بحث هذه المدونة الإلكترونية

2014-04-11

المفصل في أحكام الأضحية، الانتفاع بالأضحية، - 9 -

المفصل في أحكام الأضحية، الانتفاع بالأضحية، - 9 -

ثبت أن النبي  كان إذا ذبح قال :( باسم الله والله أكبر ) كما جاء ذلك في رواية لحديث أنس  عند مسلم :( قال: ويقول باسم الله والله أكبر ).
وثبت في رواية أخرى من حديث أنس قال :( ضحى النبي  بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمَّى وكبر … ) الحديث رواه البخاري ومسلم وقد مضى .
عاشراً : الدعاء والصلاة على النبي  بعد التسمية والتكبير (2) :
أما الدعاء كأن يقول : اللهم تقبل مني ، أو يقول اللهم تقبل من فلان ، فهذا مشروع ومستحب ، لما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها : ( أن رسول الله  أمر بكبش يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به فقال لها : يا عائشة هلمي المدية ، ثم قال : اشحذيها بحجر . ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال: باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به ) رواه مسلم وقد مضى .
وعن جابر بن عبد الله  قال :( ذبح النبي  يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوئين فلما وجههما قال : إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفاً وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم منك ولك وعن محمد وأمته باسم الله والله أكبر ثم ذبح ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي ، وأخرجه أبو يعلى بسند حسن وقد مضى .
وأما الصلاة والسلام على رسول الله  فقال الإمام النووي :[ يستحب مع التسمية على الذبيحة أن يصلي على رسول الله  عند الذبح نص عليه الشافعي في الأم ] (3) .
وكلام الإمام الشافعي هو :[ والتسمية على الذبيحة باسم الله فإذا زاد على ذلك شيئاً من ذكر الله عز وجل ، فالزيادة خير ولا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول : صلى الله عليه وسلم ، بل أحبه له ، وأحب له أن يكثر الصلاة عليه فصلى الله عليه في كل الحالات لأن ذكر الله عز وجل والصلاة عليه ، إيمان بالله تعالى ، وعبادة له يؤجر عليها إن شاء الله تعالى … ] (1) .
وقال الشافعي أيضاً :[ ولسنا نعلم مسلماً ولا نخاف عليه أن تكون صلاته عليه  إلا الإيمان بالله ولقد خشيت أن يكون الشيطان أدخل على بعض أهل الجهالة النهي عن ذكر اسم رسول الله  عند الذبيحة ليمنعهم الصلاة عليه في حال لمعنى يعرض في قلوب أهل الغفلة وما يصلي عليه أحد إلا إيماناً بالله عز وجل وإعظاماً له وتقرباً إليه  وقربنا بالصلاة عليه منه زلفى ، والذكر على الذبائح كلها سواء ، وما كان منها نسكاً فهو كذلك ] (2) .
وقد مال إلى قول الشافعي العلامةُ ابن القيم فذكر أن من مواطن الصلاة على النبي  عند الذبيحة ، وذكر كلام الإمام الشافعي المذكور أولاً (3) .
وخالف الجمهورُ الإمامَ الشافعيَّ في هذه المسألة ، فرأوا أن الصلاة على النبي  غير مشروعة في هذا الموطن ، وعلَّل بعضهم ذلك بأن قال : لأن فيه إيهام الإهلال لغير الله .
وقال آخرون إنها ليست مشروعة لعدم ورود النصوص في ذلك (4) .
وجاء في الأثر عن إبراهيم النخعي قال :[ إذا جزرت فلا تذكر مع اسم الله سواه ] (5)
وهذا أرجح القولين في المسألة عندي .

الحادي عشر : الاستعانة في ذبح الأضحية والإنابة في ذبحها :
يجوز لمن أراد أن يذبح أضحيته أن يستعين بغيره ، ويدل على ذلك ما جاء في الحديث عن أبي الخير :( أن رجلاً من الأنصار حدثه أن رسول الله  أضجع أضحيته ليذبحها ، فقال رسول الله  : للرجل أعنِّي على أضحيتي فأعانه ) رواه أحمد ، وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح . وقال الحافظ ابن حجر : ورجاله ثقات (6) .
وذكر الإمام البخاري تعليقاً :[ وأعان رجل ابن عمر في بدنته ] .
وقال الحافظ ابن حجر :[ أي عند ذبحها ، وهذا وصله عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال : رأيت ابن عمر ينحر بدنة بمنى وهي باركة معقولة ورجل يمسك بحبل في رأسها وابن عمر يطعن ] (1) .
-------------------------------
(1) بدائع الصنائع 4/221 ، المغني 9/456 ، المجموع 8/408 .
(2) المغني 9/456 ، بدائع الصنائع 4/221 ، كشاف القناع 3/7 ، شرح الآبي على صحيح مسلم 5/297 .
(3) المجموع 8/410 .
(1) الأم 2/239 .
(2) الأم 2/240 .
(3) جلاء الأفهام ص242 .
(4) شرح الآبي على صحيح مسلم 5/296 ، الفتح الرباني 13/68 ، جلاء الأفهام ص242 ، الأم 2/240 .
(5) الآثار ص62 .
(6) الفتح الرباني 13/65 ، مجمع الزوائد 4/25 ، فتح الباري 12/115 .
---------------------------------

وأما الإنابة في ذبح الأضحية فجائزة ، وينبغي أن يوكل في ذبحها صاحب دين له معرفة بالذبح وأحكامه .
قال القرافي :[ كان الناس يتخيرون لضحاياهم أهل الدين ؛ لأنهم أولى بالتقرب ، فإن وكَّل تارك صلاة استحب له الإعادة للخلاف في حل ذكاته ] (2) .
ولا ينبغي أن يوكل فاسقاً في ذبحها ، ولا ذمياً ، فإن فعل جاز مع الكراهة على قول جمهور أهل العلم (3) .
قال الخرقي :[ ولا يستحب أن يذبح الأضحية إلا مسلم ] .
وقال الشيخ ابن قدامة شارحاً لذلك :[ وجملته أنه يستحب أن لا يذبح الأضحية إلا مسلم ، لأنها قربة فلا يليها غير أهل القربة ، وإن استناب ذمياً في ذبحها جاز مع الكراهة ، وهذا قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر .
وحكي عن أحمد : لا يجوز أن يذبحها إلا مسلم ، وهذا قول مالك ، وممن كره ذلك علي وابن عباس وجابر رضي الله عنهم وبه قال الحسن وابن سيرين .
وقال جابر : لا يذبح النسك إلا مسلم .
… ولنا أن من جاز له ذبح غير الأضحية جاز له ذبح الأضحية كالمسلم .
ويجوز أن يتولى الكافر ما كان قربة للمسلم ، كبناء المساجد والقناطر … والمستحب أن يذبحها المسلم ليخرج من الخلاف ] (4) .
قلت وهذا هو الصواب فلا ينبغي أن يذبح النسك إلا مسلم من أهل الدين .
وقد ورد عن علي  أنه قال :[ لا يذبح نسيكة المسلم اليهودي والنصراني ] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كره أن يذبح نسيكة المسلم اليهوديُ والنصرانيُ .
وعن ابن عباس أيضاً رضي الله عنهما أنه قال :[ لا يذبح أضحيتك إلا مسلم ، وإذا ذبحت فقل باسم الله اللهم منك ولك ، اللهم تقبل من فلان ] (1) .
تنبيه هام :
ينبغي أن يعلم أن بعض المسلمين من الموسرين من دول الخليج العربي وأوروبا وأمريكا ، يوكلون لجان الزكاة في بلادنا في التضحية عنهم ، ويدفعون أثمان الأضاحي لدى بعض الجمعيات الخيرية في بلادهم ، ثم تنقل هذه المبالغ إلى لجان الزكاة في فلسطين ، والتي تتولى شرائها ، ومن ثم ذبحها وتوزيعها على الناس ، ولا بد هنا من بيان بعض الأمور التي يجب أن تتنبه لها لجان الزكاة :
أولاً : يجب أن تكون الأضحية مستكملة للشروط الشرعية، ولذا يجب إعلام أمثال هؤلاء الناس قبل وقت الأضحية بثمن الضحايا في بلادنا ، لأن أسعارها تختلف من بلد إلى آخر ، فيمكن أن نشتري أضحية مجزئة بثمانين ديناراً في عمان ، ونحتاج إلى ضعف هذا المبلغ في فلسطين لشراء أضحية مجزئة . ولا يصح أن نشتري أضاحي غير مستكملة للشروط الشرعية ، بحجة أن المبلغ الذي دفع لا يشترى به أضحية مستكملة للشروط . ولا يجوز جمع المبالغ القليلة لشراء شاة واحدة ، لأن الاشتراك في الشاة لا يصح .
ثانياً : لا بد من الالتزام بذبح هذه الأضاحي في الوقت المقرر شرعاً ، وإن تأخر وصول أثمان الأضاحي من الخارج ، لا يعتبر عذراً في ذبح الأضاحي بعد مضي وقتها المقرر شرعاً فإن حصل ذلك فلا تعد أضحية .
وإن لم يتم ذبحها في الوقت المقرر شرعاً فيجب إعلام الذين دفعوا ثمنها أنه لم يتم التضحية عنهم .
ثالثاً : يجب الالتزام بتوزيع تلك الأضاحي على الفقراء والمحتاجين أولاً لأن الغالب في الناس الذين يبعثون بأثمان الأضاحي أنهم يقصدون التصدق بها على الفقراء والمحتاجين فلذلك فإني أكره أن يُعطى الأغنياء منها .

المطلب الثاني : ما يكره أن يفعله المضحي بالأضحية قبل ذبحها :

أولاً : حلب الأضحية :

اختلف الفقهاء في حكم حلب الأضحية وشرب لبنها كما يلي :
1. قال الحنفية يكره تحريماً ، حلب الشاة أو البدنة أو البقرة التي اشتريت للأضحية ، لأنه عيَّنَها للقربة ؛ فلا يحلُ له الانتفاع بجزء من أجزائها ، قبل إقامة القربة فيها ، ولأن الحلب يوجب نقصاً فيها ، وهو ممنوعٌ من إدخال النقص في الأضحية .
فإن حلبها تصدق باللبن ؛ لأنه جزء من شاة متعينة للقربة ، وهذا قول ابن القاسم من
المالكية (1) .
2. وقال المالكية يكره تنزيهاً أن يحلبها وأن يشرب لبنها (2) .
----------------------------------
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/115 ، وانظر عمدة القاري 21/155 .
(2) الذخيرة 4/155 .
(3) المجموع 8/407 ، المغني 9/455 ، تبيين الحقائق 6/9 ، المحلى 6/44 ، الذخيرة 4/155 ، الحاوي 15/91-92 ، الاختيار 5/20 ، بدائع الصنائع 4/200 ، فتح باب العناية 3/79 .
(4) المغني 9/455 .
(1) روى هذه الآثار البيهقي في سننه 9/284 .
(1) بدائع الصنائع 4/219-220 ، القوانين الفقهية ص127 .
(2) الشرح الكبير 2/122 ، الذخيرة 4/154 .
---------------------------------------

3. وقال الشافعية والحنابلة : يجوز أن يشرب من لبنها ما فضل عن ولدها ، وبه قال أشهب من المالكية (3) .
قال ابن قدامة :[ ولا يشرب من لبنها إلا الفاضل عن ولدها ، فإن لم يفضل شيء ، أو كان الحليب يضر بها أو ينقص لحمها ،لم يكن – له - أخذه وإن لم يكن كذلك فله أخذه والانتفاع به ] (4) .
ويدل لقول الشافعية والحنابلة ، ما رواه البيهقي عن مغيرة بن حذف العبسي قال :[ كنا مع علي  بالرحبة ، فجاء رجل من همدان يسوق بقرة معها ولدها فقال : إني اشتريتها لأضحي بها وإنها ولدت . قال : فلا تشرب من لبنها إلا فضلاً عن ولدها ، فإذا كان يوم النحر فانحرها هي وولدها عن سبعة ] (5) .
وقالوا : إنه انتفاع لا يضرها ، وإن ترك اللبن بعد حلبه يؤدي إلى فساده ، وإن لم يحلبها فقد يضر بها ، فيجوز له الحلب والشرب وإن تصدق به فهو حسن (6) .
ويرى ابن حزم الظاهري أنه يجوز شرب لبنها وبيعه ولا حرمة في ذلك (1) .
ثانياً : جز صوفها :
قال ابن قدامة :[ وأما صوفها فإن كان جزه أنفع لها ، مثل أن يكون في زمن الربيع تخف بجزه وتسمن ، جاز جزه ويتصدق به .
وإن كان لا يضر بها ، لقرب مدة الذبح ، أو كان بقاؤه أنفع لها ، لكونه يقيها الحر والبرد لم يجز له أخذه ] (2) .
وقول الشافعية قريب من قول الحنابلة .
وأما الحنفية والمالكية فقولهم في جز الصوف كقولهم في اللبن كما سبق (3) .
ويرى ابن حزم أنه يجوز جز صوفها ولا حرج في ذلك (4) .
ثالثاً : حكم ولدها :
إذا اشترى شاة أو ناقة أو بقرة عشراء للأضحية ، فولدت قبل وقت الذبح ، فماذا يصنع بولدها ؟
قال الحنفية : إن ولدت الأضحية ولداً يذبح ولدها مع الأم ، وإن باعه يتصدق بثمنه ؛ لأن الولد يتبع أمه في الصفات الشرعية .
وقال القدوري من الحنفية :[ يجب ذبح الولد ، ولو تصدق به جاز ، لأن الحق لم يَسْرِ إليه ولكنه متعلق به كجلالها وخطامها ، فإن ذبحه تصدق بقيمته ، وإن باعه تصدق بثمنه ] .
وقال بعض الحنفية : إن صاحبه بالخيار إن شاء ذبحه أيام النحر وأكل منه كالأم ، وإن شاء تصدق به ، فإن أمسك الولد حتى مضت أيام النحر تصدق به ، لأنه فات ذبحه (5).
وقال المالكية : إذا ولدت الأضحية فحسن ذبح ولدها معها من غير وجوب (6) ،
سواء كانت الأضحية منذورة أو غير منذورة ، على الصحيح عند المالكية (7) .
وأما الشافعية ، فقد قال الإمام الشافعي : فإن ولدت الأضحية ذبح معها ولدها .
قال الماوردي : وهذا صحيح إذا أوجب أضحية حاملاً فولدت ، أو كانت حائلاً فحبلت ثم ولدت كان ولدها تبعاً لها في الأضحية وعليه أن يذبحهما معاً ] (1) .
وقال الحنابلة : وإن ولدت ذبح ولدها هكذا قال الخرقي .
وقال ابن قدامة :[وجملته أنه إذا عين أضحية فولدت ، فولدها تابع لها ، حكمه حكمها ، سواء كان حملاً حين التعيين أو حدث بعده … يذبحه كما يذبحها ، لأنه صار أضحية على وجه التبع لأمه ، ولا يجوز ذبحه قبل يوم النحر ولا تأخيره عن أيامه كأمه ] (2).
ويرى ابن حزم الظاهري أن الأضحية إذا ولدت ، فصاحبها بالخيار إن شاء أمسك ولدها وإن شاء باعه وإن شاء ذبحه (3) .
---------------------------------
(3) روضة الطالبين 2/494 ، الحاوي 15/108 ، المغني 9/445 ، كشاف القناع 3/12 ، القوانين الفقهية ص128 .
(4) المغني 9/445 .
(5) سنن البيهقي 9/288 .
(6) انظر المغني 9/446 ، وانظر كشاف القناع 3/12 .
(1) المحلى 6/38 .
(2) المغني 9/446 .
(3) الحاوي 15/109 ، بدائع الصنائع 4/221 ، الشرح الكبير 2/122 ، الذخيرة 4/154 .
(4) المحلى 6/38 .
(5) بدائع الصنائع 4/220 .
(6) الذخيرة 4/154 .
(7) شرح الخرشي 3/40 ، القوانين الفقهية ص127 .
(1) الأم 2/224 ، الحاوي 15/107-108 ، وانظر روضة الطالبين 2/493 .
(2) المغني 9/445 .
-----------------------------------

والذي أميل إليه في هذه المسائل الثلاث – لبن الأضحية وجز صوفها وولدها – أنه يحسن التصدق بكل ذلك ، فإذا حلبها تصدق بلبنها ، وإذا جز صوفها تصدق به ، وإذا ولدت تصدق بولدها ، إن شاء حياً ، وإن شاء ذبحه وتصدق به .
فالأضحية قربة لله عز وجل ، فما نتج عنها وما انفصل عنها فهو كذلك .
ويدل على ذلك الأثر السابق عن علي  فقد احتج به أرباب المذاهب وهو ما رواه البيهقي وسعيد بن منصور أن علياً  قال للرجل الذي كان يسوق بقرة ومعها ولدها فقال :[ إني أشتريها لأضحي بها وإنها ولدت . قال : فلا تشرب من لبنها إلا فضلاً عن ولدها ، فإذا كان يوم النحر ، فانحرها هي وولدها عن سبعة ] وإسناده حسن (4) .
وروى ابن حزم عن عطاء فيمن اشترى أضحية أن له أن يجز صوفها .
وأمره الحسن البصري إن فعل أن يتصدق به (5) .

المبحث الرابع
الانتفاع بالأضحية

المطلب الأول : الانتفاع بالأضحية المسنونة :

أولاً : الأكل منها :
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأكل من الأضحية مندوب .
وقال أهل الظاهر إن الأكل من الأضحية فرض وهو قول أبي الطيب بن سلمة من الشافعية (1) .
قال ابن حزم :[ وفرض على كل مضح ٍ أن يأكل من أضحيته ولا بد ، ولو لقمة فصاعداً ] (2) .
واستدل ابن حزم بقوله تعالى :} فَكُلُوا منْهَا { سورة الحج الآية 28 .
وروى ابن حزم بإسناده عن إبراهيم النخعي قال :[ سافر معي تميم بن سلمة فلما ذبحنا أضحيته فأخذ منها بضعة فقال : آكلها ؟ فقلت له : وما عليك أن لا تأكل منها ؟ فقال تميم : يقول الله تعالى :} فَكُلُوا منْهَا { فتقول أنت : وما عليك أن لا تأكل ] .
قال أبو محمد – ابن حزم - :[ حمل هذا الأمر تميمٌ على الوجوب . وهذا الحق الذي لا يسع أحداً سواه . وتميم من أكابر أصحاب ابن مسعود ] (3) .
وأما جمهور أهل العلم فقد استدلوا بما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي  قال :( … فكلوا وادخروا وتصدقوا ) متفق عليه .
وما ورد في حديث جابر  أنه عليه الصلاة والسلام قال :( … كلوا وتزودوا ) رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية أخرى عند مسلم :( … كلوا وتزودوا وادخروا ) (4) .
وقد حمل الجمهور الأوامر في هذه الأحاديث على الندب ؛ لأن الأمر فيها جاء بعد الحظر فيحمل على الندب أو الإباحة .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ وأما قوله :( فكلوا وتصدقوا وادخروا ) فكلام خرج بلفظ الأمر ، ومعناه الإباحة لأنه أمر ورد بعد نهي ، وهكذا شأن كل أمر يرد بعد حظر أنه إباحة لا إيجاب ] (1) .
وأما مقدار الأكل فقال الحنفية والحنابلة : يأكل ثلثها ويهدي ثلثها ويتصدق بثلثها .
ولو أكل أكثر من الثلث جاز (2) .
وجاء عن الشافعي أنه يستحب قسمتها أثلاثاً لقوله :( كلوا وتصدقوا وأطعموا ) (3) .
واحتج ابن قدامة بما ورد عن ابن عباس في صفة أضحية النبي  قال :[ ويطعم أهل بيته الثلث ، ويطعم فقراء جيرانه الثلث ، ويتصدق على السؤَّال بالثلث ] رواه الحافظ
-------------------------------------
(3) المحلى 6/38 .
(4) تقرير القواعد وتحرير الفوائد 2/183 .
(5) المحلى 6/39 .
(1) المغني 9/448 ، المجموع 8/414 ، تبيين الحقائق 6/8 ، الشرح الكبير 2/122 ، الذخيرة 4/158 ، بدائع الصنائع 4/223 ، فتح الباري 12/123 ، المحلى 6/48 ، الحاوي 15/117 .
(2) المحلى 6/48 .
(3) المحلى 6/50 .
(4) سيأتي تخريج هذه الأحاديث في مبحث ادخار لحوم الأضاحي .
(1) الاستذكار 15/173 .
(2) المجموع 8/415 ، المغني 9/448 ، بدائع الصنائع 4/223 ، الحاوي 15/117 ، فتح الباري 12/123 .
(3) فتح الباري 12/123 .
----------------------------------

أبو موسى الأصفهاني في الوظائف ، وقال : حديث حسن (4) .
وقالوا لأنه قول ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما ، ولم نعرف لهما مخالفاً من الصحابة ، فكان إجماعاً كما قال ابن قدامة (5) .
ومن أهل العلم من استحب أن يأكل نصفاً ويطعم نصفاً (6) ، لقول الله تعالى في الهدايا
:} فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ { سورة الحج الآية 36 .
وأما الإمام مالك فلم يحد في ذلك شيئاً ويقول : يأكل ويتصدق .
والدليل على أنه لا تحديد في المسألة ، بل الأمر على الاستحباب ، حديث ثوبان  قال :
( ذبح رسول الله  ضحيته ثم قال : يا ثوبان أصلح لحم هذه الأضحية . قال : فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة ) وقد سبق (7) .
ويستحب لمن أراد أن يضحي في يوم الأضحى أن يخرج إلى صلاة العيد ولا يأكل شيئاً حتى يصلي ثم يذبح أضحيته فيأكل منها ، وهذا قول أكثر العلماء (1) .
قال الشيخ ابن قدامة :[ … ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي ، وهذا قول أكثر أهل العلم ، منهم علي وابن عباس ومالك والشافعي وغيرهم لا نعلم فيه خلافاً ] (2) .
ومما يدل على ذلك ما جاء في الحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه  قال :( كان النبي  لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي ) رواه الترمذي ثم قال :[ وقد استحب قوم من أهل العم أن لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم شيئاً ، ويستحب له أن يفطر على تمر ، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع ] (3) .
والحديث رواه أيضاً ابن ماجة وابن حبان ، وقال الشيخ الألباني : صحيح (4) .
والحكمة في امتناع النبي  عن الأكل قبل الصلاة يوم الأضحى هي :[ ليكون أول ما يطعم من لحم أضحيته ، فيكون مبنياً على امتثال الأمر ] (5) .
وقال الإمام أحمد : والأضحى لا يأكل فيها حتى يرجع إذا كان له ذبح ، لأن النبي  أكل من ذبيحته ، وإذا لم يكن له ذبح لم يبالِ أن يأكل (6) .
وقال الشعبي : إن من السنة أن تطعم يوم الفطر قبل أن تغدو ، وأن تؤخر الطعام يوم النحر حتى ترجع (7) .
وقال سعيد بن المسيب : كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل المصلى ، ولا يفعلون ذلك يوم النحر (8) .

ثانياً : التصدق منها :
قال الشافعية والحنابلة والظاهرية يجب التصدق بشيء قلَّ أو كثر من الأضحية المسنونة (1)
قال الحافظ ابن حجر :[ وأما الصدقة منها فالصحيح أنه يجب التصدق من الأضحية بما يقع عليه الاسم ، والأكمل أن يتصدق بمعظمها ] (2) .
والدليل على الوجوب قوله تعالى :} فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ { سورة الحج
الآية 28 .
قال الماوردي مستدلاً للشافعية :[ إن قوله تعالى في الضحايا :} فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا { جارٍ مجرى قوله في الزكاة :} كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ { فلما كان أكله مباحاً والإيتاء واجباً ، كذلك الأكل من الأضحية مباح والإطعام واجب ] (3) .
-------------------------------
(4) المغني 9/448-449 .
(5) المصدر السابق 9/449 .
(6) فتح الباري 12/123 .
(7) الاستذكار 15/174 ، الشرح الكبير 2/122 .
(1) الاستذكار 7/37 ، المغني 2/275 ، فتح الباري 3/100-101 .
(2) المغني 2/275 .
(3) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 3/80 .
(4) سنن ابن ماجة 1/558 ، الإحسان 7/52 ، صحيح سنن الترمذي 1/168 .
(5) مرقاة المفاتيح 3/544-545 .
(6) المغني 2/275 .
(7) الاستذكار 7/39 .
(8) المصدر السابق 7/40 .
(1) الحاوي 15/117 ، المجموع 8/416 ، المحلى 6/48 ، مغني المحتاج 6/135 ، كشاف القناع 3/19 ، المغني 9/449 .
(2) فتح الباري 12/123 .
---------------------------------

واحتج الحنابلة بالآيتين } فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ {و} وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ { .
وأما الظاهرية فدليلهم حمل الآية على الوجوب ، لأن الأصل في الأمر أنه للوجوب (4) . وعندهم الأكل واجب ، والتصدق واجب ، كما سبق في المطلب الأول من هذه المسألة .
وذهب الحنفية والمالكية إلى أن التصدق من الأضحية مندوب وليس بواجب (5) .
وحجتهم ما سبق في مسألة الأكل من الأضحية ، وهو أرجح الأقوال في المسألة .
ويتصدق منها على المسلمين من الفقراء والمحتاجين ، ويهدي إلى الأقارب والأصدقاء والجيران وإن كانوا أغنياء .
نقل النووي عن ابن المنذر قوله :[ أجمعت الأمة على جواز إطعام فقراء المسلمين من الأضحية . واختلفوا في إطعام فقراء أهل الذمة فرخص فيه الحسن البصري وأبو حنيفة وأبو ثور . وقال مالك : غيرهم أحب إلينا .
وكره مالك أيضاً إعطاء النصراني جلد الأضحية أو شيئاً من لحمها .
وكرهه الليث قال :[ فإن طبخ لحماً فلا بأس بأكل الذمي مع المسلمين منه ] .
ثم قال النووي :ومقتضى المذهب أنه يجوز إطعامهم من ضحية التطوع دون الواجبة (1).
وقال تاج الدين السبكي بعد أن نقل كلام النووي السابق :[ قلت : نقل ابن الرفعة في الكفاية أن الشافعي قال : لا يطعم منها – يعني الأضحية – أحداً على غير دين الإسلام وأنه ذكره في البويطي ] (2) .
وقال الشيخ ابن قدامة :[ ويجوز أن يطعم منها كافراً ، وبهذا قال الحسن وأبو ثور وأصحاب الرأي … لأنه طعام له أكله ، فجاز إطعامه للذمي كسائر الأطعمة ، ولأنه صدقة تطوع ، فجاز إطعامها للذمي والأسير كسائر صدقة التطوع ] (3) .
والراجح أنه يجوز إطعام أهل الذمة منها ، وخاصةً إن كانوا فقراء أو جيراناً للمضحي أو قرابته أو تأليفاً لقلوبهم .
ثالثاً : الهدية من الأضحية :
اتفق أهل العلم على أن الهدية من الأضحية مندوبة وليست واجبة (4) .
وكثير من العلماء يرون أن يهدي ثلثاً منها ، كما مرَّ في حديث ابن عباس ، فإنه يجعل الأضحية أثلاثاً ، ثلث لأهل البيت ، وثلث صدقة ، وثلث هدية .
ونقل هذا عن ابن مسعود وابن عمر وعطاء وإسحاق وأحمد ، وهو أحد قولي الشافعي .
وقال الشيخ الخطيب الشربيني :[ الأفضل التصدق بكلها لأنه أقرب للتقوى ، وأبعد من حظ النفس ، إلا لقمةً أو لقمتين أو لقماً يتبرك بأكلها ، عملاً بظاهر القرآن والاتباع وللخروج من خلاف من أوجب الأكل .
ويسن أن يجمع بين الأكل والتصدق والإهداء وأن يجعل ذلك أثلاثاً ، وإذا أكل البعض وتصدق بالبعض فله ثواب الأضحية بالكل والتصدق بالبعض ] (5).

المطلب الثاني : الانتفاع بالأضحية المنذورة :
سبق وذكرت أن الأضحية سنة مؤكدة ، ولكنها تصير واجبة بالنذر ، كأن يقول شخص
:[ لله عليه أن يضحي بشاة ] ، فهذه الأضحية صارت واجبة فما حكم الانتفاع بالأضحية المنذورة ( الواجبة ) ؟
اختلف الفقهاء في المسألة على قولين :
القول الأول : قال الحنفية والشافعية وهو قول في مذهب الحنابلة ، إنه لا يجوز الأكل من الأضحية المنذورة ، ويجب التصدق بجميعها على الفقراء ، فإن أكل شيئاً منها غرم بدله (1)
قال الزيلعي الفقيه :[ وإن وجبت بالنذر ، فليس لصاحبها أن يأكل منها شيئاً ، ولا أن يطعم غيره من الأغنياء ، سواء كان الناذر غنياً أو فقيراً ، لأن سبيلها التصدق وليس للمتصدق أن يأكل من صدقته ولا أن يطعم الأغنياء ] (2) .
القول الثاني : قال المالكية والحنابلة في القول المعتمد عندهم ، يجوز الأكل من الأضحية المنذورة وهو قول في مذهب الشافعية (3) .
-------------------------------------
(3) الحاوي 15/117 .
(4) المحلى 6/48 .
(5) تبيين الحقائق 6/8 ، بدائع الصنائع 4/223 ، الشرح الكبير 2/122 ، الذخيرة 4/158 .
(1) المجموع 8/425 .
(2) طبقات الشافعية الكبرى 3/105 .
(3) المغني 9/450 .
(4) المغني 9/448 ، المحلى 6/48 ، البدائع 4/224 ، روضة الطالبين 2/492 ، الشرح الكبير 2/122 .
(5) الإقناع 2/282 .
(1) تبيين الحقائق 6/8 ، الإنصاف 4/104 ، المغني 9/475 ، الحاوي 15/119 ، مغني المحتاج 6/134 ، المجموع 8/417.
(2) تبيين الحقائق 6/8 .
--------------------------------

واستدل ابن قدامة لجواز الأكل من الأضحية المنذورة :[ بأن النذر محمول على المعهود ، والمعهود من الأضحية الشرعية ، ذبحها والأكل منها ، والنذر لا يغير من صفة المنذور إلا الإيجاب ، وفارق الهدي الواجب بأصل الشرع ، لا يجوز الأكل منه فالمنذور محمول عليه بخلاف الأضحية ] (4) .
والذي أميل إليه أن الأضحية المنذورة يتصدق بها كلها ، ولا يأكل منها شيئاً خروجاً من الخلاف ، والله أعلم .

المطلب الثالث : الادخار من لحم الأضحية :
ثبت في الأحاديث الصحيحة ، أن النبي  نهى عن ادخار لحوم الأضاحي ، في إحدى السنوات ، ثم أذن في الادخار بعد ذلك ، أي أن النهي عن الادخار منسوخ ، وبهذا قال جماهير أهل العلم (1) ، ومن هذه الأحاديث :
1. عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن واقد قال :( نهى رسول الله  عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث . قال عبد الله بن أبي بكر : فذكرت ذلك لعمرة – بنت عبد الرحمن الأنصارية - فقالت : صدق سمعت عائشة تقول : دفَّ أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله  ، فقال رسول الله : ادخروا ثلاثاً ثم تصدقوا بما بقي . فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله ، إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ، ويجملون منها الودك . فقال رسول الله  : وما ذاك ؟ قالوا : نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث . فقال : إنما نهيتكم من أجل الدافة ، فكلوا وادخروا وتصدقوا ) رواه مسلم (2) .
2. وعن سلمة بن الأكوع  أن رسول  قال :( من ضحى منكم فلا يصبحن في بيته بعد ثالثة شيئاً ، فلما كان العام المقبل قالوا : يا رسول الله نفعل كما فعلنا عام أول ؟
فقال : لا ؛ إن ذاك عام كان الناس فيه بجهد فأردت أن يفشوا فيهم ) رواه البخاري (3) .
3. وعن أبي سعيد الخدري  أن رسول الله  قال :( يا أهل المدينة لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام ، فشكوا إلى رسول الله  أن لهم عيالاً وحشماً وخدماً .
فقال : كلوا وأطعموا واحبسوا أو ادخروا ) رواه مسلم (4) . وغير ذلك من الأحاديث.
قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ، يجوز ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث وإن النهي منسوخ .

وقال ابن حزم الظاهري :[ إن النهي عن الادخار ليس منسوخاً ، بل كان لعلة ، فلما زالت زال ، وإذا رجعت رجع النهي ] (1) .
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (2) .
قلت والراجح ما ذهب إليه جماهير علماء المسلمين من أن النهي عن الادخار منسوخ .
قال الإمام النووي :[ … والصحيح نسخ النهي مطلقاً ، وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة ، فيباح اليوم الادخار فوق ثلاث ليال ، والأكل إلى متى شاء ] (3) .
واستدل الإمام النووي على ذلك بما ورد في حديث بريدة  قال : قال رسول الله  :
( نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، فأمسكوا
ما بدا لكم … ) رواه مسلم .
ويدل على نسخ النهي عن الادخار ، ما جاء عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه قال :
( قلت لعائشة : أنهى رسول الله  أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث ؟ قالت : ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغنيُ الفقيَر ، وإنْ كنَّا لنرفع الكُراع فنأكله بعد خمسة عشرة ، قيل ما اضطركم إليه ؟ فضحكت ، قالت : ما شبع آلُ محمد  من خبز بُرٍ مأدومٍ ثلاثة أيام حتى لحق بالله ) رواه البخاري (4) .
----------------------------------
(3) حاشية الدسوقي 2/122 ، المغني 9/457 ، الفروع 3/555-556 ، تقرير القواعد وتحرير الفوائد 2/394 ، الإنصاف 4/104 .
(4) المغني 9/457 .
(1) المجموع 8/418 ، الحاوي 15/116 ، الفتح الرباني 13/108 ، نيل الأوطار 5/147 ، فتح الباري 12/125 ، المغني 9/449 ، بذل المجهود 13/41 ، طرح التثريب 5/194 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 5/112-113 .
(3) صحيح البخاري مع الفتح 12/121-122 .
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 5/115 .
(1) المحلى 6/48 ، وانظر طرح التثريب 5/197 .
(2) الاختيارات العلمية ص71 .
(3) شرح النووي على صحيح مسلم 5/113 .
(4) صحيح البخاري مع الفتح 11/484 .
-------------------------------------

المطلب الرابع : أجرة الجزَّار :
قال جمهور أهل العلم لا يجوز أن يُعطى الجزَّار شيئاً من الأضحية مقابل ذبحها وسلخها (1)
واحتجوا على ذلك بما جاء في الحديث عن علي  قال :( أمرني رسول الله  أن أقوم على بدنه ، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها ، وأن لا أعطي الجزَّار منها . وقال : نحن نعطيه من عندنا ) رواه البخاري ومسلم (2) .
وفي رواية أخرى عند مسلم :( ولا يعطي في جزارتها منها شيئاً ) (3) .
فهذا الحديث يدل على عدم جواز إعطاء الجزَّار منها ، لأن عطيته عوض عن عمله ، فيكون في معنى بيع جزء منها ، وذلك لا يجوز .
وأما إن كان الجزَّار فقيراً أو صديقاً ، فأعطاه منها لفقره ، أو على سبيل الهدية فلا بأس ، لأنه مستحق للأخذ فهو كغيره بل هو أولى ؛ لأنه باشرها وتاقت نفسه إليها (4) .
وقال الحافظ ابن حجر :[ ولكنَّ إطلاق الشارع ذلك قد يفهم منه منع الصدفة لئلا تقع مسامحة في الأجرة لأجل ما يأخذه فيرجع إلى المعاوضة ] (5) .
وما قاله الجمهور هو الأولى .

المطلب الخامس : بيع شيء من الأضحية والانتفاع بجلدها :
قال المالكية والشافعية والحنابلة : لا يجوز بيع شيء من الأضحية لا لحمها ولا جلدها ولا أطرافها ، واجبة كانت أو تطوعاً (1) . قال الإمام أحمد : لا يبيعها ولا يبيع شيئاً منها .
وقال أيضاً : سبحان الله كيف يبيعها وقد جعلها لله تبارك وتعالى ؟
وقال الحنفية : لا يحل بيع شيء منها بشيء لا يمكن الانتفاع به ، إلا باستهلاك عينه من الدراهم والدنانير والمأكولات والمشروبات . وله أن يبيع منها بما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه ، من متاع البيت كالجراب والمنخل (2).
ورخص الحسن والنخعي والأوزاعي في الجلد أن يبيعه ، ويشتري به الغربال والمنخل وآلة البيت .
وأجاز ابن عمر أن يبيع الجلد ويتصدق بثمنه ، ونقله ابن المنذر عن أحمد وإسحاق (3)
ويجوز أن ينتفع بالجلد ، بأن يجعله سقاءً أو فرواً أو نعلاً أو غير ذلك .
فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت : يجعل من جلد الأضحية سقاء ينبذ فيه .
وعن مسروق أنه كان يجعل من جلد أضحيته مصلىً يصلي فيه .
وعن الحسن البصري قال : انتفعوا بمُسُوك – جلود – الأضاحي ولا تبيعوها (4) .
والذي يظهر لي أنه لا يجوز بيع شيء من الأضحية ، بما في ذلك جلدها وأطرافها .
ويدل على ذلك ما ورد في حديث علي قال :( أمرني رسول الله  أن أقوم على بدنه ، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها ، وأن لا أعطي الجزَّار منها . وقال نحن نعطيه من عندنا ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى . فقد أمره الرسول  أن يتصدق بلحومها وجلودها وجلالها ، كما أنه قد جعلها قربة لله تعالى فلم يجز بيع شيء منها كالوقف (5) .
وقد ورد عن النبي  أنه قال :( من باع جلد أضحيته فلا أضحية له ) رواه الحاكم ، وقال : حديث صحيح . ورواه البيهقي (1) .
وقال الشيخ الألباني : حسن (2) .
قال الحافظ المنذري :[ وقد جاء في غير ما حديث عن النبي  النهي عن بيع جلد الأضحية ] (3) .
------------------------------------
(1) المغني 9/450 ، فتح الباري 4/404 ، شرح النووي على صحيح مسلم 3/435 ، المجموع 8/420 ، بدائع الصنائع 4/225 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 4/303 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 3/435 .
(3) صحيح مسلم مع شرح النووي 3/436 .
(4) المغني 9/450 ، وانظر شرح السنة 7/188 .
(5) فتح الباري 4/304 .
(1) المغني 9/450 ، الذخيرة 4/156 ، المجموع 8/419-420 ، الحاوي 15/119-120 .
(2) بدائع الصنائع 4/225 .
(3) المغني 9/450 .
(4) معجم فقه السلف 4/148 .
(5) المغني 9/451 .
(1) سنن البيهقي 9/294 .
(2) صحيح الجامع الصغير 2/1055 ، صحيح الترغيب والترهيب ص455 .
--------------------------------------

وجاء في الحديث عن قتادة بن النعمان  أن النبي  قال :( … لا تبيعوا لحوم الهدي والأضاحي ، فكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها ، وإن أُطعمتم من لحمها فكلوا إن شئتم ) رواه أحمد وذكره الهيثمي وقال : في الصحيح طرف منه . رواه أحمد وهو مرسل صحيح الإسناد (4) .
وأما الانتفاع بجلدها فلا بأس به على أي وجه كان ، ويدل على ذلك ما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت :( دفَّ ناس من أهل البادية ، حضرة الأضحى زمن الرسول  فقال رسول الله : ادخروا ثلاثاً ثم تصدقوا بما بقي ، فلما كان بعد ذلك قالوا :
يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون منها الودك ، فقال رسول الله . وما ذاك ؟ قالوا : نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث .
فقال : إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا وادخروا وتصدقوا ) رواه مسلم وقد مضى .
والأسقية : جمع سقاء ويتخذ من جلد الحيوان ، وفي الحديث إشارة إلى أنه يتخذ من جلود الأضحية ، وقولها :( ويجملون منها الودك ) أي يذيبون شحمها (5) ، وقد أقرهم الرسول  على ذلك .

المطلب السادس : إذا اشترى أضحية فهل يجوز له أن يبدلها بخير منها ؟
اختلف الفقهاء في المسألة على قولين :
الأول : يجوز له أن يبدلها بخير منها ، وهذا قول أبي حنيفة ومالك وأحمد ، ونقل عن عطاء ومجاهد وعكرمة .
الثاني : لا يجوز أن يبدلها مطلقاً ، وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأبي يوسف وبه قال
أبو الخطاب من الحنابلة (1) .
الأدلة :
استدل الشيخ ابن قدامة للفريق الأول بما جاء في الحديث :( أن النبي  ساق مئة بدنة في حجته ، وقدم عليٌ من اليمن فأشركه فيها ) رواه مسلم(2) .
وقال ابن قدامة :[ وهذا نوع من الهبة أو البيع ، ولأنه عدل عن عين وجبت لحق الله تعالى إلى خير من جنسها ، فجاز كما لو وجبت عليه بنت لبون فأخرج حِقَّةً في الزكاة ] (3) .
واستدل الماوردي للفريق الثاني بما روي عن عمر بن الخطاب  أنه قال :( أتيت رسول الله  فقلت : يا رسول الله إني أوجبت على نفسي بدنة ، وقد طُلبت مني بأكثر من ثمنها فقال : انحرها ولا تبعها ولو طُلبت بمئة بعير ) .
فلمَّا منعه من البيع مع المبالغة بالثمن ، وأمره بالنحر ، دل على فساد البيع ووجوب النحر وروي عن علي بن أبي طالب  أنه قال : من أوجب أضحية فلا يستبدل بها .
وليس له مع انتشار قوله مخالف في الصحابة (4) .
وقصة عمر التي ذكرها الماوردي رواها أبو داود ولكنها ضعيفة (5) .
ويستدل لهم بما ذكره البيهقي في [ باب الرجل يوجب شاة أضحية لم يكن له أن يبدلها بخير ولا شر منها ] .
ثم ساق قصة عمر السابقة بإسناده عن سالم بن عبد الله عن أبيه :( أن عمر  أهدى بختية له قد أعطي بها ثلاثمئة دينار فأراد أن يبيعها ويشتري بثمنها بدناً فسأل النبي  عن ذلك فأمره أن ينحرها ولا يبيعها ) (1) .
والذي يظهر لي أنه يجوز إبدال الأضحية بخير منها ، إن كانت تطوعاً كأن أبدلها بأسمن منها أو أطيب منها ، فهذا لا بأس به إن شاء الله .
وأما إن نذر شاة بعينها أضحية ، فيلزمه أن يذبحها ولا يجوز له إبدالها ، والله أعلم .

المطلب السابع : نقل الأضحية :
اتفق العلماء على أن محل التضحية هو محل المضحي ، سواء كان بلده أو موضعه من السفر.
وذكر الإمام النووي في نقل الأضحية من بلد إلى آخر وجهان في مذهب الشافعية تخريجاً من نقل الزكاة (1) .
--------------------------------------
(3) الترغيب والترهيب 2/156 ، وانظر صحيح الترغيب والترهيب ص 455 .
(4) الفتح الرباني 13/54 .
(5) شرح النووي على صحيح مسلم 5/113 .
(1) المغني 9/451 ، بدائع الصنائع 4/202 ، الذخيرة 4/152 ، الحاوي 15/101 ، جامع الأمهات ص228 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 3/347 .
(3) المغني 9/451 .
(4) الحاوي 15/102 .
(5) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود مع شرح ابن القيم 5/122 ، وانظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 31/250-251 .
(1) سنن البيهقي 9/288 .
----------------------------------

ونص الماوردي على أن المضحي لا يمنع من إخراج لحوم الضحايا عن بلد المضحي (2) .
وسئل الشيخ شمس الدين محمد الرملي :[ هل يجوز نقل الأضحية عن بلد التضحية أم لا ؟
فأجاب : بأنه لا يجوز نقلها ، ولو أضحية تطوع ، بل يتعين فقراء بلدها ، لأن أطماعهم تمتد إليها لكونها مؤقتة بوقت كالزكاة بخلاف نقل المنذور ونحوه ] (3) .
والذي أرجحه في هذه المسألة : أن الأصل أن لا تنقل الأضحية من بلد المضحي ، وأن توزع على فقراء بلده المحتاجين قياساً على الزكاة .
ويجوز نقلها إذا استغنى أهل بلد المضحي ، بأن كثرت الأضاحي ، وقلَّ عدد الفقراء فيصح نقلها إلى بلد آخر ، فيه المسلمون أكثر حاجة ،كما يفعل بعض أهل الخير من المسلمين في دول الخليج وغيرهم ، الذين يوكلون لجان الزكاة في فلسطين بشراء وذبح أضحاياتهم ، وتوزيعها على المحتاجين ، وذلك نظراً لكثرة الأضاحي في بلدانهم ، وقلة المحتاجين لها هناك ، ولقلة الأضاحي في فلسطين وكثرة الفقراء والمحتاجين فيها .
وكذلك يجوز للمضحي المغترب عن أهله ووطنه ، أن يوكل في شراء وذبح أضحيته في بلده ، وتوزيعها على أقاربه وأهل بلدته المحتاجين .

المبحث الخامس
الأضحية عن الميت
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يجوز للحي أن يضحي عن قريبه الميت وهذا قول الحنفية والحنابلة وطائفة من أهل الحديث (1) .
واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال :[ والتضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها ] (2) .
وقال صاحب الدر المختار من الحنفية :[ وإن مات أحد السبعة المشتركين في البدنة وقال الورثة اذبحوا عنه وعنكم صح عن الكل استحساناً لقصد القربة من الكل ] (3) .
قال أبو داود صاحب السنن:[ باب الأضحية عن الميت ] ثم ذكر حديث تضحية علي  عن الرسول  وسيأتي (4) .
وقال الإمام الترمذي في سننه :[ باب ما جاء في الأضحية عن الميت ] ثم ذكر حديث علي – المشار إليه - ثم قال الترمذي :[ وقد رخص بعض أهل العلم أن يضحى عن الميت ولم ير بعضهم أن يضحى عنه ] (5) .
وأجاز التضحية عن الميت الإمام ابن العربي المالكي (6) .
وقال القرافي :[ قال صاحب القبس – هو ابن العربي – يستحب للإنسان أن يضحي عن وليه كما يستحب له الحج والصدقة . وفي الترمذي : قال علي  : أوصاني رسول الله  أن أضحي عنه .
قال : وعندي أن الميت يصل إليه كل عمل يعمله الحي ] (7) .
وأجاز التضحية عن الميت الإمامان البغوي والعبادي من الشافعية (1) والمباركفوري وصاحب غنية الألمعي من الحنفية (2) والعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز والعلامة محمد بن صالح العثيمين(3) وغيرهم كثير .
------------------------------------
(1) المجموع 8/425 .
(2) الحاوي 15/75 .
(3) فتاوى الرملي 4/68-69 .
(1) بدائع الصنائع 4/209 ، حاشية ابن عابدين 6/326 ، الهداية 8/436 ، إعلاء السنن 17/296 ، الفروع 3/554 ، كشاف القناع 3/21 .
(2) الاختيارات العلمية ص71 ، وانظر مجموع الفتاوى 24/315 ، 26/306 .
(3) الدر المختار 6/326 .
(4) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/344 .
(5) سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 6/230-231 .
(6) عارضة الأحوذي 6/230 .
(7) الذخيرة 4/141 .
(1) شرح السنة 4/358 ، المجموع 8/406 .
(2) تحفة الأحوذي 5/66 .
(3) فتاوى إسلامية 2/6 ، فتاوى منار الإسلام 2/411-412 .
----------------------------------

القول الثاني : قال المالكية تكره التضحية عن الميت ، لعدم ورود دليل في ذلك ، ولكن قالوا إن مات الشخص الذي اشترى أضحية قبل وقت التضحية ، فيندب في حق الورثة التضحية عن الميت .
قال القرافي :[ واستحب ابن القاسم ذبح الورثة لها عنه تنفيذاً لما قصد من القربة ] (4) .
وأجاز المالكية الأضحية عن الحي والميت معاً (5) .
القول الثالث : وقال الشافعية في المعتمد عندهم لا تصح الأضحية عن الميت إلا أن يوصي بها (6) .
واختار هذا القول الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود من علماء هذا العصر فقال :
[ أما الأضحية عن الميت فإنه بمقتضى التتبع والاستقراء لكتب الصحاح والسنن والمسانيد والتفاسير والسير ،لم نجد دليلاً صريحاً من كتاب الله ، ولا حديثاً صحيحاً عن رسول الله يأمر بالأضحية عن الميت أو يشير إلى فضلها ووصول ثوابها إليه ولم ينقل أحد من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يضحون لموتاهم ولم يذكر فعلها عن أحد منهم … ] (7) .

أدلة القول الأول :
1. احتجوا بما رواه أبو داود في باب الأضحية عن الميت بإسناده قال :( حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : أخبرنا شريك عن أبي الحسناء عن الحكم عن حنش قال : رأيت علياً  يضحي بكبشين فقلت له ما هذا ؟ فقال : إن رسول الله  أوصاني أن أضحي عنه ، فأنا أضحي عنه ) والحديث سكت عنه أبو داود (1) .
ورواه الترمذي أيضاً ولفظه :( عن حنش عن علي  أنه كان يضحي بكبشين أحدهما عن النبي  والآخر عن نفسه فقيل له . فقال : أمرني به – يعني النبي  - فلا أدعه
أبداً ) ، وقال الترمذي :[ هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك ] (2) .
وقد رواه الإمام أحمد في المسند باللفظين السابقين (3) .
ورواه الحاكم وقال :[ هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وأبو الحسناء هذا هو الحسن بن حكم النخعي ،وقال الذهبي : صحيح ] (4) .
ورواه البيهقي ثم قال :[ … وهو إن ثبت يدل على جواز التضحية عمن خرج من دار الدنيا من المسلمين ] (5) .
2. واحتجوا أيضاً بما رواه مسلم بإسناده عن عائشة رضي الله عنها :( أن رسول الله  أمر بكبش أقرن ، يطأ في سواد ويبرك في سواد ، وينظر في سواد ، فأتي به ليضحي به ، فقال لها : يا عائشة هلمي المدية ، ثم قال : اشحذيها بحجر . ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش ثم أضجعه ثم ذبحه ، ثم قال : باسم الله اللهم تقبل من محمد ، وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به ) رواه مسلم (6) .
فهذا الحديث يدل على أن النبي  ضحى عن الميت ؛ لأنه ضحى عن آل محمد وعن أمة محمد ، ومنهم من كان قد مات .
3. واحتجوا بما جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله  قال :( ذبح النبي  يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوئين ، فلما وجههما قال : إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض على ملة إبراهيم حنيفاً ، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي ، لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت ، وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك ، وعن محمد وأمته باسم الله والله أكبر ثم ذبح ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي وقد مضى .
والشاهد في هذا الحديث كسابقه حيث إن فيه التضحية عن أمة محمد  ، ومن أمته  من كان قد مات .
4. واحتجوا بما جاء في الحديث عن أبي رافع مولى رسول الله  :( أن رسول الله  كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ، فإذا صلى وخطب الناس أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم يقول :
اللهم هذا عن أمتي جميعاً ، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول : هذا عن محمد وآل محمد ، فيطعمهما جميعاً المساكين ويأكل هو وأهله منهما ، فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المئونة برسول الله  والغرم ) رواه أحمد (1) .
-------------------------------------
(4) الذخيرة 4/155 .
(5) شرح الخرشي 3/42 ، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي عليه 2/122-123 ، بلغة السالك 1/289 .
(6) المجموع 8/406 ، كفاية الأخيار 2/528 ، مغني المحتاج 6/137 ، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2/282 .
(7) الدلائل العقيلة والنقلية في تفضيل الصدقة عن الميت على الضحية ص51-52 .
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/344 .
(2) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/65 .
(3) الفتح الرباني 13/109-110 .
(4) المستدرك 4/255-256 .
(5) سنن البيهقي 9/288 .
(6) صحيح مسلم مع شرح النووي 4/106 .
------------------------------------

وقال الهيثمي : وإسناده حسن (2) ، وحسنه الشيخ الألباني أيضاً (3) .
وهذا الحديث له شواهد كثيرة ذكرها الهيثمي (4) .
قال شارح العقيدة الطحاوية :[ والقربة في الأضحية إراقة دم وقد جعلها لغيره ] (5) .
5. وقالوا إن الميت ينتفع بسعي الحي وقد قامت الأدلة الكثيرة على ذلك .
قال شارح العقيدة الطحاوية :[ والدليل على انتفاع الميت بغير ما تسبب فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح .
أما الكتاب فقال الله تعالى :} وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ { سورة الحشر الآية 10 .
فأثنى عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم ، فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء .
وقد دلّ على انتفاع الميت بالدعاء ، إجماع الأمة على الدعاء له في صلاة الجنازة والأدعية التي وردت بها السنة في صلاة الجنازة مستفيضة . وكذا الدعاء له بعد الدفن .
ففي سنن أبي داود من حديث عثمان بن عفان  قال :( كان النبي  إذا فرغ من دفن الميت ، وقف عليه فقال : استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ) .
وكذلك الدعاء لهم عند زيارة قبورهم كما في صحيح مسلم من حديث بريدة بن الحصيب قال :( كان رسول الله  يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا :
السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية ) .
وفي صحيح مسلم أيضاً عن عائشة رضي الله عنه :( سألت النبي  كيف تقول إذا استغفرت لأهل القبور ؟ قال : قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ) .
وأما وصول ثواب الصدقة ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها :( أن رجلاً أتى النبي  فقال : يا رسول الله إني أمي افتلتت نفسها ولم توصِ ، وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : نعم ) .
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :( أن سعد بن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها ، فأتى النبي  فقال : يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت عنها ؟ قال : نعم . قال : فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها ) وأمثال ذلك كثيرة في السنة .
وأما وصول ثواب الصوم ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها :( أن رسول الله  قال : من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) .
وله نظائر في الصحيح ، ولكن أبو حنيفة رحمه الله قال بالإطعام عن الميت دون الصيام عنه لحديث ابن عباس المتقدم والكلام على ذلك معروف في كتب الفروع .
وأما وصول ثواب الحج ، ففي صحيح البخاري عن أن عباس رضي الله عنهما :( أن امرأة من جهنية جاءت إلى النبي  فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال : حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) ونظائره أيضاً كثيرة .
وأجمع المسلمون على أن قضاء الدين يسقطه من ذمة الميت ، ولو كان من أجنبي ومن غير تركته ، وقد دل على ذلك حديث أبي قتادة : حيث ضمن الدينارين عن الميت فلما قضاهما قال النبي  :(الآن برَّدت عليه جلدته ) وكل ذلك جار على قواعد الشرع ، وهو محض القياس ، فإن الثواب حق العامل ، فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك ، كما لم يمنع من هبة ماله في حياته ، وإبرائه له منه بعد وفاته ، وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصوم ، على وصول ثواب القراءة ونحوها من العبادات البدنية .
يوضحه : أن الصوم كف النفس عن المفطرات بالنية ، وقد نص الشارع على وصول ثوابه إلى الميت ، فكيف بالقراءة التي هي عمل ونية ؟! ] (1) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :[ … وهو – أي الميت – ينتفع بكل ما يصل إليه من كل مسلم ، سواء كان من أقاربه أو غيرهم ، كما ينتفع بصلاة المصلين عليه ودعائهم له عند قبره ] (2) .
وقال العلامة ابن القيم :[ هذه النصوص متظاهرة على وصول ثواب الأعمال إلى الميت ، إذا فعلها الحي عنه ، وهذا محض القياس ، فإن الثواب حق للعامل فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك ،كما لم يمنع من ذلك من هبة ماله في حياته وإبرائه له من بعد موته ] (3)
أدلة القول الثاني :
-----------------------------------
(1) الفتح الرباني 13/61-62 .
(2) مجمع الزوائد 4/21 .
(3) تخريج أحاديث شرح العقيدة الطحاوية ص516 .
(4) مجمع الزوائد 4/22-23 .
(5) شرح العقيدة الطحاوية ص516 .
(1) شرح العقيدة الطحاوية ص 512-514 ، وانظر الروح ص118-122 ، مجموع الفتاوى 24/366 .
(2) مجموع الفتاوى 24/367 .
(3) الروح ص122 .
-------------------------------

المفصل في أحكام الأضحية، ما يطلب من المضحي عند الذبح وبعده، - 8 -

المفصل في أحكام الأضحية،  ما يطلب من المضحي عند الذبح وبعده، - 8 -

الذي يغلب على ظني ـ بعد طولِ تأملٍ وتفكرٍ ـ رجحان القول الأول لقوة أدلته ويظهر ذلك فيما يلي :
أولاً : إن حديث أم سلمة خاص ، وحديث عائشة عام ، والخاص مقدم على العام .
قال ابن قدامة :[ وحديثهم عام وهذا خاص يجب تقديمه بتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص ] (1) .
وقال الشوكاني :[ ولا يخفى أن حديث الباب – أي حديث أم سلمة – أخص منه
– أي من حديث عائشة - مطلقاً فيبنى العام على الخاص ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم ولكن على من أراد التضحية ] (2) .
ثانياً : يجب حمل حديث عائشة على غير محل النزاع لوجوه منها :
أ - أن النبي  لم يكن ليفعل ما نهى عنه وإن كان مكروهاً ، قال الله تعالى :} وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عنه { سورة هود الآية 88 .
ب - ولأن أقلَّ أحوال النهي أن يكون مكروهاً ، ولم يكن النبي  ليفعل المكروه فيتعين حمل ما فعله في حديث عائشة على غيره .
ج - ولأن عائشة تخبر عن فعله  ، وأم سلمة تخبر عن قوله  ، والقول يقدم على الفعل ، لاحتمال أن يكون فعله خاصاً له (3) .
ثالثاً : إن ما قاله الطحاوي بأن حديث أم سلمة موقوف ؛ غير صحيح ، بل هو حديث مرفوع ، رفعه جماعة من المحدثين ، وقد رواه مسلم مرفوعاً من وجوه :
أ. الرواية الأولى في صحيح مسلم بإسناده وفيها حدثنا سفيان … قيل لسفيان : فإن بعضهم لا يرفعه . قال لكني أرفعه .
ب. الرواية الثانية في صحيح مسلم وفيها :( عن أم سلمة ترفعه … ) .
ج. الرواية الثالثة في صحيح مسلم مرفوعة .
د.الرواية الخامسة في صحيح مسلم مرفوعة (1) .
وأجاب العلامة ابن القيم جواباً مفصلاً عن الادعاء بأن حديث أم سلمة موقوف فقال :
[ وقد اختلف الناس في هذا الحديث وفي حكمه .
فقالت طائفة : لا يصح رفعه وإنما هو موقوف .
قال الدارقطني في كتاب العلل : ووقفه عبد الله بن عامر الأسلمي ويحيى القطان وأبو حمزة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد ، ووقفه عقيل على سعيد . ووقفه يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد عن أم سلمة : قولها . ووقفه عبد الرحمن بن حرملة وقتادة وصالح بن حسان عن سعيد : قوله . والمحفوظ عن مالك موقوف .
قال الدارقطني : والصحيح عندي قول من وقفه .
ونازعه في ذلك آخرون فصححوا رفعه منهم مسلم بن الحجاج ورواه في صحيحه مرفوعاً. ومنهم أبو عيسى الترمذي قال : هذا حديث حسن صحيح . ومنهم ابن حبان خرَّجه في صحيحه . ومنهم أبو بكر البيهقي قال : هذا حديث قد ثبت مرفوعاً من أوجه لا يكون مثلها غلطاً ، وأودعه مسلم في كتابه . وصححه غير هؤلاء وقد رفعه سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد عن أم سلمة عن النبي  .
ورفعه شعبة عن مالك عن عمرو بن مسلم عن سعيد عن أم سلمة عن النبي  .
وليس شعبة وسفيان بدون هؤلاء الذين وقفوه .
ولا مثل هذا اللفظ من ألفاظ الصحابة بل هو المعتاد من خطاب النبي  في قوله ( لا يؤمن أحدكم ) ( أيعجز أحدكم ) ( أيحب أحدكم ) ( إذا أتى أحدكم الغائط )
( إذا جاء أحدكم خادمه بطعام ) ونحو ذلك ] (2).
وقال صاحب تحفة الأحوذي بعد أن ذكر الطرق المرفوعة لحديث أم سلمة :[ وهذه الطرق المرفوعة كلها صحيحة ، فكيف يصح القول بأن حديث أم سلمة الموقوف هو أصل الحديث بل الظاهر أن أصل الحديث المرفوع ] (3).
وقد بيَّن الشيخ الألباني أن الصحيح أن هذا الحديث مرفوع ؛ حتى وإن لم يصرح سعيد بن المسيب برفعه فله حكم الرفع لأنه لا يقال بالاجتهاد والرأي (1).
رابعاً : ويجاب على من ردَّ حديث أم سلمة بالقياس ، كما سبق في كلام الطحاوي ، أنَّ مُريدَ الأضحية لا يحرم عليه الجماع ، فلا يحرم عليه قص شعره وأظفاره ؛ بما قاله ابن حزم :[ ثم لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل ، لأنه ليس إذا وجب أن لا يمس الشعر والظفر بالنص الوارد في ذلك ، يجب أن يتجنب النساء والطيب ، كما أنه إذا وجب اجتناب الجماع والطيب ،لم يجب بذلك اجتناب مس الشعر والظفر ، فهذا الصائم فرضٌ عليه اجتناب النساء ، ولا يلزمه اجتناب الطيب ، ولا مس الشعر والظفر ، وكذلك المعتكف ، وهذه المعتدة يحرم عليها الجماع والطيب ، ولا يلزمها اجتناب قص الشعر والأظفار .
-----------------------------
(1) المغني 9/437 .
(2) نيل الأوطار 5/128 .
(3) المغني 9/437 .
(1) انظر صحيح مسلم مع شرح النووي 4/119-120 .
(2) شرح ابن القيم علىسنن أبي داود بهامش عون المعبود 7/346 .
(3) تحفة الأحوذي 5/100 .
(1) إرواء الغليل 4/378 .
--------------------------------

… وهذه فتيا صحت عن الصحابة رضي الله عنهم ، ولا يعرف فيها مخالفٌ منهم لهم ](2)
وقال ابن القيم :[ وأسعد الناس بهذا الحديث من قال بظاهره لصحتة وعدم ما يعارضه …
ولهذا كان أحمد وغيره يعمل بكلا الحديثين : هذا في موضعه وهذا في موضعه .
وقد سأل الإمام أحمد أو غيره عبد الرحمن بن مهدي عن هذين الحديثين ؟ فقال : هذا له وجه وهذا له وجه ] (3).
وبعد هذا العرض أرجو أن يكون ما رجحته هو الراجح ، وقد كنت أميل للقول بالكراهة فقط ، ثم ترجح عندي القول بالتحريم ، والله أعلم .

ما المراد بالنهي عن الأخذ من الشعر والظفر الوارد في حديث أم سلمة :
قال الإمام النووي :[ قال أصحابنا : والمراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهي عن إزالة الظفر بقلْمٍ أو كَسْرٍ أو غيره .
والمنع من إزالة الشعر ، بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذ بنورة أو غير ذلك .
وسواء شعر الإبط والشارب والعانة والرأس ، وغير ذلك من شعور بدنه .
قال إبراهيم المروزي وغيره من أصحابنا : حكم أجزاء البدن كلها حكم الشعر والظفر .
ودليله الرواية السابقة ( فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ) ] (1) .
وقال بعض أهل العلم إن المراد بالشعر شعر الرأس وبالبشر شعر البدن فعلى هذا لا يدخل فيه قلم الأظفار فلا يكره (2) .
والصواب القول الأول ، لأنه ورد في إحدى الروايات عند مسلم :( فلا يأخذن شعراً ولا يقلمن ظفراً ) .
وكذلك ما ورد عن عمرو بن مسلم بن عمار الليثي قال :( كنا في الحمام قبيل الأضحى فأطلى فيه ناس فقال بعض أهل الحمام : إن سعيد بن المسيب يكره ذلك أو ينهى عنه . فلقيت سعيد بن المسيب فذكرت ذلك له فقال : يا ابن أخي هذا حديث قد نسي وترك
حدثتني أم سلمة زوج النبي  قالت : قال رسول الله  … الحديث ) رواه مسلم .
والإطلاء بالنورة هو إزالة شعر العانة بالنورة وهي مادة تستعمل في إزالة الشعر(3) .
وأما الحكمة في النهي عن الأخذ من الشعر والأظفار في حق من أراد الأضحية فهي ما قاله الإمام النووي :[ قال أصحابنا : والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار ] (4) .
وإذا لم يلتزم مريد الأضحية بهذا النهي فأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره فإنه يستغفر الله سبحانه وتعالى ولا فدية فيه إجماعاً سواء فعله عمداً أو نسياناً قاله الشيخ ابن قدامة (5).

المبحث الثاني
وقت الأضحية

المطلب الأول : أول وقت ذبح الأضحية :

اختلف الفقهاء في أول وقت ذبح الأضحية على ثلاثة أقوال :
القول الأول : يدخل وقت ذبح الأضحية بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة ، وبعد دخول وقت صلاة الضحى ، ومُضي زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين ، لا فرق في ذلك بين أهل الحضر والبوادي .
وهذا قول الشافعية والحنابلة ، وبه قال ابن المنذر وداود الظاهري والطبري ، ويرى الحنابلة أيضاً أن يكون الذبح بعد صلاة الإمام وخطبته خروجاً من الخلاف (1) .
القول الثاني : يدخل وقت ذبح الأضحية بطلوع فجر يوم النحر في حق من لا تجب عليهم صلاة العيد من سكان البوادي .
وأما أهل الحاضرة فيدخل وقت الأضحية في حقهم بعد صلاة العيد ، وأما إن لم يصلوا العيد لعذر فيدخل وقتها بمضي وقت الصلاة ، وهذا قول الحنفية (2).
القول الثالث : يدخل وقت ذبح الأضحية بعد صلاة الإمام وخطبته وبعد ذبحه لأضحيته، فإن لم يذبح ، اعتبر زمن ذبحه ، وهذا قول المالكية (3) .
--------------------------------
(2) المحلى 6/26 .
(3) شرح ابن القيم على سنن أبي داود بهامش عون المعبود 7/348 .
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 5/119-120 ، وانظر المحلى 6/28 ، الحاوي 15/74 .
(2) عون المعبود 7/349 ، الحاوي 15/ 74 . (3) المصباح المنير ص 630 .
(4) شرح النووي على صحيح مسلم 5/120 ، وانظر الذخيرة 4/142 .
(5) المغني 9/437 .

(1) الحاوي 15/85 ، كشاف القناع 3/9 ، المغني 9/452 ، المجموع 8/387 ، مغني المحتاج 6/129 ، المحلى 6/35 .
(2) الهداية 8/430 ، حاشية ابن عابدين 6/380 ، الاختيار 5/19 ، تحفة الفقهاء 3/83 . فتح باب العناية 3/74-75.
----------------------------------

أدلة القول الأول :
1. احتجوا بحديث البراء بن عازب  قال : قال رسول الله  :( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا ، نصلي ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله ، وليس من النسك في شيء ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى .
2. وفي رواية أخرى عن البراء قال : خطبنا رسول الله  في يوم نحر فقال :( لا يضحين أحدٌ حتى يصلي . قال رجل : عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم .
قال : فضح بها ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك ) رواه مسلم (4) .
3. وفي رواية ثالثة قال البراء  :( ذبح أبو بردة قبل الصلاة . فقال النبي  أبدلها … الخ ) رواه البخاري ومسلم (1) .
4. وفي رواية رابعة عن البراء  قال : قال رسول الله  :( لا يذبحن أحد حتى يصلي ) رواه مسلم (2) .
5. وفي رواية خامسة عن البراء  قال :( صلى رسول الله  ذات يوم فقال : من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فلا يذبح حتى ينصرف ) رواه البخاري (3) .
6. وعن أنس  قال : قال رسول الله  يوم النحر :( من كان ذبح قبل الصلاة فليعد فقام رجل فقال يا رسول الله … ) رواه البخاري ومسلم (4) .
قالوا إن هذه الأحاديث تدل على أن وقت الأضحية يكون بعد الصلاة . قال الحافظ ابن حجر معلقاً على الرواية الخامسة من حديث البراء  :[ تمسك به الشافعية في أن أول وقت الأضحية قدر فراغ الصلاة والخطبة ، وإنما شرطوا فراغ الخطيب ، لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة في هذه العبادة فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين على أخف ما يجزي بعد طلوع الشمس ، فإذا ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح عن الأضحية سواء صلَّى العيد أم لا وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا ، ويستوي في ذلك أهل المصر والحاضر والبادي ……
قال القرطبي : ظواهر الأحاديث تدل على تعليق الذبح بالصلاة ، لكن لما رأى الشافعي أن من لا صلاة عيد عليه مخاطب بالتضحية حمل الصلاة على وقتها ] (5) .
وظاهر الأحاديث السابقة اعتبار نفس الصلاة فيبدأ وقت الأضحية بعد الصلاة في حق من يصلي العيد ، وأما من لا يصلي العيد كأهل البوادي , فأول وقتها في حقهم مضي قدر الصلاة والخطبتين بعد الصلاة ، لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر فوجب الاعتبار بقدرها (6).

أدلة القول الثاني : احتج الحنفية بما جاء في الحديث عن أنس  قال : قال رسول الله  يوم النحر:( من كان ذبح قبل الصلاة فليعد … الحديث ) وقد مضى قريباً .
واحتجوا بما جاء في حديث البراء  أن الرسول  قال :( إن أول ما نبدأ به يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح … الحديث ) وقد مضى قريباً .
قال الزيلعي الفقيه :[ قال ذلك – أي الرسول  - في حق من عليه صلاة العيد ، كيلا يشتغل بها عنها ، فلا معنى للتأخير عن القروي إذ لا صلاة عليه ] (1) .
أدلة القول الثالث : احتجوا بحديث البراء أن خاله أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح رسول الله  فقال :( يا رسول الله إن هذا يوم اللحم فيه مكروه ، وإني عَجَّلتُ نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري . فقال رسول الله  : أعد نسكاً .فقال :يا رسول الله إن عندي عناقاً … الحديث ) رواه البخاري ومسلم (2) .
واحتجوا بحديث جندب بن سفيان  قال : شهدت الأضحى مع الرسول  فقال :
( من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي أو نصلي فليذبح مكانها أخرى ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله ) رواه مسلم (3) .
----------------------------------
(3) الذخيرة 4/149 ، الشرح الكبير 2/120 ، القوانين الفقهية 125 ، شرح الخرشي 3/36 ، تفسير القرطبي 12/42
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 5/100 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/114 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/100 .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 5/99 .
(3) صحيح البخاري مع الفتح 12/117 .
(4) صحيح البخاري مع الفتح 12/116 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/100-101 .
(5) فتح الباري 12/117-118 .
(6) المغني 9/452 .
(1) تبيين الحقائق 6/4 ، وانظر الهداية 8/431 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 12/108 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/98 .
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 5/96 .
---------------------------------

قال الحافظ ابن عبد البر :[ وفي حديث مالك – أي حديث البراء – من الفقه أن الذبح لا يجوز قبل ذبح الإمام ، لأن الرسول  أمر الذي ذبح قبل أن يذبح بالإعادة ، وقد أمرنا الله بالتأسي به ، وحذرنا من مخالفة أمره ، ولم يخبرنا  أن ذلك خصوص له ، فالواجب في ذلك استعمال عمومه ] (4) .

القول الراجح في المسألة :
إن وقت الأضحية يبدأ بعد انتهاء صلاة العيد والخطبة ، إن صليت صلاة العيد كما كان يصليها رسول الله  بعد طلوع الشمس وارتفاعها بمقدار رمح أو رمحين ، سواء صلَّى مريدُ الأضحية العيد أم لم يصل ، وسواء كان من أهل البوادي أو الحضر ، وسواء ذبح الإمام أو لم يذبح ، وفي زماننا هذا حيث إنه لا إمام للمسلمين ، فلا يرتبط أمر الأضحية بفعل الحكام الموجودين .
ولا أرى التفريق بين أهل البوادي والحضر ، لعموم الأحاديث الواردة كحديث
أنس  أن الرسول  قال :( من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين ) رواه البخاري (1).

المطلب الثاني : آخر وقت ذبح الأضحية ومدته :
اختلف أهل العلم في آخر وقت ذبح الأضحية ومدته كما يلي :
القول الأول : ينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق ، أي أن أيام النحر ثلاثة ؛ يوم العيد ويومان بعده .
وهذا قول عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم ، وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة وبه قال الثوري وابراهيم النخعي.
القول الثاني : ينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق ، أي أن أيام النحر أربعة ؛ يوم العيد وثلاثة أيام بعده ،وهو قول الشافعية .
قال الإمام الشافعي :[ فإذا غابت الشمس من آخر أيام التشريق ثم ضحى أحد فلا ضحية له ] (1) .
ونقل هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام ،
وهو قول عطاء والحسن والأوزاعي ومكحول واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني .
القول الثالث : يوم النحر هو يوم العيد فقط وبه قال محمد بن سيرين وحميد بن
عبد الرحمن وداود الظاهري .
القول الرابع : يوم النحر هو يوم العيد في حق أهل الأمصار ، وأيام التشريق لأهل القرى والبوادي . وبه قال جابر بن زيد وسعيد بن جبير .
القول الخامس : تجوز الأضحية حتى هلال المحرم وبه قال أبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وهو قول ابن حزم الظاهري (2) .

أدلة القول الأول :
احتجوا بقوله تعالى:} لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ { سورة الحج الآية 28 .
فحملوا الأيام المعلومات على يوم النحر ويومين بعده ، قال الحافظ ابن عبد البر :[ وروي ذلك عن ابن عمر  من وجوه . وبه قال الإمام مالك وأصحابه وأبو يوسف القاضي .
وروينا عن مالك وعن أبي يوسف أيضاً أنهما قالا : الذي نذهب إليه في الأيام المعلومات أنها أيام النحر : يوم النحر ، ويومان بعده ؛ لأن الله تعالى قال:} وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ { سورة الحج الآية 28.
فعلى قول مالك ، ومن تابعه يوم النحر معلوم ، أي من المعلومات ، ليس بمعدود ، أي ليس من المعدودات ، واليومان بعده معدوداتٌ معلوماتٌ ] (1) .
وقال القرطبي :[ وهذا جمع قلة لكن المتيقن منه الثلاثة وما بعد الثلاثة غير متيقن فلا يعمل به ] (2) .
2. واحتجوا بأن النبي  نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه (3) .
-------------------------------
(4) فتح المالك 7/10 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/99 .
(1) الأم 2/222 .
(2) المغني 9/453 ، المجموع 8/390 ، المحلى 6/39-41 ، فتح الباري 12/103 ، معجم فقه السلف 4/137، تفسير القرطبي 12/43 ، نيل الأوطار 5/142 ، الذخيرة 4/149 ، الهداية 8/432 ، الآثار ص 61 ،كشاف القناع 3/9 ، زاد المعاد 2/318 ، الاستذكار 15/197 الاختيارات العلمية ص71 ،فتح باب العناية 3/75.
(1) الاستذكار 15/200 .
(2) تفسير القرطبي 12/43 .
-----------------------------

قالوا وهو قول جماعة من الصحابة هم عمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم،
قال الإمام أحمد :[ أيام النحر ثلاثة ، عن غير واحد من أصحاب رسول الله  ] .
وفي رواية أخرى عنه قال :[ خمسة من أصحاب رسول الله ] .
قال ابن قدامة :[ ولا مخالف لهم إلا رواية عن علي  ، وقد روي عنه مثل مذهبنا ] (4).
وروى مالك عن نافع أن ابن عمر  قال :[ الأضحى يومان بعد يوم الأضحى ] (5) .
أدلة القول الثاني :
1. احتجوا بما ورد في الحديث عن جبير بن مطعم  عن النبي  أنه قال :( كل فجاج مكة منحر ، وكل أيام التشريق ذبح ) رواه أحمد وابن حبان وصححه ورواه البيهقي والطبراني في الكبير والبزار والدراقطني وغيرهم (1) .
وقال البيهقي : وهو مرسل . وذكر له طرقاً متصلة ، ولكنها ضعيفة كما قال (2) ؛ إلا أنه قال أيضاً إن حديث جبير أولى أن يقال به (3) .
وقال الهيثمي :[ رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير إلا أنه قال :( وكل فجاج مكة منحر ) ورجاله موثقون ] (4) .
وقال الحافظ ابن حجر :[ أخرجه أحمد لكن في سنده انقطاع ، ووصله الدارقطني ورجاله ثقات ] (5) .
وذكره السيوطي في الجامع الصغير ورمز له بالصحة وأقره المناوي (6) .
وقال الشيخ الألباني : صحيح (7) .
وقال الشيخ أحمد الغماري :[ فحديث جبير بن مطعم ، رواه أحمد والبزار والطبراني وابن حبان في الصحيح ، والبيهقي عنه قال : قال رسول الله  :( كل عرفات موقف ، وكل مزدلفة موقف ، وارفعوا عن محسر ، وكل فجاج منى منحر ، وكل أيام التشريق ذبح ) اختصره البيهقي فاقتصر على ذكر أيام التشريق منه ، وهو حديث حسن ، وإن كان سند أحمد وقع فيه انقطاع .
أما الاختلاف الواقع من سليمان بن موسى ، فمحمول على أنه سمعه من عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم ، وسمعه من نافع بن جبير عن أبيه أيضاً ، ومن محمد بن المنكدر عن جبير ، فهو لم يخرج بالحديث عن جبير الذي تعدد من حدثه به ، وهو ثقة فالحديث حسن أو صحيح كما قال ابن حبان ] (1) .
2. واحتجوا بأن هذا القول قد نقل عن علي وابن عباس وعطاء وعمر بن عبد العزيز، فقد روى البيهقي بإسناده عن ابن عباس قال : الأضحى ثلاثة أيام بعد يوم النحر .
وروى أيضاً عن الحسن وعطاء قالا : يُضَحَّى إلى آخر أيام التشريق .
وروى أيضاً عن عمر بن عبد العزيز قال : الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بعده (2) .
أدلة القولين الثالث والرابع :
لم أعثر فيما بين يدي من المصادر على أدلة لهذين القولين سوى ما نقل عن القائلين بهما من كلامهم فقد روى ابن حزم بإسناده عن محمد بن سيرين قال :[ النحر يوم واحد إلى أن تغيب الشمس ] .
وعن حميد بن عبد الرحمن أنه كان لا يرى الذبح إلا يوم النحر .
وروى بإسناده عن جابر بن زيد قال :[ النحر في الأمصار يوم وبمنى ثلاثة أيام ] (3) .
أدلة القول الخامس :
1. احتجوا بما رواه البيهقي بإسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار أنه بلغهما أن رسول الله  قال :( الضحايا إلى آخر الشهر لمن أراد أن يستأني ذلك ) .
-------------------------------------
(3) المغني 9/453 .
(4) المصدر السابق 9/453-454 .
(5) الموطأ 1/388 ، وانظر سنن البيهقي 9/279 ، معرفة السنن والآثار 14/65 ، الاستذكار 15/197 .
(1) الفتح الرباني 13/94 ، صحيح ابن حبان 9/166 ، سنن الدارقطني 4/284 ، سنن البيهقي 9/295 ، تحفة المحتاج 2/534 .
(2) سنن البيهقي 9/295-296 .
(3) المصدر السابق 9/298 .
(4) مجمع الزوائد 3/251 .
(5) فتح الباري 12/103 .
(6) فيض القدير 5/35 .
(7) صحيح الجامع الصغير 2/834 .
(1) الهداية في تخريج أحاديث البداية 5/403-404 .
(2) سنن البيهقي 9/296-297 .
(3) المحلى 6/39-40 .
-----------------------------

قال ابن حزم :[ وهذا من أحسن المراسيل وأصحها ] (4) .
2. وفي رواية أبي حامد أن نبي الله  قال :( الضحايا إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني ذلك ) رواه أبو داود في المراسيل .
3. وما رواه البيهقي بإسناده عن يحيى بن سعيد قال :[ سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يقول : إنْ كان المسلمون ليشتري أحدهم الأضحية فيسمنها فيذبحها بعد الأضحى آخر ذي الحجة ] .
ثم قال البيهقي :[ حديث أبي سلمة وسليمان مرسل ، وحديث أبي أمامة حكاية عمن لم يسم ] (1) .
وقال الحافظ ابن حجر عند ذكر رواية يحيى بن سعيد قال :[ سمعت أبا أمامة بن سهل . قال كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون ].
قال الحافظ :[ وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أحمد بن حنبل عن عباد بن العوام أخبرني يحيى بن سعيد وهو الأنصاري ولفظه : كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها ويذبحها في آخر ذي الحجة ] قال أحمد هذا الحديث عجيب (2) .
4. قال ابن حزم :[ الأضحية فعل خير وقربة إلى الله تعالى ، وفعل الخير حسن في كل وقت ، قال الله تعالى:} وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ { فلم يخص تعالى وقتاً من وقت ، ولا رسوله عليه الصلاة والسلام ؛ فلا يجوز تخصيص وقت بغير نص فالتقريب إلى الله تعالى بالتضحية حسن ما لم يمنع منه نص أو إجماع ، ولا نص في ذلك ولا إجماع إلى آخر ذي الحجة ] (3) .

القول الراجح في آخر وقت الأضحية :
إن الأقوال الثلاثة الأخيرة ضعيفة ، ولم يأت القائلون بها بما يعتد به ، فبقي الكلام في الترجيح بين القولين الأول والثاني ، وقبل الترجيح أذكر ما قاله الحافظ ابن عبد البر بعد أن ذكر أقوال أهل العلم في هذه المسألة حيث قال :[ ولا يصح عندي في هذه المسألة إلا قولان : أحدهما قول مالك والكوفيين الأضحى يوم النحر ويومان بعده .
والآخر قول الشافعي والشاميين يوم النحر وثلاثة أيام بعده .
وهذان القولان قد رويا عن جماعة من أصحاب النبي  واختلف عنهم فيهما .
وليس عن أحد من الصحابة خلاف هذين القولين ، فلا معنى للاشتغال بما خالفهما ؛ لأن ما خالفهما لا أصل له في السنة ، ولا في قول الصحابة ، وما خرج عن هذين فمتروك لهما ] (1) .
إذا تقرر هذا فأقول : الذي يظهر لي رجحان ما ذهب إليه الشافعية ، أي أن آخر وقت الذبح هو غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق ، فمدة الذبح أربعة أيام ، يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، ويؤيد هذا الترجيح ما يلي :
أولاً : إن تفسير الأيام المعلومات في الآية :} وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ { محل خلاف بين أهل العلم ، وتفسيرها بأنها يوم النحر ويومان بعده ، هو أحد أقوال أهل العلم في تفسيرها . وهنالك أقوال أخرى في ذلك ، منها :
أ. الأيام المعلومات أيام العشر الأول من ذي الحجة ، قاله ابن عباس ، وعلَّقهُ البخاري عنه بصيغة الجزم . وروي مثله عن أبي موسى الأشعري ومجاهد وقتادة وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وغيرهم .
ب. الأيام المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وروي عن ابن عباس أيضاً ، ونقل عن ابن عمر وإبراهيم النخعي ، وإليه ذهب الإمام أحمد بن حنبل في رواية عنه .
ج. الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده ، وهو منقول عن الإمام مالك .
د. الأيام المعلومات يوم عرفة ويوم النحر ويوم آخر بعده ، ونقل عن أبي حنيفة . (2)
فقولهم ليس بأولى من قول غيرهم في الأيام المعلومات .
ثانياً : قال ابن القيم : [ وأما نهيه  عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، فلا يدل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط ؛ لأن الحديث دليل على نهي الذابح أن يدخر شيئاً فوق ثلاثة أيام من يوم ذبحه فلو أخر الذبح إلى اليوم الثالث ، لجاز له الادخار وقت النهي ما بينه وبين ثلاثة أيام .
والذين حددوه بالثلاث ، فهموا من نهيه عن الادخار فوق ثلاث أن أولها من يوم النحر .
قالوا: وغير جائز أن يكون الذبح مشروعاً في وقت يحرم فيه الأكل .
قالوا: ثم نسخ تحريم الأكل فبقي وقت الذبح بحاله .
فيقال لهم: إن النبي  لم ينه إلا عن الادخار فوق ثلاث ، لم ينه عن التضحية بعد ثلاث، فأين أحدهما من الآخر ، ولا تلازم بين ما نهى عنه ، وبين اختصاص الذبح بثلاث لوجهين :
أحدهما : أنه يسوغُ الذبح في اليوم الثاني والثالث ، فيجوز له الادخار إلى تمام الثلاث من يوم الذبح . ولا يتم لكم الاستدلال حتى يثبت النهي عن الذبح بعد يوم النحر ، ولا سيبلَ لكم إلى هذا .
------------------------------------
(4) المصدر السابق 3/43 .
(1) سنن البيهقي 9/297-298 .
(2) فتح الباري 12/105 .
(3) المحلى 6/42 .
(1) الاستذكار 15/205 .
(2) تفسير ابن كثير 3/216-217 ، تفسير فتح القدير 3/205 ، التفسير الكبير 23/29 ، أضواء البيان 5/344 .
-------------------------------

الثاني : أنه لو ذبح في آخر جزء من يوم النحر ، لساغ له حينئذ الادخار ثلاثة أيام بعد بمقتضى الحديث ، وقد قال علي بن أبي طالب  أيام النحر : يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده ، وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن ، وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح ، وإمام أهل الشام الأوزاعي ، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي رحمه الله ، واختاره ابن المنذر ،
ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى ، وأيام الرمي ، وأيام التشريق ، ويحرمُ صيامُها ، فهي إخوة في هذه الأحكام ، فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع ؟ ] (1) .
ثالثاً : إن حديث جبير بن مطعم أن النبي  قال :( … وكل أيام التشريق ذبح ) حديث حسن أو صحيح ، وقد صححه ابن حبان والسيوطي ، ووثق رجاله الحافظ ابن حجر وشيخه الهيثمي من المتقدمين، وصححه من المتأخرين الشيخ الألباني والشيخ أحمد الغماري والشيخان شعيب وعبد القادر الأرناؤوط فهو صالح إن شاء الله للاحتجاج .
ولو سلَّمنا أنه موقوف كما قال بعض المحدثين فله حكم الرفع لأن مثله لا يقال بمجرد الرأي .
رابعاً : إن هذا القول منقول عن جماعة من الصحابة منهم علي وابن عباس وابن عمر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم .
ومنقول عن جماعة من التابعين منهم الحسن وعطاء وبه قال عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى وكان أحد أئمة أهل الشام في العلم .

المطلب الثالث : حكم ذبح الأضحية ليلاً :
اختلف الفقهاء في حكم ذبح الأضحية ليلاً ، ويشمل ذلك ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر ، عند القائلين بأن الذبح يكون يوم الأضحى ويومان بعده ، ويضاف إلى ذلك ليلة الثالث عشر، عند القائلين بأن الذبح يكون يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده .
القول الأول : ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز ذبح الأضحية ليلاً مع الكراهة ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وإسحاق وأبو ثور ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد وهي اختيار أصحابه المتأخرين ، وهو قول ابن حزم ورواية عن مالك وأشهب .
القول الثاني : لا يجوز الذبح ليلاً ، فإن فعل فليست أضحية ، وبه قال الإمام مالك في القول المشهور عنه ، وأحمد في الرواية الأخرى عنه ونقل عن عطاء (1) .
أدلة الفريق الأول :
قالوا إن الليل زمن يصح فيه الرمي فأشبه النهار، فيصح فيه الذبح كالنهار .
وبيَّن الإمام الشافعي لماذا كرهوا الذبح ليلاً فقال :[ وإنما كرهنا أن يضحى ليلاً على نحو ما كرهنا من الجذاذ بالليل ، لأن الليل سكن والنهار يُنْتَشَرُ فيه لطلب المعاش ، فأحببنا أن يحضر من يحتاج إلى لحوم الضحايا ؛ لأن ذلك أجزل عن المتصدق وأشبه أن لا يجد المتصدق في مكارم الأخلاق بداً من أن يتصدق على من حضره للحياء ممن حضره من المساكين وغيرهم . مع أن الذي يلي الضحايا يليها بالنهار أخف عليه وأحرى أن لا يصيب نفسه بأذى ولا يفسد من الضحية شيئاً ] (2) .

أدلة الفريق الثاني :
احتجوا بقوله تعالى :}وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ { سورة الحج الآية 28 .
قالوا فذكر الأيام دون الليالي (3) ، فالأيام هي وقت الذبح دون الليالي .
واحتجوا أيضاً بما روي في الحديث عن ابن عباس مرفوعاً :( نهى رسول الله  عن الأضحية ليلاً) . قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير وفيه سليمان بن أبي سلمة الجنايزي متروك (1) .
واحتجوا بما ورد عن علي بن الحسين أنه قال لقيِّمٍ له جَدَّ نخله بالليل :( ألم تعلم أن الرسول  نهى عن جداد الليل وصرام الليل أو قال حصاد الليل ) رواه البيهقي (2) .
واحتجوا بما ورد عن الحسن البصري أنه قال :[ نهي عن جذاذ الليل وحصاد الليل والأضحى بالليل ] رواه البيهقي وقال النووي : وهذا مرسل أو موقوف (3) .

القول الراجح :
الذي يظهر لي رجحان قول الجمهور بجواز ذبح الأضحية ليلاً لما يلي :
-----------------------------------
(1) زاد المعاد 2/318-319 .
(1) المجموع 8/388،391 ، المغني 9/454 ، المحلى 6/39 ، الذخيرة 4/149-150 ، الهداية 8/432 ، الشرح الكبير 2/121 ، كشاف القناع 3/9-10 ، بداية المجتهد 1/354 ، بدائع الصنائع 4/213-214 ، شرح الآبي على صحيح مسلم 5/291 .
(2) الأم 2/222 .
(3) الذخيرة 4/149 ، الاستذكار 15/206 ، تفسير القرطبي 12/44 .
(1) مجمع الزوائد 4/23 .
(2) سنن البيهقي 9/290 .
(3) سنن البيهقي 9/290 ، المجموع 8/388 .
----------------------------------

1. إن لفظ الأيام في قوله تعالى:} فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ { ، قد يتناول الليل والنهار ، كما في قوله تعالى :} تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ { سورة هود الآية 11 .
وقال تعالى في قصة زكريا عليه الصلاة والسلام :} ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا { سورة آل عمران الآية 41 . وقال تعالى في موضع آخر :} ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا { سورة مريم الآية 10 .
والقصة قصة واحدة .
والعرب قد تستعمل اليوم في الوقت مطلقاً ، أي لا يختص بالنهار دون الليل (4) .
ولو سلَّمنا أن اليوم في الآية يدل على النهار فقط ، لم يمنع الذبح بالليل إلا بنحو ضعيف من إيجاب دليل الخطاب وهو تعليق ضد الحكم بضد مفهوم الاسم وهذا النوع من أنواع دليل الخطاب وهو أضعفها (5) .
2. إن حديث ابن عباس المذكور لا يثبت ، حيث إن فيه متروكاً ، فلا يصلح دليلاً ،
وأما ما جاء عن علي بن الحسين فقد قال النووي : هذا مرسل (1) .
3. إن أثر الحسن البصري كما قال النووي مرسل أو موقوف (2) .
وقال البيهقي :[ إنما كان ذلك من شدة حال الناس ، كان الرجل يفعله ليلاً فنهي عنه ثم رخص فيه ] (3) .
4. إن كراهة الذبح ليلاً ،كما علَّلها القائلون بها خشية أن يخطئ في الذبح ، أو يؤذي نفسه غير موجودة في زماننا هذا ، نظراً لوسائل الإضاءة المتوفرة ولا خوف من فساد اللحم ، نظراً لوسائل التبريد المتوفرة فلا مانع من الذبح ليلاً .

المطلب الرابع : الذبح قبل صلاة العيد :
اتفق أهل العلم على أن من ذبح أضحيته قبل صلاة العيد ممن هو مخاطب بها ، أنها لا تجزئ ولا تعتبر أضحيةً ، وإنما هو لحم قدمه لأهله .
ويدل على ذلك أحاديث :
1. عن البراء  قال سمعت النبي  يخطب فقال :( إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر ، فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا ، ومن نحر فإنما هو لحم يقدمه لأهله ليس من النسك في شيء .
فقال أبو بردة  : يا رسول الله ذبحت قبل أن أصلي ، وعندي جذعة خير من مسنة.
فقال : اجعلها مكانها ولن تجزئ أو توفي عن أحد بعدك ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى .
2. عن أنس  عن النبي  قال :( من ذبح قبل الصلاة فليعدْ ) رواه البخاري ومسلم .
3. عن جندب بن سفيان البجلي  قال :( شهدتُ النبي  يوم النحر فقال : من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى أيضاً.
4. وعن البراء  قال :( ضحى خالي أبو بردة قبل الصلاة . فقال رسول الله  تلك شاة لحم … الحديث ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى أيضاً .

المطلب الخامس: حكم الذبح بعد صلاة العيد ، وقبل أن يذبح إمام المسلمين أضحيته :
اختلف أهل العلم فيمن ذبح أضحيته بعد صلاة العيد ، وقبل أن يذبح الإمام أضحيته ، كما يلي :
القول الأول : قال جمهور الفقهاء من ذبح بعد صلاة العيد ، وقبل أن يذبح الإمام أضحيته فأضحيته جائزة ولا حرج في ذلك .
وهذا قول الحنفية والشافعية والحنابلة وأهل الظاهر (1) .
وحجتهم ما ورد في الأحاديث الكثيرة من تقييد وقت الأضحية بكونه بعد الصلاة كما في حديث أنس : ( من ذبح قبل الصلاة فليعد ) وقد مضى .
وفي حديث جندب  :( من ذبح قبل أن يصلي فليعد ) .
وفي رواية عند البخاري من حديث أنس  :( من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين ) وغير ذلك من الأحاديث .
القول الثاني : قال المالكية من ذبح بعد صلاة الإمام وقبل ذبحه ؛ فلا تجزؤه ولا تعد أضحية (2) .
-------------------------------
(4) لسان العرب 15/466 ، تاج العروس 17/779 .
(5) بداية المجتهد 1/355 .
(1) المجموع 8/388 .
(2) المصدر السابق .
(3) المصدر السابق .
(1) بداية المجتهد 1/353 ، المجموع 8/389 ، شرح النووي على صحيح مسلم 5/96 ، بدائع الصنائع 4/211 ، كشاف القناع 3/9 ، نيل الأوطار 5/141 .
(2) الذخيرة 4/194 ، الشرح الكبير 2/120 ، القوانين الفقهية ص125 .
-------------------------------

وحجة المالكية ما جاء في حديث البراء  أن خاله أبا بردة قد ذبح أضحيته قبل أن يضحي الرسول  ، فأمره أن يعيد ، وما جاء في رواية أخرى لحديث البراء  أن الرسول  قال :( لا يذبحنَّ أحدٌ حتى نصلي ) .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ لأن الرسول  أمر الذي ذبح قبله بالإعادة ، وقد أمر الله عز وجل عباده بالتأسي بنبيه  ، وحذرهم من مخالفته ] (3) .
والراجح في المسألة قول الجمهور وأن الأضحية غير مرتبطة بأضحية الإمام ، فتصح الأضحية بعد صلاة العيد صلى الإمام أم لم يصلِ ضحى أم لم يضح .

المطلب السادس : أفضل وقت لذبح الأضحية :
اتفق أهل العلم على أن أفضل وقت لذبح الأضحية ، هو اليوم الأول وهو يوم الأضحى بعد فراغ الناس من الصلاة ، وبعد أن يذبح إمام المسلمين أضحيته ، إن كان للمسلمين إمام خروجاً من الخلاف .
هذا في البلاد التي تقام فيها صلاة العيد (1) .
وأما في البلاد التي لا تصلى فيها العيد ، لأي سبب من الأسباب ؛ فإن وقت الذبح يكون بعد ارتفاع الشمس بقدر رمح أو رمحين ، ويضاف إلى ذلك من الوقت ما يسع الصلاة والخطبة ، ويكون ذلك بعد ساعة من شروق الشمس على وجه التقريب والله أعلم .
فإن لم يذبح في اليوم الأول في الوقت المفضل ، وهو المذكور سابقاً ذبح في اليوم الثاني بعد الفجر إلى الزوال .
وكره الإمام مالك الذبح في اليوم الأول بعد الزوال إلى غروب الشمس .
وكذلك كره الذبح في اليومين الثاني والثالث بعد الزوال ، لشبه الأضحية بالصلاة من جهة ارتباطها بها والصلاة لا تفعل بعد الزوال (2).

المطلب السابع : إذا اشترى أضحية فضلَّت أو ماتت قبل أن يذبحها :
إذا اشترى شاة للتضحية بها ، فضَلَّت أو ماتت فلا شيء عليه إن شاء الله (1) ، فقد روى البيهقي بإسناده عن تميم بن حويص المصري قال :[ اشتريت شاة بمنى أضحية فضلَّت . فسألت ابن عباس رضي الله عنهما . فقال : لا يضرك ] (2) .
وهذا القول بناءً على أن الأضحية سنة كما سبق ترجيحه .
قال الإمام الشافعي :[ وإذا اشترى الرجل الضحية فأوجبها أو لم يوجبها فماتت أو ضلَّت أو سرقت فلا بدل عليه ] (3) .
ويرى الحنفية بأن الموسر إذا اشترى أضحية فضلَّت أو ماتت أو سرقت ، أنه يجب عليه أن يضحي بشاة أخرى (4) . وهذا بناءً على قولهم بوجوب الأضحية .
والذي يظهر لي رجحان القول الأول .
قال الإمام البيهقي :[ باب الرجل يشتري الأضحية فتموت أو تسرق أو تضل ] ثم ساق بإسناده عن نافع قال :[ كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: أيما رجل أهدى هدية فضلَّت فإن كانت نذراً أبدلها ، وإن كانت تطوعاً فإن شاء أبدلها وإن شاء تركها … ] .
ثم ذكر أثر ابن عباس رضي الله عنهما السابق .
ثم ساق بإسناده عن محمد بن القاسم :[ أن عائشة رضي الله عنها ساقت بدنيتن فضلَّتا ، فأرسل إليها ابن الزبير بدنيتين مكانهما فنحرتهما ، ثم وجدت الأوليين فنحرتهما أيضاً ، ثم قالت هكذا السنة في البدن ] (5) .

المطلب الثامن : إذا فات وقت الأضحية ولم يضح ، فماذا يترتب على من أراد الأضحية ؟
قال الحنفية والمالكية إذا فات وقت الأضحية ولم يضح فإنها تقضى .
وقال الشافعية والحنابلة تقضى الأضحية المنذورة فقط ؛ فإذا فات وقتها ذبحها (1) .
قال الكاساني :[ … تقضى إذا فاتت عن وقتها … لما قلنا ] (2) .
-------------------------------
(3) الاستذكار 15/147-148 .
(1) بدائع الصنائع 4/223 ، الذخيرة 4/150 .
(2) الذخيرة 4/150 .
(1) الحاوي 15/110 ، المغني 9/454 ، تفسير القرطبي 6/41 .
(2) سنن البيهقي 9/289 .
(3) الأم 2/225 .
(4) انظر بدائع الصنائع 4/199 .
(5) سنن البيهقي 9/289 .
(1) بدائع الصنائع 4/202 ، المهذب 8/387 ، تفسير القرطبي 6/41 ، المغني 9/454 ، الحاوي 15/111 .
(2) بدائع الصنائع 4/202 .
--------------------------------

وقال الشيخ ابن قدامة :[ إذا فات وقت الذبح ، ذبح الواجب قضاءً ، وصنع به ما يصنع بالمذبوح في وقته ] (3) .
وأما الأضحية المسنونة ، فصاحبها مخيرٌ فيها ، فإن فرَّق لحمها كانت صدقة ، وليست أضحية ، لأنها شاة لحم ، والأضحية قد فاتته .
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي :[ فإن لم يضح حتى مضت أيام التشريق ، نظرت فإن كان ما يضحي به تطوعاً ، لم يضح لأنه ليس وقت لسنة الأضحية ، وإن كان نذراً لزمه أن يضحي ؛ لأنه قد وجب عليه فلم يسقط بفوات الوقت ] (4) .
والذي يظهر لي أن الراجح : هو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة ، أن الأضحية المنذروة إذا فات وقتها قضاها ، بمعنى ذبحها وصنع فيها كما يصنع في الأضحية في الوقت .
وأما المسنونة ، فإن فات الوقت ، فهو بالخيار إن شاء ذبحها ، وكانت شاة لحم ، وتصدق بما شاء منها ، وإن شاء حبسها للعام التالي ، فإن ذبحها في العام التالي كانت أضحية عن ذلك العام الذي ذبح فيه ، ولم تكن عن العام السابق الذي فاتت فيه والله أعلم .

المبحث الثالث
ما يطلب من المضحي عند الذبح وبعده

المطلب الأول : ما يطلب من المضحي عند الذبح :

أولاً : النية : أن ينوي عند شراء البهيمة أنها أضحية ، وهذه النية تكفي إن شاء الله . ولا بدَّ من النية ، لأن الأضحية عبادة ، والعبادة لا تصح إلا بالنية ، لقول الرسول  :( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) متفق عليه (1) .
والنية لا بد منها حتى نميز العمل الذي هو لله تعالى عن غيره ومن ذلك الأضحية .
قال الإمام القرافي تحت عنوان " فيما يفتقر إلى النية الشرعية " :[ … الأوامر التي لا تكون صورتها كافية في تحصيل مصلحتها المقصودة منها ، كالصلوات والطهارات والصيام والنسك ، فإن المقصود منها تعظيم الرب سبحانه وتعالى ، بفعلها والخضوع له في إتيانها وذلك إنما يحصل إذا قصدت من أجله سبحانه وتعالى ، فإن التعظيم بالفعل بدون قصد المعظم محال ، كمن صنع ضيافة لإنسان ، فانتفع بها غيره من غير قصد ، فإنا نجزم بأن المُعَظَّمَ الذي قُصِدَ بالكرامة ، دون من انتفع بها من غير قصد ، فهذا القسم هو الذي أمر فيه صاحب الشرع بالنية ] (2) .
وقال د. عمر الأشقر مبيناً أن النية تميز العبادات عن العادات :[ … الضحايا والهدايا : كما كان ذبح الذبائح في الغالب لغير الله ، من ضيافة الضيفان ، وتغذية الأبدان ، ونادر أحواله أن يُفْعَلَ تقرباً إلى الملك الديان . شُرِطت فيه النية تمييزاً لذبح القربة عن الذبح للاقتيات والضيافات ، لأن تطهير الحيوان بالذكاة كتطهير الأعضاء بالمياه من الأحداث تارة يكون لله ، وتارة يكون لغير الله ، فالنية واجبة كي يتميز الذي لله عما عداه ] (3) .
وقد نص الفقهاء على اشتراط النية في الأضحية .
قال الكاساني :[ فمنها نية الأضحية لا تجزئ بدونها لأن الذبح قد يكون للحم وقد يكون للقربة ، والفعل لا يقع قربة بدون النية … فلا تتعين الأضحية إلا بالنية ] (4) .
وتكفي النية بالقلب ولا يشترط التلفظ باللسان ، قال الكاساني :[ ويكفيه أن ينوي بقلبه ، ولا يشترط أن يقول بلسانه ما نوى بقلبه ، كما في الصلاة ؛ لأن النية عمل القلب والذكر باللسان دليل عليها ] (1) .
والصحيح أن التلفظ بالنية بدعة مخالفة لهدي المصطفى  .
ولو ذبحها غير صاحبها فلا يشترط أن يتلفظ بالنية عن صاحبها.
قال الشيخ ابن قدامة معلقاً على قول الخرقي :( وليس عليه أن يقول عند الذبح " عمَّن " لأن النية تجزئ ).
[ لا أعلم خلافاً في أن النية تجزئ ، وإن ذكر من يضحي عنه فحسن ] (2) .
وقال الشيخ القرافي :[ لو نوى الوكيل عن نفسه أجزأت صاحبها ، وقد اشترى ابن عمر رضي الله عنه شاة من راع فأنزلها من الجبل ، وأمره بذبحها فذبحها الراعي ، وقال : اللهم تقبل مني . فقال ابن عمر : ربك أعلم بمن أنزلها من الجبل ] (3) .
ثانياً : ربط الأضحية قبل الذبح : استحب (4) فقهاء الحنفية أن تربط الأضحية قبل أيام النحر , لما فيه من الاستعداد للقربة وإظهار الرغبة فيها ، فيكون له فيها أجر وثواب ؛ لأن ذلك يشعر بتعظيم هذه الشعيرة قال الله تعالى :} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { سورة الحج الآية 32 .
-------------------------------
(3) المغني 9/454 .
(4) المهذب 8/387 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 1/13 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/48 .
(2) الأمنية في إدراك النية ص27-28 .
(3) مقاصد المكلفين ص70 .
(4) بدائع الصنائع 4/208 ، وانظر الحاوي 15/99 فما بعدها ، الذخيرة 4/156 ، المغني 9/446 ، المجموع 8/423 .
(1) بدائع الصنائع 4/208 .
(2) المغني 9/456-457 .
(3) الذخيرة 4/156 .
--------------------------------

ثالثاً : أن يسوق الأضحية إلى محل الذبح سوقاً جميلاً لا عنيفاً (5) ، فقد روى عبد الرزاق بسنده عن محمد بن سيرين قال :[ رأى عمر بن الخطاب  رجلاً يسحب شاة برجلها ليذبحها فقال له : ويلك ! قدها إلى الموت قوداً جميلاً ] (6) ورواه البيهقي ، وذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (7) .
رابعاً : أن يحد السكين قبل الذبح (1) ، لأن المطلوب إراحة الحيوان بأسرع وقت ممكن، وهذا من الإحسان الذي ذكره الرسول  كما جاء في الحديث عن شداد بن أوس  أن النبي  قال :( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) رواه مسلم .
خامساً : أن لا يحد السكين أمام الحيوان الذي يريد ذبحه (2) ، لأن ذلك من الإحسان المأمور به كما جاء في الحديث السابق .
وعن ابن عباس  أن رجلاً أضجع شاة وهو يحد شفرته فقال النبي  :( أتريد أن تميتها موتات ؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها ؟ ) رواه الحاكم وقال : صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي ، ورواه عبد الرزاق والبيهقي وصححه الشيخ الألباني (3) .
وعن ابن عمر  أن الرسول  أمر بحد الشفار وأن توارى عن البهائم وقال :( إذا ذبح أحدكم فليجهز ) رواه أحمد والبيهقي وابن ماجة وفيه ابن لهيعه وهو ضعيف ، ولكن يشهد له ما سبق من حديث شداد وحديث ابن عباس (4) .
وعن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب أن رجلاً حدَّ شفرته وأخذ الشاة ليذبحها فضربه عمر بالدرة وقال :[ أتعذب الروح ؟! ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها ] رواه البيهقي (5) .
سادساً : يستحب إضجاع الغنم والبقر في الذبح ، وأنها لا تذبح وهي قائمة ولا باركة بل مضجعة ، لأنه أرفق بها ، وتضجع على جانبها الأيسر لأنه أسهل في الذبح ، وأخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار .
وأما الإبل فالسنة أن تنحر قائمةً على ثلاث قوائم معقولة الركبة اليسرى .
وقد صح عن جابر  :( أن النبي  وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمةً على ما بقي من قوائمها ) رواه أبو داود (1) بإسناد صحيح على شرط مسلم ، قاله الإمام النووي (2) .
وقد ثبت في الحديث عن زياد بن جبير قال :[ رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أتى على رجل أناخ بدنته ينحرها . قال : ابعثها قياماً مقيدةً سنة محمد  ] رواه البخاري
ومسلم (3) .
وقال بعض أهل العلم يستوي نحرها قائمةً وباركةً في الفضيلة (4). والحديث حجة عليهم .
سابعاً : استقبال القبلة من الذابح والذبيحة : يستحب أن يستقبل الذابح القبلة وأن يوجه مذبح الحيوان إلى القبلة .
قال الإمام النووي :[ استقبال الذابح القبلة وتوجيه الذبيحة إليها، وهذا مستحب في كل ذبيحة ، لكنه في الهدي والأضحية أشد استحباباً ، لأن الاستقبال في العبادات مستحب وفي بعضها واجب ] (5) .
ويدل على ذلك ما جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله  قال :( ذبح النبي  يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوئين ، فلما وجههما قال : إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفاً ، وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي ، لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت ، وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك ، وعن محمد وأمته باسم الله والله أكبر ثم
--------------------------------
(4) بدائع الصنائع 4/219 .
(5) المجموع 9/81 ، بدائع الصنائع 4/219 .
(6) المصنف 4/493 .
(7) سنن البيهقي 9/281 ، السلسلة الصحيحة 1/36 .
(1) بدائع الصنائع 4/223 ، المجموع 8/408 ، 9/81 .
(2) بدائع الصنائع 4/190 ، المجموع 9/81 .
(3) المصنف 4/393 ، المستدرك 4/257 ، سنن البيهقي 9/280 ، السلسلة الصحيحة 1/32 .
(4) الفتح الرباني 17/151 ، سنن البيهقي 9/280 ، سنن ابن ماجة 2/1059 .
(5) سنن البيهقي 9/280-281 .
(1) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 5/128-129 .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 3/438-439 .
(3) صحيح البخاري مع الفتح 4/301 ، صحيح مسلم بشرح النووي 3/438 .
(4) فتح الباري 4/301 ، شرح النووي على صحيح مسلم 3/439 .
(5) المجموع 8/408 ، وانظر بدائع الصنائع 4/221 ، الفتح الرباني 13/68 .
------------------------------------

ذبح ) رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد والدارمي ، وصححه الشيخ الألباني والشاهد في الحديث قوله ( فلما وجههما ) أي نحو القبلة (6) .
وجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي  قال :( ضحوا وطيبوا أنفسكم ، فإنه ما من مسلم يستقبل بذبيحته القبلة إلا كان دمها وفرثها وصوفها حسنات في ميزانه يوم القيامة ) رواه البيهقي وقال : وإسناده ضعيف (1) .
وجاء عن ابن عباس  أنه قال :[ ليجعل أحدكم ذبيحته بينه وبين القبلة ثم يقول :
من الله وإلى الله والله أكبر اللهم منك ولك اللهم تقبل ] قال الإمام النووي : رواه البخاري بمعناه (2) ، ولم أقف عليه في صحيح البخاري .
ثامناً : أن يتولى ذبحها بنفسه إن كان يحسن الذبح ، وإلا شهد ذبحها (3) ، ومما يدل على استحباب تولي الإنسان أضحيته بنفسه ، ما جاء في حديث أنس  :( أن النبي  ضحى بكبشين أقرنين أملحين ، وكان يسمي ويكبر ، ولقد رأيته يذبحهما بيده واضعاً رجله على صفاحهما ) رواه البخاري ومسلم وقد مضى .
قال الإمام البخاري في صحيحه [ باب من ذبح الأضاحي بيده ] ثم ذكر فيه حديث
أنس  السابق ، ثم ذكر في الباب الذي يليه [ وأمرَ أبو موسى بناته أن يضحين
بأيديهن . ثم قال الحافظ : وصله الحاكم في المستدرك .
ووقع لنا بعلو في خبرين كلاهما من طريق المسيب بن رافع أن أبا موسى كان يأمر بناته أن يذبحن نسائكهن بأيديهن وسنده صحيح (4) .
ويجوز لمن أراد الأضحية أن ينيب غيره في ذبحها كما سيأتي .
فإن أناب عنه فيستحب له أن يشهد ذبحها لما ورد في حديث أبي سعيد  أن الرسول  قال لفاطمة رضي الله عنها :( قومي لأضحيتك فاشهديها فإنه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنبك ) رواه البيهقي والحاكم (5) .
وقال الهيثمي :[ رواه البزار وفيه عطية بن قيس وفيه كلام كثير وقد وثق ] (1) .
وروى البيهقي بإسناده عن علي بن أبي طالب  أن رسول الله  قال لفاطمة رضي الله عنها :( يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك أما إن لك بأول قطرة تقطر من دمها مغفرة لكل ذنب، أما إنه يجاء بها يوم القيامة بلحومها ودمائها سبعين ضعفاً حتى توضع في ميزانك .
فقال أبو سعيد الخدري  : يا رسول الله أهذه لآل محمد خاصة فهم أهل لما خصوا به من خير ، أو لآل محمد والناس عامة .
فقال رسول الله : بل هي لآل محمد وللناس عامة ) رواه البيهقي ، وقال عمرو بن خالد ضعيف (2) .
ورواه أبو القاسم الأصبهاني في كتاب الترغيب والترهيب ، وأبو الفتح سليم بن أيوب الفقيه الشافعي في كتاب الترغيب ، وقال الحافظ المنذري : وقد حسن بعض مشايخنا حديث علي هذا والله أعلم (3) .
وروى البيهقي بإسناده عن عمران بن حصين  قال :( قال رسول الله  : يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك ، فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه ، وقولي : إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين .
قلت : يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة فأهل ذلك أنتم أم للمسلمين عامة .
قال : بل للمسلين عامة ) ورواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وتعقبه الذهبي قائلاً :[ بل أبو حمزة ضعيف جداً وإسماعيل ليس بذاك ] (4) .
وهذه الأحاديث ، وإن كان كل واحد منها لا يخلو من مقال ، فإن بعضها يقوي بعضاً فتصلح للاستشهاد .

تاسعاً : التسمية والتكبير عند الذبح (1) :
----------------------------------
(6) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/351 ، سنن ابن ماجة 2/1043 ، الفتح الرباني 13/62 ، إرواء الغليل 4/349 .
(1) سنن البيهقي 9/285 .
(2) المجموع 8/408 .
(3) المجموع 8/405 ، بدائع الصنائع 4/221 ، الذخيرة 4/155 ، تبيين الحقائق 6/9 ، فتح باب العناية 3/78 ، كشاف القناع 3/8 ، المحلى 6/44 ، فتح الباري 12/114 .
(4) صحيح البخاري مع فتح الباري 12/114-115 .
(5) سنن البيهقي 9/283 ، المستدرك 4/247 .
(1) مجمع الزوائد 4/17 ، وانظر الترغيب والترهيب 2/154 .
(2) سنن اليهقي 9/283 .
(3) الترغيب والترهيب 2/155 ، وانظر نصب الراية 4/220 .
(4) المستدرك 4/247 .
---------------------------------

المفصل في أحكام الأضحية، الاشتراك في الأضحية في الإبل والبقر فقط، - 7 -


 المفصل في أحكام الأضحية، الاشتراك في الأضحية في الإبل والبقر فقط، - 7 -
وقال أبو جعفر الطبري : أجمعت الأمة على أن البدنة والبقرة لا تجزئ عن أكثر من سبعة،
قال وفي ذلك دليل على أن حديث ابن عباس وما كان مثله خطأٌ ووهمٌ أو منسوخ ] (2)
وقال البيهقي:[ إن حديث جابر أصح من حديث ابن عباس ] (3) .
ورجح ابن قدامة حديث جابر أيضاً على حديث ابن عباس (4) .
ومذهب الجمهور هو الراجح لقوة أدلتهم .

المطلب الثالث : الاشتراك في الأضحية في الإبل والبقر فقط :
المراد بالاشتراك ، هنا هو أن يشترك سبعة أشخاص في ثمن بقرة أو ناقة ثم يذبحونها أضحية عنهم لكل منهم سُبع .
وليس المراد بالاشتراك هنا أن يشتريها واحدٌ فيذبحها ويُشَرِّك غيره في الأجر ، فهذا جائز بالاتفاق .
وقد اختلف الفقهاء في مسألة اشتراك سبعة أشخاص في ثمن بقرة أو ناقة كما يلي :
القول الأول : يجوز اشتراك سبعة في بقرة أو ناقة للتضحية بها ، سواء كانوا كلهم أهل بيت واحد ، أو متفرقين ، أو بعضهم يريد اللحم ، وبعضهم يريد القربة ، وسواء كانت أضحية منذورة أو تطوعاً .
وهذا مذهب الشافعية والحنابلة .
وأجاز داود الظاهري الاشتراك في أضحية التطوع دون الواجبة (1) .
وقال الحنفية يجوز الاشتراك بشرط أن يكون السبعة متقربين فإن كان أحدهم يريد اللحم لم تجزئ (2) .
وقالت الهادوية يجوز الاشتراك بشرط اتفاق غرض الشركاء ولا يصح مع الاختلاف (3) .
القول الثاني : لا يجوز الاشتراك في الأضحية ، وهو قول المالكية ، فلا يجزئ عندهم أن يشترك سبعة في بقرة أو بدنة ، بأن يسهم كلٌ منهم بشيء من الثمن ، فإن فعلوا فلا تجزئ عن واحد منهم (4) .
ويدل لقول الجمهور بجواز الاشتراك حديث جابر السابق وفيه ( نحرنا مع رسول الله  عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة ) رواه مسلم .
وحديث حذيفة أيضاً وقد سبق وفيه ( أن الرسول  شَرَّكَ في حجته بين المسلمين في البقرة عن سبعة ) .
ويؤيد ذلك ما رواه البيهقي عن علي وحذيفة وأبي مسعود الأنصاري وعائشة رضي الله عنهم أنهم قالوا البقرة عن سبعة (1) .
واحتج المالكية بحديث مالك عن ابن شهاب الزهري :( أن رسول الله  لم يذبح عن أهل بيته إلا بقرة واحدة ) .
قال الحافظ ابن عبد البر:[ وقد رواه غير مالك عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة أن رسول الله  نحر عن نسائه بقرة واحدة .
ولا يصح من جهة النقل .
وروي من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله .
ذكر أبو عيسى الترمذي قال : حدثني إسحاق بن منصور … عن أبي هريرة قال :( ذبح رسول الله  عمَّن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن ) .
قال أبو عيسى : سألت محمد بن إسماعيل – يعني الإمام البخاري – عن هذا الحديث ؟
فقال : إن الوليد بن مسلم لم يقل فيه حدثنا الأوزاعي وأراد أخذه عن يوسف بن السفر، ويوسف بن السفر ذاهب الحديث ، وضعف محمدٌ – أي البخاري – هذا الحديث ] (2) .
وقاس بعض المالكية المنع من الاشتراك في الإبل والبقر على منع الاشتراك في الشاة الواحدة.
ولم يرتض الحافظ ابن عبد البر هذا القياس (3) .
وقال الإمام النووي :[ وأما قياسه على الشاة، فعجب لأن الشاة إنما تجزئ عن واحد ] (4)
----------------------------------
(2) الاستذكار 15/190 .
(3) معرفة السنن والآثار 14/63 .
(4) المغني 9/438 .
(1) المجموع 8/398 ، المغني 9/438،458 .
(2) بدائع الصنائع 4/208 .
(3) سبل السلام 4/178 .
(4) بلغة السالك 1/287 ، الذخيرة 4/152 ، حاشية الدسوقي 2/119 .
(1) سنن البيهقي 9/295 .
(2) الاستذكار 15/185-186 .
(3) المصدر السابق 15/186 .
---------------------------------------

والراجح هو القول الأول بجواز الاشتراك في الإبل والبقر لقوة الأدلة ، ولأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك كما سبق في المطلب الأول من هذا المبحث .

المطلب الرابع : ما هو الأفضل في الأضحية من أنواع الأنعام ؟
اختلف الفقهاء في الأفضل في الأضحية من أنواع الأنعام على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أفضل الأضاحي هي البدنة ثم البقرة ثم الشاة .
وهذا قول الشافعية والحنابلة والظاهرية ، وبه قال بعض المالكية (1) .
قال الإمام الشافعي :[ والإبلُ أَحبُ إليَّ أن يُضَحَّى بها من البقر ، والبقر من الغنم ، والضأنُ أَحبُ إليَّ من المعز ] .
وقال الماوردي :[ أفضل الضحايا الثني من الإبل ، ثم الثني من البقر ، ثم الجذع من الضأن ثم الثني من المعز ] (2) .
القول الثاني : أفضل الأضاحي الضأن ثم البقر ثم الإبل ، وهذا قول المالكية المعتمد عندهم.
قال الخرشي :[ الضأن بإطلاقه ، ذكوره وإناثه وفحوله وخصيانه ، أفضل في الأضحية من المعز بإطلاقه ، ثم إن المعز بإطلاقه أفضل من الإبل ومن البقر بإطلاقهما ] (3) .
وقال بعض المالكية أفضلها الغنم ثم الإبل ثم البقر (4) .
القول الثالث : أفضل الأضاحي ما كان أكثر لحماً وأطيب ، وهذا قول الحنفية ، فالشاة أفضل من سبع البقرة ، فإن كان سبع البقرة أكثر لحماً فهو أفضل .
والأصل عندهم في هذا إذا استويا في اللحم والقيمة ، فأطيبها لحماً أفضل ، وإذا اختلفا فيهما فالفاضل أولى (5) .
حجة الفريق الأول :
1. احتجوا بقوله تعالى :} وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ { سورة الحج الآية 36 .
2. قالوا إن البدنة أعظم من البقرة ، والبقرة أعظم من الشاة ، والله تعالى يقول :} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { سورة الحج الآية 32 .
3. واحتجوا بحديث أبي هريرة  أن النبي  قال :( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح ، فكأنما قرَّبَ بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرَّبَ بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرَّبَ كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرَّبَ دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرَّبَ بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكةُ يستمعون الذكر ) رواه البخاري ومسلم (1) .
قال النووي :[ وفيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقرة ، لأن الرسول  قدَّمَ الإبل ، وجعلَ البقرة في الدرجة الثانية ] (2) .
4. قال ابن قدامة :[ ولأنه ذبح يتقرب به إلى الله تعالى ، فكانت البدنةُ فيه أفضل ، كالهدي فإنه قد سلَّمَه . ولأنها أكثر ثمناً ولحماً وأنفع ] (3) .
حجة الفريق الثاني :
1. احتجوا بقول الله تعالى :} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ { سورة الصافات الآية 107 .
قالوا وكان الذبح العظيم كبشاً ، فالله سبحانه وتعالى وصفه بالعظيم ، ولم يحصل هذا الوصف لغيره (4) .
وقال القرطبي:[ } وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ { ، أي ضخم الجثة سمين ، وذلك كبشٌ لا جملٌ ولا بقرة ] (5) .
وقال ابن دقيق العيد : [ وقد يستدل للمالكية باختيار النبي  في الأضاحي للغنم ، وباختيار الله تعالى في فداء الذبيح ] (6)
2. واحتجوا بأن النبي  كان يضحي بالكبش ، كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي  :( أمر بكبش أقرن ، يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد … وأخذ الكبش فأضجعه … ) رواه مسلم وقد سبق .
---------------------------------
(4) المجموع 8/399 .
(1) المغني 9/438 ، المجموع 8/396،398 ، الذخيرة 4/144 ، الحاوي 15/77 .
(2) الحاوي 15/77 .
(3) شرح الخرشي 3/38 ، الذخيرة 4/143 ، بداية المجتهد 1/348 ، جامع الأمهات ص 229 .
(4) الذخيرة 4/144 .
(5) حاشية ابن عابدين 6/322 ، بدائع الصنائع 4/223 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 3/17 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 2/451 .
(2) صحيح مسلم مع شرح النووي 2/452 .
(3) المغني 9/439 .
(4) الذخيرة 4/143 .
(5) تفسير القرطبي 15/107 .
(6) إحكام الأحكام 2/291 .
-----------------------------------

قالوا وقد تكرر من الرسول  التضحية بالغنم ، وهو  لا يضحي مكرراً ذلك عاماً بعد عام ، إلا بما هو الأفضل في الأضحية ، فلو كانت التضحية بالإبل والبقر أفضل لفعل  ذلك الأفضل (1) .
3. واحتجوا بحديث عبادة بن الصامت  عن رسول الله  قال :( خير الكفن الحُلَّةُ ، وخيرُ الأضحية الكبشُ الأقرن ) رواه أبو داود والبيهقي والحاكم ووافقه الذهبي .
وقال الشيخ الألباني : ضعيف . وضعفه ابن حزم أيضاً (2) .
ورواه البيهقي أيضاً من رواية أبي أمامة  بإسناد ضعيف كما قال الإمام النووي (3) .
حجة الفريق الثالث :
1. وقد يحتج للحنفية بما ورد أن الرسول  قال :( إن أحب الضحايا إلى الله أغلاها وأسمنها ) رواه أحمد والبيهقي والحاكم .
وقال الهيثمي :[ رواه أحمد ، وأبو الأشد – أحد رجال السند - لم أجدْ منْ وَثَّقَهُ ولا جرحه ، وكذلك أبوه ، وقيل إن جده عمرو بن عبس ].وقال الشيخ الألباني : ضعيف (4)
2. ويحتج لهم بما جاء عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى } ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ { الآية .
قال ابن عباس :[ الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والضأن والمعز ، على قدر الميسرة فما عظمت فهو أفضل ] (5) .
القول الراجح : بعد إجالة النظر في أدلة العلماء في هذه المسألة يظهر لي رجحان قول المالكية في أن الأفضل في الأضحية الغنم ثم الإبل ثم البقر.
لأن أدلة المالكية أخص في محل النزاع لأنه  كان يضحي بالغنم بل بالكباش وقد ثبت ذلك في أحاديث منها :
1. عن أنس  :( أن النبي  كان يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين ) رواه البخاري ومسلم (1) . وفي قول أنس ( كان يضحي ) ما يدل على المداومة (2) .
2. حديث عائشة رضي الله عنها :( أن رسول الله  أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به … الخ ) رواه مسلم وقد مضى.
3. حديث جابر بن عبد الله  قال :( ضحى رسول الله  يوم عيد بكبشين … ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وقد سبق .
4. وعن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله  :( كان إذ أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين … الخ ) رواه أحمد وابن ماجة وقد مضى .
5. حديث أبي سعيد  قال :( ضحى رسول الله  بكبش أقرن فحيل ، يأكل في سواد، ويمشي في سواد ، وينظر في سواد ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب (3) .
6. حديث جابر بن عبد الله  قال :( شهدتُ مع رسول الله  الأضحى بالمصلى ، فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره وأُتِيَ بكبش فذبحه رسولُ الله  بيده … الخ ) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وقد مضى .
7. عن ثوبان  قال :( ضحى رسول الله  ثم قال : يا ثوبان أصلح لنا لحم هذه الشاة. فما زلت أطعمه منها حتى قدمنا المدينة ) رواه مسلم وأبو داود وقد مضى .
8. عن علي  :( أنه كان يضحي بكبشين أحدهما عن النبي  والآخر عن نفسه . فقيل له . فقال : أمرني به يعني النبي  فلا أدعه أبداً ) رواه الترمذي وأبو داود (1) ، وسيأتي الكلام على تخريجه في مبحث الأضحية عن الميت .
ومما يدل على أفضلية التضحية بالكبش ، أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقتدون بالرسول  في تضحيته بالكبش ، كما في حديث أنس  السابق وفيه :( كان النبي  يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين ) .
---------------------------------
(1) أضواء البيان 5/435 .
(2) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 8/300 ، سنن البيهقي 9/273 ، ضعيف الجامع الصغير ص424 ،
المحلى 6/32 ، المستدرك 4/254 .
(3) المجموع 8/399 ، وانظر سنن البيهقي 9/273 .
(4) الفتح الرباني 13/86 ، سنن البيهقي 9/272 ، المستدرك 4/275 ، مجمع الزوائد 4/21 ، سلسلة الأحاديث الضعيفة 4/174 .
(5) سنن البيهقي 9/272 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/119 ، صحيح مسلم بشرح النووي 5/103 .
(2) انظر فتح الباري 12/114 .
(3) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/66-67 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/352 ، سنن النسائي 7/221 سنن ابن ماجة 2/1046 .
(1) سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/65 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/344 .
-----------------------------------

فهذا يدل على اتباع أنس  للرسول  في التضحية بالكبشين ، كما يدل الحديث أيضاً على مداومة الرسول  على التضحية بالكبش (2) .
وعن يونس بن ميسرة بن حلس قال :( خرجت مع أبي سعيد الزرقي صاحب رسول الله  إلى شراء الضحايا . قال يونس : فأشار أبو سعيد إلى كبش أدغم ليس بالمرتفع ولا المتضع في جسمه فقال : اشتر لي هذا . كأنه شبههه بكبش رسول الله  ) رواه ابن ماجة وقال البوصيري في الزوائد : إسناده صحيح (3) .
وصححه الشيخ الألباني (4) ورواه الحاكم وصححه ،ووافقه الذهبي (5) .
وعن النعمان بن أبي فاطمة  :( أنه اشترى كبشاً أعين أقرن ، وأن النبي  رآه فقال : كأنَّ هذا الكبش الذي ذبح إبراهيم . فعمد رجل من الأنصار فاشترى للنبي  من هذه الصفة ، فأخذه النبي  فضحى به ) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات قاله الهيثمي (6)
كما أن أدلة الفريقين الأول والثالث فيها نظر .
أما الآية الأولى وهي قوله تعالى :} وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ { .
فالبدن هي الإبل التي تُهدى إلى الكعبة فليست الآية في خصوص الأضحية .
وأما الآية الثانية ؛ وهي قوله تعالى :} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { فهي عامة ، لأن شعائر الله أعلام دينه فليست الآية في خصوص الأضحية أيضاً .
وأما الحديث ؛ وفيه تقريب البدنة ثم البقرة ثم الكبش ، فهذا الحديث واردٌ في الهدي في الحج ، وليس في خصوص الأضحية .
وأما فعل رسول الله  فقد ورد في الأضحية على وجه الخصوص.
وأما قول الفريق الأول بأن تضحية النبي  بالغنم لبيان الجواز ، أو لأنه لم يتمكن ذلك الوقت إلا من الغنم كما قاله الإمام النووي (1) .
فالجواب إن تكرار تضحيته  بالغنم يدل على قصده الغنم دون غيرها ، ولو لم يتيسر له إلا الغنم في سنة ، لتيسر له في غيرها في سنة أخرى .
وأما حديث ( خير الأضحية الكبش الأقرن ) فإنه وإن كان فيه ضعفٌ ، إلا أنه يتقوى بالأحاديث الصحيحة الثابتة من فعله  بالتضحية بالكباش (2) ، وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي (3) .
وأما الحديث الذي احتج به الحنفية ، فإنه حديث ضعيف لا يصلح للاستدلال .
وأثر ابن عباس الذي احتج به الحنفية فليس فيه ما يعارض أدلة المالكية والله أعلم .
وخلاصة الأمر أنه لا ينبغي العدول عن فعل النبي  وهو التضحية بالكبش ، والأحاديث الواردة بذلك خصوص مقدم على غيره من العمومات (4) .

المطلب الخامس : تسمين الأضحية :
اتفق أهل العلم على أنه يستحب أن تكون الأضحيةُ سمينةٌ .
قال الإمام البخاري :[ باب أضحية النبي  بكبشين أقرنين ، ويُذْكَرُ سمينين ] .
وقال الحافظ ابن حجر :[ قوله " ويذكر سمينين " أي في صفة الكبشين ، وهي في بعض طرق حديث أنس من رواية شعبة عن قتادة عنه أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق الحجاج بن محمد عن شعبة .
- وحديث أنس  الذي أشار إليه الحافظ ابن حجر هو: عن أنس  قال :( كان النبي  يضحي بكبشين ) فهذا الحديث عند أبي عوانة فيه ( بكبشين سمينين ) – ثم قال الحافظ :[ وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق في مصنفه … عن أبي هريرة :( أن النبي  كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين فذبح أحدهما عن محمد وآل محمد ، والآخر عن أمته من شهد له بالتوحيد والبلاغ )] (1) .
وقد قال الإمام الشافعي :[ استكثار القيمة في الأضحية أفضل من استكثار العدد … لأن المقصود هنا اللحم والسمين أكثر وأطيب ] (2) .
-------------------------------------
(2) انظر فتح الباري 12/106 .
(3) سنن ابن ماجة 2/1046 .
(4) صحيح سنن ابن ماجة 2/200 .
(5) المستدرك 4/254 .
(6) مجمع الزوائد 4/23 .
(1) شرح صحيح مسلم 2/452 .
(2) انظر أضواء البيان 5/435-436 .
(3) المستدرك 4/254 .
(4) انظر عارضة الأحوذي 6/233 ، فتح الباري 12/107 .
(1) صحيح البخاري مع الفتح 12/105 .
(2) المجموع 8/396 .
------------------------------

وقد اختلف أهل العلم في حكم تسمين الأضحية كما يلي :
فذهب جمهور العلماء إلى استحباب تسمين الأضحية (3) .
فقد روى البخاري في صحيحه تعليقاً :[ قال يحيى بن سعيد قال: سمعت أبا أمامة بن سهل قال: كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون ]
قال الحافظ ابن حجر:[ وصله أبو نعيم في المستخرج … الخ ] (4) .
وقال الإمام الشافعي :[ وزعم بعض المفسرين أن قول الله جل ثناؤه :} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ { ، استسمان الهدي واستحسانه ] (5) .
قال الماوردي :[ اختلف المفسرون في قول الله تعالى :} ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { على ثلاثة أقوال :
أحدها : أن شعائر الله دين الله كله ، وتعظيمها التزامها وهذا قول الحسن .
والثاني : أنها مناسك الحج وتعظيمها استيفاؤها وهو قول جماعة .
والثالث : أنها البدن المشعره ، وتعظيمها استسمانها واستحسانها ، وهذا قول مجاهد واختيار الشافعي ] (1) .
وذهب بعض المالكية إلى أنه يكره تسمين الأضحية لأنه سنة اليهود !! (2) .
وهذا قول باطل كما قال الإمام النووي (3) .
والراجح القول باستحباب تسمين الأضحية ، لأن ذلك أعظم لأجرها وأكثر لنفعها
والله أعلم .
وينبغي التنبيه إلى أنه قد وردت بعض الأحاديث غير الثابتة في تسمين وتعظيم الأضحية وقد سبق ذكرها وبيان درجتها في مبحث فضل الأضحية .

المطلب السادس : أفضل الأضحية لوناً :
قال الإمام النووي :[ أفضلها ، البيضاء ثم الصفراء ثم الغبراء ، وهي التي لا يصفو بياضها ثم البلقاء ، وهي التي بعضها أبيض وبعضها أسود ثم السوداء ] (1) .
وقال ابن قدامة :[ والأفضل في الأضحية من الغنم في لونها البياض ] (2) .
ويدل على ذلك :
1. ما ورد في حديث أنس  :( أن رسول الله  انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده ) رواه البخاري (3) .
قال الحافظ ابن حجر :[ الأملح : هو الذي فيه سواد وبياض والبياض أكثر ، ويقال هو الأغبر وهو قول الأصمعي .
وزاد الخطابي هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود. ويقال الأبيض الخالص قاله ابن الأعرابي ، وبه تمسك الشافعية في تفضيل الأبيض في الأضحية ] (4) .
وذكر في المصباح المنير من معاني الأملح : نقيُّ البياض (5) .
2. وعن أبي هريرة  أن رسول الله  قال :( دمُ عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين ) رواه أحمد والحاكم والبيهقي وقال الشيخ الألباني: حديث حسن (6) .
والعفراء من العفر وهو بياض ليس بالخالص (7) .
----------------------------------
(3) المجموع 8/396 ، بدائع الصنائع 4/223 ، شرح الخرشي 3/38 ، المغني 9/439 .
(4) صحيح البخاري مع الفتح 12/105 .
(5) الأم 2/224 .
(1) الحاوي 15/79 .
(2) الذخيرة 4/146 ، شرح الخرشي 3/38 .
(3) المجموع 8/396 .

(1) المجموع 8/396-397 .
(2) المغني 9/439 .
(3) صحيح البخاري مع الفتح 12/106 .
(4) فتح الباري 12/106 .
(5) المصباح المنير ص579 .
(6) الفتح الرباني 13/81 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/475-476 ، المستدرك 4/252 ، سنن البيهقي 9/273 .
--------------------------------------

وينبغي أن يعلم أن العلماء لم يكرهوا بقية الألوان في الأضحية ، إنما الأفضل عندهم الأبيض .

قال الماوردي بعد أن ذكر الألوان المرغوبة في الأضحية :[ وباقي هذه الألوان إن ضحى لم يكن فيه كراهية ، وإن كان ما اخترناه من الألوان أفضل ، فمنها ما كان أفضل لحسن منظره ، ومنها ما كان أفضل لطيب مخبره ، فإن اجتمعا كان أفضل ، وإن افترقا كان طيب المخبر أفضل من حسن المنظر ] (1) .

المبحث الثاني عشر
اجتماع الأضحية والعقيقة

إذا اجتمعت الأضحية والعقيقة ، كأن أراد شخصٌ أن يعقَ عن ولده يوم عيد الأضحى ، أو في أيام التشريق ، فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة ؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : تجزئ الأضحية عن العقيقة ، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة وهشام _ من التابعين _ ، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد (1) .
وبه قال الحنفية ، قال ابن عابدين :[… وكذا لو أراد بعضهم العقيقة عن ولد قد ولد له من قبل ، لأن ذلك جهة التقرب بالشكر على نعمة الولد ذكره محمد ] (2) .
وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن الحسن قال :[ إذا ضحوا عن الغلام فقد أجزأت عنه من العقيقة ] ورواه أيضاً عبد الرزاق.
وروى عن هشام وابن سيرين قالا :[ يجزئ عنه الأضحية من العقيقة ] .
وروى عبد الرزاق أيضاً عن قتادة قال :[ من لم يعق عنه أجزأته أضحيته ] (3) .
وقال الخلال :[ باب ما روي أن الأضحية تجزئ عن العقيقة ، ثم ذكر عن الميموني أنه قال لأبي عبد الله – أحمد بن حنبل – : يجوز أن يضحى عن الصبي مكان العقيقة ؟
قال : لاأدري . ثم قال : غير واحد يقول به .
قلت: من التابعين . قال نعم … ثم قال : ذكر أبو عبد الله أن بعضهم قال : فإن ضحى أجزأ عن العقيقة … ثم قال: إن أبا عبد الله قال : أرجو أن تجزئ الضحية عن العقيقة إن شاء الله تعالى لمن لم يعق …ثم قال ورأيت أبا عبد الله اشترى أضحية ذبحها عنه وعن أهله وكان ابنه عبد الله صغيراً فذبحها أراه أراد بذلك العقيقة والأضحية وقسم اللحم وأكل منها ] (4) .
وترى هذه الطائفة من أهل العلم أن المقصود بالأضحية والعقيقة يحصل بذبح واحد ، وفي ذلك نوع شَبَهٍ من الجمعة والعيد إذا اجتمعتا .
وكما لو صلى ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة ، أو صلى بعد الطواف فرضاً أو سنة مكتوبة ، وقع عنه وعن ركعتي الطواف .
وكذلك لو ذبح المتمتع والقارن شاة يوم النحر أجزأ عن دم المتعة وعن الأضحية (1) .
القول الثاني : لا تجزئ الأضحية عن العقيقة وهو قول المالكية والشافعية (2) والرواية الأخرى عن الإمام أحمد ، فقد روى الخلال عن عبد الله بن أحمد قال :[ سألت أبي عن العقيقة يوم الأضحى تجزئ أن تكون أضحية وعقيقة ؟ قال: إما أضحية وإما عقيقة على ما سمّى ] (3) ، وعلى هذه الرواية أكثر الحنابلة (4) .
وحجة هؤلاء أن كلاً من الأضحية والعقيقة ذبحان بسببين مختلفين ، فلا يقوم الواحد عنهما ، كدم التمتع ودم الفدية (5) .
وقالوا أيضاً إن المقصود بالأضحية إراقة الدم في كل منهما ، ولا تقوم إراقة مقام
----------------------------------
(7) المصباح المنير ص418 .
(1) الحاوي 15/79 ، وانظر فتح الباري 12/106 .
(1) فتح الباري 12/13 ، شرح السنة 11/267 ، الإنصاف 4/111 ، كشاف القناع 3/29 ، الفروع 3/564 ،
تحفة المودود ص68 .
(2) حاشية ابن عابدين 6/326 .
(3) مصنف ابن أبي شيبة 8/244 . مصنف عبد الرزاق 4/331 ، 333 .
(4) تحفة المودود ص 68 .
(1) تصحيح الفروع 3/564 ،تحفة المودود ص69 .
(2) شرح الخرشي 3/41، الذخيرة 4/166 ، الفتاوى الكبرى الفقهية 4/256 .
(3) تحفة المودود ص68 .
(4) تصحيح الفروع 3/565 .
(5) تحفة المودود ص68 ، أحكام العقيقة ص50 .
-----------------------------------

إراقتين (6) .
وسئل الشيخ ابن حجر المكي عن ذبح شاة أيام الأضحية بنيتها ونية العقيقة ، فهل يحصلان أو لا ؟
فأجاب :[ الذي دل عليه كلام الأصحاب وجرينا عليه منذ سنين أنه لا تداخل في ذلك ، لأن كلاً من الأضحية والعقيقة ، سنةٌ مقصودةٌ لذاتها ، ولها سبب يخالف سبب الأخرى ، والمقصود منها غير المقصود من الأخرى ، إذ الأضحيةُ فداءٌ عن النفس ، والعقيقةُ فداءٌ عن الولد ، إذ بها نُمُّوهُ وصلاحهُ ، ورجاءُ بِرِّهِ وشفاعته ، وبالقول بالتداخل يبطل المقصود من كلٍ منهما ، فلم يمكن القول به نظير ما قالوه في سنة غسل الجمعة وغسل العيد ، وسنة الظهر وسنة العصر ، وأما تحية المسجد ونحوها فهي ليست مقصودة لذاتها بل لعدم هتك حرمة المسجد ، وذلك حاصلٌ بصلاة غيرها ، وكذا صوم نحو الإثنين ، لأن القصد منه إحياء هذا اليوم بعبادة الصوم المخصوصة ، وذلك حاصلٌ بأي صومٍ وقع فيه .
وأما الأضحية والعقيقة ، فليستا كذلك كما ظهر مما قررته وهو واضح ، والكلام حيث اقتصر على نحو شاة أو سبع بدنة أو بقرة ، أما لو ذبح بدنة أو بقرة عن سبعة أسباب ، منها ضحية وعقيقة والباقي كفارات ، كنحو الحلق في النسك فيجزي ذلك ، وليس هو من باب التداخل في شيء لأن كل سبع يقع مجزياً عما نوى به .
وفي شرح العباب: لو ولد له ولدان ، ولو في بطن واحدة ، فذبح عنهما شاة ، لم يتأدى بها أصل السنة كما في المجموع وغيره ، وقال ابن عبد البر: لا أعلم فيه خلافاً أ.هـ
وبهذا يعلم أنه لا يجزي التداخل في الأضحية والعقيقة من باب أولى ، لأنه إذا امتنع مع اتحاد الجنس فأولى مع اختلافه ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ] (1) .
والذي أراه راجحاً هو عدم إجزاء الأضحية عن العقيقة ، وعدم إجزاء العقيقة عن الأضحية ، لأن كلاً منهما لها سببها الخاص في إراقة الدم ، ولا تقوم إحداهما مقام الأخرى .
والمسائل التي ذكروها ليست مسلَّمةً عند جميع العلماء ، فحصول العبادتين بنية واحدة ، أجازه من أجازه من أهل العلم ، لأنهم عدُّوها من قبيل الوسائل لا المقاصد ،كما لو نوى بغسله رفع الحدث الأصغر والأكبر ، أو نوى بالغسل الجمعة والجنابة ، وخالف في ذلك ابن حزم ،وأمَّا حصول تحية المسجد وسنَّة المكتوبة ، فلأن تحية المسجد تحصل وإن لم يقصدها ، وأمَّا ما صححوه من تجويز عبادتين بنيَّةٍ واحدةٍ فالذي يظهر أنَّ الشارع قد اعتبر فيه الأمرين المقصودين ولو لم يقصدهما الفاعل ،كمن يتصدق على ذي رحمه ينال أجرين : أجر الصدقة وأجر صلة الرحم (2).

الفصل الثاني
ما يتعلق بالمضحي ووقت الأضحية

المبحث الأول
ما يطلب ممن أراد الأضحية عند دخول أول ذي الحجة

ثبت في الحديث الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي  قال :( إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ) رواه مسلم (1) .
وفي رواية أخرى :( من كان له ذِبح يذبحه فإذا أهلَّ هلالُ ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي ) رواه مسلم (2) . والذِبح بكسر الذال : الذبيحة .
وقد اختلف العلماء فيمن أراد أن يضحي وأهلَّ عليه هلال ذي الحجة فما حكم الأخذ من شعره وأظفاره على أقوال كما يلي :
القول الأول : قال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وابن حزم الظاهريان وأبو الحسن العبادي من الشافعية ، إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية (3) .
القول الثاني : قال المالكية والشافعية وبعض الحنابلة يكره له ذلك كراهة تنزيه وليس
بحرام (4) .
القول الثالث : قال أبو حنيفة وأصحابه يباح ذلك وهو رواية عن مالك (5) .
ونقل عن أبي حنيفة القول بالاستحباب وأن من يفعله يكره له ذلك كراهة تنزيه (6) .
---------------------------------
(6) الذخيرة 4/166 ، حاشية العدوي 3/48 .
(1) الفتاوى الكبرى الفقهية 4/256 .
(2) انظر مقاصد المكلفين ص 255 –256 .
(1) صحيح مسلم مع شرح النووي 4/119 .
(2) المصدر السابق 4/120 .
(3) المغني 9/436 ، المحلى 6/3 ، شرح النووي على صحيح مسلم 4/119 ، معجم فقه السلف 4/144 .
(4) الذخيرة 4/141 ، المجموع 8/391 ، الشرح الكبير 2/121 ، الحاوي 15/74 ، المغني 9/436 ، شرح الآبي على صحيح مسلم 5/307 ، بذل المجهود 13/12 .
(5) شرح معاني الآثار 2/182 ، شرح النووي على صحيح مسلم 4/119 .
-----------------------------------

أدلة القول الأول : احتجوا بحديث أم سلمة السابق وقد ورد بروايات عند مسلم وهي :
أ. عن أم سلمة أن النبي  قال :( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ) . قيل لسفيان : فإن بعضهم لا يرفعه . قال : لكني أرفعه .
ب. عن أم سلمة رضي الله عنها ترفعه قال النبي  :( إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذنَّ شعراً ولا يقلمن ظفراً ) .
ج. عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي  قال :( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) .
د. عن أم سلمة رضي الله عنها قال رسول الله  :( من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذنَّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي ) (1) .
ووجه الاستشهاد به أن فيه نهي عن أخذ الشعر والأظفار ، ومقتضى النهي التحريم (2) .
وروى مسلم بإسناده عن عمرو بن مسلم بن عمار الليثي قال :( كنا في الحمام قبيل الأضحى فأطلى فيه ناس فقال بعض أهل الحمام : إن سعيد بن المسيب يكره هذا أو ينهى عنه . فلقيت سعيد بن المسيب فذكرت ذلك له فقال : يا ابن أخي هذا حديث قد نُسِيَ وترك . حدثتني أم سلمة زوج النبي  قالت قال رسول الله  … الحديث (3) .
وقوله في الحديث أطلى فيه ناس : أي أزالوا شعر العانة بالنورة .
واحتجوا أيضاً بما رواه ابن حزم بإسناده أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان أن الرجل إذا اشترى أضحية ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره حتى يضحي .
قال سعيد قال قتادة : فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال : نعم . فقلت : عمن يا أبا محمد ؟ قال عن أصحاب رسول الله (4) .
أدلة القول الثاني : قالوا إن النهي الوارد في حديث أم سلمة ، محمولٌ على كراهة التنزيه وليس ذلك بحرام .
وأيدوا قولهم بما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :( لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله  فيبعث هديه إلى الكعبة فما يحرم عليه مما حلَّ للرجال من أهله حتى يرجع الناس ) رواه البخاري ومسلم (5) .
قال الماوردي :[ فكان هدي رسول الله  وضحاياه ، لأنه كان بالمدينة وأنفذها مع
أبي بكر  سنة تسع ، وحكمها أغلظ لسوقها إلى الحرم ، فلما لم يحرم على نفسه شيئاً كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم ] (1) .
وقال أبو عبد الله الآبي المالكي :[ مذهبنا أنه لا يلزم العمل بهذه الأحاديث - روايات حديث أم سلمة – لحديث عائشة … وبعثُ الهدي آكدُ من إرادة الأضحية ] (2) .
أدلة القول الثالث : احتجوا بحديث عائشة السابق وحملوه على الإباحة وقدموه على حديث أم سلمة .
قال الطحاوي بعد أن ذكر حديث عائشة :[… ففي ذلك دليل على إباحة ما قد حظره الحديث الأول – يعني حديث أم سلمة – ومجيء حديث عائشة رضي الله عنها أحسن من مجيء حديث أم سلمة رضي الله عنهما لأنه جاء مجيئاً متواتراً .
وحديث أم سلمة فلم يجئ كذلك ، بل قد طعن في إسناد حديث مالك ، فقيل إنه موقوف على أم سلمة .
ثم ذكر الطحاوي حديث أم سلمة برواية مالك وفيه :( عن أم سلمة رضي الله عنها ولم ترفعه قالت : من رأى هلال ذي الحجة … الخ ) .
وذكر رواية أخرى وفيها :( عن أم سلمة مثله ولم ترفعه … ) .
ثم قال الطحاوي : وأما النظر في ذلك فقد رأينا الإحرام ينحظر به أشياء مما قد كانت كلها قبله حلالاً ، منها الجماع والقبلة وقص الأظفار وحلق الشعر وقتل الصيد فكل هذه الأشياء تحرم بالإحرام وأحكام ذلك مختلفة .
فأما الجماع فمن أصابه في إحرامه فسد حجه ، وما سوى ذلك لا يفسد إصابته الإحرام فكان الجماع أغلظ الأشياء التي يحرمها الإحرام .
ثم رأينا من دخلت عليه أيام العشر وهو يريد أن يضحي أن ذلك لا يمنعه من الجماع ، فلما كان ذلك لا يمنعه من الجماع ، وهو أغلظ ما يحرم بالإحرام ، كان أحرى أن لا يمنع مما دون ذلك ] (3) .
القول الراجح في المسألة :
----------------------------------
(6) إعلاء السنن 17/292 ، بذل المجهود 13/12 .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 5/119-120 .
(2) المغني 9/437 .
(3) صحيح مسلم مع شرح النووي 5/121 .
(4) المحلى 6/28 .
(5) صحيح البخاري مع الفتح 4/295 ، صحيح مسلم بشرح النووي 3/439 .
(1) الحاوي 15/74 .
(2) شرح الآبي على صحيح مسلم 5/307 .
(3) شرح معاني الآثار 4/182 .
-------------------------------------