مخيم اليرموك.. استمرار النكبة
في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2012، وفي ظل وصول الحرب بشكلها الواسع إلى مخيم اليرموك، وبعد الهجرة الجماعية لأغلب سكانه، انفجرت سيارة مفخخة في ساحة الريجة في المخيم. ويوضح هذا الفيديو المنتشر عن الوضع بعد التفجير مقدار الدمار في الساحة والمنطقة المحيطة بها. يخبرنا صوت مصور الفيديو، والذي لا يمكننا رؤيته، أن الرجال الذين ينتمون إلى كتيبتين منفصلتين مما يسمى "الجيش السوري الحر" شاهدتا قائد سيارة مشبوهة يترك سيارته، وحين تمت مواجهته واعترف بما سيحدث تم إخلاء الساحة. ورغم أنه لم تكن هناك إصابات بشرية أو وفيات فقد تم تسجيل حجم الدمار فالفيديو إضافة إلى الصور التي وضعت على مجموعة اليرموك في الفيسبوك (مخيم اليرموك نيوز)، وهي صفحة يتم تحديثها بشكل دائم بأخبار المخيم. أظهرت إحدى الصور الساحة وهي مدمرة بشكل كبير، إضافة إلى منزل عائلة (الصمادي) الذي يواجه قسم منه الساحة بشكل مباشر والذي أصيب بأضرار كبيرة.
بعد بضعة أيام، انتشرت صورة أخرى للساحة المدمرة على صفحة أخبار اليرموك . هذه المرة، كانت الصورة صورة الحاج أبو سميح، الابن الأكبر لعائلة الصمادي واقفاً خارج منزل العائلة نصف المدمر متكئاً على عصاه، وينظر مباشرة نحو الكامرة محاطاً بأنقاض ساحة الرجى. أثناء مقابلتي للحاج أبو سميح قبل ما يقرب من خمس سنوات، تحدث الحاج عن نكبة فلسطين. كان وقتها متطوعاً شاباً في جيش الجهاد المقدس، وهي جماعة متطوعين غير اعتياديين كانوا يعملون في فلسطين قبل دخول الجيوش العربية النظامية في مايو/أيار 1948. أصيب بطلق ناري قرب معلول ونقل إلى مستشفى في الناصرة، ومن هناك إلى مستشفى في بيروت، وأخيراً إلى مستشفى في دمشق بسبب تكدس الجرحى. حين وصل إلى الحدود السورية، صرف آخر قرشين في جيبه على شراء جريدة. التم الشمل مع عائلته التي كانت مشتتة بين فلسطين ولبنان وسوريا أخيراً، وبقي في مسجد يؤوي اللاجئين في دمشق إلى أن انتقل إلى مخيم اليرموك في الخمسينات. في اليرموك، بدأ في إعادة بناء حياته من الصفر واستغرقه زهاء عشرين عاماً ،كما أخبرني، ليتخلص من الفقر الذي عانى منه هو وأسرته كلاجئين.
بالنظر إلى تاريخ الحاج أبو سميح وأهميته بالنسبة لمجتمعه، فقد كانت الصورة الثانية له مع نصف منزل العائلة المدمر المواجه لساحة الريجة يحمل التعليق التالي:
في مخيم اليرموك..شيخ لا زال مرابطاً في منزله- في شارعه- في مخيمه- دمّر الانفجار أجزاءً من منزله ومنطقته وساحته لكنه رفض الخروج من منزله. الحاج أبو سميح صمادي..عاصر نكبة فلسطين ليرفض نكبة أخرى تتجلى بخروجه من المخيم.
وهكذا، وفي خلال خمس سنوات وعلى خلفية الحرب في سوريا، تغيرت النكبة من الكارثة التي حاقت بالفلسطينيين في 1948، والتي شهدها الحاج سميح وبقي شاهداً عليها حتى ذكراها الستين، إلى نكبة تعبر عن نفسها بخروج الحاج من مخيم اليرموك. وفيما يبقى المعنى الرئيس للنكبة هو القضية التي لم تحل بعد للكارثة الفلسطينية السابقة والمستمرة، فإن معنى النكبة تغير مرة أخرى، ويتم الحديث عنه من زاوية ارتباط الفلسطينيين بمنازلهم ( ومخيماتهم)، حتى وإن كانت في سوريا. ونتيجة لهذا، فإن الحرب لا تغير البلد بكامله ومعه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين فحسب، ولكنها تستمر أيضاً في تغيير معاني ودلالات نكبة 1948.
[ترجمه من الإنجليزية إلى العربية علي أديب]
*هذا المقال هو نسخة مختصرة من ورقة بحث قدمت في ورشة عمل "ذكريات فلسطين: نكبة 1948" والتي عقدت في معهد البحث الثقافي في برلين، ألمانيا في مارس/آذار 2013.
في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2012، وفي ظل وصول الحرب بشكلها الواسع إلى مخيم اليرموك، وبعد الهجرة الجماعية لأغلب سكانه، انفجرت سيارة مفخخة في ساحة الريجة في المخيم. ويوضح هذا الفيديو المنتشر عن الوضع بعد التفجير مقدار الدمار في الساحة والمنطقة المحيطة بها. يخبرنا صوت مصور الفيديو، والذي لا يمكننا رؤيته، أن الرجال الذين ينتمون إلى كتيبتين منفصلتين مما يسمى "الجيش السوري الحر" شاهدتا قائد سيارة مشبوهة يترك سيارته، وحين تمت مواجهته واعترف بما سيحدث تم إخلاء الساحة. ورغم أنه لم تكن هناك إصابات بشرية أو وفيات فقد تم تسجيل حجم الدمار فالفيديو إضافة إلى الصور التي وضعت على مجموعة اليرموك في الفيسبوك (مخيم اليرموك نيوز)، وهي صفحة يتم تحديثها بشكل دائم بأخبار المخيم. أظهرت إحدى الصور الساحة وهي مدمرة بشكل كبير، إضافة إلى منزل عائلة (الصمادي) الذي يواجه قسم منه الساحة بشكل مباشر والذي أصيب بأضرار كبيرة.
بعد بضعة أيام، انتشرت صورة أخرى للساحة المدمرة على صفحة أخبار اليرموك . هذه المرة، كانت الصورة صورة الحاج أبو سميح، الابن الأكبر لعائلة الصمادي واقفاً خارج منزل العائلة نصف المدمر متكئاً على عصاه، وينظر مباشرة نحو الكامرة محاطاً بأنقاض ساحة الرجى. أثناء مقابلتي للحاج أبو سميح قبل ما يقرب من خمس سنوات، تحدث الحاج عن نكبة فلسطين. كان وقتها متطوعاً شاباً في جيش الجهاد المقدس، وهي جماعة متطوعين غير اعتياديين كانوا يعملون في فلسطين قبل دخول الجيوش العربية النظامية في مايو/أيار 1948. أصيب بطلق ناري قرب معلول ونقل إلى مستشفى في الناصرة، ومن هناك إلى مستشفى في بيروت، وأخيراً إلى مستشفى في دمشق بسبب تكدس الجرحى. حين وصل إلى الحدود السورية، صرف آخر قرشين في جيبه على شراء جريدة. التم الشمل مع عائلته التي كانت مشتتة بين فلسطين ولبنان وسوريا أخيراً، وبقي في مسجد يؤوي اللاجئين في دمشق إلى أن انتقل إلى مخيم اليرموك في الخمسينات. في اليرموك، بدأ في إعادة بناء حياته من الصفر واستغرقه زهاء عشرين عاماً ،كما أخبرني، ليتخلص من الفقر الذي عانى منه هو وأسرته كلاجئين.
بالنظر إلى تاريخ الحاج أبو سميح وأهميته بالنسبة لمجتمعه، فقد كانت الصورة الثانية له مع نصف منزل العائلة المدمر المواجه لساحة الريجة يحمل التعليق التالي:
في مخيم اليرموك..شيخ لا زال مرابطاً في منزله- في شارعه- في مخيمه- دمّر الانفجار أجزاءً من منزله ومنطقته وساحته لكنه رفض الخروج من منزله. الحاج أبو سميح صمادي..عاصر نكبة فلسطين ليرفض نكبة أخرى تتجلى بخروجه من المخيم.
وهكذا، وفي خلال خمس سنوات وعلى خلفية الحرب في سوريا، تغيرت النكبة من الكارثة التي حاقت بالفلسطينيين في 1948، والتي شهدها الحاج سميح وبقي شاهداً عليها حتى ذكراها الستين، إلى نكبة تعبر عن نفسها بخروج الحاج من مخيم اليرموك. وفيما يبقى المعنى الرئيس للنكبة هو القضية التي لم تحل بعد للكارثة الفلسطينية السابقة والمستمرة، فإن معنى النكبة تغير مرة أخرى، ويتم الحديث عنه من زاوية ارتباط الفلسطينيين بمنازلهم ( ومخيماتهم)، حتى وإن كانت في سوريا. ونتيجة لهذا، فإن الحرب لا تغير البلد بكامله ومعه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين فحسب، ولكنها تستمر أيضاً في تغيير معاني ودلالات نكبة 1948.
[ترجمه من الإنجليزية إلى العربية علي أديب]
*هذا المقال هو نسخة مختصرة من ورقة بحث قدمت في ورشة عمل "ذكريات فلسطين: نكبة 1948" والتي عقدت في معهد البحث الثقافي في برلين، ألمانيا في مارس/آذار 2013.