بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-11

المفصل في أحكام الأضحية، في صفات الأضحية، - 6 -

المفصل في أحكام الأضحية،  في صفات الأضحية، - 6 -

ثانياً: صفات في الأذن :
1. السكاء: من السكك وهو صغر الأذنين ويقال إذن سكاء أي صغيرة (5) .
وقد تسمى صمعاء ، والصمع لصوق الأذنين وصغرهما (6) .
قال القرافي :[ والسكاء وهي الصغيرة الأذن وهي الصمعاء ] (7) .
والسكاء والصمعاء تجزئ في الأضحية وقد نص على ذلك الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة (8) .
وقد روى البيهقي بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يرى بأساً أن يضحى بالصمعاء .
قال أبو عبيد : قال الأصمعي :[ الصمعاء هي الصغيرة الأذن ] (9) .
2. التي خلقت بلا أذنين أو خلقت بأذن واحدة :
وهذه لا تجزئ عند الحنفية والمالكية والشافعية ،وتجزىء عند الحنابلة (10) .
قال الماوردي :[ فأما التي خلقت لا أذن لها قال الشافعي في الجديد لا تجوز الأضحية بها لأنه نقص عضو من خلقتها ] (1) . وقول الجمهور أقوى دليلاً وأحوط .
3. المُقَابَلَةُ: وهي التي قطع من مقدم أذنها قطعة ، وتدلت في مقابلة الأذن ولم تنفصل (2) .
فهذه تجزئ مع الكراهة عند المالكية والشافعية والحنابلة ، وقال الحنفية تجزئ بلا كراهة (3)
قال الكاساني :[ وما روي أن رسول  نهى أن يضحى بالشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة … فالنهي في الشرقاء والمقابلة والمدابرة محمول على الندب ، وفي الخرقاء على الكثير …] (4) . وقول الجمهور أولى .
4. المدابرة: وهي ما قطع من مؤخر إذنها قطعة وتدلت ولم تنفصل وهي عكس
المقابلة (5) وهذه تجزئ عند المالكية والشافعية والحنابلة مع الكراهة ، وقال الحنفية تجزئ بلا كراهة (6). وقول الجمهور أولى أيضاً .
5. الشرقاء: وهي مشقوقة الأذن وتسمى عند أهل اللغة أيضاً عضباء (7) ، وهذه تجزئ مع الكراهة عند المالكية والشافعية والحنابلة وهو الأولى . وقال الحنفية تجزئ بلا كراهة (8) .
6. الخرقاء: وهي التي في إذنها خرق وهو ثقب مستدير (9) وهذه تجزئ مع الكراهة عند المالكية والشافعية والحنابلة (10) .
---------------------------------
(4) الذخيرة 4/146 ، شرح الخرشي 3/35 ، المغني 9/441 ، كشاف القناع 3/6 .
(5) المصباح المنير ص282 .
(6) المصباح المنير ص347 .
(7) الذخيرة 4/147 .
(8) الفتاوى البزازية 3/293 ، الذخيرة 4/147 ، المجموع 8/401 ، الحاوي 15/83 ، المغني 9/442 ،
كشاف القناع 3/6 ، الاستذكار 15/128 .
(9) سنن البيهقي 9/276 .
(10) حاشية ابن عابدين 6/324 ، شرح الخرشي 3/35 ، المجموع 8/401 ، منار السبيل 1/272 .

(1) الحاوي 15/83 .
(2) المصباح المنير ص488 .
(3) القوانين الفقهية ص127 ، المجموع 8/402 ، الحاوي 15/82 ، المغني 9/443 ، بدائع الصنائع 4/216 ،
الفتاوى الهندية 5/298 .
(4) بدائع الصنائع 4/216 .
(5) المصباح المنير ص488 .
(6) القوانين الفقهية ص127 ، المجموع 8/402 ، الحاوي 15/82 ، المغني 9/443 ، بدائع الصنائع 4/216 ،
الفتاوى الهندية 5/298 وانظر كلام الكاساني المتقدم .
(7) المصباح المنير ص311 وص414 .
(8) القوانين الفقهية ص127 ، المجموع 8/402 ، الحاوي 15/82 ، المغني 9/443 ، بدائع الصنائع 4/216 ،
الفتاوى الهندية 5/298 وانظر كلام الكاساني المتقدم .
-----------------------------------

وقال الحنفية تجزئ بلا كراهة ، والنهي الوارد في الحديث عن الخرقاء ، يحمل على الخرق الكثير دون القليل (1) . وقول الجمهور أولى أيضاً .
7. مقطوعة الأذنين أو مقطوعة الأذن ، وهذه غير التي سبقت في رقم (2) لأن تلك خلقت بلا أذنين أو بلا أذن ، وأما هذه فقطعت أذناها أو أذنها . ومقطوعة الأذنين لا تجزئ وكذا مقطوعة الأذن ، لا تجزئ عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
هذا إذا كان القطع لجميع الأذن ، وأما إذا قُطِعَ بعضُ الأذن ، فقال الحنفية والحنابلة إذا قطع أكثر الأذن لا تجزئ ، ويؤيد قولهم حديث علي السابق :( نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن. وقال قتادة:قلت لسعيد بن المسيب ما الأعضب ؟ قال : النصف فما فوقه )
فقد اعتبر الأكثر .
وقال المالكية إن كان المقطوع ثلث الأذن فدون أجزأت . وقال الشافعية إن قطعَ بعض الأذن يمنع من الإجزاء (2) .
ولأهل اللغة تفصيل في صفة القطع من الأذن ؛ قال ابن منظور :[ والقصواء التي قطع طرف أذنها ، وكل ما قطع من الأذن فهو جدع ، فإذا بلغ الربع فهو قصو ، فإذا جاوزه فهو عضب ، فإذا استؤصلت فهو صلم ] (3) .
فالناقة مقطوعة الأذن تسمى قصواء وعضباء وصلماء وجدعاء .
ومذهب الحنفية والحنابلة هو الأرجح .
ثالثاً: صفات في القرن :
1. الجماء: التي لم يخلق لها قرن وتسمى جلحاء أيضاً (4) .
قال الأزهري من أئمة اللغة :[ …إن الجلحاء من الشاء والبقر بمنزلة الجماء التي لا
قرن لها ] (5) .
وهذه مجزئة في الأضحية باتفاق أصحاب المذاهب الأربعة (1) .
2. مكسورة القرن: وتسمى عضباء وقصماء (2) .
قال ابن دريد من أئمة اللغة :[ القصماء من المعز المكسورة القرن الخارج ، والعضباء المكسورة القرن الداخل وهو المشاش ] (3) .
والعضب صفة تكون في الأذن وفي القرن أيضاً . قال أبو عبيد من أئمة اللغة :[ الأعضب المكسور القرن الداخل … وقد يكون العضب في الأذن أيضاً ، فأما المعروف ففي القرن وهو فيه أكثر ] (4).
ويؤيده ما ورد في حديث علي السابق ( أنه  نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن ) .
ومكسورة القرن تجزئ عند الشافعية مع الكراهة .
قال الماوردي :[ فتجوز الأضحية بالجلحاء ، وهي الجماء التي خلقت لا قرن لها ، وبالعضباء وهي المكسورة القرن سواء دمي موضع قرنها بالكسر أو لم يدم ] (5) .
وقال الحنفية تجزئ مكسورة القرن إلا إذا بلغ الكسر الدماغ (6) .
وعند المالكية ثلاثة أقوال :
1. تجزئ .
---------------------------------
(9) المصباح المنير ص167 .
(10) القوانين الفقهية ص127 ، المهذب 8/399 ، الحاوي15/82 ، كشاف القناع 3/6 ، المغني 9/443 .
(1) بدائع الصنائع 4/216 ، الفتاوى الهندية 5/298 ، ملتقى الأبحر 2/224 .
(2) حاشية ابن عابدين 6/323 ، الفتاوى الهندية 5/297 ، القوانين الفقهية ص127 ، شرح الخرشي 3/36 ، الحاوي 15/83 ، كشاف القناع 5/3 ، المغني 9/441 ، بدائع الصنائع 4/215 .
(3) لسان العرب 11/200 .
(4) المصباح المنير ص104 ، ص110 .
(5) لسان العرب 2/319 .
(1) بدائع الصنائع 4/216 ، ملتقى الأبحر 2/224 ، الذخيرة 4/147 ، جامع الأمهات ص229 ، الحاوي 15/84 ، المغني 9/442 .
(2) لسان العرب 9/252 .
(3) لسان العرب 11/197 .
(4) لسان العرب 11/197 .
(5) الحاوي 15/84 ، وانظر المجموع 8/402 .
(6) الفتاوى البزازية 3/293 ، بدائع الصنائع 4/216 .
----------------------------------

2. لا تجزئ .
3. الفرق بين أن يدمي القرن المكسور أو لا يدمي ، فإن كان القرن يدمي من الكسر ، فلا تجزئ وإن كان لا يدمي تجزئ ، وهو القول المشهور في المذهب (7) .
وقال الحنابلة لا تجزئ مكسورة القرن (8).
وحجة من قال بالإجزاء ، أن القرن ليس عضواً مأكولاً ، كما أن فقده لا يؤدي إلى فساد اللحم ، وهذا بخلاف العضب في الأذن ، لأن الأذن عضو مأكول .
والنهي الوارد في حديث علي ( أن النبي  نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن ) محمول على الكراهة دون التحريم (1) .
والراجح أنها تجزىء إلا إذا كان الدم يسيل فتكره حيتئذ .
قال الحافظ ابن عبد البر : [ جمهور العلماء على القول بجواز الضحية المكسورة القرن إذا كان لا يدمي ، فإن كان يدمي ، فقد كرهه مالك ، وكأنه جعله مرضاً بيِّناً.
وقد روى قتادة عن جري بن كليب عن علي  أن رسول الله  نهى عن أعضب القرن والأذن .
قال قتادة : فقلت لسعيد بن المسيب : ما عضب الأذن والقرن ؟ قال : النصف أو أكثر .
قال أبو عمر : لا يوجد ذكر القرن في غير هذا الحديث … وهذا الذي عليه جماعة الفقهاء في القرن … وفي إجماعهم على إجازة الضحية بالجماء ما يبين لك أنَّ حديث القرن لا يثبت ولا يصح وهو منسوخ ؛ لأنه معلوم أن ذهاب القرنين معاً أكثر من ذهاب بعض أحدهما ] (2) .

رابعاً: صفات في الأنف :
الجدعاء: وهي مقطوعة الأنف ، والجدع يستعمل في قطع الأنف والأذن والشفة واليد ونحوها (3).
وقد نص فقهاء الحنفية على أن مقطوعة الأنف لا تجزئ لذهاب عضو منها (4) .
خامساً: صفات في اللسان والأسنان :
1. الهتماء: وهي التي انكسرت ثنيتها وهو فوق الثرم (5) .
وعند الفقهاء الهتماء التي ذهبت أسنانها والثرماء التي ذهبت بعض أسنانها .
فالهتماء وهي التي ذهبت جميع أسنانها : قال الشافعية والمالكية وأبو يوسف من الحنفية لا تجزئ . وعند أبي حنيفة تجزئ إذا كانت ترعى وتعتلف ، وهو قول الحنابلة (1) .
وأما الثرماء وهي التي ذهبت بعض أسنانها فتجوز عند أبي حنيفة إذا كانت تعتلف ، وهو قول الشافعية والحنابلة في أصح الوجهين عندهم .
ولأبي يوسف فيها قولان :قول اعتبر فيه بقاء أكثر الأسنان .
وقول اعتبر فيه الاعتلاف (2) .
والراجح أن الهتماء والثرماء تجزئان في الأضحية ويدل على ذلك ما يلي:
أ. ما سبق في حديث يزيد ذو مصر وفيه :( إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئاً يعجبني غير ثرماء فكرهتها . فما تقول ؟ قال : أفلا جئتني بها .
قلت : سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني . قال نعم إنك تشك ولا أشك … الخ )
ب. ويؤيد ذلك ما سبق في حديث البراء  في عيوب الأضحية غير المجزئة ، حيث قال الراوي عن البراء وهو عبيد بن فيروز للبراء : قال : قلت : فإني أكره أن يكون في السن نقص فقال البراء : ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد .
ج. ورد عن طاووس أنه قال في الهتماء : يضحى بها .
د. ونقل القاضي حسين عن الإمام الشافعي أنه قال : لا نحفظ عن النبي  في نقص الأسنان شيء . يعني في النهي (3) .
-----------------------------------
(7) القوانين الفقهية ص127 ، الذخيرة 4/146 .
(8) كشاف القناع 3/6 ، الفروع 3/542 ، المغني 9/441 ، منار السبيل 1/273 .
(1) الحاوي 15/84 .
(2) الاستذكار 15/132-134 .
(3) لسان العرب 2/207 ، المصباح المنير ص93 .
(4) حاشية ابن عابدين 6/324 ، الفتاوى الهندية 5/298 .
(5) لسان العرب 15/26 ، المصباح المنير ص633 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/324 ، المجموع 8/401 ، الفروع 3/524 ،كشاف القناع 3/6 ، الذخيرة 4/148 .
(2) إعلاء السنن 17/287 ، وانظر المصادر في الهامش السابق .
--------------------------------------

2. التي لا لسان لها أصلاً تجزئ عند الحنفية إذا كانت من الغنم فقط .
وأما إذا كانت من البقر فلا تجزئ ، لأن البقر يأخذ العلف باللسان ، فإذا انقطع من اللسان أكثر من الثلث فلا تجزئ عندهم.
وقال الشافعية مقطوعة بعض اللسان لا تجزئ (4) .
وهو والراجح لذهاب عضو مأكول .

سادساً: صفات في الضرع :
والضرع: لذات الظلف كالثدي للمرأة ويسمى أيضاً الطُّبْي ، ويجمع على أطْباء .
وإن كان الطُّبْي يستعمل أيضاً في ذات الخف (1) .
1. الجدَّاء: قال ابن منظور :[ شاة جدَّاء قليلة اللبن يابسة الضرع وكذلك الناقة والأتان .
وقيل الجدَّاء من كل حلوبة الذاهبة اللبن عن عيب …
الجدَّاء الشاة التي انقطعت أخلافها…
وقيل … هي المقطوعة الضرع
وقيل هي اليابسة الأخلاف … ] (2) .
وقال الفقهاء إن الجدَّاء التي يبس ضرعها ، لا تجزئ لأن بها نقصاً في الخلقة كذا علله الإمام أحمد (3) .
وكذلك فإن مقطوعة الأَطْبَاء لا تجزئ لذهاب عضو منها (4) .
2. وأما التي خلقت بلا ضرع فتجزئ ، وكذا صغيرة الضرع خلقةً فتجزئ ، وكذا التي لها ضرع ولكن لا تحلب تجزئ أيضاً (5) .
سابعاً: صفات في الذنب والألية :
والذنب للإبل والبقر والمعز والألية للضأن .
1. البتراء والمبتورة بمعنى واحد ، وهي التي لا ذنب لها خلقةً أو مقطوعاً (6) .
فإن كانت لا ذنب لها ، خلقة فتجزئ عند الحنابلة ، ولا تجزئ عند الحنفية والمالكية
والشافعية .
وإن كان لها ذنب فقطع فتجزئ عند الحنابلة أيضاً ، ولا تجزئ عند الحنفية والمالكية والشافعية (7) .
فإن كان بعض الذنب مقطوعاً فتجزئ عند الحنابلة . وأما الحنفية فقالوا مقطوعة أكثر الذنب لا تجزئ فإن كان يسيراً أجزأت . وعند المالكية مقطوعة ثلث الذنب فأكثر
لا تجزئ (1) .
وعند الشافعية لا تجزئ . والراجح أن مقطوعة الذنب لا تجزىء ، لأنه يعد عيباً فيها .
2. المخلوقة بلا ألية أصلاً تجزئ عند أبي حنيفة والشافعية والحنابلة ولا تجزئ عند المالكية(2)
وأما مقطوعة الألية وهي التي كانت لها ألية فقطعت ، فلا تجزئ عند الفقهاء ، لأنها فقدت عضواً مأكولاً (3) .
وأما إن قطع بعض أليتها فاختلف الفقهاء :
فقال الحنفية: إن كان القطع يسيراً أجزأت ، وإن كان كثيراً لم تجزئ .
وقال المالكية: إن كان القطع ثلث الألية فأكثر فلا تجزئ .
وقال الحنابلة: إن قطع دون النصف أجزأت (4) .
---------------------------------
(3) التلخيص الحبير 4/141 .
(4) حاشية ابن عابدين 6/352 ، المجموع 8/401 .
(1) المصباح المنير ص361،369 .
(2) لسان العرب 2/201 .
(3) الفروع 3/542 .
(4) حاشية ابن عابدين 6/324 ، شرح الخرشي 3/36 ، المغني 9/442 ، كشاف القناع 3/6 ، الفتاوى الهندية 5/298
(5) المجموع 8/401 ، حاشية ابن عابدين 6/324 ، الفتاوى البزازية 3/293 .
(6) لسان العرب 1/309 ، المصباح المنير ص35 .
(7) المغني 9/442 ، كشاف القناع 3/6 ، حاشية ابن عابدين 6/325 ، شرح الخرشي 3/35 ، الحاوي 15/83 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/323 ، المغني 9/442 ، شرح الخرشي 3/35 ، الحاوي 15/83 .
(2) المصادر السابقة .
(3) المصادر السابقة .
(4) المصادر السابقة .
----------------------------------

وأما إن كان لها ألية صغيرة تشبه الذنب فهي مجزئة (5) .
والذي أرجحه من أقوال الفقهاء جواز الأضحية بالتي خلقت بلا ذنب أو ألية .
وقد نقل جوازها عن ابن عمر  وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن النخعي (6)
ثامناً: صفات أخرى :
1. الهيماء :من الهيام وهو داء يأخذ الإبل فتهيم في الأرض لا ترعى .
وقيل هو داء كالحمى يصيب الإبل لشربها ماءاً آسناً (7) .
وقال الشافعية في وجه عندهم لا تجزئ الهيماء (8) .
والذي يظهر لي أن الهيماء لا يصح أن يضحى بها إن كانت هزيلة بسبب مرضها ، وإلا فتجزئ إن كانت سمينة .
2. الثولاء :من الثَوَل ، وهو داء يصيب الشاة فتسترخي أعضاؤها ، وقيل هو جنون يصيب الشاة فلا تتبع الغنم وتستدبر في مرتعها ، وقيل هو داء يأخذ الغنم في ظهورها ورؤوسها فتخر منه (1) . ويصف الفقهاء الثولاء بأنها المجنونة التي تستدبر المرعى ولا ترعى إلا قليلاً فتهزل ، فإذا كانت كذلك فلا تجزئ في الأضحية .
وأما إذا لم يمنعها الثول من الرعي والاعتلاف فتجزئ إذا كانت سمينة (2) . وورد عن الحسن أنه قال : لا بأس أن يضحى بالثولاء ، وهذا محمول على أنها سمينة (3) .
3. الجرباء :من الجرب وهو مرض يصيب الدواب والناس أيضاً (4) . والجرباء لا تجزئ في الأضحية لأن بها مرضاً مفسداً للحم كما أن النفوس تعافها وهذا مذهب الجمهور .
وقال الحنفية تجزئ الجرباء إذا كانت سمينة فإن كانت مهزولة فلا تجزئ (5) .
ويظهر لي أن القول بعدم الإجزاء هو الأرجح .
4. المشيعة :وهي التي لاتتبع الغنم عجفاً وضعفاً ، وقيل هي التي لا تتبع الغنم عادة وكسلاً
وقد قال الفقهاء إن كانت لا تتبع الغنم لهزالها وضعفها ، فلا تجزئ وهذه التي ورد النهي عن التضحية بها في حديث يزيد ذو مصر السابق وفيه ( والمشيعة … ) .
وأما إذا كانت لا تتبع الغنم عادة وكسلاً فتجزئ (6) .
5. الموجوء والخصي :الموجوء من الوجء وهو أن ترض أنثيا – خصيتا – الفحل رضاً شديداً يذهب شهوة الجماع .
وقيل أن توجأ العروق والخصيتان بحالهما (7) .
والخصي : من الخصاء وهو سلُّ خصيتي الفحل (1) .
وقد قال أكثر الفقهاء إن الخصي والموجوء يجزئان في الأضحية .
قال ابن قدامة :[ ويجزئ الخصي لأن النبي  :ضحى بكبشين موجؤين ... وبهذا قال الحسن وعطاء والشعبي والنخعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً ] (2) .
وقد نسب بعض الشافعية إلى القول الجديد للشافعي أن الخصي لا يجزئ في الأضحية ، لأنه قد فات منه الخصيتان وهما مأكولتان .
وهذا بناءاً على التفريق بين الموجوء والخصي ، لأن الوجئ هو رض عروق البيضتين ، والخصاء هو سلهما ، وأشار إلى هذا الزركشي .
----------------------------------
(5) الفتاوى البزازية 3/293 .
(6) فتح المالك 7/7 .
(7) لسان العرب 15/183 ، المصباح المنير ص645 .
(8) المجموع 8/400 ، الحاوي 15/82 .
(1) لسان العرب 2/151 ، المصباح المنير ص88 .
(2) بدائع الصنائع 4/216 ، فتح باب العناية 2/76 ، ملتقى الأبحر 2/224 ، المجموع 8/401 ، الذخيرة 4/147 .
(3) إعلاء السنن 17/278 ، 280 .
(4) لسان العرب 2/227 .
(5) الذخيرة 4/147 ، المجموع 8/400 ، الحاوي 15/81 ، الفروع 3/542 ، بدائع الصنائع 4/216 ، الفتاوى البزازية 3/293 ، ملتقى الأبحر 2/224 .
(6) المجموع 8/402 .
(7) لسان العرب 15/214 ، المصباح المنير ص650 .
(1) لسان العرب 4/114 ، المصباح المنير ص171 .
(2) المغني 9/442 ، وانظر المجموع 8/402 ، حاشية ابن عابدين 6/323 ، الذخيرة 4/147 ، كشاف القناع 3/6 .
-------------------------------------------

وقد اعتبر الإمام النووي أن نسبة هذا إلى الشافعي ضعيفة واعتبره قولاً شاذاً فقال :[ يجزئ الموجوء والخصي ، كذا قطع الأصحاب وهو الصواب . وشذ ابن كج فحكى في الخصي قولين وجعل المنع هو قول الجديد وهذا ضعيف منابذ للحديث الصحيح ] (3) .
وقد ورد في عدد من الأحاديث أن النبي  ضحى بكبشين موجوئين منها :
1. عن جابر بن عبد الله قال :( ذبح النبي  يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوئين فلما وجهها قال : إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفاً ، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك عن محمد وأمته باسم الله والله أكبر ثم ذبح ) رواه أبو داود والبيهقي وسكت عنه أبو داود وله طرق تقويه (4) .
2. وعن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما :( أن رسول الله  كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد  ) .
رواه ابن ماجة وأحمد والبيهقي والحاكم وقال الشيخ الألباني : صحيح (1) .
3. وعن أبي الدرداء  قال :( ضحى رسول الله  بكبشين جذعين خصيين ) رواه أحمد والطبراني وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وفيه مقال (2) .
4. وعن أبي رافع  مولى رسول الله  قال :( ضحى رسول الله  بكبشين أملحين موجوئين خصيين فقال : أحدهما عمَّن شهد بالتوحيد وله بالبلاغ ، والآخر عنه وعن أهل بيته قال : فكأن رسول الله  قد كفانا ) .
رواه أحمد وأورده الهيثمي وقال:رواه أحمد وإسناده حسن وقال الشيخ الألباني صحيح (3)
وهذه الأحاديث تدل على جواز التضحية بالموجوء والخصي .
وهو القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة .
قال الخطابي معلقاً على حديث جابر السابق :( وفي هذا دليل على أن الخصي في الضحايا غير مكروه ، وقد كرهه بعض أهل العلم لنقص العضو ، وهذا نقص ليس بعيب لأن الخصاء يفيد اللحم طيباً ، وينفي منه الزهومة وسوء الرائحة ) (4).
وقال ابن قدامة :[ ولأن الخصاء ذهاب عضو غير مستطاب يطيب اللحم بذهابه ويكثر ويسمن . قال الشعبي : ما زاد في لحمه وشحمه أكثر مما ذهب منه ] (5) .
وسئل إبراهيم عن الخصي والفحل أيهما أكمل في الأضحية ؟ قال : الخصي لأنه إنما طلب صلاحه (6) .
6. الفحل : الذي كثر نزوه يجزئ ، وقال المالكية إن فسد لحمه لا يجزئ (7) .
7. الحامل : تجزئ ، وقال أكثر الشافعية لا تجزئ وخالفهم ابن الرفعة فقال تجزئ (8) .
8. المجزوزة : وهي التي جز صوفها تجزئ (1) .
9. المكوية : وهي التي بها كيٌّ تجزئ (2) .
10. الأنثى : وإن كثرت ولادتها تجزئ ، وقال المالكية إذا فسد لحمها لا تجزئ (3).
11. الساعلة : وهي التي بها سعال تجزئ (4) .
---------------------------------------
(3) المجموع 8/401-402 ، وانظر الأجوبة المرضية 2/816 .
(4) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/351 ، إرواء الغليل 4/351 ، سنن البيهقي 9/287 .
(1) سنن ابن ماجة 2/1044 ، الفتح الرباني 13/83 ، المستدرك 4/253 ، سنن البيهقي 9/287 ، صحيح سنن ابن ماجة 2/199 .
(2) الفتح الرباني 13/83 .
(3) الفتح الرباني 13/83 ، إرواء الغليل 4/360 ، مجمع الزوائد 4/21 .
(4) معالم السنن 2/197 .
(5) المغني 9/442 .
(6) عقود الجواهر المنيفة 2/72 .
(7) المجموع 8/401 ، الذخيرة 4/148 .
(8) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 26/307 ، كشاف القناع 3/6 ، الفروع 3/544 ، الإقناع 2/280 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/325 ، الفتاوى الهندية 5/298 .
(2) حاشية ابن عابدين 6/325 ، الفتاوى الهندية 5/297 ، المجموع 8/401 ، الإقناع 2/279 .
(3) المجموع 8/401 ، الذخيرة 4/148 .
(4) حاشية ابن عابدين 6/325 ، الفتاوى الهندية 5/297 .
---------------------------------------

12. فاقدة رجل أو يد لا تجزئ ، لأنها فقدت عضواً مأكولاً (5) .
13.البكماء : التي فقدت صوتها تجزئ لأنه لا يؤثر على لحمها وشحمها . وقال المالكية لا تجزئ (6) .
14. البخراء : وهي متغيرة رائحة الفم تجزئ لأنه شيء عادي أن يكون لها رائحة فم . وقال المالكية لا تجزئ (7) .
15. الخنثى : تجزئ لأنها ذكراً أو أنثى وكلاهما يجزئ وليس فيها ما ينقص اللحم (8)
وخلاصة الأمر أن العيوب التي تمنع الإجزاء هي ما كانت مؤذية للحيوان ومنقصة من لحمه وشحمه وثمنه .
وينبغي أن تكون الأضحية خالية من أي عيب وهذا هو الأكمل والأحسن فقد كان ابن عمر  يتقي من الضحايا التي نقص من خلقها .
وورد مثل ذلك عن السلف أنهم يكرهون كل نقص في الضحية .

المبحث التاسع
الحد الفاصل بين القليل والكثير في عيوب الأضحية
اختلف الفقهاء في الحد الفاصل في عيوب الأضحية من حيث القليل والكثير ، فمثلاً قالوا إن كان القطع في الأذن قليلاً يجزئ ، وإن كان كثيراً فلا يجزئ . فما هو ضابط ذلك ؟
قال ابن عابدين :[ واختلف أصحابنا في الفاصل بين القليل والكثير .
فعن أبي حنيفة أربع روايات :
روى محمد عنه في الأصل والجامع الصغير أن المانع ذهاب أكثر من الثلث .
وعنه أنه الثلث .
وعنه أنه الربع .
وعنه أن يكون الذاهب أقل من الباقي أو مثله .
والأولى هي ظاهر الرواية …
والرابعة هي قولهما قال في الهداية : وقالا إذا بقي الأكثر من النصف أجزأه وهو اختيار الفقيه أبي الليث .
قال أبو يوسف : أخبرت بقولي أبا حنيفة فقال : قولي هو قولك . قيل هو رجوع منه إلى قول أبي يوسف …
ووجه الرابعة وهو قولهما وإليها رجع الإمام أن الكثير من كل شيء أكثره …
وعليها الفتوى ] (1) .
وعند المالكية ما كان دون الثلث فيسير وما كان فوقه فكثير (2) .
وعند الشافعية قال إمام الحرمين الجويني :[ وأقرب ضبط بين الكثير واليسير أنه إن لاح النقص من البعد فكثير وإلا فقليل ] (3) .
وقال الحنابلة ما كان دون النصف أجزأ ، وما كان أكثر فلا يجزئ ، وفي رواية أخرى أن الحد الفاصل بين القليل والكثير الثلث ، فما كان دونه أجزأ ، وما كان فوقه لا يجزئ (4).
ويرى ابن حزم الظاهري أن التحديد المذكور عند الفقهاء بالثلث أو النصف أو غيره ، لا دليل عليه من الشرع (1) .
ويرى الشوكاني أن المعفو عنه من العيوب ، هو اليسير لأن قوله  في حديث البراء :( البين عورها والبين مرضها والبين ظلعها ) يدل على ذلك (2) .

المبحث العاشر
طروءُ العيبِ المخلِّ على الأضحية بعد تعيينها
لو اشترى شخص أضحية - شاة أو بقرة أو ناقة - قبل يوم الأضحى ، ثم حبسها عنده فأصابها عيب مانع من الإجزاء ، كأن كسرت رجلها ، أو عجفت ، فهل يصح أن يضحي بها وتكون مجزئة أم لا ؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة كما يلي :
-----------------------------------------
(5) الفتاوى الهندية 5/299 ، شرح الخرشي 3/35 ، الفتاوى البزازية 3/293 .
(6) شرح الخرشي 3/36 .
(7) المصدر السابق 3/36 .
(8) الإقناع 2/278 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/324 ، وانظر بدائع الصنائع 4/215 ، فتح باب العناية 3/77.
(2) الذخيرة 4/148 ، جامع الأمهات ص229 .
(3) المجموع 8/401 .
(4) المغني 9/441 ، الفروع 3/542 .
(1) المحلى 6/13 .
(2) السيل الجرار 4/80 .
-----------------------------------

القول الأول : يذبحها وتجزؤه ، نقل هذا القول عن عطاء والحسن والنخعي والزهري والثوري والشافعي وأحمد واسحق وهو قول الهادوية (1) .
القول الثاني : لا تجزؤه ، ولا بد أن يذبح بدلها ، وهو قول الحنفية والمالكية (2) .
حجة الفريق الأول :
ما ورد في الحديث عن أبي سعيد  قال :( اشتريت كبشاً أضحي به فعدا الذئب فأخذ أليته فسألت النبي  فقال : ضح به ) رواه أحمد والبيهقي (3) .
ورواه ابن ماجة ولفظه عن أبي سعيد قال :( ابتعنا كبشاً نضحي به فأصاب الذئب من أليته أو أذنه فسألنا النبي  فأمرنا أن نضحي به ) (4) .
وقال في الزوائد:[ في إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف قد اتُهِمْ ] (5) وكذَّبه ابن حزم (6).
وفي رواية أخرى عند البيهقي عن أبي سعيد :( أن رجلاً سأل النبي  عن شاة قطع الذئب ذنبها ، يضحي بها ؟ قال : ضح بها ) (7) .
وقال المجد ابن تيمية بعد أن ذكر حديث أبي سعيد :[ وهو دليل على أن العيب الحادث بعد التعيين لا يضر ] (8) .
قال الشوكاني :[ فيه دليل على أن ذهاب الألية ليس عيباً في الضحية ، من غير فرق بين أن يكون ذلك بعد التعيين أو قبله ، كما يدل على ذلك رواية البيهقي ] (1) .
ومما يؤيد القول الأول : أن ابن الزبير رضي الله عنهما رأى هدايا له فيها ناقة عوراء
فقال :[ إن كان أصابها بعدما اشتريتموها فأمضوها ، وإن كان أصابها قبل أن تشتروها فأبدلوها ] (2) .
وروى عبد الرزاق بإسناده عن الزهري قال :[ إذا اشترى الرجل أضحيته فمرضت عنده أو عرض لها مرض فهي جائزة ] (3) .
وقال ابن قدامة مستدلاً للإجزاء :[ ولأنه عيب حدث في الأضحية الواجبة فلم يمنع الإجزاء ، كما لو حدث بها عيب بمعالجة الذبح ] (4) .
حجة الفريق الثاني :
قال الزيلعي الفقيه :[ ولو اشتراها سليمة ثم تعيبت بعيب مانع من التضحية ، كان عليه أن يقيم غيرها مقامها إن كان غنياً .
وإن كان فقيراً يجزئه ذلك ؛ لأن الوجوب على الغني بالشرع ابتداءً ، لا بالشراء فلم يتعين بالشراء .
والفقير ليس عليه واجب شرعاً ، فتعينت بشرائه بنية الأضحية ، ولا يجب عليه ضمان نقصانها ، لأنها غير مضمونة عليه فأشبهت نصاب الزكاة ] (5) .
ثم ذكر حديث أبي سعيد السابق ثم قال :[ ويحمل على أنه كان فقيراً لأن الغني لا يجزئه لوجوبها في ذمته ولا كذلك الفقير … ] (6) .
وأما إذا طرأ العيب على الأضحية حين إضجاعها للذبح ، كأن أضجعها فاضطربت فأصابت السكين عينها ، فعورت أو كسرت رجلها ، فاختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الأول : أنه يذبحها وتجزئه أضحية ، وهذا قول الحنفية استحساناً والحنابلة ،
وهو أحد القولين عند الشافعية (1) .
---------------------------------------------
(1) المغني 9/433 ، مصنف عبد الرزاق 4/386 ، السيل الجرار 4/85 .
(2) تبيين الحقائق 6/6 ، حاشية ابن عابدين 6/325 ، حاشية الدسوقي 2/125 ، جامع الأمهات ص 228 .
(3) الفتح الرباني 13/80 ، سنن البيهقي 9/289 .
(4) سنن ابن ماجة 2/1051 .
(5) المصدر السابق .
(6) المحلى 6/12 .
(7) سنن البيهقي 9/289 .
(8) منتقى الأخبار مع شرحه نيل الأوطار 5/133 .
(1) نيل الأوطار 5/133 .
(2) نيل الأوطار 5/134 .
(3) مصنف عبد الرزاق 4/386 .
(4) المغني 9/444 .
(5) تبيين الحقائق 6/6 ، وانظر بدائع الصنائع 4/216 .
(6) تبيين الحقائق 6/6-7 .
(1) حاشية ابن عابدين 6/325 ، المغني 9/444 .
-------------------------------------

قال صاحب الدر المختار :[ ولا يضر تعيبها من اضطرابها عند الذبح ] (2) .
وقال الكاساني :[ ولو قدم أضحية ليذبحها فاضطربت في المكان الذي يذبحها فيه فانكسرت رجلها ثم ذبحها على مكانها أجزأه . وكذلك إذا انقلبت منه الشفرة فأصابت عينها فذهبت .
والقياس أنه لا يجوز .
وجه القياس : أن هذا عيب دخلها قبل تعيين القربة فصار كما لو كان قبل حال الذبح.
وجه الاستحسان : أن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه لأن الشاة تضطرب فتلحقها العيوب من اضطرابها ] (3) .
القول الثاني : لا تجزئه ، وهو قول المالكية وأصح القولين عند الشافعية (4) .
القول الراجح :
والذي يظهر لي رجحان القول بجواز الأضحية إن طرأ العيب عليها بعد شرائها ، وكذا إن طرأ العيب عليها عند معالجة ذبحها .
أما في الحالة الأولى : فقد سبق القول بأن الراجح من أقوال أهل العلم أنه الأضحية سنة وليست واجبة ، وهذا قد اشترى الأضحية المجزئة الخالية من العيوب ، ثم طرأ العيب بعد ذلك دون تقصير منه ، فلا يُكَلَف شراء أخرى ، لما في ذلك من المشقة .
ويمكن الاستئناس بحديث أبي سعيد السابق ، فإنه وإن ضعفه بعض أهل الحديث لأنه من رواية جابر الجعفي .
إلا أن شعبة بن الحجاج روى عنه وفي ذلك تقوية له .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ وقد تكلموا في جابر الجعفي ولكن شعبة روى عنه وكان يحسن الثناء عليه وحسبك بذلك من شعبة ] (1) .
كما وأن رواية جابر الجعفي هذه تتقوى بالرواية الأخرى عند البيهقي ، فيرتقي الحديث إلى درجة الحسن لغيره .
ويمكن الاستئناس بما رواه البيهقي عن ابن الزبير أيضاً ، وبما رواه عبد الرزاق عن الزهري .
وأما الحالة الثانية - إذا تعيبت عند الذبح - : فأرى أنها مجزئة أيضاً ، لأن الغالب على الحيوان الاضطراب عند الذبح ، وقد تصيبه السكين قبل ذبحه فلا يمكن التحرز من ذلك ، فالقول بالإجزاء هو الأولى ، والقول بخلافه فيه تشدد وإلحاق الحرج بالمضحي لأنه سيتكلف بدلها والله أعلم .

المبحث الحادي عشر
المجزئ في الأضحية
المطلب الأول: المجزئ من الغنم :
أولاً : قال جمهور أهل العلم إن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت الواحد ، فإذا ضحى بها واحد من أهل البيت ، تأدى الشعار والسنة بجميعهم ، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والأوزاعي (1) .
ويدل على ذلك ما يلي :
1. روى الترمذي بإسناده عن عُمارة بن عبد الله قال : ( سمعت عطاء بن يسار يقول : سألت أبا أيوب :( كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله  ؟ فقال : كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ، فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصارت كما
ترى ) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح . ورواه ابن ماجة ومالك .
قال الإمام النووي: هذا حديث صحيح . والصحيح أن هذه الصيغة تقتضي أنه حديث مرفوع . وصححه الشيخ الألباني (2) .
2. وروى ابن ماجة بإسناده عن الشعبي عن أبي سريحة  – وهو صحابي شهد الحديبية - قال :( حملني أهلي على الجفاء بعد ما علمت من السنة . كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والآن يُبَخِّلُنا جيراننا ) .
قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله موثقون.ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (3) وقال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد (4) .
3. ومما يدل على ذلك حديث جابر بن عبد الله  قال :( شهدتُ مع رسول الله  الأضحى في المصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأُتِيَ بكبشٍ فذبحه رسول الله  بيده وقال : باسم الله والله أكبر ، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي ) .
رواه أبو داود في باب : الشاة يضحى بها عن جماعة وقد سبق تخريج الحديث .
----------------------------------
(2) الدر المختار بهامش حاشية ابن عابدين 6/325 .
(3) بدائع الصنائع 4/216-217 .
(4) حاشية الدسوقي 2/124 ، المجموع 8/400 ، كفاية الأخيار ص 529 .
(1) فتح المالك 7/7 .
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 5/106 ، معالم السنن 2/197 ، المغني 9/438 ، المجموع 8/384 .
(2) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/75-76 ، سنن ابن ماجة 2/1051، الاستذكار 15/180 ،المجموع 8/384 صحيح سنن ابن ماجة 2/203 .
(3) سنن ابن ماجة 2/1052 ، المستدرك 4/254 .
(4) صحيح سنن ابن ماجة 2/203 .
----------------------------------------

4. وعن عبد الله بن هشام قال :( كان رسول الله  يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله ) رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد . ووافقه الذهبي (1) .
5. وعن عائشة رضي الله عنها :( أن رسول الله أمر بكبش أقرن ، يطأ في سواد ، ويبرك في سواد ، وينظر في سواد ، فأُتِيَ به ليضحي به فقال لها : يا عائشة هلمي المدية .
ثم قال : اشحذيها بحجر ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال : باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ، ومن أمة محمد ثم ضحى به ) رواه مسلم وأبو داود وغيرهما .
قال النووي :[ واستدل بهذا من جوَّز تضحية الرجل عنه وعن أهل بيته واشتراكهم معه في الثواب ، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور … ] (2) .
وقال الخطابي :[ وفي قوله ( تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ) دليل على أن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وأهله وإن كثروا ، وروي عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما كانا يفعلان ذلك ، وأجازه مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد ، وكره ذلك الثوري وأبو حنيفة ] (3) .
6. وأخرج ابن أبي الدنيا عن علي  :( أنه كان يضحي بالضحية الواحدة عن جماعة أهله ) (4) .
7. ونقل ابن قدامة عن صالح بن أحمد بن حنبل قال :[ قلت لأبي : يُضَحَّى بالشاة عن أهل البيت ؟ قال : نعم لا بأس . قد ذبح النبي  كبشين فقرَّب أحدهما فقال : بسم الله اللهم هذا عن محمد وأهل بيته. وقرَّب الآخر فقال : بسم الله اللهم هذا منك ولك عمن وَحَّدَكَ من أمتي .
وحكى عن أبي هريرة أنه كان يضحي بالشاة فتجئ ابنته فتقول: عني، فيقول:وعنك (5)

قال العلامة ابن القيم :[ وكان من هديه  أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم ] (1) ثم ذكر حديث أبي أيوب السابق .
وقال الشوكاني :[ قوله " يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته " فيه دليل على أن الشاة تجزئ عن أهل البيت ، لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك في عهده  والظاهر اطلاعه فلا ينكر عليهم … والحق أنها تجزئ عن أهل البيت ، وإن كانوا مئة نفس أو أكثر كما قضت بذلك السنة ] (2) .
ثانياً : قال الحنفية والثوري إن الشاة لا تجزئ إلا عن واحد (3) .
قال الكاساني :[ … فلا يجوز الشاة والمعز إلا عن واحد ، وإن كانت عظيمةً سمينةً تساوي شاتين مما يجوز أن يُضَحَّى بهما .
لأن القياس في الإبل والبقر أن لا يجوز فيهما الاشتراك ، لأن القربة في هذا الباب إراقة الدم ، وإنها لا تحتمل التجزئة ، لأنها ذبح واحد ، وإنما عرفنا جواز ذلك بالخبر ، فبقي الأمر في الغنم على أصل القياس ] (4) .
ويرى الحنفية جواز هبة ثواب الأضحية لأكثر من واحد ، وعلى ذلك حملوا الأحاديث التي احتج بها الجمهور (5) .
وقد زعم الطحاوي أن الأدلة التي احتج بها الجمهور إما منسوخةً أو مخصوصة (6) .
وقاس بعض الحنفية الأضحية على الهدي في هذه المسألة ، حيث قالوا إن الشاة الواحدة في الأضحية لا تجزئ عن أكثر من واحد ، قياساً عل الشاة الواحدة في الهدي ، حيث اتفق العلماء على أنها لا تجزئ إلا عن واحد . (7)
والذي يظهر لي رجحان قول الجمهور بأن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ، مهما كان عددهم لقوة الأدلة التي احتجوا بها .
---------------------------------------
(1) المستدرك 4/255 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 5/105-106 .
(3) معالم السنن 2/197 .
(4) عون المعبود 8/4 .
(5) المغني 9/438 .
(1) زاد المعاد 2/323 .
(2) نيل الأوطار 5/137 .
(3) بدائع الصنائع 4/207 ، المغني 9/438 ، معالم السنن 2/197 .
(4) بدائع الصنائع 4/206 ، وانظر تبيين الحقائق 6/3 .
(5) إعلاء السنن 17/231 .
(6) شرح معاني الآثار 4/178 .
(7) عون المعبود 8/5 .
-------------------------------

ويجاب عن قول الحنفية إن الغنم بقيت على أصل القياس ، بأنه مردود لثبوت الأحاديث في ذلك ، حيث ثبت الاشتراك على عهد رسول الله  في الإبل والبقر ، وكذلك ورد النص أنهم اشتركوا على عهد رسول الله في الشاة الواحدة ، إلا أنه قد ثبت الاشتراك في الإبل والبقر من أهل أبيات شتى ، وثبت الاشتراك في الشاة من أهل بيت واحد … فالقول بأن الاشتراك في الشاة خلاف القياس وأنه لا نص فيه ، باطل (1) .
وأما ادعاء الطحاوي بأن أدلة الجمهور إما منسوخة أو مخصوصة . فقد أجاب النووي عن ذلك بقوله :[ … وغَلَّطَه العلماء في ذلك ، فإن النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد
الدعوى ] (2) .
وأما قياسهم الأضحية على الهدي ، بجامع منع الاشتراك في الشاة الواحدة في الهدي ، فهو قياس فاسد الاعتبار ، لأنه قياس في مقابل النص ، والأضحية غير الهدي ، ولهما حكمان مختلفان ، فلا يقاس أحدهما على الآخر ، لأن النص ورد على التفرقة بينهما فوجب تقديم النص على القياس (3) .
وقال الزيلعي المحدث :[ ويشكل على المذهب أيضاً في منعهم الشاة لأكثر من واحد ، بالأحاديث المتقدمة أن النبي  ضحَّى بكبش عنه وعن أمته ] ثم ذكر حديث عبد الله بن هشام السابق (4) .
المطلب الثاني : المجزئ من الإبل والبقر
اتفق أكثر أهل العلم على أن البدنة تجزئ عن سبعة والبقرة تجزئ عن سبعة .
قال ابن قدامة :[ وهذا قول أكثر أهل العلم ، روي ذلك عن علي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم ، وبه قال عطاء وطاووس وسالم والحسن وعمرو بن دينار والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ] (1) .
واستدلوا بما يلي :
1. عن جابر  قال :( نحرنا مع رسول الله  عام الحديبية البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ) رواه مسلم (2) .
2. وعن حذيفة  قال :( شَرَّكَ رسول الله  في حجته بين المسلمين في البقرة عن
سبعة ) رواه أحمد وقال الهيثمي : رجاله ثقات (3) .
وقال بعض أهل العلم تجزئ البدنة عن عشرة أيضاً ، وبه قال سعيد بن المسيب وإسحاق وابن خزيمة (4) .
ويدل لهم حديث ابن عباس  قال :( كنا مع النبي  في سفر فحضرنا النحر – وفي رواية الأضحى – فاشتركنا في الجزور عن عشرة والبقرة عن سبعة ) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد. وقال الترمذي : حسن غريب . وقال الشيخ الألباني : وإسناده صحيح رجاله رجال الصحيح (5) .
ورجح الشوكاني هذا القول وقال :[ إنه الحق فتجزئ البدنة والبعير عن عشرة في الأضحية دون الهدي فلا تجزئ إلا عن سبعة ] (6) .

قال الساعاتي :[ وقد جمع الشوكاني بين حديثي جابر وابن عباس ، بأن حديث جابر محمول على الهدي وحديث ابن عباس محمول على الأضحية وقال هذا هو الحق .
قلت : وهو جمع حسن ، وكأن حديث ابن عباس لم يصح عند الجمهور .
وأما البقرة فتجزئ عن سبعة في الهدي والأضحية بالاتفاق ] (1) .
وقد رجح الحافظ ابن عبد البر حديث جابر على حديث ابن عباس فقال :
[ وحديث ( نحر رسول الله  يوم الحديبية البدنة عن سبعة ) واضح لا مدخل فيه
للتأويل ، وحسبك بقول جابر :( سَنَّ رسولُ الله  البدنةَ عن سبعةٍ والبقرةَ عن سبعة ) .
-----------------------------------
(1) تحفة الأحوذي 5/77-78 .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 5/106 .
(3) عون المعبود 8/5 .
(4) نصب الراية 4/210 .
(1) المغني 9/437 ، وانظر المجموع 8/398،422 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 3/436 .
(3) الفتح الرباني 13/38 ، مجمع الزوائد 3/226 .
(4) المغني 9/437 ، نيل الأوطار 5/137 .
(5) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/72 ، سنن النسائي 7/222 ، سنن ابن ماجة 2/1047 ، الفتح الرباني 13/84 ،
مشكاة المصابيح 1/462 .
(6) نيل الأوطار 5/137 .
(1) الفتح الرباني 13/87 .
----------------------------------

المفصل في أحكام الأضحية، في حق من تشرع الأضحية، - 5 -

المفصل في أحكام الأضحية،  في حق من تشرع الأضحية، - 5 -

وأما الحاج بمنى فقد ورد في خصوصه نصٌ ، قال الإمام البخاري :[ باب الأضحية للمسافر والنساء ] ثم ساق بإسناده عن عائشة رضي الله عنها :( أن النبي  دخل عليها وحاضت بسرف قبل أن تدخل مكة وهي تبكي فقال : مالك ؟ أنفست ؟ قالت : نعم .
قال : إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم ، فاقضي ما يقضي الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت . فلما كنا بمكة أُتيتُ بلحم بقر . فقلت : ما هذا ؟ قالوا : ضحى رسول الله  عن أزواجه بالبقر ) (1) ، ورواه مسلم أيضاً (2) .

أدلة الحنفية :
وأما الحنفية فقالوا إنها لا تجب على المسافر ، لأنها لا تتأدى بكل مال ، ولا في كل زمان، بل بحيوان مخصوص في وقت مخصوص ، والمسافر لا يظفر به في كل مكان في وقت الأضحية ، فلو أوجبنا عليه ، لاحتاج إلى حمله مع نفسه وفيه من الحرج ما لا يخفى أو احتاج إلى ترك السفر ، وفيه ضرر ، فدعت الضرورة إلى امتناع الوجوب (1) .
واحتجوا بما جاء في الحديث :( من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ) .
قال التهانوي :[ ثم هو يدل على اشتراط الإقامة أيضاً ، لأن المسافر جعله الشارع مصرفاً للصدقات ، ولو كان غنياً في وطنه ، فلا يكون ذا سعة في سفره فلا يجب عليه العبادة المالية التي يطالب بإقامتها في الحال كالأضحية … ] (2) .
واحتج الحنفية بما ورد عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا لا يضحون في السفر ولا في الحج فمن ذلك :
1. ما رواه عبد الرزاق بإسناده عن عمر بن الخطاب  أنه كان يحج فلا يضحي (3) .
2. وروى أيضاً بإسناده عن نافع عن ابن عمر قال :[ لم يكن أحد من أهله يسأله بالمدينة ضحية إلا ضحى عنه وكان لا يضحي عنهم بمنى ] (4) .
3. وروى أيضاً بسنده عن إبراهيم النخعي قال:[رخص للحاج والمسافر أن لا يضحي] (5)
4. وروى عنه أيضاً قال :[ كانوا يحجون ومعهم الأوراق فلا يضحون ] (6) .
5. وروى عنه أيضاً قال :[ كانوا إذا شهدوا ضحوا وإذا سافروا لم يضحوا ] (7) .
6. وذكر ابن حزم بسنده عن النخعي قال :[ كان عمر يحج ولا يضحي وكان أصحابنا يحجون معهم الورق والذهب فلا يضحون ما يمنعهم من ذلك إلا ليتفرغوا لنسكهم ] (8).

أدلة الإمام مالك :
ويرى الإمام مالك أن الحاج إنما هو مخاطب في الأصل بالهدي ، فإذا أراد أن يضحي جعله هدياً ، والناس غير الحاج إنما أمروا بالأضحية ، ليتشبهوا بأهل منى فيحصل لهم حظ من أجرهم (1) .
وقال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي – بعد أن ذكر الخلاف في المسألة – مرجحاً مذهب الإمام مالك ما نصه :[ أظهر القولين دليلاً عندي في هذا الفرع قول مالك وأصحابه وإن خالفهم الجمهور ، وأن الأضحية لا تسن للحاج بمنى ، وأن ما يذبحه هدي لا أضحية ، وأن الاستدلال بحديث عائشة المتفق عليه المذكور آنفاً لا تنهض به الحجة على مالك وأصحابه ، ووجه كون مذهب مالك أرجح في نظرنا هنا مما ذهب إليه جمهور أهل العلم ، هو أن القرآن العظيم دالٌ عليه ، ولم يثبت ما يخالف دلالة القرآن عليه ، سالماً من المعارض من كتاب أو سنة ، ووجه دلالة القرآن على أن ما يذبحه الحاج بمنى هدي لا أضحية ، هو ما قدمناه موضحاً لأن قوله تعالى:} وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا { سورة الحج الآيتان 27-28 ، فيه معنى أذن في الناس بالحج : يأتوك مشاةً وركباناً لحكم .منها : شهودهم منافع لهم ، ومنها : ذكرهم اسم الله عَلَى } مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ { عند ذبحها تقرباً إلى الله ، والذي يكون من حكم التأذين فيهم بالحج ، حتى يأتوا مشاةً وركباناً ، ويشهدوا المنافع ويتقربوا بالذبح ، إنما هو الهدي خاصة دون الأضحية
--------------------------------------
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/100-101 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 3/310 .
(1) بدائع الصنائع 4/195 .
(2) إعلاء السنن 17/235 ، وانظر الاختيار 5/17 .
(3) المصنف 4/382 .
(4) المصدر السابق 4/381 .
(5) المصدر السابق 4/382 .
(6) المصدر السابق 4/382 .
(7) المصدر السابق 4/382 .
(8) المحلى 6/37 .
(1) انظر تفسير القرطبي 12/47 .
----------------------------------

لإجماع العلماء على أن للمضحي : أن يذبح أضحيته في أي مكان شاءه من أقطار الدنيا ، ولا يحتاج في التقرب بالأضحية ، إلى إتيانهم مشاة وركباناً من كل فج عميق ، فالآية ظاهرة في الهدي ، دون الأضحية ، وما كان القرآن أظهر فيه وجب تقديمه على غيره . أما الاحتجاج بحديث عائشة المتفق عليه ( أنه ضحى ببقر عن نسائه يوم النحر صلوات الله وسلامه عليه ) فلا تنهض به الحجة ، لكثرة الأحاديث الصحيحة المصرحة بأنهن متمتعات ، وأن ذلك البقر هدي واجب ، وهو هدي التمتع المنصوص عليه في القرآن وأن عائشة منهن قارنة ، والبقرة التي ذبحت عنها ، هدي قران ، سواء قلنا إنها استقلت بذبح بقرة عنها وحدها ، كما قدمناه في بعض الروايات
الصحيحة ، أو كان بالاشتراك مع غيرها في بقرة ، كما قال به بعضهم ، وأكثر الروايات ليس فيها لفظ ( ضحى ) بل فيها ( أهدى ) وفيها ( ذبح عن نسائه ) وفيها ( نحر عن نسائه ) فلفظ ( ضحى ) من تصرف بعض الرواة للجزم بأن ما ذبح عنهن من البقر يوم النحر بمنى هدي تمتع بالنسبة لغير عائشة وهدي قران بالنسبة إليها ، كما هو معلوم بالأحاديث الصحيحة ، التي لا نزاع فيها ، وبهذا الذي ذكرنا تعلم أن ظاهر القرآن مع مالك ، والحديث ليس فيه حجة عليه .
وقال ابن حجر في فتح الباري في باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن بعد ذكره رواية :( ضحى ) المذكورة ما نصه : والظاهر أن التصرف من الرواة ، لأنه في الحديث ذكر النحر ، فحمله بعضهم على الأضحية فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك ، كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ ( أهدى ) وتبين أنه هدي التمتع فليس فيه حجة على مالك في قوله : لا ضحايا على أهل منى . أهـ محل الغرض من فتح الباري ، وهو واضح فيما ذكرنا ، والعلم عند الله تعالى ] (1) .
قلت : إن كلام الشيخ الشنقيطي في بيان عدم صحة الاستدلال بحديث عائشة أن النبي  ضحى عن نسائه بالبقر في منى ، كلام قوي ومتجه ، وأن الصواب أن ذلك كان هدياً وليس أضحية .
ولكن يعكر على ترجيح الشيخ الشنقيطي لمذهب الإمام مالك ما رواه مسلم بإسناده عن ثوبان  قال : ( ذبح رسول الله  ضحيته ثم قال : يا ثوبان أصلح لحم هذه ، فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة ) .
وفي رواية أخرى عند مسلم عن ثوبان مولى رسول الله  قال :( قال لي رسول الله  في حجة الوداع : أصلح هذا اللحم، قال : فأصلحته فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة ) (2).
ففي هذا الحديث تصريح بأن النبي  ضحى وهو حاج مسافر ، ولعل المالكية يقولون إن النبي  ضحى بمنى لأنها كانت واجبة في حقه  .
ولكن الأدلة لم تنهض على إثبات ذلك ، وقد سبقت الإشارة إلى أن الحديث الوارد في اختصاص النبي  بالأضحية على سبيل الوجوب ضعيف لا يثبت (1) .
وأما ما استدل به الحنفية من الآثار عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا لا يضحون في السفر وكذا في منى .
فالجواب : أن لا دلالة في فعلهم على أن الأضحية غير مشروعة في حق المسافر والحاج ، وإنما تدل على تركهم للأضحية في تلك الحال ، لانشغالهم بالسفر أو النسك ، وهذا بناءً على ذهابهم إلى أن الأضحية سنة ، وليست واجبة فيجوز تركها كما قال سعيد بن المسيب لرجل :[ ضحى رسول الله  وإن تركته فليس عليك ] (2) .
وسبق أن ذكرت أنه صح عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يظن الناس وجوبها .
وبهذا يظهر لي رجحان قول الجمهور أن الأضحية مشروعة ومسنونة في حق جميع الناس بدواً وحضراً في حال السفر وفي حال الإقامة وللحاج وغيره والله أعلم .
قال النووي :[ … الصواب أن التضحية سنة للحاج بمنى كما هي سنة في غيره ] (3) .

المبحث السابع
في حق من تشرع الأضحية

يرى الحنفية أنه يشترط في المضحي أن يكون غنياً ، أي مالكاً لنصاب الزكاة فاضلاً عن حوائجه الأصلية ، ودليلهم على ذلك ما ورد في الحديث :( من وجد سعةً فلم يضح فلا يقربنَّ مصلانا ) فالرسول  شرط عليه السعة وهي الغنى ، وهو أن يكون في ملكه مئتا درهم أو عشرون ديناراً أو شيء تبلغ قيمته ذلك ، سوى مسكنه وما يتأثث به وكسوته وكسوة من يمونهم (1) .
وقال المالكية إن الأضحية لا تسن في حق الفقير الذي لا يملك قوت عامه ، وتشرع بحيث لا تجحف بمال المضحي ، بأن لا يحتاج لثمنها في ضرورياته في عامه ، فإن احتاج فهو فقير (2) ، وقالوا إن من ليس معه ثمن الأضحية فلا يتسلف ليضحي (3) .
--------------------------------
(1) أضواء البيان 5/423-424 .
(2) صحيح مسلم مع شرح النووي 5/116 .
(1) انظر التلخيص الحبير 3/118 .
(2) مصنف عبد الرزاق 4/380 .
(3) المجموع 8/383 .
(1) تبيين الحقائق 6/3 ، بدائع الصنائع 4/196 ، حاشية ابن عابدين 6/312 .
(2) بلغة السالك 1/286 ، الذخيرة 4/142 .
-----------------------------------

وقال الشافعية تشرع الأضحية في حق من ملك ثمنها فاضلاً عن حاجته وحاجة من يمونه في يومه وليلته وكسوة فصله ، أي ينبغي أن تكون فاضلة عن يوم العيد وأيام التشريق (4).
وأما الحنابلة فقالوا تشرع الأضحية في حق القادر عليها الذي يمكنه الحصول على ثمنها ولو بالدَّين ، إذا كان يقدر على وفاء دينه (5) .
والذي أرجحه أن الأضحية مشروعة في حق الغني الذي يملك نصاب الزكاة فاضلاً عن حوائجه الأصلية ، ومقداره في يومنا هذا ( 30 رمضان 1419 ) خمسمئة وخمسون ديناراً أردنياً ، وثمن ما يصح أضحية لا يقل عن مئة وخمسين ديناراً ، ومن لا يملك النصاب فهو فقير .
المبحث الثامن
شروط الأضحية
الشرط الأول أن تكون الأضحية من الأنعام
اتفق جمهور أهل العلم بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة (1) على أنه يشترط في الأضحية أن تكون من الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم .
ويشمل ذلك الذكر والأنثى من النوع الواحد ، وكذا الخصي والفحل ، والمعز نوع من الغنم ، والجاموس نوع من البقر .
قال القرطبي :[ والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية وهي الضأن والمعز والإبل والبقر ] (2) .
ولا يصح في الأضاحي شيء من الحيوان الوحشي ، كالغزال ، ولا من الطيور كالديك ، ويدل على ذلك قوله تعالى:} وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ { سورة الحج الآية 34 .
قال القرطبي أيضاً :[ والأنعام هنا هي الإبل والبقر والغنم ] (3) .
ويدل على ذلك أنه لم تنقل التضحية بغير الأنعام عن النبي  .
ويدل على ذلك قوله تعالى :} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ { سورة المائدة الآية 1 .
ويدل على ذلك أيضاً أنه لما اختصت الأنعام بوجوب الزكاة ، اختصت بالأضحية ، لأنها قربة .
قال الشافعي :[ هم الأزواج الثمانية التي قال الله تعالى :} ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ { الأنعام الآية 143 . وقال تعالى :} وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ { الأنعام الآية 144 . يعني ذكراً وأنثى ، فاختص هذه الأزواج الثمانية من النعم بثلاثة أحكام :أحدها : وجوب الزكاة فيها. والثاني : اختصاص الأضاحي بها . والثالث : إباحتها في الحرم والإحرام ] (1) .
ونقل عن الحسن بن صالح – من فقهاء السلف المتقدمين - أن بقرة الوحش والظبي تجزئ في الأضحية (2) .
وقال ابن حزم :[ والأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع أو طائر كالفرس والإبل وبقر الوحش والديك وسائر الطير والحيوان الحلال أكله ] (3) .
وزعم ابن حزم أن النصوص تشهد لقوله ، وذلك أن الأضحية قربة إلى الله تعالى فالتقرب إلى الله تعالى – بكل ما لم يمنع منه قرآن ولا نص سنة – حسن .
وقال تعالى :} وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { سورة الحج الآية 77 .
والتقرب إليه عز وجل بما لم يمنع من التقرب إليه به فعل خير .
واحتج بما جاء في الحديث عن أبي هريرة  قال : قال رسول الله  :( مثل المهجر إلى الجمعة كمثل من يهدي بدنة ثم كمن يهدي بقرة…. ثم كمن يهدي بيضة ) رواه البخاري بهذا اللفظ (4) .
----------------------------------
(3) شرح الخرشي 3/33 .
(4) مغني المحتاج 6/123 ، الإقناع 2/278 .
(5) كشاف القناع 3/18 ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 26/305 .
(1) المغني 9/440 ، المجموع 8/394 ، بدائع الصنائع 4/205 ، تفسير القرطبي 15/109 ، السيل الجرار 4/78 ،
بداية المجتهد 1/348 .
(2) تفسير القرطبي 15/109 .
(3) تفسير القرطبي 11/44 .
(1) الحاوي 15/75-76 .
(2) المغني 9/440 ، المجموع 8/394 ، بداية المجتهد 1/349 .
(3) المحلى 6/29 .
(4) صحيح البخاري مع الفتح 3/58 .
----------------------------------

واحتج بالحديث الآخر عن أبي هريرة  أن رسول  قال :( من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ) رواه البخاري ومسلم (5) .
ثم قال ابن حزم :[ ففي هذين الخبرين هدي دجاجة وعصفور وتقريبهما وتقريب بيضة
والأضحية تقريب بلا شك … ولا معترض على هذين النصين أصلاً ]، وذكر ابن حزم قبل ذلك قول بلال  :[ ما أبالي لو ضحيت بديك ] وعن ابن عباس  في ابتياعه لحماً بدرهمين وقال :[ هذه أضحية ابن عباس ] (1) .
والجواب عن استدلال ابن حزم : أن الآية عامة والأدلة الواردة في التضحية بالأنعام خاصة فتقدم عليها ، لأن الخاص يقدم على العام .
وأما استدلال ابن حزم بالحديثين فمنقوض ، حيث إنه كان يلزم ابن حزم أن يجيز الأضحية بالبيضة لأنها وردت في الحديث ! فلماذا قصر الأضحية على الحيوان والطائر ؟ فأعمل بعض الحديث وأهمل بعضه ، وأيضاً يلزم ابن حزم القول بإجزاء الدجاجة والعصفور والفرس ونحوها في هدايا الحج ، لأن الحديث ورد بلفظ الهدي وهو لا يقول بجوازها في الهدي بل الهدي عنده هو من الأنعام فقط .
والصحيح أن الإهداء المذكور في الحديث مفسر بالتصدق ، وليس المقصود إراقة الدم بدليل ذكر البيضة فيه . وكذلك فقد ورد في الحديث ( فكأنما قرب … ) والتقريب هو التصدق بالمال تقرباً إلى الله عز وجل ، وصحيح أن الأضحية تقريب ولكنها مقيدة بإراقة الدم كالهدي .
وأما احتجاج ابن حزم بما ورد عن بلال وعن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فلا حجة في أحد دون رسول الله  عند ابن حزم . وقد ثبت أن رسول الله  كان يضحي بالأنعام فقط .
ويمكن أن يحمل فعلهما على أنهما كان معسرين أو لم يضحيا خشية أن يظن الناس أنها واجبة كما نقل عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأما ما نقل عن الحسن بن صالح فهو شاذ مردود مخالف للكتاب وللسنة (2) .
وبعد هذه المناقشة يظهر لي أن القول الراجح والصحيح هو أن الأضحية لا تجزئ إلا من الأنعام والله أعلم .

الشرط الثاني أن تبلغ سن التضحية
اختلف الفقهاء في السن المجزئة في الأضحية على ثلاثة أقوال :
1. اتفق جمهور أهل العلم على أنه لا يجزئ من الإبل و البقر والمعز إلا الثني فما فوقه ويجزئ من الضأن الجذع فما فوقه .
2. وقال الزهري : لا يجزئ الجذع من الضأن ولا من غيره ، ونقل عن ابن عمر ، وبه قال ابن حزم .
3. وقال الأوزاعي : يجزئ الجذع من الإبل والبقر والضأن والمعز ، ونقل عن عطاء (1) .
أدلة العلماء :
استدل جمهور العلماء بما يلي :
1. حديث جابر  أن الرسول  قال :( لا تذبحوا إلا مسنةً إلا أن يَعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن ) رواه مسلم (2) .
قال الإمام النووي :[ قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها ، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال ] (3) .
2. واحتجوا بما رواه أبو داود بإسناده عن عاصم بن كليب عن أبيه قال :( كنا مع رجل من أصحاب النبي  يقال له مجاشع من بني سليم فعزت الغنم ، فأمر منادياً فنادى أن رسول الله  كان يقول : إن الجذع يوفِّي مما يوفِّي منه الثني ) قال أبو داود وهو
مجاشع بن مسعود .
ورواه النسائي وابن ماجة والبيهقي والحاكم وقال حديث صحيح . وقال ابن حزم هو في غاية الصحة (4) . وقال الشيخ الألباني : صحيح (5) .
-------------------------------
(5) صحيح البخاري مع الفتح 3/17 –18 ، صحيح مسلم بشرح النووي 2/451 .
(1) المحلى 6/30-31 .
(2) انظر إعلاء السنن 17/229-230 .
(1) المجموع 8/394 ، المغني 9/439 ، تبيين الحقائق 6/7 ، الذخيرة 4/145 ، المحلى 6/13 ، الحاوي 15/76 ، طرح التثريب 5/191 ، فتح الباري 12/111 .
(2) صحيح مسلم مع شرح النووي 5/101 .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم 5/101-102 .
(4) المحلى 6/26 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/356 ، سنن النسائي 7/218-219 ، سنن ابن ماجة 2/1049 ، سنن البيهقي 9/270 ، المستدرك 4/252 .
(5) إرواء الغليل 4/359-360 .
--------------------------------------

3. واستدل الجمهور أيضاً بحديث عقبة بن عامر الجهني  قال :( قسم النبي  بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقلت : يا رسول الله  صارت لي جذعة . قال ضح بها ) رواه البخاري ومسلم (1) .
4. وفي رواية أخرى عن عقبة بن عامر  قال :( ضحينا مع رسول الله  بجذع من
الضأن ) رواه النسائي وابن الجارود والبيهقي (2) .وقال الحافظ ابن حجر :[ أخرجه النسائي بإسناد قوي ] (3) . وقال الشيخ الألباني :[ وهذا إسناد جيد وقواه الحافظ ] (4) .
وقال الشيخ الألباني في موضع آخر :[ وهذا إسناد جيد رجاله ثقات وإعلال ابن حزم له بقوله :( ابن خبيب هذا مجهول ) ليس بذاك ] (5).
5. وعن أبي كباش قال :( جلبت غنماً جذعاناً إلى المدينة فكسدت عليَّ فلقيت أبا هريرة فقال : سمعت رسول الله  يقول : نعم أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن قال : فانتهبه الناس ) رواه الترمذي وقال: حسن غريب ، وقد روي هذا عن أبي هريرة موقوفاً وعثمان بن واقد هو ابن محمد بن زياد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي  وغيرهم أن الجذع من الضأن يجزئ في الأضحية (6) .
ورواه أحمد في المسند ورواه البيهقي أيضاً (7) .
وضعفه الشيخ الألباني ثم تراجع عن تضعيفه فقال :[ نستطيع أن نستخلص مما سبق من التحقيق أن حديث هلال هذا ( نعمت الأضحية الجذع من الضأن ) وكذا الذي قبله
- حديث أبي كباش – وإن كان ضعيف المبنى فهو صحيح المعنى يشهد له حديث عقبة ومجاشع ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لما أوردتهما في هذه السلسلة – أي الضعيفة - ولأوردت بدلهما حديث جابر هذا … ] (8) .
6. ويدل لقول الجمهور أيضاً ما جاء في الحديث عن أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله  قال :( يجوز الجذع من الضأن أضحية ) رواه ابن ماجة ، وقواه الشيخ الألباني لشواهده (1) .
7. ويؤيد قول الجمهور أيضاً ما جاء عن عمران بن حصين  قال : ( لأن أضحي بجذع أحب إليَّ من أن أضحي بهرم ، الله أحق بالغنى والكرم ، وأحبهن إليَّ أن أضحي به ، أحبهن إليَّ بأن أقتنيه) قال الهيثمي :[ رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ] (2)
أدلة ابن حزم ومن وافقه :
احتج ابن حزم بحديث البراء بن عازب  وفيه : أن خاله أبا بردة قال :( يا رسول الله إن عندي عناق لبن وهي خير من شاتي لحم . قال : هي خير نسيكتيك ولا تجزئ جذعة عن أحدٍ بعدك ) .
وفي رواية أخرى أن أبا بردة  قال لرسول الله  :( عندي جذعة خير من مسنتين .
قال : اذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك ) .
ثم قال ابن حزم :[ فقطع عليه الصلاة والسلام أن لا تجزئ جذعة عن أحد بعد أبي بردة، فلا يحل لأحد تخصيص نوع دون نوع بذلك ،ولو أن ما دون الجذعة يجزئ لبيَّنه النبي  المأمور بالبيان من ربه تعالى :} وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا{ ] (3).
ويرى ابن حزم أن قول الرسول  :( لا تجزئ جذعة عن أحد بعدك ) ناسخ لكل الروايات الواردة عن الرسول  والآثار الواردة عن الصحابة بإجازة الجذع في
الأضحية (4) .
ويضاف إلى ذلك أن ابن حزم يضعف حديث جابر الذي احتج به الجمهور حيث قال :
----------------------------------
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/100 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/103 .
(2) سنن النسائي 7/219 ، سنن البيهقي 9/270 .
(3) فتح الباري 12/111 .
(4) إرواء الغليل 4/358 .
(5) السلسلة الضعيفة 1/89 .
(6) سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 6/236 .
(7) الفتح الرباني 13/72 ، سنن البيهقي 9/271 .
(8) السلسلة الضعيفة 1/95 .
(1) السلسلة الضعيفة 1/95 .
(2) مجمع الزوائد 4/20 ، وانظر مصنف عبد الرزاق 4/385 ، المحلى 6/26 .
(3) المحلى 6/15-16 .
(4) المصدر السابق 6/22-23 .
---------------------------------

[ … وأما نحن فلا نصححه لأن أبا الزبير مدلس ، ما لم يقل في الخبر إنه سمعه من
جابر … ] (5) .
أدلة الأوزاعي :
ومن الحجة للأوزاعي على إجزاء الجذع مطلقاً في الأضحية حديث عقبة بن عامر  :
( أن النبي  أعطاه غنماً يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود فذكره للنبي  .
فقال : ضح أنت بها ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى .
ونقل الإمام النووي عن أبي عبيد من أهل اللغة وغيره : أن العتود من أولاد المعز ، وهو ما رعى وقوي .
ويجاب عن هذا الحديث بأن البيهقي رواه وفيه زيادة وهي:(ولا رخصة لأحد فيها بعدك )
ثم قال البيهقي :[ فهذه الزيادة إذا كانت محفوظة كانت رخصة له كما رخص لأبي بردة بن نيار ] (1) .
وقال الحافظ ابن حجر مصححاً لهذه الزيادة :[ … فإنها خارجة من مخرج الصحيح فإنها عند البيهقي من طريق عبد الله البوشنجي أحد الائمة الكبار في الحفظ والفقه وسائر فنون العلم ، رواها عن الليث بالسند الذي ساقه البخاري ] (2) .

الترجيح :
الذي يظهر لي رجحان قول الجمهور في أن الأضحية لا تصح بالجذع من الإبل والبقر والمعز ، ويصح الجذع من الضأن دون غيره لحديث جابر المتقدم ولا يصح تضعيف ابن حزم له فإن الحديث رواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد ، وقال الإمام البغوي : هذا حديث صحيح . وصححه الحافظ ابن حجر ، وعزاه الزيلعي وابن الملقن والغماري لمسلم وصححوه ولم يذكروا فيه أي علة (1) .
ويؤيد هذا ما جاء في حديث عقبة وحديث مجاشع ، فإن دلالتهما ظاهر ة في جواز التضحية بالجذع من الضأن دون غيره ، وحديث مجاشع وإن كان بعمومه يشمل الجذع من المعز ، فقد جاء ما يدل على أنه غير مراد وهو حديث البراء قال :( ضحى خالي أبو بردة  قبل الصلاة . فقال رسول الله  : تلك شاة لحم ، فقال : يا رسول الله إن عندي جذعة من المعز . فقال : ضحِ بها ولا تصلح لغيرك ) .
وفي رواية ( إذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك ) .
وفي أخرى ( ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى .
فالجذعة المذكورة في الحديث كانت من المعز ، ولكن قامت القرينة على تخصيص أبي بردة بذلك (2) .

وقد اختلف جمهور الفقهاء في المراد بالجذع والثني كما يلي :
قال الحنفية : الجذع من الضأن ما تمت له ستة أشهر فيجوز أن يضحى به إذا كان الجذع عظيماً بحيث لو خلط بالثنيات يشتبه على الناظر من بعد .
وذكر الزعفراني من الحنفية أن الجذع من الضأن ما كان له سبعة أشهر .
وقيل ثمانية أشهر .
وقيل تسعة أشهر .
والثني من الضأن والمعز ما أتم سنة .
والثني من البقر ما أتم سنتين .
والثني من الإبل ما أتم خمس سنين (1) .
وقال المالكية : الجذع من الضأن ما أتم سنة ودخل في الثانية .
والثني من الضأن ما أتم سنتين .
والثني من المعز ما أتم سنتين .
والثني من البقر ما أتم ثلاثاً ودخل في الرابعة .
والثني من الإبل ما أتم خمساً ودخل في السادسة (2) .
وقال الشافعية : الجذع من الضأن ما أتم السنة على أصح الأوجه عندهم ودخل في الثانية. والثني من المعز ما أتم سنتين ، وقيل ما استكمل سنة ودخل في الثانية .
---------------------------------------
(5) المصدر السابق 6/20 .
(1) سنن البيهقي 9/270 .
(2) فتح الباري 12/110 .
(1) شرح السنة 4/331 ، فتح الباري 12/111 ، سنن النسائي 7/218 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/352 ، سنن ابن ماجة 2/1049 ، الفتح الرباني 13/71 ، نصب الراية 4/216 ، تحفة المحتاج 2/531 ، الهداية 6/187-188.
(2) انظر السلسلة الضعيفة 1/93-94 .
(1) تبيين الحقائق 6/7 ، بدائع الصنائع 4/206 .
(2) الذخيرة 4/154 ، شرح الخرشي 3/33-34 ، القوانين الفقهية ص126 .
----------------------------

والثني من البقر ما أتم سنتين ودخل في الثالثة .
والثني من الإبل ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة (3) .
وقال الحنابلة : الجذع من الضأن ما له ستة أشهر ودخل في السابع .
والثني من المعز ما أتم سنة ودخل في الثانية .
والثني من البقر ما أتم سنتين ودخل في الثالثة .
والثني من الإبل ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة (4) .
واختلاف الفقهاء في بيان الجذع والثني مردّه إلى اختلاف أهل اللغة فيهما فلا بد من الرجوع إلى كلام اللغويين في تفسير هذين اللفظين .
أما الجذع فقد قال الأزهري :[ … ومن الضأن لثمانية أشهر أو تسعة ] (1) .
وقال الجوهري :[ الجذع قبل الثني والجمع جُذعان وجِذاعٌ والأنثى جذعة والجمع جذعات . تقول منه لولد الشاة في السنة الثانية ولولد البقر والحافر في السنة الثالثة وللإبل في السنة الخامسة : أجذع . والجذع اسم له في زمن ليس بسن تنبت ولا تسقط .وقد قيل في ولد النعجة إنه يجذع في ستة أشهر أو تسعة أشهر وذلك جائز في الأضحية ] (2) .
وأما الثني : فقال الجوهري :[ والثني الذي يلقي ثنيته – واحدة الثنايا من السن – ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة وفي الخف في السنة السادسة ] (3) .
وقال ابن منظور :[ والثني من الإبل : الذي يلقي ثنيته ، وذلك في السادسة ومن الغنم الداخل في السنة الثالثة ، تيساً كان أو كبشاً . التهذيب : البعير إذا استكمل الخامسة وطعن السادسة فهو ثني ، وهو أدنى ما يجوز من سن الإبل في الأضاحي وكذلك من البقر والمعزى ، فأما الضأن فيجوز منها الجذع في الأضاحي ، وإنما سمي البعير ثنياً لأنه ألقى ثنيته … والثني من الغنم الذي استكمل الثانية ودخل في السادسة ثم ثني في السنة الثالثة مثل الشاة سواء ] (4) .
وبعد هذا أقول إن ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة في بيان الجذع من الضأن له أساس قوي في لغة العرب وبناءً عليه أرى أن الراجح هو قولهم بجواز الأضحية بما مضى عليه أكثر العام من الضأن وهو الجذع ، أي مضى عليه ستة أشهر فأكثر ، وخاصة إذا كان عظيماً بحيث لو خلط بالثنيات يشتبه على الناظر من بعد .
قال إبراهيم النخعي :[ الجذع من الضأن يجزئ إذا كان عظيماً ] (5) .

حكم التضحية بالعجول المسمّنة التي لم تبلغ السن المقرر شرعاً
إن الالتزام بالسن المقرر شرعاً في الأضحية أمر مطلوب شرعاً ، ولا تجوز مخالفته بالنقص عنه ، وتجوز الزيادة عليه ، ولكن بعض الناس تعارفوا في بعض مناطق فلسطين ، على التضحية بالعجول المسمنة التي تقل أعمارها عن السن المطلوب ، وغالبها له من العمر تسعة أشهر إلى سنة ونصف ، ويظنون أن هذه العجول السمينة تجزئ في الأضاحي وقد بحثت هذه المسألة بحثاً مطولاً في كتب الفقهاء ، فلم أجد أحداً منهم ، قال بجواز النقص عن السن المقرر شرعاً ، حتى إني لأظن - ولا أجزم - بأن قضية السن في الأضحية تعبدية حيث خُصَّ من هذا الحكم ، واحد من الصحابة أو اثنان ، بنص أحاديث النبي  كما سيأتي وبناءاً على ذلك أقول:
لقد وردت الأحاديث التي أشارت إلى السن المعتبر في الأضاحي ، والتي اعتمد عليها الفقهاء في تحديد السن المعتبر في الأضاحي ، واعتبروا ذلك شرطاً من شروط صحة الأضحية .
فقد اتفق العلماء على أنه تجوز التضحية بالثني فما فوقه من الإبل والبقر والغنم ، والمراد بالثني من الإبل ما أكمل خمس سنين ودخل في السادسة ، ومن البقر ما أكمل سنتين ودخل في الثالثة ، ومن الغنم ما أكمل سنة ودخل في الثانية .
قال في المصباح المنير :[ الثني الجمل يدخل في السادسة … والثني أيضاً الذي يلقي ثنيته يكون من ذوات الظلف والحافر في السنة الثالثة ومن ذوات الخف في السنة السادسة ] (1).
واتفق العلماء على أنه لا تجوز التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز .
واختلفوا في الجذع من الضأن :
قال الإمام الشافعي : [ الضحايا الجذع من الضأن ، والثني من المعز والإبل والبقر ، ولا يكون شيء دون هذا ضحية ] (2) .
-----------------------------------
(3) الحاوي 15/77 ، كفاية الأخيار ص529 ، طرح التثريب 5/194 .
(4) المغني 9/440 ، كشاف القناع 2/531-532 ، منار السبيل 1/272 .
(1) لسان العرب 2/219-220 مادة جذع ، وانظر تاج العروس 11/58 مادة جذع .
(2) الصحاح 3/1194 مادة جذع .
(3) الصحاح 6/2295 ماد ثنى .
(4) لسان العرب 2/141-142 مادة ثنيّ ، وانظر تاج العروس 19/257-258 مادة ثنى .
(5) الآثار لأبي يوسف ص63 .
(1) المصباح المنير ص85 .
(2) الأم 2/223 .
-----------------------------------

قال الإمام النووي:[ وأجمعت الأمة على أنه لا تجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني ] (3)
ونقل ابن قدامة عن أئمة اللغة :[ إذا مضت الخامسة على البعير ودخل في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثني … وأما البقرة فهي التي لها سنتان لأن النبي  قال :( لا تذبحوا إلا مسنة ) ومسنة البقر التي لها سنتان ] (1).
وقال الإمام النووي :[ قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال وهذا مجمع عليه ] (2).
وقد اتفق العلماء على أنه لا يجزئ الجذع من البقر والجذع من البقر هو من وقت ولادته إلى أن يبلغ سنتين من عمره والعجل المسمن الذي يبلغ تسعة أشهر هو جذع فلا يجزئ في الأضحية وكونه سميناً وأكثر لحماً من الذي بلغ سنتين من عمره ليس سبباً في ترك السن المعتمدة وهي سنتان فأكثر .
وإن المدقق في الأحاديث التي أشارت إلى السن يرى أنه لا يجوز تجاوز تلك السن ويدل على ذلك الأحاديث التالية :
1. عن البراء بن عازب  قال : قال النبي  :( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر من فعله فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال إن عندي جذعة ، فقال إذبحها ولن تجزئ عن أحد بعدك ) رواه البخاري وقد مضى.
2. قال الإمام البخاري : باب قول النبي  لأبي بردة :( ضح بالجذع من المعز ولن تجزئ عن أحد بعدك ) ثم ساق حديث البراء المتقدم برواية أخرى :( ضحى خال لي يقال له
أبو بردة قبل الصلاة فقال له رسول الله  :شاتك شاة لحم . فقال: يا رسول الله: إن عندي داجناً جذعة من المعز . فقال النبي  : إذبحها ولا تصلح لغيرك ) (3).
وقد ورد في عدة روايات اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز وشاركه في الاختصاص عقبة بن عامر والألفاظ التي تدل على الاختصاص كما بينها الحافظ
ابن حجر :( ولا رخصة فيها لأحد بعدك ) ، ( ولن تجزئ عن أحد بعدك ) ، ( وليست فيها رخصة لأحد بعدك ) (1) .وهذا التخصيص من النبي  يدل على أنه لا تصح
التضحية بالجذع من الإبل والبقر والماعز ، وهو الذي اعتمد عليه الفقهاء في قولهم
إنه لا تجوز التضحية بما دون السنتين من البقر .
وبناءً على ما تقدم أقول :
لا تصح التضحية بالعجول المسمنة مهما بلغ وزنها ولا بد من الالتزام بالسن المقرر عند الفقهاء في البقر وهو سنتان ،ولا يصح النقص عنه .
جاء في الفتاوى الهندية :[ وتقدير هذه الأسنان بما قلنا يمنع النقصان ولا يمنع الزيادة حتى ولو ضحى بأقل من ذلك شيئاً لا يجوز ولو ضحى بأكثر من ذلك شيئاً يجوز ويكون أفضل ولا يجوز في الأضحية حمل ولا جدي ولا عجول ولا فصيل ] (2).
وينبغي أن يعلم أنه ليس المقصود من الأضحية اللحم فقط ، وتوزيعه صدقة أو هدية ، وإنما يقصد بالأضحية أيضاً تعظيم شعائر الله عز وجل ، وإراقة الدم كوسيلة من وسائل الشكر لله تعالى ، قال الله تعالى :} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { سورة الحج الآية 32 .
وكذلك الامتثال لأمر الله عز وجل بإراقة الدم ، اقتداءً بإبراهيم عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى :}لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ { سورة الحج
الآية 37 . (3)

الشرط الثالث
أن تكون الأضحية سليمة من العيوب المانعة من صحة الأضحية
لمَّا كانت الأضحية قربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً ، فينبغي أن تكون الأضحية ، طيبة ، وسمينة ، وخالية من العيوب التي تنقص من لحمها وشحمها ، فقد ثبت في الحديث عن البراء بن عازب  قال : قال رسول الله  :
( أربعٌ لا تجوز في الأضاحي : العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير التي لا تنقي .
قال : – أي الراوي عن البراء وهو عبيد بن فيروز – قلت : فإني أكره النقص في السن .
-----------------------------
(3) المجموع 8/394 .
(1) المغني 9/440 .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 13/101 –102 .
(3) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 12/108-109 .
(1) فتح الباري 12/109 .
(2) الفتاوى الهندية 5/297 .
(3) يسألونك 3/101-103 .
--------------------------------

قال : - أي البراء – ما كرهتَ فدعه ، ولا تحرمه على أحد ) رواه أصحاب السنن .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم .
وصححه الشيخ الألباني (1) .
وحديث البراء هذا هو الأصل في باب العيوب في الأضحية وبناءً عليه قال أهل العلم
لا يجزئ في الأضاحي ما يلي :
أولاً : العوراء البين عورها ، ومن باب أولى العمياء .
ثانياً : المريضة البين مرضها .
ثالثاً : العرجاء البين عرجها ، ومن باب أولى مقطوعة الرجل .
رابعاً : الكسير التي لا تنقي ، وهي التي لا تقوم ولا تنهض من الهزال .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها لا أعلم خلافاً بين العلماء فيها . ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها ولا سيما إذا كانت العلة فيها أبين ، ألا ترى أن العوراء إذا لم تجز فالعمياء أحرى ألا تجوز ، وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أو التي لا رجل لها المقعدة أحرى ألا تجوز ، وهذا كله واضح لا خلاف فيه ] (2) .
وحديث البراء  يدل على أن المرض الخفيف لا يضر ، وكذا العرج الخفيف الذي تلحق به الشاة الغنم لقوله  البين مرضها ، والبين عرجها وكذا ما كان فيها هزال خفيف .
والمرض البين هو المفسد للحم والمنقص للثمن ؛ فلا تجزئ كما لو كانت جرباء أو كان بها بُثُورٌ وقروح . وكذا العجفاء التي لا تنقي ، فالعجف فرط الهزال المذهب للَّحم .
والتي لا تنقي أي لا مخ فيها لعجفها (1) .
وقد وردت بعض الأحاديث الأخرى في العيوب التي تمنع إجزاء الأضحية أذكرها وأبيِّنُ ما قال أهل الحديث فيها :
1. عن يزيد ذو مصر قال :( أتيت عتبة بن عبدٍ السُلمي فقلت : يا أبا الوليد إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئاً يعجبني غير ثرماء فكرهتها فما تقول . قال: أفلا جئتني بها. قلت: سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني . قال: نعم إنك تشك ولا أشك ، إنما نهى رسول الله  عن المصفرة والمستأصَلة والبخقاء والمشيَّعة وكسرى .
والمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو سماخها .
والمستأصَلة التي استؤصل قرنها من أصله .
والبخقاء التي تُبخق عينها والبخق هو أقبح العور .
والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفاً وضعفاً .
والكسراء هي الكسيرة ) .
رواه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري (2) ورواه أحمد (3) والحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي (4) .
2. وروى أبو داود بإسناده عن شريح بن النعمان وكان رجل صدق عن علي  قال :
( أمرنا رسول الله  أن نستشرف العين والأذنين ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء ) .
قال زهير – أحد رجال السند – فقلت لأبي إسحاق أذكر عضباء ؟ قال : لا .
قلت: فما المقابلة ؟ قال: يقطع طرف الأذن .
قلت: فما المدابرة ؟ قال: يقطع من مؤخر الأذن .
قلت: فما الشرقاء ؟ قال: تشق الأذن .
قلت: فما الخرقاء ؟ قال: تخرق أذنها للسِّمة ) (1) .
ورواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح ؛ ثم قال قوله : أن نستشرف ، أي أن ننظر صحيحاً (2). والمقصود أن ننظر إليهما ونتأمل في سلامتهما من آفة تكون بهما .
ورواه النسائي وأحمد (3) ورواه ابن حبان دون قوله :( ولا نضحي بعوراء … الخ )
---------------------------------
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/357-358 ، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/67 ، سنن النسائي 7/214 ، سنن ابن ماجة 2/1050 ، إرواء الغليل 4/361 .
(2) فتح المالك 7/6 .
(1) الحاوي 15/81-82 ، وانظر الاستذكار 15/125 .
(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/358 .
(3) الفتح الرباني 13/78 .
(4) المستدرك 4/250-251 .
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/359 ، وانظر الاستذكار 15/127-128 .
(2) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/68 .
------------------------------

وقال محققه: إسناده قوي (4) .
ورواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي . وحسَّنه محقق شرح
السنة (5) .
3. وروى  أبو داود بإسناده عن قتادة عن جُري بن كليب عن علي  :( أن النبي  نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن ) (6) .
ثم قال أبو داود جُرَيٌّ سدوسي بصري لم يحدث عنه إلا قتادة .
ثم روى بسنده عن قتادة قال : قلت لسعيد بن المسيب: ما الأعضب ؟ قال :النصف فما فوقه . وسكت عنه أبو داود والمنذري .
ورواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح (7) ورواه النسائي وابن ماجة ورواه أحمد (8) ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (9) .

ذكر صفات قد توجد في الأضحية واختلاف الفقهاء فيها
ذكر الفقهاء صفات كثيرة قد توجد في الأضحية إن وجد بعضها يمنع الإجزاء .
وقال بعضهم: لا بأس بالتضحية بالحيوان مع وجودها .
وسأذكر ما وقفت عليه من الصفات وسأرتبها حسب أعضاء الحيوان :
أولاً: صفات في العين :
1. العمياء: وهي فاقدة العينين ، وهذه باتفاق الفقهاء لا تجزئ في الأضحية ، لأن العواء وهي ما فقدت عيناً واحدة لا تجزئ فالعمياء من باب أولى .
ولكن بعض أهل الظاهر أجازوا التضحية بالعمياء ، لأن النهي ورد في الحديث عن التضحية بالعوراء وهذا جمود على ظاهر النص ، لأن العمى عور مضاعف والراجح هو عدم إجزاء العمياء (1) .
2. العوراء: وهي التي فقدت عينها أو فقدت الإبصار بها مع بقاء العين وهذه لا تجزئ باتفاق الفقهاء ، إن كان العور بيِّناً كما ورد النص في حديث البراء لأن العور قد أذهب عضواً منها ويقصر بها في الرعي فيقل لحمها ولأن العور موكس لثمنها (2) .
3. العشواء: وهي التي تبصر نهاراً ولا تبصر ليلاً عند الفقهاء ، وفي اللغة العشى ضعف البصر (3) .
والصحيح أن العشواء مجزئة في الأضحية لأنها تبصر في وقت الرعي والعشى لا يؤثر
عليها (4) .
4. الحولاء: وهي التي في عينها حول ، وهذه تجزئ لأن الحول لا يؤثر عليها ولا يمنعها من الرعي (5) .
5. العمشاء: وهي التي يسيل دمعها مع ضعف البصر (1) . قال ابن منظور :[ والعمش أن لا تزال العين تسيل الدمع ولا يكاد الأعمش يبصر بها ، وقيل العمش ضعف رؤية العين مع سيلان دمعها في أكثر أوقاته … واستعمله قيس بن ذريح في الإبل … ] (2) .
والعمشاء تجزئ في الأضحية (3) .
6. التي في عينها بياض ، تجزئ في الأضحية نص على ذلك المالكية والحنابلة (4) .
----------------------------------
(3) سنن النسائي 7/217 ، الفتح الرباني 13/77 .
(4) الإحسان 13/242 .
(5) المستدرك 4/250 ، شرح السنة 4/337 ، وانظر شرح معاني الآثار 4/169-171 .
(6) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/360 .
(7) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/74 .
(8) سنن النسائي 7/217-218 ، سنن ابن ماجة 2/1051 ، الفتح الرباني 13/77 .
(9) المستدرك 4/249 .
(1) المجموع 8/400 ، الحاوي 15/81 ، بدائع الصنائع 4/214 ، القوانين الفقهية ص127 ، كشاف القناع 3/5 .
(2) المجموع 8/400 ، الحاوي 15/80-81 ، بدائع الصنائع 4/214 ، القوانين الفقهية ص127 ، كشاف القناع 3/5 .
(3) المصباح المنير ص412 .
(4) المجموع 8/400 ، الحاوي 15/81 .
(5) حاشية ابن عابدين 6/325 ، الفتاوى الهندية 5/298 ، الحاوي 15/81 .
(1) المصباح المنير ص429 .
(2) لسان العرب 9/398 .
(3) المجموع 8/400 .
-----------------------------------

المفصل في أحكام الأضحية، أيهما أفضل الأضحية أم التصدق بثمنها ؟، - 4 -


      المفصل في أحكام الأضحية، أيهما أفضل الأضحية أم التصدق بثمنها ؟، - 4 -
 
وقيل إن المعنى ارفع يديك بالدعاء إلى نحرك . نقل كل هذه الأقوال وغيرها البيهقي والقرطبي (1) .
وقال الشوكاني :[ بأن المراد تخصيص الرب بالنحر له لا للأصنام ، فالأمر متوجه إلى ذلك لأنه القيد الذي يتوجه إليه الكلام ولا شك في وجوب تخصيص الله بالصلاة والنحر ] (2).
وخلاصة الأمر أن الآية محتملة كما سبق ، ولو سلمنا بدلالتها على النحر ، فهي دالة على أن النحر بعد الصلاة فهي تعيين لوقت الذبح لا لوجوبه ، كأنه يقول إذا نحرت فبعد صلاة العيد (3) .
2. وأما الاستدلال بما ورد في حديث البراء ، لما ذبح أبو بردة قبل الصلاة فقال له النبي
:( أبدلها ) .
وما ورد في حديث جندب بن سفيان من قول النبي  :( من ذبح قبل الصلاة فليعد … ومن لم يذبح فليذبح ) .
فالجواب ما قاله الإمام الشافعي :( فاحتمل أمره بالإعادة أنها واجبة ، واحتمل على معنى أنه أراد أن يضحي ، فلما قال عليه الصلاة والسلام :( إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره شيئاً ) دل على أنها غير واجبة .
وبلغنا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يُرَى أنها واجبة ، وعن ابن عباس أنه اشترى بدرهمين لحماً فقال : هذه أضحية ابن عباس ] (1) .
وقال الحافظ ابن حجر :[ بأن أمر رسول الله  لأبي بردة بإبدالها ، لا دلالة فيه على وجوب الأضحية ، لأنه ولو كان ظاهر الأمر للوجوب ، إلا أن قرينة إفساد الأولى ، تقتضي أن يكون الأمر بالإعادة لتحصيل المقصود ، وهو أعمُ من أن يكون في الأصل واجباً أو مندوباً ] (2).
وقال الحافظ ابن حجر في موضع آخر :[ وقد استدل من قال بالوجوب بوقوع الأمر فيهما بالإعادة .
وأجيب بأن المقصود بيان شرط الأضحية المشروعة ، فهو كما لو قال لمن صلى راتبة الضحى مثلاً قبل طلوع الشمس : إذا طلعت الشمس فأعد صلاتك ] (3) .
وقال الحافظ ابن حجر في موضع ثالث :[ واستدل بقوله ( اذبح مكانها أخرى ) وفي لفظ ( أعد نسكاً ) وفي لفظ ( ضح بها ) وغير ذلك من الألفاظ المصرحة بالأمر بالأضحية ، على وجوب الأضحية ، قال القرطبي في المفهم : ولا حجة في شيء من ذلك . وإنما المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية ، لمن أراد أن يفعلها أو من أوقعها على غير الوجه المشروع خطأً أو جهلاً ، فبين له وجه تدارك ما فرط منه .
وهذا معنى قوله ( لا تجزئ عن أحدٍ بعدك ) أي لا يحصل له مقصود القربة ولا الثواب كما يقال في صلاة النفل لا تجزئ إلا بطهارة وستر عورة ] (4) .
3. وأما استدلالهم بالحديث :( ضحوا فإنها سنَّةُ أبيكم إبراهيم … ) على وجوب
الأضحية .
فالجواب : إن هذا الحديث رواه ابن ماجة بإسناده عن زيد بن أرقم قال :( قال أصحاب رسول الله  : يا رسول الله ما هذه الأضاحي ؟ قال: سنةُ أبيكم إبراهيم . قالوا : فما لنا فيها . قال : بكل شعرة حسنة . قالوا : فالصوف يا رسول الله ؟ قال : بكل شعرة من الصوف حسنة ) .
وفي إسناده عائذ الله عن أبي داود عن زيد بن أرقم .
قال في الزوائد :[ في إسناده أبو داود واسمه نفيع بن الحارث وهو متروك ، واتُهِمَ بوضع الحديث ] (1) .
ورواه البيهقي بإسناده وباللفظ السابق ، وفيه أيضاً عائذ الله بن عبد الله المجاشعي عن أبي داود السبيعي عن زيد بن أرقم .
ونقل البيهقي عن البخاري قوله :[ عائذ الله المجاشعي عن أبي داود روى عنه سلام بن مسكين لا يصح حديثه ] (2) .
والحديث رواه الحاكم وقال :صحيح الإسناد ! فردَّه الذهبي بقوله : قلت عائذ الله ، قال أبو حاتم : منكر الحديث .
وقال الشيخ الألباني :[ وهذا تعقب قاصر، يوهم أنه سالمٌ ممن فوق عائذ . قال المنذري بعد أن حكى تصحيح الحاكم : بل واهيه ، عائذ الله هو المجاشعي وأبو داود هو نفيع بن الحارث الأعمى وكلاهما ساقط . وأبو داود هذا قال الذهبي فيه :يضع .
وقال ابن حبان: لا تجوز الرواية عنه ، هو الذي روى عن زيد بن أرقم .. فذكر الحديث]
-------------------------------
(1) معرفة السنن والآثار 14/18-20 ، تفسير القرطبي 20/218-220 .
(2) نيل الأوطار 5/127 .
(3) انظر سبل السلام 4/170 .
(1) مختصر المزني مع شرحه الحاوي 15/67 ، وانظر أيضاً معرفة السنن والآثار 14/14-15 .
(2) فتح الباري 12/114 .
(3) فتح الباري 12/99 .
(4) فتح الباري 12/112 .
(1) سنن ابن ماجه 2/1045 .
(2) سنن البيهقي 9/261 .
-------------------------------------

وحكم الشيخ الألباني على الحديث بأنه موضوع (3) .
إذا تقرر كلام أهل الحديث في الحكم على هذا الحديث فلا يصح الاستدلال به مطلقاً .
4. وأما استدلالهم بالحديث:( من وجد سعة فلم يضح فلا يقربنَّ مُصلانا ) .
فالجواب بأن الحديث حسن ، ولكن الصواب أنه موقوف ، قال الحافظ ابن حجر :[ رواه أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم ، ورجح الأئمة غيره وقفه ] (4) .
قال البيهقي :[ بلغني عن أبي عيسى الترمذي أنه قال : الصحيح عن أبي هريرة أنه موقوف
قال: ورواه جعفر بن ربيعة وغيره عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة موقوفاً ] (1) .
وقال الحافظ ابن حجر أيضاً :[ أخرجه ابن ماجة وأحمد ورجاله ثقات ، لكن اختلف في رفعه ووقفه ، والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره . ومع ذلك ليس صريحاً في الإيجاب ] (2) .
ونقل الزيلعي المحدّث عن صاحب التنقيح أن الأشبه بالصواب أن الحديث موقوف (3) .
وقال ابن الجوزي :[ … ثم إنه لا يدل على الوجوب كما قال :( من أكل الثوم فلا يقرب مصلانا ) ] (4) .
وقال ابن عبد البر :[ … الأغلب عندي في هذا الحديث أنه موقوف على أبي هريرة ] (5)
وقال الحافظ ابن عبد البر أيضاً :[ ليس في اللفظ تصريح بإيجابها لو كان مرفوعاً فكيف والأكثر يجعلونه من قول أبي هريرة ] (6) .
5. وأما استدلالهم بحديث أبي رملة عن مخنف بن سليم وفيه ( … إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة ) .
فالجواب : إن الحديث ضعيف ، لأن في سنده عامر بن أبي رملة .
قال الخطابي :[ … هذا الحديث ضعيف المخرج وأبو رملة مجهول ] (7) .
وقال الزيلعي المحدّث :[ وقال عبد الحق : إسناده ضعيف . قال ابن القطان : وعلته الجهل بحال أبي رملة واسمه عامر ، فإنه لا يعرف إلا بهذا يرويه عنه ابن عون ] (8) .
وقال الحافظ ابن حجر :[ عامر أبو رملة شيخ لابن عون لا يعرف ] (9) .
وقال البيهقي بعد أن ذكره :[ وهذا إن صح فالمراد به على طريق الاستحباب فقد جمع بينها وبين العتيرة ، والعتيرة غير واجبة بالإجماع ] (1) .
وقال الزيلعي المحدّث :[ وجهل من استشهد بحديث مخنف بن سليم المتقدم ] (2) .
والحديث حسَّنه الترمذي كما سبق حيث قال :[ هذا حديث حسن غريب … ] مع أن صاحب المشكاة ذكر عن الترمذي أنه قال بعد أن ساق الحديث :
[ وقال الترمذي : هذا حديث غريب ضعيف الإسناد ] (3) .
وبهذا يظهر لنا أن الحديث ضعيف من حيث الإسناد . وأما من حيث المتن فإنه منسوخ كما قال أبو داود صاحب السنن بعد أن ساقه:[ العتيرة منسوخة هذا خبر منسوخ ] (4).
وقال صاحب عون المعبود :[ قد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه منسوخ بالأحاديث الآتية في العتيرة وادعى القاضي عياض أن جماهير العلماء على ذلك ] (5) .
--------------------------------
(3) سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/14 حديث 527 .
(4) بلوغ المرام ص 281 .
(1) سنن البيهقي 9/260 .
(2) فتح الباري 12/98 .
(3) نصب الراية 4/207 .
(4) التحقيق في أحاديث الخلاف 2/161 .
(5) فتح المالك 7/17 .
(6) الاستذكار 15/160 .
(7) معالم السنن 2/195 .
(8) نصب الراية 4/211 .
(9) تقريب التهذيب ص162 .
(1) معرفة السنن والآثار 14/17 .
(2) نصب الراية 4/211 .
(3) مشكاة المصابيح 1/465 .
(4) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/341 .
--------------------------------------

6. وأما الاستدلال على وجوب الأضحية بما ورد في الحديث عن علي أن النبي 
قال :( أيها الناس ضحوا واحتسبوا بدمائها … ) .
فالجواب : إن الحديث ضعيف جداً لا يصلح للاستدلال ، وقد بيَّن المحدثون علته :
فقال الهيثمي بعد أن ذكره :[ رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك الحديث ] (6) وكذا قال الحافظ ابن حجر (7).
وعمرو بن الحصين هذا كذاب كما قال الخطيب وغيره (8) .
وقد حكم الشيخ الألباني على هذا الحديث بأنه موضوع (9) .
7. وأما الاستدلال بما روي عن معاذ  قال :( كان رسول الله  يأمر أن نضحي … )
فلا يتم الاستدلال به لأنه حديث ضعيف .
قال ابن حزم : وأما حديث معاذ ففيه ابن لهيعة وابن أنعم - وكلاهما في غاية السقوط (1) فالحديث ضعيف (2) .
8. وأما الاستدلال بحديث عائشة قالت :( يا رسول الله : أستدين وأضحي؟ قال: نعم . )
فالجواب : إن هذا الحديث رواه الدارقطني وقال :[ هذا إسناد ضعيف وهرير هو ابن
عبد الرحمن بن رافع بن خديج ولم يسمع من عائشة ولم يدركها ] (3) .
فلا يصلح دليلاً . ونقل البيهقي تضعيفه عن الحافظ الدارقطني (4) .
9. وأما قولهم إن مواظبة الرسول  على الأضحية في كل عام تدل على الوجوب ، فغير مسلَّم لأن مواظبة النبي  بذاتها على فعل معين لا تدل على وجوبه ، وإن قال بعض الحنفية إن المواظبة تدل على الوجوب ، كما استدل صاحب الهداية الحنفي على وجوب صلاة العيدين بالمواظبة من غير ترك .
ولكن الشيخ عبد العلي محمد الأنصاري شارح مسلم الثبوت ،لم يرتض ذلك فلا يرى أن المواظبة على الفعل مع عدم الترك دليل الوجوب عند الحنفية ونقض ذلك بما هو معلوم عند الحنفية من سنة صلاة الجماعة مع أنه -  -لم يتركها أصلاً ، وكذا الأذان والإقامة وصلاة الكسوف والخطبة الثانية في الجمعة والاعتكاف والترتيب والمولاة في الوضوء ، وكذا المضمضة والاستنشاق ، وغير ذلك مما ثبت فيه المواظبة من غير ترك مع أنها سنة .
وقد استدل صاحب الهداية نفسه على سنية أكثرها بالمواظبة مع عدم تبيين تركها ، بل ثبت عدم الترك ، فتدبر أحسن التدبر فتعلم أن المواظبة ليست دليل الوجوب عندهم (5) .
10. وأما احتجاجهم بأن الإضافة ليوم الأضحى مؤذنة بالوجوب … الخ .
فالجواب ما قاله الشيخ محمد الأمين الشنقيطي :[ واستدلال بعض الحنفية على وجوبها بالإضافة في قولهم يوم الأضحى قائلاً : إن الإضافة إلى الوقت لا تحقق إلا إذا كانت موجودة فيه بلا شك ولا تكون موجودة فيه بيقين إلا إذا كانت واجبة ، لا يخفى سقوطه لأن الإضافة تقع بأدنى ملابسة فلا تقتضي الوجوب على التحقيق كما لا يخفى ] (1) .

وبعد هذه المناقشة لأدلة القائلين بوجوب الأضحية يظهر لنا أنها قاصرة عن إثبات الوجوب لأن هذه الأدلة لم تسلم من المعارضة .
وأما أدلة الجمهور على أن الأضحية سنة ، فهي في مجملها قوية ويثبت بها المراد .
ولعل من أقوى تلك الأدلة على إثبات سنِّية الأضحية حديث أم سلمة رضي الله عنها حيث جعل النبي  أمر الأضحية راجعاً لإرادة المسلم ورغبته .
ومع كل ما سبق أرى أن الأضحية سنة مؤكدة ، لا ينبغي لمسلم قادر عليها أن يتركها إبراءً للذمة ، وخروجاً من الخلاف .
فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عمر تعليقاً :[ وقال ابن عمر : هي سنة ومعروف ] .
----------------------------------------
(5) عون المعبود 7/341 .
(6) مجمع الزوائد 4/17 .
(7) تقريب التهذيب ص258 .
(8) انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/57-58 .
(9) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 2/16 .
(1) المحلى 6/8 .
(2) المجلى في تحقيق أحاديث المحلى ص427 .
(3) سنن الدار قطني 4/283 .
(4) سنن البيهقي 9/262 .
(5) فواتح الرحموت بشرح مسلَّم الثبوت 2/181 بتصرف يسير .
(1) أضواء البيان 5/420 .
-------------------------------------

قال الحافظ ابن حجر :[ وصله حماد بن سلمة في مصنفه بسند جيد إلى ابن عمر ] (2) .
وقد روى الترمذي بإسناده عن جبلة بن سحيم : أن رجلاً سأل ابن عمر عن الأضحية أواجبة هي ؟ فقال : ضحى رسول الله  والمسلمون .
فأعادها عليه . فقال : أتعقل ضحى رسول الله  والمسلمون .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم ، أن الأضحية ليست بواجبة ولكنها سنة من سنن رسول الله  يستحب أن يعمل بها (3) .
وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على كلام الإمام الترمذي :[ وكأنه - أي الترمذي - فهم من كون ابن عمر لم يقل في الجواب نعم ، أنه لا يقول بالوجوب فإن الفعل المجرد لا يدل

على ذلك . وكأنه أشار بقوله : والمسلمون إلى أنها ليست من الخصائص ] (1) .
وقال الإمام الشافعي :[ الضحايا سنة لا أحب تركها ] (2) .
وقال البيهقي :[ باب الأضحية سنة نحب لزومها ونكره تركها ] (3) .
وقال الحافظ ابن عبد البر :[ تحصيل مذهب مالك أنها من السنن التي يؤمر الناس بها ويندبون إليها ، ولا يرخص في تركها إلا للحاج بمنى … ] (4) .
وقال الحافظ ابن عبد البر أيضاً :[ ضحى رسول الله  طول عمره ، ولم يأت عنه أنه ترك الأضحى ، وندب إليها فلا ينبغي لمؤمن موسرٍ تركها وبالله التوفيق ] (5) .
ونقل الحافظ ابن عبد البر أقوالاً عن الصحابة في أن الأضحية ليست بحتم ، وذكر قول عكرمة :[ كان ابن عباس يبعثني يوم الأضحى بدرهمين أشتري له لحماً ويقول : من لقيت فقل هذه أضحية ابن عباس ] .
ثم قال الحافظ ابن عبد البر :[ وهذا أيضاً محمله عند أهل العلم لئلا يعتقد فيها للمواظبة عليها أنها واجبة فرضاً . وكانوا أئمة يقتدي بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم . لأنهم الواسطة بين النبي  وبين أمته فساغ لهم الاجتهاد في ذلك ، ما لا يسوغ اليوم لغيرهم .
والأصل في هذا الباب أن الضحية سنة مؤكدة ، لأن رسول الله  فعلها وواظب عليها وندب أمته إليها .
وحسبك أن من فقهاء المسلمين من يراها فرضاً ، لأمر رسول الله  المضحي قبل وقتها بإعادتها وقد بيَّنا ما في ذلك والحمد لله ] (6) .

المبحث الخامس
أيهما أفضل الأضحية أم التصدق بثمنها ؟
إن الأضحية شعيرة من شعائر الله ، وسنة مؤكدة من سنن المصطفى  .
والمطلوب من المسلم أن يعظم شعائر الله وأن يقتدي برسول الله  كما قال تعالى:
} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { سورة الحج الآية 32 .
وقال تعالى :} لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا { سورة الأحزاب الآية 21 .
لذا كانت الأضحية أفضل من التصدق بثمنها كما هو مذهب جمهور أهل العلم ، بما فيهم أبو حنيفة ومالك والشافعي و أحمد وربيعة وأبو الزناد وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم (1) .
روى عبد الرزاق بإسناده عن سعيد بن المسيب قال :[ لأن أضحي بشاة أحب إليَّ من أن أتصدق بمئة درهم ] (2) .
قال الحافظ ابن عبد البر : الضحية عندنا أفضل من الصدقة . وذكر أن هذا هو الصحيح من مذهب مالك وأصحابه (3) .
-------------------------------------
(2) صحيح البخاري مع الفتح 12/98 .
(3) سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 5/78-79 .
(1) فتح الباري 12/99 .
(2) الأم 2/221 .
(3) سنن البيهقي 9/262 .
(4) الاستذكار 15/156 .
(5) المصدر السابق 15/163-164 .
(6) فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر على موطأ مالك 7/19 .
(1) انظر الاستذكار 15/157 ، تفسير القرطبي 15/107-108 ، المجموع 8/425 ، المغني 9/436 ، الفروع 3/553 ،
مجموع فتاوى شيخ الإسلام 26/304 ، الموسوعة الفقهية 5/107 .
(2) المصنف 4/388 .
(3) فتح المالك 7/17-18 .
---------------------------------------

وقال ابن قدامة :[ والأضحية أفضل من الصدقة بقيمتها نص عليه أحمد ] (4) .
ونقل عن جماعة من أهل العلم أن التصدق بقيمة الأضحية أفضل ، فروي عن بلال  قال :[ ما أبالي أن لا أضحي إلا بديك ، ولأن أضعها في يتيم قد ترب فوه ، أحبُ إليَّ من أن أضحي ] وبهذا قال الشعبي وأبو ثور (5) .
والقول الأول هو الراجح ، لأن النبي  ضحى والخلفاء من بعده ، ولو علموا أن الصدقة أفضل من الأضحية لعدلوا إليها .
ولأن إيثار الصدقة على الأضحية يفضي إلى ترك سنة سنها رسول الله  (1) .
ولأن فضل الأضحية لا يخفى وما يترتب عليها من منافع شيء عظيم (2) .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ الضحية عندنا أفضل من الصدقة ، لأن الأضحية سنة وكيدة كصلاة العيد ، ومعلوم أن صلاة العيد أفضل من سائر النوافل ، وكذلك صلوات السنن أفضل من التطوع كله ] (3) .
وقال الإمام النووي :[ مذهبنا أن الأضحية أفضل من صدقة التطوع ، للأحاديث الصحيحة المشهورة في فضل الأضحية ، ولأنها مختلف في وجوبها ، بخلاف صدقة التطوع، ولأن الأضحية شعار ظاهر ] (4) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ والأضحية والعقيقة والهدي أفضل من الصدقة بثمن ذلك، فإذا كان معه مال يريد التقرب إلى الله كان له أن يضحي به ، والأكل من الأضحية أفضل من الصدقة ] (5) .
ولا ينبغي لأحد أن يؤثر الصدقة على الأضحية ، لكون الصدقة أخف مئونة ، ولما في الأضحية من المشقة من حيث شراؤها والعناية بها وحفظها إلى أن يذبحها ، ولما في ذبحها وتوزيع بعضها من العناء والتعب ، فالمسلم له الأجر والثواب على كل ذلك ، إن أخلص نيته لله تعالى .
المبحث السادس
هل الأضحية مشروعة في حق المسافر والحاج ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
الأول : ذهب جمهور أهل العلم ، بما فيهم الشافعية والحنابلة والظاهرية ، إلى أن الأضحية مشروعة في حق جميع الناس ، أهل البوادي والحضر، المقيم والمسافر والحاج سواء (1) .
وبه قال الإمام البخاري (2) .
وقال الإمام الشافعي :[ الأضحية سنة على كل من وجد السبيل من المسلمين ، من أهل المدن والقرى وأهل السفر والحضر والحاج بمنى وغيرهم ، من كان معه هدي ومن لم يكن معه هدي ] (3) .
الثاني : قال أبو حنيفة : تجب الأضحية في حق المقيم دون المسافر ، وليس على الحاج أضحية ، وأما المسافر فالأضحية في حقه تطوع عند الحنفية (4) .
الثالث : استثنى الإمام مالك الحاج من المسافرين فقال :[ لا أضحية على الحاج وأما غيره من المسافرين فعليه الأضحية ] (5) . وهو قول ابراهيم النخعي (6) .
أدلة الجمهور :
أما الجمهور فأخذوا بعموم الأدلة الواردة في الأضحية وأنها تشمل جميع الناس بدواً وحضراً ، المقيم والمسافر فيها سواء .
--------------------------------------
(4) المغني 9/436 .
(5) المغني 9/436 ، تفسير القرطبي 15/107 ، مصنف عبد الرزاق 4/385 ، المجموع 8/425 ، فتح المالك 7/18 .
(1) المغني 9/436 .
(2) انظر ما ذكرته في مبحث فضل الأضحية .
(3) فتح المالك 7/18 .
(4) المجموع 8/425 .
(5) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 26/304 .
(1) مغني المحتاج 6/123 ، الفروع 3/554 ، المحلى 6/37 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 12/100 .
(3) المجموع 8/383 .
(4) بدائع الصنائع 4/195 ، إعلاء السنن 17/235 ، الهداية مع تكملة شرح فتح القدير 8/425 ، بذل المجهود 13/47، عمدة القاري 21/146 .
(5) فتح المالك 7/17 ، تفسير القرطبي 12/47 ، بلغة السالك 1/286 .
(6) نيل الأوطار 5/126 .
-------------------------------------

المفصل في أحكام الأضحية، الحكمة من مشروعية الأضحية ، - 3 -

     المفصل في أحكام الأضحية، الحكمة من مشروعية الأضحية ، - 3 -

المبحث الثالث
الحكمة من مشروعية الأضحية
قال أهل العلم إن الأضحية شرعت لحكم كثيرة منها :
أولاً : إحياءً لسنة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، حينما رأى في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل ، ورؤيا الأنبياء حق وصدق ، قال الله تعالى:} وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ(99)رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ(100)فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ(101)فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102)فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ(103)وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ(104)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(105)إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ(106){ سورة الصافات .
قال صاحب الظلال يرحمه الله :[ ثم تجيء الحلقة الثانية من قصة إبراهيم … لقد انتهى أمره مع أبيه وقومه . لقد أرادوا به الهلاك في النار التي أسموها الجحيم ، وأراد الله أن يكونوا هم الأخسرين ؛ ونجاه من كيدهم أجمعين .
عندئذ استدبر إبراهيم مرحلة من حياته ليستقبل مرحلة ؛ وطوى صفحة لينشر صفحة :
} وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ {.
هكذا .. إني ذاهب إلى ربي .. إنها الهجرة . وهي هجرة نفسية قبل أن تكون هجرة مكانية. هجرة يترك وراءه فيها كل شيء من ماضي حياته . يترك أباه وقومه وأهله وبيته ووطنه وكل ما يربطه بهذه الأرض ، وبهؤلاء الناس . ويدع وراءه كذلك كل عائق وكل شاغل. ويهاجر إلى ربه متخففاً من كل شيء ، طارحاً وراءه كل شيء ، مسلماً نفسه لربه لا يستبقي منها شيئاً .
موقنٌ أنَّ ربه سيهديه، وسيرعى خطاه ، وينقلها في الطريق المستقيم .إنها الهجرة الكاملة من حال إلى حال ، ومن وضع إلى وضع ، ومن أواصر شتى إلى آصرة واحدة لا يزحمها في النفس شيء . إنه التعبير عن التجرد والخلوص والاستسلام والطمأنينة واليقين .
وكان إبراهيم حتى هذه اللحظة وحيداً لا عقب له ؛ وهو يترك وراءه أواصر الأهل والقربى ، والصحبة والمعرفة ، وكل مألوف له في ماضي حياته ، وكل ما يشده إلى الأرض التي نشأ فيها ، والتي انحسم ما بينه وبين أهلها الذين ألقوه في الجحيم ! فاتجه إلى ربه الذي أعلن أنه ذاهب إليه . اتجه إليه يسأله الذرية المؤمنة والخلف الصالح :
} رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ {.
واستجاب الله دعاء عبده الصالح المتجرد ، الذي ترك وراؤه كل شيء ، وجاء إليه بقلب
سليم … } فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ {.
وهو إسماعيل - كما يرجح سياق السيرة والسورة – وسنرى آثار حلمه الذي وصفه ربه به وهو غلام . ولنا أن نتصور فرحة إبراهيم الوحيد المفرد المهاجر المقطوع من أهله وقرابته . لنا أن نتصور فرحته بهذا الغلام الذي يصفه ربه بأنه حليم .
والآن آن أن نطلع على الموقف العظيم الكريم الفريد في حياة إبراهيم . بل في حياة البشر أجمعين . وآن أن نقف من سياق القصة في القرآن أمام المثل الموحى الذي يعرضه الله للأمة المسلمة من حياة أبيها إبراهيم …
} فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ { .
يالله ! ويالروعة الإيمان والطاعة والتسليم .
هذا إبراهيم الشيخ . المقطوع من الأهل والقرابة . المهاجر من الأرض والوطن . هاهو ذا يرزق في كبرته وهرمه بغلام . طالما تطلع إليه. فلما جاءه غلاماً ممتازاً يشهد له ربه بأنه حليم . وهاهو ذا ما يكاد يأنس به ،وصباه يتفتح ، ويبلغ معه السعي ،ويرافقه في الحياة … وها هو ما يكاد يأنس ويستروح بهذا الغلام الوحيد ، حتى يرى في منامه أنه يذبحه . ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية . فماذا ؟ إنه لا يتردد ، ولا يخالجه إلا شعور الطاعة، ولا يخطر له إلا خاطر التسليم .. نعم إنها إشارة . مجرد إشارة . وليست وحياً صريحاً ، ولا أمراً مباشراً . ولكنها إشارة من ربه… وهذا يكفي… هذا يكفي ليلبي ويستجيب. ودون أن يعترض . ودون أن يسأل ربه… لماذا يا ربي أذبح ابني الوحيد ؟!
ولكنه لا يلبى في انزعاج ، ولا يستسلم في جزع ، ولا يطيع في اضطراب… كلا إنما هو القبول والرضى والطمأنينة والهدوء . يبدو ذلك في كلماته لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب: } قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ {…
فهي كلمات المالك لأعصابه ، المطمئن للأمر الذي يواجهه ، الواثق بأنه يؤدي واجبه. وهي في الوقت ذاته كلمات المؤمن ، الذي لا يهوله الأمر فيؤديه ، في اندفاع وعجلة ليخلص منه وينتهي ، ويستريح من ثقله على أعصابه !
والأمر شاق – ما في ذلك شك – فهو لا يطلب إليه أن يرسل بابنه الوحيد إلى معركة . ولا يطلب إليه أن يكلفه أمراً تنتهي به حياته… إنما يطلب إليه أن يتولى هو بيده . يتولى ماذا ؟ يتولى ذبحه .. وهو – مع هذا – يتلقى الأمر هذا التلقي ، ويعرض على ابنه هذا العرض ؛ ويطلب إليه أن يتروى في أمره ، وأن يرى فيه رأيه !
إنه لا يأخذ ابنه على حين غرة لينفذ إشارة ربه . وينتهي . إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر . فالأمر في حسه هكذا . ربه يريد . فليكن ما يريد . على العين والرأس . وابنه ينبغي أن يعرف . وأن يأخذ الأمر طاعة وإسلاماً ، لا قهراً واضطراراً . لينال هو الآخر أجر الطاعة ، وليسلم هو الآخر ويتذوق حلاوة التسليم ! إنه يحب لابنه أن يتذوق لذة التطوع التي ذاقها ؛ وأن ينال الخير الذي يراه هو أبقى من الحياة وأقنى …
فماذا يكون من أمر الغلام ، الذي يعرض عليه الذبح ، تصديقاً لرؤيا رآها أبوه ؟
إنه يرتقي إلى الأفق الذي ارتقى إليه من قبل أبوه : } قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ {.. إنه يتلقى الأمر لا في طاعة ولا استسلام فحسب . ولكن في رضى كذلك وفي يقين.. } يَاأَبَتِ {.. في مودة وقربى . فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده . بل لا يفقده أدبه ومودته .
} افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ { فهو يحس ما أحسه من قبل قلب أبيه . يحس أن الرؤيا إشارة . وأن الإشارة أمر . وأنها تكفي لكي يلبى وينفذ بغير لجلجة ولا تمحل ولا ارتياب .
ثم هو الأدب مع الله ، ومعرفة حدود قدرته وطاقته في الاحتمال ؛ والاستعانة بربه على ضعفه ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية ، ومساعدته على الطاعة :
} سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ { ...
ولم يأخذها بطولة . ولم يأخذها شجاعة . ولم يأخذها اندفاعاً إلى الخطر دون مبالاة . ولم يظهر لشخصه ظلاً ولا حجماً ولا وزناً… إنما أرجع الفضل كله لله إن هو أعانه على ما يطلب إليه ، وأصبره على ما يراد به :} سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ { .
ياللأدب مع الله ! ويالروعة الإيمان . ويالنبل الطاعة . ويالعظمة التسليم !
ويخطو المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكلام .. يخطو إلى التنفيذ : } فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ {.. ومرةً أخرى يرتفع نبل الطاعة . وعظمة الإيمان . وطمأنينة الرضى وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان ..
إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً . وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً. وقد وصل الأمر إلى أن يكون عياناً .
لقد أسلما .. فهذا هو الإسلام . هذا هو الإسلام في حقيقته .ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم.. وتنفيذ.. وكلاهما لا يجد في نفسه إلا هذه المشاعر التي لا يصنعها غير الإيمان
العظيم .
إنها ليست الشجاعة والجراءة . وليس الاندفاع والحماسة . لقد يندفع المجاهد في الميدان، يَقْتُلُ ويُقْتَلُ . ولقد يندفع الفدائي وهو يعلم أنه قد لا يعود . ولكن هذا كله شيء والذي يصنع إبراهيم وإسماعيل هنا شيء آخر .. ليس هنا دم فائر، ولا حماسة دافعة ولا اندفاع في عجلة تخفي وراءها الخوف من الضعف والنكوص ! إنما هو الاستسلام الواعي المتعقل القاصد المريد ، العارف بما يفعل ، المطمئن لما يكون . لا بل هنا الرضى الهادئ المستبشر المتذوق للطاعة و طعمها الجميل !
وهنا كان إبراهيم وإسماعيل كانا قد أديا . كانا قد أسلما . كانا قد حققا الأمر
والتكليف. ولم يكن باقياً إلا أن يذبح إسماعيل ، ويسيل دمه ، وتزهق روحه .. وهذا أمر لا يعني شيئاً في ميزان الله ، بعدما وضع إبراهيم وإسماعيل في هذا الميزان من روحهما
و عزمهما و مشاعرهما كل ما أراده ربه منهما .
كان الابتلاء قد تم . والامتحان قد وقع . ونتائجه قد ظهرت . وغاياته قد تحققت . ولم يعد إلا الألم البدني . وإلا الدم المسفوح. والجسد الذبيح . والله لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء . ولا يريد دمائهم وأجسادهم في شيء . ومتى خلصوا له واستعدوا للأداء بكلياتهم ، فقد أدوا وقد حققوا التكليف ، وقد جازوا الامتحان بنجاح .
وعرف الله من إبراهيم و إسماعيل صدقهما ، فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقا :
} وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ(104)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {
قد صدقت الرؤيا وحققتها فعلاً . فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه ، ولو كان هو الابن فلذة الكبد ، ولو كانت هي النفس والحياة . وأنت - يا إبراهيم - قد فعلت . جدت بكل شيء . وبأعز شيء . وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين . فلم يبق إلا اللحم والدم . وهذا ينوب عنه ذبح . أي ذبحٍ من دم ولحم ! و يفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت. يفديها بذبح عظيم . قيل: إنه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربه
وإرادته ليذبحه بدلاً من اسماعيل !
وقيل له : } إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {.. نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء . ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء . ونجزيهم بإقدارهم و إصبارهم على الأداء .
ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء !
ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى ، ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارةً لحقيقة الإيمان . وجمال الطاعة . وعظمة التسليم . والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم ، الذي تتبع ملته ، والذي ترث نسبه وعقيدته . ولتدرك طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها ، ولتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا ؟ ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه . ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئاً ، ولا تختار في ما تقدمه لربها هيئةً ولا طريقةً لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم ! ثم لتعرف أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء
ولا أن يؤذيها بالبلاء ، إنما يريد أن تأتيه طائعةً ملبيةً وافيةً مؤدية . مستسلمةً لا تقدم بين يديه ، ولا تتألى عليه ، فإذا عرف منها الصدق في هذا أعفاها من التضحيات والآلام .
و احتسبها لها وفاء وأداء . وقبل منها وفدّاها ، وأكرمها كما أكرم أباها ] (1) .
وقد نقلت لك أخي القارئ كلام صاحب الظلال رغم طوله لبيان عظمة موقف إبراهيم الخليل وكيف أنه أقدم طائعاً لتنفيذ الرؤيا يذبح ولده الوحيد إسماعيل وموقف ذلك الولد المطيع المستسلم لأمر الله تعالى فإن في عملهما قدوة لنا معشر المسلمين قال تعالى :} قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ { سورة الممتحنة الآية 4.

-------------------------
(1) تفسير ظلال القرآن 7/61-66 .

-------------------------

ثانياً : إن ذبح الأضحية وسيلة للتوسعة على النفس وأهل البيت وإكرام الجيران والأقارب والأصدقاء والتصدق على الفقراء . وقد مضت السنة منذ عهد النبي  في التوسعة على الأهل وإكرام الجيران والتصدق على الفقراء يوم الأضحى ، فقد ثبت في الحديث عن أنس  عن النبي  قال:( من ذبح قبل الصلاة فليعد.فقال رجل : هذا يوم يشتهى فيه اللحم
وذكر هَنَةً من جيرانه فكأن رسول الله  عذره ، وقال عندي جذعة خير من شاتين فرخص له النبي  … ) الحديث رواه البخاري ومسلم (1) .

قال الحافظ ابن حجر :[ قوله وذكر فيه هَنَةً بفتح الهاء والنون الخفيفة بعدها هاء تأنيث ، أي حاجة من جيرانه للَّحم ] (2) .
وجاء في حديث البراء  قال :( خطبنا رسول الله  يوم النحر بعد الصلاة فقال : من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم . فقام أبو بردة بن نيار فقال : يا رسول الله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت فأكلت وأطعمت أهلي وجيراني .
فقال رسول الله  : تلك شاة لحم . فقال : إن عندي عناقاً جذعةً وهي خيرٌ من شاتي لحم فهل تجزئ عني ؟ قال : نعم ، ولن تجزئ عن أحدٍ بعدك ) رواه البخاري ومسلم ، وأبو داود واللفظ له (3) .
فانظر إلى قول أبي بردة :( فأكلتُ وأطعمتُ أهلي وجيراني ) فإنه يشير إلى ما ذكرت .
وجاء في الحديث أن عطاء بن يسار قال :( سألت أبا أيوب الأنصاري كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله  ؟ فقال : كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصارت كما ترى ) رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ، ورواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهم ، وقال الشيخ الألباني : صحيح (4) .
قلت : وهكذا قول أبي أيوب ( فيأكلون ويطعمون ) ، يدل على ما سبق .
ثالثاً : شكراً لله سبحانه وتعالى على نعمه المتعددة :
فالله سبحانه وتعالى قد أنعم على الإنسان بنعمٍ كثيرةٍ لا تُعَدُ ولا تُحصى كنعمة البقاء من عام لعام . ونعمة الإيمان ونعمة السمع والبصر والمال ؛ فهذه النعم وغيرها تستوجب الشكر للمنعم سبحانه وتعالى ، والأضحية صورةٌ من صور الشكر لله سبحانه وتعالى ، فيتقرب العبد إلى ربه بإراقة دم الأضحية امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى (1) ، حيث قال جلَّ جلاله:{ فصلِّ لربك وانحر } سورة الكوثر الآية 2 .

المبحث الرابع
حكم الأضحية
اختلف الفقهاء في حكم الأضحية على قولين :
القول الأول : الأضحيةُ سنةٌ مؤكدةٌ في حق الموسر، وهذا قول أكثر العلماء ، وممن قال به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وسويد بن غفلة وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وسفيان الثوري وابن المبارك
وعطاء وعلقمة والأسود ومالك في القول المشهور عنه والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد والزعفراني من الحنفية وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود وابن حزم الظاهريان وابن المنذر وغيرهم (1) .
القول الثاني : الأضحيةُ واجبةٌ ، وبهذا قال جماعة من أهل العلم على اختلافٍ بينهم في حق من تجب :
فقال ربيعة الرأي والليث بن سعد والأوزاعي ومالك في قولٍ عنه ، الأضحيةُ واجبةٌ على المقيم والمسافر الموسر إلا الحاج بمنى فلا تجب عليه وإنما المشروع في حقه الهدي (2) .
وقال أبو حنيفة الأضحيةُ واجبةٌ في حق المقيم الموسر ، وهو قول زفر والحسن ورواية عن أبي يوسف ومحمد . واختار شيخ الإسلام ابن تيمية القول بوجوب الأضحية (3) .

--------------------------
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/116 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/100-101 .
(2) فتح الباري 12/116 .
(3) صحيح البخاري مع الفتح 12/98 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/99 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/356 .
(4) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/75 ، سنن ابن ماجة 2/1051 ، سنن البيهقي 9/268 ، إرواء الغليل 4/355 .
(1) انظر أحكام الذبائح في الإسلام ص126 ، الفقه الإسلامي وأدلته 3/595 .
(1) انظر المجموع 8/385 ، المغني 9/435 ، الحاوي الكبير 15/71 ، شرح الخرشي 3/33 ، شرح الآبي على صحيح مسلم 5/290 ، تفسير القرطبي 15/108 ، بلغة السالك 1/286 ، بدائع الصنائع 4/192-193 ، الهداية مع تكملة شرح فتح القدير 8/425 ، تبيين الحقائق 6/2 ، مغني المحتاج 6/123 ، سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 5/79 المحلى 6/3 .
(2) المجموع 8/385 ، الحاوي الكبير 15/71 ، المغني 9/435 ، الذخيرة 4/140 ، بداية المجتهد 1/348 .
------------------------------

سبب اختلاف الفقهاء في حكم الأضحية :
ويرجع سبب اختلاف الفقهاء في حكم الأضحية إلى أمرين :
الأول : هل فعل الرسول  محمول على الوجوب أم على الندب ؟
حيث إنه قد ثبت عن الرسول  أنه كان يضحي كل عام كما ذكره ابن عمر رضي الله عنهما :( أن النبي  أقام بالمدينة عشر سنين يضحي ) وسيأتي .
وهذا يعني أن النبي  لم يترك الأضحية قط ، حتى إنه كان يضحي في السفر ، كما ثبت في حديث ثوبان  قال :( ذبحَ رسولُ الله  ضحيته ثم قال : يا ثوبان أصلح لحم هذه . فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة ) رواه مسلم (1) .
الثاني : اختلافهم في مفهوم الأحاديث الواردة في الأضحية ، حيث إنه قد ثبت من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام قال:( إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من ظفره شيئاً ) رواه مسلم .
فقوله ( وأراد أحدكم أن يضحي ) فيه دليل على أن الأضحية متروكة لإرادة المسلم ورغبته ، وما كان كذلك لا يكون واجباً .
ولمَّا أمر الرسول  أبا بردة بن نيار  بإعادة أضحيته إذ ذبح قبل صلاة العيد حيث
قال  :( من كان قد ذبح قبل الصلاة فليعد ) رواه البخاري ومسلم (2) .
فهم جماعة من الفقهاء من أمره  الوجوب (3) .
أدلةُ الجمهور على أنَّ الأضحيةَ سنةٌ مؤكدةٌ ، وليست واجبة :
1. حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت :( قال رسول الله  : إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ) (4) .
قال الإمام الشافعي :[ هذا دليل أن التضحية ليست بواجبة ، لقوله  ( وأراد ) ، فجعله مفوضاً إلى إرادته ولو كان واجباً لقال  ( فلا يمس من شعره وبشره حتى يضحي )(5).
2. ما روي عن ابن عباس أن رسول الله  قال : ( ثلاث هن عليَّ فرائض ولكم تطوع ، النحر والوتر وركعتا الضحى ) رواه أحمد و البيهقي ، وفي رواية أخرى عند البيهقي عن ابن عباس رفعه قال :( كُتِبَ عليَّ النحرُ ولم يكتبْ عليكم ) (6) .
والحديث ضعيف كما قال الإمام النووي (1) .
وقال الحافظ ابن حجر :[ ومداره على أبي جناب الكلبي عن عكرمة ، وأبو جناب ضعيف ومدلس أيضاً ، وقد عنعنه وأطلق الأئمة على هذا الحديث الضعف كأحمد والبيهقي وابن الصلاح وابن الجوزي والنووي وغيرهم … الخ ] (2) .
وقال الحافظ ابن حجر في موضع آخر بعد أن ذكر طرق الحديث :[ فتلخص ضعف الحديث من جميع طرقه ] (3) .
3. عن جابر بن عبد الله :( أن رسول الله  صلى بالناس يوم النحر فلما فرغ من خطبته وصلاته دعا بكبش فذبحه هو بنفسه وقال: باسم الله ، الله أكبر اللهم عني وعمَّن لم يضح من أمتي ) رواه أحمد وأبو داود وسكت عليه والترمذي وابن ماجة والبيهقي واللفظ له والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الشيخ الألباني أيضاً (4) .
والحديث احتج به صاحب المنتقى على عدم الوجوب حيث قال :[ باب ما احتج به في عدم وجوبها بتضحية رسول الله  عن أمته ] (5) ثم ساق حديث جابر السابق وحديث أبي رافع وهو الحديث التالي :

-----------------------
(3) الهداية مع تكملة شرح فتح القدير 8/425 ، تبيين الحقائق 6/2 ، بدائع الصنائع 4/193 ، ملتقى الأبحر 2/222 ، عقود الجواهر المنيفة 2/70 ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 23/162 .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 5/116 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 12/101 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 5/100 .
(3) انظر بداية المجتهد 1/348 .
(4) سبق تخريجه .
(5) مختصر المزني مع الأم 8/283 ، الحاوي 15/67 ، المجموع 8/386 .
(6) الفتح الرباني 22/41 ، سنن البيهقي 9/264 .
(1) المجموع 8/386 .
(2) التلخيص الحبير 2/18 .
(3) التلخيص الحبير 3/118 .
(4) المستدرك 4/255 ، الفتح الرباني 13/63-64 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 8/3 ، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/94 ، سنن ابن ماجة 2/1043 ، سنن البيهقي 9/264 ، إرواء الغليل 4/349-350 .
(5) المنتقى مع شرحه نيل الأوطار 5/125 .
-----------------------------

4. عن أبي رافع :( أن رسول الله  كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فإذا صلى وخطب الناس أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم يقول :
اللهم هذا عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول : هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعاً المساكين ويأكل هو وأهله منهما فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المئونة برسول الله  والعزم ) رواه أحمد (6) .
قال الشوكاني عن الحديث السابق بأن الحافظ سكت عنه في التلخيص (1) والأمر
كذلك (2) .
وقال الهيثمي :[ رواه البزار وأحمد بنحوه ، ورواه الطبراني في الكبير بنحوه … وإسناد أحمد والبزار حسن ] (3) . وصححه الشيخ الألباني (4) .
قال الشوكاني :[ ووجه دلالة الحديثين وما في معناهما على عدم الوجوب ، أن الظاهر تضحيته  عن أمته وعن أهله ، تجزئ كل من لم يضح سواء كان متمكناً من الأضحية أو غير متمكن ] (5) .
5. قال الشافعي :[ وبلغنا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يُرَى أنها واجبة ] (6) .
وقد روى ذلك عنهما أيضاً البيهقي بإسناده عن الشعبي عن أبي سريحة :[ أدركت أبا بكر أو رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان . في بعض حديثهم - كراهية أن يقتدى بهما - أبو سريحة الغفاري هو حذيفة بن أسيد صاحب رسول الله  (7) .
قال الإمام النووي :[ وأما الأثر المذكور – عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما – فقد رواه البيهقي بإسناد حسن ] (8) .
وقال الهيثمي :[ ورواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ] (9) .
وصححه الشيخ الألباني (10) .
6. ذكر الإمام الشافعي أنه قد بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه اشترى بدرهمين لحماً فقال : هذه أضحية ابن عباس (1) .
ورواه البيهقي بإسناده عن عكرمة مولى ابن عباس : كان إذا حضر الأضحى أعطى مولىً له درهمين فقال : اشتر بهما لحماً وأخبر الناس أنه أضحى ابن عباس (2) .
7. وروى البيهقي بإسناده عن أبي مسعود الأنصاري  قال :[ إني لأدعُ الأضحى وإني لموسر مخافةَ أن يرى جيراني أنه حتمٌ عليَّ ] (3) .
ورواه سعيد بن منصور في سننه بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر (4) .
وصحح إسناده الشيخ الألباني (5) .
8. وقالوا : إن التضحية لو كانت واجبة ، لما سقطت بفوات إلى غير بدل ،كالجمعة وسائر الواجبات . ووافقنا الحنفية على أنها إذا فاتت لا يجب قضاؤها (6) .

-----------------------
(6) الفتح الرباني 13/61 .
(1) نيل الأوطار 5/125 .
(2) التلخيص الحبير 4/143 .
(3) مجمع الزوائد 4/22 .
(4) إرواء الغليل 4/352 .
(5) نيل الأوطار 5/126 .
(6) مختصر المزني مع الأم 8/283 .
(7) سنن البيهقي 9/265 .
(8) المجموع 8/383 .
(9) مجمع الزوائد 4/18 .
(10) إرواء الغليل 4/355 .
(1) مختصر المزني مع الأم 8/284 .
(2) سنن البيهقي 9/265 .
(3) المصدر السابق 9/265 .
(4) التلخيص الحبير 4/145 .
(5) إرواء الغليل 4/355 .
---------------------------------

9. واحتجوا من القياس بأنها إراقة دم لا تجب على المسافر، فلا تجب على الحاضر كالعقيقة ولأن من لم تجب عليه العقيقة ، لم تجب عليه الأضحية كالمسافر ، ولأنها أضحية لا تجب على المسافر ، فلم تجب على الحاضر ، كالواجد لأقل النصاب (7) .

أدلة القائلين بوجوب الأضحية :
1. احتجوا بقوله تعالى } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { سورة الكوثر الآية 2 .
قال الكاساني :[ ولنا قوله عز وجل } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { ، قيل في التفسير: صل صلاة العيد وانحر البدن بعدها .
وقيل صل صلاة الصبح بجمعٍ – مزدلفة – وانحر بمنى ومطلق الأمر للوجوب في حق العمل ومتى وجب على النبي  يجب على الأمة لأنه قدوة الأمة ] (1) .
قال التهانوي :[ ومما يدل على وجوبها ما رواه الطبري في تفسيره : حدثنا ابن حيمد … عن أنس بن مالك قال : كان النبي  ينحر قبل أن يصلي فأُمِرَ أن يصلي ثم ينحر - أراد قوله تعالى } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { - وسنده حسن … .… قال ابن جرير حدثنا ابن عبد الأعلى … عن قتادة } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { ، قال : صلاة الأضحى ، والنحر نحر البدن ، وسنده صحيح .
وحدثنا ابن حميد … عن الربيع } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { ، قال : إذا صليت يوم الأضحى فانحر ، وسنده حسن …
ودلالتها على وجوب صلاة العيد ونحر البدن ظاهرة ، ولولا أنه  قال :( من وجد سعة فلم يضح فلا يقربنَّ مصلانا ) وفيه تقييد الوجوب بالسعة لقلنا بوجوبها على كل مسلم بالأمصار مثل الصلاة ] (2) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ وأمَّا الأضحية فالأظهر وجوبها أيضاً ، فإنها من أعظم شعائر الإسلام ،وهي النسك العام في جميع الأمصار ،والنسك مقرون بالصلاة ، في قوله تعالى } إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العلمين { ، وقد قال تعالى } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { فأمر بالنحر كما أمر بالصلاة .
وقد قال تعالى :} وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ { وقال تعالى :} وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ {.
وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع ملته ، وبها يذكر قصة الذبيح ، فكيف يجوز أن المسلمين كلهم يتركون هذا لا يفعله أحد منهم ، وترك المسلمين كلهم هذا أعظم من ترك الحج ، في بعض السنين (1) .
2. واحتجوا بما ورد في الحديث عن البراء  قال :( ذبح أبو بردة قبل الصلاة فقال له النبي  : أبدلها . قال : ليس عندي إلا جذعة – قال شعبة: وأحسبه قال هي خيرٌ من مسنَّة – قال : اجعلها مكانها ولن تجزئ عن أحدٍ بعدك ) رواه البخاري ومسلم(2).
قال التهانوي :[ … بل الظاهر من الأمر بالإبدال دلالته على الوجوب ](3).
3. واحتجوا بحديث جندب بن سفيان البجلي  قال :( شهدتُ مع النبي  يوم النحر، فقال : من ذبح قبل أن يصلي فليعدْ مكانها أخرى ومن لم يذبح فليذبح ) متفق عليه .
قالوا : قوله ( فليعد ) وقوله ( فليذبح ) كلاهما صيغة أمر وظاهر الأمر الوجوب .
4. احتجوا بما روي في الحديث :( ضحوا فإنها سنَّةُ أبيكم إبراهيم عليه الصلاة السلام ) رواه ابن ماجة والبيهقي.
قال الكاساني :[ أمر عليه الصلاة والسلام بالتضحية والأمر المطلق عن القرينة يقتضي الوجوب في حق العمل ] (4) .
5. واحتجوا بما ورد في الحديث عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله  :( من وجد سَعَةً فلم يضح فلا يقربنَّ مصلانا ) رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني والبيهقي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (1) .
قال الكاساني :[ وهذا خرج مخرج الوعيد على ترك الأضحية ، ولا وعيدَ إلا بترك الواجب ] (2) .
------------------------------
(6) المجموع 8/386 .
(7) الحاوي 15/72 .
(1) بدائع الصنائع 4/193 ، وانظر تحفة الفقهاء 3/81 ، الاختيار 5/16-17 ، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 2/641 .
(2) إعلاء السنن 17/241-240 .
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 23/162 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 12/108 ،صحيح مسلم بشرح النووي 5/98 – 99 .
(3) إعلاء السنن 17/246 .
(4) بدائع الصنائع 4/194 .
(1) المستدرك 4/258 ، الفتح الرباني 13/58 ، سنن ابن ماجه 2/1044 ، سنن البيهقي 9/ 260 ، سنن الدار قطني 4/276.
-----------------------------------

6. واحتجوا بحديث عامر أبي رملة عن مخنف بن سليم قال :( ونحن وقوف مع رسول الله  بعرفات قال : يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد (3) .
وقال الترمذي :[ هذا حديث حسن غريب ، لا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه من حديث ابن عون ] (4) .
ووجه الشاهد فيه أن كلمه على للإيجاب كما هو الأصل (5) .
7. واحتجوا بما ورد في الحديث عن علي عن النبي  قال :( أيها الناس ضحوا واحتسبوا بدمائها ، فإن الدم وإن وقع في الأرض فإنه يقع في حرز الله عز وجل ) رواه الطبراني في الأوسط (6) .
وفيه الأمر بالأضحية وأصله للوجوب (7) .
8. واحتجوا بما ورد في الحديث عن معاذ بن جبل  قال :( كان رسول الله  يأمر أن نضحي ويأمر أن نطعم منها الجار والسائل ) والأمر يدل على الوجوب (8) .
9. واحتجوا بما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت :( يا رسول الله : أأستدين وأضحي؟
قال : نعم فإنه دينٌ مقضيٌ ) رواه الدار قطني والبيهقي (1) .
10. واحتجوا بمواظبة النبي  على الأضحية ، والمواظبة على الفعل تدل على الوجوب .
قال التهانوي :[ ومما يدل على الوجوب قول ابن عمر  :( أقام رسول الله  بالمدينة عشر سنين يضحي ) رواه الترمذي وحسنه .
وقوله ( ضحى رسول الله  والمسلمون بعده ) كما تقدم .
والمواظبة على فعل دليل الوجوب لا سيما إذا أقرنت بالوعيد على تركه ، وأيُّ وعيدٍ أشدُ من قوله  :( من وجد سَعَةً فلم يضح فلا يقربنَّ مُصلانا ) ] (2).
11. قالوا إن الأضحية قربة يضاف إليها وقتها ، يقال يوم الأضحى ، وذلك يؤذن بالوجوب ، لأن الإضافة للاختصاص ، ويحصل الاختصاص بالوجود ، والوجوب هو المفضي إلى الوجود ظاهراً بالنظر إلى جنس المكلفين ، لجواز أن يجتمعوا على ترك ما ليس بواجب ، ولا يجتمعوا على ترك الواجب ، ولا تصح الإضافة باعتبار جواز الأداء فيه ، ألا ترى أن الصوم يجوز في سائر الشهور ، والمسمى بشهر الصوم رمضان وحده ، وكذا الجماعة تجوز في كل يوم ، والمسمَّى بيوم الجمعة يوم واحد ، ولأن الإضافة إلى الوقت لا تتحقق إلا إذا كانت موجودة فيه بلا شك ، ولا تكون موجودة فيه بيقين ، إلا إذا كانت واجبة (3) .
مناقشة وترجيح:
بعد إجالة النظر والفكر في أدلة العلماء في هذه المسألة ، يظهر لي رجحان قول جمهور أهل العلم بأن الأضحية سنةٌ مؤكدةٌ ، وليست واجبة .
ويوضح هذا الترجيح الأمور التالية :
1. إن الاستدلال بقوله تعالى:} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { ، على وجوب الأضحية غيرُ مُسلَّم ، لأن الآية محتملة ، وقد اختلف العلماء في تفسيرها فمنهم من قال : أقم الصلاة المفروضة عليه كذا رواه الضحاك عن ابن عباس .
وقال قتادة وعطاء وعكرمة } فَصَلِّ لِرَبِّكَ { ، صلاة العيد يوم النحر } وَانْحَرْ { نسكك
وورد عن علي  أن المعنى : ضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة .

وقيل إن المعنى يرفع يديه في التكبير إلى نحره .
وقيل إن المعنى استقبل القبلة بنحرك .
-------------------------------------
(2) بدائع الصنائع 4/194 .
(3) الفتح الرباني 13/58 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/340 ، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/92 ، سنن النسائي 7/167 ، سنن ابن ماجه 2/1045 .
(4) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/92 .
(5) انظر بدائع الصنائع 4/194 .
(6) مجمع الزوائد 4/17
(7) إعلاء السنن 17/245 .
(8) المصدر السابق 17/239 .
(1) سنن البيهقي 9/262 ، سنن الدار قطني 4/283 ، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 2/642 .
(2) إعلاء السنن 17/244 .
(3) تبيين الحقائق 6/3 ، وانظر الهداية 8/427-430 .
----------------------------------