السياحة الثقافية في الأراضي الفلسطينية
مقدمة:
ليس من باب الصدفة أن تكون فلسطين بوتقة الحضارات ومهد الديانات، مهداً للسياحة الثقافية؛ فقد ولدت السياحة الثقافية في الضفة والقطاع مع بداية حملات الحج إلى الأماكن المقدسة.
وتعد كتابات الرحالة والحجاج الأوائل أول دليل شامل ومرجع واف يصور مختلف أوجه النشاط الروحية والمادية والفكرية والاجتماعية والعادات والتقاليد في الضفة والقطاع في القرون الماضية؛ ما يدل على أن دوافع العديد من هؤلاء الحجاج كانت ثقافية، ولا شك أن هذه الدوافع تختلف باختلاف العصور والثقافات كما يظهر في وصف m.v.guerin لفلسطين في كتابة prescription of ela Palestine، ووصف وليم طومسون في كتابة The land – of the book.
ومازالت فلسطين إلى اليوم محط أنظار الحجاج والزوار؛ ما يشير إلى أن ما تحتوي عليه من أماكن دينية ومواقع أثرية هي المقصد لكل مثقف شغوف بمعرفة التاريخ. ولا تخلو مكتبة في كافة عواصم العالم من عشرات الكتب والمؤلفات بمختلف اللغات، تصدرها دور النشر العالمية سنوياً تتحدث عن فلسطين والحضارات التي شهدتها، ولا يخلو برنامج لدراسة التاريخ في مختلف معاهد العالم، من تاريخ فلسطين والأحداث الدينية المهمة التي شهدتها، إضافة إلى أن الكتب السماوية قد سردت العديد من أحداث التاريخ التي ارتبطت بها في الضفة والقطاع. وتعد هذه الحقيقة القاعدة الصلبة التي تبنى عليها مشاريع تنمية السياحة الثقافية.
إن جوانب تنمية السياحة الثقافية في الضفة الغربية وقطاع غزة متنوعة وعديدة، رغم ذلك بقيت السياحة فيها في العقود الأخيرة ضعيفة؛ إذ لم يجر تطوير للمرافق السياحية أو استغلال البيئة الثقافية لاستقطاب أفواج جديدة من السياح خارج نطاق السياحة الدينية. وبسبب واقع الاحتلال لم يتمكن المستثمرون في القطاع السياحي من تطوير استثماراتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ ما أبقى السياحة ضمن الطابع الديني. ويجهل العديد من سياح الأراضي الفلسطينية طبيعة المجتمع الفلسطيني، ولا يعرفون الكثير عنه. إضافة إلى وجود العديد من الصور المشوهة التي رسمتها ظروف الصراع العربي الإسرائيلي طوال السنوات الماضية، التي ساعدت على تثبيت هذه الصورة.
إن السياحة الدينية إلى الأراضي المقدسة معروفة منذ زمن بعيد، وصلت إلى قمتها في العقود الثلاثة الأخيرة؛ جراء الزيادة الملحوظة في مجال السياحة العالمية، ويندرج قسم كبير من هذه السياحة في إطار السياحة الثقافية؛ ذلك أن البرامج السياحية التي يتم إعدادها لهؤلاء الحجاج، تشمل إضافة إلى زيارة الأماكن الدينية، زيارة متنوعة للمعالم الأثرية والتاريخية، وأحياناً مشاركة أبناء المجتمع المحلي في احتفالات ثقافية في المواسم والأعياد الدينية، وهذا النوع من المشاركة مهم جداً، ليس لأنه يؤدي إلى تنمية اقتصادية، بل لأنه يوفر فرصة للشعب الفلسطيني من أجل تقديم صورة صحيحة عن تاريخه وحضارته ومجتمعه وتراثه. ولا يقوم السائح في مثل هذه البرامج بالصلاة والتعبد فقط، وإنما بزيارة المواقع الدينية والمناطق الأثرية والتاريخية، ويشارك في المهرجانات المختلفة.
وتحولت السياحة الدينية اليوم إلى سياحة تختلط فيها زيارة الأماكن الدينية بالتعرف على المعالم الثقافية؛ إذ أصبح العديد من المكاتب السياحية التي تنظم رحلات الحجاج إلى الأراضي المقدسة، تدخل في برامجها نشاطات ثقافية متنوعة، ويأتي إلى فلسطين أنواع مختلفة من الحجاج المسيحيين والمسلمين واليهود، بسبب توفر الأماكن الدينية الخاصة لهذه الديانات في أرجاء البلاد، ولا بد في هذه الحالة من توفير البرامج التي تتناسب مع هذا التنوع الثقافي والديني والاجتماعي، وتوفر الخدمات التي تتناسب مع مختلف فئات الأعمار أو طبيعة كل مجموعة منها.
أشكال السياحة الثقافية:
يجب أن تشهد السياحة الفلسطينية تحولاً من النمط التقليدي إلى نمط جديد تلعب فيه الثقافة دوراً بارزاً، لأن السياحة الثقافية هي المجال الأمثل لخلق الترابط بين الثقافة والتنمية، ولهذا؛ يجب أن يصحب ذلك تحول في المادة السياحية المقدمة للسائح.
انصب الاهتمام في الماضي على زيارة المعالم الدينية، وحان الوقت للتركيز على الخصوصيات التراثية والثقافية والحضارية التي تتميز بها العديد من المدن والجهات؛ تلك الخصوصيات التي يمكن من خلالها دفع الإنتاج السياحي وتطويره.
إن المحتوى الثقافي المميز الموجه للسياح لا يمكن أن تكون الغاية منه إلا غاية إنمائية للقطاع السياحي وتحقيقاً للتنمية الشاملة للبلاد، ولتحقيق ذلك؛ لابد أن تتوفر مجموعة من الأطر، التي يمكن من خلالها تقديم النشاطات الثقافية المختلفة التي تساعد على تشجيع السياحة الثقافية، مثل:
1- استحداث المناسبات:
لم تعد السياحة الثقافية في وقتنا الحالي مقتصرة في مفهومها على الثروات التاريخية، وإنما أدخلت عليها عناصر جديدة، وذلك باستحداث مناسبات واستغلال ظروف معنية بما يحقق تنويع المنتج السياحي لجذب شرائح جديدة من السائحين والزوار، يمثل السفر في المناسبات بما يصاحبها من تسهيلات ومهرجانات واحتفالات.
ونستطيع استحداث العديد من المناسبات المحلية، مثل: مهرجان أريحا الشتوي، ومهرجان سبسطية، حيث يؤدي تنظيمها إلى جذب شريحة خاصة من السياح، وخاصة في شهر نيسان؛ بسبب عيد الفصح المجيد وفي كانون الأول والثاني بسبب أعياد الميلاد. كما تنشط السياحة في الأعياد والمناسبات الدينية خلال أشهر الصيف، حيث يكون الطقس مناسباً لزيارة المواقع السياحية التاريخية المختلفة، ولأن فترات الإجازات تكون غالباً في فصل الصيف.
2- إحياء المسالك والدروب القديمة:
إن إحياء الدروب الأثرية المحلية والدولية التي كانت مكرسة لاستخدامات الحجاج والتجار، وبكل ما كان عليها من برك وآبار وخانات وشواهد وأعلام، بطرازها القديم، وأشكالها التاريخية، يعزز السياحة الثقافية، مثل المسارات الدينية، ومسارات الرحالة المشهورين، وطرق الحج والقوافل القديمة، ويمكن إنشاء مسارات سياحية جديدة في كل المناطق، سواء أكانت سيراً على الأقدام أم باستخدام الحافلات السياحية، ويهدف إحياء المسارات إلى توسيع الدائرة السياحية لكي تشمل مناطق متنوعة تحتوي على مقومات سياحية مختلفة، وقادرة على المساهمة في عملية التطوير السياحي، وتطوير الأقواس التي يمر بها المسار اقتصادياً، وكان استكشاف المواقع وحب الاستطلاع على مجتمعات أخرى هما الدافع لمشاهير رحالة القرن التاسع في الأراضي المقدسة.
3- السياحة البديلة:
تهدف السياحة البديلة إلى خلق مشاركة فاعلة لفئات محددة من المجتمع في السياحة الثقافية، ومن خلال توفير مجالات الاحتكاك والتعاون بين الفلسطينيين والسياح، عبر البرامج الخاصة للتعرف على الأرض المقدسة وسكانها، وهذه الصيغ الجديدة للسياحة الثقافية تهدف إلى وضع المزيد من المواقع السياحية الفلسطينية ضمن البرامج السياحية وتوفير الفرص من أجل قضاء وقت أطول مع الفلسطينيين، بترتيب اللقاءات مع المجموعات الدينية والسياسية والمدنية، وتوفر الفرص للحوار مع السائح.
ويمكن أن تحقق أهداف هذه البرامج من خلال نشاطات متنوعة تشمل تنظيم برامج إقامة للسياح بين العائلات الفلسطينية، وخاصة في القرى والمدن التاريخية والأثرية مثل سبسطية وتقوع وأرطاس وغيرها، أو تهيئة محطات للسفر تحت خيم بدوية، أو إقامة قرى تقليدية تستوحي هندستها من الفن المعماري التقليدي، ويمكن أن تتم التنقلات بين الأماكن السياحية مشيا على الأقدام، أو بالوسائط التقليدية كالحمير أو الجمال أو الدراجات، ويمكن تحديد عدد من النشاطات الثقافية التي يمكن أن تشتمل عليها البرامج، مثل:
أ) زيارات ميدانية وتشمل هذه الزيارات رحلات سيراً على الأقدام إلى الصحراء في جنوب القدس وبيت لحم، أو تسلق الجبال في منطقة أريحا ووادي القلط.
ب) زيارات لأهم المراكز الرهبانية في فلسطين مثل مار سابا وسانت ثيودو سيوس وقرنطل وكريمزان واللطرون وغيرها.
ت) التعريف بالمجتمع الفلسطيني من خلال زيارات لقرى ومدن مختلفة والاشتراك بنشاطات ثقافية واجتماعية، وتنظيم لقاءات من أجل الحديث في مشكلات الساعة مع مجموعات حديثة وتجمعات مختلفة.
ث) الاشتراك بالاحتفالات الدينية والإعلامية.
ج) التعريف بالإسلام من خلال زيارات للأماكن الدينية الإسلامية.
ح) تعريف بالحياة الريفية والحياة البدوية في فلسطين من خلال سهرات فلكلورية وراقصة وتعريف بالمطبخ الفلسطيني والصناعات الحرفية والموسيقى الشعبية.
خ) الاشتراك بالمواسم الدينية والشعبية مثل قطف الزيتون والعمل في المخيمات أو الاشتراك في المخيمات الكشفية.
4- الوسائط الثقافية:
تعتبر الوسائط الثقافية من أهم الحوافز التي تدفع السائح إلى زيارة منطقة معينة والبقاء فيها لفترة زمنية محددة، وتتوافر في المجتمع الفلسطيني مجموعة من الوسائط التي تساعد في تشجيع السياحة الثقافية ومن أهمها:
أ) الفرق المسرحية والكشفية والموسيقية: وهي تعد اليوم من أكثر المجموعات القادرة على إقامة النشاطات الثقافية المتنوعة المرتبطة بالتنشيط السياحي، ويمثل التراث الأدبي والاجتماعي والموسيقي مادة ثقافية سياحية حية ومعبرة عن واقع البلاد، ويمكن التعريف بهذا التراث من خلال تنظيم المسرحيات والحفلات الموسيقية والعروض الكشفية في الأماكن التاريخية والأثرية.
ب) الأندية والمراكز الثقافية: إن نشاط المراكز الثقافية في هذا المضمار يمكن أن يكون رافداً ناجعاً لتنشيط السياحة الثقافية سواء بالنسبة للسياحة الداخلية أو الوافدة، وتستطيع هذه المراكز أن تقدم العروض والنشاطات الفينة التي تجتذب السائح، من خلال ما تقوم به من نشاطات ثقافية متنوعة كالمحاضرات والحفلات الموسيقية.
ت) المعارض: تلعب معارض صور المواقع السياحية دوراً كبيراً في التعريف بها، وخلق التفاعل مع الزائر الذي يأخذ القرار بالسفر بناء على القناعات والقيم التي يحملها، والتي تدفعه إلى اختيار الجهة المطلوبة للسفر، وتقوم المعارض الخاصة بالحرف والصناعات اليدوية ومعارض الفنون التشكيلية ومعارض الأزياء والمأكولات الشعبية بدور كبير في التعريف بالتراث الثقافي.
ث) المؤتمرات: وقد تكون السياحة الثقافية من خلال المشاركة في المؤتمرات والحلقات الدراسية، وحضور المهرجانات التاريخية والأعياد الدينية والذكريات الشعبية الفلكلورية والفنية، وكذلك من خلال زيارات الوفود والزيارات الجماعية وتهتم الدول بعقد المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية؛ كونها تشكل مصدر ترويج مهما ودعاية سياحية للبلد.
5- السياحة والتنمية:
إن أحد مؤشرات التنمية يتمثل في القدرة على توظيف المادة الثقافية والاجتماعية في الخطط التنموية في مختلف القطاعات. وتعدّ السياحة من بين القطاعات التي مثلت المادة الثقافية فيها منطلقاً رئيسياً في ظل التحولات العالمية لتطويرها وتمكينها من أسس المنافسة في السوق العالمية، ومن المعروف أن السياحة إلى فلسطين هي سياحة دينية في الدرجة الأولى، أو للأماكن التاريخية؛ بسبب ما تحويه فلسطين من الآثار نتيجة لتعاقب الحضارات فيها، ولهذا؛ يجب استخدام هذه المادة السياحية ودمجها في البرامج السياحية، بحيث تنعكس نشاطات السائح بصورة إيجابية على الأماكن التي تتواجد فيها هذه الأماكن الدينية والتاريخية.
إن المفهوم الجديد للسياحة الثقافية، يقوم على أساس أن تكون المادة المقدمة للسائح وسيلة لكي يصنع الإنسان محيطه، وينمي مجتمعه، ويحافظ على كيانه، وهي القناة المثلى لتكريس المفهوم الإنساني الذي تتمحور حوله العلاقات التنموية في العالم اليوم، كما إنها نشاط حركي ذو تأثير متبادل وفعال، يشمل جميع الأنشطة الاقتصادية؛ فهي تتأثر وتؤثر على نشاط الإنتاج والمواصلات والنقل والمطارات والفنادق والبنوك ومختلف النشاطات التجارية.
وتفيد الإحصائيات بأن 78% من السياح القادمين إلى "اسرائيل" يزورون المواقع السياحية في الضفة الغربية، إلا أن إيرادات السلطة من هذه النسبة الكبيرة لم تتجاوز ما نسبته 7 % من إجمالي الإيرادات الإسرائيلية السياحية، وكون السياحة الثقافية تولد دخلاً للدول من العملات الصعبة التي يدفعها السائح لقاء الخدمات، فهي تندرج ضمن الصادرات غير المنظورة؛ إذ لا يوجد سلعة تصدر لقاء العملات الصعبة كغيرها من الصادرات؛ فالسائح باختلاف أسباب الزيارة والبلد الذي يقيم فيه، ومن خلال اتفاقية على السلع والخدمات- يؤثر على اقتصاد ومجتمع البلد الذي يزوره.
إن معرفة متطلبات السائح من السلع والخدمات مهمة جداً لمضاعفة العوائد المتأتية، ويفترض الربط بين السياحة والثقافة، وتطوير المجالات الثقافية المتنوعة، لهذا؛ لابد من دفع السياسات والنظم والقوانين السياحية؛ من أجل المحافظة على نمط التراث الثقافي والهوية المحلية، والتوازن بين الوظائف السياحية والوظائف الكافية لأهالي تلك المناطق مع توفير محيط ثقافي يأخذ بعين الاعتبار التراث المعماري والاجتماعي بصفة عامة.
وحتى تصبح السياحة الثقافية وسيلة من وسائل التنمية؛ لابد أن ترتبط بالمجتمع المحلي، حتى لا تؤدي إلى التسرب الاقتصادي والثقافي. ولا بد من تطوير وتفعيل مشاركة المجتمعات المحلية في تطوير وتنظيم وإدارة العملية السياحية، بإنشاء الجمعيات وزيادة الوعي والتثقيف عن طريق النشرات والندوات والمؤتمرات.
ويجدر التركيز على التنمية الذاتية وليس التنمية المفروضة من خارج المناطق السياحية، لخلق مجموعات أو منظمات محلية تضم المهنيين ورجال الأعمال والسياسيين وأنصار البيئة.
وتلعب السياحة الثقافية دوراً مهماً في تنمية الريف، من خلال السياحة الريفية التي يتم التركيز فيها على الخصوصية الطبيعية والتراثية والبشرية للريف، فالريف يتميز بمحيط بشري وطبيعي وتراثي وثقافي تتعانق فيه كل العناصر لتقدم لوحة سياحية متميزة، تزيدها جمالاً الصناعات التقليدية أو الأسواق الأسبوعية التي تجلب السائح إلى مثل هذه المناطق القروية.
مقدمة:
ليس من باب الصدفة أن تكون فلسطين بوتقة الحضارات ومهد الديانات، مهداً للسياحة الثقافية؛ فقد ولدت السياحة الثقافية في الضفة والقطاع مع بداية حملات الحج إلى الأماكن المقدسة.
وتعد كتابات الرحالة والحجاج الأوائل أول دليل شامل ومرجع واف يصور مختلف أوجه النشاط الروحية والمادية والفكرية والاجتماعية والعادات والتقاليد في الضفة والقطاع في القرون الماضية؛ ما يدل على أن دوافع العديد من هؤلاء الحجاج كانت ثقافية، ولا شك أن هذه الدوافع تختلف باختلاف العصور والثقافات كما يظهر في وصف m.v.guerin لفلسطين في كتابة prescription of ela Palestine، ووصف وليم طومسون في كتابة The land – of the book.
ومازالت فلسطين إلى اليوم محط أنظار الحجاج والزوار؛ ما يشير إلى أن ما تحتوي عليه من أماكن دينية ومواقع أثرية هي المقصد لكل مثقف شغوف بمعرفة التاريخ. ولا تخلو مكتبة في كافة عواصم العالم من عشرات الكتب والمؤلفات بمختلف اللغات، تصدرها دور النشر العالمية سنوياً تتحدث عن فلسطين والحضارات التي شهدتها، ولا يخلو برنامج لدراسة التاريخ في مختلف معاهد العالم، من تاريخ فلسطين والأحداث الدينية المهمة التي شهدتها، إضافة إلى أن الكتب السماوية قد سردت العديد من أحداث التاريخ التي ارتبطت بها في الضفة والقطاع. وتعد هذه الحقيقة القاعدة الصلبة التي تبنى عليها مشاريع تنمية السياحة الثقافية.
إن جوانب تنمية السياحة الثقافية في الضفة الغربية وقطاع غزة متنوعة وعديدة، رغم ذلك بقيت السياحة فيها في العقود الأخيرة ضعيفة؛ إذ لم يجر تطوير للمرافق السياحية أو استغلال البيئة الثقافية لاستقطاب أفواج جديدة من السياح خارج نطاق السياحة الدينية. وبسبب واقع الاحتلال لم يتمكن المستثمرون في القطاع السياحي من تطوير استثماراتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ ما أبقى السياحة ضمن الطابع الديني. ويجهل العديد من سياح الأراضي الفلسطينية طبيعة المجتمع الفلسطيني، ولا يعرفون الكثير عنه. إضافة إلى وجود العديد من الصور المشوهة التي رسمتها ظروف الصراع العربي الإسرائيلي طوال السنوات الماضية، التي ساعدت على تثبيت هذه الصورة.
إن السياحة الدينية إلى الأراضي المقدسة معروفة منذ زمن بعيد، وصلت إلى قمتها في العقود الثلاثة الأخيرة؛ جراء الزيادة الملحوظة في مجال السياحة العالمية، ويندرج قسم كبير من هذه السياحة في إطار السياحة الثقافية؛ ذلك أن البرامج السياحية التي يتم إعدادها لهؤلاء الحجاج، تشمل إضافة إلى زيارة الأماكن الدينية، زيارة متنوعة للمعالم الأثرية والتاريخية، وأحياناً مشاركة أبناء المجتمع المحلي في احتفالات ثقافية في المواسم والأعياد الدينية، وهذا النوع من المشاركة مهم جداً، ليس لأنه يؤدي إلى تنمية اقتصادية، بل لأنه يوفر فرصة للشعب الفلسطيني من أجل تقديم صورة صحيحة عن تاريخه وحضارته ومجتمعه وتراثه. ولا يقوم السائح في مثل هذه البرامج بالصلاة والتعبد فقط، وإنما بزيارة المواقع الدينية والمناطق الأثرية والتاريخية، ويشارك في المهرجانات المختلفة.
وتحولت السياحة الدينية اليوم إلى سياحة تختلط فيها زيارة الأماكن الدينية بالتعرف على المعالم الثقافية؛ إذ أصبح العديد من المكاتب السياحية التي تنظم رحلات الحجاج إلى الأراضي المقدسة، تدخل في برامجها نشاطات ثقافية متنوعة، ويأتي إلى فلسطين أنواع مختلفة من الحجاج المسيحيين والمسلمين واليهود، بسبب توفر الأماكن الدينية الخاصة لهذه الديانات في أرجاء البلاد، ولا بد في هذه الحالة من توفير البرامج التي تتناسب مع هذا التنوع الثقافي والديني والاجتماعي، وتوفر الخدمات التي تتناسب مع مختلف فئات الأعمار أو طبيعة كل مجموعة منها.
أشكال السياحة الثقافية:
يجب أن تشهد السياحة الفلسطينية تحولاً من النمط التقليدي إلى نمط جديد تلعب فيه الثقافة دوراً بارزاً، لأن السياحة الثقافية هي المجال الأمثل لخلق الترابط بين الثقافة والتنمية، ولهذا؛ يجب أن يصحب ذلك تحول في المادة السياحية المقدمة للسائح.
انصب الاهتمام في الماضي على زيارة المعالم الدينية، وحان الوقت للتركيز على الخصوصيات التراثية والثقافية والحضارية التي تتميز بها العديد من المدن والجهات؛ تلك الخصوصيات التي يمكن من خلالها دفع الإنتاج السياحي وتطويره.
إن المحتوى الثقافي المميز الموجه للسياح لا يمكن أن تكون الغاية منه إلا غاية إنمائية للقطاع السياحي وتحقيقاً للتنمية الشاملة للبلاد، ولتحقيق ذلك؛ لابد أن تتوفر مجموعة من الأطر، التي يمكن من خلالها تقديم النشاطات الثقافية المختلفة التي تساعد على تشجيع السياحة الثقافية، مثل:
1- استحداث المناسبات:
لم تعد السياحة الثقافية في وقتنا الحالي مقتصرة في مفهومها على الثروات التاريخية، وإنما أدخلت عليها عناصر جديدة، وذلك باستحداث مناسبات واستغلال ظروف معنية بما يحقق تنويع المنتج السياحي لجذب شرائح جديدة من السائحين والزوار، يمثل السفر في المناسبات بما يصاحبها من تسهيلات ومهرجانات واحتفالات.
ونستطيع استحداث العديد من المناسبات المحلية، مثل: مهرجان أريحا الشتوي، ومهرجان سبسطية، حيث يؤدي تنظيمها إلى جذب شريحة خاصة من السياح، وخاصة في شهر نيسان؛ بسبب عيد الفصح المجيد وفي كانون الأول والثاني بسبب أعياد الميلاد. كما تنشط السياحة في الأعياد والمناسبات الدينية خلال أشهر الصيف، حيث يكون الطقس مناسباً لزيارة المواقع السياحية التاريخية المختلفة، ولأن فترات الإجازات تكون غالباً في فصل الصيف.
2- إحياء المسالك والدروب القديمة:
إن إحياء الدروب الأثرية المحلية والدولية التي كانت مكرسة لاستخدامات الحجاج والتجار، وبكل ما كان عليها من برك وآبار وخانات وشواهد وأعلام، بطرازها القديم، وأشكالها التاريخية، يعزز السياحة الثقافية، مثل المسارات الدينية، ومسارات الرحالة المشهورين، وطرق الحج والقوافل القديمة، ويمكن إنشاء مسارات سياحية جديدة في كل المناطق، سواء أكانت سيراً على الأقدام أم باستخدام الحافلات السياحية، ويهدف إحياء المسارات إلى توسيع الدائرة السياحية لكي تشمل مناطق متنوعة تحتوي على مقومات سياحية مختلفة، وقادرة على المساهمة في عملية التطوير السياحي، وتطوير الأقواس التي يمر بها المسار اقتصادياً، وكان استكشاف المواقع وحب الاستطلاع على مجتمعات أخرى هما الدافع لمشاهير رحالة القرن التاسع في الأراضي المقدسة.
3- السياحة البديلة:
تهدف السياحة البديلة إلى خلق مشاركة فاعلة لفئات محددة من المجتمع في السياحة الثقافية، ومن خلال توفير مجالات الاحتكاك والتعاون بين الفلسطينيين والسياح، عبر البرامج الخاصة للتعرف على الأرض المقدسة وسكانها، وهذه الصيغ الجديدة للسياحة الثقافية تهدف إلى وضع المزيد من المواقع السياحية الفلسطينية ضمن البرامج السياحية وتوفير الفرص من أجل قضاء وقت أطول مع الفلسطينيين، بترتيب اللقاءات مع المجموعات الدينية والسياسية والمدنية، وتوفر الفرص للحوار مع السائح.
ويمكن أن تحقق أهداف هذه البرامج من خلال نشاطات متنوعة تشمل تنظيم برامج إقامة للسياح بين العائلات الفلسطينية، وخاصة في القرى والمدن التاريخية والأثرية مثل سبسطية وتقوع وأرطاس وغيرها، أو تهيئة محطات للسفر تحت خيم بدوية، أو إقامة قرى تقليدية تستوحي هندستها من الفن المعماري التقليدي، ويمكن أن تتم التنقلات بين الأماكن السياحية مشيا على الأقدام، أو بالوسائط التقليدية كالحمير أو الجمال أو الدراجات، ويمكن تحديد عدد من النشاطات الثقافية التي يمكن أن تشتمل عليها البرامج، مثل:
أ) زيارات ميدانية وتشمل هذه الزيارات رحلات سيراً على الأقدام إلى الصحراء في جنوب القدس وبيت لحم، أو تسلق الجبال في منطقة أريحا ووادي القلط.
ب) زيارات لأهم المراكز الرهبانية في فلسطين مثل مار سابا وسانت ثيودو سيوس وقرنطل وكريمزان واللطرون وغيرها.
ت) التعريف بالمجتمع الفلسطيني من خلال زيارات لقرى ومدن مختلفة والاشتراك بنشاطات ثقافية واجتماعية، وتنظيم لقاءات من أجل الحديث في مشكلات الساعة مع مجموعات حديثة وتجمعات مختلفة.
ث) الاشتراك بالاحتفالات الدينية والإعلامية.
ج) التعريف بالإسلام من خلال زيارات للأماكن الدينية الإسلامية.
ح) تعريف بالحياة الريفية والحياة البدوية في فلسطين من خلال سهرات فلكلورية وراقصة وتعريف بالمطبخ الفلسطيني والصناعات الحرفية والموسيقى الشعبية.
خ) الاشتراك بالمواسم الدينية والشعبية مثل قطف الزيتون والعمل في المخيمات أو الاشتراك في المخيمات الكشفية.
4- الوسائط الثقافية:
تعتبر الوسائط الثقافية من أهم الحوافز التي تدفع السائح إلى زيارة منطقة معينة والبقاء فيها لفترة زمنية محددة، وتتوافر في المجتمع الفلسطيني مجموعة من الوسائط التي تساعد في تشجيع السياحة الثقافية ومن أهمها:
أ) الفرق المسرحية والكشفية والموسيقية: وهي تعد اليوم من أكثر المجموعات القادرة على إقامة النشاطات الثقافية المتنوعة المرتبطة بالتنشيط السياحي، ويمثل التراث الأدبي والاجتماعي والموسيقي مادة ثقافية سياحية حية ومعبرة عن واقع البلاد، ويمكن التعريف بهذا التراث من خلال تنظيم المسرحيات والحفلات الموسيقية والعروض الكشفية في الأماكن التاريخية والأثرية.
ب) الأندية والمراكز الثقافية: إن نشاط المراكز الثقافية في هذا المضمار يمكن أن يكون رافداً ناجعاً لتنشيط السياحة الثقافية سواء بالنسبة للسياحة الداخلية أو الوافدة، وتستطيع هذه المراكز أن تقدم العروض والنشاطات الفينة التي تجتذب السائح، من خلال ما تقوم به من نشاطات ثقافية متنوعة كالمحاضرات والحفلات الموسيقية.
ت) المعارض: تلعب معارض صور المواقع السياحية دوراً كبيراً في التعريف بها، وخلق التفاعل مع الزائر الذي يأخذ القرار بالسفر بناء على القناعات والقيم التي يحملها، والتي تدفعه إلى اختيار الجهة المطلوبة للسفر، وتقوم المعارض الخاصة بالحرف والصناعات اليدوية ومعارض الفنون التشكيلية ومعارض الأزياء والمأكولات الشعبية بدور كبير في التعريف بالتراث الثقافي.
ث) المؤتمرات: وقد تكون السياحة الثقافية من خلال المشاركة في المؤتمرات والحلقات الدراسية، وحضور المهرجانات التاريخية والأعياد الدينية والذكريات الشعبية الفلكلورية والفنية، وكذلك من خلال زيارات الوفود والزيارات الجماعية وتهتم الدول بعقد المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية؛ كونها تشكل مصدر ترويج مهما ودعاية سياحية للبلد.
5- السياحة والتنمية:
إن أحد مؤشرات التنمية يتمثل في القدرة على توظيف المادة الثقافية والاجتماعية في الخطط التنموية في مختلف القطاعات. وتعدّ السياحة من بين القطاعات التي مثلت المادة الثقافية فيها منطلقاً رئيسياً في ظل التحولات العالمية لتطويرها وتمكينها من أسس المنافسة في السوق العالمية، ومن المعروف أن السياحة إلى فلسطين هي سياحة دينية في الدرجة الأولى، أو للأماكن التاريخية؛ بسبب ما تحويه فلسطين من الآثار نتيجة لتعاقب الحضارات فيها، ولهذا؛ يجب استخدام هذه المادة السياحية ودمجها في البرامج السياحية، بحيث تنعكس نشاطات السائح بصورة إيجابية على الأماكن التي تتواجد فيها هذه الأماكن الدينية والتاريخية.
إن المفهوم الجديد للسياحة الثقافية، يقوم على أساس أن تكون المادة المقدمة للسائح وسيلة لكي يصنع الإنسان محيطه، وينمي مجتمعه، ويحافظ على كيانه، وهي القناة المثلى لتكريس المفهوم الإنساني الذي تتمحور حوله العلاقات التنموية في العالم اليوم، كما إنها نشاط حركي ذو تأثير متبادل وفعال، يشمل جميع الأنشطة الاقتصادية؛ فهي تتأثر وتؤثر على نشاط الإنتاج والمواصلات والنقل والمطارات والفنادق والبنوك ومختلف النشاطات التجارية.
وتفيد الإحصائيات بأن 78% من السياح القادمين إلى "اسرائيل" يزورون المواقع السياحية في الضفة الغربية، إلا أن إيرادات السلطة من هذه النسبة الكبيرة لم تتجاوز ما نسبته 7 % من إجمالي الإيرادات الإسرائيلية السياحية، وكون السياحة الثقافية تولد دخلاً للدول من العملات الصعبة التي يدفعها السائح لقاء الخدمات، فهي تندرج ضمن الصادرات غير المنظورة؛ إذ لا يوجد سلعة تصدر لقاء العملات الصعبة كغيرها من الصادرات؛ فالسائح باختلاف أسباب الزيارة والبلد الذي يقيم فيه، ومن خلال اتفاقية على السلع والخدمات- يؤثر على اقتصاد ومجتمع البلد الذي يزوره.
إن معرفة متطلبات السائح من السلع والخدمات مهمة جداً لمضاعفة العوائد المتأتية، ويفترض الربط بين السياحة والثقافة، وتطوير المجالات الثقافية المتنوعة، لهذا؛ لابد من دفع السياسات والنظم والقوانين السياحية؛ من أجل المحافظة على نمط التراث الثقافي والهوية المحلية، والتوازن بين الوظائف السياحية والوظائف الكافية لأهالي تلك المناطق مع توفير محيط ثقافي يأخذ بعين الاعتبار التراث المعماري والاجتماعي بصفة عامة.
وحتى تصبح السياحة الثقافية وسيلة من وسائل التنمية؛ لابد أن ترتبط بالمجتمع المحلي، حتى لا تؤدي إلى التسرب الاقتصادي والثقافي. ولا بد من تطوير وتفعيل مشاركة المجتمعات المحلية في تطوير وتنظيم وإدارة العملية السياحية، بإنشاء الجمعيات وزيادة الوعي والتثقيف عن طريق النشرات والندوات والمؤتمرات.
ويجدر التركيز على التنمية الذاتية وليس التنمية المفروضة من خارج المناطق السياحية، لخلق مجموعات أو منظمات محلية تضم المهنيين ورجال الأعمال والسياسيين وأنصار البيئة.
وتلعب السياحة الثقافية دوراً مهماً في تنمية الريف، من خلال السياحة الريفية التي يتم التركيز فيها على الخصوصية الطبيعية والتراثية والبشرية للريف، فالريف يتميز بمحيط بشري وطبيعي وتراثي وثقافي تتعانق فيه كل العناصر لتقدم لوحة سياحية متميزة، تزيدها جمالاً الصناعات التقليدية أو الأسواق الأسبوعية التي تجلب السائح إلى مثل هذه المناطق القروية.
مكونات السياحة الثقافية:
لدراسة السياحة الثقافية في فلسطين وتحديد دورها في تنشيط وتنمية المجتمع، لا بد من تفصيل العناصر المتداخلة فيها، ودراسة إمكانيات تطويرها، والشروط التي يجب أن تتوافر من أجل تحقيق ذلك، وهذه العناصر هي:
1- التنوع:
ويشمل العناصر الفضائية الضفة الغربية وقطاع غزة، التي تحدد الحركة السياحة داخل هذه المناطق، وبينها وبين المناطق الأخرى المحيطة بها، وهي: دولة الاحتلال الصهيوني، والأردن، ومصر، وسوريا، ولبنان بصورة خاصة. وتحتوي المناطق الفلسطينية في الضفة والقطاع ما يكفي من المواقع الدينية والأثرية والتاريخية والمعالم التراثية، لكي تنمو وتتطور سياحياً.
ولو تم النظر إلى المناطق السياحية في العالم فإنه لا يكاد يوجد بقعة واحدة تجتمع فيها عناصر الجذب السياحي المتنوع كما تجتمع على الأرض الفلسطينية في الضفة وغزة، وتقع الأماكن الدينية المقدسة في القدس وبيت لحم والخليل، على رأس قائمة الأماكن، تليها الأماكن الأثرية والتاريخية التي خلفتها الحضارات المتعاقبة على هذه الأرض منذ فجر التاريخ، مثل أريحا ونابلس وسبسطية وغزة، وعشرات المواقع المنتشرة في الضفة والقطاع.
كما أن التنوع المناخي والجغرافي الذي لا يجتمع في بقعة صغيرة كما يجتمع في الضفة والقطاع؛ ففيها البحر الميت والأغوار وجبال القدس ورام الله ونابلس والخيل وسهول جنين وطولكرم وشواطئ غزة والبحر الميت. ويمكن القول أن فلسطين متحف مفتوح للآثار تنتشر فيه المواقع الأثرية التي تروي قصص الحضارات التي تعاقبت فيها.
إن عملية ترميم وصيانة هذه الآثار وفق معايير فنية وسياحية وثقافية، وتطوير البنية التحتية المتصلة بها، وبناء الخدمات السياحية- سيكون من أهم التحديات في المستقبل القريب، ويستلزم تطوير هذه المواقع المحافظة على ملامحها الفنية وحمايتها من أي تأثيرات سلبية، وتوعية السكان ومشاركتهم في المحافظة على نظافتها وجاذبيتها؛ باعتبارها من الثروات الوطنية المهمة، ويمكن تقسيم الأماكن السياحية في الضفة الغربية وقطاع غزة والمرشحة للنهوض السياحي في إطار السياحة الثقافية إلى ثلاثة أنواع:
أ) المواقع الأثرية: التي تمثل مراحل تاريخية متنوعة وحضارات متعددة، والأماكن الدينية الخاصة بالديانات السماوية الثلاث.
ب) المناطق الجغرافية المتنوعة: كالجبلية والصحراوية والساحلية، التي تحتوي على العديد من المواقع السياحية والمشاهد الطبيعية والتي توفر للسائح مناخاً مناسباً طوال العام، وبصورة خاصة منطقة البحر الميت وغور الأردن، فالمناخ في الضفة والقطاع متنوع من شتاء لطيف في وادي الأردن والبحر الميت، إلى صيف لطيف في جبال نابلس والخليل وبيت لحم ورام الله؛ ما يوفر ظروفاً مناسبة للسفر والسياحة.
ت) معالم التراث الحضاري والثقافي التي تتمثل في المدن التاريخية القديمة، والأسواق الشعبية والمتاحف، والتنوعات العرقية والدينية والثقافية، التي تمثل مظاهر جذابة للسائح الذي يهتم بالثقافة والتاريخ والحياة الاجتماعية.
ويساعد هذا التنوع في الموارد الطبيعية والتراثية والحضارية والدينية المتاحة في الأراضي الفلسطينية، في مضاعفة ما يصلها حالياً من السياحة الثقافية التي تصل نسبتها إلى حدود 15% من حركة السياحة الدولية (أي حوالي 80 مليون سائح سنوياً من مختلف الجنسيات) ولا يزور الشرق الأوسط أكثر من 6% منها، كما أن التنسيق الإقليمي من أجل تسهيل الحركة إلى دول المنطقة المجاورة، يمكن أن يساعد في زيادة هذا النوع من السياحة، لأن هذه الدول تكمل بعضها البعض حضارياً وتاريخياً، فالأديان تخصص فريد لهذه المنطقة، إذ ولدت معظم الأديان الرئيسية وازدهرت في هذه المنطقة، إضافة إلى وجود الأماكن التاريخية التي تمثل مختلف الحضارات.
ولم توفر اتفاقيات أوسلو أو اتفاقيات القاهرة للفلسطينيين إلا سلطات محدودة في هذا الحيز، فما زالت دولة الاحتلال الصهيوني تسيطر على الجزء الأكبر من المناطق السياحية، ولا يتمكن الأدلاء السياحيين والباصات السياحية الفلسطينية من التحرك في هذه الفضاءات بحرية رغم الاتفاقيات الموقعة، ويسمح بمقتضى المادة العاشرة من البروتوكول الاقتصادي للحافلات والمركبات السياحية الفلسطينية والصهيونية من دخول الأراضي الواقعة تحت ولاية الجانب الآخر، وبمساواة بين شركات السياحة ووكالاتها من الطرفين في التسهيلات والدخول إلى نقاط العبور والمغادرة الحدودية وغيرها من الصلاحيات.
وما زالت دولة الاحتلال الصهيوني ترفض الاعتراف بالأدلاء السياحيين الذين تم ترخيصهم من الجانب الفلسطيني، رغم أن الاتفاق ينص على أن يقوم كل طرف بترخيص الأدلاء السياحيين حسب قواعده وأنظمته الخاصة.
وتقوم دولة الاحتلال الصهيوني بترتيبات إجرائية معقدة تحول دون حرية الحركة السياحية عبر المعابر الحدودية للسلطة الوطنية مع مصر والأردن، في حين أنها تقوم بتسهيل الإجراءات عبر المناطق الحدودية التي تصلها بالأردن مباشرة مثل جسر الشيخ حسين، إضافة إلى أن الإشراف الكامل على المواقع السياحية يرتبط بتقسيمات الأراضي الفلسطينية إلى مناطق (أ) و (ب) و (ج)، ومازال مرهوناً بتحويل هذه المناطق إلى السلطة الوطنية، وقد حال التأخر في إعادة الانتشار دون قيام وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بالإشراف على جميع المواقع السياحية الفلسطينية، إضافة إلى أن القسم الأكبر من الأماكن الدينية السياحية، تسيطر عليها مؤسسات دينية غير محلية، ولا يلعب أبناء الطوائف المحلية دوراً مهماً في إدارتها.
وتمثل مختلف هذه العوامل عقبات أمام تنظيم السياحة الثقافية وتشجيعها في الفضاءات السياحية في فلسطين، ولهذا فإن قيام دولة فلسطينية ذات حدود سيادية مستقلة وسيادة كاملة، يعد من العوامل الأساسية لتوفير سياحة فلسطينية ثقافية مستقلة.
2- العناصر الوظيفية:
تشمل العناصر الوظيفية للسياحة الثقافية: العنصر الحركي، وهو النقل والسفر، والعنصر الاستايتكي المستقر، وهو الإقامة والظروف المتصلة بها من بينة تحتية. وتمثل هذه العناصر مجموعة من الخدمات المتداخلة التي تلبي احتياجات السائح ومتطلباته، وتشمل الإيواء والترفيه والطعام، ووسائط النقل، والبنوك ومكاتب السياحة وغيرها من التسهيلات والخدمات؛ فالسائح يزور المتاحف ويشتري التذكارات التقليدية، ويستعمل المكالمات الهاتفية، والفاكس، والملابس، والطوابع، والكتب وغيرها من المشتريات.
ومنذ احتلال دولة الاحتلال الصهيوني للضفة والقطاع عام 1967، وضعت وما زالت تضع العقبات العقبات في وجه القطاع السياحي الفلسطيني، الامر الذي أدى إلى تذبذب مستمر لجميع أنماط الخدمات السياحية في هذا القطاع، رغم الجهود المبذولة لتعزيز صموده في وجه الاجراءات الإسرائيلية وخاصة في مدينة القدس.
3- العناصر الثقافية:
إن الثقافة والسياحة توأمان لا ينفصلان. ويكمن مستقبل السياحة في قدرتها على توظيف الثقافة، وإشعاع هذه الأخيرة رهن بتفاعلها مع آليات الحركة السياحية، والثقافية ببعديها التراثي والإبداعي، وهي الأداة المثلى لتعميق الحوار بين الشعوب، وإحلال التفاهم بين الأفراد والجماعات.
وتستوجب السياحة الثقافية تهيئة الفضاءات الثقافية، والاهتمام بالخصوصيات الثقافية والحضارية التي تتميز بها البلاد عن الدول المنافسة لها في مجال السياحة؛ فالتجربة أثبتت أن السائح يهتم بما تتميز به المنطقة من معالم عمرانية وحضارية وثقافية ومظاهر اجتماعية إنسانية أكثر من اهتمامه بما يقدم له من برامج تنشيطية داخل أسوار النزل والنوادي.
والسياحة الثقافية ذات طبيعة ذهنية تنشد معرفة أشياء جديدة، وأشخاص جدد، بالإطلاع على تاريخهم وعاداتهم في الإطار نفسه الذي يعيشون فيه؛ فالسائح يرغب أن يزيد ثقافته عن طريق زيارة بلدان ودراسة شعوبها، والخصائص التي تتميز بها هذه الشعوب، حيث يتبدل المحيط الروتيني بمحيط جديد فيه الإثارة والراحة والمعلومات، إنه جمع بين الترويج عن النفس من ناحية والإطلاع على ثروات البلاد الأثرية ومعالمها التاريخية من ناحية أخرى.
ولكي تتحول السياحة الفلسطينية إلى سياحة ثقافية، لا بد من تطوير المادة السياحية للزائر، بالتركيز على الخصوصيات التراثية والثقافية والحضارية التي تتميز بها المواقع الفلسطينية السياحية. وتشمل الثقافة هنا شكلين: يتمثل الأول في المعتقدات والتقاليد والعادات والمعارف والممارسات الاجتماعية والتفاعل الإنساني. في حين يتمثل الثاني في أدوات ملموسة ومحددة للتراث يتم عرضها بشكل من أشكال الجذب السياحي، كالمصنوعات الحرفية والنشاطات الفنية والمعارض وغيرها.
إن فلسطين بما لها من رصيد حضاري، وتراكمات إبداعية ثقافية، وتقاليد سياحية عريقة، قادرة على تجسيم هذه المعادلة الضرورية؛ فموروثها الحضاري من أغنى المواريث في العالم، وهو عنصر أساسي في مسيرتها التنموية وإن أرصدتها الثقافية لا تتوقف عند موروثها الأثري والديني، إذ أن انتاجات مبدعيها في ميادين الثقافة مهمة، أكدت حضورها في الساحة العربية والعالمية، ودون الاستعانة بالعنصر الثقافي ستبقى صورة فلسطين منقوصة وباهته و قابلة للتسويق في عالم وحدته وسائل الاتصال المختلفة، وطغت عليه أساليب الدعاية المبهرة في أشكالها ومحتوياتها.
إن صورة فلسطين أعمق وأجمل وأكثر إغراء من تلك التي دأبنا على تداولها سياحياً، إنها صورة ذات رصيد ثقافي وتراثي هائل، وإبداع متنوع وقيم إنسانية رفيعة.
وترتكز المنافسة في مجال السياحة اليوم على عنصر الكيف، والكيف مضمون لا يوفره إلا الإبداع، سواء التراثي منه أو الحديث دون إغفال الجوانب الأخرى، كما إن الارتقاء بالمنتج السياحي من شأنه أن يشجع نوعية أكثر إفادة من السياح الوافدين على فلسطين كالمثقفين وذوي المستوى العلمي الرفيع، وأصحاب المال، ويدفع المستثمرين الأجانب إلى المساهمة في إثراء البنية التحتية الثقافية.
إن النهوض بالسياحة الثقافية مسؤولية وطنية لا تتوقف عند حدود مؤسسات الدولة، بل تستدعي مشاركة جماعية لجميع الفعاليات في المجتمع. ولقد توفر للفلسطينيين، بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، الأرض اللازمة والمناخ الضروري، لتطوير المسالك السياحية والمواقع الدينية، وإعداد الأدلاء، وتطوير مرافق الاستقبال وربطها بالمواقع الأثرية والمتاحف، واستغلال أسماء بعض المدن ذات الرصيد المشبع في الإشهار السياحي، مثل أريحا والقدس والخليل وبيت لحم وغيرها.
وتتوفر للفلسطينيين أيضاً الفرصة لتدعيم وتثبيت الهوية الثقافية الفلسطينية على الخريطة السياحية الدولية من خلال المؤتمرات والندوات والمعارض السياحية، وتوطيد العلاقات الثنائية مع مختلف الدول، وإعادة النظر في القوانين والتشريعات والأنظمة السياحية المعمول بها حالياً، وتحديثها بما يتناسب ومتطلبات العصر واحتياجات المرحلة، ويساعد تحقيق هذه الجهود والبرامج في توظيف الثقافة وتفاعلها مع آليات الحركة السياحية.
4- العناصر الترفيهية:
يرتبط جوهر السياحة الثقافية بالمتعة والفكر بصورة مباشرة، حيث أن مشاهده المعالم الجديدة الحضارية والتراثية والتاريخية والمتاحف والمسارح والمكتبات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والأسواق المختلفة، وما إلى ذلك تزيد من متعة السائح.
إن السياح الذين يحضرون ضمن مجموعات سياحية أو مع عائلاتهم وأصدقائهم، يمثلون نسبة كبيرة جداً من السياح إلى فلسطين (75%)؛ بسبب انخفاض الكلفة الاقتصادية للسياحة ضمن هذه المجموعات. ولذلك؛ يجب إعداد البرامج الترفيهية التي تتناسب مع طبيعة هذا الحضور.
ويعتمد التفاعل بين الثقافة والسياحة على نوع السائح، وعمره، والفترة الترفيهية التي يقضيها في الموقع السياحي.
ولما كانت الرحلات المنظمة تحدد برامجها مسبقاً بواسطة وكلاء السياحة والسفر أو الفنادق الكبيرة، فإنه من الضروري التنسيق مع هذه الأطراف؛ لإعداد البرامج الترفيهية المناسبة.
إن معرفة جنسياتهم مسبقاً تسهل إقامة مثل هذه النشاطات التي تشمل الجانب الترفيهي.
ويمكن أن تكون منطقة أريحا من أفضل المناطق التي يمكن أن توفر وسائل الترفيه المناسبة للحركة السياحية في الضفة والقطاع؛ لموقعها الفريد والمميز بالقرب من البحر الميت، والعديد من المواقع الأثرية والدينية والمناظر الخلابة، إضافة إلى أنها تعتبر البوابة الشرقية للضفة الغربية، وتقع على مقربة من جسر "اللنبى" الذي يعد الممر الرئيس للحركة السياحية من الأردن والعالم العربي، وهي تقع أيضاً على طريق الحركة السياحية المتجهة إلى إسرائيل، وتتوافر فيها مناطق ترفيهية متنوعة، كالمطاعم، والمنتزهات والحدائق والخدمات السياحية، والتلفريك. إن معرفة دوافع السياح لزيارة أية منطقة يعد مهماً جداً من أجل تحديد عناصر أخرى فيستمر نشاط الحركة السياحية في تلك المنطقة وينعكس بصورة إيجابية على السياحة بصورة عامة والمنطقة وسكانها بصورة أخرى.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2013 بلغ عدد الفنادق العاملة في الضفة الغربية 113 فندقا في شهر كانون أول2013، وبلغت نسبة اشغال الغرف الفندقية في الضفة الغربية حوالي 28% خلال الربع الرابع 2013، وبلغ عدد المراكز الثقافية العاملة في فلسطين 658 مركزاً في عام 2013؛ 575 مركزاً في الضفة الغربية، و83 مركزاً في قطاع غزة، قدمت خلال عام 2013 حوالي 9.4 ألف نشاط ثقافي؛ 8.9% من هذه الأنشطة ندوات، و10.2% محاضرات، 63.0% دورات، و15.9% عروض فنية، و2.0% معارض. وبلغ عدد المشاركين في الأنشطة الثقافية حوالي 502 ألف مشارك، منهم حوالي 399 ألف مشارك في الضفة الغربية، و103 ألف مشارك في قطاع غزة، وبلغ عدد المتاحف العاملة في فلسطين خلال عام 2013؛ 13 متحفاً. 9 متاحف في الضفة الغربية، و4 متاحف في قطاع غزة. وبلغ عدد زوار المتاحف حوالي 81 ألف زائر عام 2013؛ 94.1% فلسطينيون و5.9% من جنسيات أخرى. وبلغ عدد العاملة في فلسطين 8 مسارح عام 2013، منها 5 مسارح عاملة في الضفة الغربية، و3 مسارح في قطاع غزة. عرضت حوالي 136 مسرحية عام 2013؛ 80 مسرحية في الضفة الغربية، و56 مسرحية في قطاع غزة. 25.0% من المسرحيات المعروضة للأطفال و49.3% عرضت للكبار في حين 25.7% عرضت للصغار والكبار. وبلغت نسبة المسرحيات التي قدمها ممثلون فلسطينيون 83.1%، و13.2% من المسرحيات قدمها ممثلون عرب، و 3.7% قدمها ممثلون من جنسيات مختلفة. أما بخصوص عدد الزوار للمسارح فقد بلغ عددهم حوالي 105 ألف زائر.
لدراسة السياحة الثقافية في فلسطين وتحديد دورها في تنشيط وتنمية المجتمع، لا بد من تفصيل العناصر المتداخلة فيها، ودراسة إمكانيات تطويرها، والشروط التي يجب أن تتوافر من أجل تحقيق ذلك، وهذه العناصر هي:
1- التنوع:
ويشمل العناصر الفضائية الضفة الغربية وقطاع غزة، التي تحدد الحركة السياحة داخل هذه المناطق، وبينها وبين المناطق الأخرى المحيطة بها، وهي: دولة الاحتلال الصهيوني، والأردن، ومصر، وسوريا، ولبنان بصورة خاصة. وتحتوي المناطق الفلسطينية في الضفة والقطاع ما يكفي من المواقع الدينية والأثرية والتاريخية والمعالم التراثية، لكي تنمو وتتطور سياحياً.
ولو تم النظر إلى المناطق السياحية في العالم فإنه لا يكاد يوجد بقعة واحدة تجتمع فيها عناصر الجذب السياحي المتنوع كما تجتمع على الأرض الفلسطينية في الضفة وغزة، وتقع الأماكن الدينية المقدسة في القدس وبيت لحم والخليل، على رأس قائمة الأماكن، تليها الأماكن الأثرية والتاريخية التي خلفتها الحضارات المتعاقبة على هذه الأرض منذ فجر التاريخ، مثل أريحا ونابلس وسبسطية وغزة، وعشرات المواقع المنتشرة في الضفة والقطاع.
كما أن التنوع المناخي والجغرافي الذي لا يجتمع في بقعة صغيرة كما يجتمع في الضفة والقطاع؛ ففيها البحر الميت والأغوار وجبال القدس ورام الله ونابلس والخيل وسهول جنين وطولكرم وشواطئ غزة والبحر الميت. ويمكن القول أن فلسطين متحف مفتوح للآثار تنتشر فيه المواقع الأثرية التي تروي قصص الحضارات التي تعاقبت فيها.
إن عملية ترميم وصيانة هذه الآثار وفق معايير فنية وسياحية وثقافية، وتطوير البنية التحتية المتصلة بها، وبناء الخدمات السياحية- سيكون من أهم التحديات في المستقبل القريب، ويستلزم تطوير هذه المواقع المحافظة على ملامحها الفنية وحمايتها من أي تأثيرات سلبية، وتوعية السكان ومشاركتهم في المحافظة على نظافتها وجاذبيتها؛ باعتبارها من الثروات الوطنية المهمة، ويمكن تقسيم الأماكن السياحية في الضفة الغربية وقطاع غزة والمرشحة للنهوض السياحي في إطار السياحة الثقافية إلى ثلاثة أنواع:
أ) المواقع الأثرية: التي تمثل مراحل تاريخية متنوعة وحضارات متعددة، والأماكن الدينية الخاصة بالديانات السماوية الثلاث.
ب) المناطق الجغرافية المتنوعة: كالجبلية والصحراوية والساحلية، التي تحتوي على العديد من المواقع السياحية والمشاهد الطبيعية والتي توفر للسائح مناخاً مناسباً طوال العام، وبصورة خاصة منطقة البحر الميت وغور الأردن، فالمناخ في الضفة والقطاع متنوع من شتاء لطيف في وادي الأردن والبحر الميت، إلى صيف لطيف في جبال نابلس والخليل وبيت لحم ورام الله؛ ما يوفر ظروفاً مناسبة للسفر والسياحة.
ت) معالم التراث الحضاري والثقافي التي تتمثل في المدن التاريخية القديمة، والأسواق الشعبية والمتاحف، والتنوعات العرقية والدينية والثقافية، التي تمثل مظاهر جذابة للسائح الذي يهتم بالثقافة والتاريخ والحياة الاجتماعية.
ويساعد هذا التنوع في الموارد الطبيعية والتراثية والحضارية والدينية المتاحة في الأراضي الفلسطينية، في مضاعفة ما يصلها حالياً من السياحة الثقافية التي تصل نسبتها إلى حدود 15% من حركة السياحة الدولية (أي حوالي 80 مليون سائح سنوياً من مختلف الجنسيات) ولا يزور الشرق الأوسط أكثر من 6% منها، كما أن التنسيق الإقليمي من أجل تسهيل الحركة إلى دول المنطقة المجاورة، يمكن أن يساعد في زيادة هذا النوع من السياحة، لأن هذه الدول تكمل بعضها البعض حضارياً وتاريخياً، فالأديان تخصص فريد لهذه المنطقة، إذ ولدت معظم الأديان الرئيسية وازدهرت في هذه المنطقة، إضافة إلى وجود الأماكن التاريخية التي تمثل مختلف الحضارات.
ولم توفر اتفاقيات أوسلو أو اتفاقيات القاهرة للفلسطينيين إلا سلطات محدودة في هذا الحيز، فما زالت دولة الاحتلال الصهيوني تسيطر على الجزء الأكبر من المناطق السياحية، ولا يتمكن الأدلاء السياحيين والباصات السياحية الفلسطينية من التحرك في هذه الفضاءات بحرية رغم الاتفاقيات الموقعة، ويسمح بمقتضى المادة العاشرة من البروتوكول الاقتصادي للحافلات والمركبات السياحية الفلسطينية والصهيونية من دخول الأراضي الواقعة تحت ولاية الجانب الآخر، وبمساواة بين شركات السياحة ووكالاتها من الطرفين في التسهيلات والدخول إلى نقاط العبور والمغادرة الحدودية وغيرها من الصلاحيات.
وما زالت دولة الاحتلال الصهيوني ترفض الاعتراف بالأدلاء السياحيين الذين تم ترخيصهم من الجانب الفلسطيني، رغم أن الاتفاق ينص على أن يقوم كل طرف بترخيص الأدلاء السياحيين حسب قواعده وأنظمته الخاصة.
وتقوم دولة الاحتلال الصهيوني بترتيبات إجرائية معقدة تحول دون حرية الحركة السياحية عبر المعابر الحدودية للسلطة الوطنية مع مصر والأردن، في حين أنها تقوم بتسهيل الإجراءات عبر المناطق الحدودية التي تصلها بالأردن مباشرة مثل جسر الشيخ حسين، إضافة إلى أن الإشراف الكامل على المواقع السياحية يرتبط بتقسيمات الأراضي الفلسطينية إلى مناطق (أ) و (ب) و (ج)، ومازال مرهوناً بتحويل هذه المناطق إلى السلطة الوطنية، وقد حال التأخر في إعادة الانتشار دون قيام وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بالإشراف على جميع المواقع السياحية الفلسطينية، إضافة إلى أن القسم الأكبر من الأماكن الدينية السياحية، تسيطر عليها مؤسسات دينية غير محلية، ولا يلعب أبناء الطوائف المحلية دوراً مهماً في إدارتها.
وتمثل مختلف هذه العوامل عقبات أمام تنظيم السياحة الثقافية وتشجيعها في الفضاءات السياحية في فلسطين، ولهذا فإن قيام دولة فلسطينية ذات حدود سيادية مستقلة وسيادة كاملة، يعد من العوامل الأساسية لتوفير سياحة فلسطينية ثقافية مستقلة.
2- العناصر الوظيفية:
تشمل العناصر الوظيفية للسياحة الثقافية: العنصر الحركي، وهو النقل والسفر، والعنصر الاستايتكي المستقر، وهو الإقامة والظروف المتصلة بها من بينة تحتية. وتمثل هذه العناصر مجموعة من الخدمات المتداخلة التي تلبي احتياجات السائح ومتطلباته، وتشمل الإيواء والترفيه والطعام، ووسائط النقل، والبنوك ومكاتب السياحة وغيرها من التسهيلات والخدمات؛ فالسائح يزور المتاحف ويشتري التذكارات التقليدية، ويستعمل المكالمات الهاتفية، والفاكس، والملابس، والطوابع، والكتب وغيرها من المشتريات.
ومنذ احتلال دولة الاحتلال الصهيوني للضفة والقطاع عام 1967، وضعت وما زالت تضع العقبات العقبات في وجه القطاع السياحي الفلسطيني، الامر الذي أدى إلى تذبذب مستمر لجميع أنماط الخدمات السياحية في هذا القطاع، رغم الجهود المبذولة لتعزيز صموده في وجه الاجراءات الإسرائيلية وخاصة في مدينة القدس.
3- العناصر الثقافية:
إن الثقافة والسياحة توأمان لا ينفصلان. ويكمن مستقبل السياحة في قدرتها على توظيف الثقافة، وإشعاع هذه الأخيرة رهن بتفاعلها مع آليات الحركة السياحية، والثقافية ببعديها التراثي والإبداعي، وهي الأداة المثلى لتعميق الحوار بين الشعوب، وإحلال التفاهم بين الأفراد والجماعات.
وتستوجب السياحة الثقافية تهيئة الفضاءات الثقافية، والاهتمام بالخصوصيات الثقافية والحضارية التي تتميز بها البلاد عن الدول المنافسة لها في مجال السياحة؛ فالتجربة أثبتت أن السائح يهتم بما تتميز به المنطقة من معالم عمرانية وحضارية وثقافية ومظاهر اجتماعية إنسانية أكثر من اهتمامه بما يقدم له من برامج تنشيطية داخل أسوار النزل والنوادي.
والسياحة الثقافية ذات طبيعة ذهنية تنشد معرفة أشياء جديدة، وأشخاص جدد، بالإطلاع على تاريخهم وعاداتهم في الإطار نفسه الذي يعيشون فيه؛ فالسائح يرغب أن يزيد ثقافته عن طريق زيارة بلدان ودراسة شعوبها، والخصائص التي تتميز بها هذه الشعوب، حيث يتبدل المحيط الروتيني بمحيط جديد فيه الإثارة والراحة والمعلومات، إنه جمع بين الترويج عن النفس من ناحية والإطلاع على ثروات البلاد الأثرية ومعالمها التاريخية من ناحية أخرى.
ولكي تتحول السياحة الفلسطينية إلى سياحة ثقافية، لا بد من تطوير المادة السياحية للزائر، بالتركيز على الخصوصيات التراثية والثقافية والحضارية التي تتميز بها المواقع الفلسطينية السياحية. وتشمل الثقافة هنا شكلين: يتمثل الأول في المعتقدات والتقاليد والعادات والمعارف والممارسات الاجتماعية والتفاعل الإنساني. في حين يتمثل الثاني في أدوات ملموسة ومحددة للتراث يتم عرضها بشكل من أشكال الجذب السياحي، كالمصنوعات الحرفية والنشاطات الفنية والمعارض وغيرها.
إن فلسطين بما لها من رصيد حضاري، وتراكمات إبداعية ثقافية، وتقاليد سياحية عريقة، قادرة على تجسيم هذه المعادلة الضرورية؛ فموروثها الحضاري من أغنى المواريث في العالم، وهو عنصر أساسي في مسيرتها التنموية وإن أرصدتها الثقافية لا تتوقف عند موروثها الأثري والديني، إذ أن انتاجات مبدعيها في ميادين الثقافة مهمة، أكدت حضورها في الساحة العربية والعالمية، ودون الاستعانة بالعنصر الثقافي ستبقى صورة فلسطين منقوصة وباهته و قابلة للتسويق في عالم وحدته وسائل الاتصال المختلفة، وطغت عليه أساليب الدعاية المبهرة في أشكالها ومحتوياتها.
إن صورة فلسطين أعمق وأجمل وأكثر إغراء من تلك التي دأبنا على تداولها سياحياً، إنها صورة ذات رصيد ثقافي وتراثي هائل، وإبداع متنوع وقيم إنسانية رفيعة.
وترتكز المنافسة في مجال السياحة اليوم على عنصر الكيف، والكيف مضمون لا يوفره إلا الإبداع، سواء التراثي منه أو الحديث دون إغفال الجوانب الأخرى، كما إن الارتقاء بالمنتج السياحي من شأنه أن يشجع نوعية أكثر إفادة من السياح الوافدين على فلسطين كالمثقفين وذوي المستوى العلمي الرفيع، وأصحاب المال، ويدفع المستثمرين الأجانب إلى المساهمة في إثراء البنية التحتية الثقافية.
إن النهوض بالسياحة الثقافية مسؤولية وطنية لا تتوقف عند حدود مؤسسات الدولة، بل تستدعي مشاركة جماعية لجميع الفعاليات في المجتمع. ولقد توفر للفلسطينيين، بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، الأرض اللازمة والمناخ الضروري، لتطوير المسالك السياحية والمواقع الدينية، وإعداد الأدلاء، وتطوير مرافق الاستقبال وربطها بالمواقع الأثرية والمتاحف، واستغلال أسماء بعض المدن ذات الرصيد المشبع في الإشهار السياحي، مثل أريحا والقدس والخليل وبيت لحم وغيرها.
وتتوفر للفلسطينيين أيضاً الفرصة لتدعيم وتثبيت الهوية الثقافية الفلسطينية على الخريطة السياحية الدولية من خلال المؤتمرات والندوات والمعارض السياحية، وتوطيد العلاقات الثنائية مع مختلف الدول، وإعادة النظر في القوانين والتشريعات والأنظمة السياحية المعمول بها حالياً، وتحديثها بما يتناسب ومتطلبات العصر واحتياجات المرحلة، ويساعد تحقيق هذه الجهود والبرامج في توظيف الثقافة وتفاعلها مع آليات الحركة السياحية.
4- العناصر الترفيهية:
يرتبط جوهر السياحة الثقافية بالمتعة والفكر بصورة مباشرة، حيث أن مشاهده المعالم الجديدة الحضارية والتراثية والتاريخية والمتاحف والمسارح والمكتبات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والأسواق المختلفة، وما إلى ذلك تزيد من متعة السائح.
إن السياح الذين يحضرون ضمن مجموعات سياحية أو مع عائلاتهم وأصدقائهم، يمثلون نسبة كبيرة جداً من السياح إلى فلسطين (75%)؛ بسبب انخفاض الكلفة الاقتصادية للسياحة ضمن هذه المجموعات. ولذلك؛ يجب إعداد البرامج الترفيهية التي تتناسب مع طبيعة هذا الحضور.
ويعتمد التفاعل بين الثقافة والسياحة على نوع السائح، وعمره، والفترة الترفيهية التي يقضيها في الموقع السياحي.
ولما كانت الرحلات المنظمة تحدد برامجها مسبقاً بواسطة وكلاء السياحة والسفر أو الفنادق الكبيرة، فإنه من الضروري التنسيق مع هذه الأطراف؛ لإعداد البرامج الترفيهية المناسبة.
إن معرفة جنسياتهم مسبقاً تسهل إقامة مثل هذه النشاطات التي تشمل الجانب الترفيهي.
ويمكن أن تكون منطقة أريحا من أفضل المناطق التي يمكن أن توفر وسائل الترفيه المناسبة للحركة السياحية في الضفة والقطاع؛ لموقعها الفريد والمميز بالقرب من البحر الميت، والعديد من المواقع الأثرية والدينية والمناظر الخلابة، إضافة إلى أنها تعتبر البوابة الشرقية للضفة الغربية، وتقع على مقربة من جسر "اللنبى" الذي يعد الممر الرئيس للحركة السياحية من الأردن والعالم العربي، وهي تقع أيضاً على طريق الحركة السياحية المتجهة إلى إسرائيل، وتتوافر فيها مناطق ترفيهية متنوعة، كالمطاعم، والمنتزهات والحدائق والخدمات السياحية، والتلفريك. إن معرفة دوافع السياح لزيارة أية منطقة يعد مهماً جداً من أجل تحديد عناصر أخرى فيستمر نشاط الحركة السياحية في تلك المنطقة وينعكس بصورة إيجابية على السياحة بصورة عامة والمنطقة وسكانها بصورة أخرى.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2013 بلغ عدد الفنادق العاملة في الضفة الغربية 113 فندقا في شهر كانون أول2013، وبلغت نسبة اشغال الغرف الفندقية في الضفة الغربية حوالي 28% خلال الربع الرابع 2013، وبلغ عدد المراكز الثقافية العاملة في فلسطين 658 مركزاً في عام 2013؛ 575 مركزاً في الضفة الغربية، و83 مركزاً في قطاع غزة، قدمت خلال عام 2013 حوالي 9.4 ألف نشاط ثقافي؛ 8.9% من هذه الأنشطة ندوات، و10.2% محاضرات، 63.0% دورات، و15.9% عروض فنية، و2.0% معارض. وبلغ عدد المشاركين في الأنشطة الثقافية حوالي 502 ألف مشارك، منهم حوالي 399 ألف مشارك في الضفة الغربية، و103 ألف مشارك في قطاع غزة، وبلغ عدد المتاحف العاملة في فلسطين خلال عام 2013؛ 13 متحفاً. 9 متاحف في الضفة الغربية، و4 متاحف في قطاع غزة. وبلغ عدد زوار المتاحف حوالي 81 ألف زائر عام 2013؛ 94.1% فلسطينيون و5.9% من جنسيات أخرى. وبلغ عدد العاملة في فلسطين 8 مسارح عام 2013، منها 5 مسارح عاملة في الضفة الغربية، و3 مسارح في قطاع غزة. عرضت حوالي 136 مسرحية عام 2013؛ 80 مسرحية في الضفة الغربية، و56 مسرحية في قطاع غزة. 25.0% من المسرحيات المعروضة للأطفال و49.3% عرضت للكبار في حين 25.7% عرضت للصغار والكبار. وبلغت نسبة المسرحيات التي قدمها ممثلون فلسطينيون 83.1%، و13.2% من المسرحيات قدمها ممثلون عرب، و 3.7% قدمها ممثلون من جنسيات مختلفة. أما بخصوص عدد الزوار للمسارح فقد بلغ عددهم حوالي 105 ألف زائر.