بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-06

خمس قضايا مضيئة في معركة القدس.

خمس قضايا مضيئة في معركة القدس.

بقلم: هشام يعقوب*



يتناول غالبية الكُتّاب والباحثين والإعلاميين والسياسيين موضوع القدس وما آلت إليه الأمور فيها بشيء من السوداوية التي توحي بانطباعات تتلخص بأننا خسرنا معركة القدس، أو المعركة على القدس مع الاحتلال الإسرائيلي. وما من شكٍّ في أن جانبًا لا بأس به من الصورة التي يحاولون نقلها عن واقع القدس المؤلم هو في مكانٍ من الصحة، ولكن ذلك ليس الصورة كلها بلا شكٍّ، إذ يغيب عن هؤلاء جوانب مشرقة أو على الأقل جوانب تشكل مبعثَ أمل وتُتمّم الصورة عن القدس بألمها وأملها. ولست في معرض التغاضي عن الجراح التي أثخنت جسد المدنية المقدسة، إذ سبق أن تكلّمنا بما فيه الكفاية عن حال القدس وتفاصيل واقعها المحزن ولكنني يعزّ عليّ أن أرى حالة القنوط واليأس تغزو شرائح الأمة المختلفة بما في ذلك النُّخب والقادة، ولذلك أودّ أن أضيء على خمس قضايا يجب ألا تغيب عن بالنا ونحن نرسم صورة القدس ونتحدث عنها.

القضية الأولى:
هي أن شعبنا الفلسطيني في القدس انتصر على الاحتلال الإسرائيلي في معركة السكان والديمغرافيا فالاحتلال "حدّد" منذ عام 1973 أن نسبة السكان الفلسطينيين في القدس يجب ألا تزيد عن 22%، وبالفعل تكثفت خطواته لتحقيق هذا الهدف وبتنا نسمع عن حالات طرد جماعية لأحياء كاملة في القدس، وسحب للبطاقات الزرقاء التي يحملها المقدسيون، وهدم للبيوت في مقابل زيادة الاستيطان لاستقدام أكبر عدد ممكن المستوطنين اليهود للقدس فأقاموا حوالي 29 مستوطنة ليقطن فيها 270 ألف مستوطن تقريبًا. وعلى الرغم من كل ذلك استمرت نسبة السكان المقدسيين في الزيادة حيث وصلت إلى حوالي 36% في أيامنا هذه بعد أن كانت 26% عام 1967، ويتوقع الخبراء بأن تصل إلى 40 % عام 2020، و50 % عام 2040 وهذا ما يمكن أن يشكل "هزيمة ناعمة" للاحتلال فيما لو بقي في قدسنا إلى ذلك التاريخ لا سمح الله. وفي هذه النقطة أيضًا لا بدّ أن نعرف أن نسبة الزيادة السكانية للفلسطينين في القدس هي بين 3-3.5% في مقابل 2.2-2.8% لليهود، وأن عدد اليهود الذين هاجروا إلى القدس بين عامي 1980-2005 هو 208 آلاف في مقابل عدد الذين هجروها مُدبرين وهو 313 ألفًا ما يعني أن الهجرة العكسية لليهود في القدس هي 105 آلاف.

القضية الثانية: هي فيما يتعلق بالجدار العازل في القدس، هذا الجدار الذي شقّ صدر المدينة وأخرج حوالي 151 ألف مقدسي خارج حدود الجدار (المدينة) وصادر حوالي 163 كلم2 من أراضيها، إلا أننا يجب أن ندرك إلى جانب تداعياته الكارثية أنه الترجمة العملية والاعتراف الضمني الواضح بتحطم وانهيار حلم الصهاينة بإقامة "القدس الكبرى". لقد تذرع قادة الاحتلال عند البدء بتنفيذ بناء الجدار العازل (دخل حيّز التنفيذ في عهد شارون في حزيران/يونيو 2002) أنه لدواعٍ أمنية لكنه في حقيقة الأمر ليس سوى الإقرار النهائي العملي بالحقيقة المرّة لدى الصهاينة بأنه ليس بمقدورهم أن يحوّلوا القدس إلى "القدس الكبرى" لأسباب كثيرة ليس آخرها الديموغرافية. إضافة إلى ذلك فقد أصيب الصهاينة بخيبة كبيرة وهم يشاهدون آلاف العائلات المقدسية التي وجدت نفسها خارج مدينتها العزيزة عليها بفعل الجدار تقوم بنزوح باتجاه المدينة "داخل الجدار" ولو كان ذلك على حساب أرزاقهم وممتلكاتهم.

القضية الثالثة: هي أننا على الرغم من حديثنا المستمر عن مخططات التهويد التي لا تنتهي إلا أننا ما زلنا ننظر إلى مدينتنا فنشاهد قبابها ومآذنها وكنائسها وأسواقها وأسوارها وآثارها فتتجلى أمامنا هويتها العربية والإسلامية. فها هي معالم القدس ما زالت تنطق بلسان عربي أصيل على الرغم من بعض التلعثم جرّاء التشوّه والتزييف والتهويد لهذه المعالم. ويكفي هنا أن نحاول الإجابة على السؤال الآتي لندرك حجم المأزق الصهيوني: " ماذا يعني أن يمر حوالي 44 سنة على احتلال كامل القدس من دون أن يفلح الصهاينة بطمس معالمها وتحويلها إلى " أورشليم" التي يحلمون بها؟". باختصار إنها غاية الفشل الصهيوني لأنهم فشلوا في جعل القدس عاصمة يهودية لهم فما قيمة كيانهم من دون عاصمتهم – الحلم؟!.

القضية الرابعة:
هي أن القدس على الرغم من حالات التشرذم والشِّقاق التي تسود الأمة إلا أنها حافظت على قيمتها كمدينة بل كقضية توحّد جميع أطياف وأطراف الأمة. وما زالت قلوب الملايين في هذه الأمة تهفو إلى القدس وتتفاعل مع ندائها على الرغم من ملاحظاتنا الكثيرة على هذا التفاعل.

القضية الخامسة: هي إيمان المقدسيين وصمودهم وثباتهم في أرضهم على الرغم من كل المعاناة ومخططات التهجير والتطهير والتنكيل والتضييق التي تواجههم. وتكاد تكون هذه النقطة هي الدعامة الأساسية للنقاط السابقة، فإصرار المقدسيين الراسخ والمذهل على التمسك بمدينتهم ومواجهة الاحتلال، ومنعه من الإجهاز على القدس بحجرها وبشرها رغم قلة الحيلة وضعف الوسيلة هو الذي يمنع أو يؤخر على الأقل تحقيق حلم الصهاينة بالسيطرة على القدس.

إن استعراض بعض الجوانب المشرقة في معركتنا مع الاحتلال في القدس أو عليها لا يبتغي إطلاقاً الإيحاء بأننا في موقف مطمئنٍ في هذه المعركة، بل يرمي إلى بعث الأمل واستنهاض الهمم والانطلاق للبناء على ما سبق من نوافذ ومحطات أمل لصياغة مشروع متكامل تتبنّاه وتقوده الأمة بكل شرائحها لتثبيت المقدسيين ودعمهم والحفاظ على هوية القدس العربية والإسلامية.

*مدير الإعلام والمعلومات في مؤسسة القدس الدولية

خطبة صلاة الجمعة التي ألقيت بعد تحرير بيت المقدس من الاحتلال..

خطبة صلاة الجمعة التي ألقيت بعد تحرير بيت المقدس من الاحتلال..

أول خطبة جمعة ألقيت بعد تحرير بيت المقدس من الاحتلال الصليبي على يد السّلطان أبي المظفر يوسف بن أيوب -صلاح الدّين الأيّوبي-، وقد كانت في 4شعبان 583هـ الموافق 10 أكتوبر 1187م. وقد ألقاها الشيخ محي الدين محمد بن زكي الدين علي القرشي رحمه الله وقد جاء في كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل لمجير الدين الحنبلي رحمه الله:
لما رقى (أي القاضي محي الدين) المنبر استفتح بسورة الفاتحة فقرأها إلى آخرها ثم قال ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾..
ثم قرأ أول سورة الأنعام:
﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ، وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾
ثم قرأ من سورة سبحان الذي أسرى ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾.
ثم قرأ من سورة الكهف ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا، قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا، مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا، وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا، فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾.
ثم قرأ من سورة النمل ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
ثم قرأ من سورة سبأ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾.
ثم قرأ من سورة فاطر: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِِيمُ﴾

ثم شرع في الخطبة فقال:
الخطبة الأولى:
الحمد لله معز الإسلام بنصره، مذل الشرك بقهره ومصرف الأمور بأمره، ومديم النعم بشكره، ومستدرج الكفار بمكره الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأفاء على عباده من ظله، وأظهر دينه على الدين كله، القاهر فوق عباده فلا يُمانع، والظاهر على خليقته فلا يُنازع، والآمر بما يشاء فلا يُراجع، والحاكم بما يريد فيما يدافع، أحمد على أظفاره وإظهاره، وإعزازه لأوليائه ونصره لأنصاره، وتطهير بيته المقدس من أدناس الشرك وأوضاره، حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر جهاره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهّر بالتوحيد قلبه، وأرضى به ربه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله رافع الشك، وداحض الشرك، ورافض الإفك، الذي أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى هذا المسجد الأقصى وعرج به منه إلى السماوات العُلى ﴿عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾، صلى الله عليه وسلم وعلى خليفته أبي بكر الصديق السابق إلى الإيمان وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول من رفع عن هذا البيت شعائر الصلبان وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذي النورين جامع القرآن، وعلى أمير المؤمنين على بن أبي طالب مزلزل الشرك ومكسر الأوثان، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان.

أيها الناس أبشروا برضوان الله الذي هو الغاية القصوى والدرجة العليا، لما يسّره الله على أيديكم من استرداد هذه الضالة من الأمة الضالة وردها إلى مقرها من الإسلام بعد ابتذالها في أيدي المشركين قريباً من مائة عام، وتطهير هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه، وإماطة الشرك عن طرقه بعد أن امتد عليها رواقه، واستقر فيها رسمه، ورفع قواعده بالتوحيد، فإنه بُني عليه وشيد بنيانه بالتمجيد، فإنه أسس على التقوى من بين يديه ومن خلفه، فهو موطن أبيكم إبراهيم ومعراج نبيكم عليه الصلاة والسلام وقبلتكم التي كنتم تصلّون إليها في ابتداء الإسلام، وهو مقر الأنبياء ومقصد الأولياء، ومدفن الرسل ومهبط الوحي، ومنزل ينزل به الأمر والنهي، وهو أرض المحشر وصعيد المنشر، وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها الله في كتابه المبين، وهو المسجد الأقصى الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملائكة المقربين، وهو البلد الذي بعث إليه عبده ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم وروحه عيسى الذي أكرمه برسالته وشرّفه بنبوته، ولم يزحزحه عن رتبة عبوديته، فقال تعالى: ﴿لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾، ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

وهو أول القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه ولا تعقد الخناصر بعد الموطئين إلا عليه، فلولا أنكم ممن اختاره الله من عباده واصطفاكم من سكان بلاده لما خصّكم الله بهذه الفضيلة التي لا يجاريكم فيها مجار ولا يباريكم في شرفها مبار، فطوبى لكم من جيش ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية، والوقعات البدرية والعزمات الصدّيقية، والفتوحات العُمرية، والجيوش العثمانية، والفتكات العلوية، جددتم للإسلام أيام القادسية، والملاحم اليرموكية، والمنازلات الخيبرية، والهجمات الخالدية. فجزاكم الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الجزاء، وشكراً لكم ما بذلتموه من مهجكم في مقارعة الأعداء، وتقبل الله منكم ما تقربتم به إليه من إهراق الدماء، وأثابكم الجنة فهي دار السعداء، فاقدروا رحمكم الله هذه النعمة حق قدرها وقوموا لله قانتين بواجب شكرها فله تعالى المنة عليكم بتخصيصكم بهذه النعمة، وترشيحكم لهذه الخدمة فهذا هو الفتح الذي فتحت له أبواب السماء، وتبلجت بأنوار وجوده الظلماء، وابتهج به الملائكة المقربون، وقر به عينا الأنبياء والمرسلون، فماذا عليكم من النعمة أن جعلكم الجيش الذي يفتح على يديه البيت المقدس في آخر الزمان، والجند الذي تقوم بسيوفهم بعد فترة من النبوة أعلام الإيمان فيوشك أن يفتح الله على أيديكم أمثاله وأن يكون التهاني لأهل الخضراء أكثر من التهاني لأهل الغبراء، أليس هذا البيت الذي ذكره الله في كتابه ونص عليه في محكم خطابه فقال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾؟، أليس هو البيت هو الذي أمسك الله تعالى لأجله الشمس على يوشع أن تغرب وباعد بين خطواتها ليتيسر فتحه ويقرب؟ أليس هو البيت الذي أمر الله عز وجل موسى أن يأمر قومه باستنقاذه فلم يجبه إلا رجلان وغضب الله عليهم لأجله فألقاهم في التيه عقوبة للنسيان؟ فاحمدوا الله الذي أمضى عزائمكم لما نكلت عنه بنو إسرائيل وقد فضلت على العالمين، ووفقكم لما خذلت فيه أمم كانت قبلكم من الأمم الماضين. وجمع لأجله كلمتكم وكانت شتى, وأغناكم بما أمضته كان وقد عن سوف وحتى، فليهنكم أن الله قد ذكركم به فيمن عنده وجعلكم بعد أن كنتم جنودا لا هويتكم جنده وشكر لكم الملائكة المنزلون على ما أهديتم لهذا البيت من طيب التوحيد، ونشر التقديس والتمجيد، وما أمطتم عن طرقهم فيه من أذى الشرك والتثليث، والاعتقاد الفاجر الخبيث، فالآن تستغفر لكم أملاك السماوات، وتصلي عليكم الصلوات المباركات، فاحفظوا رحمكم الله هذه الموهبة فيكم، واحرسوا هذه النعمة عندكم بتقوى الله التي من تمسك بها سلم ومن اعتصم بعروتها نجا وعصم، واحذروا من اتباع الهوى، ومواقعة الردى ورجوع القهقرى، والنكول عن العدى، وخذوا في انتهاز الفرصة، وإزالة ما بقى من الغصة، وجاهدوا في الله حق جهاده، وبيعوا عباد الله أنفسكم في رضاه إذ جعلكم من خيار عباده، وإياكم أن يستزلكم الشيطان، وأن يتداخلكم الطغيان فيخيل لكم أن هذا النصر بسيوفكم الحداد، وخيولكم الجياد، وبجلادكم في مواطن الجلاد، لا والله ما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، فاحذروا عباد الله بعد أن شرّفكم الله بهذا الفتح الجليل، والمنح الجزيل، وخصّكم بنصره المبين، وأعلق أيديكم بحبله المتين، أن تقترفوا كبيرا من مناهيه، وأن تأتوا عظيماً من معاصيه (…)، الجهاد الجهاد فهو من أفضل عباداتكم، وأشرف عاداتكم، انصروا الله ينصركم، احفظوا الله يحفظكم اذكروا الله يذكركم، اشكروا الله يزدكم ويشكركم، خذوا في حسم الداء وقطع شأفة الأعداء، وطهّروا بقية الأرض من هذه الأنجاس التي أغضبت الله ورسوله واقطعوا فروع الكفر واجتثّوا أصوله، فقد نادت الأيام بالثارات الإسلامية، والملة المحمدية، الله أكبر فتح الله ونصره، غلب الله وقهر، أذل الله من كفر، واعلموا رحمكم الله أن هذه فرصة فانتهزوها، وفريسة فناجزوها، وغنيمة فحوزوها ومهمة فأخرجوا لها هممكم وأبرزوها، وسيّروا إليها عزماتكم وجهّزوها، فالأمور بأواخرها، والمكاسب بذخائرها، فقط أظفركم الله بهذا العدو المخذول وهم مثلكم أو يزيدون، فكيف وقد أضحى قبالة الواحد منكم عشرون فقد قال تعالى: ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ، الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
أعاننا الله وإياكم على اتباع أوامره والإزدجار بزواجره، وأيدنا معاشر المسلمين بنصر من عنده ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ﴾. إن أشرف مقال يقال في مقام وأنفذ سهام تمرق عن قسي الكلام، وأمضى قول تحلّى به الأفهام، كلام الواحد الفرد العزيز العلاّم، قال الله تعالى ﴿وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾، ثم قال : آمركم وإيّاي عباد الله بما أمر الله به من حسن الطاعة فأطيعوه وأنهاكم وإيّاي عما نهى الله عنه من قبح المعصية فلا تعصوه، أقول قول هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه. ثم خطب الخطبة الثانية على عادة الخطباء مقتصره، ثم دعا للإمام الناصر خليفة العصر ثم قال:

الخطبة الثانية:
اللهم أدم سلطان عبدك الخاضع لهيبتك، الشاكر لنعمتك، المعترف بموهبتك، سيفك القاطع وشهابك اللامع والمحامي عن دينك المدافع، والذاب عن حرمك الممانع، السيد الأجل الملك الناصر، جامع كلمة الإيمان، وقامع عابدو الصلبان صلاح الدين والدنيا، سلطان الإسلام والمسلمين، مطهّر البيت المقدس من أيدي المشركين، أبي المظفر يوسف بن أيوب محيي دولة أمير المؤمنين، اللهم عم بدولته البسيطة، واجعل ملائكتك براياته محيطة، وأحسن عن الدين الحنفي جزاءه، واشكر عن الملة المحمدية عزمه ومضاءه، اللهم ابق للإسلام مهجته، ووف للإيمان حوزته، وانشر في المشارق والمغارب دعوته. اللهم كما فتحت على يديه البيت المقدس بعد أن ظنت الظنون وابتلي المؤمنون، فافتح على يديه داني الأرض وقاصيها، وملّكه صياصي الكفر ونواصيها، فلا تلقاه منهم كتيبة إلا مزّقها ولا جماعة إلا فرّقها ولا طائفة بعد طائفة إلا ألحقها بمن سبقها. اللهم اشكر عن محمد صلى الله عليه وسلم سميه، وأنفذ في المشارق والمغارب أمره ونهيه، اللهم أصلح به أوساط البلاد وأطرافها، وأرجاء الممالك وأكنافها، اللهم ذلل به معاطس الكفار وأرغم به أنوف الفجار، وانشر ذاؤب ملكه على الأمصار، وابثث سرايا جنوده في سبيل الأقطار. اللهم أثبت الملك فيه وفي عقبه إلى يوم الدين، واحفظ بنيه الغر الميامين، وإخوانه أولي العزم والتمكين، وشد عضُده ببقائهم، واقض بإعزاز أوليائه وأوليائهم. اللهم كما أريت على يديه في الإسلام هذه الحسنة التي على الأيام، وتتجدد على ممر الشهور والأعوام، فارزقه الملك الأبدي الذي لا ينفذ في دار المتقين، وأجب دعاءه في قوله ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾.

2014-04-05

دير ياسين : الجريمة الصهيونية التي وثقتها بعثة الصليب الاحمر الدولي في فلسطين

دير ياسين : الجريمة الصهيونية التي وثقتها بعثة الصليب الاحمر الدولي في فلسطين

في اليوم التاسع من شهر نيسان / ابريل يصادف الذكرى الأليمة لمذبحة دير ياسين التي ارتكبتها العصابات الصهيونية عام 1948 وراح ضحيتها 250 من الأطفال والرجال والنساء ، واعتبرت تلك المجزرة الحلقة الاهم في سلسلة المجازر التي استهدفت ترويع شعبنا وتحقيق الهدف الصهيوني باخلاء البلاد من اهلها واحلال الوجود الإستيطاني الصهيوني مكانه.


ففي فجر يوم السبت 10 أبريل عام 1948 دخلت قوات الإرجون من شرق القرية وجنوبها، ودخلت قوات شتيرن من الشمال ليحاصروا القرية من كل جانب ما عدا الطريق الغربي، حتى يفاجئوا السكان وهم نائمين. وقد قوبل الهجوم بالمقاومة في بادئ الأمر، وهو ما أدَّى إلى مصرع 4 وجرح 40 من المهاجمين الصهاينة.
جاك رينر رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في فلسطين في حينه أصدر بيانا حول الجريمة جاء فيه :
يوم السبت، 10 أبريل/نيسان، بعد الظهر، أستقبلت مكالمة هاتفية من العرب يستجدونني للذهاب حالا إلى دير ياسين حيث ذبح السكان المدنيين العرب في القرية بالكامل
علّمت بأنّ متطرّفين من عصابة الإرجون يحمون هذا القطاع، الواقع قرب القدس. الوكالة اليهودية ومقر عام الهاجانا العامّ قالوا بأنّهم لا يعرفون شيئا عن هذه المسألة وعلاوة على ذلك بإنّه يستحيل لأي احد إختراق منطقة الإرجون .في اليوم التالي التالي توجهت الى القرية .
واستمعت لروايات حول ما حدث في هذه القرية التي يسكنها حوالي 400 عربي، كانوا دائما غير مسلحين ، الإرجون وصلوا قبل 24 ساعة وأمروا بمكبرات الصوت كافة السكان للإخلاء كلّ المباني والإستسلام. بعد 15 دقيقة من الأنتظار قبل تنفيذ الأوامر. بعض من الناس الحزينين أستسلموا و تم أخذهم للأسر واطلاق الرصاص عليهم دون رحمة
كان هناك 400 شخص في القرية. حوالي 50 هربوا، ثلاثة ما زالوا أحياء، لكن البقية ذبحت بناء على الأوامر، من الملاحظ أن هذه القوّة مطيعة على نحو جدير بالإعجاب في تنفيذ الأوامر
هذه الحكاية أصابتني بقشعريرة. قررت أن أعود إلى القدس لإيجاد سيارة إسعاف وشاحنة. وبعدها وصلت بقافلتي الى القرية وقد توقف أطلاق النار من الجهة العربية. قوّات اليهود في لباس عسكري موحّدة الكلّ بما فيهم الصغار وحتى المراهقون من رجال ونساء، مسلّحين بشكل كثيف بالمسدّسات، الرشاشات، القنابل، والسكاكين الكبير أيضا وهي ما زالت دامية وهم يحملونها في أياديهم. شابة صغيرة لها عيون أجرامية، رأيت سلاحها وهو ما زال يقطّر بالدم وهى تحمل السكين كوسام بطولة. هذا هو فريق التطهّير الذي بالتأكيد أنجز المهمة بشكل مرضي جدا
حاولت دخول أحد المباني. كان هناك حوالي 10 جنود يحيطون بي موجهين لي أسلحتهم. الضابط منعني من دخول المكان. قال أنهم سوف يجلبون الجثث إلى هنا. لقد توترت أعصابي و عبرت لهؤلاء المجرمين عن مدى السوء الذي أشعر به من جراء تصرفاتهم و أنني لم أعد أحتمل و دفعت الذين يحيطون بي ودخلت البناية
كانت الغرفة الأولى مظلمة بالكامل والفوضى تعم المكان وكانت فارغة. في الثانّية وجدت بين الأغطية والأثاث المحطّم وباقي أنواع الحطام، بعض الجثث الباردة. كان قد تم رشهم بدفعات من الرشاشات و القنابل اليدوية و أجهز عليهم بالسكاكين
كان نفس الشيء في الغرفة التالية، لكن عندما كنت أترك الغرفة، سمعت شيء مثل التنهد. بحثت في كل مكان، بين الجثث الباردة كان هناك قدم صغيرة ما زالت دافئة. هي طفلة عمرها 10 سنوات، مصابة أصابة بالغة بقنبلة، لكن ما زالت حيّة. أردت أخذها معي لكن الضابط منعني و أغلق الباب. دفعتة جانبا وأخذت غنيمتي الثمينة تحت حماية الدليل
سيارات الإسعاف المحمّلة تركت المكان مع الطلب لها بالعودة في أقرب ما يمكن. ولأن هذه القوّات لم تتجاسر على مهاجمتي بشكل مباشرة، قررت أنة يجب الإستمرار
أعطيت الأوامر لتحميل الجثث من هذا البيت الى الشاحنة. ثمّ ذهبت إلى البيت المجاور وهكذا واصلت العمل. في كل مكان كان ذلك المشهد الفظيع يتكرر. وجدت شخصين فقط ما زالا أحيّاء، إمرأتان، واحد منهما جدة كبيرة السن، أختفت بدون حركة لمدة 24 ساعة على الأقل
رينير عاد إلى القدس حيث واجه الوكالة اليهودية ووبّخهم لعدم أستطاعتهم السيطرة على 150 رجل وإمرأة.

 الجريمة لم يتكتم عليها بل بالعكس إستعملها الصهاينة في الأخبار كأداة في حربهم النفسية.
بعد هذه المذبحة ترك الفلسطينيون طبريا يوم 19 أبريل وحيفا 21 أبريل ويافا 4 ماي .
مناحيم بيغين زعيم الإرجون وبعد ذلك الوزير الأول لدولة الإحتلال الصهيوني تجرأ أيضا وكتب مفتخرا في مذكراته :"
لو لم تكن هناك دير ياسين، لما كانت هناك دولة الإحتلال الصهيوني"" 

جاك رييني Jacques Reynier: مبعوث بلجيكي من الصليب الأحمر وصل إلى دير ياسين بعد إنتهاء المذبحة.










القيصـــر الـــذي سيحكـــم العالـــــم.

القيصـــر الـــذي سيحكـــم العالـــــم.

وكالة أوقات الشام الإخبارية
أحمد الشرقاوي


إختبـــار الصبـــر الروســـي

في تطور تصعيدي مفاجأ ينذر ببدأ سباق تسلح جديد على مستوى القدرات الإستراتيجية بين روسيا وأمريكا، ألغت إدارة ‘أوباما’ الخميس، تعاونها مع روسيا الإتحادية في مجال الدرع الصاروخية، فأعلنت موسكو بالمقابل، أنها ستعمل ما بوسعها كي لا تكون الدرع الأمريكية في أوروبا عائقا أمام قدراتها الصاروخية، ما فتح الباب على مصراعيه لصراع نفوذ كبير قادم بين القوتين في المدى المنظور.

ويأتي هذا القرار، بعد سلسلة من القرارات السياسية والإجراءات العقابية التي إتخذتها الإدارة الأمريكية والدول الغربية الدائرة في فلكها بشكل غير مسبوق ضد روسيا، وذلك بسبب ضم الأخيرة لجزيرة “القرم” عقب أحداث أوكرانيا المفتعلة من قبل الغرب، لمعاقبة روسيا على دعمها لسورية، ما وسّع من ساحات المواجهة وعقّد من فرص حلها بالطرق الديبلوماسية المعتادة.

وبذلك، دخل العالم اليوم مرحلة جديدة من صراع الأقطاب لا تشبه في شيىء مرحلة الحرب الباردة التي كانت قائمة على “صراع الإديولوجيات” بين المعسكر الشيوعي الشرقي والمعسكر الرأسمالي الغربي، ما سيميز المرحلة الجديدة بصراعات مفتوحة على الفوضى الخلاقة من أجل المصالح والنفوذ، بما فيها المناطق التي توجد ضمن جغرافية إتفاق “يالطا”، والتي كانت مبعدة من الصراع بين القوتين حتى في عز الحرب الباردة.

الحرب الجديدة التي أطلّت بشبحها على العالم ستكون حربا ساخنة بالوكالة في أكثر من بلد ومنطقة بين مفهومين متصارعين: مفهوم “إحترام مبادىء الأخلاق التقليدية في السياسة الدولية” الذي تتبناه روسيا، ومفهوم تصنيف الدول بين “محور الخير و محور الشر” الذي تتبناه أمريكا لتبرير عدوانها على الشعوب المستضعفة.

أمريكـــا تقـــرر محاصـــرة روسيـــا

ومن أهم القرارات التي اتخذت لمعاقبة روسيا ومحاصرتها دوليا، طردها من عضوية مجموعة (g8) لتعود كما كانت، مجموعة الدول الإمبريالية السبعة (g7). ثم إنهاء التعاون بين روسيا وحلف “الناتو” في كافة المجالات العسكرية والمدنية بما فيها مكافحة الإرهاب والمخدرات وأعمال الإغاثة والتدريب في مجال البحار، باستثناء التعاون بين “مجلس روسيا” و “الناتو” في أفغانستان لبدأ الحوار بشأن تأمين إنسحاب القوات الأمريكية والأطلسية الحليفة من هذا البلد الأسيوي المُدمّر نهاية هذا العام، ليتأكد أن أمريكا تلغي ما يناسبها وتبقي على ما يناسبها في تجاهل تام للآخر وصل حد إحتقار روسيا، ومع ذلك، قالت موسكو أن إنسحاب الجنود من أفغانستان عبر أراضيها تعتبرها مسألة “إنسانية” لن تعارضها، وهذه قمة الأخلاق السياسية.

ويشار إلى أن روسيا كانت تُقدّم بموجب التعاون مع منظمة “الناتو” مجالها الجوي لنقل الجنود والشحنات العسكرية إلى القوات العاملة في أفغانستان ضد حركة طالبان، بسبب الخطورة الكبيرة التي تكتسيها الطرق الباكستانية حيث تنشط جماعة طالبان باكستان المسلحة.

ثم جاء إعلان وكالة “ناسا” الأمريكية الأربعاء، بتعليق التعاون مع روسيا في برنامج الفضاء، ويشمل القرار تعليق جميع مسارات التعاون الثنائي في مجال الفضاء من زيارات متبادلة لموظفين روس وأمريكيين، وتبادل الرسائل الإلكترونية أو إجراء مؤتمرات عبر السكايب، باستثناء التعاون في النشاطات المتعلقة بعمل محطة الفضاء الدولية الروسية، التي يتكوّن طاقمها الحالي من ستة رواد فضاء منهم ثلاثة روس وأمريكيان وياباني. علما أنها محطة بنتها روسيا وتستفيد منها أمريكا في الأبحاث العلمية المتقدمة التي لم يكشف بعد عن العديد من أسرارها.

ومرة أخرى، تتأكد الإنتقائية الفجة التي تتعامل بها الإدارة الأمريكية مع من كانت إلى وقت قريب تسميه “الشريك الروسي”. غير أن روسيا لن تطرد أمريكا من محطتها الفضائية، لأنها تعتبر البحث العلمي حقا للجميع، كما أن أمريكا تدفع ثمن إستفادتها، وهذا تصرف أخلاقي راقي يجعل العالم يلحظ الفرق بين الأنموذج الروسي الصاعد كقوة دولية عظمى، والأنموذج الأمريكي الذي استنفذ مخزونه من قاموس الكذب والغدر والإستكبار والإحتقار والخديعة والإجرام، باسم الواقعية السياسية الإنتهازية على الطريقة المكيافيلية.

ومن المعلوم تاريخيا، أن أمريكا وأداتها العسكرية “الناتو”، كانوا دائما المبادرين لشن حروب عدوانية على الدول والشعوب بمبررات مختلقة واهية.. ظهر ذلك في أفغانستان والعراق وليبيا وسورية اليوم، ثم أوكرانيا التي كانت القطرة التي أفاضت الكأس، وجعلت الرئيس ‘بوتين’ يفقد صبره، ويعلن لمن يهمه الأمر: أن “العالم قبل أوكرانيا ليس هو العالم بعدها”.

هذا بالإضافة إلى بعض العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية وأوروبا على بعض الشخصيات الروسية الكبيرة، والتي لن يكون لها تأثير يذكر، في إنتظار ما تعتزم أمريكا وحلفائها إتخاذه من إجراءات عقابية تصعيدية مؤثرة، لإختبار قوة وصلابة وصبر روسيا، خصوصا بعد فشل إدارة ‘أوباما’ في إقناع أوروبا بالإستغناء عن الغاز الروسي الذي يشكل 40% من إحتياجاتها الإستهلاكية، حيث تعهدت بنقل الغاز الأمريكي المسال إلى أوروبا إبتداءا من العام المقبل لسد كافة إحتياجاتها من الطاقة، على أن تقيم الدول الأوروبية معامل لتحويل الغاز المسال، ما سيتطلب إستثمارات ضخمة، أوروبا ليست في وارد الإقدام عليها بسبب أوضاعها الإقتصادية الصعبة، ناهيك عن مسألة التكلفة، حيث تبين أن الغاز الروسي يصل إلى أوروبا بتكلفة معقولة جدا، أقل كثيرا مما سيكلف الغاز الأمريكي، وأن شركة “غازبروم” الروسية العملاقة إلتزمت دائما بتعهداتها تجاه الزبناء الأوروبيين حتى في أصعب الظروف التي فرضتها الحرب الباردة.. فسقط هذا الخيار الذي كان سيدخل العالم في جحيم الفوضى والإنهيار الإقتصادي الكبير.

وبالتالي، لن ينفذ ‘بوتين’ تهديده للأوروبيين حين كتب لهم على الأنبوب الذي ينقل الغاز من روسيا إلى أوروبا عبر أوكرانيا بمناسبة توقيع قرار ضم “القرم”: “إبدؤوا بتجميع الحطب”. لكن الشعار سيظل قائما في حال قررت المجموعة الأوروبية مجارات أمريكا في مغامراتها العبثية في منطقة البلطيق وأوروبا الشرقية لمحاصرة روسيا عسكريا من قبل حلف “الناتو”، كما يتبين من التحركات الأخيرة للحلف.. ساعتها سيبدأ العد العكسي للإنهيار الكبير.

لأن ما لا يبشر بخير، هو قرار الرئيس الأمريكي الجمعة، مناقشة مسألة “محاصرة روسيا” مع أعضاء ‘الكونجرس’، والذي سيكون له أبعاده الكارثية على مستوى ‘أوراسيا’ و ‘الشرق الأوسط’ معا، وقد يتوسع ليطال ‘أمريكا الجنوبية’، حيث تعتزم إدارة ‘أوباما’ تفجير ‘كوبا’ بعد أن زرعت بذور الفوضى الخلاقة في ‘فنزويلا’ قبل أسابيع. كما ويسعى الإتحاد الأوروبي من جهته إلى زرع الفتنة في إيران من مدخل حقوق الإنسان، ومطالبة المجلس بحق النواب الأوروبيين في الإجتماع بأقطاب المعارضة في إيران دون موانع أو عوائق من حكومة طهران، بل وبلغ الأمر بالإتحاد الأوروبي في قراره هذا الأسبوع، حد التشكيك في نزاهة الإنتخابات الإيرانية الأخيرة.

وبهذا يتأكد ما دهبنا إليه بالتحليل في أكثر من مقال، أن هدف الغرب من التقارب مع إيران هو الدخول إلى الحصن الإيراني المنيع من الملف النووي، لزرع بذور الفتنة، ومحاولة تفجير النظام من الداخل، بإعتبارها الوسيلة الأنزع والأقل تكلفة من المواجهة العسكرية المباشرة.

مخطـــط “الناتـــو” لمحاصـــرة روسيـــا

قائد قوات حلف شمال الأطلسي “الناتو”، حذر الأربعاء، من أن القوات الروسية المتواجدة على الحدود الأوكرانية قادرة على البدء بالتحرك “لإحتلال” أوكرانيا بعد 12 ساعة من صدور الأمر بذلك. لكنه أوضح أن لحلف شمال الأطلسي خطة جوية وبحرية جيدة فيما يتعلق بالردع، دون تقديم أي تفاصيل إضافية حول هذا الموضوع، مشيرا إلى أنه يجري حاليا العمل على توفير خطة ردع أرضية لتضاف إلى الخطة الجوية والبحرية.

هذا يعني، أن حلف ‘الناتو’ قرر اللعب في الساحة الروسية من داخل أوكرانيا، وبالتعاون مع الدول المجاورة التي كانت جزءا من الإتحاد السوفياتي السابق فالتحقت بأوروبا كرومانيا وبولونيا… وها هو “الناتو” يعلن عن عزمه دراسة ضم جورجيا إلى عضويته خلال الإجتماعات المقررة شهر سبتمبر/ أيلول المقبل في ‘ويلز’.

وتكمن عقدة المنشار اليوم بين الجانبين في مصير أوكرانيا، التي تطالب روسيا بإجراء إستفتاء في الشرق والغرب والجنوب وتحويلها إلى دولة فدرالية خارج مجال “الناتو”، فيما تصر أمريكا وحلفائها على ضمها للإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، الأمر الذي سيدفع روسيا للتحرك عسكريا لضم الشرق والجنوب الأكراني حيث يتمركز المواطنون الناطقون بالروسية، وحيث الصناعات العسكرية والمدنية المقامة من قبل روسيا، في حين يعاني الغرب الأوكراني الفقر والديون الثقيلة وتسيطر عليه عصابات فاشية ونازية تحلق في فلك الغرب وتأتمر بأوامره، وهي من قام بالإنقلاب على السلطة الشرعية برغم الإتفاق الموقع بين الرئيس المعزول وروسيا والإتحاد الأوروبي، والذي كان يتضمن خطة ديمقراطية عملية متفق بشأنها للحل السياسي في أوكرانيا.

روسيا لا يسعها إلا الإستعداد للأسوء، لأن تجربتها مع أمريكا والحلف الأطلسي لم تكن مطمئنة، بدءا من العراق فجورجيا، ثم ليبيا فسورية فأوكرانيا. ومع ذلك تقول روسيا أن قرار الناتو قطع علاقات التعاون معها، ليس الأول من نوعه، بل سبق وأن إتخذ ذات القرار بمناسبة أزمة ‘جورجيا’ سنة 2008، ثم تراجع الحلف بعد ذلك، وتعتقد روسيا أن “الناتو” هو من يحتاج لتعاونها لا العكس، وبالتالي، فمصير هذا القرار الفشل، لأن الخاسر في كل الأحوال لن يكون روسيا.

غير أن الأمر هذه المرة يبدو مختلفا، والوضع أكثر تعقيدا، والهجوم الغربي لمحاصرة روسية أكثر جدية وشراسة. وهو ما دفع بمندوب روسيا الدائم لدى حلف “الناتو” ‘ألكسندر غروشكو’ للإعلان الأربعاء 2 أبريل/نيسان، أن روسيا سترد على خطوات الحلف الرامية الى تعزيز قواته على حدوده الشرقية، قائلا: “روسيا ستتخذ كل الإجراءات السياسية والعسكرية اللازمة لضمان أمننا”. وأشار الى أن موسكو على علم بنية الحلف إعداد خطط لتعزيز دفاعه مع حلول موعد عقد قمة الحلف المقبلة في سبتمبر/أيلول القادم. مشيرا إلى أن دول البلطيق وبولندا مشمولة بخطط تعزيز المنظومة الدفاعية لـ”الناتو”، كما تم تأسيس قواعد عسكرية للحلف في بلغاريا ورومانيا بالإضافة الى القواعد في بولندا ومراقبة أجواء دول البلطيق بشكل دائم، مؤكدا أن طرح موضوع انضمام أوكرانيا الى “الناتو” يزعزع الاستقرار، مشيرا الى ضرورة أن تكون أوكرانيا دولة محايدة.

أمريكــا و رقصــة الديــك المذبــوح الأخيــرة

الولايات المتحدة تمر اليوم بأسوأ مرحلة تاريخية في حياتها، بعد أن فقدت هيبتها، وظهر ضعفها ومحدودية قوتها في أفغانستان والعراق ومؤخرا في مواجهة محور المقاومة مجتمعا قبل الإتفاق الكيماوي السوري، وفشلت خلال ثلاث سنوات في إسقاط سورية كمنطلق لإضعاف محور طهران – لبنان في أفق تفتيته بالمفرق، وبدأ يتراجع نفوذها، خاصة في منطقة “الشرق الاوسط” ومنطقة “أوراسيا” الاستراتيجيتين، وتزداد أزمتها الإقتصادية إستفحالا مع تزايد سقف المديونية وإنخفاض معدل الإنتاج، وبدأ بالتالي نفوذها الدولي المعنوي يتراجع بشكل سريع بسبب مواقفها السياسية وتدخلاتها الأمنية اللا أخلاقية.

وعليه، فمحاولة الولايات المتحدة محاصرة روسيا والصين وفق إستراتيجية أوباما لشرقي آسيا التي وضعت سنة 2012 لتنفذ هذا العام، بهدف منع أي قوة دولية أو إقليمية من الظهور كلاعب أساسي على المسرح الدولي، لا تتوفر لها أدنى إمكانية للنجاح، لأنها جائت متأخرة جدا، وفي ظرفية متغيرة لا تسمح للولايات المتحدة وحلفائها بفرض إرادتهم على دول كبرى كروسيا والصين وإيران التي نجحت في إستمالة تركيا رغم الخلاف حول الملف السوري، وحيدت حلفاء تقليديين لواشنطن في الخليج. ولولا الضعف الأمريكي لما ظهر شيىء إسمه خلاف خليجي – خليجي، ولما نشط آل سعود في البحث عن حلفاء جدد لحماية عرش قبيلتهم في باكستان ومصر وأندونيسيا أيضا.

هذه المعطيات وغيرها تؤكد أن أمريكا مهزومة اليوم، وتصرفاتها المتطرفة والمتهورة، تشبه إلى حد بعيد رقصة الديك المذبوح الأخيرة قبل السقوط المريع.

الغيــب يقتحــم مجــال التحليــل الإستراتيــجي

من الصعب على أي محلل اليوم توقع ما يمكن أن يحدث في المدى المنظور بين أمريكا وحلفائها و روسيا وحلفائها، وأن يضع تصورا للنظام العالمي القادم إنطلاقا من المعطيات والمعلومات والشواهد المتوفرة، لأن مثل هذه الرؤية هي من مجال علم المستقبليات الذي يعتمد نظريات فلسفة التاريخ.

العالم منقسم اليوم بين شرق وغرب كما كان عليه الحال أيام الحرب الباردة، والجميع قلق يترقب لصالح من ستُرجّح الكفة بالنهاية، وهنا، من المهم الإشارة إلى أن أكثر الناس إعتمادا على علم التنجيم في التخطيط الإستراتيجي هم حكام وساسة الغرب والشرق، لأسباب قد تكون نفسية أكثر منها عقلية أو عقائدية.

لست من الذين يؤمنون بقدرة الإنسان على رؤية الغيب التاوي وراء حجب الستر وبرازخ الخيال من دون وحي من السماء، لأن الغيب هو من علم الله تعالى (عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ) الجن: (26 –28). علما أن الرسول الذي يختاره الله لإبلاغ رسالته، قد يكون ملكا أو رسولا، وقد يكون نبيّا أو وليّا أو من البسطاء الذين يطلعهم الله على غيبه بفضله.

بدليل أن القرآن بيّن لنا إخبار الله تعالى لأم موسى بالغيب وهي لم تكن من الأنبياء أو المرسلين أو الملائكة (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ…) القصص: (7). كما بين لنا أن الملائكة كانت تحدث مريم (ع) وتخبرها بالغيب في بعض المواقف (إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ…َ) آل عمران (45). وغيرها من الآيات التي تتحدث عن وحي الله للبشر والنحل والنمل والشجر والحجارة.

ما من شك أن ظاهرة الغيب هي من المعجزات الدائمة والمتكررة التي تؤكد أن علاقة الإنسان بالسماء لم تنقطع بإنقطاع التعاليم زمن الرسالات، وأن الله لم يترك الإنسان لقدره سُدى، بل ظلت علاقته معه قائمة ومستمرة دون إنقطاع، وهو ما يتكشّف للإنسان من خلال واقع تحربته الأرضية في أكثر من حادث أو حالة وجدانية.

ولعل قصة ‘الخضر’ (ع) مع كليم الله موسى (ع) في سورية الكهف خير دليل على أن الله يُطلع من يشاء من عباده على غيبه بما قد لا يحضى به رسول، وأن هذا الغيب مقدّر وفق رؤية الله للعالم والإنسان، ويستحيل أن ينجح كائن من كان في تغيير مجرياته، لأن الله هو صانع المستقبل والفاعل الوحيد في التاريخ، وأن الناس مجرد أدوات يستعملها لتحقيق التوازن في هذا العالم من خلال التدافع. وهنا لا أريد الإستطراد في شرح ثنائية “الجبر والإختيار” وما أثارته من جدل فقهي، وكلامي، وفلسفي، وصوفي… وهو موضوع شيق قد نتطرّق إليه قريبا.

كما وأنه من حيث الواقع، تؤكد عديد التجارب الإنسانية، أن العالم عرف “شخصيات” كانت تبدو مغمورة، لكنها كانت تمتلك قدرة خارقة على قراءة المستقبل والتنبأ بالأحداث الكبرى التي ستقع في العالم، والقائمة طويلة، لكن ما يهمنا في سياق هذا المقال، هو ما تحدثت عنه وسائل الإعلام العالمية بمناسبة إنفجار أزمة روسيا مع الغرب بسبب أحداث أوكرانيا وضم موسكو لجزيرة “القرم”.

وكالة أوقات الشام أعدت تقريرا قبل أيام عن إمرأة بلغارية إسمها ‘فانغيليا باديفا غوشتيروفا’، ولدت عام 1911م وتوفيت عام 1996 م. وكتب الكثير عن قدراتها الفائقة والإستثنائية، بحيث كانت تخبر عن المواليد الصغار وعن الأطفال الذين لم يولدوا بعد، وإنها كانت تتحدث مع أشخاص ماتوا منذ مئة أو مائتي سنة أو أكثر.

وبغض النظر عن صحة ذلك من عدمه، فما سجل عنها في ما يتعلق بالأحداث الكبرى، أنها تنبأت في عام 1980 م بغرق الغواصة النووية الروسية “كورسك”، وقالت بهذا الخصوص: ”كورسك ستذهب تحت الماء في شهر أغسطس 1999 م أو 2000 م، وكل العالم سيأسف لذلك). تعجّب الجميع آنذاك من هذه النبوءة إذ أن “كورسك” مدينة روسية كبيرة بعيدة عن البحار والأنهار، ولم يخطر ببال أحد أن المقصود من النبوءة غواصة تحمل إسم المدينة.

حدث استثنائي آخر وقع في أيام الحرب العالمية الثانية، فقد زارها ‘هتلر’ والقيصر البلغاري ‘بوريس’، ويحكى أنهما غادرا منزلها مغتاظين، وبالطبع لم يعلم أحد بما حدّثتهما به المرأة.

ثم تنبـأت بتفكك الإتحـاد السوفييتي فصدقت نبوءتها.. وتنبــأت بحادثـة ‘تشيرنوبيل’ النووية، فوقعت الكارثة.. كما أنها كانت قد حددت تاريخ وفـاة ستاليـن، وهو ما حدث بالضبـط، وبسبب ذلك سجنت.. وتنـبـأت كذلك بفـوز الرئيس الروسي بوريس يلتسين في الإنتخـابات الروسيـة، ففاز وأصبح رئيسا بدل ‘غورباتشوف’ الذي دمر الإتحاد السوفياتي.. وتنبأت بتفجيرات نيويورك، حيث قالـت: “إنها ترى أخوين حديدين تفرقهم وتدمرهم بعض الطيـور المكونة من الفـولاذ” في إشارة إلى الطائرات.

أما ما ركز عليه المراقبون مؤخرا، فهو تنبؤاتها حول الفترة المعاصرة، حيث قالت: أن “الرئيس رقم 44 للولايات المتحدة سيكون إفريقياً”، فجاء ‘أوباما’ تماما كما توقعت، لكنها، وهذا ملفت، بل ومثير لقلق الأمريكيين، قالت: “أنه سيكون الرئيس الأخير للولايات المتحدة”. والغريب أنها سبق وأن قالت: أنه “في وقت تسلم الرئيس الجديد من أصول إفريقية السلطة في الولايات المتحدة، ستكون هناك أزمة اقتصادية كبيرة، وسيعلق الجميع آمالهم عليه لإنهائها ولكن العكس هو ما سيحدث، وسيودي بالبلاد للهاوية وسيتصاعد النزاع بين ولايات الشرق والغرب وسيفرض التقسيم نفسه”.

هذا الكلام، قالته ‘فانغيليا’ قبل وفاتها عام 1996، ولا يستطيع أحد في هذا العالم إنكار أن ما قالته لم يحدث، بل بالعكس، حدث تماما كما قالت، وكلامها مسجل وموثق من قبل العديد من وسائل الإعلام العالمية أثناء حياتها، ما يجعل التشكيك فيه غير قائم. ولعل ما ظهر من مؤشرات عن ضعف الإدارة الأمريكية في حل الأزمات، وفقدانها لهيبتها في العالم، وظهور محدوديتها العسكرية في التدخل خارج حدودها، ومطالبة 29 ولاية أمريكية مؤخرا بإجراء إستفتاءات لتقرير مصيرها والإستقلال عن الفيدرالية. هذه كلها مؤشرات قوية تؤكد أن إمبراطورية روما الجديدة ذاهبة بسرعة نحو “التقسيم” الذي يبدو أنه قدرها الآتي، لينتهي عهدها وطغيانها وجبروتها، وترقد في مزبلة التاريخ مع الإمبراطوريات القديمة المندثرة (إنظر مقالة: العالم بعد أوكرانيا ليس هو العالم قبلها).

روسيـــا ستحكـــم العالـــم

أما روسيا، فقد كانت تنبؤات ‘فانغيليا’ تقول بأنها “ستحكم العالم”… وهنا يعجز “علم المستقبليات” برغم ما يستعمله من أدوات منهجية وعقلية عن وضع تصور واضح لما سيكون عليه العالم في المدى المنظور والمتوسط، لكننا لا نملك سوى قراءة المعطيات المتوفرة، والمؤشرات الدالة، التي من شأنها مساعدتنا على إستشراف آفاق المستقبل لمعرفة مدى دقة ما توقعته هذه المرأة الإستثنائية بالنسبة لزمننا الحالي والآتي.

لأن إعتماد الإدارة الأمريكية على إستراتيجية “النفط و الإرهاب” لإفتعال الأزمات وتبرير التدخلات في شؤون الدول والشعوب بهدف تحقيق مصالحها الإنتهازية وتكريس نفوذها الإستبدادي، غيّر من قواعد اللعبة في العلاقات بين الدول، وفسح المجال لسياسات ظالمة، تقوم على المؤامرات و الفتن المتنقلة لإضعاف الخصوم وإخضاعهم، بديلا عن المواجهات العسكرية المباشرة التي إنتهت بنهاية ولاية الرئيس ‘جوج بوش’ الصغير.

غير أن المثير للدهشة والإستغراب، هو أن ما توقعته ‘فانغيليا’ بالنسبة لروسيا قد لا يتفق مع ما عاهدناه من سنن التاريخ، التي تقول أن حضارة إمبراطورية ما عندما تنتهي لا تعود لتقوم من جديد من الأنقاض، وبالتالي، فقد يكون الأمر يتعلق بحضارة جديدة تتربع على عرشها روسيا الإتحادية، ولا علاقة لها بالإديولوجيا “الشيوعية” التي كانت قائمة زمن الإتحاد السوفياتي السابق..

لأن ما يشهده العالم اليوم، هو بروز عدة قوى إقليمية ودولية عظمى من بينها روسيا.. هذا نظام ممكن في حال أُسّس على العدل والتعاون بين الأمم وإحترام سيادة الشعوب، وهو المطلب الذي بدأ يجذب العديد من دول العالم إلى المحور الروسي، ولو من باب التعاطف بالنسبة لبعض المترددين الذي لا يفقهون تقدير نتائج المتغيرات التي تجري اليوم في منطقة الشرق الأوسط ومنطقة أوراسيا في نفس الوقت.

وفي الخلاصة،

نستطيع القول أن نجم أمريكا سائر بسرعة نحو الأفول، وأن الفراغ ستملأه قوى جديدة صاعدة، وأن النظام العالمي القادم سيكون أقل ظلما وعدوانا وفسادا من النظام القائم اليوم، لكنه سيولد من رحم الأزمات.. وأن نبوءة ‘فانغيليا’ بنشوب أزمة إقتصادية عالمية كبرى وفشل ‘أوباما’ في معالجتها وتطويق تداعياتها، سيؤدي حتما إلى تقسيم الولايات المتحدة كخيار يفرض نفسه، وبالتالي، سيبزغ فجر جديد لقيام نظام دولي متعدد الأقطاب، سيكون أخلاقيا وأكثر توازنا وأقل ظلما، وستتربع روسيا الإتحادية على عرشه معنويا، بإعتبارها رأس الحربة في الحرب القائمة اليوم على الغطرسة والهيمنة والنفوذ الأمريكي الأحادي الجانب

بانوراما الشرق الاوسط

2014-03-31

فلاش تعريفي عن معاناة الطفل الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي.

كتاب/ معاناة الأطفال الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي.


مركز الزيتونة يعيد نشر كتابه الذي يتناول معاناة الأطفال الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي.

بمناسبة يوم الطفل الفلسطيني 5 نيسان/ أبريل، يعيد مركز الزيتونة نشر كتابه "معاناة الطفل الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي" والمتوفر للتحميل المجاني باللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة الى فلاش تعريفي، وذلك بهدف التعريف بما يتعرض له الأطفال الفلسطينيون من معاناة وانتهاكات لأبسط حقوقهم الإنسانية.

أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت كتاباً يتناول معاناة الطفل الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي ضمن سلسلة "أولست إنساناً" والتي يسعى المركز من خلالها إلى تقديم صورة متكاملة عن المعاناة التي يتسبب بها الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني، بأسلوب يخاطب العقل والقلب وفي إطارٍ علميٍّ ومنهجيٍّ موثق. والكتاب من إعداد أحمد الحيلة ومريم عيتاني، وتحرير د. محسن صالح وياسر علي.

يقع الكتاب في 102 صفحة من القطع المتوسط، ويبدأ بنبذة عن الأطفال في المجتمع الفلسطيني، ثم يتناول أبرز حقوق الطفل الفلسطيني وانتهاكاتها: الأطفال الشهداء والجرحى، والأطفال الأسرى والمعتقلون، والوضع الصحي من صحة نفسية وسوء تغذية ووفيات، والوضع الاجتماعي والاقتصادي من فقر وعمالة أطفال، والتعليم.

إعداد: أحمد الحيلة، مريم عيتاني
عدد الصفحات: 102
الطبعة: الأولى/2008
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت

كما ويتميز الكتاب بأسلوبه السلس، الذي يجمع بين الدقة والمنهجية العلمية وبين الصور والقصص المرافقة والمختارة بعناية، ليشرح بذلك فصول المعاناة التي يعيشها الأطفال الفلسطينيون بسبب الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الجائرة بحقهم، في وقت يتحدث فيه العالم أجمع عن حقوق الإنسان وصيانة كرامته وحريته وحقه في العيش بسلام في أرضه وبيته، ولكنه يصمّ آذاناه عمّا يحدث للإنسان الفلسطيني.

غلاف الكتاب:
كتاب/ معاناة الأطفال الفلسطينيين الاحتلال

لتحميل كتاب "معاناة الطفل الفلسطيني تحت
الاحتلال الإسرائيلي"، اضغط على الرابط التالي:
أولست إنساناً - 3: معاناة الطفل الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي (104 صفحات، 10.43 MB)*
http://www.alzaytouna.net/arabic/dat...s_Children.pdf

النسخة الإنجليزية لكتاب "معاناة المريض الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي"
- إعداد: فاطمة عيتاني، عاطف دغلس
- تحرير: د. محسن صالح، رنا سعادة
- عدد الصفحات: 128
- الطبعة: الأولى 2012
- اللغة: الإنجليزية
- الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات - بيروت

مدينة يافا في مواجهة التهويد.



مدينة يافا في مواجهة التهويد.

يافا تلك المدينة الكنعانية الإسلامية العربية الخالدة، التي آمنت منذ فجر التاريخ بشعار "سر السعادة بالحرية وسر الحرية بالصمود وانتزاع الحق من مغتصبيه عنوة "وآمن شعبها الأبي بشعار ملؤه الكبرياء الفلسطيني" يمكنك أن تنزع الإنسان من وطنه لكن من الصعب أن تنزع الوطن من قلبه ".

يافا عروس فلسطين وحاضرتها ودليل شامخ علي تطور الحضارة الفلسطينية عبر العصور، فقد عرفت المدارس بمراحلها وظهرت فها أول الصحف العربية مثل (فلسطين والدفاع ) وعرفت فنون المسرح والشعر والأدب في الوقت التي غرق فيها الصهاينة بمستنقع التخلف، ولأن يافا تشكل رمزية عالية في عقل وقلب كل الأحرار- ولأن يافا لازالت شامخة بعروبتها وإسلامها العظيم حتى الآن، إذا لابد من طمس هويتها وحضارتها ولا نستعرب عندما يطلق عليها الآن أرباب الصهاينة تل أبيب المظلمة.
يعتبر عام 1986 نقطة تحول في سياسة الطمس الموجهة لمدينة يافا، في الوقت الذي اجتمع فيه رئيس بلدية تل أبيب (شلومو لاهط )بمهندسين ليعلمهم أن الوقت قد حان للسيطرة علي يافا! وعلي ضوء ذلك شكل (لاهط ) ما يسمى طاقم يافا، حيث عمل هذا الطاقم علي تركيز المشاريع الصهيونية التطويرية ليافا، وبلورة خطة شاملة ومدروسة لتغيير طابع يافا العربي، وإبراز شعار التهويد، ويتلخص الطابع التهويدى بالمحاور التالية -
1- منطقة المنشية : هدم معالمها العربية وبناء ناطحات سحاب وشركات سياحية.
2- منطقة الساحل: وضع مخطط لتحويلها إلي مركز سياحي ترفيهي وإقامة حي سكنى للأغنياء.
3- ميناء يافا: تحويله من ميناء صيادين إلي ميناء (مارينا) ومكان للهو والفجور.
4- منطقة النزهة: تحويل أجزاء منها إلى مراكز تجارية والتخطيط إلى تحويل الحي إلى اسفنجة لامتصاص العرب الباقين في يافا بعد طردهم من حي الجبلية والعجمي القريبين من الساحل.
5- حي العجمي والجبلية: مخطط لتحويلهما إلي أحياء للطبقة البرجوازية الصهيونية العليا.

والجدير بالذكر أن هذه المحاور التطويرية الصهيونية تهدف إلي غزو يافا العربية من الشمال وتحاصرها من الداخل. ولكن يبقى صمود الحيان العربيان( حي الجبلية والعجمي) اللذان يشكلان العمود الفقري للأحياء العربية ،التى تسكنهما عائلات عربية يقفا حائلا أمام المخططات الصهيونية حتى وقتنا الحالي، رغم قلة الإمكانات
وتجدر الإشارة هنا أن المشروع الاقتصادي الصهيوني ينطلق من الأحياء الجنوبية لتل أبيب (نفيي تسيدك- ونفيي شالوم ) بالإضافة إلى وضع مخطط تطوير (حي المنشية ) ولاسيما في المنطقة التي تعتبر الحد الفاصل بين تل أبيب ويافا، وذلك بهدف التواصل المدني بين المدينتين ! ويشمل المخطط الصهيوني إقامة حدائق سياحية علي طول الساحل، الأمر الذي يدمر ويستثنى كلياً التواجد السكاني للعرب الفلسطينيين في منطقة الساحل، وتدمير أرزاق الصيادين العرب في يافا.

وامتد مخطط الصهاينة إلي شمال يافا، وضم ميدان (الساعة اليافاوي )المشهور وسعت بلدية تل أبيب إلى تدمير ما تبقى من (سوق الصلاحية) المعروف الآن بسوق (العتق ).
وتكمن الخطورة التدميرية ليافا بما قام به الصهاينة من هدم وتقويض الملامح التاريخية للمنطقة الساحلية اليافاوية، وتفريغها من السكان العرب ورسم الصهاينة لساحل يافا المخطط التالي --
- شاطئ المنشية: وهو شريط الشاطئ الذي يربط بين يافا وتل أبيب، يهدف المخطط إلى تحويله للاستجمام والتنزه .

- شاطئ العجمي: ويقع علي بعد 300 متر جنوبي الميناء يهدف المخطط إلى تدمير ملامحه العربية، وطمس مدرسة (حسن عرفة) و(مسجد العجمي ومسجد الجبلية) وتطويقه بفنادق ضخمة وحائق مائية وأحياء يهودية جديدة.

- الميناء: مخطط لتحويله إلي مركز اقتصادي، وتخصيص جزء كبير من مساحته للمطاعم والمار ينا.

- شاطئ الجبلية:: تم إتخامه بالمطاعم والمقاهي بسبب منظره اليافاوى الساحلي الخلاب.

- كل هذا بهدف تفريغ يافا من محتواها العربي الأصيل! ومنذ أكثر من أربع عقود من الزمن وآلاف البيوت العربية اليافاوية تهدم ! وعرب يافا يعانون من أوضاع سكنية وصحية وتعليمية متردية، كل هذا ليجعل اليهود العيش للعرب في يافا أمر لايطاق؟ وتسعى شركتي ( عميدار وحلميش ) اللتان تشرفان علي بيوت يافا لإخلاء العرب من بيوتهم، وأصدرت أوامر لأهالي يافا بعدم ترميم بيتوهم، حتى تسقط ويسيطروا عليها ويرحلوا أهلها إلى مساكن تشابه علب الكبريت، ومع ذلك يبقى أهل يافا صامدون بعروبتهم وأصولهم كشوكة في حلق مغتصبين حضارتها العربية الإسلامية الفلسطينية.

بعد احتلال يافا 1948 ونزوح أهلها، عاش من تبقى منهم وكانت ظروفهم مأساوية قاهرة واعتبروا للأسف أقلية رغم أن ما تبقى منهم حوالي (3 آلاف)، رغم أنهم خسروا كل شيء إلا أنهم بقوا منزرعين في يافا ليبقوا شوكة في جنوب مغتصبيها، وبعد استيلاء اليهود علي آلاف البيوت العربية التي تركها أهلها، قام اليهود بتجميع من تبقي من العرب الباقين في( العجمي والجبالية) أما باقي أحياء يافا اكتظت باليهود الجدد، ولم يبقى في يافا معلما ًعربياً إلا بقايا بيوت أصيلة ومقدسات وقفت لتشهد علي أصالة التاريخ والمكان العربي، وبعد عامين من الحكم العسكري علي عرب يافا، ضمت يافا إلي بلدية تل أبيب 1951، وصهرت بالجسم اليهودي، وشرعت سياسة الإهمال والتهميش ولم تستجب بلديتهم إلى حاجات العرب الفلسطينيين، وخنق أهلها وعانوا من نقص حاد في الوحدات السكنية ولم يحصل العرب رغم شدة حاجاتهم للسكن إلا علي 750 وحدة سكنية وكان ذلك بعد 34 سنة من الاحتلال (في عام 1982 ) وكانت تلك الوحدات المشابهة بوحدات العزل العنصري في جنوب إفريقيا هدفها تدمير الطابع العربي للمدينة وعديمة الصلة بالمكان ولا تتفق من حيث النوعية والتخطيط مع سبل الحياة وتقاليد البناء العصرية، وتدل تلك الوحدات التي أقيمت علي حدود ما تسمى( بيت يام) علي سوء التخطيط الذي كان يهدف إلي تكديس العرب في تلك المباني المتلاصقة لتجعل العرب يعيشون في علب من السردين لفترة ما - ثم يصبحوا بعد ذلك غير صالحين للاستعمال ! وذلك للوصول إلى هدف اجتماعي خبيث يرمى إلى تفتيت المجتمع العربي وازدياد نسبة الانحراف الاجتماعي هناك ؟!
باشر اليهود في تطبيق منحدر يافا رقم 2236 والذي شرع بتقسيم المنطقة ألي 10مواقع سكنية و3 مواقع لمنطقة الشاطئ بسياسة واضحة لتصور مشهد الفصل العنصري ومحو وجود السكان الأصليين.

(مخطط الميناء)
تعرض صيادو الأسماك في ميناء يافا منذ صيف 1992الي مضايقات ومحاولات اجتثاث وإخلاء لمحو الوجود العربي فيه، ويعتبر نخطط الميناء المرحلة الأخيرة من مسيرة تغير طابع ميناء يافا التاريخي وتحويله إلي مركز سياحي استهلاكي.
كان ميناء يافا حتى أواخر عهد الانتداب البريطاني يشكل حلقة الوصل بين فلسطين والعالم الخارجي، وشهدت تلك العصور ذروة تطور الميناء، وبالتالي التطور السكاني والحضاري ليافا عروس البحر، غير أن ميناء يافا بدأ بالتراجع إبان ثورة 1936 وما أعقبها من إضراب هز تجارة بريطانيا وعملائهم من الصهاينة آنذاك، لذا قام اليهود والبريطانيين بإنشاء ميناء ما يسمى ميناء (تل أبيب) وتوقف ميناء يافا عن نشاطه التجاري رسمياً عام 1965 عند المباشرة باستخدام ميناء أسدود. عملت مشاريع التطوير التي كانت من نصيب ميناء يافا ألي هدم معالمه التاريخية، وتحويله إلى مكان لهو واستجمام وخمارات وفجور وفسق صهيوني ، الأمر الذي ترك آثاراً سلبية بالغة علي صيادي الأسماك المحليين وحرمهم من مصدر رزقهم ، وكانت هذه المشاريع الصهيونية التي تحمل (رقم 2378 )تهدف بشكل ممنهج إلى محو وجود الصيادين العرب في الميناء، ورغم لجوء صيادو يافا إلي ما تسمى بمحكمة العدل الصهيونية وعرض قضيتهم علي وسائل الإعلام إلا أن قرار التهويد كان قد اتخذ ولا رجعة فيه، بل زادت المعاناة للصيادين أكثر مكن ذي قبل، وحشروا في القسم الجنوبي، وخصصوا لهم مكان ضيق وأرصفة خشبية قصيرة تفتقر للكهرباء والماء وأحاطوهم ب(يخوت) من كل جانب وأغلقوا بوابة الرصيف الذي يستخدمونه وأصبح أصحاب المطاعم يمنعونهم من وضع شباكهم علي الأرصفة، بدعوى أنها تزعج السياح والزوار، في الوقت التي تضاعفت فيه أرصفة اليخوت الصهيونية، وشرعت البلدية برفع رسوم رخصة الصيد للعرب! وحرموهم من دعم وزارة الزراعة، واخترع مدير الميناء مخطط إطالة كاسح الأمواج ومن الأمور الخطيرة هو شروع البلدية ببناء 250 وحدة سكنية وفندق في منطقة الميناء، وتجفيف جزء من البحر ،والخلاصة يعتبر اليهود أن استمرار الصيادين العرب في ميناء يافا مرتكزاً لارتباط العرب بيافا، الأمر الذي يشكل عقبة في طريق ضم يافا إلي ما تسمى تل أبيب، ورغم ذلك فالعرب باقون - باقون - فيك يا يافا ليلتحم بهم جسور العودة ولاتزال أثواب الصيادين المهاجرين في يافا معلقة في دواليب أحفادهم، وسنرجع يوما إلي يافا ،لأن فينا الأمل، ومن ولد فيه الأمل لا يعرف للمستحيل طريقا.

المصدر: صحيفة الحوار

التاريخ الأسود للبنك العربي ودوره في كارثة فلسطين


أخواتي اخوتي الاكارم
استكمالا لموضوع  بيع الفلسطينيين أرضهم لليهود حقيقة أم خيال؟! رأيت من واجبي تسليط الضوء على بعض النقاط التي ساهمت في نكبة فلسطين بالوثائق والاسماء

التاريخ الأسود للبنك العربي ودوره في كارثة فلسطين

تم تأسيس البنك العربي في عام ١٩٣٠، في فترة تعتبر من اسوأ الفترات التي مرت على الشعب الفلسطيني، سياسيا وإقتصاديا.
فقد كانت سياسات سلطة الإحتلال البريطاني تسعى بكل ما أوتيت من قوة ومعها قوة المال اليهودي لإيصاله لهذه المرحلة من أجل تحطيمه وإجباره على بيع أرضه وهجرها لتسهيل تطبيق وعد بلفور التي تعهدت بتطبيقه للصهيونية العالمية في فلسطين.
الا أن هذه الفترة شهدت أيضا ثراء فاحش لدى ملاكي الأراضي ومن يطلق عليهم الشعب الفلسطيني: العوائل النافذة والأفندية والباشوات بعد بيعهم لأراضيهم لليهود، حيث تدفقت الأموال بين أيديهم، وساد التبذير بينهم، فكانت نصيحة الإنجليز أنه لا بد من حفظ الأموال في مؤسسات مالية ما وبينت مخاطر وجود المال في اليد والذي يسهل من تبذيره.
لذا اشارت على رجلها الموثوق به، أحمد حلمي عبد الباقي باشا، بإيجاد حل لهذه القضية.

وأحمد حلمي عبد الباقي، لبناني من مواليد صيدا (١٨٨٢ - ١٩٦٣) ومن أصل ألباني، أنتقل مع أسرته لفلسطين حيث استخدمه الإتحاديون في عدة وظائف مالية في فلسطين، ثم حكام عرب، ثم سلطات الإحتلال البريطاني والتي عينته مديرا على الأوقاف الإسلامية في فلسطين عام ١٩٢٥، فأي مأساة بعد هذا؟!، ثم أستخدمته جامعة الدول العربية عام ١٩٤٨ رئيسا على حكومة عموم فلسطين التي خدعوا بها الشعب الفلسطيني.
بعد إنتهاء خدماته من إدارة الأوقاف في فلسطين، أنشأ مع ثلاثة أنسباء له البنك العربي، أولهم : عبد الحميد شومان، أمي، إبن تاجر مواشي، عمل في المحاجر، ثم هاجر الى أمريكيا عام ١٩١١وعاد منها الى فلسطين عام ١٩٢٩ ليبدأ مع نسيبه قصة البنك العربي، متزوج من سنية إبنة أحمد حلمي عبد الباقي.

ثانيهم: رشيد الحاج إبراهيم، من أصول مغربية، مدير أهم فرع للبنك العربي آنذاك وهو فرع حيفا، من المشهور للفلسطينيين على أنه من الوطنيين، وهو أحد كبار الهيئة العربية العليا، باع مساحات شاسعة لليهود في ضواحي حيفا،(١) كما وقبض مبلغا كبيرا من الصندوق القومي اليهودي في صفقة وادي الحوارث المنكوب (٢)، طلب رشيد هذا من الشيخ الشهيد عز الدين القسام رحمه الله نبذ العنف لإرضاء السلطات البريطانية،(٣) أثناء حرب ١٩٤٨ دعا سكان حيفا الى الهدوء والخلود للسكينة،(٤) إبن أحمد حلمي عبد الباقي الوحيد، محمد متزوج من إبنة رشيد.

ثالثهم: منصور بن قدارة، ليبي، متزوج من إبنة أحمد حلمي عبد الباقي، وصفية، أدار فيما بعد الشؤون المالية في المملكة الليبية الأدريسية، من أسرته أيضا فرحات بن قدارة محافظ البنك المركزي الليبي خلال حكم معمر القذافي، وعضو في إدارة المؤسسة العربية المصرفية في البحرين، هرب أثناء الثورة على القذافي الى تركيا ومن ثم للغرب، أتهمه الليبيون في عهد القذافي بالتلاعب بالمال العام والتصرف في الأموال المجندة.(٥)
والناظر لهذا البنك عن قرب عند تأسيسه سيجد بأنه لم يكن مؤسسة إقتصادية فحسب، بل وسياسية أيضا، وحين يختلط الإقتصاد بالسياسة على أرض محتلة، فإن ذلك أكبر مجلبة للشك والشبهات، ناهيك عن صعوبة فتح دكان من قبل فلسطيني عادي في تلك الفترة تحت الإنجليز، فكيف ببنك؟!
فلو نظرت لوجوه مؤسسي البنك والذين شاركوا في التمويل ليخيل لك أنك أمام الهيئة العربية العليا; بريطانية التأسيس، وأضف على هؤلاء باعة الأراضي والسماسرة ومتواطئون مع سلطة الإحتلال البريطاني والحركة الصهيونية.

منهم فؤاد سابا، مسيحي مقدسي، من رجال سلطة الإحتلال البريطاني الموثوق بهم في فلسطين، كان مسؤولا عن حسابات الهيئة العربية العليا والبنك العربي في نفس الوقت،( ٦) كما أنه مشارك في التأسيس، لا زالت شركة هذا الرجل حتى يومنا هذا مدققة حسابات البنك العربي وهي شركة سابا وشركاه.

ومن الذين شاركوا في تمويل البنك العربي، الفرد روك، رئيس بلدية يافا ورئيس الحزب العربي الفلسطيني ( عبد الحميد شومان الأول كان عضوا في هذا الحزب ومن الداعمين له)، عضو في الهيئة العربية العليا، باع أراض لليهود منها أرضا في الرنطية وبيت دجن والفجة في ضواحي يافا، وباع أرضا في جباليا في غزة عام ١٩٤٢، وفي عام ١٩٤٣باع ٧٠٠ دونم قرب تل أبيب، كما باع أفراد من أسرته ٦٠٠ عام ١٩٣٩ على طريق القدس تل أبيب.(٧ )
ومن ممولي البنك العربي أفراد من عائلة عريقات( أنسباء لعائلة شومان) منهم حسن محمد عريقات من أبو ديس في القدس، بائع وسمسار أراضي لليهود، باع أغلب أراضي أبو ديس للصهاينة، ومنها الأرض التي أقيمت عليها ثاني أكبر مستوطنة في الضفة الغربية وهي مستوطنة "معالي أدونيم" التي اصبحت جزء من القدس،(٨) كما أنها المكان الذي الذي عسكر فيه صلاح الدين الأيوبي وأطبق منه على القدس حين فتحها. بعد أكثر من سبعين عاما قال قريب له وهو المفاوض الفلسطيني صائب عريقات لأولمرت "ها نحن نمنحكم أكبر أورشليم في التاريخ اليهودي" (٩) فهل كان يعني جيدا ما يقول؟
ومن ممولي البنك العربي عوني عبد الهادي، وساعد في الإنشاء، من باعة الأراضي لليهود والسماسرة هو ووالده قاسم عبد الهادي، طلب منه بن جوريون مساعدته في إيجاد طريقة تقنع الفلسطينيين بالرحيل، فأجابه بأن هذا يعتمد على عدد اليهود الذي يمكن تهجيرهم الى فلسطين! عندما قابله بن جوريون في ١٨/ ٧ /١٩٣٤ .(١٠) كما كان محاميا لسلطات الإحتلال البريطانية وفي نفس الوقت المستشار القانوني للمجلس الإسلامي الأعلى، كما عمل محاميا للصهاينة في قضية الحصول على ثلاثين ألف دونم من وادي الحوارث المنكوب،(١١) والتي قبض عليها ٢٧٠٠ جنيها استرلينيا عام ١٩٢٩، في عام ١٩٣٠ قدمت زوجته ملابس مستعملة لسكان وادي الحوارث لإبعاد الشكوك عن زوجها، وصف الملك أمير شرق الأردن عبد الله الأول بإبن ال(....) (١٢)، عندما أعترض على الأمير عبد الله حين علم بأن يفكر بتأجير أراضي غور الكبد لشركة يهودية، ولم يكن إعتراضه هذا لسبب وطني، بل كان خوفا على سوق بيع الأراضي الرائج آنذاك بين أمثاله، فكل الوفد الذي رافقه لشرق الأردن للإعتراض على هذا القرار كانوا من باعة الأراضي لليهود.
ومنهم موسى العلمي، اشترك في تمويل البنك العربي، اختلف معهم فيما بعد، كان السكرتير الخاص للشؤون العربية للمندوب السامي على فلسطين آرثر ووجوب، عميل للمخابرات البريطانية، ومن باعة الأراضي لليهود، باع تسعمائة دونم لليهود في بيسان.( ١٣)
وممن شاركوا في التأسيس والتمويل يعقوب الغصين، عضو في الهيئة العربية العليا ومؤتمر لندن١٩٣٩، من باعة الأراضي لليهود والسماسرة، باع الأرض التي أقيمت عليها مستوطنة "يتسي تسونيا" في يافا، كما وباع بالإشتراك مع محمد توفيق الغصين ٣٠٦ دونمات في بيت حانون في غزة.( ١٤)
ومن الذين شاركوا في تمويل البنك العربي، أفراد من عائلة البيطار من يافا، على رأسهم رئيس بلدية يافا عمر البيطار وأخوه عبد الرؤوف البيطار رئيس البلدية بعده، وقريب لهم يدعى سليمان البيطار، كانوا من باعة الأراضي والسماسرة المشهورين في فلسطين، باعوا الأرض التي أقيمت عليها مستوطنة بني براك،(١٥) أستطاع الثوار الوصول الى إبن الأخير محمد، سمسار وقتلوه.

ومن ممولي البنك العربي عاصم السعيد رئيس بلدية يافا عام ١٩٢٧، بائع أراضي وسمسار، من بين ما باع خمسة آلاف دونم لليهود بالإشتراك مع شكري التاجي الفاروقي.( ١٦)
ومنهم أيضا رشدي الشوا، رئيس بلدية غزة وعضو في الحزب العربي الفلسطيني، باع أراضيه لليهود في غزة ومناطق أخرى،(١٧) اتهمه المصريون عام ١٩٤٨ بالخيانة والتسبب بمقتل عشرات الجنود المصريين.(١٨)
في عام ١٩٣٢ وعندما بدأ أبناء الشعب الفلسطيني المطالبة بإنقاذ الأراضي من بيعها لليهود، سارع صاحب البنك العربي، أحمد حلمي عبد الباقي بإنشاء المطلوب، وهو صندوق الأمة وأعلن أنه من اجل إنقاذ الأراضي كي لا تصل لليهود!.
ولننظر الى من تم اختيارهم لقيادة هذا الصندوق: أحمد حلمي عبد الباقي مديرا، أعضاء البورد: جمال الحسيني، رشيد الحاج إبراهيم، عمر البيطار، عوني عبد الهادي، يعقوب الغصين، رشدي الشوا، عزت طنوس، سليمان طوقان، عبد اللطيف صلاح، راغب النشاشيبي.
هؤلاء من يريدون إنقاذ تراب فلسطين من البيع، فأي مأساة بعد هذا؟!!!.

يقول شاعر الثورة إبراهيم طوقان مثلاً تعليقاً وشعرا على إنشاء "صندوق الأمة" عام 1932 لإنقاذ أراضي فلسطين من البيع لليهود (وهو الصندوق الذي أنشأته وقتذاك القيادة الإقطاعية - الاكليركية بحجة عدم تسرب أرض فقراء الفلاحين إلى اليهود): "إن ثمانية من القائمين على مشروع صندوق الأمة كانوا سماسرة على الأراضي لليهود":
حبذا لو يصوم منا زعيم
مثل غاندي عسى يفيد صيامه
لا يصم عن طعامه، في
فلسطين يموت الزعيم لو لا طعامه
ليصم عن مبيعه الأرض يحفظ
نفعة تستريح فيها عظامه .(١٩)

لقد قام صندوق الأمة والذي لم يكن يخص الأمة في شيء، بعكس الهدف المعلن عنه، والمحزن أن الشعب الفلسطيني رغم ظروفهم الصعبة هرعوا للتبرع له بناء على الهدف الذي أنشأ من أجله، كما قام أحمد حلمي بإشهار أهدافه الوطنية، بل ونشر أسماء المتبرعين في الصحف لتشجيع غيرهم، كما أرسلت الوفود الى كافة دول العالم العربي. أهالي شرق الأردن والذين لا تقل ظروفهم سوء عن أهل فلسطين تبرعوا بعشرين ألف ليرة فلسطينية، مبلغ كبير بالنسبة لتلك الأيام إذا ما عرفنا أن معدل راتب الموظف كان ثلاث ليرات شهريا، الملك عبد الإله، ملك العراق سلم موسى العلمي ١٥ ألف ليرة فلسطينية والتي وضعت في البنك العربي وكان موسى العلمي يتقاضى مبلغا من البنك العربي مقابل جلب التبرعات!.(٢٠)
وقد اختلف موسى العلمي مع أحمد حلمي عبد الباقي فيما بعد، حيث كشف العلمي أن صندوق الأمة كان يبيع الأراضي لليهود ولم يحميها. (٢١)
وبالفعل لم تكد تمضي فترة على إنشائه حتى بدأت فضائحه تخرج للعلن، فمثلا في قضية قطعة أرض قرب جبل طابور كان أصحابها قد باعوها لليهود وحين علم الصندوق بالصفقة ما تركها تمر حتى قبض مبلغا من ثمنها ثم تركها تمر!، كما تعاون الصندوق مع سماسرة كأسماعيل العزة وجورج صايغ، كما تعاون صندوق الأمة مع الصندوق القومي اليهودي في ترحيل فلسطينيين من الأراضي التي كان يشتريها الصندوق القومي اليهودي، ناهيك عن الفساد الذي نخر مكاتبه في كل أنحاء فلسطين، وقدمت فيهم العديد من الشكاوى للهيئة العربية العليا! وحتما ما كان من مجيب.(٢٢)
وكفى أن أحد مدراء هذا الصندوق، سليم عبد الرحمن قد عمل مع والده من عام ١٩٢٠ وحتى عام ١٩٢٨ كمندوب في بيع الأراضي لصالح يوشوا هانكين من رجال الصندوق القومي اليهودي.(٢٣)

لم يكتفي أحمد حلمي بهذا الصندوق، فأنشأ البنك الزراعي وفشل، ثم أنشأ بنك الأمة العربية، ما أكبرها من أسماء! ولنر الأفعال في أحرج المواقف.
بعد مجزرة دير ياسين كان هناك ثمة أطفال أيتام كتبت لهم الحياة من القرية، أغلبهم كانوا جرحى وبحاجة لمن يقوم على رعايتهم الصحية والنفسية، فأقامت عليهم لجنة نسائية وطنية، ولما ضاقت يدها توجهت للهيئة العربية العليا فرفضت تقديم أي مساعدة ثم توجهت الى البنك العربي وبنك الأمة العربية وكانت نفس النتيجة، حينها اضطرت لطلب دين من البنكين وقتها تمت الموافقة. (٢٤)
بعد كل هذه الأموال التي جمعت بإسم فلسطين .. بإسم شعبها .. بإسم ترابها .. بإسم جراحها، وبعد كل هذه المسرحيات البطولية والعنترية، لم يصرفوا ولو ليرة فلسطينية واحدة على طفل ديرياسيني يتيم وجريح!.

لمن تبرعوا إذن؟ تبرعوا لمحمد نمر الهواري ومنظمته "النجادة" والتي كانت على علاقة وطيدة بالبنك العربي، (٢٥) ومن أراد أن يعرف هذه المنظمة ولماذا أوجدت فليراجع مقالنا (هؤلاء أضاعوا فلسطين لائحة العار:محمد نمر الهواري).
وعندما عينت جامعة الدول العربية أحمد حلمي عبد الباقي على حكومة عموم فلسطين في غزة عام ١٩٤٨ والتي كانت محط التقاء اللاجئين الفلسطينيين المشردين من ويلات الحرب، والذين عاشوا أسوأ ظرف إنساني يمكن ان يعيشه إنسان، فقد ووصل ببعض اللاجئين ان يسف التراب من الجوع، فماذا فعل أحمد حلمي عبد الباقي المسؤول عنهم؟ لا شيء، لقد كان مشغولا بأعماله الخاصة، (٢٦) فلم يشبع بعد، أرأيتم أي تجار حروب وسدت القضية لهم؟!.
في عام ١٩٤٨ تشرد شعب فلسطين من وطنه بعد أن أجبر على ترك ممتلكاته وأغلى ما يملك، الا أن البنك العربي أستطاع بكل أريحية أن ينقل أرصدته وملفاته الى فرع عمان والذي كان قد أفتتح عام ١٩٣٤.

-------------------------------
١- The Land Question in Palestine, 1917-1939
By Kenneth W. Stein p.232
٢- المصدر السابق ص. ٧٠
٣- STRUGGLE AND SURVIVAL IN THE MODERN MIDDLE EAST page. p.149.
٤- The Birth of the Palestinian Refugee Problem Revisited (Cambridge Middle East Studies) Benny Morris p.102
٥- موقع شفاف الشرق الاوسط - التاريخ :٧ / ٦ / ٢٠١٠.
٦- Politics in Palestine: Arab factionalism and social disintegration, 1939-1948
By Issa Khalaf p.100
٧- The Land Question in Palestine, 1917-1939 By Kenneth W. Stein p.236
٨- صحيفة اللواء- ١٣ مايو ١٩٣٦.
٩ - وردت في اجتماع صائب عريقات بتاريخ 21 أكتوبر/تشرين الأول 2009 مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل ونائبه ديفيد هيل والمستشار القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية جوناثان شوارتز- الوثائق الفلسطينية - كشاف الجزيرة.نت.
١٠ - land without a people - Michael Palumbo, 1987
١١ - The Land Question in Palestine, 1917-1939
By Kenneth W. Stein 231
١٢- ملف تلفونات بيت عوني عبد الهادي التي تصنت عليها جهاز "الشي" التابع للهاجناه- ١١/ ٧/ ١٩٣٧ أرشيف بن غوريون- الأرشيف الصهيوني المركزي.. والوصف أخذ من هذه المحادثة:عوني عبد الهادي: كيف اقنعتك رسالة الأمير( عبد الله بن الحسين)؟
راغب النشاشيبي : إشي فظيع!
عوني : إبن الشرموطة هذا بيغطي أفكاره بكلامه الحلو!
راغب : ما تقلق عمرو ما حينجح بالرغم من كل أمانيه..
عوني : بس بيشتغل عن جد وحراب الإنجليز حتحميه.
راغب : خلينا نستنى ونشوف ردة فعل الدول العربية والزمن حيحكي ..
١٣- The Land Question in Palestine, 1917-1939
By Kenneth W. Stein p. 69
١٤- المصدر السابق ص. ٢٣٠
١٥- المصدر السابق ص.٢٢٩.
١٦- المصدر السابق ص.٢٣٥.
١٧- المصدر السابق ص.٢٣٧.
١٨- تقارير العملاء - ٥ و٩ و٢٠مايو و٢٦ يوليو ١٩٤٨- ISA 65, 342/1278. الأرشيف الصهيوني المركزي.
١٩- حياة الأدب الفلسطيني الحديث –الدكتور عبد الرحمن ياغي–المكتب التجاري بيروت – ص232(عن: ديوان الفلسطينيات، ص٢٨٣)
٢٠- Politics in Palestine: Arab factionalism and social disintegration, 1939-1948
By Issa Khalaf p.102
٢١- المصدر السابق.
٢٢-الأرشيف الصهيوني المركزي - اتصالات مع يهود، رسالة إصفيا للهيئة العربية العليا -
١٠/ ٩ / ١٩٤٧- ISA 65, 392/3142
٢٣- Arab-Jewish relations: from conflict to resolution? By Elie Podeh, Asher Kaufman P.55
٢٤-Politics in Palestine: Arab factionalism and social disintegration, 1939-1948
By Issa Khalaf p.149-150
٢٥- Military preparations of the Arab community in Palestine, 1945-1948
By Haim Levenberg, p.146
٢٦-The rise and fall of the All-Palestine Government in Gaza. Journal of Palestine Studies, Avi Shlaim(2001) p.50

بيع الفلسطينيين أرضهم لليهود حقيقة أم خيال؟!





د. خالد الخالدي - رئيس قسم التاريخ والآثار - الجامعة الإسلامية - غزة
يُعد هذا الموضوع من الموضوعات المهمة التي يجب على الفلسطينيين وخصوصاً المتعلمين والمثقفين منهم أن يفهموه جيداً، وأن يحفظوا حقائقه وأرقامه، وذلك للأسباب الآتية:
1- أَنَّ كثيراً من أبناء الشعوب العربية قد صدَّقوا الإشاعات التي نشرها اليهود، وروج لها أعوانهم، وأَهمها: "أن الشعب الفلسطيني باع أَرضه لليهود، فلماذا يطالبنا بتحرير أرض قبض ثمنها"؟!. وقد تعرضت أنا شخصياً لهذا السؤال مرات عدة، وفي بلدان عربية مختلفة، ووجدته أكثر انتشاراً في البلدان التي يرجى منها أن تفعل شيئاً من أجل تحرير فلسطين.
2- أنَّ مصدر هذه الإشاعة كتاب كتبوا في أَكثر الصحف العربية انتشاراً، ونشروا أكاذيب كثيرة، شوهوا فيها صورة الفلسطيني بهدف أن يُفقِدوا شعوبهم الحماس لفلسطين، وبلغ بهم الكذب حداً امتهنوا فيه جيوشهم، فقالوا :" إن الفلسطينيين يبيعون الضابط العربي لليهود بخمسة جنيهات، والجندي بجنيه واحد".
3- أنَّ العديد من الصحف العربية الرسمية ما زالت إلى اليوم منبراً لكتاب وضعوا أنفسهم في صف أعداء الأمة، وهم لا يملون من مهاجمة الفلسطينيين وتشويههم. وقد قرأت مقالاً لكاتب معروف في صحيفة عربية مشهورة يُهاجم فيه الفلسطينيين الذين تعاطفوا مع العراق أثناء تعرضه للهجوم الأمريكي، يقول فيه بالحرف الواحد: "هذا الشعب الوضيع الذي باع أرضه لليهود".
4- أنَّ هذه التهمة تتردد حتى في أوساط المثقفين، وكنَّا نسمع ذلك أثناء مناقشات مع مثقفين عرب يعملون في السعودية ودول الخليج، ومن ذلك قول أحدهم: " نعمل لكم إيه كل ما نحررها تبيعوها … كل ما نحررها تبيعوها".
5- أنَّ مروجي هذه الإشاعة ينشطون عندما تشتد مقاومة الشعب الفلسطيني لليهود، بهدف قتل أي تعاطف شعبي عربي مع الفلسطينيين.
6- أنَّ الشعب الفلسطيني الذي يحمل لواء الجهاد والمقاومة منذ أكثر من ثمانين عاماً، وقدم مئات الألوف من الشهداء، وما زال يقدم، ويقف وحده في الميدان، صامداً صابراً مجاهداً بالرغم من اجتماع الأعداء عليه، وتخلي ذوي القربى عنه، بل تآمرهم عليه، هذا الشعب يستحق أن ينصف ويدافع عنه، وقد شهد له كل منصف عرفه أو سمع عنه ونذكر فقط من هذه الشهادات قول هتلر في رسالة إلى ألمان السوديت: "اتخذوا يا ألمان السوديت من عرب فلسطين قدوة لكم، إنهم يكافحون إنجلترا أكبر إمبراطورية في العالم، واليهودية العالمية معاً، ببسالة خارقة، وليس لهم في الدنيا نصير أو مساعد، أما أنتم فإنَّ ألمانيا كلها من ورائكم".
7- أنه لا يليق بمتعلم أو مثقف فلسطيني، أن يتهم شعبه، ويقف عاجزاً غير قادر على تقديم المعلومات والحقائق التي تدحض هذا الاتهام.
وسوف أتناول هذا الموضوع بحياد ونزاهة وعلمية، مدافعاً عن الفلسطينيين بما يستحقون، ومحملاً إياهم ما وقعوا فيه من أخطاء. وقد استقيت معلوماتي من كتب ووثائق موثوقة.
بلغت مساحة الأراضي التي وقعت تحت أيدي اليهود حتى عام 1948م من غير قتال أو حرب، حوالي (2) مليون دونم. أي ما يعادل 8.8% من مساحة فلسطين التي تبلغ 27 مليون دونم.
حصل اليهود على تلك الأرض (2 مليون دونم) بأربع طرق هي:
الطريق الأول:
650.000 دونماً (ستمائة وخمسين ألف دونم) حصلوا على جزء منها كأي أقلية تعيش في فلسطين منذ مئات السنين، وتملك أرضاً تعيش عليها، وحصلوا على الجزء الآخر بمساعدة الولاة الأتراك الماسونيين، الذين عيَّنتهم على فلسطين حكومة الاتحاد والترقي، التي كان أكثر من 90% من أعضائها من اليهود. وقد تآمرت جمعية الاتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد وأسقطته، لأنه رفض كلَّ عروض اليهود عليه مقابل تمكينهم من أرض فلسطين. ومن هذه العروض إعطاؤه مبلغ خمسة ملايين ليرة إنجليزية ذهباً لجيبه الخاص، وتسديد جميع ديون الدولة العثمانية البالغة 33 مليون ليرة ذهباً، وبناء أسطول لحماية الإمبراطورية بتكاليف قدرها مائة وعشرون مليون فرنك ذهبي، وتقديم قروض بخمسة وثلاثين مليون ليرة ذهبية دون فوائد لإنعاش مالية الدولة العثمانية، وبناء جامعة عثمانية في القدس.
الطريق الثاني:
665.000 دونماً (ستمائة وخمسة وستين ألف دونم) حصل عليها اليهود، بمساعدة حكومةِ الانتداب البريطاني المباشرة، وقد قُدمت إلى اليهود على النحو الآتي:-
1- أعطي المندوب السامي البريطاني منحة للوكالة اليهودية ثلاثمائة ألف دونم.
2- باع المندوب السامي البريطاني الوكالة اليهودية وبأسعار رمزية مائتي ألف دونم.
3- أهدت حكومة الانتداب للوكالة اليهودية أرض السلطان عبد الحميد في منطقتي الحولة وبيسان - امتياز الحولة وبيسان - ومساحتها 165.000 دونماً (مائة وخمسة وستون ألف دونم.
الطريق الثالث:
606.000 دونماً (ستمائة وستة آلاف دونم)، اشتراها اليهود من إقطاعيين لبنانيين وسوريين، وكان هؤلاء الإقطاعيون يملكون هذه الأراضي الفلسطينية عندما كانت سوريا ولبنان والأردن وفلسطين بلداً واحداً تحت الحكم العثماني يُسمى بلاد الشام أو سوريا الكبرى، وعندما هزمت تركيا واحتل الحلفاء بلاد الشام، قسمت هذه البلاد إلى أربعة دول أو مستعمرات، حيث خضعت سوريا ولبنان للاحتلال الفرنسي، وشرق الأردن للاحتلال البريطاني، وفلسطين للانتداب البريطاني توطئة لجعلها وطناً قومياً لليهود. وهكذا أصبح كثير من الملاك السوريين واللبنانيين يعيشون في بلد وأملاكهم في بلد آخر، فانتهز كثير منهم الفرصة وباعوا أرضهم في فلسطين لليهود الذين دفعوا لهم فيها أسعاراً خيالية، وبنوا بثمنها العمارات الشاهقة في بيروت ودمشق وغيرها. وكانت كمية الأراضي التي بيعت، والعائلات التي باعت كما يلي:
1- باعت عائلة سرسق البيروتية - ميشيل سرسق وإخوانه مساحة 400.000 دونماً (أربعمائة ألف دونم) ، في سهل مرج ابن عامر، وهي من أخصب الأراضي الفلسطينية، وكانت تسكنها 2546 أسرة فلسطينية، طُردت من قراها لتحل محلها أسر يهودية أحضرت من أوروبا وغيرها.
2- باعت عائلة سلام البيروتية 165.000 دونماً (مائة وخمسة وستين ألف دونم) لليهود وكانت الحكومة العثمانية قد أعطتهم امتياز استصلاح هذه الأراضي حول بحيرة الحولة لاستصلاحها ثم تمليكها للفلاحين الفلسطينيين بأثمان رمزية، إلا أنهم باعوها لليهود.
3- باعت عائلتا بيهم وسرسق (محمد بيهم وميشيل سرسق) امتياز آخر في أراضي منطقة الحولة، وكان قد أُعطي لهم لاستصلاحه وتمليكه للفلاحين الفلسطينيين، ولكنهم باعوه لليهود.
4- باع أنطون تيان وأخوه ميشيل تيان لليهود أرضاً لهم في وادي الحوارث مساحتها خمسة آلاف وثلاثمائة وخمسين دونماً، واستولى اليهود على جميع أراضي وادي الحوارث البالغة مساحتها 32.000 دونماً (اثنان وثلاثون ألف دونم) ، وطردوا أهله منه بمساعدة الإنجليز، بدعوى أنهم لم يستطيعوا تقديم وثائق تُثبت ملكيتهم للأراضي التي كانوا يزرعونها منذ مئات السنين.
5- باع آل قباني البيروتيون لليهود مساحة 4000 دونماً (أربعة آلاف دونم) بوادي القباني، واستولى اليهود على أراضي الوادي كله.
6- باع آل صباغ وآل تويني البيروتيون لليهود قرى (الهريج والدار البيضاء والانشراح -نهاريا-).
7- باعت عائلات القوتلي والجزائري وآل مرديني السورية لليهود قسماً كبيراً من أراضي صفد.
8- باع آل يوسف السوريون لليهود قطعة أرض كبيرة لشركة
(The Palestinian Land Development Company).
9- باع كل من خير الدين الأحدب، وصفي قدورة، وجوزيف خديج، وميشال سرجي، ومراد دانا وإلياس الحاج اللبنانيون لليهود مساحة كبيرة من الأراضي الفلسطينية المجاورة للبنان.
الطريق الرابع:
بالرغم من جميع الظروف التي وضع فيها الشعب الفلسطيني والقوانين المجحفة التي سنها المندوب السامي الذي كان يهودياً في الغالب، إلا أنَّ مجموع الأراضي التي بيعت من قبل فلسطينيين خلال ثلاثين عاماً بلغت ثلاثمائة ألف دونم، وقد اعتبر كل من باع أرضه لليهود خائناً، وتمت تصفية الكثيرين منهم على أيدي الفلسطينيين.
ومن العوامل التي أدت إلى ضعف بعض الفلسطينيين وسقوطهم في هذه الخطيئة.
1- لم يكن الفلسطينيون في السنوات الأولى للاحتلال البريطاني على معرفة بنوايا اليهود، وكانوا يتعاملون معهم كأقلية انطلاقاً من حرص الإسلام على معاملة الأقليات غير المسلمة معاملة طيبة.
2- القوانين الإنجليزية التي سنتها حكومةُ الانتداب، والتي وُضعت بهدف تهيئة كل الظروف الممكنة لتصل الأراضي إلى أيدي اليهود. ومن هذه القوانين، قانون صك الانتداب الذي تضمنت المادة الثانية منه النص الآتي:" تكون الدولة المنتدبة مسئولة عن جعل فلسطين في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تكفل إنشاء الوطن القومي لليهود".
وجاء في إحدى مواد الدستور الذي تحكم بمقتضاه فلسطين النص الآتي: " يشترط أن لا يطبق التشريع العام ومبادئ العدل والإنصاف في فلسطين إلاَّ بقدر ما تسمح به الظروف، وأن تراعى عند تطبيقها التعديلات التي تستدعيها الأحوال العامة". إضافة إلى مادة أخرى تقول: " بما أنَّ الشرع الإسلامي خوَّل للسلطان صلاحية تحويل الأراضي الميري (الحكومية) إلى أراضي الملك فإنه من المناسب تخويل المندوب السامي هذه الصلاحية".
3- الإغراءات الشديدة التي قدمها اليهود للذين يبيعون الأرض، فقد بلغ ما يدفعه اليهودي ثمناً للدونم الواحد عشرة أضعاف ما يدفعه العربي ثمناً له. وقد تسبب ذلك في سقوط بعض أصحاب النفوس المريضة، ومثل هذه النوعية لا تخلو منها أمة من الأمم.
4- الفساد الذي نشره اليهود، وحمته القوانين البريطانية التي تبيح الخمر و الزنا.
ويُسجَّل للشعب الفلسطيني أنه أَجمع على تجريم القلائل الذين ارتكبوا هذه الخطيئة، ونبذهم واحتقرهم وخوَّنهم ونفذ حكم الإعدام في كثير منهم.
وقد نشرت الصحف أخباراً عن تصفيات تمت في فلسطين لأشخاص باعوا أرضهم لليهود أو سمسروا لبيع أراض لليهود نذكر منها فقط ما نشرته جريده الأهرام في العدد 28 و29 تموز (يوليو) 1937م "اغتيل بالرصاص (فلان) بينما كان في طريقه إلى منزله ليلاً، وهو مشهور بالسمسرة على الأراضي لليهود، وترأس بعض المحافل الماسونية العاملة لمصلحة الصهيونية، وقيل إنَّ سبب اغتياله هو تسببه في نقل ملكية مساحات واسعة من أخصب أراضي فلسطين لليهود، وقد أغلق المسلمون جامع حسن بيك في المنشية لمنع الصلاة عليه فيه، ولم يحضر لتشييعه سوى بعض أقاربه، وليس كلهم، وبعض الماسونيين، وقد توقع أهله أن يمنع الناس دفنه في مقابر المسلمين، فنقلوا جثته إلى قرية قلقيلية بلدته الأصلية، وحصلت ممانعة لدفنه في مقابر المسلمين. وقيل إنه دُفن في مستعمرة يهودية اسمها "بنيامينا" لأنه متزوج من يهودية، وأن قبره قد نبش في الليل وأُلقيت جثته على بعد 20 متراً.
يتبين مما سبق أن الـ 8.8 في المائة من مساحة فلسطين أو الـ 2 مليون دونم التي وقعت في أيدي اليهود حتى سنة 1948م، لم يحصل عليها اليهود عن طريق شرائها من فلسطينيين كما يتصور حتى الكثير من مثقفينا، بل وصل معظمها إلى اليهود عن طريق الولاة الأتراك الماسونيين والمنح والهدايا من الحكومة البريطانية، والشراء من عائلات سورية ولبنانية، وأنَّ 300.000 دونماً فقط اشتريت من فلسطينيين خلال ثلاثين عاماً من السياسات الاقتصادية الظالمة والضغوط والمحاولات والإغراءات، أي أنَّ 1/8 (ثُمن) الأراضي التي حازها اليهود حتى سنة 1948م، كان مصدرها فلسطينيون، وقد رأينا كيف باعت عائلة لبنانية واحدة 400.000 دونماً في لحظة واحدة، وهو أكبر مما باعه فلسطينيون خلال ثلاثين عاماً. وأنَّ هؤلاء قلة شاذة عوقبوا بالنبذ والقتل.
ولا يخلو مجتمع حتى في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، من ضعاف ومنافقين، وليس من الإنصاف، أن يتحمل الشعب الفلسطيني كله جريمةً ارتكبها بعض شواذه. لا سيما أن هذا الشعب حاسب هؤلاء الشواذ وعاقبهم.
وإنَّ ما يقدمه الشعب الفلسطيني اليوم من تضحيات و بطولات بعد مضي أكثر من نصف قرن على احتلال أرضه، وإصراره على المقاومة والجهاد والاستشهاد بالرغم من ضخامة المؤامرة ضده لخير دليل على تمسكه وعدم تفريطه بأرضه المقدسة المباركة