اللوبي الصهيوني في امريكا:
كان وزير الخارجية الاميركي مارشال معارضا" لرئيسه هاري ترومان لجهة قراره الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني. ففي حينه كانت نصيحة مارشال لترومان هي عدم التورط في صراع مرشح للاستمرار لعقود قادمة. وفي النهاية اعترف ترومان بدولة الكيان الصهيوني. ويذهب بعضهم أن ذلك حصل بضغط اللوبي الصهيوني الأميركي. بل أن هنالك روايات عن تلقي ترومان لمبالغ نقدية من الصهاينة دعما" لحملته الانتخابية.
لكن تاثير اللوبي الصهيوني الاميركي بقي محدودا لغاية فترة ايزنهاور الذي طالب دولة الكيان الصهيوني ومعها فرنسا وبريطانيا بوقف العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وكان النفوذ الصهيوني في اميركا قد بدأ بالتصاعد بعد هجرة اليهود الأوروبيين اليها خلال الحرب العالمية الثانية. وهو تعاظم مع مساهمتهم في انتاج القنبلة الذرية التي حسمت مصير تلك الحرب. لكنه لم يبلغ ذروته الا مع بداية السبعينيات مع استقرار السيطرة المالية الصهيونية في أميركا.
تحرير أميركا من اللوبي الصهيوني
لم يكن لهجمات 11/9 أن تحدث لو كانت حكومة الولايات المتحدة رفضت مساعدة دولة الكيان الصهيوني على الحاق أقصى الدمار والاذلال بالمجتمع الفلسطيني. انه استنتاج لا تعبر عنه علناً الا قلة من الأميركيين. لكن الكثيرين يعتبرونه الحقيقة. وأنا على اقتناع بأن كارثة كان يمكن تجنبها لو امتلك أي رئيس أميركي خلال السنين الـ35 الأخيرة ما يكفي من الشجاعة والحكمة لتعليق كل المساعدات الأميركية الى دولة الكيان الصهيوني الى ان تنسحب من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967
اللوبي الصهيوني قوي ومرهوب الجانب. لكن بامكان اي رئيس يتخذ موقفاً حازماً - حتى الرئيس جورج بوش راهناً - التغلب على اللوبي الصهيوني والحصول على تأييد شعبي ساحق لتعليق المساعدات من خلال طرح واضح للحقائق على الرأي العام الأميركي. ان حكومة دولة الكيان الصهيوني الحالية، مثل كل الحكومات السابقة، مصممة على ضم الضفة الغربية ((يهودا والسامرة) حسب العهد القديم) توصلا الى (دولة الكيان الصهيوني الكبرى). ويؤمن متشددو التيار الصهيوني المحافظ، الذي يلعب دورا قويا في السياسة الصهيونية، أن اقامة (دولة الكيان الصهيوني الكبرى) شرط لقدوم المسيح المنتظر. المؤمنون بذلك لا يزالون أقلية في دولة الكيان الصهيوني ، لكنهم شديدو الالتزام والعدوانية وواسعو النفوذ. وهم مصممون، تبعا لقناعاتهم الدينية العميقة، على منع الفلسطينيين من الحصول على دولة في أي جزء من الضفة الغربية.
ذريعة دولة الكيان الصهيوني في هجومها الوحشي على الفلسطينيين هي القضاء على الارهاب، لكن المهمة الحقيقية لقواتها هي توسيع حيز الضم المذكور اعلاه. وهي تعامل الفلسطينيين، تحت غطاء محاربة الارهاب، بأسوا مما تُعامل به المواشي. اذ لا تتقيد بأي اعراف أو قوانين، فقد تم احتجاز المئات فترات طويلة وتعرضت غالبية المحتجزين للتعذيب، فيما تستمر عمليات الاغتيال. وتواصل دولة الكيان الصهيوني خلال ذلك تدمير المساكن والبساتين وأماكن العمل، وتضع مدنا بأسرها، مراراً وتكراراً، تحت حظر التجول الذي يتواصل احيانا على مدى أسابيع. ويتعرض المصابون والمرضى الفلسطينيون المتوجهون الى العلاج الى الاحتجاز ساعات طويلة على الحواجز الأمنية، فيما يصيب سوء التغذية أعداداً متزايدة من الأطفال. لقد أصبحت الضفة الغربية وغزة بمثابة معسكري اعتقال كبرين - وما كان لأي من هذا أن يحدث لولا دعم الولايات المتحدة. وربما يعتقد المسؤولون الاسرائيليون أن تحويل الحياة الى جحيم سيجبر الفلسطينيين في النهاية على مغادرة أرض الآباء والأجداد.
كانت حكومة الولايات المتحدة وقتا ما موضع ود واعجاب العالم، أما اليوم فهي لا تجد في غالبية البلدان سوى الاستبشاع واللعن، بسبب دعمها الغير مشروط لانتهاكات دولة الكيان الصهيوني لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وتعاليم كل الديانات الرئيسية.
كيف تورط الشعب الأميركي في مأزق كهذا؟
الجذر الرئيسي لـ 11/9 يعود الى 35 سنة، عندما بدأ اللوبي الصهيوني في أميركا سعيه الدائب المتواصل النجاح لاخراس أي نقاش عن دور أميركا في الصراع العربي مع دولة الكيان الصهيوني ، وأخفى عن الوعي العام الأميركي الحقيقة البسيطة في أن الولايات المتحدة تقدم دعما هائلا ومطلقا لدولة الكيان الصهيوني .
ومنع هذا النفوذ الخانق للوبي الصهيوني طيلة هذه السنين أي نقاش مفتوح للصراع العربي الصهيوني في صفوف الادارات الأميركية المتعاقبة -وهو ما لمسته في شكل مباشر، بفضل عضويتي في لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب في الكونغرس في 1967، عندما استولى جيش الإحتلال الصهيوني على مرتفعات الجولان السورية، اضافة الى الضفة الغربية وغزة الفلسطينيتين. واستمرت عضويتي 16 سنة، ولا أزال الى الآن أرصد ما يدور في الكونغرس.
خلال كل هذه السنين الـ35 لم أسمع في هذه اللجنة أو في أي من مجلسي الكونغرس كلمة واحدة تستحق أن تعتبر نقاشا لسياستنا تجاه الشرق الأوسط. ولم تطرح أي اقتراحات بتقييد أو خفض المساعدات الى دولة الكيان الصهيوني خلال السنين العشرين الماضية، فيما لم تنل الاقتراحات القليلة التي قدمت في السنين السابقة على ذلك سوى حفنة من الأصوات. ان هناك تحريم شبه تام في الكونغرس على انتقاد دولة الكيان الصهيوني ، حتى في الأحاديث الخاصة، اذ يعتبر الانتقاد عملا منافيا للوطنية ان لم يكن لا ساميّا. وتم ضمان استمرار هذا الحظر على حرية الرأي بعدما واجهت تلك القلة التي كانت تتصدى للموضوع - عضوا مجلس الشيوخ ادلاي ستيفنسن وتشارلز بيرسي، والنواب بول ماكلسكي وسينثيا ماكيني وايرل هيليارد وأنا - هزائم انتخابية على يد مرشحين مولتهم بسخاء القوى المساندة لدولة الكيان الصهيوني .
النتيجة منذ ذلك الحين كانت تلك التشريعات المنحازة الى دولة الكيان الصهيوني والمعادية للفلسطينيين والعرب التي واصل الكونغرس اصدارها سنة بعد سنة. فيما ضمن انحياز وسائل الاعلام الى دولة الكيان الصهيوني استمرار جهل غالبية الناخبين بأن الكونغرس يتصرف وكأنه لجنة فرعية في برلمان دولة الكيان الصهيوني .
لكن هذا الانحياز واضح تماما خارج أميركا، حيث تنقل غالبية وسائل الاعلام انتهاكات دولة الكيان الصهيوني وتدين أميركا عموما بالتواطؤ والرضوخ. ووصل الغضب العالمي تجاه سياسة واشنطن نقطة الغليان عندما استقبل الرئيس بوش رئيس وزراء دولة الكيان الصهيوني ارييل شارون ، المعروف سابقا بـ(جزار بيروت)، واعتبره (صديقي العزيز) و(رجل السلام، بعدما كانت قوات دولة الكيان الصهيوني أكملت تدمير الضفة الغربية الربيع الماضي، مستعملة السلاح الذي تقدمه لها أميركا.
هذا الغضب المتزايد لا يثير استغراب كل من يقرأ الصحف الأجنبية أو يستمع الى اذاعات مثل (بي بي سي)، حيث ندد اسامة بن لادن في تصريحات قبل وقت طويل من 11/9 بتواطؤ أميركا مع دولة الكيان الصهيوني على تدمير المجتمع الفلسطيني، معتبرا ذلك مثارا رئيسيا لعدائه لها. كما عبرت شخصيات أجنبية مرموقة في المنصب وخارجه، بتواتر وحدّة لا سابق لهما، عن معارضتها للسياسة الأميركية، خصوصا منذ ان اعلن الرئيس بوش تصميمه على الهجوم على العراق.
لكن نفوذ اللوبي الصهيوني وقدرته على التخويف لا تزال على حالها، وقد تغلغلت الى كل دوائر الحكومة، وأيضا الى كل الجامعات ودور العبادة تقريبا. كما نجح اللوبي في اخراس الأميركيين اليهود الكثيرين الذين يعارضون أسالبيه ويستنكرون وحشية دولة الكيان الصهيوني .
لا يمكن بالطبع، في أي شكل من الأشكال، تبرير هجمات 11/9، التي يستحق مرتكبوها أقصى عقاب. لكن من المفيد لأميركا أن تسارع الى تفحص الدوافع بأقصى ما يمكن من عناية. الارهاب دوما وليد مظالم عميقة مؤلمة ، والمؤكد أن ازالتها او على الاقل التخفيف منها يؤدي الى القضاء على دوافعه.
لكن الرئيس بوش حتى اليوم، بعد سنة على 11/9، لم يحاول التعرف على أي مظالم، ناهيك عن البدء بمعالجتها. بل انه في الواقع عمّق من سوء الوضع بدعم الحرب الدينية التي تشنها دولة الكيان الصهيوني على الفلسطينيين، في تحالف ضاعف من مشاعر المعاداة لأميركا. ويبدو انه يغفل تماما ان بليوني نسمة في العالم يعتبرون محنة الفلسطينيين المهمة الأكثر الحاحا أمام السياسة الخارجية.
ليس هناك أي مسؤول أميركي يعترف بالحقيقة - المكتومة عن الشعب الأميركي والمعروفة لكل العالم - في أن أميركا تعرضت لـضربات 11/9 وآثارها الفاجعة، ثم الكوارث التي قد تأتي بها قريبا الحرب المزمعة على العراق، لأن سياسة أميركا في الشرق الأوسط تصاغ في دولة الكيان الصهيوني وليس واشنطن.
دولة الكيان الصهيوني دولة برهنت على احتقارها لكل الشرعات والقوانين ويجب معاملتها حسب هذا الاعتبار. وعلى رئيسنا، بدل مساعدة شارون على مضاعفة تعاسة الفلسطينيين، أن يعلق كل المساعدات الى ان تنسحب دولة الكيان الصهيوني من الأراضي العربية التي احتلتها في 1967. ان تعليق المساعدات سيجبر القيادة الصهيونية على الانصياع أو يؤدي الى اخراجهم من السلطة، اذ لن يقبل الاسرائيليون بسلطة تضعهم في موقف معارض للبيت الأبيض.
اذا اراد بوش سببا اضافيا لاتخاذ هذه الخطوة الصحيحة يمكنه تبرير تعليق المساعدات بكونه ضرورة عسكرية، أي خطوة ضرورية للانتصار في الحرب على الارهاب. وهو يستطيع في هذا المجال الاستشهاد بسابقة مرموقة: فعندما اصدر الرئيس ابراهام لينكولن اعلانه تحرير العبيد، قصر سريان الخطوة على الولايات الثائرة على الاتحاد، مستثنيا الولايات التي لم تشارك في الثورة. وبرر الاستثناء وقتها بأنه (ضرورة عسكرية). خطوة تعليق المساعدات، اذا قام بها الرئيس بوش، ستحرر أميركا من سنين طويلة من خنوعها أمام جرائم دولة الكيان الصهيوني .
المصدر بتصرف: بول فندلي: نائب من إلينوي في الفترة 1961 - 1983، مؤلف ثلاثة كتب تتعلق بالشرق الاوسط، آخرها (لا صمت بعد الآن: الصور الزائفة عن الاسلام في اميركا).
كان وزير الخارجية الاميركي مارشال معارضا" لرئيسه هاري ترومان لجهة قراره الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني. ففي حينه كانت نصيحة مارشال لترومان هي عدم التورط في صراع مرشح للاستمرار لعقود قادمة. وفي النهاية اعترف ترومان بدولة الكيان الصهيوني. ويذهب بعضهم أن ذلك حصل بضغط اللوبي الصهيوني الأميركي. بل أن هنالك روايات عن تلقي ترومان لمبالغ نقدية من الصهاينة دعما" لحملته الانتخابية.
لكن تاثير اللوبي الصهيوني الاميركي بقي محدودا لغاية فترة ايزنهاور الذي طالب دولة الكيان الصهيوني ومعها فرنسا وبريطانيا بوقف العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وكان النفوذ الصهيوني في اميركا قد بدأ بالتصاعد بعد هجرة اليهود الأوروبيين اليها خلال الحرب العالمية الثانية. وهو تعاظم مع مساهمتهم في انتاج القنبلة الذرية التي حسمت مصير تلك الحرب. لكنه لم يبلغ ذروته الا مع بداية السبعينيات مع استقرار السيطرة المالية الصهيونية في أميركا.
تحرير أميركا من اللوبي الصهيوني
لم يكن لهجمات 11/9 أن تحدث لو كانت حكومة الولايات المتحدة رفضت مساعدة دولة الكيان الصهيوني على الحاق أقصى الدمار والاذلال بالمجتمع الفلسطيني. انه استنتاج لا تعبر عنه علناً الا قلة من الأميركيين. لكن الكثيرين يعتبرونه الحقيقة. وأنا على اقتناع بأن كارثة كان يمكن تجنبها لو امتلك أي رئيس أميركي خلال السنين الـ35 الأخيرة ما يكفي من الشجاعة والحكمة لتعليق كل المساعدات الأميركية الى دولة الكيان الصهيوني الى ان تنسحب من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967
اللوبي الصهيوني قوي ومرهوب الجانب. لكن بامكان اي رئيس يتخذ موقفاً حازماً - حتى الرئيس جورج بوش راهناً - التغلب على اللوبي الصهيوني والحصول على تأييد شعبي ساحق لتعليق المساعدات من خلال طرح واضح للحقائق على الرأي العام الأميركي. ان حكومة دولة الكيان الصهيوني الحالية، مثل كل الحكومات السابقة، مصممة على ضم الضفة الغربية ((يهودا والسامرة) حسب العهد القديم) توصلا الى (دولة الكيان الصهيوني الكبرى). ويؤمن متشددو التيار الصهيوني المحافظ، الذي يلعب دورا قويا في السياسة الصهيونية، أن اقامة (دولة الكيان الصهيوني الكبرى) شرط لقدوم المسيح المنتظر. المؤمنون بذلك لا يزالون أقلية في دولة الكيان الصهيوني ، لكنهم شديدو الالتزام والعدوانية وواسعو النفوذ. وهم مصممون، تبعا لقناعاتهم الدينية العميقة، على منع الفلسطينيين من الحصول على دولة في أي جزء من الضفة الغربية.
ذريعة دولة الكيان الصهيوني في هجومها الوحشي على الفلسطينيين هي القضاء على الارهاب، لكن المهمة الحقيقية لقواتها هي توسيع حيز الضم المذكور اعلاه. وهي تعامل الفلسطينيين، تحت غطاء محاربة الارهاب، بأسوا مما تُعامل به المواشي. اذ لا تتقيد بأي اعراف أو قوانين، فقد تم احتجاز المئات فترات طويلة وتعرضت غالبية المحتجزين للتعذيب، فيما تستمر عمليات الاغتيال. وتواصل دولة الكيان الصهيوني خلال ذلك تدمير المساكن والبساتين وأماكن العمل، وتضع مدنا بأسرها، مراراً وتكراراً، تحت حظر التجول الذي يتواصل احيانا على مدى أسابيع. ويتعرض المصابون والمرضى الفلسطينيون المتوجهون الى العلاج الى الاحتجاز ساعات طويلة على الحواجز الأمنية، فيما يصيب سوء التغذية أعداداً متزايدة من الأطفال. لقد أصبحت الضفة الغربية وغزة بمثابة معسكري اعتقال كبرين - وما كان لأي من هذا أن يحدث لولا دعم الولايات المتحدة. وربما يعتقد المسؤولون الاسرائيليون أن تحويل الحياة الى جحيم سيجبر الفلسطينيين في النهاية على مغادرة أرض الآباء والأجداد.
كانت حكومة الولايات المتحدة وقتا ما موضع ود واعجاب العالم، أما اليوم فهي لا تجد في غالبية البلدان سوى الاستبشاع واللعن، بسبب دعمها الغير مشروط لانتهاكات دولة الكيان الصهيوني لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وتعاليم كل الديانات الرئيسية.
كيف تورط الشعب الأميركي في مأزق كهذا؟
الجذر الرئيسي لـ 11/9 يعود الى 35 سنة، عندما بدأ اللوبي الصهيوني في أميركا سعيه الدائب المتواصل النجاح لاخراس أي نقاش عن دور أميركا في الصراع العربي مع دولة الكيان الصهيوني ، وأخفى عن الوعي العام الأميركي الحقيقة البسيطة في أن الولايات المتحدة تقدم دعما هائلا ومطلقا لدولة الكيان الصهيوني .
ومنع هذا النفوذ الخانق للوبي الصهيوني طيلة هذه السنين أي نقاش مفتوح للصراع العربي الصهيوني في صفوف الادارات الأميركية المتعاقبة -وهو ما لمسته في شكل مباشر، بفضل عضويتي في لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب في الكونغرس في 1967، عندما استولى جيش الإحتلال الصهيوني على مرتفعات الجولان السورية، اضافة الى الضفة الغربية وغزة الفلسطينيتين. واستمرت عضويتي 16 سنة، ولا أزال الى الآن أرصد ما يدور في الكونغرس.
خلال كل هذه السنين الـ35 لم أسمع في هذه اللجنة أو في أي من مجلسي الكونغرس كلمة واحدة تستحق أن تعتبر نقاشا لسياستنا تجاه الشرق الأوسط. ولم تطرح أي اقتراحات بتقييد أو خفض المساعدات الى دولة الكيان الصهيوني خلال السنين العشرين الماضية، فيما لم تنل الاقتراحات القليلة التي قدمت في السنين السابقة على ذلك سوى حفنة من الأصوات. ان هناك تحريم شبه تام في الكونغرس على انتقاد دولة الكيان الصهيوني ، حتى في الأحاديث الخاصة، اذ يعتبر الانتقاد عملا منافيا للوطنية ان لم يكن لا ساميّا. وتم ضمان استمرار هذا الحظر على حرية الرأي بعدما واجهت تلك القلة التي كانت تتصدى للموضوع - عضوا مجلس الشيوخ ادلاي ستيفنسن وتشارلز بيرسي، والنواب بول ماكلسكي وسينثيا ماكيني وايرل هيليارد وأنا - هزائم انتخابية على يد مرشحين مولتهم بسخاء القوى المساندة لدولة الكيان الصهيوني .
النتيجة منذ ذلك الحين كانت تلك التشريعات المنحازة الى دولة الكيان الصهيوني والمعادية للفلسطينيين والعرب التي واصل الكونغرس اصدارها سنة بعد سنة. فيما ضمن انحياز وسائل الاعلام الى دولة الكيان الصهيوني استمرار جهل غالبية الناخبين بأن الكونغرس يتصرف وكأنه لجنة فرعية في برلمان دولة الكيان الصهيوني .
لكن هذا الانحياز واضح تماما خارج أميركا، حيث تنقل غالبية وسائل الاعلام انتهاكات دولة الكيان الصهيوني وتدين أميركا عموما بالتواطؤ والرضوخ. ووصل الغضب العالمي تجاه سياسة واشنطن نقطة الغليان عندما استقبل الرئيس بوش رئيس وزراء دولة الكيان الصهيوني ارييل شارون ، المعروف سابقا بـ(جزار بيروت)، واعتبره (صديقي العزيز) و(رجل السلام، بعدما كانت قوات دولة الكيان الصهيوني أكملت تدمير الضفة الغربية الربيع الماضي، مستعملة السلاح الذي تقدمه لها أميركا.
هذا الغضب المتزايد لا يثير استغراب كل من يقرأ الصحف الأجنبية أو يستمع الى اذاعات مثل (بي بي سي)، حيث ندد اسامة بن لادن في تصريحات قبل وقت طويل من 11/9 بتواطؤ أميركا مع دولة الكيان الصهيوني على تدمير المجتمع الفلسطيني، معتبرا ذلك مثارا رئيسيا لعدائه لها. كما عبرت شخصيات أجنبية مرموقة في المنصب وخارجه، بتواتر وحدّة لا سابق لهما، عن معارضتها للسياسة الأميركية، خصوصا منذ ان اعلن الرئيس بوش تصميمه على الهجوم على العراق.
لكن نفوذ اللوبي الصهيوني وقدرته على التخويف لا تزال على حالها، وقد تغلغلت الى كل دوائر الحكومة، وأيضا الى كل الجامعات ودور العبادة تقريبا. كما نجح اللوبي في اخراس الأميركيين اليهود الكثيرين الذين يعارضون أسالبيه ويستنكرون وحشية دولة الكيان الصهيوني .
لا يمكن بالطبع، في أي شكل من الأشكال، تبرير هجمات 11/9، التي يستحق مرتكبوها أقصى عقاب. لكن من المفيد لأميركا أن تسارع الى تفحص الدوافع بأقصى ما يمكن من عناية. الارهاب دوما وليد مظالم عميقة مؤلمة ، والمؤكد أن ازالتها او على الاقل التخفيف منها يؤدي الى القضاء على دوافعه.
لكن الرئيس بوش حتى اليوم، بعد سنة على 11/9، لم يحاول التعرف على أي مظالم، ناهيك عن البدء بمعالجتها. بل انه في الواقع عمّق من سوء الوضع بدعم الحرب الدينية التي تشنها دولة الكيان الصهيوني على الفلسطينيين، في تحالف ضاعف من مشاعر المعاداة لأميركا. ويبدو انه يغفل تماما ان بليوني نسمة في العالم يعتبرون محنة الفلسطينيين المهمة الأكثر الحاحا أمام السياسة الخارجية.
ليس هناك أي مسؤول أميركي يعترف بالحقيقة - المكتومة عن الشعب الأميركي والمعروفة لكل العالم - في أن أميركا تعرضت لـضربات 11/9 وآثارها الفاجعة، ثم الكوارث التي قد تأتي بها قريبا الحرب المزمعة على العراق، لأن سياسة أميركا في الشرق الأوسط تصاغ في دولة الكيان الصهيوني وليس واشنطن.
دولة الكيان الصهيوني دولة برهنت على احتقارها لكل الشرعات والقوانين ويجب معاملتها حسب هذا الاعتبار. وعلى رئيسنا، بدل مساعدة شارون على مضاعفة تعاسة الفلسطينيين، أن يعلق كل المساعدات الى ان تنسحب دولة الكيان الصهيوني من الأراضي العربية التي احتلتها في 1967. ان تعليق المساعدات سيجبر القيادة الصهيونية على الانصياع أو يؤدي الى اخراجهم من السلطة، اذ لن يقبل الاسرائيليون بسلطة تضعهم في موقف معارض للبيت الأبيض.
اذا اراد بوش سببا اضافيا لاتخاذ هذه الخطوة الصحيحة يمكنه تبرير تعليق المساعدات بكونه ضرورة عسكرية، أي خطوة ضرورية للانتصار في الحرب على الارهاب. وهو يستطيع في هذا المجال الاستشهاد بسابقة مرموقة: فعندما اصدر الرئيس ابراهام لينكولن اعلانه تحرير العبيد، قصر سريان الخطوة على الولايات الثائرة على الاتحاد، مستثنيا الولايات التي لم تشارك في الثورة. وبرر الاستثناء وقتها بأنه (ضرورة عسكرية). خطوة تعليق المساعدات، اذا قام بها الرئيس بوش، ستحرر أميركا من سنين طويلة من خنوعها أمام جرائم دولة الكيان الصهيوني .
المصدر بتصرف: بول فندلي: نائب من إلينوي في الفترة 1961 - 1983، مؤلف ثلاثة كتب تتعلق بالشرق الاوسط، آخرها (لا صمت بعد الآن: الصور الزائفة عن الاسلام في اميركا).