بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني. إظهار كافة الرسائل

2014-04-06

الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني (3/3)

الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني (3/3)

غموض إيراني واندفاع تركي!

هل ستقبل إيران التضحية بسوريا وبالمقاومة اللبنانية لصالح تحالف إيراني قطري يوصلها لمياه المتوسط، مع ضمان حصة الأسد في العراق لصالح إيران وقبول شراكتها في خط الحرير الإستراتيجي، وبموافقة إسرائيلية وأميركية؟

وهل ستجني إيران الثمار في لبنان، والشراكة الإستراتيجية الطويلة في العراق مقابل التخلي عن سوريا أو قبولها بالتغيير في سوريا مع ضمان حصة طائفية لها في الكعكة السورية؟

الجواب سيكون حتماً في بطون الأيام المقبلة، فالسياسة ليست فيها مناطق آمنة، وهي مليئة بالمربعات السوداء وحتى بالنفاق، وعلى العكس من الاقتصاد الذي لا يعرف الكذب لأنه يعتمد على الأرقام، ولكن الذي يخيفنا هو “هل سيتكرر تصريح طهران عندما قالت على لسان نائب الرئيس محمد خاتمي السيد محمد علي أبطحي عام 2004: “لولا إيران ومواقفها ودعمها لِما سقط نظام طالبان ونظام صدام حسين”، فيا ترى هل ستقول القيادة الإيرانية: لولا إيران ومواقفها ودعمها لِما سقط النظام السوري؟

فالسياسة فيها العجائب، وهذا ما يخيفنا حقاً على سوريا التي وجدت نفسها بين لاعبين لا يعرفون الرحمة، ولهم مشاريع استراتيجية وأجندات خطيرة ومتضاربة، وبالتالي فنحن نعتقد بأنها معركة دمشق وحدها نعم وحدها، أي أنها معركة الشعب السوري والقيادة السورية فقط، لا بل هي معركة العرب في سوريا، لأن المشاريع القومية الصاعدة في المنطقة لا تحبذ أن يكون هناك مشروع قوم عربي، لا بل تحارب المشروع القومي العربي، وهي المشروع القومي الإسرائيلي وأسقاطاته الدينية، والمشروع القومي الإيراني، والمشروع القومي التركي وأسقاطاتهما الطائفية.

ولكن هناك تركيا التي شعرت بالخوف من التمادي القطري ـ الإسرائيلي، حتى انها شعرت بالخوف من الصمت الإيراني في الموضوع السوري المهم بالنسبة لتركيا، فراحت لتركز أي إيران على لبنان والبحرين بدلا من سوريا، وأخيراً راحت لتهتم بالعراق وتعرض الشراكة التجارية والأقتصادية والأمنية، خصوصا وأن هناك ملامح إيرانية لقيادة “انقلاب ناعم” وبموافقة المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي لإزالة المتشددين مع واشنطن وإسرائيل، وفي مقدمتهم الرئيس نجاد نفسه في إشارة مهمة للولايات المتحدة وإسرائيل ليتم قبول الوضع الجديد ولا داعي للدخول في مخططات التغيير والتثوير على الطريقة العربية، وهو أمر مثير، وحيّر الأتراك والكثير من الخبراء والمحللين، وحتى أقلق السوريين أنفسهم، لهذا أندفعت تركيا وبقوة في الملف السوري فأزعجت النظام السوري، وكذلك أزعجت إسرائيل ودولة قطر، لأن اندفاعها المساند لفرض “الإخوان المسلمين” كشريك للنظام مع التبرع بحماية النظام قد أزعج النظام السوري لأنه اعتبرها مساومة رخيصة وابتزازاً مقرفاً، وفي نفس الوقت أزعج إسرائيل التي تراهن على الأكراد السوريين بدلا من الإخوان المسلمين لأن إسرائيل تعتقد أن من يمتلك الأرض والمساحات الجغرافية والكتل البشرية المتشابهة فكرياً وقومياً وعرقياً هي الأقوى والأكثر تأثيراً على النظام، وتجد في الأكراد هذه المواصفات، ومن هناك شعرت إيران بالخوف من المقامرة في سوريا التي تعتبرها العمق الإستراتيجي لها في الهلال الخصيب وفي المنطقة المحاذية لفضاء البحر الأبيض المتوسط، وربما ستلجأ لصفقة ما مع واشنطن في العراق، ولكنها ستمر على سوريا ولبنان!

فلقد أصبحت طهران تستشعر الخطر التركي في سوريا وغيرها وعلى الرغم من قناعة طهران بأن واشنطن تميل الى تقسيم المنطقة بين تركيا وإيران ومن خلال لعبة التوازنات المذهبية والطائفية، والتي ستقود الى حرب باردة في المنطقة، وحتماً سيكون لتركيا وإيران حصة الأسد فيها، ولم تكتف تركيا بهذا بل راحت لتطور من وجودها في ليبيا ومصر، والهدف هو لتطويق الإندفاع القطري ـ الإسرائيلي في الدولتين، ومحاولة لقطع الطريق على إيران في ليبيا من جهة، وتفريغ اليد الإيرانية من المكاسب في مصر من جهة أخرى، فأنقرة تعرف بأن الإندفاع القطري يصب في المصلحة الإسرائيلية في آخر المطاف، ولا ندري هل تريد أنقرة من وراء هذا الأندفاع تنازلات من قطر وإسرائيل في موضوع الطاقة واليونان وسوريا، أم أنها ترى في نفسها أكبر من قطر وإسرائيل وسوف تبسط هيمنتها على مصر وليبيا ولاحقا في سوريا؟ أم هي تريد من وراء ذلك تنازلات معينة من الإيرانيين في سوريا ولبنان؟

ففي الملف المصري ذكرت مصادر تركية بتاريخ 26 حزيران 2011 وعبر تقرير نشر في جريدة الأهرام المصرية “إن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان سيصطحب معه خلال زيارته لمصر، المقررة في 21 يوليو المقبل، 300 من رجال الأعمال ورؤساء كبريات الشركات فى تركيا، قالت المصادر إن أردوغان قرر أن تكون مصر فى مقدمة الدول التي يزورها بعد تشكيل حكومته الجديدة عقب الانتخابات البرلمانية التي شهدتها تركيا في 12 يونيو 2011″ وفي الوقت نفسه، ذكرت صحيفة “أكشام” التركية فى تقرير لها أن رجال الأعمال الأتراك يرغبون فى توسيع نطاق أعمالهم فى مصر دون تأخير بعد أن استقرت الأوضاع الأمنية بشكل كبير عقب ثورة 25 يناير، وقال رجال الأعمال إنهم سيركزون فى الفترة المقبلة على قطاع التشييد والبناء، وأن الشركات التركية تخطط للفوز بمشروعات لإنشاء مليون وحدة سكنية فى مصر، مؤكدين أن هناك فرصة جيدة الآن لقطاع المقاولات التركي في مصر” و”أكد السفير عبدالرحمن صلاح سفير مصر في تركيا أن حرص رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا على أن تكون مصر من أوائل الدول التي سيزورها بعد نجاحه في الانتخابات يعكس مدي قوة العلاقات المصرية التركية‏، وأضاف أن الزيارة التي ستتم في بداية يوليو ستشهد توقيع عدد من الاتفاقيات علي رأسها اتفاقية إنشاء مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين برئاسة رئيسي وزراء البلدين وسيتم عقد أول جلسة للمجلس خلال زيارة أردوغان القاهرة، وقال من المنتظر أن يتم إعلان بدء تشغيل خط للنقل البحري من ميناء مرسين التركي علي البحر المتوسط لميناء الإسكندرية، وكذلك سيتم توقيع عدد من الاتفاقيات الثقافية والتعليمية والإعلامية.

ومن سياق التصريح نشعر بأن تركيا قد قررت نقل تحالفها للتعاون الإستراتيجي مع دمشق نحو القاهرة، وهذا مؤشر بأن مخطط تغيير النظام في سوريا لازال ساريا، ولكن النظام السوري يمتلك أوراقا أستراتيجية مهمة لا تتوفر عند جميع الأنظمة العربية، فسوريا تمتلك حتى قدح اللهب الذي سيشعل حربا إقليمية كبرى لن تسلم منها إسرائيل وتركيا والمصالح الأميركية والغربية، ولكن التحرك التركي أيضا جاء منغصاً للمحاولات الإيرانية ـ المصرية لطي صفحة الماضي والشروع بعلاقة جديدة بين إيران ومصر، ولقد برزت بعض الإشارات الإيجابية من المصريين، ولكن الضغط الأميركي والغربي على مصر أوقف تلك الرغبات بأتجاه إيران، ويبدو لصالح تركيا التي لم نسمع أعتراضا عليها في مصر، علماً أن هناك استراتيجية أميركية ـ اسرائيلية تؤكد على أضعاف مصر وإيران معاً، وفي آن واحد لمنع ولادة تحالف إسلامي وثوري بين الدولتين، وحتماً هذا يقود لتعزيز الدور التركي، ولكن لا نعتقد سوف تسلم تركيا من هزات داخلية في المستقبل القريب وحينها ستتغير قواعد اللعبة.

ملامح لحرب باردة في المنطقة ..مقابل خطوات قطرية خطرة!

فهناك ملامح ومؤشرات بأن في الأفق ملامح ولادة لـ”حرب باردة” وولادة لـ”محاور إقليمية واقتصادية” ولا نعتقد سوف تسلم المنطقة من ظواهر الأحتكاك والصدام.

فهناك بوادر لبروز قطبين إقليميين سيرعيان جبهتين طائفيتين في المنطقة، إضافة لرعاية جبهات سياسية مختلفة في التوجهات والخلفيات الفكرية، وأن أبرز الأطراف المرشحة لدخول حلبة “الحرب الباردة” هي تركيا وإيران وبالإستناد على التمايز والتناظر الطائفي، خصوصاً وأن تلك الثروات الموجودة في البحر الأبيض المتوسط والتي أسعدت إسرائيل وسال لعاب دولة قطر من أجلها قد تجلب لإسرائيل نار جهنم، خصوصا وأن عملية التغيير في دمشق لازالت غامضة، وأنها قد تفتح نار جهنم على الإسرائيليين.

وعلينا أن لا نغفل بأن هناك طرفاً مهماً في المعادلة، وهو الطرف “السعودي” الذي لن يقبل بتغريد قطر خارج السرب الخليجي، ولن تقبل الرياض بالحسابات القطرية التي قد تدول منطقة الخليج دون التشاور مع الرياض، ناهيك أن للرياض مصالح مهمة في لبنان، وأنها لن تسمح لدولة قطر أن تشارك إيران في لبنان وسوريا، لأن هذا يٌشعر الرياض بأن هناك انقلاباً قطرياً بالضد من السعودية ومصالحها في لبنان والمنطقة، ويشعرها بأن هناك طابوراً خليجياً يغرد خارج السرب ويرفض التنسيق مع الرياض ومجلس التعاون الخليجي، والأخطر هو الخوف السعودي من تنامي العلاقة بين طهران والدوحة وبالعكس والتي وصلت الى الملف اليمني الذي يعتير عصب الاستقرار بالنسبة للسعودية.

فالسعودية قلقة جداً من تنامي الدور الإيراني المصحوب بوتيرة متصاعدة من الإنتاج العسكري والحربي لإيران، ناهيك عن الملف النووي الذي لازال غامضا، وقلقه جدا من النجاحات السياسية والدبلوماسية والأقتصادية لإيران في العراق ولبنان وحتى في مصر، فهي خائفة من ولادة صفقات إيرانية ـ أميركية، وبنفس الوقت هي متوجسة من الاندفاع التركي في المنطقة العربية، وتشعر بأن هناك ملامح لتقاسم المنطقة بين إيران وتركيا وبرعاية أميركية لأن الولايات المتحدة في حالة قلقة للغاية بسبب الوضع الأقتصادي المتفاقم، وكذلك بسبب الجدل الدائر حول العراق وأفغانستان والدور المستقبلي للولايات المتحدة.

لذا فالإدارة الأميركية في حيرة من أمرها وأمام أمتحانات صعبة ودفعة واحدة مع ضيق الوقت، لأن هناك الحملة الإنتخابية التي أصبحت على الأبواب تقريبا، لهذا سوف تضطر للأعتماد على تركيا حليفا اقليمياً صاعداً وبالمقابل سوف تلجأ لعقد صفقات هنا وهناك أو صفقة كبرى مع الإيرانيين غايتها التهدئة والاستمرار على الوضع الحالي، أي بأختصار تشجيع تركيا لتدخل في حرب باردة أو منافسة عاقلة مع إيران لمنع التصدعات والإنهيارات السياسية في المنطقة.

ولقد أكد على ذلك الباحث في السياسة والتاريخ، ووزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق الروفسور “شلومو بن عامي” لموقع ألماني بتاريخ 10 يوليو 2011 قائلا “تمر الولايات المتحدة بأوقات اقتصادية عصيبة، فهي تمول توسعها من بالاقتراض من الصين، لذلك لم تعد بإمكانها توريط نفسها في نزاعات عسكرية على مستوى العالم، وهي ليست المشكلة الوحيدة بل المشكلة الأخرى هي النقاش حول مستقبل دور أمريكا الدولي بعد حربها في العراق وأفغانستان، وأن الرسالة التي تبثها الولايات المتحدة الآن ليست رفض التدخل وإنما محاولة لضبط النفس، وذلك سعيا منها إلى عدم الانجراف في صراعات خارجية، ومن الجانب الآخر هناك تراجع في هيمنة الحكومات الغربية بسبب الثورات العربية، وأن ذخيرة الأوروبيين كانت قد بدأت في النفاذ بعد مجرد عشرة أسابيع على بدء القتال في ليبيا، وأن التوبيخ الذي قام به وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس مؤخرا ضد أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي ناتو هو بسبب قدراتهم العسكرية الهزيلة”.

وهذا ما قرأته إيران جيداً فراحت فدعمت حكومة لبنانية بقيادة حزب الله، ومن الجانب الآخر راحت فأندفعت نحو العراق بوفد رفيع ضم أكثر من 200 شخصية إيرانية لتعلن أنها ستنسى آلام الماضي نحو شراكة أقتصادية وتجارية وأمنية مع العراق لا بل عبرت عن استعدادها لملأ الفراغ في العراق فعلى الولايات المتحدة الانسحاب من العراق، وكذلك السعودية هي الأخرى قرأت الموقف بشكل جيد، فراحت لتفتش عن دور مهم في حالة فرض الحرب الباردة، وحتى في حالة تقسيم المنطقة طائفياً، لا بل حتى تفتش عن دور في حالة فرض التهدئة.

و”الكويت” هي الأخرى راحت فانتبهت للدور القطري المتصاعد، والذي يرفض التنسيق مع الدول الخليجية، فراحت فسارعت لترطيب الأجواء مع طهران، وراحت لتطوي موضوع التدخلات الإيرانية وموضوع شبكة التجسس التي اعلن عنها، فعاد السفير الإيراني وساد الهدوء بين البلدين، لأنها اكتشفت انه ليس من مصلحتها العداء مع إيران وعلى الأقل في الوقت الحاضر، والتي ربما ستكون حليفا لدولة قطر، أو ربما سيتغير المنطق في البحرين نحو التقسيم ” طائفيا” وحينها ستكون إيران ليست جارة فحسب بل شريكة في مجلس التعاون الخليجي وحتى وإن لم تنتم.

ولكن كل هذا لن يثني دولة قطر، فهي تراهن على التقارب مع الكبار وإسرائيل لتمضي معها بعيداً، وأنها وظفت أموالها الهائلة لهذا الغرض.

فلقد قال وزير الاستثمار اليوناني “هاريس بامبوكيس” في 24 يناير/كانون الثاني 2011 لرويترز “سنجلب الإستثمارات من الصين وقطر وفرنسا وأيضا من إسرائيل، وسوف تستثمر دولة قطر بـ7 مليار دولار لتطوير هيليستيكون وهو ـ مطار أثنيا الدولي سابقاً ـ وسيشمل تطوير البنية التحتية والتكنولوجية، وتحدثنا مع إسرائبل حول التعاون في نقل الغاز الطبيعي الذي أكتشفته إسرائيل حديثا في حقول بحرية الى الأسواق في أوربا، واكتشفنا أن عند الإسرائيليين كميات كبيرة جدا من الغاز في البحر المتوسط، وسوف نرى كيف يكون اليونان مركز نقل وخدمات لأنها تقع على طريق طبيعي الى بلغاريا وأوربا”.

ولقد قالت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية بتاريخ 11 آب 2011 “أن من بين القضايا التي ناقشها نتنياهو في اليونان هو السماح للطائرات الإسرائيلية بالتدريب في الأجواء اليونانية بعد تدهور العلاقات التركية ـ الإسرائيلية، وبحث مع اليونان التعاون التجاري والعسكري”.

وقالت صحيفة إسرائيل اليوم بتاريخ 17 آب 2010 “يجب أن يفهم الرأسماليون أنه بعد إيجاد آبار تمار قد تغيرت قواعد اللعبة، الدراسة الجيولوجية الجديدة التي نشرت في شهر حزيران 2010 من قبل معهد إدارة الولايات المتحدة تقدر فيها طاقة الغاز الطبيعي في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط (نحن، قبرص ولبنان) بقيمة ـ مهما ارتفعت ـ 540 مليار دولار”.

وهذا يعني أنها معركة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، أي أنهما لا تريدان أن تكون هناك قوى “شريرة” حسب تعبيرهما، وقوى راديكالية وممانعة بالقرب من هذه الثروات، أو بالقرب من فضائها الإستراتيجي ومن خطوط أمدادها، ومن هنا تبلورت الهجمة المنسقة ضد سوريا وضد حزب الله وحتى ضد ليبيا.

وبما أن إسرائيل تحتاج الى رديف من المنطقة، ويكون غنياً ولديه خبرة في مجال استخراج وتسويق الغاز، فوجدت في دولة قطر ضالتها وعلى ما يبدو قد تم التنسيق فعلا ومن خلال توزيع المهام “الإستخبارية والإعلامية والعسكرية والمالية” فراحت قطر فأصبحت عضوا مشاركا لا بل فعالا في حملات الناتو ضد ليبيا، وعضوا رئيسيا في الحملة ضد سوريا، وخصوصا اللوجستية والإعلامية، وراحت قطر لتقوم بمهام أخرى غايتها كسب ود الدول الكبرى لتصنع لنفسها مكاناً مرموقاً ومتميزاً في الخارطة السياسية والاقتصادية الجديدة.

فلقد أفادت صحيفة “الغارديان” البريطانية بتاريح الأول من حزيران 2011 ان عناصر سابقين في قوات خاصة بريطانية توظفهم شركات امنية خاصة متواجدون في مصراته غرب ليبيا حيث يقدمون النصح للثوار الليبيين على الارض، ويقدمون معلومات لحلف شمال الاطلسي.

ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية بريطانية قولها ان عناصر سابقين من القوات الخاصة ينقلون الى مركز قيادة عمليات الاطلسي في نابولي معلومات حول مواقع وتحركات قوات الزعيم الليبي معمر القذافي، وقالت المصادر ان هؤلاء العسكريين السابقين متواجدون فيي ليبيا بموافقة بريطانيا وفرنسا ودول اخرى اعضاء في الاطلسي وقوات التحالف التي تقدم لهم تجهيزات غير حربي.

ونفت وزارة الدفاع البريطانية ان تكون الحكومة البريطانية تتولى دفع رواتبهم وشددت على عدم وجود قوات مقاتلة على الارض.

وقالت الغارديان ان المستشارين قد يكونوا يتلقون رواتبهم من قبل دول عربية لا سيما قطر، وقبلها وفي 15 ابريل 2011 نشر تقرير في البي بي سي البريطانية “اكدت قطر انها تبيع النفط الليبي، وتشتري الوقود لصالح المعارضين الذين يسعون للاطاحة بحكم الزعيم الليبي معمر القذافي، وايدت الولايات المتحدة الامريكية الخطوة القطرية، وباعت قطر بالفعل شحنة من النفط الليبي حجمها مليون برميل من النفط الخام لصالح المعارضة وشحنت الى بنغازي في المقابل اربع ناقلات تحمل الوقود والديزل وغيرها من المشتقات”.

ومن الجانب الآخر وعندما وجدت نفسها أي دولة قطر عاجزة من فعل شيء في “الملف اليمني” وذلك بفعل السطوة السعودية على هذا الملف اليمني راحت فأعلنت أنسحابها من المبادرة الخليجية حول اليمن بتاريخ 13/5/2011، علماً أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قد أتهم دولة قطر بالتحريض والتدخل في الشأن اليمني، وقال في 28 ابريل 2011 وفي حوار مع قناة “روسيا اليوم”: “دولة قطر هي الآن التي تقوم بتمويل الفوضى في اليمن وفي مصر وفي سورية، وفي كل الوطن العربي، وأضاف أن قطر تريد أن تكون “دولة عظمى” في المنطقة من خلال استخدامهم للأموال ولقناة الجزيرة.

وقالت مصادر يمنية كلاماً خطيراً نشره موقع ” لحج نيوز” بتاريخ 4 يونيو 2011 يتهم دولة قطر بالمؤامرة، وأن مخطط اغتيال الرئيس صالح حصل بتمويل قطري ورصد إسرائيلي وإشراف أمريكي وتنفيذ محلي، وقالت إن أصابع الاتهام تتجه نحو دولة قطر والموساد الصهيوني ومشاركة الرئيس الأمريكي بارك أوباما وأولاد الاحمر في المخطط الإرهابي والإجرامي الذي تم تدبيره لاغتيال فخامة الرئيس علي عبدالله صالح.

وبينت أن أمير دولة قطر وقف في موقف فاقد الأمل لفشل كل المخططات التي رسمها للإطاحة بنظام صالح والدفع بحميد الأحمر الى رئاسة اليمن الذي تعهد له بتسليمه حقول النفط والغاز واستعادة الأراضي اليمنية في منطقة الجوف شمال اليمن التي أصبحت بيد نظام السعودية، وتوجد بها اكبر الحقول النفطية، وذلك من خلال تمكين الحوثيين من إقامة دولتهم في محافظة صعدة والجوف وبعض مناطق مأرب المحاذية للحدود السعودية ـ وهي إشارة للتعاون القطري الإيراني في الملف اليمني وملفات أخرى ـ الأمر الذي جعله يعد مخطط جديد وسيناريو بالاتفاق مع بارك اوباما والاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” لاغتيال الرئيس علي عبدالله صالح ورئيس البرلمان اليمني يحي علي الراعي كون تلك هي الطريقة الأفضل والاسهل لتمكين أولاد الأحمر من الوصول الى هرم السلطة ليحكموا اليمن بعد نجاح المخطط كون حميد الأحمر هو نائب رئيس البرلمان، وستئول مقاليد رئاسة البلاد اليه بعد وفاة “يحيى على الراعي” رئيس البرلمان ويتمكن بعد ذلك اولاد الاحمر من السيطرة الكاملة على النظام اليمني ويصنعون بعد ذلك ما يشاءون”.

دولة قطر ولصالح إسرائيل: تندفع نحو سوريا وقريباً نحو لبنان ومستقبلاً نحو السعودية!

ولو عدنا الى الملف السوري واعتماداً على سياق هذا التقرير حول اليمن، وأقوال المصادر حول الدور القطري في اليمن، والذي هدفه تنصيب جماعة تابعة للدوحة في اليمن، ومن ثم الوصول الى النفط والطاقة والثروات والمشاركة بها مع الإسرائيليين، هذا يعني خنق السعودية ودورها في المنطقة، أي الشروع ومن الآن لتحجيم السعودية للوصول الى تقسيمها، وهذا ما أكدنا عليه في البداية، بأن دولة قطر ستآكل شقيقاتها، وستكون لاعبا في تقسيمها وتفتيتها، وهذا يعني أن دور دولة قطر في سوريا لا يختلف عن دورها في اليمن، ولكن السؤال المهم: هل يختبأ الإيرانيون تحت عباءة القطريين في سوريا منعا للأحراج من السوريين؟، لأن الهدف القطري في سوريا لا يختلف عن الهدف القطري في اليمن، أي أن الهدف تنصيب جماعة مواليه لها في دمشق، ومن ثم السيطرة على الثروات السورية والموقع الإستراتيجي السوري الذي سيصنع السلام والأمان لإسرائيل ولثرواتها المرتقبة، ولن يكتمل المخطط إلا بإنهاء دور المقاومة اللبنانية، وهذا يعني أن هناك دورا قطريا آخر في لبنان وسيقود الى نفس الأهداف، والحقيقة هو توكيل إسرائيلي لدولة قطر للقيام بالمهمة وبالنيابة عن إسرائيل، ولكن الذي يُحير الخبراء هو الصمت الإيراني حيال الدور القطري الخطير في سوريا والمنتظر في لبنان، والذي هو لصالح إسرائيل في أخر المطاف، لأن إسرائيل تتحرّج من الدخول مباشرة في الملف المصري، والليبي، واليمني، والسوري، واللبناني، وحتى في الملف السعودي مستقبلا، فتراهن على دولة قطر، وأن إسرائيل وقوى المحافظين الجدد تراهن ايضا على الخلاف وعدم التوافق بين الدوحة والرياض في عملية تفتيت السعودية الى دويلات؛ الأحساء الشيعية، دويلة نجد السنية السعودية، دويلة الحجاز السنية” ويقـتطع جزء من شمال المملكة العـربية السعـودية وضمه مع المملكة الاردنية لتصبح دويلة شرق الأردن، وتبتلع إسـرائيل الضفة الغـربية وغـزة، وإعـلان القدس عاصمة موحـدة لدولة إسـرائيل، وسيحج لها العرب والمسلمون بتأشيرات إسرائيلية أو بتأشيرة متفق عليها تمنح من دولة قطر الشقيقة لإسرائيل.

الخلاصة:

نحن لن نغفل أو نميّع دور المحور المقاوم والرافض للسياسات الأميركية في المنطقة، فنحن نعتقد بأن هناك صحوة عربية وإسلامية ستقود الى ردات فعل عكسية ضد ما يسمى بـ “الربيع العربي” خصوصاً بعد وضوح دور الولايات المتحدة والغرب وحتى إسرائيل في هندسة هذا الربيع وفي بعض الدول العربية وذهابها في محاولة منها لسرقة الثورات الشعبية الأخرى أو محاولة إحراف مسيرتها وخصوصا في تونس ومصر، وهذا بحد ذاته سيقود الى ردات فعل عسكية ربما ستقوي موقف روسيا وإيران والصين في المنطقة، خصوصا عندما انكشف الدور الأميركي الخفي في تفجير ما يسمى بثورات التغيير التي أعطت زخما قويا للمشاريع الراديكالية والطائفية والقومية والدينية والعرقية والإثنية في المنطقة، أي أعطت زخما قويا للمشروع الصهيوني القديم الذي ينص على تقسيم وتفتيت العالم العربي الى دويلات أثنية ودينية وطائفية وقومية.

ولقد جاءت شهادة الرئيس الأميركي باراك أوباما بتاريخ 10 يوليو 2011 لتضع حدا الى اللغط حول ” هل الثورات عفوية أم بترتيب أميركي!؟” وعندما قال “استخدمنا 25 بالمائة من احتياطنا النفطي أثناء الربيع العربي والأحداث في مصر” لا بل شهد الرئيس أوباما بأن هناك دولا عربية شريكة لواشنطن بما يحصل عندما قال ” لم يكن لدى الولايات المتحدة ولا حلفائها في الناتو أو من الدول العربية مثل قطر والإمارات العربية المتحدة إلا التدخل سريعاً في ليبيا” راجع صحيفة الوطن القطرية بتاريخ العاشر من يوليو 2011.

لهذا نعتقد سوف يخرج النظام السوري سالما في سوريا، ولكنه سيتعرض الى نكسات سياسية وأقتصادية، وسيكون العام المقبل عام تقشف حقيقي في سوريا، وسيُجبر النظام على أبعاد الكثير من الوجوه القديمة، وسوف يمضي في عملية الإصلاح الذاتية مقابل تقنين دور حزب البعث والفروع الأمنية لصالح أتساع المشاركة السياسية، ولكن بنفس الوقت سيتعزز الدور الإيراني على مستوى الإقليم، وسيسجل حضورا لافتا في آخر المطاف، وسيكون هذا الحضور سببا في نجاح الحكومة اللبنانية التي يقودها حزب الله، مقابل تركيا التي ستدخل في هزات سياسية داخلية سببها الحراك السياسي داخل البرلمان، والتصعيد الكردي على الأرض، فستتولد عن ذلك صفقات داخلية وإقليمية في المنطقة تقود جميعها الى التهدئة، وستجبر الولايات المتحدة والغرب على الدخول في التهدئة وضبط النفس نتيجة المشاكل الاقتصادية المتفاقمة في أمريكا، والتي في طريقها لتتفاقم أكثر في المستقبل من جهة ونتيجة تبديل بعض الحكومات والوجوه في بعص الدول الأوربية قريباً من جهة اخرى، والذي سيصاحبه هزات أقتصادية عنيفة وسوف ستمتد الى دول أوربية أخرى، ناهيك أن هناك فضيحة كبرى تحاول أوربا التغطية عليها والمتعلقة بالموقف العسكري المفكك والهزيل لحلف شمال الأطلسي ” الناتو”، ولكن الحدث الأهم هو ما سيحمله شهر سبتمبر 2011 والذي سيتحرك فيه الملف الفلسطيني ولأول مرة في تاريخه ليلامس المحرمات والخطوط الحمراء في إسرائيل.

وحينها ستكون إسرائيل أمام مفترق طرق خطير، فإما أن تشعلها حربا وسوف تكون كارثة عليها، أو ستجنح نحو القبول بالأمر الواقع، ولكن على مضض ربما سيدفعها للانتقام من أشخاص وقيادات في المنطقة، أو من أنظمة بحد ذاتها في محاولة لقلب الطاولة في المنطقة، ولكننا نتوقع حضورا أميركيا ذكيا في سلطنة عمان سيتيح في المرحلة اللاحقة لحصار وخنق إيران، ويكون مخلب قط في مخطط الولايات المتحدة الذي يهدف للإستحواذ على مضيق هرمز في المستقبل المتوسط، لكي تتحكم بجميع مضائق وطرق أمداد الطاقة العالمي، ولكن إيران منتبهة تماما لهذا المخطط، وقد استعدت لهذه المعركة.

لذا فالأشهر الستة المتبقية هي التي ستحدد عناوين المرحلة لسنتين أو ثلاث سنوات مقبلة، وهي التي ستحدد أن كانت هناك حربا أو ضربات صاروخية وجوية، ولكننا نعتقد وفي حالة اللجوء للحل العسكري فسوف تكون هذه المرة معركة بحرية بامتياز يساندها الطيران الحربي والشلل الإلكتروني!

سمير عبيد
كاتب وباحث في الشؤون الإستراتيجية والأمن القومي

الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني (2/3)


الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني (2/3)

صراع قطري تركي على سوريا وطريق الحرير، أمام تربص إيراني وإسرائيلي!

تحاول قطر عبر موضوع “مصر وليبيا وسوريا..ولاحقاً في لبنان” أن تجد لنفسها دوراً في محيط البحر الأبيض المتوسط، وآخر في خارطة الشرق الأوسط الكبير، وهي غير غافلة عن الطموحات التركية المتصاعدة في المنطقة والخليج، وفي سوريا ولبنان، أو بالأحرى أن تركيا غير غافلة عن التحركات القطرية المدعومة من إسرائيل ودوائر أميركية.

فقطر تحبذ أن تشارك إيران في قيادة المنطقة وليس تركيا، وهي تعمل على ذلك ولا تريد إحراج طهران أمام السوريين واللبنانيين، لأنها تعتبر إيران أكثر خطراً عليها بحكم الجغرافيا والمياه والأبعاد الأمنية والحدود البحرية، وبحكم التداخل الشعبي والجيوسياسي من جهة، لهذا من مصلحتها التقارب مع إيران.

ولكنها وحسب ما ذكرنا لن تتوانى عن الإشتراك في أي حرب أو عمليات أميركية وغربية وحتى إسرائيلية ضد إيران، ومن الجهة الأخرى فهي تثير حفيظة السعودية وتحاصرها من خلال تقاربها مع إيران، ولهذا فإن كسب إيران وصداقتها أكثر فائدة وأماناً لدولة قطر من تركيا التي لها علاقات خاصة مع السعودية وأطراف خليجية، وعلى الأقل في الوقت الحاضر، وحتى وأن أضطرت قطر أن تشكل محورا مع إيران بالضد من تركيا والسعودية فهي لن تمانع، وهذا بحد ذاته هدف إستراتيجي أول لدولة قطر لتحتمي بإيران وإسرائيل وطبعاً بالولايات المتحدة التي لها قواعد عسكرية ومخازن عملاقة في دولة قطر، ولكن كيف ستنجح دولة قطر بإقناع إسرائيل والولايات المتحدة بالشراكة مع إيران؟، فهذا أمر نتركه للأيام، ولكن المهم أننا لم نسمع أو نقرأ انتقاداً اسرائيلياً أو أميركياً واحداً لدولة قطر حول علاقتها المتميزة مع طهران، وهذا يعني أن هناك ضوءً أخضر من إسرائيل وواشنطن وربما لابتزاز السعودية والدول الخليجية!

أما الهدف الإستراتيجي الثاني لدولة قطر، فهو أخذ دور وموقع في طريق الحرير الإستراتيجي “الجديد” النازل من أفغانستان مروراً بباكستان وبحر العرب نحو شواطئ بيروت وقبرص واليونان والذي يمر بالخليج والعراق، وهو الطريق الاستراتيجي الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة تقريباً، وهذا سيصب في خدمة إسرائيل، ولكن عطلته العقدة السورية التي فرضت على واشنطن التفتيش عن طرق بحرية في الوقت الحاضر، وليس خوفاً من سوريا بل خوفاً على إسرائيل، ولهذا راحت واشنطن لتشرع في معركة “تحصين طرق ومضايق ومفاصل أمداد الطاقة والهيمنة عليها “وبالفعل نجحت لتهيمن على “باب المندب” الإستراتيجي، وبعد أن كسبت الحرب الناعمة ضد بريطانيا التي ورطتها واشنطن في ليبيا.

فبريطانيا خسرت باب المندب واليمن والموقع التاريخي والإستراتيجي لصالح واشنطن، فأصبحت واشنطن اللاعب الأول في الملف اليمني وباب المندب، وبهذا تعتبر واشنطن قد حققت نصف الطريق الذي سيوصلها نحو أحلام بعيدة المدى وهي الهيمنة على طرق ومضايق أمداد الطاقة العالمية وفي أخطر وأهم منطقة في العالم.

ومن هنا ستباشر واشنطن بهندسة الملف اليمني ليصبح اليمن ما بعد العصيان الشعبي عضواً في النادي الأميركي، وبعدها سوف تذهب ومباشرة في إعادة هندسة الملف “الصومالي” المهم للولايات المتحدة من الناحية الجيوستراتيجية، فمن خلال الصومال سوف يُحمى باب المندب والبحر الأحمر، وسوف يكون الصومال وفي المستقبل القريب مقراً للقواعد البحرية الأميركية، ولقد أيدت صحيفة “نيويورك تايمز” ما ذهبنا اليه بتقريرها المنشور بتاريخ 2 يوليو/تموز 2011، عندما أكدت في تقريرها “على توسيع الولايات المتحدة لعملياتها فى الصومال عبر الطائرات بلا طيار تحت ذريعة تحجيم دور تنظيم القاعدة فى اليمن، وتشير الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة تعتمد على قوى بالوكالة فى الصومال لسنوات عدة مثل القوات التابعة للاتحاد الإفريقي لدعم الحكومة الضعيفة، مضيفة أن واشنطن اكتفت بالتعهد بإرسال 45 مليون دولار للإمدادات العسكرية إلى أوغندا وبوروندي للمساعدة فى مكافحة التهديد المتزايد لمصالحها فى الصومال، وأن الضربة العسكرية بدون طيار فى الصومال الشهر الماضي تعد أول هجوم أميركي بالبلاد منذ 2009 أي هناك عودة للصومال وبقوة”.

ونتوقع سوف تصبح الصومال حديث العالم قريباً، ومثلما أصبحت من قبل أفغانستان وباكستان، وسوف نسمع كثيراً عن عضو تنظيم القاعدة اليمني “العولقي” وهو الشرير المزعوم، والذي سيكون زرقاوي اليمن والصومال قريبا، لتتوسع الولايات المتحدة وتحت هذه الذرائع للضفة الأخرى من البحر البحر، وكذلك نحو سلطنة عُمان، ولكن الغاية أكبر من ذلك، وهي غاية أميركية لأن في جعبة واشنطن مخططاً أستراتيجياً وهو مخطط إبعاد إيران عن مضيق “هرمز” في المستقبل المنظور.

ولا نستبعد أبداً أن يكون هناك تواجد أميركي ذكي في سلطنة عُمان قريباً، لأن واشنطن كانت تخاف المجازفة في الوضع السوري كي لا تتحول سوريا الى برميل بارود يحرق إسرائيل والمصالح الأميركية، ومن ثم يُدمر مشروع الشرق الأوسط الكبير، لهذا ذهبت دولة قطر أخيراً فهندست عملية التغيير في سوريا، وعندما عزمت على تفكيك العقدة السورية واللبنانية ونيابة عن إسرائيل وواشنطن لكي تفرض نفسها عرابا للنظام السوري البديل، فبدأت بمحاولة تهشيم الصخرة “العقدة” السورية أولا في محاولة منها لتغيير النظام في دمشق بنظام يوالي واشنطن وقطر وليست لديه مشكلة مع إسرائيل، ليتسنى لدولة قطر أن تلعب دورا محوريا في طريق الحرير الإستراتيجي النازل من “الحدود الصينية الأفغانيةـ أفغانستان ـ باكستان ـ بحر العرب ـ الخليج ـ قطر ـ العراق ـ سوريا ـ لبنان ـ مياه البحر الأبيض المتوسط ـ قبرص ـ ثم اليونان التي أستثمرت بها قطر مليارات الدولارات…والهدف الوصول لإسرائيل…وبالعكس”.

فهي تعرف اي دولة قطر ومن خلال علاقتها بإسرائيل بأن ولادة الشرق الأوسط الجديد قد تعسرّت بسبب “العقدة السورية” لأن خط الحرير الجديد الذي أحيته وخطته الولايات المتحدة عندما غزت أفغانستان والعراق وخلفها إسرائيل وحلف الناتو، وهو الطريق الذي يمر بقلب الشرق الأوسط المليء بالثروات والطاقة، وكذلك فهو الحبل السري لولادة الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، والذي يمتد ومثلما أسلفنا من “الحدود الأفغانية ـ الصينية، ثم باكستان، نحو بحر العرب ومنه نحو الفرع الأول: الذي يمتد نحو الخليج، ثم العراق، صعودا نحو سوريا، ثم لبنان، وصولاً الى مياه البحر المتوسط، ثم قبرص واليونان…وسقوطا على أسرائيل…وبالعكس، والفرع الثاني: الذي يمتد من بحر العرب، ثم باب المندب في اليمن، ثم البحر الأحمر، ثم مصر، فالبحر الأبيض المتوسط، ثم شواطىء أوربا، ثم الألتحاق مع الفرع الأول وصولا الى إسرائيل” ومن هنا ستصبح إسرائيل الكبرى لأنها ستكون”سرّة” خطوط إمداد الطاقة والتجارة في المنطقة والعالم، أي ستلتقي عندها جميع الطرق والإمدادات الجديدة.

القلق التركي من الإندفاع القطري – الإسرائيلي..ومن التربص الإيراني!

فلو نظرنا الى هذا الطريق الإستراتيجي الحيوي والمهم للغاية، والى تلك الخارطة الإستراتيجية المهمة فسوف نلحظ الموقع والتأثير لسوريا ولبنان، وبنفس الوقت سوف نلحظ التأثير الإستراتيجي لإيران في هذا الفضاء أو الطريق الإستراتيجي، وعلى العكس من تركيا التي ليس لها تأثير ووجود في تلك الخارطة الإستراتيجية، خصوصا وأن تركيا بعيدة جدا عن منابع الثروات والطاقة التي خطوطها تمر عبر تركيا الى أوربا، وهذا يفسر الصمت الإيراني، لأن إيران تعرف جيدا بأنها لن تُستثنى في آخر المطاف لخطورة موقعها ولتوفر الطاقة فيها، ويبدو هي تعودت على حصاد الجوائز الذهبية والإستراتيجية من المخططات الأميركية في المنطقة، وربما بتقدير رباني، وألم تتخلص من الخصمين اللدودين لها دون أن تطلق رصاصة واحدة، وهما نظام طالبان ونظام صدام!

ولهذا ساور الأتراك القلق الشديد، فاندفعوا نحو تونس، واليمن، ومصر، وليبيا، وسوريا، ولبنان في محاولة من تركيا لفرض شراكتها أو فرض وجودها في هذا الفضاء الاستراتيجي، أي فرض نفسها لاعباً في طريق الحرير الجديد والذي يمثل الشريان المغذي لولادة وربط الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، أو لكي تقول أنقرة وبصوت عالٍ “أنا هنا” خصوصاً وأنها عضو فعال في حلف “الناتو”.

فتركيا أصبحت لديها أستراتيجية جديدة هي الأخرى، وربما ستغير الكثير من القناعات والأتفاقيات، وهي رفضها الاستمرار كدولة “ترانزيت” لخطوط الطاقة المارة عبر أراضيها نحو أوربا وغيرها، لهذا تريد الاندفاع نحو منابع تلك الطاقة، ونحو منابع الطاقة المنتظرة لكي تزداد قوة وتأثير في المنطقة، أي تريد فرض شراكتها على الجميع من خلال الوصول الى منابع الطاقة، وأن أندفاعها صوب العراق وفرض شراكتها الأقتصادية والتجارية والسياسية في هذا البلد سيقود نحو نفط كركوك، وهو نفس السبب الذي راحت من أجله فأندفعت صوب ليبيا وأخيراً صوب سوريا، ولاحقا نحو لبنان لتعزيز هذه الإستراتيجية الجديدة.

فسارعت لتشارك وبشكل قوي في حلف الناتو ضد ليبيا، لا بل أسست قاعدة عملاقة في تركيا لدعم حلف الناتو وهي “قاعدة أزمير” وتراها تلعب بقوة في الملف المصري، والتونسي، والليبي، وحتى اليمني، وأخيرا راحت لتلعب لعبة خطرة للغاية في الملف السوري.

ومن هنا نلمس أن هناك صراعاً بين دولة قطر وتركيا في سوريا ولبنان، وكذلك في فضاء ما بعد لبنان أي فضاء البحر الأبيض المتوسط وصولاً لليونان، ولم تكتف تركيا بهذه المنطقة بل راحت الى باكستان وعندما تم التنسيق بين اتحاد رجال الأعمال والصناعيين الأتراك “توسكون”، وجمعية رجال الأعمال في باكستان “باك تورك”.

وأوضح “فاروق أحمد مالك” صاحب أكبر مصانع الأثاث في باكستان في حديث له أن تركيا قد حققت قفزات كبيرة في المجالات الاقتصادية، مبدياً رغبته هو وجميع زملائه من رجال الأعمال الباكستانيين في إقامة علاقات تجارية مشتركة مع تركيا، ونود أن يحل الأتراك محل الصينيين الذي يحتكرون الإستثمارات في البلاد” وهذا بحد ذاته غزل لواشنطن المنزعجة من التقارب الصيني ـ الباكستاني، وفي نفس الوقت تطويق من الخلف للطموحات القطرية والإسرائلية وحتى للإيرانية حيث رأس خارطة الشرق الأوسط الكبير والثلث الأول والمهم لطريق الحرير الإستراتيجي النازل من أفغانستان، يقابل هذا أيضاً تدافع مصطنع بين دولة قطر وإسرائيل في منطقة الهلال الخصيب والبحر المتوسط.

وأيضاً هناك اللاعب الإيراني الذي فضل التفرّج على المتصارعين لحساسية الموضوع السوري وحتى الباكستاني، ولكن لدى طهران أوراقاً ضاغطة على باكستان ودولة قطر، وبالتالي لن تتمكن قطر من إعطاء ظهرها لطهران، وعلى الأقل في الوقت الحاضر، لهذا فهي تتفرج أي طهران لأن المناكفة القطرية ـ التركية، والإسرائيلية ـ التركية، وحتى التدافع التركي ـ الصيني في باكستان جميعه يعود بالفائدة على طهران التي ترغب بإضعاف اللاعب التركي، والذي أصبحت طموحاته تشكل قلقا لطهران.

اسرائيل تختلف مع واشنطن حول “إخوان سوريا” وتركيا تلعب بورقة اللاجئين!

فلقد وجدت إسرائيل نفسها أمام مشهد معقد للغاية، فهي تراقب الصراع السري والاستخباري بين طهران وأنقرة في سوريا ولبنان، وكذلك تراقب الماراثون بين دولة قطر وتركيا في سوريا ولبنان وفي مياه البحر الأبيض المتوسط وصولا الى اليونان، ولكل دولة برامجها وجماعاتها التي تريد فرضها في سوريا ولبنان، وهو موضوع حساس للغاية بالنسبة للإسرائيليين الذين راحوا فأختلفوا مع الأميركيين حول دعمهم لتنظيم “الإخوان المسلمين” في سوريا، فإسرائيل لها رؤيتها التي تقول بأن الإخوان أنتهى دورهم وأصبحوا خارج اللعبة في سوريا، ولكن تركيا والولايات المتحدة ونوعا ما دولة قطر لهم راي يقود لدعم الإخوان وجماعات اخرى معهم تصبح لها قوة لتوقف الأخوان من العودة الى سياساتهم القديمة، وعلى الأقل الإخوان “السنة” أي الموالين لتركيا والمنتمين الى تنظيم الإخوان الدولي، لأن هناك جماعات وأطرافاً من تنظيم الإخوان المسلمين لهم علاقات خاصة مع إيران مثل “حركة حماس وحركات أخوانية مهمة في مصر وتونس ولبنان”، ومن هنا تراهن واشنطن على صنع جبهتين للأخوان المسلمين، إحداهما لا تلتقي مع الأخرى، أي جبهة تؤاخي تركيا والأخرى تؤاخي إيران، وهذا يساعد في حدة العداء والفرقة بينهما، ومن الجانب الآخر راحت أوربا وبدعم وبنصيحة إسرائيلية لتدعم الحركات السلفية في المنطقة لتكون شريكة هي الأخرى في الأنظمة المرتقبة، والهدف لكي تجعل من الحركات السلفية “بعبع”تارة ضد الأخوان وتارة ضد إيران، ولكن دولة قطر منقسمة في هذه الجزئية وخوفاً من ردات فعل إيران، وكذلك خوفا من التنسيق السعودي مع الحركات السلفية.

وبالعودة للخلاف الإسرائيلي الأميركي، ترى إسرائيل بأن “الأكراد” السوريين هم الورقة الناجحة والأكثر فائدة من ورقة الإخوان المسلمين الذين ليست لديهم جغرافية محددة، ولا حتى ثقل سياسي واسع فالإخوان لا يشكلون قوة سياسية وجغرافية ولوجستية على الأرض من وجهة نظر إسرائيل، وترى بأن الأكراد هم من تتوفر لديهم القوة السياسية والجغرافية واللوجستية، ناهيك عن توفر الوحدة القومية ولديهم طموحات خاصة بهم، وهذا ما يُزعج تركيا جداً، ولكنه قد يخلط الأوراق على واشنطن، ولكن تركيا وضعت في حسابها في حالة نجاح إسرائيل في ورقتها الكردية من خلال فرض خطوط “العرض والطول” وفرض مناطق محررة داخل سوريا قد تشمل المناطق الكردية وبمساندة من درعا القريبة من الحدود الأردنية، ومن هنا ستلعب على إقناع أو ابتزاز “الأردن” وبضغط أميركي لتصبح مركز عمليات فرض حظر الطيران على سوريا، فراحت تركيا لتلعب بورقة “اللاجئين” السوريين من خلال تضخيم أعداد اللاجئين في محاولة منها للتوغل داخل الأراضي السورية لفرض منطقة عازلة توسعها تركيا لاحقا وحال فرض خطوط العرض والطول بدعم إسرائيلي، وكذلك حال فرض مناطق محررة للأكراد تكون أنطلاقا لإسقاط النظام في سوريا، لا بل راحت تركيا لتنشر بعض التقارير الصحفية بأن هناك اختراقات استخبارية من قبل الجانب السوري لمخيمات اللاجئين في محاولة منها لكي تتوغل داخل العمق السوري بحجة حماية اللاجئين السوريين من الخلف!

من هنا شعرت السعودية بالقلق الكبير، فراحت تنسق مع الجماعات السلفية والقبلية في سوريا والأردن لتصنع من ورائها دوراً ما، لأن الأتراك لن يكتفوا بسوريا وحتما ستصل طموحاتهم الى الأردن، ومن هنا روجت السعودية ومن خلال مجلس التعاون الخليجي لفكرة أنضمام الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي، ولكن الهدف هو الأردن وليس المغرب، وأن وضع أسم المغرب للتمويه ليس إلا، ومن هنا سارعت إسرائيل في محاولة منها لإصلاح العلاقة “التركية ـ الإسرائيلية” بعد أن تيقنت بأن تركيا سوف تكون لاعباً مهماً في سوريا، والأردن، وحتى في الملف الفلسطيني، فسارعت دولة قطر من جانبها في أرسال بعض الإشارات الى القيادة السورية تطلب اللقاء بعض المسؤولين، ولكن القيادة السورية رفضت ولا زالت ترفض المحاولات القطرية، وتعتبرها انها جاءت متأخرة جداً.

وكان يفترض بدولة قطر إيقاف حملات “قناة الجزيرة” أولاً ثم يصار الى إرسال الإشارات الى دمشق، والأخيرة لا تريد التورط بعلاقة خاصة مثلما تورط صدام حسين في أخر أيامه، وأذا بدولة قطر شريك رئيسي في الحرب على العراق.

دولة قطر تخاف ضياع ملياراتها باليونان بسبب صمود سوريا ومناكفة تركيا!

لقد شعرت دولة قطر أخيراً بأن ما خططت له في سوريا وبتشجيع من إسرائيل من أجل تأسيس مهمتها الإقليمية والمتوسطية لن يتحقق بسهولة، وذلك بسبب الخلاف الأميركي ـ الإسرائيلي حول مستقبل النظام في سوريا، وكذلك بسبب صمود وبراغماتية النظام السوري، ونجاحه في معالجة الأزمة وعلى الرغم من هول وشدة المخطط على سوريا، فسوريا لديها كم كبير من الأوراق المهمة والإستراتيجية، وبالتالي هي قادرة للخروج من الأزمة، ولكنها ستكون مثقلة بالجراح والديون، لذا توجست دولة قطر كثيراً بسبب براغماتية دمشق، وبسبب الإندفاع التركي واليقظة الإيرانية والتوجس الإسرائيلي، وعلى الرغم من العلاقة المتينة بين تل أبيب والدوحة، فدولة قطر أصبحت خائفة على مصير ملياراتها التي ضختها وستضخها في اليونان للوصول الى تحقيق المخطط الإستراتيجي الذي مهدت له باكرا عندما ذهبت الى اليونان عندما زارها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء ووزير الخارجية في دولة قطر، وذلك بتاريخ الثاني من مايو،أيار 2010، والذي مهد بعد ذلك لتوقيع مذكرة التفاهم، ولقد جرى الحديث خلال زيارة رئيس الوزراء القطري إلى أثينا في مايو من العام الماضي، عن أن الاتفاق يشمل خططاً لإنشاء مرفأ للغاز المسال بتكلفة 3.5 مليار يورو بطاقة 7 مليارات متر مكعب في غرب اليونان من المقرر أن توفر نحو 1500 فرصة عمل، وتنتج المحطة المشار إليها طاقة كهربائية تستخدم منها نسبة %70 لتغذية الشبكة الكهربائية الإيطالية، و%30 للشبكة الكهربائية اليونانية، وبالإضافة لذلك سوف تنشئ محطة تخزين وإعادة تحويل الغاز المسال بمقدار 7 مليارات متر مكعب، والاتفاقيات التي تم التوقيع عليها هي “مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة، ومذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي في مشروع استاكوس، واتفاقية تعديل ثنائية للتعاون في مجال النقل الجوي والطيران”.

أي أن دولة قطر قد بدأت بالحلقة اليونانية لتصبح جاهزة لإستثمار ما خططت له مع إسرائيل لتفكيك الوضع السوري لكي تشارك قطر إسرائيل في الثروات المكتشفة في البحر المتوسط، وتشاركها في المجال الحيوي والإستراتيجي في منطقة البحر الأبيض المتوسط خصوصا وأن لدولة قطر خبرة كبيرة في عملية تخزين وتسويق الغاز المسال، ولقد أعلن خلال التوقيع ومن قبل رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني بتاريخ 25 سبتمبر/ايلول 2010 عن رغبة قطر في الاستثمار في اليونان، أي تعبيد الطريق للشراكة الأقتصادية التجارية بين قطر وإسرائيل، موضحا أن قطر رصدت 5 مليارات دولار للاستثمار في اليونان، وهذا ما تجسد بعد ذلك بأربعة أشهر بتوقيع مذكرة التفاهم بين جهاز قطر للاستثمار والحكومة اليونانية، وقال حينها “سبيروس كوفيليس” نائب وزير الخارجية اليوناني لتلفزيون “أن أي تي” الحكومي “تؤكد هذه المذكرة بوضوح اهتمام قطر بإستثمار ما يصل الى خمسة مليارات دولار في اليونان” وهي الخطوة التي أقلقت تركيا وجعلتها تفتش عن حلول وأستراتيجيات جديدة تميل نحو الاندفاع وعدم الانتظار، ولكن تركيا كانت أنانية فلم تخبر سوريا بالنوايا القطرية والإسرائيلية مع العلم أن هناك شراكة ومجلس أقتصادي أعلى بين البلدين، بل هي الأخرى أي تركيا قد خططت لتغيير النظام في سوريا بنظام موالي لأنقرة لكي تصبح المهندس الأعلى للسياسات السورية، أو هي التي تتحكم بالعقدة السورية التي أوقفت طريق الحرير، وتقف حجر عثرة أمام الأحلام الأقتصادية والتجارية لإسرائيل وحتى لدولة قطر، وأن التحرك التركي هذا غايته تخويف قطر، وأبتزاز إسرائيل لتفرض شراكتها عليها، وخصوصا في الثروات المكتشفة في البحر المتوسط، وكذلك في خط الحرير النازل من افغانستان صعودا نحو العراق فسوريا ولبنان فالبحر المتوسط، ولكن وعلى مايبدو قد بدأت بالفعل الحرب السرية بين دولة قطر وتركيا وبالعكس، وربما لدولة قطر دور كبير في عدم التقارب الكلي بين إسرائيل وتركيا، وعندما تصر إسرائيل على عدم الأعتذار، ومن هناك تصر تركيا على الأعتذار لتجيره نصرا لحزب التنمية الحاكم وللثلاثي غول وأردوغان وأوغلو!

أسرائيل تكمل المهمة القطرية في اليونان، وترسل تخويفاً لأنقرة!

فالتحرك القطري نحو اليونان والمناكفة التركية له حفزا شهية إسرائيل فقرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة اليونان في 16 آب 2010 في أول زيارة لرئيس حكومة إسرائيلي الى ذلك البلد، ونتنياهو اول رئيس وزراء إسرائيلي يزور اليونان التي تعرف تقليدياً بمواقفها الموالية للعرب ولم تعترف بدولة إسرائيل سوى في عام 1991، وهي ليس رداً على زيارة باباندريو الذي زار إسرائيل والأراضي الفلسطينية في تموز/يوليو من نفس العام، بل هي خطوة استراتيجية من جانب إسرائيل لإرسال رسالة قوية الى أطراف تركية تشددت في الفترة الأخيرة ضد إسرائيل، ولكن الأهم هو البحث عن تامين خطوط أمداد أمينة للثروات وللغاز المكتشف قرب الشواطئ الإسرائيلية يقود الى تأمين أسواق جديدة للثروات الإسرائيلية، فوجدت إسرائيل في اليونان الفرصة الذهبية.

ولكن كل هذا يحتاج الى شبكة حماية “عسكرية واستخبارية وأمنية وتكنولوجية” من وجهة النظر الاسرائيلية، وهذا ما اتفق عليه نتنياهو مع اليونانيين، فلقد أشارت القناة السابعة للتلفزيون الإسرائيلي بتاريخ 17 آب،أغسطس 2010 “لقد بحث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو توطيد التعاون المشترك وإنتاج خطط عمل مشتركة في المجالات الأمنية، الاقتصادية والسياحية، كذلك تطوير إمكانيات التعاون المشترك وفي الإطار الإقتصادي: تم البحث في إمكانيات تعزيز التوظيفات المالية والتعاون المشترك في التكنولوجيا البحرية، وإنتاج الطاقة المتجددة، وفي التجارة : أفيد أيضا من البعثة الإقتصادية لوزراء المقاولات، سيصل ممثلي القطاع المهني في إسرائيل إلى أثينا من أجل تطوير الجهود الاقتصادية، بالإضافة إلى ذلك تعزيز إمكانيات تنظيم السياحة المشتركة في المدينتين اللتين تعتبران من أبناء الثقافة الغربية ، القدس وأثينا بهدف استمرار توافد مئات الآلاف من السياح إلى الدولة”.

وفي 26 حزيران 2011 “اعلن الجيش الإسرائيلي إن اليونان وإسرائيل بدأتا مناورات عسكرية مشتركة.

وقال بيان إسرائيلي عسكري إن المناورات تتضمن تدريبات على إقلاع الطائرات وهبوطها في مناطق جبلية تحت ظروف جوية مختلفة” ولكن تبقى الرسالة هي لتركيا من الناحية السياسية والأقتصادية والى إيران من الناحية العسكرية.

فلقد ذكرت صحيفة ها آرتس الإسرائيلية بتاريخ 28 نوفمبر 2010 أن هناك بلورة لحلف استخباري جديد بين اسرائيل واليونان وبلغاريا ضد تركيا، وتسخين العلاقات كان أيضاً مع قبرص، رومانيا، الصرب، مونتينغرو، مكدونيا وكرواتيا وهذه الدول تشارك اسرائيل في قلقها من التطرف في تركيا، ومن تسلل الجهاد العالم، وهي تشخص امكانيات للتعاون الامني، الاقتصادي والتكنولوجي معه.

وقالت الصحيفة في حينها: قبل شهر نشرت في بلغاريا صورة استثنائية جداً لرئيس وزراء بلغاريا، بويكو بوريسوف، مع شخص ليس سوى رئيس الموساد مئير دغان.

وفي البيان البلغاري جاء ان الاثنين “اعربا عن الرضى من التعاون والعمليات المشتركة الناجحة لجهازي الامن البلغاري والاسرائيلي” وكل هذا كان بمثابة تمهيد الى أنشاء طوق أمني حول تركيا، وأنشاء شبكة أسواق تقوض الدور التركي، وإيجاد مناطق آمنة لمرور خطوط الغاز المسال من إسرائيل نحو أوربا وبمشاركة قطرية.

تركيا لعبت على عواطف العرب..وأن معركتها مع إسرائيل تكتيكية!

ـ وعندما نقول إن الخلاف مع أطراف تركية وليس مع جميع الأطراف في تركيا، نقصد أن التعاون الأمني والعسكري والحركاتي بين إسرائيل وتركيا لم ينقطع ـ بل أن ماحصل هو خلافات سياسية وتكتيكية استفاد منها الجانب التركي لتسويق نفسه عربياً وإسلامياً ومن خلال ملف “غزة” والقضية الفلسطينية.

فنجحت تركيا من وراء ذلك بعقد أتفاقيات دبلوماسية واستراتيجية واقتصادية وتجارية وسياحية عملاقة مع دول عربية وإسلامية، راهنت عليها تركيا لتكون طريقاً آمناً للتدخل الإستخباري والثقافي في تلك الدول يمهد الى التدخل السياسي والاقتصادي التركي في هذه الدول وصولاً لتخوم إيران وإسرائيل ونحو منابع الطاقة، وهذا ما شاهدناه بعد ثورة الياسمين في تونس.

ولقد أكد مستشار الرئيس التركي ارشاد هرمزلو للأذاعة الإسرائيلية بتاريخ التاسع من ديسمبر 2010 “ان الاتصالات بين اسرائيل وتركيا مستمرة” وفي 22 يونيو 2010 قالت الإذاعة الإسرائيلية “وصل وفد عسكري تركي اليوم الى اسرائيل لاجراء الاختبارات النهائية لتسلم اربع طائرات تجسس اسرائيلية بدون طيار وهي الحصة المتبقية من صفقة عسكرية بين تركيا واسرائيل، واشارت الى ان الجيش التركي تسلم حتى الآن من الصناعات العسكرية الاسرائيلية ست طائرات”.

وبتاريخ 13 آذار 2011 قالت إذاعة إسرائيل: أعلن مكتب الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز أن الحكومة التركية وجهت دعوة له لزيارة أنقرة، ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مكتب بيريز قوله إن الدعوة وردته قبل شهر، ولكن لم يتخذ أي قرار بعد بشأن تلبيتها.

وكذلك نعيد ما نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” الاسرائيلية بتاريخ 5 يوليو 2011 وتحت عنوان “تركيا واحدة من اكبر زبائن اسرائيل في مجال شراء الاسلحة” وعندما قالت في تقريرها: انه وحتى العام 2009 أصبحت تركيا واحدة من اكبر زبائن اسرائيل في مجال شراء الاسلحة، وابتاعت في العام الماضي 2010 طائرات دون طيار وكذلك دبابات اسرائيلية متطورة، وطائرات حربية تركية قديمة من طراز فانتوم 4″د وزودتها بقذائف صاروخية بعيدة المدى اضافة الى أنظمة دفاعية متقدمة، لا بل أكدت الصحيفة وعلى لسان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك وبشهادة خطيرة على الازدواجية التركية” ان باراك يرى ان تركيا ساعدت اسرائيل في منع انطلاق قافلة “اسطول الحرية 2″ من موانئها نحو قطاع غزة”.

وقالت الصحيفة أيضا : تركيا تعنيها وتعمل على الحصول على انظمة عسكرية اسرئيلية مختلفة بما يشمل انظمة الحرب الالكترونية، وكذلك الصواريخ المضادة للدبابات وصواريخ “سبايك” التي تنتجها الصناعات الجوية الاسرائيلية.

ألم تكن هذه السياسة ازدواجية وبحرفية عالية من جانب القيادة التركية التي تلعب على عواطف الفلسطينيين والعرب والمسلمين؟ علماً أننا أعطينا هذه الأدلة البسيطة من أدلة كثيرة لسنا بصددها، ، ولكن هذا لم يمهد لاعتذار بسيط جداً من إسرائيل، وهو الذي يلهث وراءه رجب أردوغان ومنذ أشهر طويلة ليعلن نفسه صلاح الدين الجديد لكي يباشر بابتزاز العرب والمسلمين، وأن إسرائيل تعرف ذلك.

وبدلاً من الأعتذار راحت لتنفتح على اليونان والبلقان، لا بل بعثت اسرائيل بالدبلوماسي الكبير والخبير “آريه مكيل” كسفير في اثينا، فسارعت تركيا نحو الصين وإيران للإيحاء بأنها تبلور تحالف ثلاثي هي الأخرى رداً على تحالف إسرائيل مع اليونان ودول البلقان وردا على تنسيق إسرائيل مع دولة قطر لإنعاش الأقتصاد اليوناني.

وهذا ما أكدته صحيفة هاآرتس العبرية بتاريخ 8 أكتوبر 2010 عندما قالت “ان العلاقات الامنية بين تركيا والصين وإيران تم التعبير عنها من خلال مناورة جوية مشتركة جرت الاسبوع الماضي وشاركت فيها مقاتلات صينية وتركية، ونبهت الصحيفة الى انه وحتى العام 2008 كانت اسرائيل تمثل الشريك المركزي لتركيا في المناورات الجوية الدولية، مشيرة الى انه في العام 2001 افتتح سلاح الجو التركي قاعدة للمناورات التكتيكية المشتركة مع الطائرات القتالية بمشاركة إسرائيل والولايات المتحدة”.

وقالت الصحيفة إن المناورات التركية الصينية جرت بسرية تامة، وهو الامر غير المعتاد، غير انه وبعد تسرب الانباء عنها نشرت انباء بشكل مقتضب في الصحافة التركية، وأن المقاتلات الصينية توجهت الى تركيا عن طريق باكستان وايران، وأن، الادارة الاميركية بعثت برسالة احتجاج الى الحكومة التركية بشأن هذه المناورات، لا بل راح الطرف السياسي التركي المتخاصم مع إسرائيل ليمارس ضغطا لتعيين رئيس جديد لاجهزة المخابرات التركية وهو “حقان فيدان” الذي وصفه وزير الحرب الإسرائيلي إيهود بارك بـ”نصير ايران” في خطاب بثته اذاعة الجيش الاسرائيلي.

وترأس فيدان من قبل الوكالة التركية للتعاون والتنمية، وشغل منصب وكيل الشؤون الخارجية لدى رئيس الوزراء، ومثل تركيا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فحاولت تركيا من وراء هذا التعيين تخويف إسرائيل لتنتزع منها اعتذاراً أو ترطيباً، فتركيا لا تحبذ التحالف مع إيران، ولكنها تستخدم إيران أحياناً لإبتزاز إسرائيل والولايات المتحدة والغرب، وأن إيران تعلم بهذا ولكنها هي الأخرى تستفيد من ذلك.

التحالف الاقتصادي المقدس بين إسرائيل وقطر يستفز الفرنسيين ويزيد من قوة السوريين!

فلدى إسرائيل حلف غير معلن مع دولة قطر ولكنه يمر بسوريا، وهدفه ومثلما أسلفنا البعد الإستراتيجي والعملياتي لمياه البحر الأبيض المتوسط، ومثلما أكدنا أعلاه حيث هناك الثروات الهائلة والمكتشفة في المياه الإقليمية قرب لبنان وفلسطين المحتلة/أسرائيل، وقد تصل تلك الثروات الى المياه الإقليمية السورية، وأنه فضاء بحري وإستراتيجي مهم للغاية، ويمتد من اليونان وقبرص حتى فلسطين المحتلة مروراً بلبنان وسوريا ونزولا نحو العراق فالخليج صعودا لبحر العرب، وأن هذا الفضاء الإستراتيجي ومعه الثروات الهائلة في قعر البحر سيجعلان إسرائيل في غنى عن الثروات الأخرى، لا بل ستفرضان إسرائيل قوة اقتصادية كبيرة في المنطقة، وخصوصاً عندما يُستثمر المال القطري من قبل إسرائيل أولا، وكذلك عندما تتحالف دولة قطر وإسرائيل في موضوع الغاز ثانيا، وهو التحالف الذي سيفرض قوة اقتصادية جديدة تتكون من دولة قطر وإسرائيل وستفرض سطوتها على العالم، خصوصاً عندما نجحت دولة قطر وإسرائيل من الوصول الى العمق اليوناني والسيطرة على قلب اليونان وشرايينه الأقتصادية، وهذا ما حفز الفرنسيين ليتحركوا نحو اليونان.

وهذا ما أعلنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بتاريخ 27 حزيران 2011، كمخرج لأزمة الديون اليونانية، شبيه بما يسمى “سندات برادي” التي أصدرتها حكومات اميركا اللاتينية الرازحة تحت ديون المصارف العالمية الخاصة في الثمانينيات، الاقتراح الذي وافقت عليه المصارف الفرنسية الدائنة لليونان بمبالغ ضخمة، يقضي بأنه كلما استحق سند دين يوناني “من مجموع 76.5 مليار يورو” خلال الاعوام الثلاثة المقبلة، تسترد هذه المصارف 30 في المئة فقط من قيمة مستحقاتها، وتقوم بإعادة استثمار 70 في المئة من قيمة السند على الشكل الآتي: 50 في المئة في سندات إقراض جديدة لليونان مداها 30 عاماً، و20 في المئة في صندوق احتياطي يشكل ضمانا لهذه الديون اليونانية الجديدة، هذا النموذج الذي قد رجحت مصادر ايطالية وألمانية اتباعه، يسمح للاتحاد الاوروبي بتفادي إعلان “عجز” اليونان ـ وهذا بحد ذاته محاولة من الفرنسيين والأوربيين لمنع التوغل القطري ـ الإسرائيلي في اليونان أولاً، ومن ثم منع اللاعب التركي من فرض نفسه شريكا على القطريين والإسرائيليين ويذهب ليُركع ويبتز اليونان، ولقد تزامن التحرك الفرنسي مع اندفاع فرنسا نحو سوريا في محاولة منها لتصبح هي عراب التغيير في سوريا لتشارك إسرائيل وواشنطن في الهيمنة على ثروات المتوسط والثروات في المنطقة، ومن خلال استغلال السواحل السورية وموقع سوريا الاستراتيجي.

ولكن هذه الخطوة قد أقلقت القطريين جداً خصوصاً عندما صمد النظام السوري ولحد الآن، لأن بقاء النظام السوري يعني ضياع المليارات القطرية التي ضخت في اليونان وستصبح لصالح إسرائيل والولايات المتحدة، أو أنها ستصبح مجرد أموال تشغل في اليونان ولن تسفيد قطر من ذلك، والأهم أنها ستخسر سوريا وللأبد، لأن قطر خططت ومن خلال رصدها لتلك الأموال الهائلة في اليونان لتصبح لاعباً إقليمياً ومتوسطياً عبر سوريا ولبنان، لا بل شريكاً اقتصادياً لإسرائيل.

ويبدو أن هذا الموضوع قد أقلق القطريين فسارعوا لإرسال الإشارات الى دمشق من أجل زيارة وفد قطري رفيع، ولكن دمشق رفضت ولازالت ترفض، ونعتقد أن إرسال الإشارات القطرية تدل بأن قطر قد نُصب عليها في اليونان وسوريا لصالح إسرائيل وفرنسا، وهذا بحد ذاته نصر أول للسوريين عندما نجحوا بإقلاق قطر من الشراكة الشريرة ضد سوريا.

فقطر تعرف وحتى إسرائيل بأن الحلف الاقتصادي المقدس بين تل أبيب والدوحة لن يتحقق إلا بتغيير النظام السوري الرافض للسلام التي تريده اسرائيل، والمتحالف مع المقاومة في لبنان، وهذا ما تراه إسرائيل ودولة قطر، وبالتالي فقطر وإسرائيل متفقتان على رؤية واحدة، وهي أن تغيير النظام في دمشق سيقود الى أسقاط المقاومة في لبنان، وعندما يتم تغيير النظام في سوريا سوف تهرب جميع المنظمات الفلسطينية المقيمة في سوريا، أو ستُجبر على الإنخراط في السلام الذي تريده إسرائيل، وسيتم دعم توليفة سياسية في دمشق لا تختلف عن التوليفة التي فرضت في بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين.

وعندما قبلت بالعمل تحت وصاية الفصل السابع، والقبول ببنود الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة وكلها تجيز للولايات المتحدة البقاء في العراق والتصرف بكل شيء، وهذا ما يُخطط الى سوريا في الدهاليز الاميركية والاسرائيلية والغربية والقطرية، وسوف يتبعه لبنان حيث هناك مخطط لإنهاء دور المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، وفرض توليفة سياسية في هذا البلد أيضا تتماشى مع المخططات الإسرائيلية ـ الأميركية، وهذا ما دفع دولة قطر للإستثمار في اليونان لضمان الدور القطري “اقتصاديا واستراتيجيا” ومن ثم للانخراط مع حلف الناتو ضد ليبيا، والتبرع في موضوع أسقاط النظام في سوريا، والهدف هو فتح الفضاء الإستراتيجي المتوسطي من ليبيا حتى اليونان وايطاليا وقبرص نزولا الى لبنان وسوريا وإسرائيل ومثلما اسلفنا، ولأجله أبقت قطر على شعرة معاوية مع إيران ومع التيار الصدري لكي يستخدم الفضاء العراقي النازل نحو الخليج ثم دولة قطر، ولأن إيران تهيمن نوعا ما على الملف العراقي، وعلى الأقل حتى هذه الساعة، وأن هناك خطوطاً إيرانية لها اتصالات مع دولة قطر، وحتى مع إسرائيل بالموافقة على هذا المخطط، وأغلبها خطوط مقربة من الإصلاحيين وأطراف المعارضة.

الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني (1/3)



أخواتي اخوتي الكرام
أعرض لكم دراسة تحليلية تم نشرها في اواسط عام 2011 
 ونشرت في منتديات نورالأدب بتاريخ 28 / 05 / 2012 
 الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني
بقلم: سميرعبيد *\ كاتب وباحث في الشؤون الإستراتيجية والأمن القومي
في ثلاثة أجزاء:

هل تشكل قطر رأس الحربة في المخططات الاسرائيلية والاميركية في المنطقة؟ وهل يختبئ الإيرانيون تحت عباءة القطريين في سوريا؟

الحملة القطرية الغربية على سوريا، وسر القلق التركي والغموض الإيراني (1/3)

استغلال دولة قطر للصداقة مع اسرائيل

يحق لجميع دول العالم التفتيش عن مصالحها وتعزيز مواقعها اقليميا ودوليا، ومن حقها البروز وتسجيل النقاط والانتصارات في الميادين السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاعلامية وغيرها، وان العلاقات بين الدول لا تختلف عن العلاقات بين البشر، فيجب ان تتوفر فيها الاخلاق والاحترام والتعاون والامانة والمصداقية وحسن التعامل، ناهيك عن تبادل المنفعة، ولكن بشرط الا تتدخل الدول في شؤون الدول الاخرى، والا تكون الدول الصغيرة عونا لدول كبرى لها اطماعها واجندتها في دول اخرى، فهنا تصبح الدول الصغيرة شريكة او ذنبا تابعا للدول الكبرى، فتصبح الصورة سلبية للغاية، اي لا يحق لتلك الدول الكبرى واذنابها من دول صغرى القيام بهذا الدور الذي يقود الى لغة الغاب، وولادة المحاور، وانتشار الازمات على حساب السلام بين الدول والشعوب.

وبالنسبة الى “دولة قطر” الصغيرة بنفوسها وجغرافيتها، والكبيرة باقتصادها وطموحاتها، وحتى بمشاغبتها، والتي قال عنها الرئيس المصري السابق حسني مبارك ذات يوم “انها لا تعادل نفوس فندق واحد في الصين الشعبية” وكان الرئيس مبارك على حق، ولكن ليس من حق مبارك، ولا اية جهة في العالم منع او ايقاف دولة قطر من التفتيش عن مصالحها، او ايقافها عن النمو الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، فهذا حقها المشروع، وان القضية قضية علاقات وذكاء في توظيف الاموال والثروات، ولكن لا يجوز لدولة قطر ان تتعملق على حساب الام وماسي الشعوب والدول العربية، اي لا يجوز لها التعملق على حساب شقيقاتها من الدول العربية، فهنا “نقطة نظام” امام انظار اصحاب القرار في دولة قطر!

فلقد دار في احد الايام نقاش ساخن بين مجموعة من المثقفين العرب وكان الكاتب حاضرا حول السؤال التالي “هل ان دولة قطر مغرورة، ام انها مصابة بداء التغريد خارج السرب؟، وهل هي مخيّرة ام مسيّرة؟” وطبعا حصل اختلاف في الاراء حول الاتفاق على رأي واحد، ولكن الذي اتفق عليه هو ان دولة قطر تفتش عن دور خاص بها عربياً واقليمياً وحتى دولياً، ولديها الاستعداد لتقديم التنازلات ومهما كان نوعها، وكذلك لديها الاستعداد لتقديم الملايين بل المليارات من الدولارات في سبيل تحقيق هذه الاهداف، فهي ترفض التقوقع في محيطها الخليجي، وترفض رفضا قاطعا الوقوف خلف السعودية بحكم انها الشقيقة الكبرى، وتشعر بانها اكبر من ان تقف في الطابور الخليجي الذي تقوده الرياض، وتشعر هي اكبر من موقع عضو في مجلس التعاون الخليجي، فهي تنظر الى المجلس مجرد “ديوانية قبليّة” لتوزيع القبلات على الأنوف، وتذوق انواع جديدة من الطعام، وتعطير الذياب بالبخور والمسك.

فهي عملت وتعمل على استراتيجية الشراكة مع اسرائيل من جهة، والود النفعي المرحلي مع ايران من جهة اخرى، فقطعت اشواطاً في رسم الشراكة مع اسرائيل او حتى محاولتها الحصول على حصة اكبر من اسرائيل في المنطقة عندما ذهبت بعيداً مع الجانب الاميركي، وتحديداً بعد نجاح دولة قطر من استغلال اسرائيل وصداقتها لها بالتاثير على اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة واوروبا ليضغط على الولايات المتحدة الاميركية والتي وافقت بفعل هذا التأثير ان تكون دولة قطر حاضنة لاكبر قاعدة عسكرية في منطقة الشرق الاوسط، وارضها تحتوي على اكبر مخازن عتاد وسلاح في الشرق الاوسط، وتعتقد دولة قطر انها اصبحت في مامن من خطر شقيقاتها وجيرانها، ومن الدول الاقليمية المجاورة لمنطقة الخليج، ولكن اسرائيل ليست غبية بل حسبتها حساباً استراتيجياً، فوجدت ان تلك القواعد والمخازن العملاقة التي تحتوي على احدث الصواريخ والاسلحة والاعتدة الاميركية وعندما تكون في قطر فهي اقرب لها من الولايات المتحدة، ومن القواعد الاميركية في المنطقة عند الضرورة او عند ساعة الصفر، ثم ان تواجد هذه القوات وتلك الاسلحة في منطقة مهمة واستراتيجية وهي منطقة الخليج يعد نصر استراتيجي لاسرائيل التي كانت تتوجس من العراق سابقاً، ومن ايران ومن الحركات الاسلامية والجهادية التي ما زالت تتوجس منها، وبالتالي هو عنصر امان لاسرائيل .

فلدى اسرائيل مشروعها القديم الذي يستند على تقسيم المنطقة وتفتيتها لتصبح اسرائيل هي السيدة الاولى في المنطقة، وتتناظر وتتمايز مع الدول التي ستتشكل على اسس دينية وعرقية واثنية وطائفية وغيرها، ولقد اثبتت دولة قطر بانها امينة على تنفيذ ما اتفق عليه مع اسرائيل والولايات المتحدة وعندما شاركت وبشكل فعلي ضد العراق، ولم يمنعها من ان العراق دولة شقيقة، وان الشعب العراقي شقيق الى الشعب القطري بل اندفعت دولة قطر وتفانت في دعمها اللوجستي والمالي والاعلامي والعسكري والاستخباري للحرب ضد العراق، وهنا نجحت قطر بالاختبار الاسرائيلي والاميركي، فكسبت ثقة اسرائيل، والاخيرة كسبت لاعباً مهماً اضافة الى خزينة مليئة بالمال وهي الخزينة القطرية لدعم مشروعها القديم الذي يقود الى تقسيم الدول العربية ومثلما اسلفنا، وبالتالي وجدت قطر نفسها منغمسة في مشروع المحافظين الجدد، والذي هو انبثاق وتبشير للمشروع الاسرائيلي القديم الذي يقود الى تقسيم العالم العربي وولادة اسرائيل الكبرى، وهذا يعني وفي آخر المطاف ستكون دولة قطر سبباً في اكل شقيقاتها الخليجيات في آخر المطاف، اي ستشترك في تقسيم وتفتيت الدول الخليجية ايضاً، وبمقدمتها السعودية، واخيراً عرفنا معنى التركيزوالالحاح الاميركي بانهم يريدون من العراق ان يكون نموذجا لدول المنطقة باسرها، فلقد ظن الجميع والكاتب منهم بانهم يريدون تعميم النموذج الديمقراطي الاميركي في العراق، ولكن طيلة السنوات التسع من عمر احتلال العراق لم يُلاحَظ ان هناك تطوراً ديمقراطياً، وليس هناك اهتمام ببناء المؤسسات التي تغذي وتطور الديمقراطية في العراق، كذلك ليس هناك اهتماما بالمواطن ولا بحقوقه، ولا حتى هناك اهتمام بالبنية التحتية والتنمية، بل هناك تقويض للدولة العراقية ولسمعتها وبنيتها ووحدتها، فتبيّن ان النموذج الذي تكلم عنه المحافظون الجدد والرئيس بوش والاعلام الاميركي هو موضوع التقسيم والهيمنة في العراق، اي نقل تجربة التقسيم في العراق الى الدول العربية ومن ثم جعلها سوقا استهلاكية لاسرائيل والولايات المتحدة والغرب مثلما هو حاصل في العراق وللسنة التاسعة على التوالي.

مشروع برنارد لويس وشهادة الجنرال “ويسلي كلارك” حول مشروع تقسيم سوريا والمنطقة!

تعتبر المعركة التي تقودها سوريا الآن معركة مصير وطن وشعب وامة، وعملية صد مقدسة للطوفان القادم نحو بلاد الشام، وبغض النظر عن نوعية النظام وهويته، فسوريا وجدت نفسها وبتصاعد دراماتيكي بانها تخوض حربا مركبة للغاية، وتخلو من ادنى درجات الاخلاق والمصداقية، ووقودها الكذب والتدليس والفبركات الاعلامية، وشهادات شهود الزور، وليست لها علاقة بما يسمى بـ”الربيع العربي” وتختلف اختلافاً شاسعاً عما حصل في تونس ومصر وغيرهما، ومن خلال مؤامرة حيكت على مراحل وفصول وحلقات، والغريب ان هناك دولاً عربية ليست فيها تعددية ولا ديمقراطية، ولا حتى برلمان ولا مؤسسات لحقوق الانسان، وليس فيها منظمات مجتمع مدني ولا حتى دستور، راحت لتساند الحملة على سوريا التي ترفع شعار بسط الحرية والديمقراطية والتعددية، وتنادي بانقاذ الشعب السوري من الابادة وهي التي تسمي شعوبها رعايا ولم تقل حتى مواطنين وتمارس ضدهم ابشع انواع التمييز والاهمال!

والحقيقة ان اهم اسباب الحملة على سوريا هو تغيير نظامها بنظام ترعاه واشنطن علناً واسرائيل سراً، والسبب هو “الطاقة المكتشفة” في قعر البحر الابيض المتوسط، والتي تعتبرها اسرائيل ملكاً لها والتي تمتد حتى السواحل السورية، وربما الى حقول غير مكتشفة ضمن المياه السورية، وبالتالي فالمعركة “المؤامرة” الجارية ضد سوريا سببها الطاقة الجديدة التي تبحث عن فضاء جيوسياسي وديموغرافي تتحكم فيه اسرائيل، وهو نفس السبب الذي سيجعل لبنان على صفيح ساخن ايضاً، لان وجود نظام كنظام الرئيس بشار الاسد الذي يؤمن بالقومية العربية، ويرفض السلام الذي تريده اسرائيل، وبدعم القضية الفلسطينية ويحتضن الكثير من المنظمات الفلسطينية، ويرفع شعار الممانعة، ومطالبته برحيل الاحتلال من العراق، ويرفض التنازل عن علاقته بالمقاومة الاسلامية في لبنان ومع ايران يشكل خطر جسيم على الثروات المكتشفة قرب سواحل اسرائيل من وجهة النظر الاسرائيلية والاميركية، لان هذه الثروات تحتاج الى بيئة آمنة، والى شراكة اقتصادية ولوجستية مع الجيران، ومع المشتركين في الجغرافية الجيوسياسية والبحرية من وجهة نظر قادة اسرائيل وواشنطن، علما ان تلك الثروات ليست مفاجئة لاسرائيل والولايات المتحدة بل لديهما الخرائط والاكتشافات الكاملة عنها ومنذ زمن بعيد، بل حتى الشهيد “رفيق الحريري” كان يعرفها وتحرك سراً للتباحث مع بعض الشركات المختصة في التنقيب، ولهذا ربما كانت سبباً للتخلص منه.

لذا فالطاقة والثروات التي اعلن عنها في منطقة البحر المتوسط وقرب اسرائيل هي التي عجلت بتسخين الملف السوري الذي كان يشغل ومنذ زمن بعيد مساحة على طاولة التقسيم الاميركية، وحسب رؤية المستشرق العجوز “برنارد لويس” المولود في لندن عام 1916 والمختص في الاسلام ومنطقة الشرق الاوسط ، والذي هو المرجع الاعلى للرئيس بوش وللمحافظين الجدد، ولقد اكد الصحفي الفرنسي ريشار لا بغيير في كتابة “التراجع الكبير” ان المستشرق برنارد لويس كان له تاثير على جميع الادارات، ومنذ عهد رونالد ريغن فيما يخص الاسلام وقضايا الشرق الاوسط، وهو صاحب المقولة المعروفة “الاسلام دين المتخلفين، وان المسيحية واليهودية دين الحضاريين” ويؤكد الصحفي الفرنسي بان مصطلح “الشرق الاوسط الواسع” هو من نتاج افكار برنارد لويس، لكي يحل محل تسمية ” العالم العربي” لان الاسم الاول فضفاض جداً، وهو مصطلح جغرافي سيزيل التاثير القومي والسياسي والحضاري للعالم العربي، والهدف لكي تُدمج فيه اسرائيل وتضاف اليه الامة الفارسية والامة التركية، وفي المستقبل ربما ستضاف له الامة الافغانية وحتى الهندية، والهدف اذابة العرب في بوتقات كبيرة لا علاقة لهم بها فتتميع حضارتهم وتراثهم وحتى قوميتهم.

ومن هنا راحت ادارة الرئيس اوباما للمباشرة بدعم تركيا، وتراهن على التغيير في ايران لصالح الجماعات التي تؤيد هذا المشروع وتؤيد العلاقة مع واشنطن والسلام مع اسرائيل فيما لو تذكرنا مبادرة الشيخ رفسنجاني للسلام مع اسرائيل، او تحاول ادارة اوباما عقلنة النظام الايراني الحالي نحو علاقة خاصة مع واشنطن، فحينها تصبح المرجعية العليا للعرب متوزعة بين طهران وانقرة وتل ابيب، لان ضمن خطط الرئيس اوباما توكيل المنطقة الى نمرين اقليميين متنافرين، ولكنهما لن يتصادما فيما بينهما بل سيباشران بحرب باردة وبرعاية اميركية، لان الولايات المتحدة تبرعت بمراقبتهما مع فسح المجال لاسرائيل بحرية التحرك في الشرق الاوسط الكبير. . . وهي فكرة مشروع “الشرق الاوسط الكبير” الذي عمل عليه الرئيس بوش ورامسفيلد والاغلبية المطلقة من المحافظين الجدد، وعندما رسموا خارطته التي تبدا من المغرب حتى الحدود الصينية الافغانية نزولا نحو الخليج فالعراق ثم شواطئ لبنان فقبرص واليونان، وهنا سيكون الشرق الاوسط الكبير والذي سيبتلع العالم العربي لانه عبارة عن اطار جغرافي تذوب فيه اللغات والاعراق والاقوام، وحينما سيتمييع العراق وسوريا ولبنان ومصر وغيرها، وتتولد بدلا عن ذلك كيانات وطموحات تمثل “الشيعة، السنة، الاكراد، التركمان، الامازيغ، الدروز، وكيانات مسيحية، والعلويين، والاقباط، والنوبة، وغيرهم” ولاجل هذا المشروع راحوا ففتتوا العراق ثاراً من تشرشل الذي وزعها عام 1921، وهي الفكرة التي استهوت نائب الرئيس الحالي “جو بايدن” وعندما كان نائباً.

ففي اوائل مايو من العام 2008 دعا السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن من ولاية ديلاوير والذي اختاره المرشح الديمقراطي للبيت الابيض باراك اوباما نائبا له عندما اصبح رئيسا ولزلي جليب الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية الى تقسيم العراق لثلاث مناطق كردية وسنية وشيعية تتمتع كل منهما بالحكم الذاتي، فوجد مشروع بايدن-جليب لتقسيم العراق ترحيبا من قبل العديد من اعضاء الكونغرس، ومن ضمنهم السيناتور الجمهورية كيلي بايلي هوتجيسون التي ترى في تقسيم العراق المخرج الوحيد من المستنقع العراقي، علماً ان العراق بلد موحد ومستقر ومتآخٍ قبل الغزو الاميركي واحتلاله.

وفي ظل الجدل المثار حول تقسيم العراق الي ثلاث اقاليم اصدر مركز سابن بمعهد بروكينغز للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن دراسة بعنوان “حالة التقسيم السهل للعراق” حاولت الاجابة على العديد من الاسئلة حول مدى امكانية تطبيق الفيدرالية في العراق ونسبة النجاح مقارنة بالوضع الحالي الي جانب الصعوبات التي ستواجه الاطراف المختلفة اذا تم تطبيق هذا الخيار الذي اطلقت عليه الدراسة ” الخطة ب”، ولقد اعد الدراسة جوزيف ادوار وهو باحث زائر بمعهد بروكينغز له خبرة كبيرة في مجال ادارة الصراعات حيث عمل لمدة عقدا كامل مع قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة بمنطقة البلقان ولديه العديد من المؤلفات في هذا المجال وشاركه في اعداد الدراسة مايكل هانلون الباحث المتخصص في شئون الامن القومي الامريكي بمعهد بروكينغز والذي عمل مع قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة في العديد من الدول. . والم يقل بريجنسكى مستشار الرئيس الامريكى للامن القومى السابق “ان منطقة الشرق الاوسط ستحتاج الى تصحيح الحدود التى رسمتها اتفاقية سايكس بيكو ومقررات مؤتمر فرساي”.

ولكن اصل الحكاية بدات عام 1980 عندما تقدم المستشرق اليهودي الامريكي “البريطاني الاصل” برنار لويس بمشروع منطقة الشرق الاوسط بكاملها حيث يشمل تركيا وايران وافغانستان الى الكونغرس، وتمت الموافقة بالاجماع في الكونغرس عام 1983، وهذا يعني ان غرفة العمليات العملية هي في قلب العالم العربي، فتم اختيار العراق لأنه يشكل قلب العروبة والعالم العربي، ناهيك عن دوره الريادي والحضاري والقومي والثقافي والفكري، فتم غزوه والمباشرة بتطبيق مشروع العزل والتقسيم وتزامنا مع المشروع نفسه في افغانستان، والعراق وافغانستان يشكلان اهمية قصوى واستراتيجية بالنسبة لايران، وعندما نجحوا في العراق قرروا ان تكون السفارة الاميركية في هذا البلد بمثابة “بنتاغون مصغر. . او بنتاغون متقدم. . او غرفة عمليات متقدمة” اي ان هذه السفارة ستشرف على السفارات في العالم العربي، وان معظم الدبلوماسيين والسفراء قد تدربوا وسوف يتدربون في العراق قبل توزيعهم على السفارات في الخليج والعالم العربي.

وعندما اكملوا المخطط في العراق راحوا بالذهاب الى الحلقات الاخرى من المخطط نفسه، فحتى سوريا يراد تقسيمها الى اربع او خمس كيانات لتتجانس طائفيا وعرقيا وجغرافيا، فهناك “دولة سنية في حلب تخاصم دولة سنية في دمشق وبالعكس، ودولة شيعية علوية في الساحل السوري، ودولة درزية في جبل العرب، وتاسيس اقليم قلق قاعدتة القبائل العربية في الجزيرة المحاذية للعراق يكون ساخنا على غرار منطقة ” وزيرستان” في باكستان”، اي ولادة كيانات متمايزة ومتناظرة، ولقد اضيف تعديل في الفترة الاخيرة لاضافة كيان درعا السورية المنفتح على الرمثا الاردنية نزولا نحو الاقليم السني العراقي في محاولة لصنع كيان بديل للفلسطينيين وصولا لحدود الشيعة في كربلاء والنجف، وفي مصر هناك مخطط لـ”دويلة قبطية عاصمتها الاسكندرية، ودويلة اسلامية عاصمتها القاهرة، ودويلة النوبة وعاصمتها اسوان”.

ويقسم السودان الى ثلاث دويلات، وهاهو قد تقسم الان الى سودان جنوبي واخر شمالي، ولقد احتفل العالم بولادة الدولة الجديدة وبدعم اميركي وغربي ملفت للغاية، ولقد باشر القسم الجنوبي ببيع الاراضي الى جهات خارجية فلقد نقلت صحيفة ذي تايمز البريطانية بتاريخ 2 يوليو / تموز 2011 عن تقرير للمؤسسة النرويجية “جمعية مساعدة الشعوب النرويجية” ان الارقام صادمة، فمساحة بعض الصفقات فلكية، ولم نكن نتوقع ان نرى شيئاً مثل هذا، وان تلك المشاريع التي ستقام على الارض التي بيعت واستاجرت تصل مساحتها الى 2. 6 مليون هكتار، وهو مايعادل مساحة ويلز، وتقع في اخصب المناطق من دولة جنوب السودان الفتية.

واشارت التايمز الى انها حصلت على وثائق تكشف انه تم ابرام بعض الصفقات بمبالغ رمزية، فقد دفعت شركات امريكية مثلا 4 بنسات على الهكتار الواحد، وحصلت شركة “نايل للتجارة والتطوير” ومقرها مدينة تكساس الامريكية على 600 الف هكتار مقابل 17 الف جنيه استرليني لاستغلال تلك الاراضي لمدة 49 عاماً.

مع خيار رفع اجمالي المساحة المستغلة الى مليون هكتار ولقد لفت انتباهنا وانتباه المراقبين هو الاهتمام القطري بالاستثمار في السودان ومنذ سنوات ـ سنعود لاحقا الى هذه الاشارة ـ وبالعودة الى مخطط التقسيم ففي المغرب العربي هناك مخطط ولادة دويلات تابعة للبربر واخرى عربية وبوليساريو وغيرها وتكون جميعها متناحرة ومتمايزه، وان هذا التقسيم قد ورد في مجلة “كوفنيم اليهودية” التي تصدر عن الوكالة اليهودية العالمية قبل سنوات مضت عندما نشرت تقريرها حول تقسيم المنطقة العراقية في عام 1989، ولقد اكدت في ذلك التقرير على التقسيم في العراق وسوريا ولبنان والسعودية ومصر.

ولكن الأهم ما ورد في شهادة الجنرال الاميركي “ويسلي كلارك” في مؤتمر الديمقراطية الان وتحديدا بتاريخ 2/3/2007، وعندما صدم الرجل حسب قوله فكان كان مبهوراً لا بل مصدوماً من المخطط الذي سمعه وعايشه، وكلارك هو القائد العام لحلف الناتو 1997 -2001، وكان احد المرشحين للرئاسة الاميركية عام 2004 يقول بشهادته المهمة والخطيرة ما يلي “بعد حوالي عشرة ايام من احداث 11 سبتمبر قابلت وزير الدفاع رامسفيلد ونائبه وولفوفيتس والاول والثاني من صقور المحافظين الجدد اليهود ، وهبطت نحو الطابق السفلي لمقابلة بعض الاشخاص، واذا باحد الجنرالات يناديني: سيدي الجنرال لطفا بعض الوقت، فذهبت نحوه واذا به يقول لي: سنحارب العراق ولقد اتخذ القرار وذلك في 20 سبتمبر، فقلت له: لماذا؟ لماذا نحن ذاهبون للعراق؟ فقال: لا ادري، فربما ليس عندهم شيء يفعلونه، فعندنا قوة عظيمة ويمكن ان نسقط انظمة بها، يقول فسالته: هل وجدوا دلائل لعلاقة ما بين صدام حسين وتنظيم القاعدة؟ فقال لي : لا لا لا لكنهم قرروا الحرب، ويستمر الجنرال كلارك بسرد شهادته فيقول: بعد القصف على افغانستان عدت الى ذلك الجنرال فقلت له : هل لا زلنا سنحارب العراق؟ فقال لي: لا، بل هناك من هو اسوا، وتناول ورقة وقال : هذه جاءت من فوق اي من وزير الدفاع رامسفيلد” علينا احتلال 7 دول في 5 سنوات، وهي العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان، ومن ثم ايران”.

وهذا يعني ان موضوع التقسيم ليس وليد اللحظة، وكذلك ليس له علاقة باسلحة الدمار الشامل في العراق، وكذلك ليس له علاقة بالملف النووي الايراني، ولا بالخطوات النووية التي قطعتها ليبيا وسوريا، وليس له علاقة بحرية الشعوب العربية اطلاقا، ولكن جميعها وسائل وردية غايتها التدخل والهيمنة للوصول الى مشروع التقسيم والتفتيت والذي تقدم كثيرا وللاسف الشديد وبدعم من بعض الدول العربية وبمقدمتها دولة قطر لتثبت للولايات المتحدة ولاسرائيل بانها حليف لا يكذب ومخلص ومهما كانت الاهداف والمخططات.

قناة الجزيرة واندفاع قطر كلاعب محوري في تغيير الانظمة العربية!

وبالعودة الى دولة قطر، فعندما قطر نجحت بجر الاميركيين وترسانتهم نحو قطر، وجدت نفسها غير مضطرة ان تستمر بالانغماس السياسي الشديد مع الاسرائيليين، اي لا توجد ضرورة بان تعتمد على اسرائيل في كل صغيرة وكبيرة وبعد ان اصبح الاميركان في عرينها، اي انها اعتمدت سياسياً وعسكريا على الولايات المتحدة، وابقت الملف التجاري والاقتصادي من حصة اسرائيل لتشاركها فيهما، ومن الجانب الاخر راحت فصنعت لها شبكة حماية ووقاية من الاشقاء والجيران والاعداء وحتى من اسرائيل احيانا، وهي ” قناة الجزيرة الفضائية” التي هي مشروع سياسي قطري بحت، ونجحت بتاسيسه من خلال الاستفادة من الخبرة الاسرائيلية والاميركية والغربية في مجال الاتصالات والاعلام والتكنلوجيا والاستخبار، فصارت الجزيرة سلاحا اعلاميا واستخباريا ونفسيا فتاكا بيد الحكومة القطرية لترهيب الحكومات والانظمة والشركات والاحزاب والحركات ومنظمات المجتمع المدني، وحتى ترهيب المرجعيات الدينية والصحافة الحرة والمتزنة في العالم العربي، وحينها ولدت الجدلية التي تحمل نوعا من الكوميديا، وهي “هل ان قناة الجزيرة في قطر، ام ان قطر في قناة الجزيرة؟” وبالتالي فدولة قطر تشعر بانها اكبر من حجمها، واكبر من جميع شقيقاتها الخليجية، لا بل تشعر بانها اكبر من المكان الذي تتواجد فيه، ولهذا اصبحت تشعر بانها مؤهلة لقيادة العرب والمنطقة.

فهي تعتقد اي دولة قطر بان ادوات القيادة اصبحت متوفرة لديها واهمها “المال والعلاقات الدولية والثروات”، فلماذا لا تخطط لقيادة العرب، لا بل تصبح شريكة فعلية لاسرائيل في الشرق الاوسط الكبير؟ ولكن هذا الهدف ليس سهلاً ان لم ترطب الاجواء مع طهران، فراحت فنسجت علاقات خاصة “وهي مرحلية” مع ايران ولم تنتقدها اسرائيل ولا حتى واشنطن، ودون ان تلتفت قطر الى النقد من الدول الخليجية، ولكن هذا لا يعني انها علاقة استراتيجية كالعلاقة مع اسرائيل والولايات المتحدة، لانه لن تتوانى قطر بالاشتراك ضد ايران اذا وجدت ان هناك تحالفاً دولياً حقيقياً ضدها، فدولة قطر تستخدم العلاقة مع ايران لابتزاز السعودية وبعض الاطراف في المنطقة، فقبلها راحت فاصبحت نصيرا للولايات المتحدة والغرب ضد العراق، فشاركت بعملية اسقاط نظام صدام وباحتلال العراق.

فلقد لعبت دولة قطر دوراً محورياً في عملية اسقاط النظام العراقي واحتلال العراق، وكانت خدمة جليلة لايران واسرائيل، وترسيخ لشراكة استراتيجية مع واشنطن والغرب، ولهذا اصبحت قطر صديقاً موثوقاً به، لا بل شريكاً في الاجندة الاميركية والاسرائيلية.

ولكي تبرهن على صدقها وتفانيها راحت فدعمت عملية التغيير في تونس وعلى الاقل اعلامياً، ولكنها انغمست بشكل قوي في عملية ازاحة نظام الرئيس مبارك والمشاركة في هندسة الثورة المصرية، اي كانت مشاركتها في مصر سياسية ومالية واعلامية واستخبارية ولوجستية، ولم تكتف بهذا بل راحت فاصبحت عراباً لموضوع اسقاط نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، فشاركت بشكل فاعل في حلف “الناتو” واصبحت عضواً فاعلاً في جميع الجهود المالية والقتالية واللوجستية الخاصة بالناتو وبالولايات المتحدة، لا بل تبنت موضوع اسقاط النظام الليبي علنا، والاغرب عندما اصبحت لاعبا رئيسيا في مخطط تغيير النظام في سوريا، سوريا التي كانت ترتبط بعلاقات متميزة مع القصر الاميري ومع الدولة القطرية، اي كان الرئيس بشار الاسد من المقربين جدا للقيادة القطرية، وما اشبه الوضع السوري بالوضع العراقي عندما كان القصر الاميري والدولة القطرية من اقرب اصدقاء الرئيس صدام حسين.

وكل هذا ليس اعتباطاً او نوعاً من التغريد خارج السرب، ولا حتى “خالف تُعرف” بل ان دولة قطر تبحث عن دور عربي متداخل مع دور اقليمي كبير، وهي ماضية في هندسة هذا الدور ولقد قررت استعمال “قناة الجزيرة” بمثابة راس الحربة في الحرب الاعلامية واللوجستية الجارية حالياً في العالم العربي، ولهندسة دورها ولصالح المخططات الاميركية، ومن وجهة النظر القطرية لن يضر حتى لو كان هذا الدور على اشلاء الاشقاء فهي لن ولن تكون ذيلاً للسعودية، وبنفس الوقت لن تستمر بالوئام مع السعودية، ولهذا هي تريد تجاوز السعودية عربيا واقليميا، ولمن لا يعرف فدولة قطر تقاطرت سرا عبر شركاتها ورجال اعمالها على السودان ومنذ اكثر من 5 سنوات تقريباً.

وذات يوم سال الكاتب وزيراً قطرياً سابقاً وهو رجل اعمال: ما سرالاهتمام القطري بالسودان القاحلة؟ فضحك وقال: السودان هي ماليزيا القادمة، وسوف ترى ماذا ستصبح السودان وما هو دور قطر فيها، حينها عرفنا بان هناك تحالفاً غير معلن بين اسرائيل ودولة قطر للعمل معاً وبشكل استراتيجي بعيد المدى في السودان وغيرها، اي ان دولة قطر عبارة عن رأس الحربة في المخططات الاسرائيلية والاميركية في المنطقة في محاولة منها لتصبح قوة سياسية واقتصادية وبدعم من اسرائيل، ولا يهم هذا التحالف ان كانت هناك مخططات تقسيمية وتفتيتية للدول والمجتمعات العربية، ولا يهم ان كانت هناك زيادة في عدد المفقودين والقتلى والللاجئين والعاطلين عن العمل من العرب، ولا يهم ضرب المنظومات الاخلاقية والثقافية في المجتمعات العربية، ولا يهم انتهاكات حقوق الانسان وانتشار الفوضى والسجون السرية والمخدرات في مجتمعات الدول المستهدفة، وكذلك لا يهم هيمنة الحركات المتطرفة والراديكالية تحت مظلة الديمقراطية المستوردة، ولا حتى هيمنة مجموعات المتخلفين والقمعيين، فالمهم الوصول الى الثروات والهيمنة عليها، وولادة محاور اقتصادية وسياسية جديدة، وحصول قطر على موقع متقدم في العالم العربي الجديد، وحتى في الشرق الاوسط الكبير.
* من هو أ. سمير عبيد؟
كما ورد في موقعه
كاتب وشاعر
وصحفي ومحلل سياسي وإستراتيجي
أكاديمي وباحث
نائب رئيس مركز الشرق للبحوث والمعلومات ــ أوربا
ولادة : العراق
عروبي التوجه ومدافع عن جميع الأديان والأقليات في الوطن العربي
يعمل على إحياء الخط الثالث حول الإسلام أي تخليص الإسلام من الشوائب والخزعبلات التي جاء بها البعض ولصقها بالإسلام الجميل
من المؤمنين بالحوار وبنشر ثقافة اللاعنف
من الرافضين لجميع أنواع الإحتلال والهيمنة ومهما كان نوعها وجنسياتها
من الداعمين للمقاومة التي كفلتها الأديان والدساتير الوضعية
....
أعتقل وعذب عام 1980 ، وعام 1987
حكم عليه بالإ‘عدام عام 1991 نتيجة أراءه السياسية ورفضه للديكتاتورية