نتابع: فلسطين عبر التاريخ، انتفاضة من البراق إلى الأقصى، انتفاضة الحجارة، 1987م
دور المرأة في الانتفاضة
حكمت علاقة الرجل والمرأة في المجتمع الفلسطيني صيغة النضج والتفاعل، إلا أن أوجه العلاقة التقليدية بينهما لم تتلاشى وهذه على صلة بالخلفية الاجتماعية والثقافية للمجتمع، والملفت في الانتفاضة هو أن الدور الملموس والفاعل والمتكامل والمتمازج الذي أسقط الحاسية التقليدية لدور المرأة وضوابطه في الانتفاضة أدى أيضاَ لذوبان الفوارق الشكلية بين المرأة والرجل في الفعل الجماهيري حتى أن تقييما نضالياً جديداً للعمل برز من خلال الانتفاضة بين الرجل والمراة، أعطى المرأة دوراً بارزاً ومتقدماً لا يستطيعه الرجل "مثلاً إعتقال الأطفال والشباب في القرى والمخيمات والمدن وقيام النساء بتخليصهم من أيدي الجنود".
ولم يكن الدور البطولي الذي لعبته المرأة الفلسطينية في الانتفاضة الباسلة بداية بمسيرتها في التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني وثورته الجبارة بل كانت منذ أن تعرض الشعب الفلسطيني للاحتلال تمارس دورها جنباً إلى جنب مع الرجل في كل موقع وزمان ورسمت دورها بفروعه وإصرار وأبدعت في الأداء والصفاء لفلسطين القضية والأرض والإنسان.
فقد ابدعت في الإخلاص لفلسطين الأرض، حينما رشت حبات عرقها التراب الطاهر وهي تفلح الأرض مع الرجل وفي كثير من الأحيان لوحدها عندما كان يتعرض زوجها أو ابنها للاستشهاد أو الاعتقال حيث لم تدع الأرض تبور أو تجف ترابها كما أنها أبدعت في عطائها لفلسطين الانسان عندما كان لا يجد المال الكافي ليحقق حلمه في شراء البندقية للدفاع عن أرضه وعرضه وسرعان ما يجد المرأة وهي تقدم صيغتها وحليها مقابل الحصول على البندقية وذهبت في نضالها في نفس الأحيان إلى أبعد من ذلك حينما كانت تحمل البندقية وتواجه عمليات الاستيلاء على الأراضي وتخريبها من قبل المستوطنين الصهاينة منذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين. وعلى الرغم مما أحل بقضية فلسطين واتساع حلقة التآمر على شعب فلسطين على صعيد التهويد فإن ذلك زادها إصراراً على مواصلة نضالها حيث أنها بعد عام 67 انخرطت وبشكل فعلي في العمل المسلح وشاركت في المجموعات الفدائية البطولية وساعدت في نقل الأسلحة وتخزينها ونفذت العديد من العمليات النوعية ضد مواقع عدوها الصهيوني.
واستمرت المرأة الفلسطينية بعزيمتها القوية تتابع مسيرتها النضالية عبر جميع اشكال العمل الوطني وهي تدق أبواب الحرية والاستقلال ومارست دورها في كل المواقع، ناضلت كأم تربي أطفالها على التحدي والنضال واخترقت بقوة ارادتها معظم الأطر الطلابية والنسائية لتمثل فلسطين في اتحاد المرأة الفلسطينية على صعيد الخارج وتتعدى النشاط السياسي والعمل الجماهيري الوطني داخل فلسطين المحتلة من خلال مشاركتها في اتحادات مجالس طلبة الجامعات واستطاعت المناضلات الفلسطينيات تكوين وخلق الأطر النسائية في جميع المواقع حتى اصبح دور هذه الأطر يضطر حيزاً كبيراً من احتياجات جماهير الشعب الفلسطيني في المخيم والقرية والمدينة وبرز اتحاد المرأة للعمل الاجتماعي وشارك عبر تفاعله وعطائه اليومي في إيجاد البنية التحتية للانتفاضة الباسلة حيث وفر الظروف والاحتياجات الضرورية لانجاح التعليم الشعبي بعد أن لجأ الاحتلال لاستخدام سلاح التجهيل للضغط على الانتفاضة كما عمل اتحاد المرأة على المشاركة في إقامة العيادات الميدانية لتوفير العلاج السريع لجرحى الانتفاضة، فضلاً عن دور اتحاد المرأة في إنشاء وتأسيس رياض الأطفال في العديد من المدن والقرى والمخيمات لتوفير التربية والتعليم المناسب للجيل الفلسطيني القادم وتعبئته وطنياً ومساعدته على حمل التراث والحفاظ عليه عبر الأناشيد والصور واللباس.
وكما كان لدور المرأة والفتاة الفلسطينية بروزاً مميزاً في انتفاضة الاستقلال والنصر أيضاً كان لدورها في الثورة الفلسطينية السابقة أثراً كبيراً حينما قامت بقيادة المظاهرات ورفع الاعلام الفلسطينية في انتفاضة عام 74 حيث بلغ الحقد الصهيوني على الفتاة الفلسطينية درجة الوحشية حينما داست الدبابات الاسرائيلية في مدينة جنين جسد المناضلة فتحية عوض الحوراني التي تصدت للدبابة بجسدها الطاهر وأضافت ببذلها وعطائها صفحات جديدة لنضال الشعب الفلسطيني وكذلك في انتفاضة عام 67-77 التي استمرت ثلاثة أسابيع، برز الحقد الصهيوني مرة أخرى حينما لجأ أحد ضباط الاحتلال الى إطلاق الرصاص عن قرب على المناضلة الشهيدة لينا النابلسي في مدينة نابلس لأنها كانت تقود مظاهرة كبيرة واستطاعت النجاح في الافلات من قبضة الاحتلال ولكن جيش الاحتلال تابعها وبعد مطاردة طويلة استطاع أن يساعدها في نيل الشهادة لتعطي نضال المرأة الفلسطينية دفعة قوية ولتثبت للعالم أن جميلة بوحريد لم تمت وأن كل الفلسطينيات هم أمثال المناضلة جميلة ونتيجة لجميع النضالات والعطاء المميز للمرأة الفلسطينية جاءت الانتفاضة البطلة، وثورة الجماهير الشاملة لتتوج نضالات الشعب الفلسطيني ولتضع المرأة الفلسطينية بصورتها البطولية أمام جميع عدسات التلفزيون ولتظهر في كل بيت في العالم على حقيقتها البطولية وليشهد العالم بدورها الانساني أيضاً.
ومع ان الحقيقة لم تظهر كاملة لأن الاحتلال فرض حصاره الاعلامي على دورها محاولاً دفن الحقائق إلا أن الدور العظيم للمراة الفلسطينية كان أحد العوامل الفاعلة والأساسية لاستمرار الانتفاضة …فالمرأة استطاعت أن تفشل سياسة الاحتلال الاسرائيلي في فرض الحصار الاقتصادي على القرى والمخيمات حينما كانت المرأة تحمل كميات كبيرة من الحليب وتتسلل مخترقة الحصار لمساعدة أهالي القرية أو المخيم المحاصر وكان لذلك أثر كبير في رفع معنويات الأهالي المحاصرين ومساعدتهم على الاستمرار في النضال اليومي، كما عملت المرأة الفلسطينية على توفير كميات كبيرة من الخبز عندما كانت وعلى مدار العشرين ساعة جالسة خلف الغرف وهي تخبز وحينما لجأ الاحتلال الى قطع الكهرباء ومنع الغاز لجأت المرأة الفلسطينية إلى استخدام الطابون الفرن الطبيعي وقهرت الاحتلال ووفرت الخبز والحليب لأبناء الشعب الفلسطيني.
كما عملت المرأة الفلسطينية على تحرير العديد من شباب وأبطال الانتفاضة وأفراد المجموعات الضاربة من أيدي جنود الاحتلال حينما كان يلقي القبض عليه وكذلك إنقاذ أعداد كبيرة من الاعتقال وتهريبهم وتوفير كمائن لهم داخل البيوت أو الحقول " سيدة تخبئ شاباً من الجنود مع ابنتها الصبية في نفس الغرفة وتدعي أمام الجنود أنه ابنها وهو ليس ليبحثون عنه " وكانت تحمل للمطاردين في الجبال والحقول احتياجاتهم من الملابس والغذاء اليومي مما ساعدهم على الاستمرار في مطاردة الاحتلال والاختفاء لحمايتهم من الاعتقال ولم يختصر دور المرأة على هذه الجوانب النضالية بل ساهمت بانجاح برامج نداءات القيادة الموحدة للانتفاضة حينما طلب مثلاً رفع الاعلام الفلسطينية في معظم أيام الانتفاضة لجأت المرأة إلى توفير القماش بألوانه الأربعة وقفت ساعات طويلة وهي تخيط راية العزة والنصر، علم فلسطين وزودت المناضلين بكميات كبيرة وبأحجام مختلفة من الاعلام الفلسطينية لترفرف في كل موقع معلنة أن فلسطين حرة عربية .
وها هي المرأة الفلسطينية في الانتفاضة تخرج للشارع لتشارك في الاعتصامات والمظاهرات وتصطدم مع قوات الاحتلال متحدية الغازات السامة والدبابات والرصاص وتقدم فلذات أكبادها والأجنة في بطونها شهداء على درب الاستقلال والنصر جراء استنشاق الغازات السامة أو الاستشهاد أو الضرب على أيدي جنود الاحتلال وتقول للعالم أن الجنين الفلسطيني يسابق جميع الأحياء إلى الشهادة من أجل أن تحيا فلسطين ومن أجل دولة فلسطين المستقلة التي ولدت جنين البطولة والنداء من الصمود والايمان بعدالة قضية فلسطين وحتمية انتصارها. ولم يقتصر دور المرأة على ذلك فقط بل مارست دوراً فاعلاً وهاماً في تحريك وتنظيم الامكانيات النسائية من خلال توعية المرأة الفلسطينية لدورها في الانتفاضة فأصدرت البيانات الخاصة بالمرأة الفلسطينية بما ينسجم مع برامج بيانات القيادة الموحدة للانتفاضة مما دعم هذه البرامج وزادها قوة وشمولية ومن هذه البيانات والنداءات على سبيل المثال لا الحصر.
هذا وقد كان لهذه النداءات الأثر البالغ على المرأة الفلسطينية التي التزمت بكل ما جاء فيها بقوة وإصرار على دحر الاحتلال وهنا نورد رصداً لبعض الفعاليات النضالية التي قامت بها الطالبات الفلسطينيات لتوضيح مدى مشاركتهم في الانتفاضة المجيدة علماً أن هذا الرصد يغطى فقط نهاية سنة 1987حتى منتصف عام 1988 وهو مأخوذ من كتاب المرأة الفلسطينية درس في الانتفاضة ونورده هنا بهدف طرح بعض الأمثلة لا لحصرها.
ونتيجة للدور الهام والجرئ للمرأة الفلسطينية في الانتفاضة أدركت الادارة الاسرائيلية ذلك إذ قالت " ان الحرب هي الحرب وإن للنساء الفلسطينيات دوراً فعالاً في الانتفاضة لذلك لا بد من اعتقالهن وتعذيبهن إذ لزم الأمر لنزع الاعتراف منهن " جاء ذلك في مجلة الوطن العربي عدد 85 –611-28/ 10/1988 نقلاً عن تقرير جرى تسريبه بواسطة جمعية نسائية تشكلت لنصره المعتقلات السياسيات الفلسطينيات يفوق الرقم 150 إمرأة الذي تعترف به الادارة الاسرائيلية رسمياً في ذلك الوقت.
ولم يكن الاعتقال أو الضرب أو الجرح أو الشهادة فقط ما تواجهه المراة الفلسطينية خلال مشاركتها في فعاليات ونشاطات الانتفاضة بل واجهت حرباً ديمغرافية مبرمجة هدفها الحد من التكاثر الفلسطيني وليس أدل على ذلك من إجابة "غولدا مائير" عندما سئلت عن السبب الذي يمنع عنها النوم أنه "ولادة طفل عربي"، إن الهاجس الديمغرافي يشكل قلقاً دائماً على الذهنية الصهيونية وخصوصاً الأحزاب اليمينة المتطرفة.
فقد أدى تزايد أعداد الفلسطينيين في السنوات الأخيرة إلى بروز أحزاب وقحة ليس لبرنامجها السياسي أية قيمة..إذا شطبت منه كلمة الترانسفير وهكذا أصبح من العادي جداً أن تجد مخلوقات بنت على العنصرية الحاقدة مكاناً لها في الكنيست في ذلك الوقت أمثال رحفعام زئيفي، مئيرر كهانا، وايتان، وهورفيتس ونئمان وغئيولا كوهين، ويظهر هؤلاء كإنسانيين وأخلاقيين بقولهم " لا نريد قتل الفلسطينيين ولكننا سنجهزلهم شاحنات ترمي بهم على الحدود العربية".
ولا استغراب بعد هذا أن تغتنم قوات الاحتلال وضع الانتفاضة لتسلط جام غضبها ليس فقط على الأحياء بل على من لم يروا النور بعد.. فإذا أخذنا احصائية حتى يوم 9/10/1988 للشهداء فنجدها 470 شهيداً ولكن من المنطق أن يضاف إلى هؤلاء شهداء مجهولين قضوا على يد حقد الجيش الاسرائيلي جراء حالات الأجهاض التي بلغت حتى 9/10/1988 "1700" حالة جراء استنشاق الغازات السامة والضرب المبرح. إذ كان يتعمد الجيش الإسرائيلي إلقاء قنابل الغاز السامة على المخيمات المكثفة بالسكان والتي يمتاز الكيلومتر المربع منها بكثافة سكانية تعادل أضعافها في المدن مما يجعل أثرها أوسع وأشمل وعليه تكون أغلب حالات الإجهاض خلال الانتفاضة قادمة من المخيمات.
إن تصريحات قادة اسرائيل وأدبياتهم في ذلك الوقت التي تعبر عن قلقهم من تزايد السكان الفلسطينيين وقيام بعض اجهزة اسرائيل الامنية بتسميم خزانات المياه في مدارس البنات بمواد كيماوية تسبب العقم قبل عدة سنوات من الانتفاضة، وإثبات التقارير الطبية للعلاقة بين الغاز والاجهاض، كل هذا ليؤكد بأن هناك تعمداً مشفوعاً بأوامر عسكرية بخصوص القاء قنابل الغاز على التجمعات الكثيفة في المخيمات وإن نسبه الاجهاض العالية جداً ليست نتيجة للصدفة او للظروف التي تتبعها الأوضاع القائمة في الارض المحتلة. صحيح ان نسبة الولادة تزايدت خلال الانتفاضة بمعدل 100 حالة زيادة على الرقم العادي ولكن هذا لا يلغي الرقم المرعب لحالات الاجهاض.
يتبع
دور المرأة في الانتفاضة
حكمت علاقة الرجل والمرأة في المجتمع الفلسطيني صيغة النضج والتفاعل، إلا أن أوجه العلاقة التقليدية بينهما لم تتلاشى وهذه على صلة بالخلفية الاجتماعية والثقافية للمجتمع، والملفت في الانتفاضة هو أن الدور الملموس والفاعل والمتكامل والمتمازج الذي أسقط الحاسية التقليدية لدور المرأة وضوابطه في الانتفاضة أدى أيضاَ لذوبان الفوارق الشكلية بين المرأة والرجل في الفعل الجماهيري حتى أن تقييما نضالياً جديداً للعمل برز من خلال الانتفاضة بين الرجل والمراة، أعطى المرأة دوراً بارزاً ومتقدماً لا يستطيعه الرجل "مثلاً إعتقال الأطفال والشباب في القرى والمخيمات والمدن وقيام النساء بتخليصهم من أيدي الجنود".
ولم يكن الدور البطولي الذي لعبته المرأة الفلسطينية في الانتفاضة الباسلة بداية بمسيرتها في التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني وثورته الجبارة بل كانت منذ أن تعرض الشعب الفلسطيني للاحتلال تمارس دورها جنباً إلى جنب مع الرجل في كل موقع وزمان ورسمت دورها بفروعه وإصرار وأبدعت في الأداء والصفاء لفلسطين القضية والأرض والإنسان.
فقد ابدعت في الإخلاص لفلسطين الأرض، حينما رشت حبات عرقها التراب الطاهر وهي تفلح الأرض مع الرجل وفي كثير من الأحيان لوحدها عندما كان يتعرض زوجها أو ابنها للاستشهاد أو الاعتقال حيث لم تدع الأرض تبور أو تجف ترابها كما أنها أبدعت في عطائها لفلسطين الانسان عندما كان لا يجد المال الكافي ليحقق حلمه في شراء البندقية للدفاع عن أرضه وعرضه وسرعان ما يجد المرأة وهي تقدم صيغتها وحليها مقابل الحصول على البندقية وذهبت في نضالها في نفس الأحيان إلى أبعد من ذلك حينما كانت تحمل البندقية وتواجه عمليات الاستيلاء على الأراضي وتخريبها من قبل المستوطنين الصهاينة منذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين. وعلى الرغم مما أحل بقضية فلسطين واتساع حلقة التآمر على شعب فلسطين على صعيد التهويد فإن ذلك زادها إصراراً على مواصلة نضالها حيث أنها بعد عام 67 انخرطت وبشكل فعلي في العمل المسلح وشاركت في المجموعات الفدائية البطولية وساعدت في نقل الأسلحة وتخزينها ونفذت العديد من العمليات النوعية ضد مواقع عدوها الصهيوني.
واستمرت المرأة الفلسطينية بعزيمتها القوية تتابع مسيرتها النضالية عبر جميع اشكال العمل الوطني وهي تدق أبواب الحرية والاستقلال ومارست دورها في كل المواقع، ناضلت كأم تربي أطفالها على التحدي والنضال واخترقت بقوة ارادتها معظم الأطر الطلابية والنسائية لتمثل فلسطين في اتحاد المرأة الفلسطينية على صعيد الخارج وتتعدى النشاط السياسي والعمل الجماهيري الوطني داخل فلسطين المحتلة من خلال مشاركتها في اتحادات مجالس طلبة الجامعات واستطاعت المناضلات الفلسطينيات تكوين وخلق الأطر النسائية في جميع المواقع حتى اصبح دور هذه الأطر يضطر حيزاً كبيراً من احتياجات جماهير الشعب الفلسطيني في المخيم والقرية والمدينة وبرز اتحاد المرأة للعمل الاجتماعي وشارك عبر تفاعله وعطائه اليومي في إيجاد البنية التحتية للانتفاضة الباسلة حيث وفر الظروف والاحتياجات الضرورية لانجاح التعليم الشعبي بعد أن لجأ الاحتلال لاستخدام سلاح التجهيل للضغط على الانتفاضة كما عمل اتحاد المرأة على المشاركة في إقامة العيادات الميدانية لتوفير العلاج السريع لجرحى الانتفاضة، فضلاً عن دور اتحاد المرأة في إنشاء وتأسيس رياض الأطفال في العديد من المدن والقرى والمخيمات لتوفير التربية والتعليم المناسب للجيل الفلسطيني القادم وتعبئته وطنياً ومساعدته على حمل التراث والحفاظ عليه عبر الأناشيد والصور واللباس.
وكما كان لدور المرأة والفتاة الفلسطينية بروزاً مميزاً في انتفاضة الاستقلال والنصر أيضاً كان لدورها في الثورة الفلسطينية السابقة أثراً كبيراً حينما قامت بقيادة المظاهرات ورفع الاعلام الفلسطينية في انتفاضة عام 74 حيث بلغ الحقد الصهيوني على الفتاة الفلسطينية درجة الوحشية حينما داست الدبابات الاسرائيلية في مدينة جنين جسد المناضلة فتحية عوض الحوراني التي تصدت للدبابة بجسدها الطاهر وأضافت ببذلها وعطائها صفحات جديدة لنضال الشعب الفلسطيني وكذلك في انتفاضة عام 67-77 التي استمرت ثلاثة أسابيع، برز الحقد الصهيوني مرة أخرى حينما لجأ أحد ضباط الاحتلال الى إطلاق الرصاص عن قرب على المناضلة الشهيدة لينا النابلسي في مدينة نابلس لأنها كانت تقود مظاهرة كبيرة واستطاعت النجاح في الافلات من قبضة الاحتلال ولكن جيش الاحتلال تابعها وبعد مطاردة طويلة استطاع أن يساعدها في نيل الشهادة لتعطي نضال المرأة الفلسطينية دفعة قوية ولتثبت للعالم أن جميلة بوحريد لم تمت وأن كل الفلسطينيات هم أمثال المناضلة جميلة ونتيجة لجميع النضالات والعطاء المميز للمرأة الفلسطينية جاءت الانتفاضة البطلة، وثورة الجماهير الشاملة لتتوج نضالات الشعب الفلسطيني ولتضع المرأة الفلسطينية بصورتها البطولية أمام جميع عدسات التلفزيون ولتظهر في كل بيت في العالم على حقيقتها البطولية وليشهد العالم بدورها الانساني أيضاً.
ومع ان الحقيقة لم تظهر كاملة لأن الاحتلال فرض حصاره الاعلامي على دورها محاولاً دفن الحقائق إلا أن الدور العظيم للمراة الفلسطينية كان أحد العوامل الفاعلة والأساسية لاستمرار الانتفاضة …فالمرأة استطاعت أن تفشل سياسة الاحتلال الاسرائيلي في فرض الحصار الاقتصادي على القرى والمخيمات حينما كانت المرأة تحمل كميات كبيرة من الحليب وتتسلل مخترقة الحصار لمساعدة أهالي القرية أو المخيم المحاصر وكان لذلك أثر كبير في رفع معنويات الأهالي المحاصرين ومساعدتهم على الاستمرار في النضال اليومي، كما عملت المرأة الفلسطينية على توفير كميات كبيرة من الخبز عندما كانت وعلى مدار العشرين ساعة جالسة خلف الغرف وهي تخبز وحينما لجأ الاحتلال الى قطع الكهرباء ومنع الغاز لجأت المرأة الفلسطينية إلى استخدام الطابون الفرن الطبيعي وقهرت الاحتلال ووفرت الخبز والحليب لأبناء الشعب الفلسطيني.
كما عملت المرأة الفلسطينية على تحرير العديد من شباب وأبطال الانتفاضة وأفراد المجموعات الضاربة من أيدي جنود الاحتلال حينما كان يلقي القبض عليه وكذلك إنقاذ أعداد كبيرة من الاعتقال وتهريبهم وتوفير كمائن لهم داخل البيوت أو الحقول " سيدة تخبئ شاباً من الجنود مع ابنتها الصبية في نفس الغرفة وتدعي أمام الجنود أنه ابنها وهو ليس ليبحثون عنه " وكانت تحمل للمطاردين في الجبال والحقول احتياجاتهم من الملابس والغذاء اليومي مما ساعدهم على الاستمرار في مطاردة الاحتلال والاختفاء لحمايتهم من الاعتقال ولم يختصر دور المرأة على هذه الجوانب النضالية بل ساهمت بانجاح برامج نداءات القيادة الموحدة للانتفاضة حينما طلب مثلاً رفع الاعلام الفلسطينية في معظم أيام الانتفاضة لجأت المرأة إلى توفير القماش بألوانه الأربعة وقفت ساعات طويلة وهي تخيط راية العزة والنصر، علم فلسطين وزودت المناضلين بكميات كبيرة وبأحجام مختلفة من الاعلام الفلسطينية لترفرف في كل موقع معلنة أن فلسطين حرة عربية .
وها هي المرأة الفلسطينية في الانتفاضة تخرج للشارع لتشارك في الاعتصامات والمظاهرات وتصطدم مع قوات الاحتلال متحدية الغازات السامة والدبابات والرصاص وتقدم فلذات أكبادها والأجنة في بطونها شهداء على درب الاستقلال والنصر جراء استنشاق الغازات السامة أو الاستشهاد أو الضرب على أيدي جنود الاحتلال وتقول للعالم أن الجنين الفلسطيني يسابق جميع الأحياء إلى الشهادة من أجل أن تحيا فلسطين ومن أجل دولة فلسطين المستقلة التي ولدت جنين البطولة والنداء من الصمود والايمان بعدالة قضية فلسطين وحتمية انتصارها. ولم يقتصر دور المرأة على ذلك فقط بل مارست دوراً فاعلاً وهاماً في تحريك وتنظيم الامكانيات النسائية من خلال توعية المرأة الفلسطينية لدورها في الانتفاضة فأصدرت البيانات الخاصة بالمرأة الفلسطينية بما ينسجم مع برامج بيانات القيادة الموحدة للانتفاضة مما دعم هذه البرامج وزادها قوة وشمولية ومن هذه البيانات والنداءات على سبيل المثال لا الحصر.
هذا وقد كان لهذه النداءات الأثر البالغ على المرأة الفلسطينية التي التزمت بكل ما جاء فيها بقوة وإصرار على دحر الاحتلال وهنا نورد رصداً لبعض الفعاليات النضالية التي قامت بها الطالبات الفلسطينيات لتوضيح مدى مشاركتهم في الانتفاضة المجيدة علماً أن هذا الرصد يغطى فقط نهاية سنة 1987حتى منتصف عام 1988 وهو مأخوذ من كتاب المرأة الفلسطينية درس في الانتفاضة ونورده هنا بهدف طرح بعض الأمثلة لا لحصرها.
ونتيجة للدور الهام والجرئ للمرأة الفلسطينية في الانتفاضة أدركت الادارة الاسرائيلية ذلك إذ قالت " ان الحرب هي الحرب وإن للنساء الفلسطينيات دوراً فعالاً في الانتفاضة لذلك لا بد من اعتقالهن وتعذيبهن إذ لزم الأمر لنزع الاعتراف منهن " جاء ذلك في مجلة الوطن العربي عدد 85 –611-28/ 10/1988 نقلاً عن تقرير جرى تسريبه بواسطة جمعية نسائية تشكلت لنصره المعتقلات السياسيات الفلسطينيات يفوق الرقم 150 إمرأة الذي تعترف به الادارة الاسرائيلية رسمياً في ذلك الوقت.
ولم يكن الاعتقال أو الضرب أو الجرح أو الشهادة فقط ما تواجهه المراة الفلسطينية خلال مشاركتها في فعاليات ونشاطات الانتفاضة بل واجهت حرباً ديمغرافية مبرمجة هدفها الحد من التكاثر الفلسطيني وليس أدل على ذلك من إجابة "غولدا مائير" عندما سئلت عن السبب الذي يمنع عنها النوم أنه "ولادة طفل عربي"، إن الهاجس الديمغرافي يشكل قلقاً دائماً على الذهنية الصهيونية وخصوصاً الأحزاب اليمينة المتطرفة.
فقد أدى تزايد أعداد الفلسطينيين في السنوات الأخيرة إلى بروز أحزاب وقحة ليس لبرنامجها السياسي أية قيمة..إذا شطبت منه كلمة الترانسفير وهكذا أصبح من العادي جداً أن تجد مخلوقات بنت على العنصرية الحاقدة مكاناً لها في الكنيست في ذلك الوقت أمثال رحفعام زئيفي، مئيرر كهانا، وايتان، وهورفيتس ونئمان وغئيولا كوهين، ويظهر هؤلاء كإنسانيين وأخلاقيين بقولهم " لا نريد قتل الفلسطينيين ولكننا سنجهزلهم شاحنات ترمي بهم على الحدود العربية".
ولا استغراب بعد هذا أن تغتنم قوات الاحتلال وضع الانتفاضة لتسلط جام غضبها ليس فقط على الأحياء بل على من لم يروا النور بعد.. فإذا أخذنا احصائية حتى يوم 9/10/1988 للشهداء فنجدها 470 شهيداً ولكن من المنطق أن يضاف إلى هؤلاء شهداء مجهولين قضوا على يد حقد الجيش الاسرائيلي جراء حالات الأجهاض التي بلغت حتى 9/10/1988 "1700" حالة جراء استنشاق الغازات السامة والضرب المبرح. إذ كان يتعمد الجيش الإسرائيلي إلقاء قنابل الغاز السامة على المخيمات المكثفة بالسكان والتي يمتاز الكيلومتر المربع منها بكثافة سكانية تعادل أضعافها في المدن مما يجعل أثرها أوسع وأشمل وعليه تكون أغلب حالات الإجهاض خلال الانتفاضة قادمة من المخيمات.
إن تصريحات قادة اسرائيل وأدبياتهم في ذلك الوقت التي تعبر عن قلقهم من تزايد السكان الفلسطينيين وقيام بعض اجهزة اسرائيل الامنية بتسميم خزانات المياه في مدارس البنات بمواد كيماوية تسبب العقم قبل عدة سنوات من الانتفاضة، وإثبات التقارير الطبية للعلاقة بين الغاز والاجهاض، كل هذا ليؤكد بأن هناك تعمداً مشفوعاً بأوامر عسكرية بخصوص القاء قنابل الغاز على التجمعات الكثيفة في المخيمات وإن نسبه الاجهاض العالية جداً ليست نتيجة للصدفة او للظروف التي تتبعها الأوضاع القائمة في الارض المحتلة. صحيح ان نسبة الولادة تزايدت خلال الانتفاضة بمعدل 100 حالة زيادة على الرقم العادي ولكن هذا لا يلغي الرقم المرعب لحالات الاجهاض.
يتبع