نتابع:ج/3..التناقضات اليهودية ـ اليهودية، والصهيونية ـ اليهودية.
دولة الطوائف والقوميات المترسخة:
بعد الانتهاء الرسمي للانتداب البريطاني على فلسطين، وانسحاب الجيش البريطاني، وانتصار قوات المنظمات الصهيونية العسكرية على المقاومة العربية والفلسطينية ـ فوق ارض فلسطين ـ والتي عرفت بحرب عام 1948. وقف في 14/5/1948 دافيد بن غوريون امام (مجلس الشعب) في مدينة تل ابيب، بحضور 37 ممثلا عن الاستيطان اليهودي في فلسطين، والمنظمة اليهودية العالمية ليقرأ ما سمي (باعلان الاستقلال) و(اقامة الدولة الصهيونية): (نحن اعضاء مجلس الشعب ممثلو الاستيطان اليهودي في أرض اسرائيل والحركة الصهيونية، وبعد انتهاء الانتداب البريطاني، وبناء على حقنا الطبيعي، والتاريخي، وقوة القرار الصادر عن الامم المتحدة نجتمع لنعلن قيام دولة اليهود على أرض اسرائيل، وتدعى (اسرائيل) [12].
وكانت المبادئ، التي قامت عليها الدولة، و(القوانين الاساسية) التي شرعتها، هي دستور تلك الدولة، إذ ليس لاسرائيل دستور كبقية الدول، وانما (قوانين اساسية) شرعتها المؤسسات المنتخبة من برلمان وغيرها اعتبرت بمثابة دستور مؤقت.
ومما جاء في هذه القوانين: (ان الدولة تتخذ شكلا جمهوريا، نظامه برلماني، ديمقراطي، على غرار الديمقراطيات الغربية في أوروبا…. ورئيس الحكومة المنتخب من البرلمان يمثل أعلى سلطة تنفيذية) [13].
ومنذ إعلان الدولة، بدا أول خلاف جوهري واضح بين اليهود التقليديين والعلمانيين من جهة، واليهود المتدينين من جهة اخرى يحتل حيزه الهام والمتجدد. فقد أثيرت قضية وضع دستور دائم للدولة اليهودية، وكلفت لجنة لصياغته بما يتفق ووثيقة (إعلان الاستقلال)، وعند تقديمه للحكومة المؤقتة اثار مشروع الدستور اختلافا حادا، بين اتجاهات سياسية، ودينية متعددة.
فالحزبان اللذان تشكلا للمشاركة باول انتخابات برلمانية اسرائيلية (الكنيست) (حزب المتدينين القوميين) و(حزب اغودات اسرائيل) أي (جمعية اسرائيل) وهو حزب غير صهيوني ـ ينتمي لما يعرف باسم (تيار المتدينين الحاردايم) المتزمتين ـ المعارضين للفكر الصهيوني، رفضا مشروع الدستور لانه لم يعتمد التوراة اساسا للتشريع الاسرائيلي كما اعترض عليه بعض الاحزاب الليبرالية العلمانية الصهيونية لانه يخضع الاحوال الشخصية للشرائع الدينية مما جعل بن غوريون يجمده، ويؤجل الموضوع (لان المشروع الصهيوني) لم يستكمل بعد جغرافيا وبشريا، ولان الضرورة تستدعي تجنب إثارة مسائل يختلف عليها الفرقاء اليهود، من الناحية الجوهرية بشأن تعريف من (هو اليهودي) و(حدود الدولة)، وعلاقة اسرائيل (يهود العالم وبالحركة الصهيونية، بالديانة اليهودية).
ولذلك اتفق الجميع على اعتماد قوانين اساسية يشرعها كلما دعت الحاجة (الكنيست) البرلمان، ويكون الحكم فيها للمحكمة العليا.
وعند أول انتخابات برلمانية لعضوية (الكنيست) تبين ان الحزب الديني الصهيوني ـ المفدال ـ وغير الصهيوني ـ اغودات يسرائيل ـ (الحاراديم) لم يشكلا سوى ما نسبته 12% من اعضاء البرلمان أي بزيادة قليلة عما كان لهما من نفوذ داخل المؤتمر الصهيوني العام.
وهذا دل على ان اليهود المتدينين المعارضين للفكر الصهيوني القومي حافظوا على معارضتهم الجوهرية للفكر الصهيوني لكنهم أخذوا بعد تشكيل دولة اسرائيل، وفتح أبواب الهجرة اليهودية اليها ينقلون معارضتهم الى داخل إسرائيل، ومؤسساتها كحل ذرائعي توفيقي، اعتمدوا فيه سياسة معارضتها من الداخل، وعدم مقاطعتها كليا..
وقد مثل هذا التيار اليهودي المتدين المعارض للصهيونية داخل اسرائيل نسبة قليلة، لا تتعدى 5% في اول انتخابات برلمانية جرت في عام 1949. بينما كانت نسبته خارج اسرائيل، وبين يهود الشتات اكبر بكثير حيث شمل الغالبية الساحقة في بداية القرن العشرين.
وهذا التيار اليهودي المتدين المعارض للصهيونية منذ نشوئها، اصبحت له بعد اعلان الدولة مواقف مختلفة حول رأيه بالدولة اليهودية.
(فأغودات يسرائيل) (جمعية اسرائيل) وهي ابرز من يمثله اعتبرت ان اعلان الدولة اصبح امرا واقعا بالنسبة لها رغم عدم ايمانها بها، ولا بعملها، ونشيدها، ومناسباتها الوطنية، وقوانينها العلمانية، لكن هذا لن يؤثر على مشاركتها ببرلمانها، وبعض مؤسساتها طالما وان في ذلك خدمة لتعزيز قوة المتدينين اليهود (الحاراديم)، داخلها للمطالبة بفرض الشريعة اليهودية فيها.
اما التيار اليهودي المتدين الصهيوني، وابرز ما يمثله (حزب المتدينين القوميين المفدال) فهو يؤمن بهذه الدولة القومية لكنه يعارض قوانينها العلمانية ويعمل داخل الدولة اليهودية هذه، وبشكل ديمقراطي لتثبيت شريعة التوراة كدستور دائم لها، لتحقيق وعد الرب.
وقد شكل هذا التيار قوة أكبر من قوة المتدينين المعارضين للصهيونية 8% من اعضاء الكنيست الاولى، وكان من المشاركين في معظم حكومات اسرائيل[14].
وما يهمنا من الموضوع هنا، هو التيار اليهودي المتدين المعارض للصهيونية. فقد انتهج هذا التيار سياسة معارضة صهيونية اسرائيل من داخل اسرائيل نفسها مستفيدا من هجرة اتباعه اليها، وتأسيس احيائه ومستوطناته الخاصة، ولتعزيز نفوذه فيها وتحويل دولة اسرائيل ـ (دولة الكفر) ـ الى دولة تقوم على (شريعة التوراة)، وربطها بغائية الوعد الالهي، ومملكة السماء على الارض.
ولان معظم طوائف (الشتات) اليهودي، الذي عاش في الولايات المتحدة وبريطانيها وفرنسا كان خاضعا للقيادات الروحية اليهودية، التي تعارض الصهيونية، وطبيعة الدولة الاسرائيلية وليدتها، وتتمسك بمفهوم التوراة حول (العودة)، فقد احجم عن الهجرة الى اسرائيل في الخمسينات والستينيات، ولم يتدفق منه الى اسرائيل سوى العدد المحدود.
أما الشتات اليهودي في أوروبا الشرقية، والاتحاد السوفياتي فقد خضع لأنظمة الدولة الشيوعية التي أذابته في مؤسساتها، وحظرت عليه حرية الهجرة الى اسرائيل او العالم، ولم تبلغ الهجرة اليهودية الى اسرائيل ذروتها، الا خلال الاعوام الاولى لقيامها، حيث جاء حتى سنة 1951 فقط اكثر من (687000) مهاجر يهودي، معظمه من آسيا وافريقيا[15]، وخصوصا من اقطار عربية، واسلامية مثل العراق، واليمن، وليبيا، والمغرب، وتركيا وايران. وانضمام هذا العدد الى ما كان موحدا في اسرائيل، اصبحت صورة (المجتمع الاسرائيلي) الجديد من النواحي الاثنية والثقافية والطائفية ذات تعددية قلما نجد لها مثيلا أينما كان.
يتبـــع
دولة الطوائف والقوميات المترسخة:
بعد الانتهاء الرسمي للانتداب البريطاني على فلسطين، وانسحاب الجيش البريطاني، وانتصار قوات المنظمات الصهيونية العسكرية على المقاومة العربية والفلسطينية ـ فوق ارض فلسطين ـ والتي عرفت بحرب عام 1948. وقف في 14/5/1948 دافيد بن غوريون امام (مجلس الشعب) في مدينة تل ابيب، بحضور 37 ممثلا عن الاستيطان اليهودي في فلسطين، والمنظمة اليهودية العالمية ليقرأ ما سمي (باعلان الاستقلال) و(اقامة الدولة الصهيونية): (نحن اعضاء مجلس الشعب ممثلو الاستيطان اليهودي في أرض اسرائيل والحركة الصهيونية، وبعد انتهاء الانتداب البريطاني، وبناء على حقنا الطبيعي، والتاريخي، وقوة القرار الصادر عن الامم المتحدة نجتمع لنعلن قيام دولة اليهود على أرض اسرائيل، وتدعى (اسرائيل) [12].
وكانت المبادئ، التي قامت عليها الدولة، و(القوانين الاساسية) التي شرعتها، هي دستور تلك الدولة، إذ ليس لاسرائيل دستور كبقية الدول، وانما (قوانين اساسية) شرعتها المؤسسات المنتخبة من برلمان وغيرها اعتبرت بمثابة دستور مؤقت.
ومما جاء في هذه القوانين: (ان الدولة تتخذ شكلا جمهوريا، نظامه برلماني، ديمقراطي، على غرار الديمقراطيات الغربية في أوروبا…. ورئيس الحكومة المنتخب من البرلمان يمثل أعلى سلطة تنفيذية) [13].
ومنذ إعلان الدولة، بدا أول خلاف جوهري واضح بين اليهود التقليديين والعلمانيين من جهة، واليهود المتدينين من جهة اخرى يحتل حيزه الهام والمتجدد. فقد أثيرت قضية وضع دستور دائم للدولة اليهودية، وكلفت لجنة لصياغته بما يتفق ووثيقة (إعلان الاستقلال)، وعند تقديمه للحكومة المؤقتة اثار مشروع الدستور اختلافا حادا، بين اتجاهات سياسية، ودينية متعددة.
فالحزبان اللذان تشكلا للمشاركة باول انتخابات برلمانية اسرائيلية (الكنيست) (حزب المتدينين القوميين) و(حزب اغودات اسرائيل) أي (جمعية اسرائيل) وهو حزب غير صهيوني ـ ينتمي لما يعرف باسم (تيار المتدينين الحاردايم) المتزمتين ـ المعارضين للفكر الصهيوني، رفضا مشروع الدستور لانه لم يعتمد التوراة اساسا للتشريع الاسرائيلي كما اعترض عليه بعض الاحزاب الليبرالية العلمانية الصهيونية لانه يخضع الاحوال الشخصية للشرائع الدينية مما جعل بن غوريون يجمده، ويؤجل الموضوع (لان المشروع الصهيوني) لم يستكمل بعد جغرافيا وبشريا، ولان الضرورة تستدعي تجنب إثارة مسائل يختلف عليها الفرقاء اليهود، من الناحية الجوهرية بشأن تعريف من (هو اليهودي) و(حدود الدولة)، وعلاقة اسرائيل (يهود العالم وبالحركة الصهيونية، بالديانة اليهودية).
ولذلك اتفق الجميع على اعتماد قوانين اساسية يشرعها كلما دعت الحاجة (الكنيست) البرلمان، ويكون الحكم فيها للمحكمة العليا.
وعند أول انتخابات برلمانية لعضوية (الكنيست) تبين ان الحزب الديني الصهيوني ـ المفدال ـ وغير الصهيوني ـ اغودات يسرائيل ـ (الحاراديم) لم يشكلا سوى ما نسبته 12% من اعضاء البرلمان أي بزيادة قليلة عما كان لهما من نفوذ داخل المؤتمر الصهيوني العام.
وهذا دل على ان اليهود المتدينين المعارضين للفكر الصهيوني القومي حافظوا على معارضتهم الجوهرية للفكر الصهيوني لكنهم أخذوا بعد تشكيل دولة اسرائيل، وفتح أبواب الهجرة اليهودية اليها ينقلون معارضتهم الى داخل إسرائيل، ومؤسساتها كحل ذرائعي توفيقي، اعتمدوا فيه سياسة معارضتها من الداخل، وعدم مقاطعتها كليا..
وقد مثل هذا التيار اليهودي المتدين المعارض للصهيونية داخل اسرائيل نسبة قليلة، لا تتعدى 5% في اول انتخابات برلمانية جرت في عام 1949. بينما كانت نسبته خارج اسرائيل، وبين يهود الشتات اكبر بكثير حيث شمل الغالبية الساحقة في بداية القرن العشرين.
وهذا التيار اليهودي المتدين المعارض للصهيونية منذ نشوئها، اصبحت له بعد اعلان الدولة مواقف مختلفة حول رأيه بالدولة اليهودية.
(فأغودات يسرائيل) (جمعية اسرائيل) وهي ابرز من يمثله اعتبرت ان اعلان الدولة اصبح امرا واقعا بالنسبة لها رغم عدم ايمانها بها، ولا بعملها، ونشيدها، ومناسباتها الوطنية، وقوانينها العلمانية، لكن هذا لن يؤثر على مشاركتها ببرلمانها، وبعض مؤسساتها طالما وان في ذلك خدمة لتعزيز قوة المتدينين اليهود (الحاراديم)، داخلها للمطالبة بفرض الشريعة اليهودية فيها.
اما التيار اليهودي المتدين الصهيوني، وابرز ما يمثله (حزب المتدينين القوميين المفدال) فهو يؤمن بهذه الدولة القومية لكنه يعارض قوانينها العلمانية ويعمل داخل الدولة اليهودية هذه، وبشكل ديمقراطي لتثبيت شريعة التوراة كدستور دائم لها، لتحقيق وعد الرب.
وقد شكل هذا التيار قوة أكبر من قوة المتدينين المعارضين للصهيونية 8% من اعضاء الكنيست الاولى، وكان من المشاركين في معظم حكومات اسرائيل[14].
وما يهمنا من الموضوع هنا، هو التيار اليهودي المتدين المعارض للصهيونية. فقد انتهج هذا التيار سياسة معارضة صهيونية اسرائيل من داخل اسرائيل نفسها مستفيدا من هجرة اتباعه اليها، وتأسيس احيائه ومستوطناته الخاصة، ولتعزيز نفوذه فيها وتحويل دولة اسرائيل ـ (دولة الكفر) ـ الى دولة تقوم على (شريعة التوراة)، وربطها بغائية الوعد الالهي، ومملكة السماء على الارض.
ولان معظم طوائف (الشتات) اليهودي، الذي عاش في الولايات المتحدة وبريطانيها وفرنسا كان خاضعا للقيادات الروحية اليهودية، التي تعارض الصهيونية، وطبيعة الدولة الاسرائيلية وليدتها، وتتمسك بمفهوم التوراة حول (العودة)، فقد احجم عن الهجرة الى اسرائيل في الخمسينات والستينيات، ولم يتدفق منه الى اسرائيل سوى العدد المحدود.
أما الشتات اليهودي في أوروبا الشرقية، والاتحاد السوفياتي فقد خضع لأنظمة الدولة الشيوعية التي أذابته في مؤسساتها، وحظرت عليه حرية الهجرة الى اسرائيل او العالم، ولم تبلغ الهجرة اليهودية الى اسرائيل ذروتها، الا خلال الاعوام الاولى لقيامها، حيث جاء حتى سنة 1951 فقط اكثر من (687000) مهاجر يهودي، معظمه من آسيا وافريقيا[15]، وخصوصا من اقطار عربية، واسلامية مثل العراق، واليمن، وليبيا، والمغرب، وتركيا وايران. وانضمام هذا العدد الى ما كان موحدا في اسرائيل، اصبحت صورة (المجتمع الاسرائيلي) الجديد من النواحي الاثنية والثقافية والطائفية ذات تعددية قلما نجد لها مثيلا أينما كان.
يتبـــع