آلان هارت، يسأل: هل تُطَلِّق اليهودية الصهيونية؟
المقال مترجم عن?... Judaism and Zionism: A divorce in the making
للكاتب Alan Hart
في أكتوبر عام 2001، أدلى الحاخام اللندني البارز الدكتور ديفيد جولدبرج، الذي يحظى باحترامٍ واسع، بما اعتبرتُه أهم تصريحٍ ليهوديّ منذ تأسيس دولة الإرهاب الصهيوني (وليس اليهودي) والتطهير العرقي قبل 53 عامًا، قائلاً: “إن الاستعمار الإسرائيلي لفلسطين أثار لدى كثير من اليهود شكوكًا بشأن دعمهم اللامشروط لإسرائيل، وربما يكون الوقت قد حان لليهودية والصهيونية أن يذهب كل منهما في طريقه”.
التقرير الذي قرأتُ فيه تصريحات جولدبرج كتبه أندرو جونسون في الإندبندنت أون صنداي، تحت عنوان “خلاف بين اليهود البريطانيين بعد انتقاد حاخام للاستعمار الإسرائيلي”، وأشار فيه إلى أن ما قاله الحاخام أثار نقاشًا حماسيًّا على صفحات جويش كرونيكل؛ المدافعة عن إسرائيل، ظالمة أو مظلومة.
وكان من دواعي سروري أن تحدثتُ مرة واحدة مع الحاخام جولدبرج على غداءٍ ثنائيّ، وكنتُ عرفتُ من بحثي أنه أول يهودي بارز في المملكة المتحدة يدعو للاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين، في مقالٍ نشرته التايمز عام 1978، وكان أول حاخامٍ يدشن جلسة حوار بين اليهودية والمسيحية والإسلام عندما افتتح مسجد ريجنت بارك في العام ذاته، كما أنه كاتب له مؤلفات عدة حول الشعب اليهودي وتاريخه ودينه والذات المنقسمة بين إسرائيل والنفسية اليهودية.
وكتب عنه آفي شلايم، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أوكسفورد: “في أعقاب انتصارها في حرب يونيو 1967، فقدت إسرائيل بوصلتها الأخلاقية، وأصبح العديد من يهود الشتات يعانون من الرؤية الأخلاقية الانتقائية لإسرائيل. بيدَ أن الحاخام ديفيد جولدبرج كان استثناءً مثيرًا للإعجاب؛ حيث تعامل مع سلوك إسرائيل حيال الفسطينيين بلا هوادة ووضعه تحت المجهر. وبعد النقد، جاءت المطالبة البليغة بالصهيونية الأخلاقية: صهيونية تعتمد على القيم اليهودية”.
لكن مع احترامي للحاخام جولدبرج (وآفي شلايم)، أعتقد أن هذا الأمر مستحيل؛ فمنذ البدء أكدت الآلة الصهيونية على الخدعة الكبرى والهراء الدعائيّ القائل بأن فلسطين “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، ولذلك يمكنني القول – دون خوف من التناقض – أن الصهيونية، التي تأسست على إدراك أنكَ قد تضطر للجوء إلى التطهير العرقي لتحقيق أهدافك، لم تكن تمتلك أبدًا بوصلة أخلاقية.
ويمكن التكهن أيضًا بأن اكتشاف أغلبية كبيرة من اليهود الإسرائيليين للبوصلة الأخلاقية سوف يعني نهاية الصهيونية في فلسطين التي أصبحت إسرائيل، وبالتالي نهاية الصهيونية. لماذا؟
لأن هذا الاكتشاف سيمثل اعترافًا بالخطأ الذي ارتكبته الصهيونية بحق الفلسطينيين، وقبولاً بضرورة تصحيح الخطأ، لكن الصهيونية لن تقوم بذلك أبدًا.. أبدًا. وحتى لو سمح الحاخام جولدبرج لنفسه ببعض التمني أن تصبح الصهيونية مرتكزة على القيم اليهودية (أفترض أنه يعني القيم اليهودية التقدمية، الإصلاحية، الحديثة) فإن هذا لا ينتقص من أهمية بيانه الشجاع والأكثر عمقًا؛ بأن الوقت حان كي تذهب اليهودية والصهيونية كلٌ في سبيله.
لكن لماذا يجب أن تفك اليهودية ارتباطها بالصهيونية؟
جزء من الإجابة هو أن مصداقية اليهودية تقوضت بازدراء الصهيونية لقيمها ومبادئها الأخلاقية، وبهذا المعنى يمكن القول إن الصهيونية تشكل تهديدًا لبقاء اليهودية. كما لوحظ أن مؤسسي الصهيونية كانوا علمانيين، واهتمامهم الوحيد باليهودية كان منحصرًا في استغلالها دينيًّا.
أما الجزء الآخر من الإجابة القصيرة فألمحتُ إليه في عنوان كتابي “الصهيونية: العدو الحقيقي لليهود”، وهي الرسالة التي يؤكدها اليوم ارتفاع المد العالمي المناهض للإسرائيلية، الذي يعتبر أحد مظاهر القلق والغضب من غطرسة الدولة الصهيونية (لا اليهودية)، وليس أحد مظاهر معاداة السامية (التحيز ضد اليهود لمجرد أنهم يهود)، كما يعتبره نتنياهو وذوي النزعة الفاشية الجديدة، ويرجع ذلك إلى أن المزيد والمزيد من أتباع كل الأديان والمعتقدات، بما في ذلك عدد قليل – لكنه متزايد – من اليهود، بدأوا يرون إسرائيل على حقيقتها؛ “ظالمة وليست مظلومة”.
إن الخطر الذي يواجهه اليهود حول العالم هو أن تتحول معاداة الإسرائيلية إلى معاداة للسامية؛ ما يمهد الطريق أمام محرقةٍ ثانيةٍ، وهو الخطر الذي حذر منه يهوشافاط حراكابي – أطول من شغل منصب مدير في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي – في كتابه الصادر عام 1988 “ساعة إسرائيل المصيرية”؛ حيث كتب: “أي خلل في السلوك الإسرائيلي من المرجح أن يتحول إلى دليلٍ تجريبي على صحة معاداة السامية، وحينها ستصبح مفارقة مأساوية؛ أن تتحول الدولة اليهودية، المفترض أنها كانت تهدف إلى إيجاد حل لمشكلة معاداة السامية، لتصبح عاملاً مهمًّا في ظهور معاداة السامية، ويجب على إسرائيل أن تدرك أن سوء تصرفها لن تدفع ثمنه وحدها، بل سيشاركها تسديد الفاتورة جميع اليهود في أنحاء العالم”.
ووجه “حراكابي” رسالة أخرى لليهود حول العالم، شجعهم فيها على التعبير عن آرائهم بصراحة، دون خشية الاختلاف مع إسرائيل. أما تحفُّظ القيادة اليهودية الأمريكية – بدافع الخوف من الإدانة وربما النبذ – فليس في صالحهم، فهم بدلاً من أن يصرحوا بقلقهم، يتصرفون كمدافعين عن سياسات وسلوكيات يرفضها كثير منهم سرًّا، وبذلك يتخلون عن مسئولياتهم كقادة في أمريكا، ومستشارين مؤثرين في إسرائيل. إن الخرس ليس حيادًا، بل تأييدًا لسياسات الليكود الحالية. ولو كان “حراكابي” على قيد الحياة اليوم لاقترحتُ عليه تحديث النص ليضع “سياسات الليكود” بدلاً من “سياسات اليمينيين الفاشيين الجدد، والمتعصبين الدينيين العنصريين”.
كما أشار بيتر بينارت إلى أن “الجماعات الأمريكية، مثل آيباك ورابطة مكافحة التشهير، التي كرست الكثير من الوقت والطاقة والموارد لتعزيز ما يرونه مصالح إسرائيل – وهم يخطئون في تحديد ذلك كثيرًا – تجاهلت إلى حد كبير حقيقة نمو العنصرية والتطرف الديني في إسرائيل”، رغم ما أوضحه “حراكابي” في الفصل المعنون “اليهودية الوطنية”، من أن الدين ظل هامشيًّا في إسرائيل، ولم يحاول التأثير في السياسة الصهيونية أو توجيهها حتى بعد حرب 1967.
ويرى كثير من يهود أوروبا وأمريكا أن الصهيونية لا تعني أكثر من ممارسة اليهود من كل مكان حقهم في العودة إلى أرض الأجداد التي منحهم الله إياها (لن أتطرق هنا لحقيقة أن إسرائيل/ فلسطين ليست موطنًا لأسلاف معظم اليهود في العالم اليوم)، أو بعبارة أخرى: ليس لدى يهود أوروبا وأمريكا أدنى فكرة أن الصهيونية هي عملية تطهيرٍ عرقيٍّ قائمة.
وفي رأيي ثمة سبب آخر يدفع معظم اليهود للصمت؛ وهو إيمانهم بإمكانية حدوث المحرقة الثانية، ومن ثمَّ فهم يرون إسرائيل ملجأً أخيرًا، وبوليصة تأمين. من أجل ذلك هم يقولون لأنفسهم: لا تفعلوا شيئًا، أو تقولوا كلمة، يمكن أن تساعد أعداء إسرائيل، بما يهدد سياستكم التأمينية.
المفارقة – ربما الأكثر مأساوية في تاريخ البشرية حتى الآن – تكمن في حقيقة (ربما يجب أن أقول احتمالية) أنهم إذا استمروا في دعم إسرائيل بلا قيد أو شرط، وواصلوا السكوت على سياساتها القمعية، فإن يهود العالم، خاصة في أوروبا وأمريكا، سوف يعرضون أنفسهم للاتهام بالتورط في جرائم الصهيونية، ما من شأنه تحويل مناهضة السامية إلى مناهضة لليهودية، هذا جوهر القضية، الذي يحتم على يهود العالم، لمصلحتهم الشخصية، أن ينأوا بأنفسهم بعيدًا عن الوحش الصهيوني.
س: هل يستحيل أن يفعلوا ذلك بأعداد كبيرة تكفي لتذهب كل من اليهودية والصهيونية في طريقين منفصلين؟
ج: المصلحة الشخصية والضرورة الأخلاقية كافيتان لضمان الإجابة بـ”نعم”. لكن هل فات الوقت كي يتخلص معظم يهود العالم من تأثير الدعاية الصهيونية ويعدلوا مع الفلسطينيين؟
أنا لا أدعي معرفة الإجابة على هذا السؤال.. بل أكتفي بطرحه.
المقال مترجم عن?... Judaism and Zionism: A divorce in the making
للكاتب Alan Hart
في أكتوبر عام 2001، أدلى الحاخام اللندني البارز الدكتور ديفيد جولدبرج، الذي يحظى باحترامٍ واسع، بما اعتبرتُه أهم تصريحٍ ليهوديّ منذ تأسيس دولة الإرهاب الصهيوني (وليس اليهودي) والتطهير العرقي قبل 53 عامًا، قائلاً: “إن الاستعمار الإسرائيلي لفلسطين أثار لدى كثير من اليهود شكوكًا بشأن دعمهم اللامشروط لإسرائيل، وربما يكون الوقت قد حان لليهودية والصهيونية أن يذهب كل منهما في طريقه”.
التقرير الذي قرأتُ فيه تصريحات جولدبرج كتبه أندرو جونسون في الإندبندنت أون صنداي، تحت عنوان “خلاف بين اليهود البريطانيين بعد انتقاد حاخام للاستعمار الإسرائيلي”، وأشار فيه إلى أن ما قاله الحاخام أثار نقاشًا حماسيًّا على صفحات جويش كرونيكل؛ المدافعة عن إسرائيل، ظالمة أو مظلومة.
وكان من دواعي سروري أن تحدثتُ مرة واحدة مع الحاخام جولدبرج على غداءٍ ثنائيّ، وكنتُ عرفتُ من بحثي أنه أول يهودي بارز في المملكة المتحدة يدعو للاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين، في مقالٍ نشرته التايمز عام 1978، وكان أول حاخامٍ يدشن جلسة حوار بين اليهودية والمسيحية والإسلام عندما افتتح مسجد ريجنت بارك في العام ذاته، كما أنه كاتب له مؤلفات عدة حول الشعب اليهودي وتاريخه ودينه والذات المنقسمة بين إسرائيل والنفسية اليهودية.
وكتب عنه آفي شلايم، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أوكسفورد: “في أعقاب انتصارها في حرب يونيو 1967، فقدت إسرائيل بوصلتها الأخلاقية، وأصبح العديد من يهود الشتات يعانون من الرؤية الأخلاقية الانتقائية لإسرائيل. بيدَ أن الحاخام ديفيد جولدبرج كان استثناءً مثيرًا للإعجاب؛ حيث تعامل مع سلوك إسرائيل حيال الفسطينيين بلا هوادة ووضعه تحت المجهر. وبعد النقد، جاءت المطالبة البليغة بالصهيونية الأخلاقية: صهيونية تعتمد على القيم اليهودية”.
لكن مع احترامي للحاخام جولدبرج (وآفي شلايم)، أعتقد أن هذا الأمر مستحيل؛ فمنذ البدء أكدت الآلة الصهيونية على الخدعة الكبرى والهراء الدعائيّ القائل بأن فلسطين “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، ولذلك يمكنني القول – دون خوف من التناقض – أن الصهيونية، التي تأسست على إدراك أنكَ قد تضطر للجوء إلى التطهير العرقي لتحقيق أهدافك، لم تكن تمتلك أبدًا بوصلة أخلاقية.
ويمكن التكهن أيضًا بأن اكتشاف أغلبية كبيرة من اليهود الإسرائيليين للبوصلة الأخلاقية سوف يعني نهاية الصهيونية في فلسطين التي أصبحت إسرائيل، وبالتالي نهاية الصهيونية. لماذا؟
لأن هذا الاكتشاف سيمثل اعترافًا بالخطأ الذي ارتكبته الصهيونية بحق الفلسطينيين، وقبولاً بضرورة تصحيح الخطأ، لكن الصهيونية لن تقوم بذلك أبدًا.. أبدًا. وحتى لو سمح الحاخام جولدبرج لنفسه ببعض التمني أن تصبح الصهيونية مرتكزة على القيم اليهودية (أفترض أنه يعني القيم اليهودية التقدمية، الإصلاحية، الحديثة) فإن هذا لا ينتقص من أهمية بيانه الشجاع والأكثر عمقًا؛ بأن الوقت حان كي تذهب اليهودية والصهيونية كلٌ في سبيله.
لكن لماذا يجب أن تفك اليهودية ارتباطها بالصهيونية؟
جزء من الإجابة هو أن مصداقية اليهودية تقوضت بازدراء الصهيونية لقيمها ومبادئها الأخلاقية، وبهذا المعنى يمكن القول إن الصهيونية تشكل تهديدًا لبقاء اليهودية. كما لوحظ أن مؤسسي الصهيونية كانوا علمانيين، واهتمامهم الوحيد باليهودية كان منحصرًا في استغلالها دينيًّا.
أما الجزء الآخر من الإجابة القصيرة فألمحتُ إليه في عنوان كتابي “الصهيونية: العدو الحقيقي لليهود”، وهي الرسالة التي يؤكدها اليوم ارتفاع المد العالمي المناهض للإسرائيلية، الذي يعتبر أحد مظاهر القلق والغضب من غطرسة الدولة الصهيونية (لا اليهودية)، وليس أحد مظاهر معاداة السامية (التحيز ضد اليهود لمجرد أنهم يهود)، كما يعتبره نتنياهو وذوي النزعة الفاشية الجديدة، ويرجع ذلك إلى أن المزيد والمزيد من أتباع كل الأديان والمعتقدات، بما في ذلك عدد قليل – لكنه متزايد – من اليهود، بدأوا يرون إسرائيل على حقيقتها؛ “ظالمة وليست مظلومة”.
إن الخطر الذي يواجهه اليهود حول العالم هو أن تتحول معاداة الإسرائيلية إلى معاداة للسامية؛ ما يمهد الطريق أمام محرقةٍ ثانيةٍ، وهو الخطر الذي حذر منه يهوشافاط حراكابي – أطول من شغل منصب مدير في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي – في كتابه الصادر عام 1988 “ساعة إسرائيل المصيرية”؛ حيث كتب: “أي خلل في السلوك الإسرائيلي من المرجح أن يتحول إلى دليلٍ تجريبي على صحة معاداة السامية، وحينها ستصبح مفارقة مأساوية؛ أن تتحول الدولة اليهودية، المفترض أنها كانت تهدف إلى إيجاد حل لمشكلة معاداة السامية، لتصبح عاملاً مهمًّا في ظهور معاداة السامية، ويجب على إسرائيل أن تدرك أن سوء تصرفها لن تدفع ثمنه وحدها، بل سيشاركها تسديد الفاتورة جميع اليهود في أنحاء العالم”.
ووجه “حراكابي” رسالة أخرى لليهود حول العالم، شجعهم فيها على التعبير عن آرائهم بصراحة، دون خشية الاختلاف مع إسرائيل. أما تحفُّظ القيادة اليهودية الأمريكية – بدافع الخوف من الإدانة وربما النبذ – فليس في صالحهم، فهم بدلاً من أن يصرحوا بقلقهم، يتصرفون كمدافعين عن سياسات وسلوكيات يرفضها كثير منهم سرًّا، وبذلك يتخلون عن مسئولياتهم كقادة في أمريكا، ومستشارين مؤثرين في إسرائيل. إن الخرس ليس حيادًا، بل تأييدًا لسياسات الليكود الحالية. ولو كان “حراكابي” على قيد الحياة اليوم لاقترحتُ عليه تحديث النص ليضع “سياسات الليكود” بدلاً من “سياسات اليمينيين الفاشيين الجدد، والمتعصبين الدينيين العنصريين”.
كما أشار بيتر بينارت إلى أن “الجماعات الأمريكية، مثل آيباك ورابطة مكافحة التشهير، التي كرست الكثير من الوقت والطاقة والموارد لتعزيز ما يرونه مصالح إسرائيل – وهم يخطئون في تحديد ذلك كثيرًا – تجاهلت إلى حد كبير حقيقة نمو العنصرية والتطرف الديني في إسرائيل”، رغم ما أوضحه “حراكابي” في الفصل المعنون “اليهودية الوطنية”، من أن الدين ظل هامشيًّا في إسرائيل، ولم يحاول التأثير في السياسة الصهيونية أو توجيهها حتى بعد حرب 1967.
ويرى كثير من يهود أوروبا وأمريكا أن الصهيونية لا تعني أكثر من ممارسة اليهود من كل مكان حقهم في العودة إلى أرض الأجداد التي منحهم الله إياها (لن أتطرق هنا لحقيقة أن إسرائيل/ فلسطين ليست موطنًا لأسلاف معظم اليهود في العالم اليوم)، أو بعبارة أخرى: ليس لدى يهود أوروبا وأمريكا أدنى فكرة أن الصهيونية هي عملية تطهيرٍ عرقيٍّ قائمة.
وفي رأيي ثمة سبب آخر يدفع معظم اليهود للصمت؛ وهو إيمانهم بإمكانية حدوث المحرقة الثانية، ومن ثمَّ فهم يرون إسرائيل ملجأً أخيرًا، وبوليصة تأمين. من أجل ذلك هم يقولون لأنفسهم: لا تفعلوا شيئًا، أو تقولوا كلمة، يمكن أن تساعد أعداء إسرائيل، بما يهدد سياستكم التأمينية.
المفارقة – ربما الأكثر مأساوية في تاريخ البشرية حتى الآن – تكمن في حقيقة (ربما يجب أن أقول احتمالية) أنهم إذا استمروا في دعم إسرائيل بلا قيد أو شرط، وواصلوا السكوت على سياساتها القمعية، فإن يهود العالم، خاصة في أوروبا وأمريكا، سوف يعرضون أنفسهم للاتهام بالتورط في جرائم الصهيونية، ما من شأنه تحويل مناهضة السامية إلى مناهضة لليهودية، هذا جوهر القضية، الذي يحتم على يهود العالم، لمصلحتهم الشخصية، أن ينأوا بأنفسهم بعيدًا عن الوحش الصهيوني.
س: هل يستحيل أن يفعلوا ذلك بأعداد كبيرة تكفي لتذهب كل من اليهودية والصهيونية في طريقين منفصلين؟
ج: المصلحة الشخصية والضرورة الأخلاقية كافيتان لضمان الإجابة بـ”نعم”. لكن هل فات الوقت كي يتخلص معظم يهود العالم من تأثير الدعاية الصهيونية ويعدلوا مع الفلسطينيين؟
أنا لا أدعي معرفة الإجابة على هذا السؤال.. بل أكتفي بطرحه.