بحث هذه المدونة الإلكترونية

2015-04-17

متى ولماذا بدأت الحرب على سوريا؟


متى ولماذا بدأت الحرب على سوريا؟
- مع تفكك الاتحاد السوفييتي اصبح مشروع اقامة امبراطورية طائفية مترهلة تمثل كل انواع التخلف والهمجيه وتقف بوجه روسيا والصين جاهزا وبدأت الحضيرات له، وهذا مايفسر موقف روسيا والصين من الحرب على سوريا حاليا.

- ممالك اليهود في الجزيرة العربية ومشايخهم وضعوا كل امكانياتهم في اعادة الامبراطورية العثمانية لتقف بوجه اي تطور واي تقدم للفكر الاسلامي العالمي الذي يمثله الاسلام الحقيقي البعيد عن التعصب والايديولوجيات الطائفية والمذهبية السياسية، كان الهدف هو الابقاء على الاسلام الذي يعتمد على الفتاوى الطائفية وسيطرة ولي الامر، لكن اصطدم المخطط ببنية المجتمع السوري ووجود فكر اسلامي متنور عند معظم مكونات الشعب السوري الذي استعصى على الانجرار وراء العصابات والمخططات الاستعمارية و هذا الفكر الاسلامي المتنور يكن كل محبة وصداقة للدين المسيحي وللمؤمنين به الذي يشكل ايضا مكونا هاما في المجتمع العربي السوري.

- سوريا هذه بتنوعها الديني والعرقي شكلت نسيجا كان من الصعب اختراقه وكان يمتلك مقومات حضارية غارقة في القدم تمنعه من التصرف بشكل حاقد او بردود افعال حيوانية على عكس ما كانت عليه مجتمعات مسلمو الدونمة في الجزيرة العربية، هذه المواصفات ادركها الغرب الامريكي فكان قرار حرب الابادة.

- القرار الامريكي بالحرب هو قرار مشابه لحربه ضد الهنود الحمر.

- اعتبر الامريكيون ان الاسلام المتنور الشامي يشكل خطرا على مخططهم الذي يعتمد في الدرجة الاولى على الدين التكفيري وهذا مرفوض عند سنة اهل الشام فقرر التخلص من التيار السني المعتدل من خلال حربه الطائفية .

- كان القرار الرئيسي هو التخلص بشكل نهائي من الاسلام العلوي لما له من تأثير في الاعتدال السني كون الاسلام العلوي هو اسلام ذاتي وجداني خاص لايتدخل في معتقدات الاخرين وهذا الاسلام هو من القدم بحيث ترك بصماته عبر التاريخ في بلاد الشام.

- فكانت الحرب الاولى الامريكية هي حرب تدمير على الطائفة العلوية تم اخراجها وفق شعار تغيير النظام ولم يكن قط هذا الشعار لإسقاط رئيس النظام بل كانت المقدمة هي كذلك ثم تتلوها ان نجحت عملية التدمير للاسلام العلوي والذي يعقبه تدمير الاسلام السني .

- فشلت مؤامراتهم وسقطت كل اعداداتهم وخسئوا وصمد مسلموا اهل الشام الحقيقيون وصمد معهم كل اهل سوريا على اختلاف اديانهم واعراقهم ومذاهبهم وبقيت سوريا موحدة تواجه هذه الهجمة العالمية الشرسة.

 مقال من جريدة الوطن العمانية نشر في اواخر الشهر الاول من هذا العام 2015 تحت عنوان:
المؤامرة على سورية مستمرة
أطلقت الولايات المتحدة صفة المعارضة المعتدلة في سورية دون أن تسميها، وقررت أن تفرز لها أكثر من ألف ومائة من قواتها من أجل تدريبها تحت شعار مقاتلة ” داعش”، هي نظرية الأخطاء المستمرة التي دأبت عليها منذ أن تآمرت واشنطن ومن معها من دول أخرى غربية وإقليمية وعربية على تدمير سورية التي باتت أزمتها على مشارف العام الخامس دون أي أمل بتسوية سلمية بدل تلك الرغبات القاتلة التي تتجدد لديها والآخرين.

أكثر من ثلاثة ملايين منزل دمر في سورية حتى الآن، وعشرات آلاف الشوارع تحولت إلى أنقاض، وربما تجاوز عدد الشهداء أكثر من مائتي ألف، بينهم ثمانون ألفا تقريبا من الجيش العربي السوري، فإذا أضفنا إليها الخراب الاقتصادي والتراجع الكبير في قوة الليرة السورية، ثم إذا أخذنا بعين الاعتبار الخربطة الداخلية للسكان من نزوح وهجرة داخلية وخارجية وصل إلى حدود تسعة ملايين، كما هي الإحصاءات، ثم والأهم ماولدته تلك الحرب اللعينة في النفوس من آلام، وما ستتركه من بصمات مؤلمة على أكثر من جيل، بل يرشح بعض الأطباء أن تصاب تلك الملايين التي تقطن الخيام الكرتونية في كل من الأردن ولبنان وتركيا والعراق، أن يصاب أكثر من قاطنيها من المهجرين بالروماتيزم، فإن سورية تقف اليوم على حجم كبير من التخريب، جله صناعة خارجية ممولة ومدعومة من الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها.

المصاب السوري الأليم يزيد مع دورة اليوم، وبشاعة المؤامرة المدبرة من أهل الحقد، إنما هي العامل الأساسي الذي يزيد من حجم المأساة. واللعبة الأميركية الخطرة في هذا المجال، إنها في الحين الذي يصرح أحيانا الرئيس الأميركي بأن لاحل في سورية سوى الحل السياسي، نسمع بين حين وآخر، جملا من تابعين، كأن يقول الرئيس التركي إنه لن يتراجع حتى يصلي في الجامع الأموي، ونسمع بعض العرب يقولون الشيء ذاته وبعضهم يريد الصلاة في هذا الجامع الدمشقي أو ذاك، مع أن الحكومة السورية لم تحظر على هؤلاء تحقيق رغبتهم التي كان بإمكانهم تحقيقها وفي ظل ترحيب وحفاوة سورية كريمة وبدون هذا التدمير وهذا التخريب وهذا القتل.

هنالك في الريف السوري إذن دمار هائل، وفي العديد من المدن السورية والبلدات الشبه ذاته، فلقد اخترعت هذه الحرب المجنونة على القطر العربي السوري لكي لاتترك بلدا اسمه سورية مثلما كان آمنا مستقرا وادعا، يأكل أهله بما يزرع دون حاجة لغذاء خارجي، ويصنع أهله مايحتاجه دون أية صناعة خارجية، الدولة تقدم لشعبها حاجاته الأساسية من تعليم وطبابة بالمجان تماما، ونكاد نقول أن سورية هي البلد الوحيد في العالم الذي لم يكن عليه دين. هذا النموذج من الدول المستقلة تماما لايروق للأميركي والإسرائيلي وبعض العربي والآخر الغربي، ففي زمن التبعيات لايجوز الاستقلال والقرار الذاتي، لهذه الأسباب مجتمعة ضربت سورية، فإذا أضفنا إليها الموقف السوري الوطني والقومي، والممارسة المقاومة وجزء من دول الممانعة المعروفة، نعلم بالتالي السبب الذي أدى إلى هذا التدمير المنهجي لها، وإذا قرأنا طبيعة الحرب التي شنت على المساحة الجغرافية السورية ومنهجيتها في تحقيق الإصابات القاتلة فيها ندرك أبعاد تلك المؤامرة وخلفياتها.

سوريه..كيف وقعت الجريمة ضد الإنسانية ؟

سوريه..كيف وقعت الجريمة ضد الإنسانية ؟

كاليب ماوبين/ صحفي و محلل سياسي أميركي.
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونيه
ترجمة: رندة القاسم:

لا يمكن لأحد الادعاء بأن سوريه قبل 2011 كانت جنة سحريه، فكحال معظم دول العالم ، كان هناك اختلافات حول الآراء السياسية و سياسة الحكومة. و الكثير من السوريين كانوا يدعمون حزب البعث أو أحد الأحزاب التي في صفه، بينما يدعم آخرون قوى سياسية أخرى. و بالتأكيد كان لدى السوريين انتقاد لطريقة عمل المجتمع، مع انتشار إجماع على ضرورة القيام ببعض الإصلاحات في البلد لتتماشى الدولة مع الاقتصاد العالمي المتغير.
و لكن قبل 2011 ، نادرا ما كان السوريون يقتلون أنفسهم . و كان بإمكانهم التجول في شوارع حلب و دمشق دون توقع انفجارات أو نيران قناصة. و كانوا يعثرون على الطعام فوق رفوف المحال التجارية دون أن تكون مدنهم تحت الحصار. لم يعش السوريون الخوف من تعرض أطفالهم للخطف مقابل الفدية أو تفجير مدارسهم من قبل مجموعات دينية متطرفه.
ما حدث لسوريه بين عام 2011 و اليوم لايقل عن كونه جريمة ضد الانسانيه. اذ خلق تمرد وحشي و تم تمويله، و تم دعم و إطالة أمد حرب أهلية شنيعة ، حرب ما كان يمكن أن تقع لولا رعايتها من قبل قوى أجنبية سمحت لها بأن تتطور لتغدو أكبر أزمة إنسانيه في عصرنا.
و ما حدث ليس مجرد صدفة، و هو ليس مثالا آخر عن نقص الطبيعة البشريه. فكحال الابادة البلجيكية في كونغو، و كثير من المجازر ضد شعوب مسالمة في فيتنام وفلسطين ووو ... ، هو عمل متعمد قامت به قوى تتعمد إلحاق الأذى و الضرر بضحايا أبرياء عاجزين.
كيف تمت تلك الجريمة ضد الانسانيه؟
1- حملة اعلامية مضللة: منذ بدء القتال عام 2011، و وسائل الاعلام الغربية تنشد لازمة "الأسد يجب أن يرحل". و قامت كل من FOX و MSNBC و BBC بنشر ادعاءات "المعارضة" دون سؤال، في وقت تجاهلت أفعال المتمردين المسلحين المعادين للأسد. و كانت رواية وسائل الاعلام الغربية حول "الثورة السوريه" من أجل "حقوق الانسان"، و صورت الحكومة السورية على أنها قمعية و مستبدة، بينما بدا المتمردون مقاتلي حرية خيرين و رومانسيين.
2- خلق مناطق قاعدة للمتمردين: سمحت تركيا و الأردن، حليفتا الولايات المتحدة، للمتمردين بالعمل على ترابهما و استخدام حدودهما للعبور الى سوريه. و أضحى مخيم الزعتري في الأردن، الممون بشكل جيد من قبل الأمم المتحده، مركزا تطويعيا للمتمردين السوريين. لقد استخدموه من أجل التجمعات السياسية و التجنيد. و قام الجيش الأردني بتدريب المتمردين. و على الحدود التركية ، أسست مجموعات متمردة متنوعة مناطق قاعدة لانطلاق العمليات.
3- توفير السلاح و التمويل: بدأ تمويل المتمردين من قبل الأنظمة الموالية للولايات المتحدة في المنطقة. اذ قامت الأردن و تركيا و السعودية و قطر و عمان و الامارات العربية المتحدة بتزويد المجموعات المتمردة بالمال و السلاح، و سريعا ما انضمت اليهم الولايات المتحدة و فرنسا و بريطانيا. و تدفق الأموال من الدكتاتوريات الموالية للولايات المتحدة الى ارهابيي سورية كان مستمرا، و التأثير مشابه لما يحدث عندما تصب برميل بنزين على شعلة نار صغيرة، اذ توسع صراع صغير بشكل مضاعف. و الى سوريه ذهب السيناتور الأميركي جون ماكين و مسؤولون أميركيون آخرون رفيعو المستوى للقاء المجموعات المسلحة. و من الواضح للجميع أن العامل الأساسي في هذا الصراع يكمن في تدخل القوى الأجنبية التي تملك تاريخا في معارضة الحكومة السوريه.
4- تجنيد مقاتلين أجانب: الكثير من قوى التمرد الساعية لإسقاط الجمهورية العربية السورية غير سوريه على الإطلاق. فشبان من الأردن و قطر و ليبيا و دول أخرى عديدة وجدوا بين المتمردين، و تم اعتقال متطرفين تكفيريين من بلدن بعيدة مثل ماليزيا. و أكدت الأمم المتحدة أن المتمردين السوريين يقومون بشكل فعال على تطويع جنود أطفال للمساهمة في جهودهم، و الكثير من هؤلاء الأطفال قدموا من بلدان بعيدة. و زود أطفال فقراء من العالم العربي و أماكن أخرى بالسلاح و المال و مبادئ دينية ثم نقلوا الى سوريه للمشاركة في "حرب مقدسة " ضد الحكومة.
5- تهديد القوة العسكرية ضد الحكومة السوريه: عام 2013 هددت الولايات المتحدة بتدمير سوريه بصواريخ كروز، اذ استغلت ادعاءات من قبل الاعلام الغربي حول استخدام أسلحة كيماوية لتبرير التهديد بضربات عسكرية أميركية. و بعد سلسلة من الاجراءات الدبلوماسية من قبل روسيا و الصين، لم تقم الولايات المتحدة و الناتو بالهجوم. و أجبرت سوريه على تسليم سلاحها الكيماوي و الانضمام الى منظمة حظر السلاح الكيماوي. و لكن القوى المتمرده لم تجبر على تسليم سلاحها الكيماوي، و الذي استخدمته عدة مرات وفقا لتقرير كارلا ديل بونتيه للأمم المتحدة.
6- اختلاف "المعارضه" : المعارضة السورية تتصف بأي شيء عدا أنها متحدة. الجيش السوري الحر، جبهة النصرة، الدولة الإسلامية ، و الكثير من الفصائل التي لا تحصى ، تتلقى الدعم من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الوسط. و هذه الفصائل لا تقاتل الحكومة السورية فحسب، و لكن تقاتل بعضها البعض أيضا. فعندما يسيطر المسلحون على منطقة لا يحل السلام وفقا للنظام الجديد بل المعارك بين مجموعات متمردة متناحرة تملك فهما مختلفا للفكر التكفيري السني.
7- ضربات جوية اسرائيليه: شنت اسرائيل هجمات عسكرية ضد سوريه. هذه الضربات الجوية استهدفت الحكومة السوريه و كذلك متطوعين من حزب الله اللبناني قدموا الى سوريه لمساندة الحكومة السوريه.
نتائج كل هذه العوامل مجتمعة تمثلت بمقتل مائتي ألف شخص على الأقل و هروب أكثر من ثلاثة ملايين كلاجئين. و أضحت الحياة في سوريه لا تحتمل بالنسبة لمعظم سكانها. و الى متى سيستمر ذلك؟ فالناس تموت كل يوم. و الحرب المصنعة يطال أمدها.
الذي يحدث الآن لا علاقة له على الإطلاق بالاحتجاجات ضد الحكومة السورية خلال الربيع العربي 2011. هذه الأحداث الآن إضافة تاريخية، فالتمرد الواقع بشكل ساحق تحت سيطرة متطرفين مسلحين، لا تلاميذ علمانيين مؤيدين للغرب، يحاول إسقاط الجمهورية العربية السورية.
عملت الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا على شيطنة القائد السوري بشار الأسد بالدعوة الى "الديمقراطية".غير أن القوى التي وقفت الى جانبها ضد سوريه ليست ديمقراطيه، و تقريبا كل المجموعات المتمردة السوريه تدعو لخلق حكومة دينية أوتوقراطية. و الأكثر من ذلك، قائمة حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عبارة عن مجموعة من أكثر الأنظمة قمعية و دكتاتورية على وجه الأرض. فالمملكة السعودية تضرب أعناق الناس يوميا و غالبا بسبب جرائم مثل "اهانة الملك" أو "الشعوذة". و هناك ممارسات مشابهة في الأنظمة الاستبدادية في عمان و الإمارات العربية المتحدة و قطر و الأردن.
و بينما ادعى القادة الغربيون بان الانتخابات السورية الحديثة ليست شرعية، تجاهلوا عدم وجود انتخابات على الإطلاق في السعودية و مملكات ديكتاتورية أخرى حليفة للولايات المتحدة.
سورية بلد ذو غالبية سنية، و لكن يوجد أيضا مسيحيون و علويون و مجموعات دينية أخرى تمارس حريتها الدينيه. و اذا انتصر المتطرفون ستختفي حرية العبادة هذه . و المقاتلون السوريون المعادون للحكومة يرددون دائما عبارة " الموت للعلويين و طرد المسيحيين" في كل اجتماعات و مظاهرات لهم. و في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم يضربون أعناق الناس بسبب الإساءة للدين أو التفوه بكلمات تعارض المجموعة المتطرفة العنيفة المسيطرة.
تنتشر صورة وجه بشار الأسد عبر المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة الحكومة، و الرئيس الأسد أضحى رمز سوريه التي كانت يوما موجودة، حين لم تكن البلد مقسمة من الحرب. و انضم للجيش العربي السوري الدفاع الوطني و متطوعون من حزب الله في القتال ضد متمردين مدعومين من الخارج.
الجريمة لاتزال مستمرة كل دقيقة، و متطرفون ارهابيون مخبولون يشقون طريقهم عبر سوريه في اللحظة التي تقرأ بها هذه الكلمات. و تدفع أجور أسلحتهم و تدريبهم العسكري و نقلهم من أموال دافعي الضرائب في الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا و كذلك السعودية و قطر و عمان و الأردن .
لقد دمرت مشافي و مدارس و جوامع و كنائس ، واختطف أطفال و ذبح مواطنون أبرياء.و يجبر الناس على الهرب من منازلهم، و يعذب الأسرى و تقطع رؤوسهم.
الى متى سيستمر هذا؟ الأخلاق الإنسانية الأساسية تقول بوجوب اتخاذ عمل لايقاف ما تقوم به واشنطن و لندن و تل أبيب و وول ستريت في سوريه. فجريمة ضد الانسانية ترتكب الآن، و يجب القيام بشيء ما.


2015-04-15

تحميل كتاب حكومة العالم الخفية . لـ [شيريب سبيريدوفيتش].


تحميل كتاب حكومة العالم الخفية . لـ [شيريب سبيريدوفيتش].
 ترجمة مَأموُن سَعيد
تحرير وتقديم أحمَد رَاتب عَرموش
صدر من دار النفائس
إضغط على الكتاب لتحميله:

كتاب حكومة العالم الخفية [شيريب

مقدمة
{... وَيـَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64]

المؤلف والكتاب
مؤلف هذا الكتاب ، كما قدمه ناشر الطبعة الإنكليزية، هو شيريب سبيريدوفيتش Cherep Spiridovich، سليل أسرة نبيلة تتحدر من أصل اسكندنافي، وجدُّه الأعلى هو الأمير رورك Rurik الذي استدعاه السلافيون عام 862م إلى نوفجورود Novgorod حيث أسس أسرة حاكمة أعطت لروسيا اسمها.
وقد اتصف سبيريدوفيتش (بغيرة روحية دافقة هي نتاج التقاليد الإسكندنافية التي ورثها، والتعليم الخاص الذي لُقِّنه والتدريب الذي نشأ عليه. وامتاز بموهبة عجيبة في التأليف، وقدرة خارقة على الحفظ، الأمر الذي يسّر له جمع معلومات وافرة عن مواضيع مختلفة. وتضافرت هذه العوامل كلها على خلق فهمه لمتطلبات الحاضر من خلال قدرة معجزة على التنبؤ بالمستقبل) بحسب قول ناشر الطبعة الإنكليزية.
أما ما يقوله مؤلف الكتاب في كتابه، بعدما ذكر أنه لم يُضع الوقت في تحسين أسلوبه الإنكليزي، واعترف بقصور عباراته (ص 29 من الطبعة الإنكليزية) فهو الآتي : ’’وربما كان ممكنـًا تدارك كثير من عيوب هذا الكتاب لولا فقدان الشجاعة والوطنية بين الناشرين الأميركيين، وضعف مواردي الخاصة، مما اضطرني إلى اختصار المادة، وترتيبها لا في أفضل صورة، وإنما في أكثرها اقتصادًا. ومن هنا جاءت الطريقة (التلغرافية) في الكتابة، وفقدان الترابط المنطقي المتسلسل للفقرات، والأسلوب المتكلف والمصطنع. وكان هدفي الرئيس تجميع الحقائق وعرضها على الناس بسرعة قصوى ما وجدت إلى ذلك سبيلاً‘‘.
وهذا الكلام من أفضل ما يوصف به الكتاب، فهو معين لا ينضب من المعلومات عن أهم حوادث التاريخ الحديث، وأشهر القادة والرؤساء العالميين، جمعها المؤلف وحشرها في 195 صفحة باللغة الإنكليزية من دون تبويب أو ترتيب، فقد وضع لكل صفحة عنوانـًا وذكر فيها ما سمحت له الظروف أن يذكره، فنراه يتكلم في صفحة ما على (الحكومة العالمية) ثم ينتقل إلى الحديث في الصفحة ذاتها، أو في التي تليها، عن دور الروتشيلديين في فرنسا، ثم يقفز مباشرة إلى الحرب الأهلية الأميركية، كل ذلك لا يجمعه أي رابطة منطقية أو تصنيف معين، فلا الأحداث متسلسلة تاريخيًا، ولاهي مرتبة بحسب الدول أو المواضيع، وقد يعيد في صفحة ما، تحت عنوان معين، ما ذكره في صفحة أخرى تحت عنوان آخر.
ونظرًا لأهمية المعلومات التي وردت في الكتاب والتي تعطي فكرة واضحة عن خلفية الأحداث الغامضة، والقوى المحركة وراء كل حدث عجز الناس عن إيجاد تفسير منطقي له، وكي تغدو هذه المعلومات سهلة التناول، فقد عمدنا إلى ترجمة الكتاب ثم تصنيف المعلومات المهمة التي وردت فيه بحسب مواضيعها، بعدما اختصرنا ما وجدنا ضرورة لاختصاره، وأغَفلنا ما لا علاقة له بالموضوع أو كان مكررًا.
ولئن كان الكتاب ’’جلُّه عن اليهود فهو لم يوضع في الأساس ضدهم‘‘، كما ذكر ناشر الطبعة الإنكليزية في بداية مقدمته، لكن كتابته ’’بوحي من الضمير‘‘ على حد قول المؤلف، جعلت الكتاب بمجمله يأتي ضد اليهود، ويجعل الحل الوحيد لمشاكل العالم في القضاء عليهم {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: الآيـة 118].
وقد اختار المؤلف لكتابه العنوان الآتي : (حكومة العالم السرية) أو (اليد الخفية) [The Secret World Government] or [The Hidden Hand] وكتب على الغلاف (اقرأ هذا الكتاب فيتغير العالم في نظرك) و (توضيح مائة حدث تاريخي غامض).
وينطلق المؤلف في كتابه من قناعة كاملة بوجود هيئة يهودية لها صفة عالمية، قدَّر عدد أفرادها في أوائل القرن العشرين بثلاثمائة رجل يهودي يرأسهم أحدهم، نظامهم ديكتاتوري استبدادي، ويعملون وفق خطة قديمة مرسومة للسيطرة على العالم، فهم عبارة عن حكومة خفية تحكم الشعوب بوساطة عملائها، ولا تتوانى عن قتل كلِّ مسؤول أو تحطيمه إذ يحاول الخروج عن طاعتها أو يقف حجر عثرة في سبيل تنفيذ مخططاتها. ولها من النفوذ والقدرة – في نظره – ما يجعلها قادرة على إيصال أيِّ (حقير) إلى الزعامة وقمة المسؤولية وتحطيم أيِّ قائد حينما تشاء. ويشرح في كتابه دور هذه الحكومة في الأحداث والثورات والحروب العالمية لغاية سنة 1928.

المنظمة السرية
وما يسنده المؤلف إلى (حكومة العالم الخفية) شبيه بما يسنده (وليام غاي كار) في كتابه (أحجار على رقعة الشطرنج) إلى (النورانيين)، بينما يؤكد كتَّاب آخرون أن قيادة الماسونية العالمية – ويعطونها أسماء مختلفة – هي عبارة عن حكومة سرِّية عالمية تتحكم في شعوب العالم، من وراء ستار، حتى إن شيريب سبيريدوفيتش نفسه يقول في الصفحة 56 من الطبعة الإنكليزية، لهذا الكتاب : ’’يؤكد م.كوبند ألبنسلي M. Copind Albancelli أن القوة الخفية التي تتحرك من خلف الماسونية هي الحكومة السرية للشعب اليهودي...‘‘.
وهكذا نلاحظ أن الجميع يدورون حول فكرة وجود منظمة سرية عالمية، يختلفون في أسمائها، لكنهم ينسبون إليها الأعمال نفسها. ونرى بعضهم موضوعيّـًا في بحثه، يورد الحوادث ويستنتج منها أمورًا يقبلها العقل، بينما يظهر (الهَوس) في كتابات آخرين، فيعزون كل حدث عالمي لا يجدون له تفسيرًا إلى تلك (القوة الخفية) حسبما يسميها كل منهم.
وكي لا ننجرف نحن أيضًا وراء هؤلاء (الآخرين)، ونضيع في متاهات الاستنتاجات والمعلومات التي يقدمونها لنا، يجدر بنا أن نقف قليلا لنحدد، ولو بشكل استنتاجي، ماهيّة ودور هذه (القوة) التي لا نستطيع أن نعطيها اسمًا معينًا حتى الآن:
1- فمما لا شك فيه، وهذا أمر ثابت تاريخيًّا، أنه ظهر، خلال حقب التاريخ المختلفة، جمعيات سرية كانت تغرق في السرية (والرمزية) كلما ازداد أعداؤها في اضطهاد عناصرها وظلمهم.
2- وكثيرًا ما تعرضت هذه الجمعيات لافتضاح أمرها واعتقال أفرادها، ومن ثم شيوع طرائق تنظيمها وإفشاء أسرارها.
3- ومن الطبيعي أن التنظيمات اللاحقة تستفيد من أخطاء التنظيمات السابقة وتتأثر بها وتتحاشى هنّاتها ولو تغيرت الغايات والأهداف، فإذا ما تشابهت الأهداف فمن الطبيعي أن تتشابه (الرموز) و(الطقوس) وربما التسميات.
4- ومن المعروف تاريخيًّا أنه كان لليهود دولة بمعنى الدولة، في زمن النبي سليمان عليه السلام فقط([1])، ومنذ سنة 587 قبل الميلاد، حينما أغار بختنصر على مملكة يهوذا وساق أهلها أسرى إلى بابل، لم يستطع اليهود إقامة دولة على الرغم من محاولاتهم المتكررة التي كان يعقب كلا منها تشتت جديد وتشرُّد في مختلف أنحاء العالم، وهناك في بابل (في الأسر) اخترع زعماؤهم فكرة (الوعد) ورسَّخوا في أذهانهم خرافة (شعب الله المختار) ليحافظوا على وحدة الشعب وصفائه العنصري ويعيدوا إليه ثقته بنفسه([2]).
5- لذا لا يستبعد عقليًّا أن يعمد اليهود إلى تأسيس جمعية سرية تعمل على تحقيق أهدافهم، بل أكثر من ذلك، لا يستبعد تشكيلهم لحكومة عالمية سرية، تتألف من قادتهم ذوي الأطماع الكبيرة في السيطرة على شعوب العالم، التي يسمونها (غوييم)، وهم الذين يعتقدون أن اليهود (شعب الله المختار)، وهذا ما يجعلنا لا نستغرب، بل نميل، إلى الاعتقاد بأنه يوجد لليهود (حكومة عالمية سرية) لا وطن لها ولا أرض ولا سلطات، وهم الذين قضت عليهم طبيعتهم أن لا تكون لهم حكومة فعلية أو وطن أو أرض ودولة.
6- لكن يجدر بنا أن نتساءل، ما هو مدى سيطرة هذه المنظمة السرية أو (الحكومة الخفية) على الحكومات الحقيقية، وعلى التنظيمات العالمية، وبخاصة تلك التي ارتبط اسمها بالصهيونية العالمية، وأخص بالذكر (الماسونية).

الماسونية
هنا نترك الجواب لأحد كبار الماسون العرب في معرض دفاعه عن الماسونية. يقول الأستاذ فؤاد فضول، في كتابه (الماسونية خلاصة الحضارة الكنعانية) [ص37] ، نقلا عن جان أبي نعوم وهو من كبار الماسون أيضًا: ’’من هنا ساد الاعتقاد أن البنَّاء الحرَّ الأول كان كنعانيًّا، وأن البنَّائية( [3] ) هي بنت الحضارة الكنعانية، وهي قديمة قدم الإنسان، والصهيونية دخيلة عليها ومتجنية فكريًّا وعمليًّا ودينيًّا‘‘، ثم يفرد الأستاذ فضول فصلا مستقلا تحت عنوان (تسلل الصهيونية) – إلى الماسونية طبعًا – ومما يقول فيه : ’’ورب قائل لا يهمنا الماضي بل يهمنا الحاضر. وحاضر البنائية يظهر علاقة البنائية بالصهيونية. لمثل هذا نقول : إن التنكر للماضي هو تنكر للمستقبل ونحن نرفض بشدة قبول الأمر الواقع، ونعمل لتصحيح الحاضر‘‘.
إذًا، فالحد الأدنى من علاقة الماسونية بالصهيونية، الذي لا يختلف عليه الماسون مع غيرهم، هو تسلل الصهيونية إلى الماسونية واستغلالها. وحتى يصحح الحاضر فليس هنالك اختلاف في علاقة الماسونية بالصهيونية.
لكن فئة كبيرة من الناس تجزم بأن الماسونية بجميع محافلها تدار عن طريق التسلسل من قبل قيادة يهودية لا يدخلها غير اليهود، ومن هؤلاء مؤلف كتابنا هذا. أما الأستاذ عبد الرحمن سامي عصمت([4]) فيقسم الماسونية إلى ثلاث فرق:
الفرقة الأولى : هي الماسونية الرمزية العامَّة ذات الدرجة (33)، وهي الشائعة في جميع الأقطار، وسميت عامة لأنها للناس كافة على اختلاف أديانهم. ولها ثلاث درجات أعلاها الدرجة (33) ويسمى حاملها (أستاذًا أعظم).
الفرقة الثانية : هي الماسونية الملوكية (العقد الملوكي)، وهي متمّمة للفرقة الأولى، ويُقبل فيها الأساتذة الأعاظم الحائزين على الدرجة (33) ممن أدَّوْا خدمات جلي لتحقيق أهداف الماسونية، لكن لا يجوز لهؤلاء أن يتعدَّوا المرتبة الأولى فيها، وهي مرتبة الرفيق، إذا كانوا من غير اليهود.
الفرقة الثالثة : هي الماسونية الكونية ، وهذه لا يعرف رئيسها ولا مقرّها أحد، سوى أعضائها من رؤساء محافل (العقد الملوكي) وكلهم من بني يهودا. ولهذه الماسونية محفل واحد لا يتعدد.
وهذه الفرقة تصدر تعليماتها إلى محافل العقد الملوكي، وعن طريق هؤلاء تصل الأوامر إلى محافل الماسونية الرمزية. (انتهى ما اقتبسناه من كتاب الصهيونية و الماسونية).
ويؤكد الرأي الأخير ما كتبته مجلة القوات المسلحة بالقاهرة في العدد رقم 421 سنة 1964 :
’’ احتفل في فلسطين المحتلة بوضع حجر الأساس لأكبر محفل ماسوني في العالم، وقد تحدث في هذه المناسبة الحاخام الإسرائيلي فقال بالحرف الواحد:
أيها الأخوة الماسون من كل بلاد العالم، نحتفل اليوم بوضع الحجر الأساس لأكبر محفل ماسوني في العالم، وسيضيء الطريق أمام الماسونية لتحقيق أهدافها. إننا جميعًا نعمل من أجل هدف واحد، هو العودة بكل الشعوب إلى أول دين محترم أنزله الله على هذه الأرض، وما عدا ذلك فهي أديان باطلة(!) أديان أوجدت الفُرْقة بين أهل البلد الواحد وبين أيِّ شعب وآخر ... ونتيجة لمجهوداتكم سيأتي يوم يتحطم فيه الدين المسيحي والدين الإسلامي ويتخلص المسلمون والمسيحيون من معتقداتهم الباطلة المتعفنة، ويصل جميع البشر إلى نور الحق والحقيقة.
أيها الأخوة الماسون:
فلتجعلوا من هذا المحفل قبلة لمحافلكم. قبلة تتجهون في صلواتكم إليها إذا أردتم الخير لهذا العالم وإذا أردتم الخير لأنفسكم ...‘‘
كذلك فقد نشرت الصحف بعد الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1967 خبرًا يفيد بأن المحفل الماسوني البريطاني تقدم بطلب إلى بلدية القدس يطلب فيه شراء المسجد الأقصى لإقامة هيكل سليمان مكانه.
لكن يجب أن لا ننسى، إنصافـًا للناس، أن نشير إلى أن معظم ماسونيي بلادنا، إن لم نقل كلهم، لا يعرفون هذه الحقائق، فهم جميعهم مهما ارتفعت درجاتهم، يعتبرون في الدرجات الماسونية الدنيا، وبذلك يبقون خارج المخططات العالمية. ومنهم من يترك الماسونية عندما يسمع هذا الكلام عنها، ومنهم من يكابر على أمل يختلف بين واحد وآخر...
أما مدى نفوذ هذه المنظمة السرية، أو (حكومة العالم الخفية)، كما يريد مؤلفنا أن يسميها، على الحكومات الفعلية فهذا ما يختلف بين حكومة وأخرى، فقد يصادف أن يكون رئيس دولة ما عضوًا في بعض هذه المنظمات، بينما يمكن أن يكون رئيس آخر عدوًا لدودًا لها. كذلك فإن قوتها الفعلية أمر فيه نظر. والذي نعتقده أن ما يكتب ويذاع فيه الكثير من التهويل والمبالغة. وذلك مما يرضي قادة تلك المنظمات ويجعلهم يضحكون في سرهم مما يكتب ويذاع، وهم أعرف بأنفسهم، بل ربما ساعدوا على زيادة التهويل والتشويش ضمن مخطط مدروس لحرب نفسية مركزة.
لكننا في الوقت عَينِه يجب أن لا نقلل من أهمية دور هذه المنظمات وما قدمته وتقدمه للصهيونية العالمية، ف "إسرائيل" ليست وليدة المصادفة بل هي نتيجة تاريخ طويل من العمل الدؤوب المركز، ومخطط رهيب تمَّ تنفيذه على مراحل، ودفع اليهود ثمنه من أموالهم ودمائهم ورجالهم.

اليهود
وهذا يقودنا إلى الحديث عن أصل اليهود والتاريخ اليهودي، والأسلوب الذي اتبعوه حتى وصلوا إلى فلسطين وأقاموا دولة (مؤقتة) فيها، سنبيّن فيما بعد لماذا (مؤقتة).
فاليهود حاليًا يقسمون إلى قسمين: ساميين وأشكيناز (غير ساميين). واليهود الساميون أصلهم مختلف فيه، من المؤرخين من يجعلهم ساميين وينسبهم إلى إبراهيم الذي خرج مع والده (أور) في جنوبي العراق، وتوجهوا إلى حرَّان شمالي سورية. وهناك توفي والد إبراهيم الذي يختلفون في اسمه كذلك، ثم هاجر إبراهيم إلى أرض كنعان حوالي سنة 2000ق.م. ومن نسله جاء يعقوب (إسرائيل) ثم يوسف الذي توصل إلى مركز كبير في مِصر يشبه منصب وزير الزراعة في عصرنا الحاضر... وبقي بنو إسرائيل لاجئين في مصر حتى أخرجهم موسى عليه السلام، وهذه الرواية هي التي يميل معظم علماء اليهود إلى تأكيدها. بينما يذهب مؤرخون آخرون إلى أن اليهود خليط متنوع من الناس جمعهم الحرمان وسوء السلوك؛ فهم كالصعاليك في العصر الجاهلي أو العيارين والشطار في العصر العباسي، كانوا يغيرون على المدن الكنعانية فيعملون بها سرقة ونهبًا وحرقًا، ومع الأيام شكلوا فرقة من الناس وأصبحت لهم لغة هي خليط من اللغات القديمة، لغات الآشوريين والكنعانيين والفينيقيين([5]).
ولئن كان تاريخ اليهود الساميين مشوهًا، وأصلهم مختلف فيه، فمن الثابت أن اليهودية دين مغلق في وجه أي منتسب جديد، والمبادئ التي تحكم السلوك اليهودي (التلمود) سرّية لا يجوز الاطلاع عليها لغير اليهودي([6]) مما طور اليهودية من دين سماوي إلى ما يشبه (المنظمة السرية). فإذا أخذنا تاريخ اليهود الساميين بدءًا بالنبي موسى عليه السلام معتمدين على روايات الكتب المقدسة نجد أن موسى كان يعيش في مصر مع قومه بني إسرائيل لاجئين هناك. ثم خرج على رأس قومه هاربين من فرعون وجنوده باتجاه فلسطين. ومات موسى وقومُه تائهون في الصحراء ولم يستطيعوا أن يدخلوا فلسطين، ثم في زمن داوود، حوالي سنة ألف قبل الميلاد، دخلوا القدس، لكنهم لم يسيطروا على كل فلسطين، ولم يلبثوا بعد ابنه سليمان أن انقسموا إلى دول وممالك ... وممالكهم التي يتغنون بها في فلسطين لم تكن لتتجاوز الواحدة منها مدينة وعدّة قرى([7]). أي إنهم كانوا يطلقون على شيخ القبيلة لقب ملك. ومن أشهر ممالكهم مملكة السامرة ومملكة يهودا. وقد أغار سرجوس الإغريقي على السامرة سنة 721ق.م واحتلها. وفي سنة 586ق.م أغار بختنصر على مملكة يهودا التي كانت عاصمتها أورشليم (القدس) وحطَّم الهيكل واقتاد اليهود أسرى إلى بابل. أمَّة بكاملها، إذا صحَّت التسمية، تكون لاجئة في مصر قبل بضعة قرون، ثم تنقل بمجموعها أسيرة مسبية إلى بابل.
وهناك في بابل أرْسَخَ زعماء اليهود في أذهانهم كما ذكرنا قصة (الوعد) و(أرض الميعاد).. وكانوا يحاولون دائمًا العودة إلى فلسطين، لكن فلسطين ألحقت سنة 550ق.م بدولة الفرس، وفي سنة 160م احتلها الرومان، وبقيت كغيرها من بلاد الشام عربية محتلّة من قبل الرومان وتابعة لهم حتى فتحها المسلمون ودخل سكانها في دين الإسلام، وما زالوا أكثرية حتى هذا التاريخ (إذا استثنينا المهاجرين الجدد الذين غدوا أكثرية في الكيان الإسرائيلي بعد تهجير السكان الأصليين).
هذا هو أصل اليهود الساميين، أما الصهيونيون الذين يشكلون غالبية سكان إسرائيل الآن فهم بنسبة 82% أشكناز، أي يهود غير ساميين، حسبما تقرير المصادر الصهيونية ذاتها([8]). فقد توافدت في القرن الميلادي الأول مجموعات من العروق التركية المغولية والفنلندية إلى أوروبا قادمة من آسيا عبر الأراضي الواقعة شِمَال بحر قزوين والبحر الأسود وشكلوا في المنطقة الواقعة إلى شرقي أوروبا، وما بين بحر قزوين والبحر الأسود، مملكة عرفت باسم (مملكة الخزر) ولذلك كان بحر قزوين يسمى (بحر الخزر)، وكان الخزر وثنيين متساهلين دينيًّا([9]) ففضلوا اليهودية، بعد تحريفها على أيدي الحاخامات، على المسيحية أو الإسلام، ودخلوا كلهم في الدين اليهودي الجديد (المحرف). أما كيف انتقلت اليهودية إليهم، أو بالأحرى كيف قبلوا في الدين اليهودي، فهذا ما لا يوجد فيه رأي تاريخي مقنع([10])، وهم في نظر بعض اليهود ليسوا يهودًا لأسباب كثيرة لا مجال لتعدادها في هذه الصفحات.
وقد عاشت دولة الْخَزَر ما يقارب الخمسمائة سنة، وسيطرت على بلاد واسعة، وبلغت ذروة قوتها في القرن التاسع الميلادي، حيث تمكن السلاف بعد حروب طويلة من القضاء عليها سنة 965م. وقد تفرق الخزر اليهود إلى جماعات صغيرة حاقدة عاشت داخل المجتمع الروسي، وكانوا وراء معظم عمليات الشغب والاغتيالات السياسية في روسيا. وانتشر قسم كبير منهم في دول أوروبا الشرقية ومنها انطلقوا إلى كثير من دول العالم بخاصة الولايات المتحدة. هؤلاء هم اليهود الذين يتوافدون إلى فلسطين ويدَّعون فيها حقًّا تاريخيًّا مكتسبًا.
نستخلص مما سبق أن اليهود الساميين لم يحكموا فلسطين كلها في يوم من الأيام، والفترة التي أقاموا فيها (مملكة) كانت قصيرة جدًا، أقصِد مملكة داوود وسليمان، وماعدا تلك المملكة لم تكن الواحدة من ممالكهم لتتجاوز المدينة أو القرية وضواحيها. فهي ليست ممالك بمعنى الكلمة إنما هي أشبه بالقبائل المستوطنة، ولم يشكلوا في يوم من الأيام أكثرية في فلسطين، وليسوا هم سكانها الأصليِّين، إنما كان وضعهم الطارئ فيها دائمًا محتلين كوضعهم اليوم، وإن اليهود الذين قدموا ويقدمون إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة مهاجرين من دول أوروبا الشرقية وروسيا وغيرها، لا يمتُّون إلى العرق السامي أو اليهودية بصلة.
والنتيجة الطبيعية لعقيدة اليهود ولشعورهم بالنقص من التشرد والحرمان، مع اعتقادهم بأنهم مميزون (شعب مختار)، أنهم تحولوا إلى عناصر شغب وتخريب في كل البلاد التي حلوا فيها، واشتهروا بتنظيم الحركات السرية وكانوا وراء كل فتنة في التاريخ. لذلك نجدهم يحقدون على كل أمة، وحكومة قوية ظهرت في التاريخ. فعندما كان الإسلام قويًّا انتشر اليهود في البلاد يزرعون الفتنة، ويبذرون الفرقة، حتى غدوا وراء معظم الحركات السرية والفئات المذهبية التي شذت عن الإسلام. وبعدما دخل المسلمون في دور الانحطاط وأصبحت قيادة العالم بيد الأمم المسيحية، نقلوا نشاطهم إلى تلك البلاد. فهم على الرغم من انحطاط المسلمين لم يستطيعوا حتى شراء فلسطين بأموالهم. وحتى السلطان عبد الحميد الذي تنسب إليه كتب التاريخ كل نقيصة كان موقفه من هرتزل (قاد هرتزل الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، وقد رفض السلطان استقباله وأرسل إليه الكلام المذكور فيما بعد عن طريق رفيقه نيولنسكي) كما ورد في (يوميات هرتزل ص35، منشورات مركز الأبحاث – التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية) كما يأتي:
قال السلطان لي:
’’ إذا كان هرتزل صديقك بقدر ما أن صديقي فانصحه أن لا يسير أبدًا في هذا الأمر. لا أقدر أن أبيع ولو قدمًا واحدًا من البلاد، لأنها ليست لي بل لشعبي. لقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم وقد غذوها فيما بعد بدمائهم، وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا. لقد حاربت كتيبتان من جيشنا في سورية وفلسطين، وقتل رجالنا الواحد بعد الآخر في (بلفنة) لأن أحدًا منهم لم يرض بالتسليم وفضلوا أن يموتوا في ساحة القتال. والإمبراطورية العثمانية ليست لي وإنما للشعب التركي، لا أستطيع أبدًا أن أعطي أحدًا أيَّ جزءٍ منها. ليحتفظ اليهود ببلايينهم، فإذا قسِّمت الإمبراطورية فقد يحصل اليهود على فلسطين بدون مقابل، إنما لن تقسم إلا جثثـًا ولن أقبل بتشريحنا لأي غرض كان‘‘ (ص 378 النص الأصلي).
ما الذي حصل بعدما يئس اليهود من السلطان؟ استطاعوا بوساطة يهود الدونما القيام بانقلاب عليه، وحمل له كتاب التنازل يهودي منهم (قره صو)، ولم يكن عبد الحميد جاهلا للأسباب الرئيسَة التي أدت إلى خلعه.
وقد ظهر ذلك جليًّا في رسالة([11]) وجهها السلطان بعد خلعه إلى الشيخ محمود أبي الشامات في دمشق، يذكر له فيها ما عرض عليه زعماء جمعية الاتحاد (جون تورك) مقابل السماح لليهود بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وفيما يلي نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد رسول الله رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين.
أرفع عريضتي هذه إلى شيخ الطريقة العليَّة الشاذلية، إلى مفيض الروح والحياة. إلى شيخ أهل عصره الشيخ محمود أفندي أبي الشامات وأقبل يديه المباركتين راجيًا دعواته الصالحة.
بعد تقديم احترامي، أعرض أنني تلقيت كتابكم المؤرخ في 22 مايس من السنة الحالية، وحمدت المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين.
سيدي: إنني بتوفيق الله تعالى مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية ليلا ونهارًا، وأعرض أنني ما زلت محتاجًا إلى دعواتكم القلبية بصورة دائمة.
بعد هذه المقدمة أعرض لرشادتكم ، وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة، المسألة المهمة الآتية كأمانة في ذمة التاريخ:
إنني لم أتخلَّ عن الخلافة الإسلامية لسبب ما، سوى أنني بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الاتحاد المعروفة باسم (جون تورك) وتهديدهم اضطررت وأجبرت على ترك الخلافة.
إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة (فلسطين)، ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف.
وأخيرًا وعدوا بتقديم (150) مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهبًا، فرفضت التكليف بصورة قطعية أيضًا. وأجبتهم بالجواب القطعي الآتي:
(إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبًا – فضلا عن (150) مائة وخمسين مليون ليرة إنكليزية ذهبًا – فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي. لقد خدمت المِلَّة الإسلامية، والأمة المحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة فلن أسِّود صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين. لهذا لن أقبل بتكليفكم بوجه قطعي أيضًا).
وبعد جوابي القطعي اتفقوا على خلعي، وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى سيلانيك. فقبلت بهذا التكليف الأخير.
هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن ألطَّخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة ، فلسطين..
وقد كان بعد ذلك ما كان. ولذا فإنني أكرر الحمد والثناء على الله المتعالي. وأعتقد أن ما عرضته كافٍ في هذا الموضوع المهم، وبه أختم رسالتي هذه.
ألثم يديكم المباركتين، وأرجو وأسترحم أن تتفضلوا بقبول احترامي.
سلامي إلى جميع الإخوان والأصدقاء.
يا أستاذي المعظم
لقد أطلت عليكم البحث. ولكن دفعني إلى هذه الإطالة أن نحيط سماحتكم علمًا.ونحيط جماعتكم بذلك علمًا أيضًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

خادم المسلمين
عبد الحميد بن عبد المجيد

كتاب حكومة العالم الخفية [شيريب

كتاب حكومة العالم الخفية [شيريب

اليهود والعالم المسيحي
وقد استطاع اليهود أن ينعزلوا عن المجتمعات التي عاشوا معها، وحافظوا على لغتهم ومعتقداتهم، وأقاموا فيما بينهم تعاونـًا وثيقـًا رغم انتشارهم في معظم بلدان العالم. والأسس العامة التي اتبعوها للسيطرة على العالم المسيحي وتحطيمه، قد لا تخرج كلها عما ورد في رسالة نشرتها سنة 1880 مجلة البحوث اليهودية الفرنسية قالت : (في 13/1/1489 كتب شامور حاخام مدينة إرل من أعمال مقاطعة بروفانس إلى المجمع اليهودي القائم في الآستانة يستشيره في بعض الحالات الحرجة. ومما جاء في الكتاب (إن الفرنسيين في اكس وإرل ومرسيليا يهددون معابدنا ، فماذا نعمل؟ ... فجاءه الجواب الآتي([12]):
أيها الأخوة الأعزاء،
بأسى تلقينا كتابكم. وفيه تطلعوننا على ما تقاسونه من الهموم والبلايا. فكان وقع هذا الخبر شديد الوطأة علينا. وإليكم رأي المرازبة والحاخامات:
- بمقتضى قولكم: إن ملك فرنسا يجبركم أن تعتنقوا الدين المسيحي.
اعتنقوه، لأنه لا يسعكم أن تقاوموا، غير أنه يجب أن تبقوا شريعة موسى راسخة في قلوبكم.
- بمقتضى قولكم: إنهم يأمرونكم بالتجرد من أملاككم.
فاجعلوا أولادكم تجارًا ليتمكنوا رويدًا رويدًا من تجريد المسيحيين من أملاكهم.
- بمقتضى قولكم : إنهم يعتدون على حياتكم.
فاجعلوا أولادكم أطباء وصيادلة ليعدموا المسيحيين حياتهم.
- بمقتضى قولكم : إنهم يهدمون معابدكم.
فاجعلوا أولادكم كهنة وإكليريكيّين ليهدموا كنائسهم.
- بمقتضى قولكم : إنهم يسومونكم تعدِّيات أخرى كثيرة.
فاجعلوا أولادكم وكلاء دعاوى، وكتبة عدل، وليتداخلوا دائمًا في مسائل الحكومة، ليخضعوا المسيحيين لنيركم. فتستولوا على زمام السلطة العالمية. وبذلك يتسنى لكم الانتقام.
سيروا بموجب أمرنا هذا، فتتعلموا بالاختبار أنكم بهذا الذل وهذه الضعة التي أنتم فيها ستصلون إلى ذروة القوة والسلطة الحقيقية.

في 13 كاسلو (ت2) 1489

التوقيع
أمير يهود القسطنطينية

كتاب حكومة العالم الخفية [شيريب

وكان زعماؤهم يعقدون الاجتماعات السرية ليضعوا أسس التعاون فيما بينهم، ويرسخوا الخطط التي توصلهم إلى أهدافهم، ولعل أهم اجتماع كشف أمره وذاع سره هو مؤتمر بال في سويسرا سنة 1897، الذي خصص لوضع خطة تنفيذية لإقامة وطن قومي يهودي، ومتابعة تنفيذ ما جاء في (بروتوكولات حكماء صهيون). وقد جاء في البروتوكول الأول حول الموضوع الذي نحن بصدده: ’’إن الشعب لدى المسيحية أضحى متبلد الذهن تحت تأثير الخمر، كما أن الشباب قد انتابه العته لانغماسه في الفسق المبكر الذي دفعه إليه أعواننا من المدرسين والخدم والمربيات والنساء اللواتي يعملن في أماكن اللهو، ونساء المجتمع المزعومات اللواتي يقلدنهن في الفسق والترف‘‘.
’’ لقد كنا أول من صاح في الشعب فيما مضى بالحرية والمساواة والإخاء، تلك الكلمات التي راح الجهلة في أنحاء العالم يرددونها بعد ذلك بلا تفكير أو وعي ... وإنهم لفرط ترديد هذه الكلمات حرموا العالم من الإخاء كما حرموا الأفراد من حريتهم الشخصية الحقيقية‘‘.
وكانوا ينقلون مراكز قياداتهم السرية ونقاط تركيز نشاطهم من فرنسا إلى إنكلترا ثم أمريكا، بحسب تطور تلك القوى وقدرتها على التأثير في الأحداث الدولية، هكذا كان محطُّ رحالهم الأخير في الولايات المتحدة الأمريكية، فهي القوة العالمية الناهضة التي ستكون أكثر القوى فاعلية في الأحداث الدولية. جاء في الصفحة 13 من الطبعة الإنكليزية لهذا الكتاب([13]) ’’ إن السيد برسبين يؤكد بأننا لا نقبل جماهير الآسيويين، غير أن الواقع يكذب ما ذهب إليه، إذ أن أسوأ أنواع اليهود المغول الآسيويين تتدفق على الولايات المتحدة ليل نهار في كتل بشرية متتابعة، وكثير من المكاتب اليهودية تزوِّر جوازات سفر لليهود، فالمهاجرون إلى نيويورك قلما يكونون من غير اليهود، وهم يتظاهرون بأنهم بولنديون أو روس أو أيرلنديون‘‘.
ولم يكن زعماء الولايات المتحدة الأميركيون غير مدركين للخطر. فقد جاء في خطاب لأحد زعماء الاستقلال بنجامين فرانكلين([14]) عند وضع دستور الولايات المتحدة سنة 1789:
’’ هناك خطر عظيم يتهدد الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك الخطر العظيم هو خطر اليهود‘‘.
’’ أيها السادة في كل أرض حلَّ بها اليهود أطاحوا بالمستوى الخلقي وأفسدوا الذمة التجارية فيها، ولم يزالوا منعزلين لا يندمجون في غيرهم، وقد أدى بهم الاضطهاد إلى العمل على خنق الشعوب ماليًّا، كما هي الحال في البرتغال وأسبانيا‘‘...
’’ منذ أكثر من /1700/ سنة واليهود يندبون حظهم العاثر، ويعنون بذلك أنهم قد طردوا من ديار آبائهم(!)، ولكنهم أيها السادة، لن يلبثوا إذا أعطتهم الدول المتحضرة اليوم فلسطين أن يجدوا أسبابًا تحملهم على ألا يعودوا إليه. لماذا؟ لأنهم طفيليات، لا يعيش بعضهم على بعض، ولا بد لهم من العيش بين المسيحيين وغيرهم ممن لا ينتمون إلى عرقهم‘‘.
’’إذا لم يبعد هؤلاء من الولايات المتحدة بنص دستورها، فإن سيلهم سيتدفق إلى الولايات المتحدة في غضون مئة سنة إلى حد يقدرون معه على أن يحكموا شعبنا ويدمروه، ويغيروا شكل الحكم الذي بذلنا في سبيله دماءنا، وضحينا بأرواحنا وممتلكاتنا وحرياتنا الفردية، ولن تمضي مائتا سنة حتى يكون مصير أحفادنا أن يعملوا في الحقول لإطعام اليهود، على حين يظل اليهود في البيوتات المالية، يفركون أيديهم مغتبطين‘‘.
’’ إنني أحذركم أيها السادة: إنكم إن لم تبعدوا اليهود نهائيًا، فلسوف يلعنكم أبناؤكم وأحفادكم في قبوركم. إن اليهود لن يتخذوا مثلنا العليا ولو عاشوا بين ظهرانينا عشرة أجيال، فإن الفهد لا يستطيع إبدال جلده الأرقط‘‘.
’’ إن اليهود خطر على هذه البلاد إذا ما سمح لهم بحرية الدخول. إنهم سيقضون على مؤسساتنا، وعلى ذلك لا بد من أن يستبعدوا بنص الدستور‘‘([15]).


ولكن على الرغم من كل ذلك فقد استطاع اليهود، بإتباعهم جميع الطرق الملتوية أن يسيطروا على الولايات المتحدة ومعها هيئة الأمم التي يشغلون فيها أهم المناصب. إن المرشحين لرئاسة الجمهورية في أميركا يتبارون لكسب ودِّ أصغر يهودي. وقد لا نغالي إذا قلنا إن الولايات المتحدة (ربيبة إسرائيل) وليس العكس، وإن رئيس وزراء إسرائيل هو الذي يرجح كفة المرشح ليغدوا رئيسًا، والرئيس الأميركي ما هو إلا أفضل قارئ لما يكتبه مستشاره اليهودي. هذا مع أن معظم الأميركيين يكرهون اليهود كراهتهم للزنوج وأكثر. لكن اليهود هم الذين يصنعون الرأي العام عن طريق الإذاعة والتلفزيون والصحف ودور النشر والسينما .. وما زالوا يجهدون للإجهاز على المجتمع الأميركي بترويج الشذوذ الجنسي والحشيش والأفيون، وجميع (الصرعات) التي تظهر متلاحقة في المجتمع الغربي.

الشيوعية والصهيونية
أما الشيوعية، وهي القوة العالمية الثانية في العالم، وهي (فكرة يهودية) وضعها كارل ماركس (اليهودي)، فيكفينا أن نذكر عدد اليهود في اللجنة المركزية اليهودية أيام لينين وستالين لندرك العلاقة بين الشيوعية والصهيونية. ويجب أن لا يفوتنا أن روسيا هي ثاني دولة اعترفت بإسرائيل وأبدت استعدادها للتدخل عسكريًا لحمايتها.
في زمن لينين سنة 1918 تألفت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وهي أعلى سلطة في الاتحاد السوفيتي، على الشكل الآتي([16]):
(برونشتاين [تروتسكي] ، ابفلبوم [زينوفييف] ، لوري [لارين] ، أوريتسكي ، فولودارسكي ، روزبنفيلدت [كامينيف] ، سفيردلوف [يانكل] ، ناخامكي [ستيكلوف])، ويقول ويلتون (المؤلف) إن هؤلاء التسعة هم يهود جميعًا. ومعروف أن اللجنة المركزية كانت مؤلفة من 12 عضوًا. وغني عن البيان أن لينين كان متزوجًا يهودية وأمه يهودية أيضًا.
أما في أيام ستالين فقد تألفت اللجنة المركزية، كما ورد في كتاب (حكام روسيا) للكاهن دانيس فاهي : ’’إن اللجنة المركزية الشيوعية (سنة 1936) تألفت من 59 عضوًا، منهم 56 عضوًا يهوديًا، والثلاثة الآخرون كانوا متزوجين بيهوديات، ومنهم ستالين نفسه ..‘‘ (وعدَّد الأسماء).
وعلى الرغم من التبدل الأخير في سياسة روسيا تجاه إسرائيل، فما زالت تصرُّ على أن إسرائيل خُلقت لتبقى وترفض بحث أية فكرة تتناول الكيان الإسرائيلي. وتكتفي بتنفيذ دورها في لعبة ما يسمونه بـ(التوازن في المنطقة).
ويجب أن لا يغرب عن بالنا أيضًا أن اليهودي يكون شيوعيًا أو رأسماليًا أميركيًا أو يوغسلافيًا أو ...، ولكنه يبقى فوق كل ذلك، وقبل كل ذلك، يهوديًا (فقد بقي اليهود بسبب التلمود، بينما بقي التلمود في اليهودي) كما يقول إسرائيل أبراهامز([17]).

"إسرائيل"
.... واليوم قطعت الصهيونية العالمية شوطًا كبيرًا من مخططاتها ... وجاءت إسرائيل مولودًا غير شرعي للتآمر الدولي على الحق العربي، لكن أحلام (الشعب المختار) أكبر من إسرائيل وأكبر من فلسطين. يقول الدكتور ناحوم غولدمان([18]) :
’’ لم يختر اليهود فلسطين لمعناها التوراتي بالنسبة إليهم، ولا لأن مياه البحر الميت تعطي سنويًا، بفضل التبخر، ما قيمته ثلاثة آلاف مليار دولار من المعادن وأشباه المعادن، وليس أيضًا لأن مخزون أرض فلسطين من البترول يعادل عشرين مرة مخزون الأميركيتين مجتمعتين، بل لأن فلسطين هي ملتقى طرق أوروبا وآسيا وأفريقيا، ولأن فلسطين تشكل بالواقع نقطة الارتكاز الحقيقية لكل قوى العالم، ولأنها المركز الإستراتيجي العسكري للسيطرة على العالم‘‘.
لن نطيل الكلام على أحلام اليهود ومعتقداتهم، باختصار هم يعتقدون أنهم فوق البشر. وأفراد جميع الشعوب ، ويسمونها (غوييم)([19])، إنما خُلقوا ليكونوا عبيدًا وخدمًا لبني إسرائيل. ومعتقداتهم تبيح لهم إتباع أقذر الوسائل لتحقيق أهدافهم مما لا يقرُّه أيُّ دين سماوي أو مبدأ أخلاقي.
لكن نظرة سريعة إلى التاريخ ترينا أن الخذلان والفشل كان حليفهم في كل محاولاتهم منذ السبي إلى بابل، وذلك لأنهم كلما قامت لهم قائمة ظهر سلوكهم على حقيقته .. فيتحول إشفاق العالم إلى نقمة ويتذكر الناس مخازيهم عبر التاريخ.
لقد خُلقت "إسرائيل" في ظروف معينة جعلت الدول الكبرى، التي لا تتفق على قضية، تتفق على إيجاد إسرائيل. ومع كثيرًا من الزعماء كانت لهم مصلحة مع الصهيونية العالمية، فإن كثيرًا منهم أيضًا كانت تسيطر عليه فكرة (الشفقة)، وهذا ما كان يسيطر على الشعوب أيضًا، نتيجة لما فعله النازيون باليهود. ولذلك ما زالت المساعدات الألمانية تتدفق على إسرائيل تعويضات عن جرائم النازيين بحق اليهود!
وعلى الرغم من كل مظاهر القوة لدى دول إسرائيل، فإنها ما زالت تعيش على المساعدات الخارجية، ولو انقطعت تلك المساعدات لانهارت الدولة الهجين تلقائيًّا وفقدت جميع مقومات وجودها.
إن إسرائيل تحمل في ذاتها أسباب دمارها، وقد بدأ يظهر سريعًا سلوكها ومعتقداتها وأطماعها. ومثال بسيط يكشف القناع عن وجهها. فعندما قام شباب من الفدائيين باحتجاز الفريق الرياضي الإسرائيلي للألعاب الأولمبية لعام 1972 في ميونيخ، وطالبوا بالإفراج عن زملاء لهم معتقلين في "إسرائيل" مقابل تركهم أعضاء الفريق الرياضي، دبَّرت إسرائيل مذبحة مروعة لرياضييها وللفدائيين، وذلك كي تجد مبررًا لإراقة الدماء. وقام جيشها يوم السبت الذي يسبق يوم عيد الغفران([20])، سنة 1972 بالهجوم على لبنان، وقتلَ مئات الأطفال والأبرياء، مع أنه يحرم العمل يوم السبت، لكن قتل غير اليهودي فيه قربى لله، بحسب معتقداتهم، أعظم من التعطيل عن العمل في يوم عيدهم.
إن العقائد التلمودية اليهودية، وعدم أحقية إسرائيل في أرض العرب، وقلة عدد اليهود في العالم، ولو اجتمعوا، وكون الدولة اليهودية إنما قامت وما زالت على المساعدات الخارجية وشفقة العالم، كل ذلك وغيره من عوامل كافية لانهيار الكيان الدخيل على المنطقة.
لكن يجب أن ندرك أن الانهيار لن يحدث تلقائيًا، وبخاصة أن الدول الكبرى ما زالت تصرُّ على موقفها من الكيان الإسرائيلي. ولكي لا نغالي في التفاؤل نسارع إلى القول بأن إسرائيل لو استطاعت أن تتدارك بعض هذه النواحي السلبية، مثلا لو استطاعت أن تستغني عن المساعدات الخارجية لـَصَعُبَ إنهاؤها.
إن إسرائيل تحمل شعار (عليَّ وعلى أعدائي يا رب) ولا مانع لديها من جرِّ العالم كله إلى حرب عالمية لا تُبقي ولا تذَر، لكنها قد لا تستطيع توريط الشعوب في حرب فيها دمارها، والتوازن الدولي يمكن أن يسمح للعرب بتصفية حساباتهم مع إسرائيل منفردين، لو أنهم استطاعوا الاستفادة من اللعبة الدولية، اللعبة التي تغيّرت قواعدها مع انهيار الاتحاد السوفيتي وتفرُّد الولايات المتحدة بقيادة العالم.
ولا يخفى على ذي بصيرة أن الولايات المتحدة تعدُّ إسرائيل ربيبتها، وولاية من ولاياتها، أو حاملة طائرات من طائراتها، في حين (يتمتع رئيس الوزراء الإسرائيلي بسلطة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط تفوق تلك التي يملكها في بلاده نفسها)([21]).
حدثني رئيس إحدى البعثات العربية إلى الأمم المتحدة قال : استقليت سيارة أجرة من مبنى الأمم المتحدة إلى منزلي، وفي الطريق تبادلنا الحديث، فإذا به يهودي، قال : ’’نحن اليهود قليلو العدد لا نستطيع أن نحكم العالم ، ورأينا الولايات المتحدة تحكم العالم، فعملنا على أن نحكم الولايات المتحدة، وبذلك نتحكم بالعالم‘‘. هذا حديث سائق سيارة أجرة يهودي، فأين زعماؤنا ومفكرونا وأهل الرأي فينا من هذا؟
لا شك أننا بحاجة إلى تفكير يتماشى مع العصر، وعمل لا يتحدُّه حدود، وإلا غدونا من الأمم البائدة، لا يتوافر من يقرأ الفاتحة على أرواحنا.

نهاية إسرائيل
إن قوة العرب الذاتية أكبر من كل تصور، على الرغم من جميع مظاهر الضياع السائدة، ما يجعل التفوق إلى جانبهم فور استغلالهم طاقاتهم المبعثرة، لدى العرب من العلماء والمهندسين والأطباء والمخترعين والضباط والمتخصصين و... أضعاف ما عند اليهود. والعرب عاطفيون، والعاطفة سلاح ذو حدَّين، فكما يتصف أصحابها بالتسرع وطيب القلب وربما السطحية في مناقشة الأمور .. فهم يجودون بأرواحهم رخيصة في سبيل ما يؤمنون به، وثأرًا لكرامتهم إذا ما ثلمت.
إن اتحاد العرب، وتوحيد جيوشهم وتقديم الكفاءة في كل بلد عربي على الولاء، وتوظيف طاقات الأمة العربية في المعركة، يحوِّل واقع الهزيمة إلى نصر، واستجداء السلاح إلى تصنيعه، والندب على حائط مبكى العموم في هيئة الأمم إلى فرض الشروط على مجلس الأمن.
كل هذا ممكن، وغيره كثير، لا نريد أن نسترسل فيه، فهو كالحلم اللذيذ، لكن هذا الحلم يمكن أن يصبح حقيقة، وعندها سيحمد العالم الذين أوجدوا إسرائيل أن جمعوا اليهود في فلسطين، وستطل روح مؤلف كتابنا هذا من السماء ضاحكة من كل جهد بذله الصهيونيون وأضاع هو الوقت في تسطيره في كتاب.

أحمد راتب عرموش
____________________________________________

الهوامش
[1] توفي النبي سليمان عليه السلام حوالَي سنة 922ق.م، ويصعب الجزم بوجود أيِّ علاقة نسبية بين سليمان وشعبه من جهة ويهود أوروبا، وهم الطبقة الحاكمة والمميزة في إسرائيل اليوم من جهة أخرى. ذلك أن بعض المؤرخين يؤكدون أن معظم يهود أوروبا هم من الخزر الذين كانوا يقطنون جَنوبَ البحر الأسود، كما سنوضح فيما بعد.
[2] لمزيد من الإيضاح حول هذه الفكرة راجع : (( التوراة : تاريخها وغاياتها)) و ((تاريخ فلسطين القديم)) للأستاذ ظفر الإسلام خان، وكلاهما من منشورات ((دار النفائس)).
[3] ((البنَّائية)) هو الاسم الذي يطلقه الماسون على الماسونية.
[4] كتاب ((الصهيونية و الماسونية)) ، عبد الرحمن سامي عصمت.
[5] للمزيد من التوسع في هذا الموضوع راجع كتاب الأستاذ أديب العامري وحديثه إلى مجلة ((الحوادث)) عدد814 سنة 1972، و((العرب واليهود في التاريخ)) للدكتور أحمد سوسة.
[6] راجع ((التلمود)) للأستاذ ظفر الإسلام خان، منشورات دار النفائس.
[7] راجع ((تاريخ فلسطين القديم)) للأستاذ ظفر الإسلام خان، منشورات دار النفائس.
[8] راجع (( الموسوعة اليهودية)) The Jewish Encyclopedia و ((موسوعة بيرز)) وكتاب ((أحجار على رقعة الشطرنج)) لـ وليام غاي كار.
[9] راجع موسوعة ((فانك أند واغنلز)) Funk and Wagnalls.
[10] اليهود لا يعترفون بيهودية إنسان ما لم يكن من أم يهودية، وقد اعترض الحاخام الأكبر في حيفا على زواج واحدٍ من ضباط المظلات من غاليا بن غوريون ((حفيدة بن غوريون)) لأنها من أم مسيحية، والحجة التي قدمها الحاخام ((ليس هناك أيُّ إثبات على أنها يهودية)) (جريدة لوموند،24 شباط 1968).
[11] كنت قد حصلت على صورة هذه الوثيقة منذ فترة من الزمن، وقبل نشر هذا الكتاب، وفي وقت كنت أقوم فيه بالتحقق من صحتها وكيفية وصولها إلى أبي الشامات، نشرت مجلة العربي، في عددها رقم 69 (ديسمبر) 1972، مقالا قيمًا للأستاذ سعيد الأفغاني تحدث فيه عن هذه الوثيقة وقصتها، وقد جاء فيه : ’’كان الشيخ محمود أبو الشامات شيخ الطريقة الشاذلية اليشرطية، وأول خليفة لصاحب الطريقة الشيخ علي اليشرطي المشهور ... وكان راغب رضا بك ، مدير القصر السلطاني أيام السلطان عبد الحميد، من مريدي الشيخ، وكلما زار الشيخ (إستانبول) نزل عند مريده مدير القصر. والظاهر أن السلطان الذي لا تخفى عليه خافية من شؤون حاشيته، اطلع على الأمر، فسأل مدير قصره عمَّن يكون ضيفه، فأخبره أنه شيخه في (الطريق) ووصف له حاله ما ملأ سمع السلطان وهاجَهُ لاستزارته. فلما اجتمع به ملأ عينه وقلبه، وطلب منه (الطريق) فلباه، وأصبح السلطان من تلاميذ الشيخ في الشاذلية وأورادها وأذكارها، وقد عرفت أن الشيخ حسن الحاضرة، تتقبله القلوب، فتعلق به السلطان. كما أخذ عنه (الطريق) جملة من وجهاء إستانبول وموظفي القصر السلطاني وجنوده وحراسه. فلما خلع السلطان ووضع في قصر (سيلانيك) كان من الحراس الذين أقيموا عليه، أحد تلاميذ الشيخ أبي الشامات، وعن طريقه كانت تتم المواصلة السريَة الكتابية بين الشيخ والسلطان المخلوع، وحفظ الزمان لنا هذه الرسالة التي أرسلها السلطان إلى الشيخ‘‘. وقد احتفظ الشيخ بهذه الرسالة سرًا طوال عهد الاتحاديين ثم أطلع عليها بعض خلصائه، وبعد وفاته حافظ عليها أولاده أيضًا، وهذه أول مرة تنشر في كتاب.
[12] وردت الرسالة مع بعض الاختلاف في النص في كتاب ((اليهود))، إعداد زهدي الفاتح ص114، مأخوذة عن كتاب صدر سنة 1608 بعنوان ((((La Silva Curiosa.
[13] مؤلف الكتاب عن Plain English , August, 13 , 1921.
[14] عن مجلة المسلمون العدد 7 سنة 1955 ، عن وثيقة معهد بنجامين فرانكلين في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا.
[15] للقارئ أن يقرر ما تحقق من نبوءة فرانكلين ... لقد أصبح رئيس الولايات المتحدة من الصهيونيين المسيحيين، وغدا ألعوبة بأيدي مستشاريه اليهود. وصار أحفاد بنجامين فرانكلين وزملاؤه، من أبطال الاستقلال الأميركي، يقاتلون في أفغانستان والعراق وغيرهما من بلاد العالم نيابة عن اليهود، ولتحقيق مصالح اليهود والمرابين من المتصهينين وتجار الحروب.
[16] كتاب ((أيام رومانوف الأخيرة)) مؤلفه ((روبير ويلتون)) مراسل التايمز اللندنية في روسيا. (الصفحة 136
- 138 من الطبعة الفرنسية الأصلية).
[17] ((التلمود: تاريخه وتعاليمه)) ص34.
[18] من محاضرة له في مونتريال في كندا عام 1947، نشرتها جريدة (الاتحاد الوطني) في مونتريال عدد12/53 عام 1953.
[19] للتوسع في المعنى (الغوييم) راجع (التوراة: تاريخها وغاياتها) منشورات (دار النفائس).
[20] هو العيد الذي يصادف العاشر من تشرين (العبري) ويتميز بالصيام الكامل والصلاة المستمرة والاعتراف بالذنوب والخطايا. ((والاعتراف بالخطايا، الذي يكرر مرات متعددة في أثناء النهار، يعدد فقط الخطايا الشكلية ولا يشمل الجرائم ضد باقي البشرية)) (عن روفائيل باتاي رئيس قسم الأبحاث في معهد تيودور هرتزل، وناشر موسوعة الصهيونية وإسرائيل). وهكذا لم يكن على اليهود أن يعترفوا بقتلهم الضحايا أثناء عدوانهم على لبنان، فهي ليست أخطاء شكلية!
[21] بول فندلي Paul Findley، ويجرؤون على الكلام ص92.

تحميل كتاب حكومة العالم الخفية-اقدم تنظيم سري في العالم


كتاب حكومة العالم الخفية-اقدم تنظيم سري في العالم
حكومة العالم الخفية-اقدم تنظيم سري في العالم

منصور عبد الحكيم
الماسونية - أسم يثير حوله الكثير من الغموض والريبة..بل لا يكاد يثير سواهما فليس من السهل معرفة أشياء تعبر عن حقيقتها وأهدافها دون التستر خلف أفكار ومعانى أخرى. وفي هذا الكتاب الذى ما هو إلا حلقة من سلسلة يتناول "الماسونية" قام المؤلف بدراسة لنشأتها وحقيقة فكرها فتعرض لهذا الفكر من الزوايا التى اختارها ( الماسون) أنفسهم. ليس هذا فحسب وإنما توغل في تفاصيلها المختلفة من رموز ودرجات ومحافل ومراسم إنضمام وصلوات واناشيد.

يستعرض المؤلف في كتابه أيضاً الماسونية القديمة و الحديثة ومدى تنوع طقوسها بين دول العالم. يقوم المؤلف يعرض لكل هذه المعلومات الموثقة والخطيرة لجمعها في خيط واحد يستدل منه على أهداف الماسونية الحقيقة فتلخص في ( السيطرة على العالم لصالح الصهيونية) وهو هدف يتخفى خلف ستار ( الحرية والمساواة والإخاء) وهو ستار ينخدع به الكثيرون ممن يأتى ذكرهم في الكتاب كماسونين سابقين.. فهو - الكتاب - دراسة حافلة بالعديد من المعلومات القيمة حول أقدم تنظيم سرى حول العالم.

كتاب حكومة العالم الخفية-اقدم تنظيم

مجموعة من 15 جزء، تطرح حقيقة ما يجري بالعالم من خفايا الأحداث ومؤامرات وحقائق، وتكشف السلسلة اموراً غامضة سيتفاجئ منها البعض عن طبيعة ما يجري خلف الكواليس:
لتحميل الكتب إضغط على العنوان:

1- النشأة.الاهداف.الطقوس

2- العالم رقعة شطرنج منظمات سرية تحرك العالم.

3- من يحكم العالم اصابع خفية تقود العالم.

4- الاسرار الكبري للماسونية واهم الشخصيات الماسونية.

5- اوراق ماسونية سرية للغاية المخطط السري للسيطرة.

6- مؤامرات وحروب صنعتها الماسونية للسيطرة علي العالم.

7- حكومة الدجال الماسونية الخفية.

8- دولة فرسان مالطا وغزو العراق.

9- سلالات وعائلات و منظمات تحكم العالم.

10- بروتوكولات حكماء صهيون-المخططات .الماسونية

2015-04-08

طيرة الكرمل: حكاية نضال وصمود وتهجير.. من دفاتر النكبة (18)


من دفاتر النكبة (18): طيرة الكرمل: حكاية نضال وصمود وتهجير..
د.مصطفى كبها/ خاص بـ عــ48ـرب

طيرة الكرمل التي تعرف أيضاً باسم طيرة اللوز هي قرية من قرى قضاء حيفا الانتدابي، وتبعد عنها مسافة 10 كيلومترات باتجاه الجنوب. تمتد أراضيها من منطقة جامعة حيفا في أعلى الجبل وحتى شاطئ البحر في الغرب، ومن حي "دانيا" في الشمال وحتى أراضي عين حوض في الجنوب. كما وتحيط بالقرية بعض الخرب مثل خربة الدامون والشلالة وعين الحايك وخربة لوبية.

بلغ عدد سكان الطيرة،عشية النكبة، 5800 نسمة في حين بلغت مساحة أراضيها قرابة 45000 دونم. ومن العائلات التي سكنت الطيرة يمكن أن نذكر: أبو راشد، السلمان، القوصيني، درباس، بستوني، زيدان، البطل، غنّام، حجير، أبو عيسى، الباش، الهندي، العسل، شبلاق، الناجي، باكير، بهلول، الحامولي، الشايب، الرباني، عمورة، السعدي، شلّح، الأبطح، أبو جاموس، دلول، أبو طايع، عسقول، الحسن، عويس، التيّم، بدران، قزلي والحميدي وعائلات أخرى.

كان في القرية مدرستان (الحديثة منهما أنجز بناؤها عام 1947 وتعلم فيها أبناء الطيرة فصلا دراسيا واحدا قبل التهجير واللجوء وهي مكونة من ثلاثة طوابق تستعمل حتى اليوم مدرسة يهودية ثانوية) ومسجد جامع (حوله المستوطنون الجدد إلى كنيس ) ومقامان (مقام الشيخ خليل ومقام الشيخ عبد الله).


الطيرة وثورة 1936 -1939 :
شاركت الطيرة في النضال الوطني الفلسطيني منذ بدايته، حيث شارك العديد من أبنائها في هبة البراق نذكر منهم نمر قبيعة ومحمد عبد السلام وإبراهيم الصرفندي ومحمود التيّم وأسعد الدعاس وخالد محمد السمير. في حين انضم العديد من أبنائها المقيمين أو العاملين في حيفا إلى الخلايا المسلحة التي أقامها الشيخ عز الدين القسام في مطلع الثلاثينيات، ومنهم حسن الزواوي وعيسى البطل والشيخ حسن شبلاق وصالح أبو ليل ومحمد أبو طايع وأحمد غنّام وآخرون. وقد كان لهؤلاء الفضل الكبير في إقامة لجنة قومية في الطيرة وتأجيج نار إضراب وثورة 1936 -1939 عند انطلاقها في نيسان 1936.

وفي أثناء الثورة تأسس في الطيرة فصيل كبير بقيادة الشيخ رشيد عبد الشيخ الذي كان يعمل تحت قيادة الشيخ عطية عوض من بلد الشيخ. وقد اشترك هذا الفصيل في عدة معارك منها معركة أم الدرج ومعركة أم الفحم ومعركة لد العوادين ومعركة أم الزينات. كما وشارك في اقتحام سجن عتليت.

استشهد من أبناء الطيرة في ثورة 1936 – 1939 كل من : الشيخ رشيد عبد الشيخ، الشيخ ديب المحمد، حسن موسى السعدي، محمود أبو حسان، عيسى مفلح أبو راشد، محمود نمر درباس، محمد قاسم الشواهين، أحمد موسى الباش، أسعد سيّد أبو راشد، عبد الله يوسف أبو راشد، محمد أحمد السلمان ومحمود أبو حسان.


معركة الصمود ومرارة التهجير :
مع اندلاع المواجهات بين العرب واليهود على أثر صدور قرار التقسيم بدأت معركة صمود الطيرة التي استهدفتها الهجمات العسكرية اليهودية منذ بداية كانون الأول 1947. ففي بداية هذا الشهر استشهد المواطن الطيراوي عبد الرازق عبد النور في سوق الحسبة في حيفا في حادث تفجير قنابل وضعتها وحدة تابعة لمنظمة "الإيتسيل" المتشددة. ولم تستفق الطيرة من جرحها هذا إلا على حادث أشد هولاً عندما قامت خلية أخرى تابعة لنفس المنظمة بمهاجمة بعض بيوت الحارة الشمالية في الطيرة مستخدمة الرشاشات والقنابل اليدوية. وقد استشهد في هذا الهجوم 12 شخصاً وجرح ستة كانت غالبيتهم من عائلة حجير.

على أثر ذلك تأسست في الطيرة لجنة قومية للدفاع تكونت من: المختار عبد الله السلمان، سلمان عبد الله حجير، أحمد سليمان الصادق نايف العبد المحمود، حافظ النجم، راجح الفهد، عبد الرحمن البطل، موسى نمر أبو راشد، محمود حسن عمورة وأحمد محمود أبو غيدا. ثم استمر التراشق بالنيران بين مدافعي الطيرة ومسلحين يهود كانوا يأتون عادة من حي "أحوزا" طيلة كانون الثاني وشباط وآذار 1948. وفي السابع والعشرين من آذار 1948 جرت معركة بين مدافعي الطيرة ومجموعة تابعة لقوات "الهاجاناه" في منطقة وادي العين الواقعة شرقي الطيرة. وقد استشهد في هذه المعركة كل من مصلح خليل غنام ونمر منصور باكير وفيصل خضر القزلي.

في منتصف نيسان وصل إلى الطيرة بعض الضباط العراقيين والسوريين، ومعهم عشرات المتطوعين الذين عملوا على تدريب المدافعين وإقامة خطوط دفاع مضادة للدروع خاصة من الجهتين الشرقية والشمالية.

وفي الليلة الواقعة بين الخامس والعشرين والسادس من عشرين من نيسان 1948 قامت قوات يهودية راجلة معززة ببعض المركبات المسلحة بالرشاشات ومدفعين من طراز "براوننغ" وقاذفتي هاون، بمهاجمة الطيرة وذلك بقصد فحص قدرات الطيرة الدفاعية بعد سقوط مدينة حيفا قبل ذلك بثلاثة أيام. أطلق على هذه العملية اسم "حوف 1" أي "الشاطئ 1". بدأت في تمام الساعة الثالثة والربع فجراً، واستمرت حتى السابعة صباحاً بعدما نجح المدافعون بصد الهجوم ومنع المركبات اليهودية من التقدم. واستشهد جراء عملية القصف أربعة مواطنين وأحد المدافعين، في حين قتل أحد المهاجمين وجرح خمسة آخرون. وفي رسالة بعثها قائد العملية للقيادة المنطقية لـ"الهاجاناه" في حيفا قال: "وجدنا أن القرية محصنة كاللازم، وأن المدافعين يسيطرون على نقاط استراتيجية في مساحة قطرها كيلومتر واحد في أطراف القرية. كما ووجدنا المدافعين يتمتعون بمعنويات عالية وقدرات قتالية فعّالة".

بعد فشل هذه العملية كانت هناك صورة ضبابية عما يجري داخل الطيرة سيما وأن المدافعين قاموا بزرع الألغام على الطرق والمسالك الترابية المؤدية إليها. وقد تضاربت التقارير التي وردت لقيادة القوات اليهودية في المنطقة، ففي أحد التقارير التي كتبها أحد المخبرين العرب الذي نجح بالخروج من الطيرة قبل عملية زرع الألغام بأن عدد المقاتلين هناك يربو على الثمانمائة مقاتل، من أبناء الطيرة وقرى أخرى لجأوا إليها بعد تهجيرهم من قراهم الأصلية.

أما تقرير آخر فيتحدث عن ثمانين من العراقيين والسوريين والباقي من الفلسطينيين يقدرون بالعشرات. وعلى الأغلب فإن القول الثاني هو الأقرب إلى الدقة لأن مجموع ما خرج من الطيرة من المقاتلين بعد سقوطها في السابع عشر من تموز 1948 كان أقل بكثير من رقم الثمانمائة. أما بالنسبة للعتاد فقد كان مقاتلو الطيرة قد استولوا على بعض العتاد الثقيل والمدافع والرشاشات الحديثة من المعسكر البريطاني الذي كان غربي القرية، بل إن بعض التقارير التي وصلت القيادة اليهودية تتحدث عن وجود دبابتين وأكثر من عشرة مدافع من طرازات مختلفة وعشرات الرشاشات من طراز برن وهوتشكيز والكثير من صناديق الذخيرة. وتحدث أيضا أحد هذه التقارير عن وجود ثمانية من الضباط والجنود البريطانيين الذين تركوا المعسكر البريطاني بعد خروج الإنجليز من فلسطين وانضموا للمدافعين عن الطيرة.

لا شك أن هناك بعض المغالاة في هذه التقارير خاصة فيما يتعلق بجنود انجليز انضموا للمدافعين عن الطيرة إذ لم نجد في الروايات الشفوية ذكراً لذلك.

منذ نهاية نيسان بدأ الضغط العسكري اليهودي على الطيرة يزداد يوماً بعد يوم، وتحول في أيار إلى قصف من الجو والبحر والبر بشكل شبه يومي، الأمر الذي جعل قادة الحامية يعمدون لإخلاء النساء والأطفال والشيوخ إلى قرى جبع وإجزم وعين غزال، وعائلات أخرى إلى منطقة وادي عارة.

في الأسبوع الثاني من تموز تحدث التقارير الاستخباراتية اليهودية عن مغادرة جماعية للسكان خلا المقاتلين، وبناء على هذه المعلومات تعرضت القرية لقصف جوي رهيب طيلة الأسبوع الواقع بين العاشر والسابع عشر من الشهر ذاته أسفرت عن استشهاد أكثر من عشرين شخصاً من المدافعين والأهلين. وبسبب تناقص الذخيرة والمؤن بشكل كبير تشكلت لجنة من السكان الباقين لمفاوضة اليهود على تسليم القرية وإبقائها قرية مفتوحة وآمنة، ولكن المفاوضين اليهود وضعوا شروطاً تعجيزية وطلبوا استسلام القرية بلا قيد أو شرط، الشيء الذي لم يدع لوفد الطيرة أي بديل عن الاستمرار بالقتال حتى الطلقة الأخيرة وهذا ما حصل بالفعل وقد لخص قائد العملية من لواء "الكسندروني" عملية احتلال الطيرة في السابع عشر من تموز 1948 كالتالي: "قرية الطيرة الواقعة بجانب حيفا احتلت هذا الصباح من قبلنا بعد مقاومة عنيدة، عمليات تطهير القرية ما زالت مستمرة، بعض السكان نجحوا بالفرار نحو جبع وإجزم".

أثناء احتلال القرية تم اعتقال عشرات الشبان وبعثهم إلى معسكر الاعتقال في عتليت، أما من بقي من السكان فقد حملوا في شاحنات أنزلتهم في مفرق اللجون ليتوجهوا إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات الأردنية.

وتفيد الروايات الشفوية أنه أثناء عملية الطرد لم يتمكن بعض العجزة وكبار السن من اللحاق بركب التهجير السائر تحت حث الجنود وعصيهم الغليظة، فتم تجميعهم في أحد حقول القمح المجاورة لمفرق اللجون وحرقوا أحياء. ويتراوح عدد هؤلاء حسب الروايات المختلفة بين 14 -21 شهيداً وشهيدة.

بقيت بعض العائلات شرقي الطيرة فترة تقارب الخمسين عاماً، وكان عددهم في الستينيات والسبعينيات قرابة 300 نسمة. أقيمت لهم مدرسة أغلقت أبوابها عام 1979 وبعدها بدأ عقدهم بالانفراط والمغادرة إلى عسفيا وحيفا وأماكن أخرى وذلك في ظل عدم الاعتراف بهم وتزويدهم بالخدمات الأساسية، علماً بأنه لم يبق منهم اليوم سوى عائلتبن اثنتين تذكران ما كان مرة قرية زاخرة بالحياة تسير بخطى حثيثة نحو التحديث والتطور.

قصة معركة عراق المنشية.. من دفاتر النكبة (17)


من دفاتر النكبة (17): قصة معركة عراق المنشية..
د.مصطفى كبها/ خاص بـ عــ48ـرب
عراق المنشية قرية من قرى قضاء غزة الانتدابي، تبعد عن غزة 30 كم باتجاه الشمال الشرقي. تحدها من الغرب قرى الفالوجة وحتّا والجسير وعراق سويدان ومن الشمال الغربي صميل الخليل ومن الشرق بيت جبرين وزيتا الخليل وقد انتشرت من حولها كذلك مضارب عشيرة الجبارات.
بلغ عدد سكان القرية عشية النكبة قرابة 2500 نسمة، في حين بلغت مساحة أراضيها 14000 دونم زرعت معظمها بالغلال والحبوب والقسم الأخر ببساتين الفواكه (العنب واللوز والزيتون والحمضيات) والخضراوات. كان في القرية مسجدان ومقام (مقام الشيخ أحمد العريني الذي كان يقع على تل صغير في الجهة الشمالية للقرية)، وكذلك مدرسة بلغ عدد طلابها عشية النكبة 270 طالباً.

في ثورة 1936 -1939 كان في القرية فصيل ثوري نسق نشاطه مع قائدي منطقة الخليل عيسى البطاط وبعده عبد الحليم الجولاني.

في حرب عام 1948 وبعد دخول الجيش المصري فلسطين (مع باقي الجيوش العربية ) في الخامس عشر من أيار 1948 تمركزت في عراق المنشية والفالوجة وحدات من الكتيبة المصرية السادسة التي كان يقودها العقيد سيد طه (المعروف بلقب الضبع الأسود ) في حين كان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قائد أركان هذه الكتيبة وقد كان في حينه برتبة بكباشي (مقدّم).

في شهر تشرين الأول 1948 بدأ تراجع للقوات المصرية بعدما كانت قد وصلت إلى منطقة شمال أسدود (على بعد 17كم من تل أبيب) في الغرب وإلى منطقة الخليل وبيت لحم في الشرق.

في الخامس عشر من تشرين الأول قامت وحدة إسرائيلية تابعة للواء "يفتاح" باحتلال خربة الراعي الإستراتيجية المسيطرة على شارع المجدل – الخليل. وقد أوجب ذلك من الجيش المصري محاول استعادة هذه النقطة المهمة. ويفيد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مذكراته عن حرب فلسطين أنه أشرف بنفسه على التحضيرات للهجوم المعاكس الذي تحدد له تمام الساعة الخامسة من فجر يوم السادس عشر من الشهر ذاته.

عندما كانت التحضيرات المصرية للهجوم المعاكس بأوجها والتي كانت تتم في قرية عراق المنشية، قرر يجئال ألون، القائد الإسرائيلي للمنطقة الجنوبية في حينه، مهاجمة عراق المنشية ومنع خروج القوات المصرية للهجوم، وقد حدد ساعة الصفر للهجوم الإسرائيلي الموعد المصري ذاته.

كانت خطة الهجوم الإسرائيلي تقضي بأن تتم مهاجمة عراق المنشية من الشمال، وأن تشترك فيه قوات تابعة للوائين السابع والثامن التابعين للواء النقب بقيادة عوزي نركيس على أن تفوز هذه القوات بدعم من سلاح الجو واللواء المدرع الثاني والثمانين الذي أمد العملية بطاقمين انجليزيين لدبابتي "كرومويل" مع مدافع قطرها 57 ملم وثمانية طواقم شغلت ثماني دبابات فرنسية من طراز هوتشكيز مع مدافع قطرها 37 ملم، هذا إضافة إلى بضعة مدرعات خفيفة وسيارات الجيب المصفحة.

كان من المفروض أن تتم السيطرة على بعض مرابض المدفعية المحيطة بكيبوتس "جات" والمشرفة على عراق المنشية، وذلك تحت غطاء من القصف الجوي المركز، والذي كان من المفروض أن يبدأ تمام الساعة الخامسة صباحاً ولكن الطائرات تأخرت بالوصول وتم إرجاء الشروع به ساعة كاملة، بحيث بدأ بقصف مركز على مدرسة القرية التي تحصن فيها الجنود المصريون وبقصف على طول الشارع العام الذي يربط عراق المنشية بالفالوجة.

لم يطل الوقت وبدأ المصريون يردون على القوات المهاجمة بقصف مدفعي عنيف بقنابل زنة 25 رطلاً، من المدافع المصرية المنصوبة في الفالوجة وفي تل الشيخ العريني المشرف على عراق المنشية. ولما لم يكن لظهور الدبابات الإسرائيلية العامل النفسي الهدام الذي توقعه يتسحاق سديه في توجيهاته للقوات المهاجمة، بدأت القوات المصرية بهجوم معاكس ضد بعض السرايا الإسرائيلية التي نجحت بالتسلل نحو القرية تحت غطاء القصف المدفعي والجوي المركز. كانت المعركة الفاصلة في محيط مدرسة القرية التي وصلت طلائع القوة الإسرائيلية المدرعة إلى بعد أمتار قليلة عنها. وهناك تم إعطاب دبابتين من طراز هوتشكيز والاستيلاء على أخريين في حين تم إصابة وأسر كافة طواقمها.

مع تقدم ساعات القتال تمت إصابة أكثر من ثلث القوات المهاجمة وإعطاب نسبة كبيرة من عتادها الحربي، في حين لم يتمكن سلاح الجو من التدخل في ظل الالتحام الحاصل بين القوات في محيطي المدرسة وتل الشيخ العريني.

تراجعت القوات المهاجمة في الساعة العاشرة قبل الظهر لتبدأ موجة هجوم أخرى في الحادية عشرة، وقد قام المدافعون المصريون بصد هذه الموجة أيضاً تمام الثانية بعد الظهر بعد أن تكبدت المزيد من القتلى والجرحى وخسرت أربع دبابات أخرى.

لم تيأس القوات المهاجمة وزجت لأرض المعركة بقوات جديدة بدأت هجوماً ثالثاً في الرابعة والنصف استمر حتى غروب الشمس. وقد صده هذه المرة هجوم مصري كاسح، وتتبع بالقصف المدفعي المركز فلول المهاجمين حتى قرية القسطينة المهجرة. كانت الخسائر البشرية للقوات المهاجمة 74 قتيلاً و81 جريحاً، في حين بلغت خسائر الطرف العربي 24 شهيداً (منهم أربعة من المدنيين الفلسطينيين والباقي جنود مصريون) و32 جريحاً (نصفهم من المدنيين).

لم تهاجم القوات الإسرائيلية، هجوماً مباشراً، عراق المنشية مرة أخرى، بل تجاوزتها في تقدمها نحو الجنوب لاحتلال بئر السبع وباقي أجزاء النقب. بقيت هذه القرية وقرية الفالوجة صامدتين فيما عرف باسم " جيب الفالوجة حتى تم توقيع اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل وانسحاب القوات المصرية من ذلك الجيب وعن ذلك سنتحدث في حلقات قادمة من هذه السلسلة.

حكاية بئر السبع عاصمة الجنوب المنسية.. من دفاتر النكبة (16)


من دفاتر النكبة (16): حكاية بئر السبع عاصمة الجنوب المنسية..
د.مصطفى كبها/ خاص بـ عــ48ـرب
لعل قصة مدينة بئر السبع هي من أشد نقاط الضعف التي تعانيها الرواية التاريخية الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بقصة التهجير واللجوء. في حين يبدو تغييب الرواية الصهيونية للماضي العربي لبئر السبع أمراً معروفة دوافعه وأهدافه فإن هذا التغييب والتجاهل من الرواية الفلسطينية هو أمر غريب بل ومستهجن.

إزاء هذا الإهمال من جانب الرواية الفلسطينية علينا أن لا نعجب من تبني طلابنا الجامعيين وطالبي العلم والمعرفة على مختلف اهتماماتهم ومشاربهم لرواية الطرف المهيمن، لأن هذه الرواية هي الرواية السائدة والشائعة والمتواجدة في متناول اليد.

اسم بئر السبع هو اسم قديم ينسب البئر إلى سبع (حيوان بري مفترس) كان يعيش في محيطها، وليس كما يحاول البعض تفسيره بأنه نسبة إلى سبع آبار كما تقول الرواية العبرية، وإذا كان الأمر كما يقولون فلماذا سبق المعدود العدد؟ ولماذا تظهر لفظة بئر بصيغة المفرد إذا كان الحديث عن سبع آبار بالفعل؟

هناك مغالطة تاريخية نرى لزوماً علينا تصحيحها وهي القول بأن مدينة بئر السبع أقيمت عام 1900. ما علينا قوله هو إن العثمانيين جددوا بناء بئر السبع عام 1900 وذلك كي تكون مناسبة لمكانة عاصمة القضاء، والأصح القول بأنها مدينة قديمة أقيمت على الأغلب في عهد الكنعانيين وازدهرت في العصور التالية، وفي صدر الإسلام أطلق عليها البعض اسم "بلد عمرو" أو "مدينة عمرو"، وذلك نسبة لعمرو بن العاص فاتح مصر الذي يقال بأنه قضى الفترة الأخيرة من حياته في بئر السبع وكذلك فعل ابنه عبد الله.

كانت بئر السبع في هذه الفترة مفترق طرق ومحطة تجارية مهمة على الطريق بين مصر وبلاد الشام. ولكن تحول الاهتمام إلى طرق ونقاط أخرى أثر على مكانة هذه المدينة التي أهملت في القرن الحادي عشر الميلادي وتراجعت لتكون بلدة صغيرة في العهود الأيوبية والمملوكية، وعندما دخلها العثمانيون عام 1519 تحدثوا عن "بلدة صغيرة ومهملة".

بئر السبع الحديثة: عادت الحياة تدب في شرايين بئر السبع بعد أن قرر العثمانيون جعلها عاصمة لقضاء الجنوب الذي كان أكبر الأقضية في فلسطين (شكل فيما بعد 40 % من مساحة فلسطين الانتدابية)، حيث أقيم فيها مجلس بلدي ودار للحكومة. وتسارع تطور المدينة بعد وصول سكة الحديد الحجازية إليها عام 1905 الشيء الذي جعلها تلعب دور الحاضرة المدنية لمناطق النقب كافة، بحيث أصبحت مركز جذب لأبناء الأرياف والبادية الذين وجدوا فيها رزقاً ومتنفساً. وفي الحرب العالمية الأولى اكتسبت بئر السبع مكانة مميزة بسبب جعلها قيادة لجمال باشا لبضع الوقت وقد اصدر فيها جريدة ناطقة باسمه سماها "الصحراء المصورة".

بدأ المبنى الاجتماعي لسكان المدينة بالتشكل بداية من عائلات الموظفين الذين جاؤوا من مدن أخرى كغزة والقدس ويافا ونابلس، وبعد ذلك بدأت عملية توطين طبيعية لأبناء البادية الذين أخذ عددهم بالتزايد ليصبحوا أغلبية سكان المدينة في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.

في هذه الفترة، تزايد عدد سكان المدينة تزايداً ملحوظاً فمن 300 نسمة عام 1900 وصل عددهم إلى 7200 نسمة عام 1948. هذا علماً بأن عدد السكان عشية النكبة كان أكثر من ذلك بكثير لأن العديد منهم كانوا يعدون مع عشائرهم خارج المدينة وليس مع سكانها.

كان في بئر السبع مدرستان ابتدائيتان، واحدة للبنين وأخرى للبنات ومدرسة داخلية. وفي العام الدراسي 1947 -1948 (العام الدراسي الأخير قبل النكبة) أصبحت المدرستان مدرستين ثانويتين وكان مجموع عدد الطلاب فيهما 600 طالب منهم 290 طالبة.

كانت منطقة بئر السبع منطقة ناشطة في ثورة 1936 -1939 وقد تولى بعض شيوخ العشائر قيادة الفصائل الثورية في المنطقة التي عدت ضمن منطقة نشاط قائد منطقة الخليل عبد الحليم الجولاني (الشلف) الذي احتل مدينة بئر السبع في تشرين الثاني عام 1938.

التهجير: تولت الدفاع عن مدينة بئر السبع وحدات شبه نظامية من المتطوعين العرب بقيادة عبد الله أبو ستة ووحدات من متطوعي الأخوان المسلمين الذين عملوا، قبل ذلك، تحت قيادة الشهيد أحمد عبد العزيز وبعض مفارز المشاة من الجيش المصري.

بلغ مجموع المقاتلين العرب هناك قرابة 400 مقاتل، تحصنوا في مبنى شرطة المدينة وفي محطة القطار التركية وفي مدرستي المدينة. وكان سلاحهم مكوناً، بالإضافة للبنادق الخفيفة، من سبع قاذفات هاون، مدفعين زنة ستة أرطال وبطارية مدفع جبلي عيار 3.7 بوصة، و3 مدافع مضادة للطائرات وأربع مدرعات خفيفة غنموها من الجيش الإسرائيلي بعد معركة عراق المنشية الأولى وثلاث مدرعات بريطانية خفيفة.

بدأ الهجوم الإسرائيلي على بئر السبع تمام الساعة الثالثة من مساء العشرين من تشرين الأول 1948 من خلال قصف جوي مركز وعنيف وقصف مدفعي من مدافع تمركزت إلى الغرب من المدينة، في منطقة كيبوتس "حتسيريم".

بعد ساعتين من صب الحمم على المدينة تقدمت وحدة من اللواء الإسرائيلي التاسع، واحتلت الحي الحديث الذي كان خارج خطوط الدفاع المحفورة المانعة للمدرعات والتي أقيمت حول الأحياء القديمة. عند وصول طلائع القوة الإسرائيلية إلى منطقة المقبرة الإسلامية ووجهت بمقاومة عنيفة نجحت بإيقافها وتكبيدها العديد من الخسائر بشكل استدعى التراجع بقصد التعامل مع الحامية العربية بالقصف الجوي مجدداً.

بعد قصف جوي مركز لفترة ساعات إضافية استطاعت وحدة مشاة مهاجمة من اقتحام محطة القطار ومبنى المدرسة الداخلية، وبذلك تم تطويق الحامية التي تجمعت مجدداً في مبنى الشرطة من الوراء. وقد دارت على إثر ذلك معركة وجهاً لوجه وفي السلاح الأبيض من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت.

وفي الساعة العاشرة إلا ربعاً تم إخضاع آخر نقاط المقاومة، التي تعرضت للهجوم من جهات مختلفة، وأسر من كان داخل مركز الشرطة من جنود مصريين ومتطوعين فلسطينيين.

خسرت القوات المهاجمة ستة قتلى و21 جريحاً، في حين بلغت خسارة الطرف العربي 12 شهيداً من المقاتلين و21 شهيداً من المدنيين، في حين أصيب بجراح 44 شخصاً من المقاتلين والمدنيين.

وهكذا نجحت القوات اليهودية باحتلال بئر السبع، حاضرة النقب العربي، وتهجير أهلها بعد أن فشلت باحتلال عراق المنشية والفالوجة قبل ذلك بأسبوع. وقد بقيت هاتان القريتان صامدتين فيما عرف باسم " كيس الفالوجة " حتى إخلائهما من قبل الجيش المصري طبقاً لاتفاقية الهدنة الموقعة بين مصر وإسرائيل في شباط عام 1949.

فوزي القاوقجي ومعركة ’’مشمار هعيمق’’.. من دفاتر النكبة (15)

من دفاتر النكبة (15): فوزي القاوقجي ومعركة ’’مشمار هعيمق’’..
د.مصطفى كبها/ خاص بـ عــ48ـرب
تعتبر شخصية فوزي القاوقجي من الشخصيات المؤثرة والمثيرة للجدل في التاريخ الفلسطيني الحديث خاصة في تلك الفترة المفصلية التي جمعت ثورة 1936 -1939 ونكبة 1947 -1947. شهدت كيفية تسجيل نشاطه في النضال الوطني الفلسطيني في الذاكرة الجماعية الفلسطينية والعربية مراوحة بين وصفه بالبطل المغوار والقائد العسكري المتمرس في مراحل معينة (خاصة في تلك الفترة الدقيقة المشار إليها أعلاه) وبين نعته بعد ذلك بالخيانة أو التقصير والتفريط على أقل تقدير.

ولد فوزي القاوقجي في طرابلس لبنان عام 1890، تجند في الجيش العثماني وترقى إلى رتبة ضابط كبير في سلاح الخيالة. شارك في معارك الحرب العالمية الأولى على أكثر من جبهة: في العراق والبلقان وفلسطين، وجرح فيها أكثر من مرة.

اشترك القاوقجي كذلك في الثورات السورية المختلفة في عشرينيات القرن الماضي وعند تأسيس الكلية العسكرية في بغداد عين محاضراً فيها، وهناك حصل على الجنسية العراقية التي كانت قد سحبت منه بعد ذلك بعد اشتراكه في ثورة أيار 1941 التي قادها رشيد عالي الكيلاني.

في الثورة الفلسطينية لعام 1936 -1939 قاد القاوقجي أربعة فصائل من المتطوعين العرب الذين وصلوا إلى فلسطين في آب 1936 وغادروها في تشرين أول من السنة ذاتها. أقام القاوقجي قيادة له على جبل حريش قرب قرية صانور في منطقة المثلث الكبير ( جنين – نابلس –طولكرم ). وهناك انضمت إليه بعض الفصائل المحلية ليخوض معها أربع معارك ضد القوات البريطانية في بلعا وجبع وبيت أمرين وكفر صور. بعد هذه المعارك التي حقق فيها القاوقجي بعض المنجزات وأظهر فيها بعض ملامح القيادة الميدانية، أحكم البريطانيون حصارهم لقواته في منطقة جنين وسهل طوباس. وقد توصل الطرفان، كما يبدو، إلى تفاهمات سمحت للقاوقجي وقوات المتطوعين العرب بمغادرة فلسطين في الرابع عشر من تشرين الأول من خلال فتحة في الطوق بجانب إحدى العبّارات على نهر الأردن. وعند تجدد الثورة المسلحة في تموز 1937 كان قادتها هذه المرة من الفلسطينيين.

لم تنته بذلك قصة القاوقجي مع فلسطين، فمع اندلاع المصادمات المسلحة بين العرب واليهود على أثر صدور قرار التقسيم من قبل الأمم المتحدة في تشرين الثاني 1947، قامت اللجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية بإرسال بعض الألوية العسكرية على عجل، وقد أطلق على هذه الألوية اسم " جيش الإنقاذ ". كان هذا الجيش تحت القيادة العليا للجنرالات العراقيين إسماعيل صفوت وطه الهاشمي، في حين أشغل القاوقجي منصب القائد الميداني في منطقة المثلث الكبير والأغوار في مراحل القتال الأولى وفي منطقة الجليل في مراحلها المتأخرة.

يقع كيبوتس "مشمار هعيمق"، الذي كان تأسس عام 1926 وكان يسكنه في ذلك الحين 600 نسمة، على جانب الطريق الرئيسي الذي كان يربط جنين بحيفا، على بعد قرابة 26 كم إلى جهة الجنوب الشرقي من حيفا. وقد أحاطت به بعض القرى العربية مثل أبو شوشة، أبو زريق والغبيّات.

في مطلع نيسان 1948 أراد القاوقجي أن يخفف من الضغط اليهودي على الأحياء العربية في حيفا من خلال مهاجمة بعض المستوطنات اليهودية الواقعة على طريق حيفا جنين وقد وقع الاختيار على كيبوتس "مشمار هعيمق".

جعل القاوقجي من قرية المنسة (آخر قرى قضاء جنين من جهة حيفا ) مقراً لتجميع وتنظيم القوات المهاجمة. اشترك في عمليات التحضير للهجوم فوج القادسية بقيادة الضابط العراقي صالح مهدي، وفوج اليرموك بقيادة الضابط السوري محمد صفا، وسرية من فوج حطين كانت تحت القيادة المباشرة لفوزي القاوقجي، هذا إضافة إلى فصائل مسلحة من المقاتلين الفلسطينيين قادهم علي الفارس محاميد من أم الفحم. كان بحوزة القوات المهاجمة بطاريتا مدافع فرنسيتا الصنع من عيار 75 ملم وراجمات هاون من عيار 81 ملم وعشر مدرعات خفيفة.

في ساعات بعد الظهيرة من يوم الرابع من نيسان 1948، بدأت القوات المهاجمة عملية الهجوم بقصف مركز على الكيبوتس، وقد سبب القصف أضراراً هائلة خاصة بكل ما يتعلق بالبنى التحتية وخطوط الدفاع الأولى. وما أن حلت ساعات المساء الأولى حتى كان قرابة 400 مقاتل من جيش الإنقاذ يقطعون الأسلاك الشائكة المحيطة بالمستوطنة، ويشتبكون مع المدافعين من قوات "الهاجاناه" وجهاً لوجه. استغل المدافعون توقف القتال في ساعات الليل ليخرجوا من الكيبوتس (من جهة الغرب التي كانت مازالت مفتوحة ) النساء والأطفال كما ووصلتهم نجدات جدية من السلاح وكتيبة كاملة من قوات "الهاجاناه" بقيادة مئير عميت.

في صباح يوم الخامس من نيسان واصلت قوات جيش الإنقاذ التي كانت قد تمركزت على الشارع الرئيسي جنين – حيفا ( قرابة المئة متر شرقي مشمار هعيمق) قصفها الشديد للكيبوتس، وقام المقاتلون الفلسطينيون تحت غطاء ذلك القصف بالاستيلاء على بعض التلال المهمة المحيطة بالمستوطنة، خاصة تل خربة بيت راس الواقع شمالها.

في ظهيرة اليوم ذاته تدخل قائد القاعدة الجوية البريطانية المجاورة، وعرض وقفاً لإطلاق النار لمدة 24 ساعة ليتسنى إخلاء القتلى والجرحى. وسارع الطرف اليهودي بقبول العرض، ولم يتردد الطرف العربي بقبوله هو الآخر الأمر الذي يطرح جملة من التساؤلات حول مدى حاجة الطرف العربي لهذا الوقف لا سيما وأنه كان على وشك إتمام احتلال المستوطنة. وقد يكون لهذا الموقف بالذات حصة الأسد في الشائعات التي انطلقت حول شخصية القاوقجي وعن وجود علاقات خفية بينه وبين القوات اليهودية.

استغل الطرف اليهودي فترة الأربع وعشرين ساعة أحسن استغلال، وقد تم إخلاء كافة السكان من غير العسكريين واستقدام كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة والمقاتلين، حيث قدم إلى منطقة الجعّارة (على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الغرب من مشمار هعيمق ) اللواء الأول التابع لقوات "البلماح" بقيادة حاييم أبي نوعم. وضع الأخير خطة الهجوم المضاد الذي نوت القوات اليهودية شنه فور انتهاء الهدنة القصيرة. وقد اقتضت خطة الهجوم أن تقوم قوات "البلماح" بشن سلسلة من هجمات التغطية والتضليل على بعض القرى العربية في المنطقة وذلك بقصد تشتيت الجهد العربي في منطقة "مشمار هعيمق" وتجنيب الكيبوتس الدمار في حالة لو انطلق الهجوم من داخله.

بدأ الهجوم المضاد في الثاني عشر من نيسان 1948 حيث نجحت قوات "البلماح" باحتلال قرى الغبيات وأبو شوشة وأبو زريق وهاجمت المنسة واللجون، لكنها لم تنجح في حينه باحتلالها، وقد هدمت القرى التي جرى احتلالها على الفور وذلك لمنع عودة سكانها ومنع استغلالها مجدداً قواعد لمهاجمة القوات اليهودية. أصاب سقوط تلك القرى السريع جنود جيش الإنقاذ المهاجمين لـ"مشمار هعيمق" بالإحباط هذا إضافة إلى أخبار محبطة أخرى وصلت من جبهة القدس تحدثت عن استشهاد عبد القادر الحسيني، قائد جيش الجهاد المقدس الفلسطيني، في معركة القسطل في الثامن من نيسان وأخبار المجزرة الفظيعة التي وقعت غداة ذلك أثناء احتلال القوات اليهودية لقرية دير ياسين المحاذية للقدس.

هاجمت قوات "البلماح" قوات القاوقجي من جهتين: من جهة الغبيات في الجنوب، ومن جهة أبو شوشة من الشمال، وأصبح مقاتلو جيش الإنقاذ في مرمى نار القوات المهاجمة من الجهتين، إضافة إلى نيران المدافع الرشاشة التي انطلقت من داخل الكيبوتس. وبذلك وقع الجنود الذين كانوا ينتظرون استسلام الكيبوتس في مصيدة نيران شديدة أدت إلى سقوط العشرات منهم وتراجع الباقين إلى المنسة واللجون. وبذلك انتهت هذه المعركة بفشل الهجوم وتراجع جيش الإنقاذ إلى مواقع دفاعية.

كان مجموع قتلى القوات اليهودية في المعركة قرابة العشرين في حين بلغ عدد الجرحى العشرات، أما في الطرف العربي فقد قدر عدد الإصابات بمائة بين شهيد وجريح.

أثر فشل القاقوجي في "مشمار هعيمق" معنوياً على معنويات المقاتلين في العديد من المدن والقرى العربية، كانت أولها مدينة حيفا التي سقطت في الثاني والعشرين- الرابع والعشرين من نيسان وباقي القرى في الجهة الشرقية الجنوبية لقضاء حيفا والتي سقطت في تلك الفترة تباعاً.

بيسان: قصة اندثار مدينة كانت سباقة في عصر الحداثة.. من دفاتر النكبة (14)

من دفاتر النكبة (14):
بيسان: قصة اندثار مدينة كانت سباقة في عصر الحداثة..


خاص بـ عــ48ـرب/ د.مصطفى كبها
مدينة بيسان مدينة عريقة تضرب جذورها عميقاً في التاريخ على مدار قرابة خمسة آلاف سنة خلت. تقع هذه المدينة في الظاهر الجنوبي – الشرقي لمرج ابن عامر وعلى الأطراف الغربية لغور الأردن، وتبعد عن بحيرة طبريا 25 كم باتجاه الجنوب.

كانت في فترة الانتداب البريطاني مركز قضاء حيث حملت ملامح مدينة رغم قلة عددها سكانها (قرابة 6000 نسمة عشية النكبة ) سكنها خليط من أهل المدن والفلاحين والبدو ومن القبائل التي عاشت في محيطها الغزاوية والصقور والزيناتي والبشاتوة والبواطي. كان معظمهم يسكنون في خيام وبيوت من طين.


جاءت إليها عائلات من دمشق ونابلس والناصرة واستقرت فيها، هذا فضلاً عن بعض العشائر البدوية التي استقرت فيها مع بداية سنوات العشرينيات من القرن الماضي وخاصة من عرب الغزاوية والغوارنة. تشكل سكان المدينة من فسيفساء إثني وطائفي حيث سكنها العرب وبعض العائلات اليهودية (حتى العام 1929 ) والأرمنية والشركسية ومن الناحية الطائفية سكنها بالإضافة للمسلمين ( الذين شكلوا غالبية السكان ) أبناء بعض الطوائف المسيحية كالكاثوليك والأرثذوكس والأرمن.

بلغت مساحة أراضي بيسان حوالي 35000 دونم تم فرزها عام 1921 حسب اتفاقية فرز أراضي الغور. وقد نجحت المؤسسات الصهيونية بشراء ما يقارب 40% من مساحة هذه الأراضي خلال فترة الانتداب. زرعت هذه الأراضي بالغلال كالحنطة والشعير والذرة والسمسم ونسبة منها زرعت بأشجار الفاكهة كالموز والمشمش والرمان والتفاح والحمضيات.

لم تكن الزراعة مكان العمل الأساسي لسكان بيسان، بل عمل الكثيرون منهم كحرفيين وفي التجارة وفي الوظائف الحكومية. فمن الفئة الأولى نذكر : سالم السالم (حداد)، عبد الكريم قادري (نجار )، عبد الكريم سليم حجازي (نجار )، شفيق حداد (حداد )، نديم أبو غزالة (خياط )، مسعود درويش (خياط)، فوزي درويش أحمد (خياط ) ومحمد جلاد الصانوري ( خياط ).

ومن الفئة الثانية نذكر سعيد صالح عنبتاوي ( تاجر غلال وقماش )، إبراهيم حنا سابا ( تاجر وقود ووكيل شركة واكوم لإنتاج الوقود وتسويقه )، إسماعيل جمعة الشامي ( تاجر غلال وأقمشة)، إبراهيم حنا قبعين ( تاجر غلال وأقمشة )، سعيد ناجي عبد العلي ( تاجر غلال وأقمشة )، وآدم السالم ( تاجر قطع غيار للسيارات ووكيل شركة شل للوقود ). أما في الفئة الثالثة فقد عمل العديد من أبناء بيسان في الوظائف الحكومية المختلفة خاصة في إدارة الأشغال العامة والشرطة والجيش، نذكر منهم توفيق صالح تهتموني الذي كان ضابطاً كبيراً في سلاح حرس الحدود، عبد الله أبو رحمون ( دائرة الصحة )، حبيب وهبة ( محاسب بلدية الناصرة )، سلمان سليم أبو رحمون ( سكرتير بلدية بيسان )، جريس إبراهيم العورة ولبيب جريس حبيب وكامل الجندي (دائرة المساحة )، ناجي سعيد عبد العلي ( شرطة )، سليمان ديب العلي ( شرطة )، داود أسعد علي التهتموني ومحمد سعيد الناجي ( دائرة البريد، فرع بيسان )، عبد الرحمن درويش أحمد ( محاسب بلدية بيسان )، محمد ذيب علي تهتموني (معلم في بيسان ) أمينة أبو دراز ( معلمة في الطنطورة )، ربيحة حمادة ( معلمة في بيسان )، يسرى حمادة ( معلمة في بيسان )، صبحي عبد الله أبو رحمون، حسني محمد حسن أبو خليل ( معلم لغة عربية )، حسني منصور ( معلم علوم )، عدنان محمد سعيد الحلبوني ( معلم، أصبح طبيباً بعد التهجير ).

كانت في بيسان حركة تجارية نشطة، وكان فيها عدد من الدكاكين والمحال التجارية نذكر منها: دكان بنّا وسالم، دكان داود الطاهر وشركاه، دكان سعيد التميمي، دكان أحمد بندقجي الشامي، دكان مصطفى سليم صالح وشركاه ودكان إبراهيم أبو علي.

كما وكانت فيها مدرستان واحدة للبنين وأخرى للبنات، وقعت الأولى إلى الغرب من عمارة السرايا (مقر القائمقام العثماني أثناء الفترة العثمانية المتأخرة ) بعشرين متراً. أما الثانية فقد وقعت شمال الشارع الرئيسي وكانت عبارة عن بناية صغيرة حجرية سوداء مظللة بالأشجار. تعلم الطلاب في المدرسة الابتدائية للبنين حتى الصف الثالث، وكانت البناية مكونة من غرفة معلمين وثلاث غرف تدريس، كان مديرها حسن فرحان المصري وبعده أحمد الموسى من كفر قدوم، أما المعلمون فكانوا عزيز الخوري من الرينة، فؤاد مرعي من جنين، صبحي عبد الله أبو رحمون ومحمد ديب تهتموني من بيسان.

بيسان وثورة 1936 -1939: كانت بيسان نشيطة جداً في ثورة 1936 -1939 وكان فريد فخر الدين من أبرز الناشطين في المجال الوطني منذ العشرينات. وقد سجن أثناء الثورة في سجني صرفند وعوجا الحفير. وقد انضم لحركة الشيخ عز الدين القسام من بيسان كل من الشيخ محمد حنفي ومحمد عبد الهادي فخر الدين وعبد الجبار عبد الرحيم فخر الدين. أما رؤساء الفصائل في الثورة فكانوا: الشيخ عبد أبو رحال وقد استشهد في صدام مع قوة الحدود البريطانية، فؤاد عبد القادر الأحمد، ومصطفى أبو شام وقد استشهد في نهاية الثورة. أما من الثوار فقد كان كل من: محمد عبد الله العلي، سليم شاتي الحمدان، محمود عبد الله مرجان، فياض أبو سرية، محمود أبو سرية، عبد الله عبد أبو حسونة، كامل حسين أبو صقر، حمدي رباح أبو علي (اعتقل لمدة سنة ) محمد أعد أبو سرية (اعتقل لمدة ثلاث سنوات)، نايف محمود حلبوني ( شهيد، نفذ فيه حكم الإعدام بعد اعتقاله )، عيد محمد عطاري (شهيد )، مصطفى أحمد نداف، سعيد إبراهيم نداف، درويش صالح أبو زنط، خليل حسن المحروم (شهيد )، عبد الرحيم جاد الحاج (شهيد، نفذ فيه حكم الإعدام )، سلامة صالح برو ( اعتقل لمدة ستة اشهر ).

وقد لاحقت السلطات العسكرية البريطانية الثوار في بيسان وهدمت بيوت من ساعدهم أو آواهم، وفي معظم الحالات تم إعادة بناء تلك المنازل مباشرة بعد هدمها. ومن البيوت التي هدمت أثناء الثورة نذكر: بيت محمد ياسر محمود، بيت آدم السالم، بيت محمد سعيد حلبوني، بيت عبد سليم حلبوني، بيت يوسف العساف وبيت الحاج يوسف شلبية.

التهجير : تم احتلال بيسان وتهجير أهلها في الثاني والثالث عشر من أيار 1948. وقد كان الوضع في جبهة المدينة والمناطق المحيطة فيها بين أخذ ورد منذ مطلع العام 1948. وقد أنيطت مهمة الدفاع عن بيسان بقوات محلية جندتها اللجنة القومية من قدامى ثورة 1936 -1939 ومن رجال القرية الذين كان لهم تجربة عسكرية ممن خدموا في الجيش البريطاني وشرطة الانتداب.

بلغ مجموع هؤلاء المدافعين قرابة 150 مسلحاً هذا إضافة إلى قرابة 200 متطوع عربي جاؤوا مع وحدات جيش الإنقاذ. غادرت القوات البريطانية المدينة في الثامن والعشرين من نيسان مخلية ثلاث نقاط إستراتيجية مهمة أحاطت بالمدينة وهي محطة القطار في الجهة الشمالية الغربية من المدينة ومعسكر الجيش البريطاني في الجهة الشمالية ومركز الشرطة في جهة الجنوب الشرقي. سيطر اليهود على النقطتين الأوليتين، واستولوا في معسكر الجيش على كميات كبيرة من العتاد والذخيرة، في حين سيطر العرب على نقطة الشرطة.

في العاشر من أيار تم احتلال قرية الأشرفية في الجهة الجنوبية للمدينة. وقد أثر سقوط تلك القرية سلباً على معنويات المدافعين عن بيسان. وفي الحادي عشر من الشهر ذاته سيطرت قوات جولاني اليهودية على تل حوسان المشرف على المدينة. ومن هناك بدأت بسلسلة من أعمال القصف والقنص لأحياء بيسان المختلفة.

غداة ذلك اليوم تأهبت قوات الفرقة 13 من لواء جولاني لمهاجمة المدينة ليس قبل أن يتصل قائد تلك الفرقة، إبراهام يوفه، بزعماء اللجنة القومية في بيسان هاتفياً ودعوتهم للاستسلام وتسليم المدينة وذلك بتنسيق مع راجمات القنابل التي دكت مواقع المدافعين والأحياء السكنية بقصف متواصل.

طالب زعماء المدينة بهدنة لبضع ساعات واقترحوا لقاء يوفه في محطة القطار. هناك قدم لهم يوفه شروطه والتي تلخصت بتسليم المدينة وكافة الأسلحة والذخائر والسيارات وكذلك تسليم المقاتلين من غير الفلسطينيين ومقابل ذلك تعهد بإبقاء السكان وعدم تهجيرهم. طالب أعضاء الوفد البيساني بمهلة للتشاور وقد جاء جوابهم بالإيجاب بعد بضع ساعات. في صباح الثالث عشر من نيسان 1948 دخلت القوات اليهودية بيسان بعد أن كانت معظم القوات المدافعة عنها قد جلت عنها بما في ذلك رئيس البلدية الدكتور رشاد الشيخ درويش ورئيس وأعضاء اللجنة القومية.

وعما جرى بعد ذلك يحدثنا الحاج أحمد سرحان (أبو محمد) من سكان بيسان ويقيم اليوم في قرية الفريديس حيث يقول: "بقي في بيسان بعد التهجير الأول ألف نسمة تقريبا، بقينا هناك شهرين. بعد ذلك جاء اليهود وجمعونا في ساحة السرايا، كنت أنا ووالدي مع آخر مجموعة تركت بيسان، وكانت معنا امرأة اسمها أم رضا السالم وأرسين الأرمني – الكندرجي. جاء إلينا ضابط يهودي من مستعمرة "معوز حاييم"، وقال: لماذا ما زلتم هنا؟ فقلنا: "جئنا نأخذ الأغراض ولم ندرك الباص المغادر إلى الناصرة".

وبينما كان الضابط يتحدث معنا جاءت طائرة عراقية تقصف فاختبأنا، بعدها بعث الضابط لنا سيارة وحملناها أغراضاً كانت لنا وأخرى ليست لنا ومن هناك نقلونا إلى الناصرة بعد أن قالوا: اختاروا فهذه الباصات واقفة: إما الأردن أو الناصرة أو جنين. خلال وجودنا بالساحة اكتشفنا أن الشنطة التي وضعت فيها النقود والمصاغ الذهبي ظلت في الدار فهربت من الطوق ووجدت الشنطة في ساحة الدار بعدها لما رجعت كان الباص قد بدأ بالمغادرة، تعرضت له في الطريق وطلعت. لولا تلك الشنطة لكنا صرنا شحادين في الشوارع".

لم يف يوفه بتعهده وقام بإجلاء سكان المدينة العرب عنها. وفي مقابلة كنا قد أجريناها عام 2002 مع الضابط بلتئيل سيلع والمشهور لدى العرب باسم "بلطي"، الذي تولى تنظيم حركة الباصات والشاحنات التي أحضرت لبيسان لتنفيذ عملية التهجير، علل عملية التهجير بإمكانية تعاون سكان بيسان مع القوات العربية النظامية التي كان من المقرر أن تدخل فلسطين بعد ذلك بيومين. في عام 1949 أقيمت على أنقاض بيسان العربية مدينة بيت شان اليهودية.