بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات بيسان: قصة اندثار مدينة كانت سباقة في عصر الحداثة.. من دفاتر النكبة (14). إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات بيسان: قصة اندثار مدينة كانت سباقة في عصر الحداثة.. من دفاتر النكبة (14). إظهار كافة الرسائل

2015-04-08

بيسان: قصة اندثار مدينة كانت سباقة في عصر الحداثة.. من دفاتر النكبة (14)

من دفاتر النكبة (14):
بيسان: قصة اندثار مدينة كانت سباقة في عصر الحداثة..


خاص بـ عــ48ـرب/ د.مصطفى كبها
مدينة بيسان مدينة عريقة تضرب جذورها عميقاً في التاريخ على مدار قرابة خمسة آلاف سنة خلت. تقع هذه المدينة في الظاهر الجنوبي – الشرقي لمرج ابن عامر وعلى الأطراف الغربية لغور الأردن، وتبعد عن بحيرة طبريا 25 كم باتجاه الجنوب.

كانت في فترة الانتداب البريطاني مركز قضاء حيث حملت ملامح مدينة رغم قلة عددها سكانها (قرابة 6000 نسمة عشية النكبة ) سكنها خليط من أهل المدن والفلاحين والبدو ومن القبائل التي عاشت في محيطها الغزاوية والصقور والزيناتي والبشاتوة والبواطي. كان معظمهم يسكنون في خيام وبيوت من طين.


جاءت إليها عائلات من دمشق ونابلس والناصرة واستقرت فيها، هذا فضلاً عن بعض العشائر البدوية التي استقرت فيها مع بداية سنوات العشرينيات من القرن الماضي وخاصة من عرب الغزاوية والغوارنة. تشكل سكان المدينة من فسيفساء إثني وطائفي حيث سكنها العرب وبعض العائلات اليهودية (حتى العام 1929 ) والأرمنية والشركسية ومن الناحية الطائفية سكنها بالإضافة للمسلمين ( الذين شكلوا غالبية السكان ) أبناء بعض الطوائف المسيحية كالكاثوليك والأرثذوكس والأرمن.

بلغت مساحة أراضي بيسان حوالي 35000 دونم تم فرزها عام 1921 حسب اتفاقية فرز أراضي الغور. وقد نجحت المؤسسات الصهيونية بشراء ما يقارب 40% من مساحة هذه الأراضي خلال فترة الانتداب. زرعت هذه الأراضي بالغلال كالحنطة والشعير والذرة والسمسم ونسبة منها زرعت بأشجار الفاكهة كالموز والمشمش والرمان والتفاح والحمضيات.

لم تكن الزراعة مكان العمل الأساسي لسكان بيسان، بل عمل الكثيرون منهم كحرفيين وفي التجارة وفي الوظائف الحكومية. فمن الفئة الأولى نذكر : سالم السالم (حداد)، عبد الكريم قادري (نجار )، عبد الكريم سليم حجازي (نجار )، شفيق حداد (حداد )، نديم أبو غزالة (خياط )، مسعود درويش (خياط)، فوزي درويش أحمد (خياط ) ومحمد جلاد الصانوري ( خياط ).

ومن الفئة الثانية نذكر سعيد صالح عنبتاوي ( تاجر غلال وقماش )، إبراهيم حنا سابا ( تاجر وقود ووكيل شركة واكوم لإنتاج الوقود وتسويقه )، إسماعيل جمعة الشامي ( تاجر غلال وأقمشة)، إبراهيم حنا قبعين ( تاجر غلال وأقمشة )، سعيد ناجي عبد العلي ( تاجر غلال وأقمشة )، وآدم السالم ( تاجر قطع غيار للسيارات ووكيل شركة شل للوقود ). أما في الفئة الثالثة فقد عمل العديد من أبناء بيسان في الوظائف الحكومية المختلفة خاصة في إدارة الأشغال العامة والشرطة والجيش، نذكر منهم توفيق صالح تهتموني الذي كان ضابطاً كبيراً في سلاح حرس الحدود، عبد الله أبو رحمون ( دائرة الصحة )، حبيب وهبة ( محاسب بلدية الناصرة )، سلمان سليم أبو رحمون ( سكرتير بلدية بيسان )، جريس إبراهيم العورة ولبيب جريس حبيب وكامل الجندي (دائرة المساحة )، ناجي سعيد عبد العلي ( شرطة )، سليمان ديب العلي ( شرطة )، داود أسعد علي التهتموني ومحمد سعيد الناجي ( دائرة البريد، فرع بيسان )، عبد الرحمن درويش أحمد ( محاسب بلدية بيسان )، محمد ذيب علي تهتموني (معلم في بيسان ) أمينة أبو دراز ( معلمة في الطنطورة )، ربيحة حمادة ( معلمة في بيسان )، يسرى حمادة ( معلمة في بيسان )، صبحي عبد الله أبو رحمون، حسني محمد حسن أبو خليل ( معلم لغة عربية )، حسني منصور ( معلم علوم )، عدنان محمد سعيد الحلبوني ( معلم، أصبح طبيباً بعد التهجير ).

كانت في بيسان حركة تجارية نشطة، وكان فيها عدد من الدكاكين والمحال التجارية نذكر منها: دكان بنّا وسالم، دكان داود الطاهر وشركاه، دكان سعيد التميمي، دكان أحمد بندقجي الشامي، دكان مصطفى سليم صالح وشركاه ودكان إبراهيم أبو علي.

كما وكانت فيها مدرستان واحدة للبنين وأخرى للبنات، وقعت الأولى إلى الغرب من عمارة السرايا (مقر القائمقام العثماني أثناء الفترة العثمانية المتأخرة ) بعشرين متراً. أما الثانية فقد وقعت شمال الشارع الرئيسي وكانت عبارة عن بناية صغيرة حجرية سوداء مظللة بالأشجار. تعلم الطلاب في المدرسة الابتدائية للبنين حتى الصف الثالث، وكانت البناية مكونة من غرفة معلمين وثلاث غرف تدريس، كان مديرها حسن فرحان المصري وبعده أحمد الموسى من كفر قدوم، أما المعلمون فكانوا عزيز الخوري من الرينة، فؤاد مرعي من جنين، صبحي عبد الله أبو رحمون ومحمد ديب تهتموني من بيسان.

بيسان وثورة 1936 -1939: كانت بيسان نشيطة جداً في ثورة 1936 -1939 وكان فريد فخر الدين من أبرز الناشطين في المجال الوطني منذ العشرينات. وقد سجن أثناء الثورة في سجني صرفند وعوجا الحفير. وقد انضم لحركة الشيخ عز الدين القسام من بيسان كل من الشيخ محمد حنفي ومحمد عبد الهادي فخر الدين وعبد الجبار عبد الرحيم فخر الدين. أما رؤساء الفصائل في الثورة فكانوا: الشيخ عبد أبو رحال وقد استشهد في صدام مع قوة الحدود البريطانية، فؤاد عبد القادر الأحمد، ومصطفى أبو شام وقد استشهد في نهاية الثورة. أما من الثوار فقد كان كل من: محمد عبد الله العلي، سليم شاتي الحمدان، محمود عبد الله مرجان، فياض أبو سرية، محمود أبو سرية، عبد الله عبد أبو حسونة، كامل حسين أبو صقر، حمدي رباح أبو علي (اعتقل لمدة سنة ) محمد أعد أبو سرية (اعتقل لمدة ثلاث سنوات)، نايف محمود حلبوني ( شهيد، نفذ فيه حكم الإعدام بعد اعتقاله )، عيد محمد عطاري (شهيد )، مصطفى أحمد نداف، سعيد إبراهيم نداف، درويش صالح أبو زنط، خليل حسن المحروم (شهيد )، عبد الرحيم جاد الحاج (شهيد، نفذ فيه حكم الإعدام )، سلامة صالح برو ( اعتقل لمدة ستة اشهر ).

وقد لاحقت السلطات العسكرية البريطانية الثوار في بيسان وهدمت بيوت من ساعدهم أو آواهم، وفي معظم الحالات تم إعادة بناء تلك المنازل مباشرة بعد هدمها. ومن البيوت التي هدمت أثناء الثورة نذكر: بيت محمد ياسر محمود، بيت آدم السالم، بيت محمد سعيد حلبوني، بيت عبد سليم حلبوني، بيت يوسف العساف وبيت الحاج يوسف شلبية.

التهجير : تم احتلال بيسان وتهجير أهلها في الثاني والثالث عشر من أيار 1948. وقد كان الوضع في جبهة المدينة والمناطق المحيطة فيها بين أخذ ورد منذ مطلع العام 1948. وقد أنيطت مهمة الدفاع عن بيسان بقوات محلية جندتها اللجنة القومية من قدامى ثورة 1936 -1939 ومن رجال القرية الذين كان لهم تجربة عسكرية ممن خدموا في الجيش البريطاني وشرطة الانتداب.

بلغ مجموع هؤلاء المدافعين قرابة 150 مسلحاً هذا إضافة إلى قرابة 200 متطوع عربي جاؤوا مع وحدات جيش الإنقاذ. غادرت القوات البريطانية المدينة في الثامن والعشرين من نيسان مخلية ثلاث نقاط إستراتيجية مهمة أحاطت بالمدينة وهي محطة القطار في الجهة الشمالية الغربية من المدينة ومعسكر الجيش البريطاني في الجهة الشمالية ومركز الشرطة في جهة الجنوب الشرقي. سيطر اليهود على النقطتين الأوليتين، واستولوا في معسكر الجيش على كميات كبيرة من العتاد والذخيرة، في حين سيطر العرب على نقطة الشرطة.

في العاشر من أيار تم احتلال قرية الأشرفية في الجهة الجنوبية للمدينة. وقد أثر سقوط تلك القرية سلباً على معنويات المدافعين عن بيسان. وفي الحادي عشر من الشهر ذاته سيطرت قوات جولاني اليهودية على تل حوسان المشرف على المدينة. ومن هناك بدأت بسلسلة من أعمال القصف والقنص لأحياء بيسان المختلفة.

غداة ذلك اليوم تأهبت قوات الفرقة 13 من لواء جولاني لمهاجمة المدينة ليس قبل أن يتصل قائد تلك الفرقة، إبراهام يوفه، بزعماء اللجنة القومية في بيسان هاتفياً ودعوتهم للاستسلام وتسليم المدينة وذلك بتنسيق مع راجمات القنابل التي دكت مواقع المدافعين والأحياء السكنية بقصف متواصل.

طالب زعماء المدينة بهدنة لبضع ساعات واقترحوا لقاء يوفه في محطة القطار. هناك قدم لهم يوفه شروطه والتي تلخصت بتسليم المدينة وكافة الأسلحة والذخائر والسيارات وكذلك تسليم المقاتلين من غير الفلسطينيين ومقابل ذلك تعهد بإبقاء السكان وعدم تهجيرهم. طالب أعضاء الوفد البيساني بمهلة للتشاور وقد جاء جوابهم بالإيجاب بعد بضع ساعات. في صباح الثالث عشر من نيسان 1948 دخلت القوات اليهودية بيسان بعد أن كانت معظم القوات المدافعة عنها قد جلت عنها بما في ذلك رئيس البلدية الدكتور رشاد الشيخ درويش ورئيس وأعضاء اللجنة القومية.

وعما جرى بعد ذلك يحدثنا الحاج أحمد سرحان (أبو محمد) من سكان بيسان ويقيم اليوم في قرية الفريديس حيث يقول: "بقي في بيسان بعد التهجير الأول ألف نسمة تقريبا، بقينا هناك شهرين. بعد ذلك جاء اليهود وجمعونا في ساحة السرايا، كنت أنا ووالدي مع آخر مجموعة تركت بيسان، وكانت معنا امرأة اسمها أم رضا السالم وأرسين الأرمني – الكندرجي. جاء إلينا ضابط يهودي من مستعمرة "معوز حاييم"، وقال: لماذا ما زلتم هنا؟ فقلنا: "جئنا نأخذ الأغراض ولم ندرك الباص المغادر إلى الناصرة".

وبينما كان الضابط يتحدث معنا جاءت طائرة عراقية تقصف فاختبأنا، بعدها بعث الضابط لنا سيارة وحملناها أغراضاً كانت لنا وأخرى ليست لنا ومن هناك نقلونا إلى الناصرة بعد أن قالوا: اختاروا فهذه الباصات واقفة: إما الأردن أو الناصرة أو جنين. خلال وجودنا بالساحة اكتشفنا أن الشنطة التي وضعت فيها النقود والمصاغ الذهبي ظلت في الدار فهربت من الطوق ووجدت الشنطة في ساحة الدار بعدها لما رجعت كان الباص قد بدأ بالمغادرة، تعرضت له في الطريق وطلعت. لولا تلك الشنطة لكنا صرنا شحادين في الشوارع".

لم يف يوفه بتعهده وقام بإجلاء سكان المدينة العرب عنها. وفي مقابلة كنا قد أجريناها عام 2002 مع الضابط بلتئيل سيلع والمشهور لدى العرب باسم "بلطي"، الذي تولى تنظيم حركة الباصات والشاحنات التي أحضرت لبيسان لتنفيذ عملية التهجير، علل عملية التهجير بإمكانية تعاون سكان بيسان مع القوات العربية النظامية التي كان من المقرر أن تدخل فلسطين بعد ذلك بيومين. في عام 1949 أقيمت على أنقاض بيسان العربية مدينة بيت شان اليهودية.