لمحة عامة عن تاريخ وجغرافية فلسطين.
مقدمة
تمتاز فلسطين بتاريخ غني وجغرافية متنوعة، وتقع في قلب العالم القديم، الذي كان مسرحا حيويا للحضارات على مرّ العصور. وهي مهد الديانات السماوية ومنبع حضارات التي أعطت البشرية الكثير.
وتنوع ساكنو هذه البلاد، وتركوا بصمات وشواهد ومعالم زال بعضها ماثلاً حتى الآن، وبقي الآخر راسخًا؛ ليمثل شاهدًا حيًا على حضارات سادت هذه البلاد، في شتى أنحاء فلسطين؛ في قراها وسهولها وجبالها وأغوارها وصحرائها وعلى شواطئها، وشملت هذه الشواهد التاريخية: المساجد، والكنائس، والأديرة، والمزارات، والقباب، والمحاريب، وأشجار الزيتون الرومية، وكروم العنب، وبيارات.
وتعدّ فلسطين واحدة من أهم مناطق الجذب السياحي في العالم؛ لأهميتها الدينية والتاريخية التي لا ينازعها فيها أي بلد آخر في العالم، ولتمتعها بتضاريس ومناخات متنوعة وشديدة التباين، وهذه الميزات أكسبت فلسطين عن حق لقب القارة.
وفلسطين جسر ضيق في أقصى غرب الهلال الخصيب يربط بين قارتي أفريقيا وآسيا؛ الأمر الذي زاد من عظم شأنها، وأثر على مجرى تاريخها يشكل كبير.
كانت فلسطين ومازالت بلداً له شأنه في معظم الأحداث المهمة في تاريخ العالم؛ لقد أثرت وتأثرت بالعديد من الحضارات الهامة في تاريخ البشرية، ابتداء بحضارة مصر الفرعونية، مروراً بالحضارات البابلية والآشورية واليونانية والفارسية والرومانية والبيزنطية………الخ، وانتهاء بالمسلمين والمسيحيين العرب، واليهود الإسرائيليين اليوم. حتى الإنجليز والفرنسيين و الروس والأمريكيين، كان ومازال لهم جميعاً تأثير على طابع فلسطين الحالي.
اسم "فلسطين" قديم جداً، ورد ذكره أول مرة في السجلات المصرية التي تعود إلى العصر البرونزي المتأخر في فترة حكم الفرعون المصري رعمسيس الثالث، حوالي سنة 1220-1200 قبل الميلاد، استخدم المصريون الاسم (بلست pelest)، كما هو مدون بالهيروغليفية على جدران معبد الكرنك (Medinet Habu Temple)، في إشارة لسكان ساحل فلسطين الجنوبي. ورد ذكر الاسم لاحقاً في العهد القديم وفي السجلات الآشورية في إشارة إلى سكان نفس المنطقة من يافا شمالاً إلى رفح جنوباً. وهكذا تعارف الناس على تسمية هذه المنطقة باسم "فيلستيا". لكن منذ عهد المؤرخ اليوناني هيرودتس، القرن الخامس قبل الميلاد، أصبحت كلمة فلسطين تشير إلى فلسطين التاريخية بزواياها الأربع، من نهر الأردن شرقاً، إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً ومن الساحل الفينيقي (لبنان اليوم) شمالاً، إلى البحر الأحمر وصحراء سيناء جنوباً.
فلسطين عبر التاريخ:
فلسطين في العصر الحجري: 1400-4500 قبل الميلاد
التنقيبات الأثرية التي جرت في فلسطين منذ نهايات القرن التاسع عشر، أظهرت مخلفات إنسانية يعود تاريخها إلى أقدم العصور؛ ففي وادي النطوف القريب من قرية شقبا غربي رام الله مثلاً، عثر المنقبون على مخلفات يعود بعضها للمرحلة الثانية من العصر الحجري القديم 70.000-35.000 ق.م، وأحدثها يعود إلى العصر الحجري الأوسط 14.000-8.000 ق.م. اكتشفت الحضارة النطوفية لأول مرة عام 1928م على يد المنقبة دوروثي غارود في الكهف المعروف ب"مغارة شقبا". وتمثل هذه الحضارة الخطوة الأولى للإنسان على طريق بناء أول مجتمعات زراعية في التاريخ.
زاول إنسان هذا العصر مهن الالتقاط والجمع وصيد الحيوانات البرية والأسماك في الوديان، كوادي النطوف ووادي خريطون جنوب شرق بيت لحم، والتي كانت مياههما غزيرة فيما مضى.
الفترة الواقعة بين عامي 10.000و8000 قبل الميلاد، تشكل مرحلة انتقالية بين العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث، أو بعبارة أخرى بين نمط التنقل والتجول من أجل الصيد والتقاط القوت؛ إلى نوع من حياة الاستقرار، حيث أصبح الإنسان منتجاً لقوته بنفسه وجد في أحد كهوف الكرمل العائدة لهذا العصر جمجمة كلب كبير يستدل منها أن الإنسان ابتدأ في نهاية العصر الحجري الوسيط في تدجين الحيوانات. والآثار التي عثر عليها في أريحا والعائدة لأواخر هذا العصر تدل على تدجين البقر والماعز والغنم والخنازير. باهتداء الناس إلى تدجين الحيوانات اضطروا للانتقال إلى نمط حياة جديد، وهو حياة البداوة والتنقل بقطعان ماشيتهم من مرعى إلى آخر، وهكذا أصبحوا رعاة بعد أن كانوا صيادين وجامعين لقوتهم.
عند بداية العصر الحجري الحديث (حوالي 8000 ق.م) دخل سكان فلسطين في مرحلة جديدة طوروا فيها مهاراتهم في الزراعة، وأصبحوا يتمتعون بنوع أعلى من الاستقرار، حتى أنهم بدؤوا يطورون بعض المعتقدات الدينية والمفاهيم الفنية. يبدو أن الناس في هذه الفترة كانوا يقدسون أسلافهم، حيث عثر على مجموعة من الجماجم المفصولة عن هياكلها العظمية في أريحا تعود إلى هذا العصر، كما أنهم عبدوا القمر لأنه أكثر نفعاً وتلطفاً من الشمس في بلاد حارة وجافة مثل فلسطين. عثر المنقبون في كهوف الكرمل على رسم لثور حفر بأدوات عظمية على قطعة من الحجر الطباشيري منحوتة على صورة رأس إنسان. تتمثل حضارة سكان فلسطين في هذا العصر بالأدوات الحجرية المصقولة وبالصحون الحجرية والهواوين والمداق والمناجل الصوانية المثبتة على قبضة خشبية، والتي يظن أنها كانت تستعمل لحصاد القمح. عثر المنقبون على الكثير من هذه الأدوات في مغارة شقبا وفي أريحا ومناطق أخرى. معظم الأدوات الصوانية في أريحا مصنوعة من مادة السبج (الأوبسديان) وهي مستوردة من بلاد الأناضول. ويستدل من هذه الأدوات على أن سكان فلسطين هم أول من زاول الزراعة في العالم.
عهد الناس في هذا العصر بالمهنة الجديدة إلى نسائهم وأولادهم، أما الرجال فقد ظلوا منصرفين إلى أعمال الصيد والرعي والغزو. زرع السكان القمح والشعير والدخن (وهو نوع من الذرة)، ثم زرعوا العنب والتين والزيتون وأنواعاً من الخضروات.
عثرت عالمة الآثار البريطانية المشهورة "كاثلين كنيون" التي نقبت في تل السلطان في أريحا بين عامي 1952-1958 على مدينة متكاملة تعود لهذا العصر، واكتشفت أبنية عمومية من الحجارة يبلغ ارتفاع بعضها عشرة أمتار، وسوراً خارجياً به برج مستدير، قطره 13 متراً، يصعد إليه بإحدى وعشرين درجة. يعتبر سور أريحا وبرجها أقدم بناء حجري عثر عليه حتى الآن في العالم، ويعود تاريخ بنائهما إلى سنة 7000 ق. م. وبذلك استحقت أريحا عن حق لقب أقدم مدينة في العالم والبلد الذي شهد ظهور أول نواة لحكومة مركزية في التاريخ.
ليس واضحاً حتى الآن إن كانت هذه الفترة قد انتهت في مدينة أريحا بسبب عوامل طبيعية كالزلازل أو على يد فاتحين جدد، لكن كينيون تذكر بأن هجرة سكانية ربما تكون قد حدثت بين هذا العصر والعصر اللاحق.
أما من الناحية الاقتصادية فيبدو أن الإنسان في هذه الفترة كان لا يزال يعتمد في حياته على الصيد إلى جانب النباتات التي دجنها وزرعها، مثل: الشعير، والقمح، والبازلاء، والعدس، والنباتات العلفية.
يقسم المؤرخون العصر الحجري الحديث إلى قسمين: قبل الفخاري(8000-6000ق.م)، والفخاري(6000-4500ق.م) كما تشير التسمية، يتميز الجزء المتأخر من هذا العصر، أكثر من أي شي آخر، باكتشاف الفخار، كان لهذا الاكتشاف أثر عظيم، ليس على إنسان العصور الحجرية فقط، بل وأيضاً على كل العصور التي تلته. لقد حرر الفخار إنسان العصور القديمة من عبوديتة للصخر الصعب التشكيل الذي حد من قدرته على الإبداع وتنويع أدوات عمله، واليوم يعتبر الفخار أفضل وسيلة لدى الأثريين المعاصرين لدراسة حضارات العالم القديم.
العصور النحاسية والبرونزية: 4500-1200 قبل الميلاد
في نهاية العصر الحجري، بدأ الفخار وحتى المعادن، وتحديداً النحاس، يحلان تدريجيا محل الحجارة لصنع معظم الأدوات اللازمة للإنسان، يختلف العاملون في الآثار الفلسطينية على تفسير الفترة النحاسية هذه وهي مرحلة انتقالية بين العصور الحجرية والعصور البرونزية، ولكنهم تعارفوا على تسميتها بالعصر الحجري النحاسي. البعض يعتبرها مرحلة متأخرة من العصر الحجري وآخرون يعتبرونها مرحلة مبكرة من العصر البرونزي. المدافن ذات المداخل الرأسية في أريحا وتل الفارعة، وخاصة الأواني والحلي والنحاسية والفخارية المكتشفة هناك، هي مصدر معلوماتنا الرئيسي عن نهاية العصر الحجري وبداية العصر البرونزي.
يعرف العصر البرونزي القديم في فلسطين 3200-2000 ق.م، بعصر دويلات المدن. بدأت اتصالات فلسطين التجارية بمصر وبلاد ما بين النهرين في هذه الفترة؛ فالمنتجات الفلسطينية مثل السيراميك وزيت الزيتون كانت تصدر على قوافل من الحمير إلى هذه البلاد. تمكنت العديد من دول المدن الكنعانية في هذا العصر، وبالرغم من الهيمنة الثقافية المصرية، من المحافظة على درجة عالية من الاستقلال الذاتي. وبنى العديد من ملوك مدن الدول الكنعانية أسواراً حول مدنهم وقاموا بإنشاء حكومات وجيوشاً مستقلة، وشيدوا قصورًا ومعابد، وأحكموا سيطرتهم على المناطق والقرى المحيطة بمدنهم. بعض هذه المدن مثل شكيم (نابلس) ومجدو وغزة وأسدود والخليل وغيرها، تطورت مع الأيام إلى قوى إقليمية هامة، حتى إن ما يسمى بملوك الأقطار الأجنبية "الهكسوس"، (وهم على الأغلب من سكان فلسطين في هذه الفترة)، بلغوا من القوة بحيث نجحوا في احتلال شمالي مصر، كما أدخلوا استعمال الخيول والعربات إليها. لكن وبعد انتصارات متتالية على الهكسوس، تمكن الفرعون المصري، مؤسس الأسرة المصرية الثامنة عشرة، تحتمس الثالث 1469-1436ق.م من طرد الهكسوس من مصر وملاحقتهم إلى فلسطين وتثبيت هيمنة بلاده عليها. استمرت الهيمنة الفرعونية على فلسطين حتى العصر الحديدي، وتميزت بسيطرة وحضور عسكري قوي بالإضافة إلى هيمنة ثقافية، حيث عمد الفراعنة إلى اصطحاب أمراء المدن الكنعانية الرئيسية معهم إلى مصر لتعليمهم هناك وبالتالي ضمان ولائهم.
سهلت حياة التمدن تطوير المهارات المتخصصة لدى هذه الفترة، حيث تم اكتشاف العجل لصناعة الفخار، وأضيف القصدير إلى النحاس لإنتاج البرونز، وهو معدن أكثر عملية وأقوى لصنع الأدوات للاستخدام البشري في الحقبة المتأخرة من هذا العصر، لم يعد استخدام معدن البرونز مقتصراً على صناعة أدوات الترف والزينة بل استخدم أيضاً في صناعة الأسلحة والأدوات المختلفة. عبد الكنعانيون من سكان مدن فلسطين في تلك الفترة العديد من الآلهة مثل: إيل وعشتار وشاماش….وغيرهم.
إن أفضل تمثيل لمخلفات هذا العصر موجود اليوم في تل بلاطة (شكيم) قرب نابلس، وتل الفارعة شمالاً (ترزا)، وتل التل (عاي) قرب دير دبوان وتل النصبة (ميتزبا) قرب رام الله.
العصر الحديدي: 1200-538 قبل الميلاد
شهدت فلسطين الكثير من التطورات الثقافية والسياسية ذات الشأن في هذه الفترة، فاكتشاف الحديد والفولاذ وابتكار الأبجدية كانت تطورات هامة جداً في تأثيرها ليس على فلسطين وحدها، بل على تاريخ البشرية عموماً، شهدت فلسطين خلال هذه الفترة صراعات عنيفة من أجل السيطرة عليها بين بعض القوى المحلية من جهة، وبينها وبين الدول والإمبراطوريات المختلفة في الشرق الأدنى القديم من جهة أخرى. استمرت ممالك الدول المحلية المختلفة بالتنازع فيما بينها حتى القرن الثامن قبل الميلاد، عندما اجتاحت الجيوش الآشورية منطقة الهلال الخصيب، وأخضعت معظم الدويلات الصغيرة في سوريا وفلسطين، بما في ذلك ممالك المدن الفلسطينية الساحلية: غزة وجات وأسدود وعكرون وعسقلان ومملكتي العبرانيين الأصغر حجما: يهودا والسامرة في الوسط وأيضا المملكة الآرامية الأكبر في دمشق كانت منطقة الساحل الفلسطيني أغنى وأكثر ازدهاراً من المناطق الجبلية الوسطى في تلك الفترة كما هو الحال دائماً. اشتهرت مدن الساحل بصناعة الصوف وتلوينه بصبغ أرجواني جميل يلبسه الحكام ويستخدم لأغراض التصدير أما مملكتا السامرة في منطقة نابلس ويهودا إلى الجنوب؛ فيبدو أن الأولى كانت أغنى وأكثر سكاناً من مملكة الجنوب التي كانت عاصمتها القدس، بلغ عدد سكان السامرة حوالي 40.000 نسمة، وقد طورت اقتصادياً زراعياً فعالا يقوم على إنتاج الزيت والخمور.
عندما بدأت آشور بالضعف كانت بابل تزداد قوة، وعند سنة 600 قبل الميلاد بدأت الجيوش البابلية بالتقدم غرباً مدمرة المدن المختلفة في فلسطين، بما في ذلك القدس التي دمرت عام 587 قبل الميلاد، وبعث نبوخذ نصر شعوب المنطقة إلى المنفى في بابل، وهكذا؛ حلت اللغة الآرامية (لغة شمال سوريا) محل الكنعانية في البلاد، وبقيت كذلك حتى بداية الفترة المسيحية كانت الآرامية تكتب بأبجدية كنعانية، ومنها تطورت اللغتان العربية والعبرية. يمكن التعرف على مخلفات هذه الفترة في بلدة سلوان بالقدس، وفي الجيب (جيبيون) قرب رام الله، وشيلو على الطريق المؤدي إلى نابلس، وأيضاً في سبسطية شمالي نابلس.
العصور الفارسية والهيلينستية، والرومانية والبيزنطية: 538ق.م - 636م
في بداية الفترة الفارسية (538-332ق.م) سمح سايروس ملك فارس لكل الشعوب التي تم نفيها في زمن البابليين والآشوريين بالعودة إلى بلادهم. استفاد اليهود كغيرهم من هذه السياسة الليبرالية وعادوا إلى فلسطين، وقد سمح لهم الفرس لاحقاً بتشييد معبد في القدس.
آثار هذه الفترة نادرة في البلاد؛ لأن فلسطين أصبحت مقاطعة صغيرة قليلة الشأن في إمبراطورية ضخمة تسيطر على كل منطقة الشرق الأوسط، كما أن فلسطين لم تكن مهمة كثيراً بالنسبة للفرس من الناحية الدينية، وبالتالي لم يعن هؤلاء بتشييد الكثير من الأبنية فيها، ومن ناحية أخرى فإن الكثير من مخلفات هذه الفترة والفترات التي سبقت عصر هيرودس العظيم (القرن الأول قبل الميلاد) دمرت على يديه لإفساح المجال أمام أعماله العمرانية الضخمة.
احتل الإسكندر الكبير فلسطين بعد أن هزم الفرس في 332ق.م وبعد موته في 323ق.م نال قائد بطولومي حكم مصر، وسلوقس نال سوريا، وهكذا أصبحت فلسطين مسرحاً للصراع بين السلالتين البطلمية والسلوقية.
احتفظ البطالمة بفلسطين حتى عام 200 قبل الميلاد عندما انتقلت إلى أيدي السلوقيين. ويمكن مشاهدة بقايا هذه الفترة اليوم في كل من سبسطية، وجبل جرزيم في نابلس، وبيتين قرب رام الله.
احتل القائد الروماني بومباي فلسطين سنة 63 ق.م واستمر حكم الرومان لها حتى الفتح الإسلامي. في البداية حكم الرومان فلسطين حكماً مباشراً، ولكن حين ظهر قائد محلي قوي هو هيرودوس الأدومي 37ق.م، منحه الرومان حكماً ذاتياً وأضافوا مناطق جديدة إلى مملكته. وكان عصر هيرودوس واحداً من أزهى العصور في تاريخ فلسطين؛ فقد قام هذا الملك العظيم بتنظيم البلاد وتشييد العديد من المدن والقلاع والمعابد في كل مكان، و لو أنه أرهق رعاياه بالضرائب الباهظة. افتقر أبناء هيرودوس لخصائص والدهم، لذلك قام الرومان مرة ثانية بمباشرة حكم فلسطين بأنفسهم في العام السادس بعد الميلاد، وحولوا السلطة السياسية إلى الحكام الرومان الذين اتخذوا قيسارية عاصمة لهم.
شهدت فلسطين ثورتين خلال هذه الفترة الأولى ثورة قادها الحزمونيون اليهود عام 66م، وعلى أثرها قام تيتوس وفسباسيان بتدمير العديد من المدن الفلسطينية بما فيها القدس، والثانية ثورة باركوخبا 132-135م، وعلى أثرها هدم الرومان مدينة القدس، وبنوا على أنقاضها مدينة جديدة أسموها إيليا كابيتولينا. بعد هذا تحولت فلسطين إلى مسرح للنزاع بين المسيحية والديانات الرومانية الوثنية القديمة. استمر هذا النزاع إلى أن اعترف الإمبراطور قسطنطين بالديانة المسيحية واعتمادها ديانة رسمية للإمبراطورية بعد مرسوم ميلان عام 314 بعد الميلاد. ويمكن التعرف على أهم بقايا هذه الحقبة التاريخية في كل من سبسطية قرب نابلس، والهيروديون قرب بيت لحم، والحرم الإبراهيمي في الخليل، وفي قمران وتلال أبو العريق قرب أريحا…….الخ.
انتقال الحكم من روما إلى بيزنطة عام 324 بعد الميلاد لم يكن بالتغيير الهام من الناحية الحضارية، لقد كان مجرد انتقال لمركز الثقل السياسي للإمبراطورية من روما إلى المدينة الجديدة "القسطنطينية" عاصمة الإمبراطورية البيزنطية. أما الحدث الذي كان له تأثير هام على فلسطين فهو قرار الإمبراطور الروماني قسطنطين إعطاء الشرعية للديانة المسيحية في العام 314 كما ذكرنا سابقاً، لقد كان لهذا القرار تأثير بعيد المدى على كل التطورات اللاحقة في تاريخ فلسطين والعالم، فقد ظهرت الكثير من الكنائس والأديرة في كل مكان، وبدأ الحجاج المسيحيون بالتدفق على البلد من كل أنحاء العالم المسيحي. ويمكن التعرف على بقايا هذه الفترة في كل من:
كنيسة المهد، ودير مار سابا، ودير ابن عبيد في منطقة بيت لحم، وكنيسة بيثاني في العيزرية، وكنيسة القيامة في القدس، وفي البيرة، وبيتين في منطقة رام الله .
العصر العربي الإسلامي: 636-1918م
مثلت معركة اليرموك في 20/8/636م إشارة النهاية لحكم البيزنطيين في فلسطين. فلم يمض عليها عامان حتى استولى المسلمون على القدس دونما قتال، وذلك في زمن خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب. كان انتشار الإسلام في فلسطين والمنطقة سلمياً وسريعاً، ولكن اللغة العربية حلت ببطء محل اللغتين اليونانية والآرامية، بعد هذا الفتح سيطرت الثقافة العربية الإسلامية على الشرق الأوسط بكامله على مدى أربعة عشر قرناً .
خضعت فلسطين لحكم السلالة العربية الأولى وهي الأموية التي أقامت في دمشق، وحكمت إمبراطورية ضخمة امتدت من جنوب فرنسا إلى حدود الصين، أولت هذه السلالة الكثير من الاهتمام لفلسطين وشيدت فيها الكثير من المساجد والقصور، والتي من أهمها المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وربما يكون السبب في ذلك بالإضافة إلى أهمية القدس الدينية بالنسبة للمسلمين، عدم سيطرة الأمويين آنذاك على الحرمين الشريفين في الجزيرة العربية. وبسبب ثورة ابن الزبير من عام 750-969 خضعت فلسطين لحكم العباسيين الذين لم يولوا فلسطين كثيراً من الاهتمام بسبب تمتعهم بالسيطرة التامة على مقاليد الأمور في الجزيرة العربية والأماكن المقدسة فيها، ولكن فلسطين في عهدهم شهدت سلاماً نسبياً طويلاً. ويمكن مشاهدة مخلفات هذه الفترة في مدن القدس وأريحا….وغيرهما.
تبدلت أيدي العديد من السلالات الإسلامية، العربية وغير العربية، على فلسطين بين عامي 975-1516م ومن هذه السلالات: الفاطميون: 975-1171، السلاجقة الأتراك: 1171/1186م، الأيوبيون: 1187/1250م، ومن ثم المماليك: 1250/1517م.
احتل الصليبيون فلسطين لفترة قصيرة من 1099/1187م، أي حتى مجيء صلاح الدين الأيوبي وتحرير القدس منهم بعد معركة حطين. ثم جاء المماليك الذين قضوا نهائياً على الوجود الصليبي، وكانت فترة حكمهم طويلة نسبياً، ولها تأثير واضح على فلسطين من النواحي السياسية والمعمارية، فقد بنوا فيها كثيراً من المدارس والمساجد والسبل والقلاع وحتى المدن، العديد من هذه الأبنية يمكن رؤيتها في الكثير من المدن الفلسطينية خاصة القدس وغزة والخلي...الخ.
في العام 1516م، أخضع السلطان العثماني سليم فلسطين التي كانت تحت حكم المماليك لحكمه، ولكن المماليك ظلوا هم الحكام الفعليين للبلاد، ولو أنهم صاروا يعينون من قبل السلاطين العثمانيين ابتداء من هذه الفترة، واستمر حكم الأتراك العثمانيين لفلسطين حتى عام 1917م هذه الحقبة المتأخرة من تاريخ فلسطين ممثلة في كل مكان من فلسطين وخصوصاً في القدس والخليل وغزة ونابلس وجنين وأريحا.
العصور الحديثة 1918 - حتى الوقت الحالي
احتلت قوات الحلفاء فلسطين في الحرب العالمية الأولى، أخضعت البلاد للانتداب البريطاني في العام 1923م وفي العام 1948م، وبعد هزيمة العرب على أيدي العصابات الصهيونية أعلن عن قيام دولة إسرائيل على 78% من أراضي فلسطين التاريخية. أما ما تبقى من البلاد، الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد خضع على التوالي للحكم الأردني والمصري، الذي استمر حتى شهر حزيران من العام 1967م عندما احتلت إسرائيل هذه المنطقة، وأيضاً هضبة الجولان السورية وصحراء سيناء المصرية. بقيت منطقتا الضفة الغربية وقطاع غزة خاضعتين لحكم عسكري إسرائيلي حتى توقيع اتفاقية أوسلو سنة 1993م، عندما تم تسليم مناطق صغيرة ومنعزلة بعضها عن بعض من الضفة الغربية، وحوالي 60% من قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية.
تقسيمات العصور التاريخية في فلسطين
العصر الحجري القديم (Paleolithic 400.000-14.000 ) أو 500.000-10.000 ق.م.
العصر الحجري القديم الأدنى 400.000-70.000 أو 500.000-100.000 ق.م.
العصر الحجري القديم الأوسط 70.000-35.000 أو 100.000-40.000 ق.م.
العصر الحجري القديم الأعلى 35.000-14.000 أو 40.000-10.000 ق.م.
العصر الحجري الوسيط (EpiPaleolithic 14.000-8.000 )أو 10.000-8.000 ق.م.
العصر الحديث (Neolithic 8.000-4.250 )أو 8.000-4.000 ق.م.
الأدنى قبل الفخاري 8.000-6.000 أو 8.000- 5.500 ق.م.
الأوسط الفخاري 6.000-4.750 أو 5.500- 4.000 ق.م.
الأعلى الفخاري 4.750-4.250 أو 5.500- 4.000 ق.م.
العصر الحجري النحاسي (calcolithic 4.250-3.300) و 4.000-3.150 ق.م.
العصر الحجري النحاسي القديم 4.250-3.750.
العصر الحجري النحاسي الحديث 3.750-3.300.
العصر البرونزي القديم (Early Bronze 3.300-1.950 )أو 3.150-2.200 ق.م.
الدور الأول 3.300-2.900 أو 3.150- 2.850 ق.م.
الدور الثاني 2.900-2.700 أو 2.850- 2.650 ق.م.
الدور الثالث 2.700-2.300 أو 2.650-2.350 ق.م.
الدور الرابع 2.300-1.950 أو 2.350-2.200ق.م.
العصر البرونزي المتوسط (Middle Bronze 1.950-1.550) أو 2.200-1.550 ق.م.
الدور الأول 1.950-1.750 أو 2.200-2.00 ق.م.
الدور الثاني أ 1.750-1.650 أو 2.000-1.750 ق.م.
الدور الثاني ب 1.650-1.550 أو 1.750-1.550 ق.م.
العصر البرونزي الحديث (Late Bronze 1.550-1.200)أو 1.550-1.200 ق.م.
الدور الأول أ 1.550-1.500أو 1.550-1.400ق.م.
الدور الأول ب 1.500-1.400 أو 1.550-1.400 ق.م.
الدور الثاني 1.400-1.200 ق.م.
العصر الحديدي الأول (IRON I 1200-918) أو 1200- 900 ق.م.
الأول أ: 1200-1150ق.م.
الأول ب: 1150-1000 ق.م.
الأول ج: 1000-918 ق.م
العصر الحديدي الثاني (IRON II 918-539)أو 900-550 ق.م.
الثاني أ : 918-712 ق.م.
الثاني ب: الآشوريون الجدد 712-605 ق.م.
الثاني ج: البابليون الجدد 605-539 ق.م.
العصر الحديدي الثالث (IRON III 539-332)أو 550- 530 ق.م.
الفترة الفارسية (PRESIAN) 539-332 ق.م.
الفترة الهيلينستية (Hellenistic 332-63)ق.م.
القديمة 332- 198 ق.م.
المتأخرة 198- 63 ق.م.
الفترة الرومانية (Roman 63)ق.م- 324م.
القديمة 63 ق.م- 135م.
المتأخرة 135م- 324م.
الفترة البيزنطية (Byzantine 324)م- 636م.
القديمة 324م- 491م.
المتأخرة 491م- 636م.
الفترة الإسلامية الأولى (Early Islamic 636)م- 1174م.
الخلافة الراشدة 630م-661م.
الأموية 661م-750م.
العباسية 750م-969م.
الفاطمية 969م- 1071م.
السلجوقية 1071م-1174م.
فترة الحروب الصليبية (Crusader 1099- 1291)م.
الأولى 1099م- 1291م.
المتأخرة 1187م- 1291م.
الفترة الإسلامية المتأخرة (Late Islamic 1174)م.-1918م.
الأيوبية 1174م- 1263م.
المملوكية القديمة 1263م-1401م.
المملوكية المتأخرة 1401م--1516م.
الفترة العثمانية 1516م-1917م.
الفترة الحديثة والمعاصرة 1918م- الوقت الحاضر
جغرافية فلسطين
تبلغ مساحة فلسطين الكلية 26323 كيلو متر مربعاً، وتبلغ مساحة المناطق الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) أكثر قليلاً من 6000 كم2، 5690كم2 في الضفة الغربية و 365كم2 في قطاع غزة. يبلغ طول الضفة الغربية حوالي 150 كم، وعرضها يتراوح بين 31-58كم، وهي في معظمها منطقة جبلية أما غزة فهي منطقة ساحلية شبه مستطيلة يبلغ طولها 45 كم، ويتراوح عرضها بين 6كم في الشمال و13 كم في أقصى الجنوب.
وبالرغم من محدودية مساحة أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن هاتين المنطقتين تتمتعان بدرجة عالية من التنوع البيئي والمناخي، وتعيش فيهما أنواع مختلفة من النباتات والحيوانات والطيور المحلية والمهاجرة، بعض النباتات والأشجار، مثل: الزيتون، والعنب، والبلوط، أصلية، والبعض الآخر مثل قصب السكر والقطن والبرتقال جلبته شعوب مختلفة حكمت فلسطين على مر العصور ويمكن تقسيم الضفة الغربية وغزة إلى عدد من الوحدات الجغرافية الصغيرة التي تختلف كل منها عن الأخرى على جميع الأصعدة، فالتفاوت في الارتفاع بينها كبير جداً وكذلك المناخ والغطاء النباتي.
سهل غزة الساحلي:
سهل غزة هو الجزء الجنوبي من السهل الساحلي الفلسطيني، أغنى مناطق فلسطين وأكثرها إنتاجية وكثافة سكانية على مر العصور، يتسع بشكل ملحوظ كلما اتجهنا جنوباً، ولذلك؛ فإن منطقة غزة كانت مأهولة دائماً، وهي اليوم مكتظة سكانياً بدرجة كبيرة، يتراوح ارتفاع سهل غزة بين 40و70 متراً عن سطح البحر، ويتصف الساحل هنا بكثبانه الرملية المتحركة التي أجبرت الطريق التجاري القديم على التوغل إلى الداخل، ولذلك فإن المدن الرئيسية في المنطقة بما فيها غزة لم تقم مباشرة على الشاطئ، ولكن نشأت على طول الطريق التجاري القديم على بعد بضعة كيلومترات نحو الشرق.
الضفة الغربية:
يحدها من الشرق نهر الأردن والبحر الميت، ومن الشمال سهل مرج ابن عامر، ومن الجنوب صحراء النقب، ومن الغرب يفصلها عن إسرائيل خط هدنة غير منتظم تم ترسيمه في معاهدات الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل عام 1949م، يعرف بالخط الأخضر يمكن تقسيم الضفة بشكل طولي إلى ثلاث مناطق جغرافية متميزة:
1. سلسلة الجبال الوسطى:
تمتد من أقصى الشمال إلى أقصى جنوبي الضفة وتشمل جبال نابلس والقدس والخليل، تستقبل هذه الجبال كمية لا بأس بها من الأمطار، تتراوح بين 500-900مليمتر في السنة، تسقط جميعها خلال أشهر الشتاء، من كانون الأول إلى آذار، وتزداد نسبتها بازدياد ارتفاع الجبال.
سلسلة الجبال هذه هي الأكبر في فلسطين، وتبلغ مساحتها الكلية حوالي 3500كم2، ويصل ارتفاع بعضها إلى أكثر من 1000م فوق سطح البحر، جبل العاصور قرب كفر مالك في منطقة رام الله الذي يبلغ ارتفاعه 1015م فوق سطح البحر، هو الأعلى في المناطق الفلسطينية.
2. المنحدرات الشرقية، برية القدس:
تبدأ هذه المنحدرات شرقي القدس على ارتفاع 800م فوق سطح البحر، ثم تنحدر بشدة شرقاً نحو البحر الميت، حيث تصل إلى أكثر من 200م تحت سطح البحر.
بعكس المرتفعات الوسطى، فإن الأمطار في هذه المنطقة نادرة، وهي لذلك؛ أراض شبه صحراوية جرداء، يطلق السكان المحليون على هذه المنطقة اسم برية القدس، ويستخدمونها كمراع لمواشيهم لعدم صلاحية أراضيها للزراعة، تبلغ مساحة المنطقة حوالي 1500كم2، وتشكل أكثر من ربع مساحة الضفة الغربية. لم تقم في هذه المنطقة في الماضي أية مدن أو قرى بسبب شح المياه فيها ولقسوة مناخها، واقتصر الاستيطان فيها على بعض المخيمات البدوية المؤقتة وبعض الأديرة التي أقيمت في الأودية، وقرب ينابيع المياه، أما اليوم فقد أقام فيها الاحتلال الإسرائيلي العديد من المستوطنات اليهودية التي وفر لها المياه من آبار ارتوازية عميقة يؤثر وجودها سلبا على تدفق المياه من الجبال إلى ينابيع منطقة الأغوار، كما تقوم هذه المستوطنات بمزاحمة البدو من قبيلتي الجهالين والكعابنة اللتين تسكنان هنا منذ العام 1948م.
ويسعى الإسرائيليون اليوم لإفراغ برية القدس من سكانها البدو بدعوى أنها منطقة عسكرية؛ للتخلص منهم وتوسيع المستوطنات الكثيرة في المنطقة، وخاصة مستوطنة معاليه أدوميم (الخان الأحمر)، التي تعد من أكبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
3. غور الأردن:
هو سهل خصيب تبلغ مساحته حوالي 400 كم2، ويتراوح مستواه بين 200 وأكثر من 400م تحت سطح البحر، يبدأ هذا السهل من سفوح برية القدس، ويمتد إلى الأردن والبحر الميت، وأهم مدنه أريحا، تعتبر منطقة الأغوار سلة خضار فلسطين، فأراضيها الزراعية خصبة للغاية عندما تتوفر لها المياه.
مقدمة
تمتاز فلسطين بتاريخ غني وجغرافية متنوعة، وتقع في قلب العالم القديم، الذي كان مسرحا حيويا للحضارات على مرّ العصور. وهي مهد الديانات السماوية ومنبع حضارات التي أعطت البشرية الكثير.
وتنوع ساكنو هذه البلاد، وتركوا بصمات وشواهد ومعالم زال بعضها ماثلاً حتى الآن، وبقي الآخر راسخًا؛ ليمثل شاهدًا حيًا على حضارات سادت هذه البلاد، في شتى أنحاء فلسطين؛ في قراها وسهولها وجبالها وأغوارها وصحرائها وعلى شواطئها، وشملت هذه الشواهد التاريخية: المساجد، والكنائس، والأديرة، والمزارات، والقباب، والمحاريب، وأشجار الزيتون الرومية، وكروم العنب، وبيارات.
وتعدّ فلسطين واحدة من أهم مناطق الجذب السياحي في العالم؛ لأهميتها الدينية والتاريخية التي لا ينازعها فيها أي بلد آخر في العالم، ولتمتعها بتضاريس ومناخات متنوعة وشديدة التباين، وهذه الميزات أكسبت فلسطين عن حق لقب القارة.
وفلسطين جسر ضيق في أقصى غرب الهلال الخصيب يربط بين قارتي أفريقيا وآسيا؛ الأمر الذي زاد من عظم شأنها، وأثر على مجرى تاريخها يشكل كبير.
كانت فلسطين ومازالت بلداً له شأنه في معظم الأحداث المهمة في تاريخ العالم؛ لقد أثرت وتأثرت بالعديد من الحضارات الهامة في تاريخ البشرية، ابتداء بحضارة مصر الفرعونية، مروراً بالحضارات البابلية والآشورية واليونانية والفارسية والرومانية والبيزنطية………الخ، وانتهاء بالمسلمين والمسيحيين العرب، واليهود الإسرائيليين اليوم. حتى الإنجليز والفرنسيين و الروس والأمريكيين، كان ومازال لهم جميعاً تأثير على طابع فلسطين الحالي.
اسم "فلسطين" قديم جداً، ورد ذكره أول مرة في السجلات المصرية التي تعود إلى العصر البرونزي المتأخر في فترة حكم الفرعون المصري رعمسيس الثالث، حوالي سنة 1220-1200 قبل الميلاد، استخدم المصريون الاسم (بلست pelest)، كما هو مدون بالهيروغليفية على جدران معبد الكرنك (Medinet Habu Temple)، في إشارة لسكان ساحل فلسطين الجنوبي. ورد ذكر الاسم لاحقاً في العهد القديم وفي السجلات الآشورية في إشارة إلى سكان نفس المنطقة من يافا شمالاً إلى رفح جنوباً. وهكذا تعارف الناس على تسمية هذه المنطقة باسم "فيلستيا". لكن منذ عهد المؤرخ اليوناني هيرودتس، القرن الخامس قبل الميلاد، أصبحت كلمة فلسطين تشير إلى فلسطين التاريخية بزواياها الأربع، من نهر الأردن شرقاً، إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً ومن الساحل الفينيقي (لبنان اليوم) شمالاً، إلى البحر الأحمر وصحراء سيناء جنوباً.
فلسطين عبر التاريخ:
فلسطين في العصر الحجري: 1400-4500 قبل الميلاد
التنقيبات الأثرية التي جرت في فلسطين منذ نهايات القرن التاسع عشر، أظهرت مخلفات إنسانية يعود تاريخها إلى أقدم العصور؛ ففي وادي النطوف القريب من قرية شقبا غربي رام الله مثلاً، عثر المنقبون على مخلفات يعود بعضها للمرحلة الثانية من العصر الحجري القديم 70.000-35.000 ق.م، وأحدثها يعود إلى العصر الحجري الأوسط 14.000-8.000 ق.م. اكتشفت الحضارة النطوفية لأول مرة عام 1928م على يد المنقبة دوروثي غارود في الكهف المعروف ب"مغارة شقبا". وتمثل هذه الحضارة الخطوة الأولى للإنسان على طريق بناء أول مجتمعات زراعية في التاريخ.
زاول إنسان هذا العصر مهن الالتقاط والجمع وصيد الحيوانات البرية والأسماك في الوديان، كوادي النطوف ووادي خريطون جنوب شرق بيت لحم، والتي كانت مياههما غزيرة فيما مضى.
الفترة الواقعة بين عامي 10.000و8000 قبل الميلاد، تشكل مرحلة انتقالية بين العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث، أو بعبارة أخرى بين نمط التنقل والتجول من أجل الصيد والتقاط القوت؛ إلى نوع من حياة الاستقرار، حيث أصبح الإنسان منتجاً لقوته بنفسه وجد في أحد كهوف الكرمل العائدة لهذا العصر جمجمة كلب كبير يستدل منها أن الإنسان ابتدأ في نهاية العصر الحجري الوسيط في تدجين الحيوانات. والآثار التي عثر عليها في أريحا والعائدة لأواخر هذا العصر تدل على تدجين البقر والماعز والغنم والخنازير. باهتداء الناس إلى تدجين الحيوانات اضطروا للانتقال إلى نمط حياة جديد، وهو حياة البداوة والتنقل بقطعان ماشيتهم من مرعى إلى آخر، وهكذا أصبحوا رعاة بعد أن كانوا صيادين وجامعين لقوتهم.
عند بداية العصر الحجري الحديث (حوالي 8000 ق.م) دخل سكان فلسطين في مرحلة جديدة طوروا فيها مهاراتهم في الزراعة، وأصبحوا يتمتعون بنوع أعلى من الاستقرار، حتى أنهم بدؤوا يطورون بعض المعتقدات الدينية والمفاهيم الفنية. يبدو أن الناس في هذه الفترة كانوا يقدسون أسلافهم، حيث عثر على مجموعة من الجماجم المفصولة عن هياكلها العظمية في أريحا تعود إلى هذا العصر، كما أنهم عبدوا القمر لأنه أكثر نفعاً وتلطفاً من الشمس في بلاد حارة وجافة مثل فلسطين. عثر المنقبون في كهوف الكرمل على رسم لثور حفر بأدوات عظمية على قطعة من الحجر الطباشيري منحوتة على صورة رأس إنسان. تتمثل حضارة سكان فلسطين في هذا العصر بالأدوات الحجرية المصقولة وبالصحون الحجرية والهواوين والمداق والمناجل الصوانية المثبتة على قبضة خشبية، والتي يظن أنها كانت تستعمل لحصاد القمح. عثر المنقبون على الكثير من هذه الأدوات في مغارة شقبا وفي أريحا ومناطق أخرى. معظم الأدوات الصوانية في أريحا مصنوعة من مادة السبج (الأوبسديان) وهي مستوردة من بلاد الأناضول. ويستدل من هذه الأدوات على أن سكان فلسطين هم أول من زاول الزراعة في العالم.
عهد الناس في هذا العصر بالمهنة الجديدة إلى نسائهم وأولادهم، أما الرجال فقد ظلوا منصرفين إلى أعمال الصيد والرعي والغزو. زرع السكان القمح والشعير والدخن (وهو نوع من الذرة)، ثم زرعوا العنب والتين والزيتون وأنواعاً من الخضروات.
عثرت عالمة الآثار البريطانية المشهورة "كاثلين كنيون" التي نقبت في تل السلطان في أريحا بين عامي 1952-1958 على مدينة متكاملة تعود لهذا العصر، واكتشفت أبنية عمومية من الحجارة يبلغ ارتفاع بعضها عشرة أمتار، وسوراً خارجياً به برج مستدير، قطره 13 متراً، يصعد إليه بإحدى وعشرين درجة. يعتبر سور أريحا وبرجها أقدم بناء حجري عثر عليه حتى الآن في العالم، ويعود تاريخ بنائهما إلى سنة 7000 ق. م. وبذلك استحقت أريحا عن حق لقب أقدم مدينة في العالم والبلد الذي شهد ظهور أول نواة لحكومة مركزية في التاريخ.
ليس واضحاً حتى الآن إن كانت هذه الفترة قد انتهت في مدينة أريحا بسبب عوامل طبيعية كالزلازل أو على يد فاتحين جدد، لكن كينيون تذكر بأن هجرة سكانية ربما تكون قد حدثت بين هذا العصر والعصر اللاحق.
أما من الناحية الاقتصادية فيبدو أن الإنسان في هذه الفترة كان لا يزال يعتمد في حياته على الصيد إلى جانب النباتات التي دجنها وزرعها، مثل: الشعير، والقمح، والبازلاء، والعدس، والنباتات العلفية.
يقسم المؤرخون العصر الحجري الحديث إلى قسمين: قبل الفخاري(8000-6000ق.م)، والفخاري(6000-4500ق.م) كما تشير التسمية، يتميز الجزء المتأخر من هذا العصر، أكثر من أي شي آخر، باكتشاف الفخار، كان لهذا الاكتشاف أثر عظيم، ليس على إنسان العصور الحجرية فقط، بل وأيضاً على كل العصور التي تلته. لقد حرر الفخار إنسان العصور القديمة من عبوديتة للصخر الصعب التشكيل الذي حد من قدرته على الإبداع وتنويع أدوات عمله، واليوم يعتبر الفخار أفضل وسيلة لدى الأثريين المعاصرين لدراسة حضارات العالم القديم.
العصور النحاسية والبرونزية: 4500-1200 قبل الميلاد
في نهاية العصر الحجري، بدأ الفخار وحتى المعادن، وتحديداً النحاس، يحلان تدريجيا محل الحجارة لصنع معظم الأدوات اللازمة للإنسان، يختلف العاملون في الآثار الفلسطينية على تفسير الفترة النحاسية هذه وهي مرحلة انتقالية بين العصور الحجرية والعصور البرونزية، ولكنهم تعارفوا على تسميتها بالعصر الحجري النحاسي. البعض يعتبرها مرحلة متأخرة من العصر الحجري وآخرون يعتبرونها مرحلة مبكرة من العصر البرونزي. المدافن ذات المداخل الرأسية في أريحا وتل الفارعة، وخاصة الأواني والحلي والنحاسية والفخارية المكتشفة هناك، هي مصدر معلوماتنا الرئيسي عن نهاية العصر الحجري وبداية العصر البرونزي.
يعرف العصر البرونزي القديم في فلسطين 3200-2000 ق.م، بعصر دويلات المدن. بدأت اتصالات فلسطين التجارية بمصر وبلاد ما بين النهرين في هذه الفترة؛ فالمنتجات الفلسطينية مثل السيراميك وزيت الزيتون كانت تصدر على قوافل من الحمير إلى هذه البلاد. تمكنت العديد من دول المدن الكنعانية في هذا العصر، وبالرغم من الهيمنة الثقافية المصرية، من المحافظة على درجة عالية من الاستقلال الذاتي. وبنى العديد من ملوك مدن الدول الكنعانية أسواراً حول مدنهم وقاموا بإنشاء حكومات وجيوشاً مستقلة، وشيدوا قصورًا ومعابد، وأحكموا سيطرتهم على المناطق والقرى المحيطة بمدنهم. بعض هذه المدن مثل شكيم (نابلس) ومجدو وغزة وأسدود والخليل وغيرها، تطورت مع الأيام إلى قوى إقليمية هامة، حتى إن ما يسمى بملوك الأقطار الأجنبية "الهكسوس"، (وهم على الأغلب من سكان فلسطين في هذه الفترة)، بلغوا من القوة بحيث نجحوا في احتلال شمالي مصر، كما أدخلوا استعمال الخيول والعربات إليها. لكن وبعد انتصارات متتالية على الهكسوس، تمكن الفرعون المصري، مؤسس الأسرة المصرية الثامنة عشرة، تحتمس الثالث 1469-1436ق.م من طرد الهكسوس من مصر وملاحقتهم إلى فلسطين وتثبيت هيمنة بلاده عليها. استمرت الهيمنة الفرعونية على فلسطين حتى العصر الحديدي، وتميزت بسيطرة وحضور عسكري قوي بالإضافة إلى هيمنة ثقافية، حيث عمد الفراعنة إلى اصطحاب أمراء المدن الكنعانية الرئيسية معهم إلى مصر لتعليمهم هناك وبالتالي ضمان ولائهم.
سهلت حياة التمدن تطوير المهارات المتخصصة لدى هذه الفترة، حيث تم اكتشاف العجل لصناعة الفخار، وأضيف القصدير إلى النحاس لإنتاج البرونز، وهو معدن أكثر عملية وأقوى لصنع الأدوات للاستخدام البشري في الحقبة المتأخرة من هذا العصر، لم يعد استخدام معدن البرونز مقتصراً على صناعة أدوات الترف والزينة بل استخدم أيضاً في صناعة الأسلحة والأدوات المختلفة. عبد الكنعانيون من سكان مدن فلسطين في تلك الفترة العديد من الآلهة مثل: إيل وعشتار وشاماش….وغيرهم.
إن أفضل تمثيل لمخلفات هذا العصر موجود اليوم في تل بلاطة (شكيم) قرب نابلس، وتل الفارعة شمالاً (ترزا)، وتل التل (عاي) قرب دير دبوان وتل النصبة (ميتزبا) قرب رام الله.
العصر الحديدي: 1200-538 قبل الميلاد
شهدت فلسطين الكثير من التطورات الثقافية والسياسية ذات الشأن في هذه الفترة، فاكتشاف الحديد والفولاذ وابتكار الأبجدية كانت تطورات هامة جداً في تأثيرها ليس على فلسطين وحدها، بل على تاريخ البشرية عموماً، شهدت فلسطين خلال هذه الفترة صراعات عنيفة من أجل السيطرة عليها بين بعض القوى المحلية من جهة، وبينها وبين الدول والإمبراطوريات المختلفة في الشرق الأدنى القديم من جهة أخرى. استمرت ممالك الدول المحلية المختلفة بالتنازع فيما بينها حتى القرن الثامن قبل الميلاد، عندما اجتاحت الجيوش الآشورية منطقة الهلال الخصيب، وأخضعت معظم الدويلات الصغيرة في سوريا وفلسطين، بما في ذلك ممالك المدن الفلسطينية الساحلية: غزة وجات وأسدود وعكرون وعسقلان ومملكتي العبرانيين الأصغر حجما: يهودا والسامرة في الوسط وأيضا المملكة الآرامية الأكبر في دمشق كانت منطقة الساحل الفلسطيني أغنى وأكثر ازدهاراً من المناطق الجبلية الوسطى في تلك الفترة كما هو الحال دائماً. اشتهرت مدن الساحل بصناعة الصوف وتلوينه بصبغ أرجواني جميل يلبسه الحكام ويستخدم لأغراض التصدير أما مملكتا السامرة في منطقة نابلس ويهودا إلى الجنوب؛ فيبدو أن الأولى كانت أغنى وأكثر سكاناً من مملكة الجنوب التي كانت عاصمتها القدس، بلغ عدد سكان السامرة حوالي 40.000 نسمة، وقد طورت اقتصادياً زراعياً فعالا يقوم على إنتاج الزيت والخمور.
عندما بدأت آشور بالضعف كانت بابل تزداد قوة، وعند سنة 600 قبل الميلاد بدأت الجيوش البابلية بالتقدم غرباً مدمرة المدن المختلفة في فلسطين، بما في ذلك القدس التي دمرت عام 587 قبل الميلاد، وبعث نبوخذ نصر شعوب المنطقة إلى المنفى في بابل، وهكذا؛ حلت اللغة الآرامية (لغة شمال سوريا) محل الكنعانية في البلاد، وبقيت كذلك حتى بداية الفترة المسيحية كانت الآرامية تكتب بأبجدية كنعانية، ومنها تطورت اللغتان العربية والعبرية. يمكن التعرف على مخلفات هذه الفترة في بلدة سلوان بالقدس، وفي الجيب (جيبيون) قرب رام الله، وشيلو على الطريق المؤدي إلى نابلس، وأيضاً في سبسطية شمالي نابلس.
العصور الفارسية والهيلينستية، والرومانية والبيزنطية: 538ق.م - 636م
في بداية الفترة الفارسية (538-332ق.م) سمح سايروس ملك فارس لكل الشعوب التي تم نفيها في زمن البابليين والآشوريين بالعودة إلى بلادهم. استفاد اليهود كغيرهم من هذه السياسة الليبرالية وعادوا إلى فلسطين، وقد سمح لهم الفرس لاحقاً بتشييد معبد في القدس.
آثار هذه الفترة نادرة في البلاد؛ لأن فلسطين أصبحت مقاطعة صغيرة قليلة الشأن في إمبراطورية ضخمة تسيطر على كل منطقة الشرق الأوسط، كما أن فلسطين لم تكن مهمة كثيراً بالنسبة للفرس من الناحية الدينية، وبالتالي لم يعن هؤلاء بتشييد الكثير من الأبنية فيها، ومن ناحية أخرى فإن الكثير من مخلفات هذه الفترة والفترات التي سبقت عصر هيرودس العظيم (القرن الأول قبل الميلاد) دمرت على يديه لإفساح المجال أمام أعماله العمرانية الضخمة.
احتل الإسكندر الكبير فلسطين بعد أن هزم الفرس في 332ق.م وبعد موته في 323ق.م نال قائد بطولومي حكم مصر، وسلوقس نال سوريا، وهكذا أصبحت فلسطين مسرحاً للصراع بين السلالتين البطلمية والسلوقية.
احتفظ البطالمة بفلسطين حتى عام 200 قبل الميلاد عندما انتقلت إلى أيدي السلوقيين. ويمكن مشاهدة بقايا هذه الفترة اليوم في كل من سبسطية، وجبل جرزيم في نابلس، وبيتين قرب رام الله.
احتل القائد الروماني بومباي فلسطين سنة 63 ق.م واستمر حكم الرومان لها حتى الفتح الإسلامي. في البداية حكم الرومان فلسطين حكماً مباشراً، ولكن حين ظهر قائد محلي قوي هو هيرودوس الأدومي 37ق.م، منحه الرومان حكماً ذاتياً وأضافوا مناطق جديدة إلى مملكته. وكان عصر هيرودوس واحداً من أزهى العصور في تاريخ فلسطين؛ فقد قام هذا الملك العظيم بتنظيم البلاد وتشييد العديد من المدن والقلاع والمعابد في كل مكان، و لو أنه أرهق رعاياه بالضرائب الباهظة. افتقر أبناء هيرودوس لخصائص والدهم، لذلك قام الرومان مرة ثانية بمباشرة حكم فلسطين بأنفسهم في العام السادس بعد الميلاد، وحولوا السلطة السياسية إلى الحكام الرومان الذين اتخذوا قيسارية عاصمة لهم.
شهدت فلسطين ثورتين خلال هذه الفترة الأولى ثورة قادها الحزمونيون اليهود عام 66م، وعلى أثرها قام تيتوس وفسباسيان بتدمير العديد من المدن الفلسطينية بما فيها القدس، والثانية ثورة باركوخبا 132-135م، وعلى أثرها هدم الرومان مدينة القدس، وبنوا على أنقاضها مدينة جديدة أسموها إيليا كابيتولينا. بعد هذا تحولت فلسطين إلى مسرح للنزاع بين المسيحية والديانات الرومانية الوثنية القديمة. استمر هذا النزاع إلى أن اعترف الإمبراطور قسطنطين بالديانة المسيحية واعتمادها ديانة رسمية للإمبراطورية بعد مرسوم ميلان عام 314 بعد الميلاد. ويمكن التعرف على أهم بقايا هذه الحقبة التاريخية في كل من سبسطية قرب نابلس، والهيروديون قرب بيت لحم، والحرم الإبراهيمي في الخليل، وفي قمران وتلال أبو العريق قرب أريحا…….الخ.
انتقال الحكم من روما إلى بيزنطة عام 324 بعد الميلاد لم يكن بالتغيير الهام من الناحية الحضارية، لقد كان مجرد انتقال لمركز الثقل السياسي للإمبراطورية من روما إلى المدينة الجديدة "القسطنطينية" عاصمة الإمبراطورية البيزنطية. أما الحدث الذي كان له تأثير هام على فلسطين فهو قرار الإمبراطور الروماني قسطنطين إعطاء الشرعية للديانة المسيحية في العام 314 كما ذكرنا سابقاً، لقد كان لهذا القرار تأثير بعيد المدى على كل التطورات اللاحقة في تاريخ فلسطين والعالم، فقد ظهرت الكثير من الكنائس والأديرة في كل مكان، وبدأ الحجاج المسيحيون بالتدفق على البلد من كل أنحاء العالم المسيحي. ويمكن التعرف على بقايا هذه الفترة في كل من:
كنيسة المهد، ودير مار سابا، ودير ابن عبيد في منطقة بيت لحم، وكنيسة بيثاني في العيزرية، وكنيسة القيامة في القدس، وفي البيرة، وبيتين في منطقة رام الله .
العصر العربي الإسلامي: 636-1918م
مثلت معركة اليرموك في 20/8/636م إشارة النهاية لحكم البيزنطيين في فلسطين. فلم يمض عليها عامان حتى استولى المسلمون على القدس دونما قتال، وذلك في زمن خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب. كان انتشار الإسلام في فلسطين والمنطقة سلمياً وسريعاً، ولكن اللغة العربية حلت ببطء محل اللغتين اليونانية والآرامية، بعد هذا الفتح سيطرت الثقافة العربية الإسلامية على الشرق الأوسط بكامله على مدى أربعة عشر قرناً .
خضعت فلسطين لحكم السلالة العربية الأولى وهي الأموية التي أقامت في دمشق، وحكمت إمبراطورية ضخمة امتدت من جنوب فرنسا إلى حدود الصين، أولت هذه السلالة الكثير من الاهتمام لفلسطين وشيدت فيها الكثير من المساجد والقصور، والتي من أهمها المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وربما يكون السبب في ذلك بالإضافة إلى أهمية القدس الدينية بالنسبة للمسلمين، عدم سيطرة الأمويين آنذاك على الحرمين الشريفين في الجزيرة العربية. وبسبب ثورة ابن الزبير من عام 750-969 خضعت فلسطين لحكم العباسيين الذين لم يولوا فلسطين كثيراً من الاهتمام بسبب تمتعهم بالسيطرة التامة على مقاليد الأمور في الجزيرة العربية والأماكن المقدسة فيها، ولكن فلسطين في عهدهم شهدت سلاماً نسبياً طويلاً. ويمكن مشاهدة مخلفات هذه الفترة في مدن القدس وأريحا….وغيرهما.
تبدلت أيدي العديد من السلالات الإسلامية، العربية وغير العربية، على فلسطين بين عامي 975-1516م ومن هذه السلالات: الفاطميون: 975-1171، السلاجقة الأتراك: 1171/1186م، الأيوبيون: 1187/1250م، ومن ثم المماليك: 1250/1517م.
احتل الصليبيون فلسطين لفترة قصيرة من 1099/1187م، أي حتى مجيء صلاح الدين الأيوبي وتحرير القدس منهم بعد معركة حطين. ثم جاء المماليك الذين قضوا نهائياً على الوجود الصليبي، وكانت فترة حكمهم طويلة نسبياً، ولها تأثير واضح على فلسطين من النواحي السياسية والمعمارية، فقد بنوا فيها كثيراً من المدارس والمساجد والسبل والقلاع وحتى المدن، العديد من هذه الأبنية يمكن رؤيتها في الكثير من المدن الفلسطينية خاصة القدس وغزة والخلي...الخ.
في العام 1516م، أخضع السلطان العثماني سليم فلسطين التي كانت تحت حكم المماليك لحكمه، ولكن المماليك ظلوا هم الحكام الفعليين للبلاد، ولو أنهم صاروا يعينون من قبل السلاطين العثمانيين ابتداء من هذه الفترة، واستمر حكم الأتراك العثمانيين لفلسطين حتى عام 1917م هذه الحقبة المتأخرة من تاريخ فلسطين ممثلة في كل مكان من فلسطين وخصوصاً في القدس والخليل وغزة ونابلس وجنين وأريحا.
العصور الحديثة 1918 - حتى الوقت الحالي
احتلت قوات الحلفاء فلسطين في الحرب العالمية الأولى، أخضعت البلاد للانتداب البريطاني في العام 1923م وفي العام 1948م، وبعد هزيمة العرب على أيدي العصابات الصهيونية أعلن عن قيام دولة إسرائيل على 78% من أراضي فلسطين التاريخية. أما ما تبقى من البلاد، الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد خضع على التوالي للحكم الأردني والمصري، الذي استمر حتى شهر حزيران من العام 1967م عندما احتلت إسرائيل هذه المنطقة، وأيضاً هضبة الجولان السورية وصحراء سيناء المصرية. بقيت منطقتا الضفة الغربية وقطاع غزة خاضعتين لحكم عسكري إسرائيلي حتى توقيع اتفاقية أوسلو سنة 1993م، عندما تم تسليم مناطق صغيرة ومنعزلة بعضها عن بعض من الضفة الغربية، وحوالي 60% من قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية.
تقسيمات العصور التاريخية في فلسطين
العصر الحجري القديم (Paleolithic 400.000-14.000 ) أو 500.000-10.000 ق.م.
العصر الحجري القديم الأدنى 400.000-70.000 أو 500.000-100.000 ق.م.
العصر الحجري القديم الأوسط 70.000-35.000 أو 100.000-40.000 ق.م.
العصر الحجري القديم الأعلى 35.000-14.000 أو 40.000-10.000 ق.م.
العصر الحجري الوسيط (EpiPaleolithic 14.000-8.000 )أو 10.000-8.000 ق.م.
العصر الحديث (Neolithic 8.000-4.250 )أو 8.000-4.000 ق.م.
الأدنى قبل الفخاري 8.000-6.000 أو 8.000- 5.500 ق.م.
الأوسط الفخاري 6.000-4.750 أو 5.500- 4.000 ق.م.
الأعلى الفخاري 4.750-4.250 أو 5.500- 4.000 ق.م.
العصر الحجري النحاسي (calcolithic 4.250-3.300) و 4.000-3.150 ق.م.
العصر الحجري النحاسي القديم 4.250-3.750.
العصر الحجري النحاسي الحديث 3.750-3.300.
العصر البرونزي القديم (Early Bronze 3.300-1.950 )أو 3.150-2.200 ق.م.
الدور الأول 3.300-2.900 أو 3.150- 2.850 ق.م.
الدور الثاني 2.900-2.700 أو 2.850- 2.650 ق.م.
الدور الثالث 2.700-2.300 أو 2.650-2.350 ق.م.
الدور الرابع 2.300-1.950 أو 2.350-2.200ق.م.
العصر البرونزي المتوسط (Middle Bronze 1.950-1.550) أو 2.200-1.550 ق.م.
الدور الأول 1.950-1.750 أو 2.200-2.00 ق.م.
الدور الثاني أ 1.750-1.650 أو 2.000-1.750 ق.م.
الدور الثاني ب 1.650-1.550 أو 1.750-1.550 ق.م.
العصر البرونزي الحديث (Late Bronze 1.550-1.200)أو 1.550-1.200 ق.م.
الدور الأول أ 1.550-1.500أو 1.550-1.400ق.م.
الدور الأول ب 1.500-1.400 أو 1.550-1.400 ق.م.
الدور الثاني 1.400-1.200 ق.م.
العصر الحديدي الأول (IRON I 1200-918) أو 1200- 900 ق.م.
الأول أ: 1200-1150ق.م.
الأول ب: 1150-1000 ق.م.
الأول ج: 1000-918 ق.م
العصر الحديدي الثاني (IRON II 918-539)أو 900-550 ق.م.
الثاني أ : 918-712 ق.م.
الثاني ب: الآشوريون الجدد 712-605 ق.م.
الثاني ج: البابليون الجدد 605-539 ق.م.
العصر الحديدي الثالث (IRON III 539-332)أو 550- 530 ق.م.
الفترة الفارسية (PRESIAN) 539-332 ق.م.
الفترة الهيلينستية (Hellenistic 332-63)ق.م.
القديمة 332- 198 ق.م.
المتأخرة 198- 63 ق.م.
الفترة الرومانية (Roman 63)ق.م- 324م.
القديمة 63 ق.م- 135م.
المتأخرة 135م- 324م.
الفترة البيزنطية (Byzantine 324)م- 636م.
القديمة 324م- 491م.
المتأخرة 491م- 636م.
الفترة الإسلامية الأولى (Early Islamic 636)م- 1174م.
الخلافة الراشدة 630م-661م.
الأموية 661م-750م.
العباسية 750م-969م.
الفاطمية 969م- 1071م.
السلجوقية 1071م-1174م.
فترة الحروب الصليبية (Crusader 1099- 1291)م.
الأولى 1099م- 1291م.
المتأخرة 1187م- 1291م.
الفترة الإسلامية المتأخرة (Late Islamic 1174)م.-1918م.
الأيوبية 1174م- 1263م.
المملوكية القديمة 1263م-1401م.
المملوكية المتأخرة 1401م--1516م.
الفترة العثمانية 1516م-1917م.
الفترة الحديثة والمعاصرة 1918م- الوقت الحاضر
جغرافية فلسطين
تبلغ مساحة فلسطين الكلية 26323 كيلو متر مربعاً، وتبلغ مساحة المناطق الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) أكثر قليلاً من 6000 كم2، 5690كم2 في الضفة الغربية و 365كم2 في قطاع غزة. يبلغ طول الضفة الغربية حوالي 150 كم، وعرضها يتراوح بين 31-58كم، وهي في معظمها منطقة جبلية أما غزة فهي منطقة ساحلية شبه مستطيلة يبلغ طولها 45 كم، ويتراوح عرضها بين 6كم في الشمال و13 كم في أقصى الجنوب.
وبالرغم من محدودية مساحة أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن هاتين المنطقتين تتمتعان بدرجة عالية من التنوع البيئي والمناخي، وتعيش فيهما أنواع مختلفة من النباتات والحيوانات والطيور المحلية والمهاجرة، بعض النباتات والأشجار، مثل: الزيتون، والعنب، والبلوط، أصلية، والبعض الآخر مثل قصب السكر والقطن والبرتقال جلبته شعوب مختلفة حكمت فلسطين على مر العصور ويمكن تقسيم الضفة الغربية وغزة إلى عدد من الوحدات الجغرافية الصغيرة التي تختلف كل منها عن الأخرى على جميع الأصعدة، فالتفاوت في الارتفاع بينها كبير جداً وكذلك المناخ والغطاء النباتي.
سهل غزة الساحلي:
سهل غزة هو الجزء الجنوبي من السهل الساحلي الفلسطيني، أغنى مناطق فلسطين وأكثرها إنتاجية وكثافة سكانية على مر العصور، يتسع بشكل ملحوظ كلما اتجهنا جنوباً، ولذلك؛ فإن منطقة غزة كانت مأهولة دائماً، وهي اليوم مكتظة سكانياً بدرجة كبيرة، يتراوح ارتفاع سهل غزة بين 40و70 متراً عن سطح البحر، ويتصف الساحل هنا بكثبانه الرملية المتحركة التي أجبرت الطريق التجاري القديم على التوغل إلى الداخل، ولذلك فإن المدن الرئيسية في المنطقة بما فيها غزة لم تقم مباشرة على الشاطئ، ولكن نشأت على طول الطريق التجاري القديم على بعد بضعة كيلومترات نحو الشرق.
الضفة الغربية:
يحدها من الشرق نهر الأردن والبحر الميت، ومن الشمال سهل مرج ابن عامر، ومن الجنوب صحراء النقب، ومن الغرب يفصلها عن إسرائيل خط هدنة غير منتظم تم ترسيمه في معاهدات الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل عام 1949م، يعرف بالخط الأخضر يمكن تقسيم الضفة بشكل طولي إلى ثلاث مناطق جغرافية متميزة:
1. سلسلة الجبال الوسطى:
تمتد من أقصى الشمال إلى أقصى جنوبي الضفة وتشمل جبال نابلس والقدس والخليل، تستقبل هذه الجبال كمية لا بأس بها من الأمطار، تتراوح بين 500-900مليمتر في السنة، تسقط جميعها خلال أشهر الشتاء، من كانون الأول إلى آذار، وتزداد نسبتها بازدياد ارتفاع الجبال.
سلسلة الجبال هذه هي الأكبر في فلسطين، وتبلغ مساحتها الكلية حوالي 3500كم2، ويصل ارتفاع بعضها إلى أكثر من 1000م فوق سطح البحر، جبل العاصور قرب كفر مالك في منطقة رام الله الذي يبلغ ارتفاعه 1015م فوق سطح البحر، هو الأعلى في المناطق الفلسطينية.
2. المنحدرات الشرقية، برية القدس:
تبدأ هذه المنحدرات شرقي القدس على ارتفاع 800م فوق سطح البحر، ثم تنحدر بشدة شرقاً نحو البحر الميت، حيث تصل إلى أكثر من 200م تحت سطح البحر.
بعكس المرتفعات الوسطى، فإن الأمطار في هذه المنطقة نادرة، وهي لذلك؛ أراض شبه صحراوية جرداء، يطلق السكان المحليون على هذه المنطقة اسم برية القدس، ويستخدمونها كمراع لمواشيهم لعدم صلاحية أراضيها للزراعة، تبلغ مساحة المنطقة حوالي 1500كم2، وتشكل أكثر من ربع مساحة الضفة الغربية. لم تقم في هذه المنطقة في الماضي أية مدن أو قرى بسبب شح المياه فيها ولقسوة مناخها، واقتصر الاستيطان فيها على بعض المخيمات البدوية المؤقتة وبعض الأديرة التي أقيمت في الأودية، وقرب ينابيع المياه، أما اليوم فقد أقام فيها الاحتلال الإسرائيلي العديد من المستوطنات اليهودية التي وفر لها المياه من آبار ارتوازية عميقة يؤثر وجودها سلبا على تدفق المياه من الجبال إلى ينابيع منطقة الأغوار، كما تقوم هذه المستوطنات بمزاحمة البدو من قبيلتي الجهالين والكعابنة اللتين تسكنان هنا منذ العام 1948م.
ويسعى الإسرائيليون اليوم لإفراغ برية القدس من سكانها البدو بدعوى أنها منطقة عسكرية؛ للتخلص منهم وتوسيع المستوطنات الكثيرة في المنطقة، وخاصة مستوطنة معاليه أدوميم (الخان الأحمر)، التي تعد من أكبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
3. غور الأردن:
هو سهل خصيب تبلغ مساحته حوالي 400 كم2، ويتراوح مستواه بين 200 وأكثر من 400م تحت سطح البحر، يبدأ هذا السهل من سفوح برية القدس، ويمتد إلى الأردن والبحر الميت، وأهم مدنه أريحا، تعتبر منطقة الأغوار سلة خضار فلسطين، فأراضيها الزراعية خصبة للغاية عندما تتوفر لها المياه.