خلال بناء البرك ومناطق التنزه ووضع طاولات وحتى تغيير الأسماء ووضع لافتات لأسماء الينابيع بالعبرية, ولعل هذا ما أكده ما جاء الناشط الإسرائيلي في مجال حقوق الإنسان درور أيتكيس في تصريح له لوكالة روتيرز حين قال :" غير المستوطنون مؤخرا اسم عين (السجمة) الواقعة في قرية نحالين ببيت لحم إلى عين (إسحق), وهذا يعد تصرفا نمطيا يحدث لكل عيون الماء التي تتعرض للاستيلاء, حيث يغلق المدخل أمام الفلسطينيين ثم يغير الاسم إلى اسم عبري ( 2 ) ".
وهذا ديدنهم ففي مقال خاص لمركز بيت المقدس للدكتور محمود المشهدي معقبا على تحريف اليهود للكلمات والمعاني قال : لقد أخبرنا القرآن الكريم أن اليهود "يحرفون الكلم عن مواضعه" و"يحرفون الكلم عن بعد مواضعه" فالأولى في حق اليهود الأوائل والثانية فيمن كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أي حرفوها بعد أن وضعها الله مواضعها وعرفوها وعملوا بها زماناً .
فهذه الصفة ثابتة وملازمة لهم لا تنفك عنهم ، فهم بالأمس يأمرهم أن يقولوا (راعنا) بمعنى المراعاة والانتظار إلا أنهم لووا ألسنتهم واستخدموا هذه الالكلمة بمثابة استهزاء وسخرية وإتهام لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعونة وحاشاه ذلك، مما جعل القرآن بنهى المسلمين عن هذه اللفظة المحتملة لأكثر من معنى واستخدام غيرها في قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظروا واسمعوا....." وكذلك أمرهم الله تعالى أن يدخلوا بيت المقدس بخضوع وتواضع منحنين سجداً ويدعون الله تعالى بأن يحط عنهم خطاياهم . إلا أنهم دخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا حنطة في شعيرة . قال تعالى "وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً واخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون" وهم اليوم يتعاملون معنا من خلال هذه الصفة فيغيرون ويبدلون ويتلاعبون بالألفاظ حسبما يرون لهم ويتمشى مع طبائعهم الشريرة ( مقال للمشهدي – مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية( 3)
ولعل هذا الأمر تؤكده إحصائيات رسمية (4) بإشارتها إلى شح المياه في المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية بمجملها, بل إن المستوطن الصهيوني بات يستهلك ستة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني صاحب الحق بالمصادر الطبيعية الذي تشكل له الينابيع أكبر مصدر مائي للري ومصدرا مهما للاستهلاك المنزلي الأمر الذي اضطر الكثير من المزارعين إلى ترك زراعة الأرض والبحث عن مصدر رزق آخر.
كما أن حصة بعض الفلسطينيين في بعض مناطق الضفة الغربية أقل بكثير مما وضعته منظمة الصحة العالمية التي تعطي الفرد مائة لتر في اليوم على أقل تقدير، لكن حال بعض اللاجئين في مناطق ج بالضفة الغربية تنطبق على نفس أحوال اللاجئين في مخيمات اللجوء في الكونغو والسودان فيما يتعلق بأوضاع المياه بالنسبة للأفراد (5) .
وعلى الرغم من ندرة المياه في فلسطين بشكل عام مقارنة بالنمو السكاني المرتفع فإن أزمة المياه بين الفلسطينيين أخذت منحى خطيرا بعد عام 1967، واتسعت الأزمة المائية لتشمل عدداً من الدول العربية، خاصة بعد سيطرة الكيان على مياه نهر الأردن والحاصباني وغيره، وفي سوريا بانياس وجبل الشيخ، كما سيطر على جميع الأحواض المائية في فلسطين.
فقد استطاع الكيان الصهيوني عبر مخططات وسياسات دؤوبة من السيطرة على 81% من حجم مصادر المياه الفلسطينية خلال الفترة (1967-2009)، حيث تشير الدراسات (6) إلى أن حجم الموارد المائية المتاحة للفلسطينيين في المنطقتين نحو (750) مليون متر مكعب سنوياً.
وعلى الرغم من وجود اتفاقية تقضي بتحويل الكيان لثمانين مليون متر مكعب من المياه في السنة للفلسطينيين، إلا أن الاحتلال تنصل منها.
وفي حين يحتاج فلسطينيو الضفة إلى 150 مليون متر مكعب سنويا من المياه، فلا يتوفر لهم سوى 50% منها (7), ومع الارتفاع المستمر لمجموع سكان الضفة والقطاع الذي وصل إلى أكثر من أربعة ملايين فلسطيني ، سيزداد الطلب على المياه، لاسيما أن الأوضاع التي خلفتها سياسات الاحتلال الصهيوني أدت إلى حدوث مشكلة صحية بسبب تلوث مصادر المياه نتيجة للسحب الزائد للمياه الذي يؤدي إلى دخول المياه العادمة إلى المياه المستعملة.
وتقع 4 ينابيع من الضفة الغربية التي تمثل ما نسبته 6% من إجمالي الينابيع في المنطقة (ب) وهي المنطقة التي تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية وتحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية بالقرب من حدود منطقة (ج) بينما تقع بقية الينابيع في المنطقة( ج) التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية وهي خاضعة رسميا للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية وذلك حسب سلطة المياه الفلسطينية.
إن السيطرة الإسرائيلية على مصادر المياه في أدت إلى جفاف جزء من الآبار الفلسطينية وتقليص كميات المياه التي يمكن استخراجها من أبار وينابيع أخرى في المنطقة, كما أن مجموع كميات المياه التي استخرجها الفلسطينيون في العام 2008 يصل إلى 31 مليون متر مكعب فقط، وهي كمية تقل بـ44% من الكمية التي استخرجها الفلسطينيون في المنطقة قبل "اتفاقية أوسلو" في العام 1995 (8) .
وتوزع التأثير السلبي لسرقة الاحتلال واستيلائه المستمر على مصادر المياه الفلسطينية على شتى مناحي الحياة اليومية للفلسطينيين, وتعدت تداعياته إلى ما هو أبعد من ذلك, ولعل النقاط (9) التي حاولنا إجمالها قد تمثل غيضا من فيض ذلك التأثير, وهي كالتالي:
تآكل سبل معيشة المزارعين المعتمدة على الزراعة, كون الينابيع هي المصدر الوحيد الأكبر للري، ومصدرا هاما لسقي الماشية, وقد أدى فقدان الوصول إلى الينابيع والأرض القريبة منها، إلى تقليص دخل المزارعين المتأثرين بهذا الأمر، إذ أصبح لزاماً عليهم إما التوقف عن زراعة الأرض، أو مجابهة الانخفاض في إنتاجية محاصيلهم.
وبالقدر نفسه، وإن يكن بدرجة أقل، فإن الينابيع تعد مصدر مياه للاستهلاك المنزلي أيضاً, سيما وأن البيوت غير متصلة بشبكات المياه، أو تصلها المياه بطريقة غير منتظمة.
زعزعة سيطرة الفلسطينيين على المنطقة (ج) في الضفة الغربية، حيث يحتفظ الكيان لنفسه هناك بسيطرة شاملة، وهذا بسبب التفاعل المكاني بين الينابيع المُستولى عليها، وبنى تحتية أخرى للمستوطنات في المنطقة كالبؤر الاستيطانية والمناطق الصناعية,كما أن وجود المستوطنين المسلحين في نقاط عدة يرهب المواطنين، ويؤدي عملياً إلى تحويل المكان الواقع بين تلك النقاط إلى مكان غير متاح للفلسطينيين.
لعب وضع اليد على الينابيع وتطويرها كمناطق جذب للسائحين دوراً هاماً في تعزيز سيطرة المستوطنين على المكان، على نحو يتجاوز بكثير الأماكن التي تم الاستيلاء عليها, وهذا ناجم عن الموقع الاستراتيجي للعديد من الينابيع نسبة إلى أماكن أخرى طوّرها المستوطنون في المنطقة نفسها.
إلا أن ذلك كله لم يمنع الكيان الصهيوني من أن يتهم تقرير الأمم المتحدة وغيره من التقارير الصادرة بهذا الشأن بأنها مشوهة ومنحازة وتحوي الكثير من الأخطاء, هذا الأسلوب الذي لم يعد غريبا على قوم تعودوا على الكذب والافتراء وسرقة حقوق الناس دون وجه حق يؤكد لنا حقيقة هذا الكيان المسخ الذي مافتئ يحارب كل ما هو مسلم وعربي بكل ما أوتي من قوة كيف لا وهم يعتبرون أن حدود دولتهم الكبرى من النيل إلى الفرات ما يوضح لنا بشكل قاطع أن أطماعهم المائية والجغرافية تتجاوز حدود فلسطين .
ولكن الأهم هنا هو أن الكيان الصهيوني سيستمر في مخططاته من أجل السيطرة على مزيد من مياه المنطقة العربية، حيث تشير الدراسات إلى أن إسرائيل تستهلك حالياً أكثر من 90% من المياه المتجددة سنوياً لأغراض الاستهلاك المختلفة المنزلية والزراعية والصناعية .
وفي ضوء احتمال اجتذاب أعداد محتملة من المهاجرين اليهود في السنوات القادمة وزيادة الطلب على المياه، من المحتمل أن ترتفع نسبة العجز المائي عندهم لتصل إلى مليار متر مكعب سنوياً، وبالتالي سيبحث الكيان عن خيارات للسيطرة على مصادر مائية عربية لتلبية حاجاته المائية (10) .
مما تقدم يتضح أن سياسات الكيان المائية إزاء الفلسطينيين في الضفة والقطاع والانفجار السكاني الرهيب مع قلة الخدمات ، جعلت شبح العطش والجوع يلوح بالأفق بين الفلسطينيين، في وقت أدارت فيه إسرائيل ظهرها لكافة القرارات والاتفاقيات الدولية وفي المقدمة منها اتفاقية جنيف لعام 1949, وهو ما يطرح تساؤلات ملحة حول الدور الحقيقي الذي يقع على عاتق الأمم المتحدة التي تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان, وحول طبيعة هذا الدور في ظل ازدواجية المعايير الواضحة التي تنتهجها هذه المنظمة, خاصة عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني لتذهب تلك الشعارات الرنانة أدراج الرياح.
وفي الوقت الذي غابت فيه أية خطة مواجهة حقيقية فلسطينية وعربية للحد من سرقة إسرائيل لمزيد من المياه العربية، تكثف اللجان الإسرائيلية المسئولة عن المياه نشاطها لمعركتها القادمة مع الفلسطينيين، حيث يندرج النشاط المذكور ضمن سياسة إستراتيجية لا تنفصل عن السياسة الاستيطانية الهادفة إلى بسط السيطرة على أكبر مساحة من الأرض وعلى كافة مصادر المياه وأقل عدد من السكان الفلسطينيين (11) .
ولكن يبقى السؤال الأهم ما هو الدور المنوط بالعرب والمسلمين تجاه هذه الهجمة من أجل إيقاف عملية النهب الجائرة لهذا المورد الطبيعي بكافة الوسائل والأساليب، لأنّ ذلك النهب يهدد أجيالنا ووجودنا.
-----------------------------------
المصادر
(1) تقرير مكتب تنسيق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الي الفلسطينية (اوتشا) لعام 2011 .
(2) وكالة روترز للأنباء بتاريخ .
(3) مقال للشيخ محمود المشهدي سرقة الحقوق والأسماء نهج يهودي خاص بمركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية .
(4) الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني, مسح البيئة, عام 2009 .
(5) تقرير البنك الدولي حول الشرق الأوسط بالانجليزية وتم ترجمة الفقرات من قبل مركز بيت المقدس . أبريل, 2009 .
(6) دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب, عام 2009 .
(7) إحصائيات سلطة المياه الفلسطينية. عام 2011 .
(8) منظمة بتسليم الإسرائيلية, تقرير شامل, أيار 2011 .
(9) تقرير (أوتشا) –مصدر سابق- .
(10) منظمة بتسليم -مصدر سابق- .
(11) نبيل السهلي, مقال, الجزيرة نت , يناير 2010 .