خمس قضايا مضيئة في معركة القدس.
بقلم: هشام يعقوب*
يتناول غالبية الكُتّاب والباحثين والإعلاميين والسياسيين موضوع القدس وما آلت إليه الأمور فيها بشيء من السوداوية التي توحي بانطباعات تتلخص بأننا خسرنا معركة القدس، أو المعركة على القدس مع الاحتلال الإسرائيلي. وما من شكٍّ في أن جانبًا لا بأس به من الصورة التي يحاولون نقلها عن واقع القدس المؤلم هو في مكانٍ من الصحة، ولكن ذلك ليس الصورة كلها بلا شكٍّ، إذ يغيب عن هؤلاء جوانب مشرقة أو على الأقل جوانب تشكل مبعثَ أمل وتُتمّم الصورة عن القدس بألمها وأملها. ولست في معرض التغاضي عن الجراح التي أثخنت جسد المدنية المقدسة، إذ سبق أن تكلّمنا بما فيه الكفاية عن حال القدس وتفاصيل واقعها المحزن ولكنني يعزّ عليّ أن أرى حالة القنوط واليأس تغزو شرائح الأمة المختلفة بما في ذلك النُّخب والقادة، ولذلك أودّ أن أضيء على خمس قضايا يجب ألا تغيب عن بالنا ونحن نرسم صورة القدس ونتحدث عنها.
القضية الأولى: هي أن شعبنا الفلسطيني في القدس انتصر على الاحتلال الإسرائيلي في معركة السكان والديمغرافيا فالاحتلال "حدّد" منذ عام 1973 أن نسبة السكان الفلسطينيين في القدس يجب ألا تزيد عن 22%، وبالفعل تكثفت خطواته لتحقيق هذا الهدف وبتنا نسمع عن حالات طرد جماعية لأحياء كاملة في القدس، وسحب للبطاقات الزرقاء التي يحملها المقدسيون، وهدم للبيوت في مقابل زيادة الاستيطان لاستقدام أكبر عدد ممكن المستوطنين اليهود للقدس فأقاموا حوالي 29 مستوطنة ليقطن فيها 270 ألف مستوطن تقريبًا. وعلى الرغم من كل ذلك استمرت نسبة السكان المقدسيين في الزيادة حيث وصلت إلى حوالي 36% في أيامنا هذه بعد أن كانت 26% عام 1967، ويتوقع الخبراء بأن تصل إلى 40 % عام 2020، و50 % عام 2040 وهذا ما يمكن أن يشكل "هزيمة ناعمة" للاحتلال فيما لو بقي في قدسنا إلى ذلك التاريخ لا سمح الله. وفي هذه النقطة أيضًا لا بدّ أن نعرف أن نسبة الزيادة السكانية للفلسطينين في القدس هي بين 3-3.5% في مقابل 2.2-2.8% لليهود، وأن عدد اليهود الذين هاجروا إلى القدس بين عامي 1980-2005 هو 208 آلاف في مقابل عدد الذين هجروها مُدبرين وهو 313 ألفًا ما يعني أن الهجرة العكسية لليهود في القدس هي 105 آلاف.
القضية الثانية: هي فيما يتعلق بالجدار العازل في القدس، هذا الجدار الذي شقّ صدر المدينة وأخرج حوالي 151 ألف مقدسي خارج حدود الجدار (المدينة) وصادر حوالي 163 كلم2 من أراضيها، إلا أننا يجب أن ندرك إلى جانب تداعياته الكارثية أنه الترجمة العملية والاعتراف الضمني الواضح بتحطم وانهيار حلم الصهاينة بإقامة "القدس الكبرى". لقد تذرع قادة الاحتلال عند البدء بتنفيذ بناء الجدار العازل (دخل حيّز التنفيذ في عهد شارون في حزيران/يونيو 2002) أنه لدواعٍ أمنية لكنه في حقيقة الأمر ليس سوى الإقرار النهائي العملي بالحقيقة المرّة لدى الصهاينة بأنه ليس بمقدورهم أن يحوّلوا القدس إلى "القدس الكبرى" لأسباب كثيرة ليس آخرها الديموغرافية. إضافة إلى ذلك فقد أصيب الصهاينة بخيبة كبيرة وهم يشاهدون آلاف العائلات المقدسية التي وجدت نفسها خارج مدينتها العزيزة عليها بفعل الجدار تقوم بنزوح باتجاه المدينة "داخل الجدار" ولو كان ذلك على حساب أرزاقهم وممتلكاتهم.
القضية الثالثة: هي أننا على الرغم من حديثنا المستمر عن مخططات التهويد التي لا تنتهي إلا أننا ما زلنا ننظر إلى مدينتنا فنشاهد قبابها ومآذنها وكنائسها وأسواقها وأسوارها وآثارها فتتجلى أمامنا هويتها العربية والإسلامية. فها هي معالم القدس ما زالت تنطق بلسان عربي أصيل على الرغم من بعض التلعثم جرّاء التشوّه والتزييف والتهويد لهذه المعالم. ويكفي هنا أن نحاول الإجابة على السؤال الآتي لندرك حجم المأزق الصهيوني: " ماذا يعني أن يمر حوالي 44 سنة على احتلال كامل القدس من دون أن يفلح الصهاينة بطمس معالمها وتحويلها إلى " أورشليم" التي يحلمون بها؟". باختصار إنها غاية الفشل الصهيوني لأنهم فشلوا في جعل القدس عاصمة يهودية لهم فما قيمة كيانهم من دون عاصمتهم – الحلم؟!.
القضية الرابعة: هي أن القدس على الرغم من حالات التشرذم والشِّقاق التي تسود الأمة إلا أنها حافظت على قيمتها كمدينة بل كقضية توحّد جميع أطياف وأطراف الأمة. وما زالت قلوب الملايين في هذه الأمة تهفو إلى القدس وتتفاعل مع ندائها على الرغم من ملاحظاتنا الكثيرة على هذا التفاعل.
القضية الخامسة: هي إيمان المقدسيين وصمودهم وثباتهم في أرضهم على الرغم من كل المعاناة ومخططات التهجير والتطهير والتنكيل والتضييق التي تواجههم. وتكاد تكون هذه النقطة هي الدعامة الأساسية للنقاط السابقة، فإصرار المقدسيين الراسخ والمذهل على التمسك بمدينتهم ومواجهة الاحتلال، ومنعه من الإجهاز على القدس بحجرها وبشرها رغم قلة الحيلة وضعف الوسيلة هو الذي يمنع أو يؤخر على الأقل تحقيق حلم الصهاينة بالسيطرة على القدس.
إن استعراض بعض الجوانب المشرقة في معركتنا مع الاحتلال في القدس أو عليها لا يبتغي إطلاقاً الإيحاء بأننا في موقف مطمئنٍ في هذه المعركة، بل يرمي إلى بعث الأمل واستنهاض الهمم والانطلاق للبناء على ما سبق من نوافذ ومحطات أمل لصياغة مشروع متكامل تتبنّاه وتقوده الأمة بكل شرائحها لتثبيت المقدسيين ودعمهم والحفاظ على هوية القدس العربية والإسلامية.
*مدير الإعلام والمعلومات في مؤسسة القدس الدولية
بقلم: هشام يعقوب*
يتناول غالبية الكُتّاب والباحثين والإعلاميين والسياسيين موضوع القدس وما آلت إليه الأمور فيها بشيء من السوداوية التي توحي بانطباعات تتلخص بأننا خسرنا معركة القدس، أو المعركة على القدس مع الاحتلال الإسرائيلي. وما من شكٍّ في أن جانبًا لا بأس به من الصورة التي يحاولون نقلها عن واقع القدس المؤلم هو في مكانٍ من الصحة، ولكن ذلك ليس الصورة كلها بلا شكٍّ، إذ يغيب عن هؤلاء جوانب مشرقة أو على الأقل جوانب تشكل مبعثَ أمل وتُتمّم الصورة عن القدس بألمها وأملها. ولست في معرض التغاضي عن الجراح التي أثخنت جسد المدنية المقدسة، إذ سبق أن تكلّمنا بما فيه الكفاية عن حال القدس وتفاصيل واقعها المحزن ولكنني يعزّ عليّ أن أرى حالة القنوط واليأس تغزو شرائح الأمة المختلفة بما في ذلك النُّخب والقادة، ولذلك أودّ أن أضيء على خمس قضايا يجب ألا تغيب عن بالنا ونحن نرسم صورة القدس ونتحدث عنها.
القضية الأولى: هي أن شعبنا الفلسطيني في القدس انتصر على الاحتلال الإسرائيلي في معركة السكان والديمغرافيا فالاحتلال "حدّد" منذ عام 1973 أن نسبة السكان الفلسطينيين في القدس يجب ألا تزيد عن 22%، وبالفعل تكثفت خطواته لتحقيق هذا الهدف وبتنا نسمع عن حالات طرد جماعية لأحياء كاملة في القدس، وسحب للبطاقات الزرقاء التي يحملها المقدسيون، وهدم للبيوت في مقابل زيادة الاستيطان لاستقدام أكبر عدد ممكن المستوطنين اليهود للقدس فأقاموا حوالي 29 مستوطنة ليقطن فيها 270 ألف مستوطن تقريبًا. وعلى الرغم من كل ذلك استمرت نسبة السكان المقدسيين في الزيادة حيث وصلت إلى حوالي 36% في أيامنا هذه بعد أن كانت 26% عام 1967، ويتوقع الخبراء بأن تصل إلى 40 % عام 2020، و50 % عام 2040 وهذا ما يمكن أن يشكل "هزيمة ناعمة" للاحتلال فيما لو بقي في قدسنا إلى ذلك التاريخ لا سمح الله. وفي هذه النقطة أيضًا لا بدّ أن نعرف أن نسبة الزيادة السكانية للفلسطينين في القدس هي بين 3-3.5% في مقابل 2.2-2.8% لليهود، وأن عدد اليهود الذين هاجروا إلى القدس بين عامي 1980-2005 هو 208 آلاف في مقابل عدد الذين هجروها مُدبرين وهو 313 ألفًا ما يعني أن الهجرة العكسية لليهود في القدس هي 105 آلاف.
القضية الثانية: هي فيما يتعلق بالجدار العازل في القدس، هذا الجدار الذي شقّ صدر المدينة وأخرج حوالي 151 ألف مقدسي خارج حدود الجدار (المدينة) وصادر حوالي 163 كلم2 من أراضيها، إلا أننا يجب أن ندرك إلى جانب تداعياته الكارثية أنه الترجمة العملية والاعتراف الضمني الواضح بتحطم وانهيار حلم الصهاينة بإقامة "القدس الكبرى". لقد تذرع قادة الاحتلال عند البدء بتنفيذ بناء الجدار العازل (دخل حيّز التنفيذ في عهد شارون في حزيران/يونيو 2002) أنه لدواعٍ أمنية لكنه في حقيقة الأمر ليس سوى الإقرار النهائي العملي بالحقيقة المرّة لدى الصهاينة بأنه ليس بمقدورهم أن يحوّلوا القدس إلى "القدس الكبرى" لأسباب كثيرة ليس آخرها الديموغرافية. إضافة إلى ذلك فقد أصيب الصهاينة بخيبة كبيرة وهم يشاهدون آلاف العائلات المقدسية التي وجدت نفسها خارج مدينتها العزيزة عليها بفعل الجدار تقوم بنزوح باتجاه المدينة "داخل الجدار" ولو كان ذلك على حساب أرزاقهم وممتلكاتهم.
القضية الثالثة: هي أننا على الرغم من حديثنا المستمر عن مخططات التهويد التي لا تنتهي إلا أننا ما زلنا ننظر إلى مدينتنا فنشاهد قبابها ومآذنها وكنائسها وأسواقها وأسوارها وآثارها فتتجلى أمامنا هويتها العربية والإسلامية. فها هي معالم القدس ما زالت تنطق بلسان عربي أصيل على الرغم من بعض التلعثم جرّاء التشوّه والتزييف والتهويد لهذه المعالم. ويكفي هنا أن نحاول الإجابة على السؤال الآتي لندرك حجم المأزق الصهيوني: " ماذا يعني أن يمر حوالي 44 سنة على احتلال كامل القدس من دون أن يفلح الصهاينة بطمس معالمها وتحويلها إلى " أورشليم" التي يحلمون بها؟". باختصار إنها غاية الفشل الصهيوني لأنهم فشلوا في جعل القدس عاصمة يهودية لهم فما قيمة كيانهم من دون عاصمتهم – الحلم؟!.
القضية الرابعة: هي أن القدس على الرغم من حالات التشرذم والشِّقاق التي تسود الأمة إلا أنها حافظت على قيمتها كمدينة بل كقضية توحّد جميع أطياف وأطراف الأمة. وما زالت قلوب الملايين في هذه الأمة تهفو إلى القدس وتتفاعل مع ندائها على الرغم من ملاحظاتنا الكثيرة على هذا التفاعل.
القضية الخامسة: هي إيمان المقدسيين وصمودهم وثباتهم في أرضهم على الرغم من كل المعاناة ومخططات التهجير والتطهير والتنكيل والتضييق التي تواجههم. وتكاد تكون هذه النقطة هي الدعامة الأساسية للنقاط السابقة، فإصرار المقدسيين الراسخ والمذهل على التمسك بمدينتهم ومواجهة الاحتلال، ومنعه من الإجهاز على القدس بحجرها وبشرها رغم قلة الحيلة وضعف الوسيلة هو الذي يمنع أو يؤخر على الأقل تحقيق حلم الصهاينة بالسيطرة على القدس.
إن استعراض بعض الجوانب المشرقة في معركتنا مع الاحتلال في القدس أو عليها لا يبتغي إطلاقاً الإيحاء بأننا في موقف مطمئنٍ في هذه المعركة، بل يرمي إلى بعث الأمل واستنهاض الهمم والانطلاق للبناء على ما سبق من نوافذ ومحطات أمل لصياغة مشروع متكامل تتبنّاه وتقوده الأمة بكل شرائحها لتثبيت المقدسيين ودعمهم والحفاظ على هوية القدس العربية والإسلامية.
*مدير الإعلام والمعلومات في مؤسسة القدس الدولية