دور الرسالة الإعلامية
أ. نزار محمد عثمان
في توحيد المسلمين حول قضاياهم الكبرى
فلسطين نموذجاً
فلسطين نموذجاً
أولاً
العولمة والتحدي الإعلامي
مدخل:
يتميز عصرنا
الذي نعيشه عصر العولمة بسقوط الحدود الزمانية والمكانية، وتلاشي المسافات؛ حيث تحول العالم إلى قرية صغيرة أصبحت فيها العلاقات البشرية أكثر تنظيمًا وسرعة، الأمر الذي أدى إلى مزيد من التفاعل البشري والانفتاح الثقافي والتنازع الحضـاري.
كما يتميز بالتطور الهائل في تكنولوجيا الانتقال والاتصال، حيث وصل الإنسان إلى القمر، وأرسل أجهزة إلى المريخ جمعت صوراً لسطحه وعينات من تربته، واخترعت أدوات جديدة للتواصل بين أعداد أكبر من الناس كما في شبكة الإنترنت، والأقمار الصناعية والمحطات الفضائية، التي أصبح الانسان قادراً عبرها على أن يرى ويسمع ما يدور في أرجاء العالم.
هذه الثورة التقنية العلمية الهائلة، نسبة لميلادها وتطورها في كنف الحضارة الغربية أفرزت تحديات كبيرة على كافة الأصعدة ـ خاصة الصعيد الإعلامي ـ حيث أصبح الإعلام العالمي أداة فعالة للنظام العالمي الجديد تعمل على تمكينه من بسط سيطرته، ونشر حضارته، والعمل على تشكيل العالم وفق الطريقة التي يريد، عبر إحكام السيطرة على المؤسسات الدولية وأجهزة الإعلام العالمية من صحف وإذاعات وقنوات فضائية ونحوه.
دور الرسالة الإعلامية الغربية في إضعاف الوحدة الإسلامية:
لعله بات من مكرور القول ترديد أن المسيطرين على الإعلام العالمي اليوم ـ على اختلاف منابره ـ يسعون بكل ما أوتوا من قوة لإبقاء الأمة الإسلامية في حالة الضعف والضياع والانقسام التي تعيشها، كما يسعون لإجهاض كل محاولة لتوحيد الأمة عبر مخطط إعلامي متكامل يراعي الجودة في خطوات العملية الإعلامية فيهتم بالمرسِل والمستقبِل كما لا يهمل الرسالة ولا وسيلة إيصالها. فنجده في اهتمامه بالرسالة يراعي أن تحقق مقاصده وتوافق مخطاطته، ويتفنن في محاولة إخراجها في قالب محايد تارة وقالب منحاز تارة أخرى، وفي كل الأحوال تبقى الرسالة الإعلامية العالمية متسمة بالأتي:
- التضليل وإلباس الحق ثوب الباطل، وإظهار الجاني بمظهر الضحية، والعكس صحيح؛ ومن ذلك ما يشاع من ربط الإسلام بالإرهاب، وما يبث ويتناقل من حب اليهود للسلام!.
- البعد عن الدقة والعلمية عند الحديث عن المسلمين فتجدهم يروِّجون لممارسة حكومة السودان للرق في الجنوب، والتطهير العرقي في دارفور ونحو ذلك.
- التطفيف، وازدواجية المعايير، وسياسة الكيل بمكيالين، إذ يعتبر الإعلام العالمي الحركتين الإنفصاليتين في أندونسيا وجنوب السودان حركات تحررية مشروعة بينما حركتي المجاهدين في كشمير وحنوب الفلبين حركات إرهابية غير مشروعة([1]).
- الانحياز التام ضد الفكرة الإسلامية الصحيحة، والسعي الدؤوب لزرع بذور التفرقة بين المسلمين، هذا الكيد الذي لم ينقطع منذ أيام عبد الله بن أبي بن سلول، مروراً بكتاب الوزير الروماني (ت. ج. دجوفارا)، الذي ظهرت طبعته الأولى باللغة الفرنسية عام 1914م، بتقديم لويس رينو الأستاذ في كلية الحقوق وكلية العلوم السياسية، عن مدى جدّية الأوروبيين واهتمامهم بالقضاء على وحدة الأمة الإسلامية، في ظل كيان الدولة العثمانية. وعنوان الكتاب ((مائة مشروع لتقسيم تركيا))، بالاعتماد على أوراق وأراشيف وزارات خارجية الدول الأوربية، وتبلغ صفحات الكتاب 650 صفحة من القطع المتوسط([2])، مروراً بالترويج لاتفاقيات سايكس بيكو، وسان ريمو، واتفاقيات باريس، والتي قُسمت بموجبها البلاد العربية والإسلامية إلى مناطق نفوذ واستعمار بين الدول الأوربية إلى تصريحات المستشرق اليهودي المعاصر (برنارد لويس) التي يقول فيها: ((إن المنطقة الممتدة من باكستان حتى المغرب ستبقى في حالة اضطراب إلى أن يعاد النظر في الخريطة السياسية لدولها))([3]) والتي ظهرت آثارها الآن في كشمير والسودان وغيرها من دول العالم.
كما يتميز بالتطور الهائل في تكنولوجيا الانتقال والاتصال، حيث وصل الإنسان إلى القمر، وأرسل أجهزة إلى المريخ جمعت صوراً لسطحه وعينات من تربته، واخترعت أدوات جديدة للتواصل بين أعداد أكبر من الناس كما في شبكة الإنترنت، والأقمار الصناعية والمحطات الفضائية، التي أصبح الانسان قادراً عبرها على أن يرى ويسمع ما يدور في أرجاء العالم.
هذه الثورة التقنية العلمية الهائلة، نسبة لميلادها وتطورها في كنف الحضارة الغربية أفرزت تحديات كبيرة على كافة الأصعدة ـ خاصة الصعيد الإعلامي ـ حيث أصبح الإعلام العالمي أداة فعالة للنظام العالمي الجديد تعمل على تمكينه من بسط سيطرته، ونشر حضارته، والعمل على تشكيل العالم وفق الطريقة التي يريد، عبر إحكام السيطرة على المؤسسات الدولية وأجهزة الإعلام العالمية من صحف وإذاعات وقنوات فضائية ونحوه.
دور الرسالة الإعلامية الغربية في إضعاف الوحدة الإسلامية:
لعله بات من مكرور القول ترديد أن المسيطرين على الإعلام العالمي اليوم ـ على اختلاف منابره ـ يسعون بكل ما أوتوا من قوة لإبقاء الأمة الإسلامية في حالة الضعف والضياع والانقسام التي تعيشها، كما يسعون لإجهاض كل محاولة لتوحيد الأمة عبر مخطط إعلامي متكامل يراعي الجودة في خطوات العملية الإعلامية فيهتم بالمرسِل والمستقبِل كما لا يهمل الرسالة ولا وسيلة إيصالها. فنجده في اهتمامه بالرسالة يراعي أن تحقق مقاصده وتوافق مخطاطته، ويتفنن في محاولة إخراجها في قالب محايد تارة وقالب منحاز تارة أخرى، وفي كل الأحوال تبقى الرسالة الإعلامية العالمية متسمة بالأتي:
- التضليل وإلباس الحق ثوب الباطل، وإظهار الجاني بمظهر الضحية، والعكس صحيح؛ ومن ذلك ما يشاع من ربط الإسلام بالإرهاب، وما يبث ويتناقل من حب اليهود للسلام!.
- البعد عن الدقة والعلمية عند الحديث عن المسلمين فتجدهم يروِّجون لممارسة حكومة السودان للرق في الجنوب، والتطهير العرقي في دارفور ونحو ذلك.
- التطفيف، وازدواجية المعايير، وسياسة الكيل بمكيالين، إذ يعتبر الإعلام العالمي الحركتين الإنفصاليتين في أندونسيا وجنوب السودان حركات تحررية مشروعة بينما حركتي المجاهدين في كشمير وحنوب الفلبين حركات إرهابية غير مشروعة([1]).
- الانحياز التام ضد الفكرة الإسلامية الصحيحة، والسعي الدؤوب لزرع بذور التفرقة بين المسلمين، هذا الكيد الذي لم ينقطع منذ أيام عبد الله بن أبي بن سلول، مروراً بكتاب الوزير الروماني (ت. ج. دجوفارا)، الذي ظهرت طبعته الأولى باللغة الفرنسية عام 1914م، بتقديم لويس رينو الأستاذ في كلية الحقوق وكلية العلوم السياسية، عن مدى جدّية الأوروبيين واهتمامهم بالقضاء على وحدة الأمة الإسلامية، في ظل كيان الدولة العثمانية. وعنوان الكتاب ((مائة مشروع لتقسيم تركيا))، بالاعتماد على أوراق وأراشيف وزارات خارجية الدول الأوربية، وتبلغ صفحات الكتاب 650 صفحة من القطع المتوسط([2])، مروراً بالترويج لاتفاقيات سايكس بيكو، وسان ريمو، واتفاقيات باريس، والتي قُسمت بموجبها البلاد العربية والإسلامية إلى مناطق نفوذ واستعمار بين الدول الأوربية إلى تصريحات المستشرق اليهودي المعاصر (برنارد لويس) التي يقول فيها: ((إن المنطقة الممتدة من باكستان حتى المغرب ستبقى في حالة اضطراب إلى أن يعاد النظر في الخريطة السياسية لدولها))([3]) والتي ظهرت آثارها الآن في كشمير والسودان وغيرها من دول العالم.
لماذا
الرسالة الإعلامية؟ ولماذا فلسطين نموذجاً؟
العملية الإعلامية
متعددة المحاور، مختلفة الجوانب، كثيرة التفاصيل غير أنه يمكن أن نميّز فيها أربعة عناصر رئيسة هي: المرسل، المستقبل، الرسالة، وسيلة إيصال الرسالة، وكل عنصر من هذه العناصر تحته فروع كثيرة، ودراسة دور الإعلام في وحدة المسلمين يتطلب أن لا نهمل أحد هذه العناصر، الأمر الذي يؤدي إلى إطالة قد لا تتناسب مع الموجهات المقررة لهذه الورقة، لذلك وقع الاختيار على أهم
مكونات العملية الإعلامية: الرسالة الإعلامية دون سواها.
من جانب آخر فإن موضوع وحدة المسلمين من أمهات الموضوعات التي تحوي معالم عديدة، وشعباً كثيرة، رأينا أن نلجها من مدخل قضايا المسلمين الكبرى التي لا تختلف فيها الآراء ولا تتعدد حولها التوجهات، فاختيرت فلسطين نموذجاً، لأنّ قضية فلسطين تقع في وجدان كل مسلم يشعر بانتمائه لهذه الأمة وينبض قلبه بالإيمان الصادق ويجيش صدره بعزة الإسلام، ذلك أن فلسطين تحوي القدس التي لها مكانتها الدينية المرموقة التي اتفق عليها المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم.
فالقدس هي القبلة الأولى التي توجه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه منذ أن فرضت الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة للبعثة قبل الهجرة بثلاث سنوات وظلت القدس قبلة المسلمين بعد هجرتهم إلى المدينة المنورة ستة عشر شهراً حتى نزل القرآن يأمرهم بالتوجه إلى الكعبة قال تعالى: (و من حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره)([4]).
كما أنّ القدس هي منتهى الإسراء ومنطلق المعراج إلى السماء وفيها أمّ الرسول صلى الله عليه وسلم الأنبياء في المسجد الأقصى ـ على أرجح الأقوال ـ وفي ذلك دليل على ختم الإسلام للنبوات وشموله للرسالات السماوية السابقة، وبدء الإسراء من المسجد الحرام وانتهاؤه بالمسجد الأقصى فيه ربط للمسجدين لن يزول مهما فعل اليهود، يقول سبحانه وتعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير)([5])، ثم إن المسجد الحرام هو ثالث الحرمين الشريفين: الأول هو المسجد الحرام في مكة، والثاني هو المسجد النبوي في المدينة، وثالثهما هو المسجد الأقصى في القدس قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا))([6]).
والقدس قبل هذا كله أرض النبيين ودار المرسلين ومأوى الصالحين،أرض المحشر والمنشر، مُهَاجر الخليل إبراهيم، وديار أيوب ومحراب داود، وعجائب سليمان ومهد عيسى عليهم جميعاً السلام.. أرض البركة التي وصفها الله بأنها مباركة في خمسة مواضع في القرآن([7]) هي:
- قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله..)([8]).
- قوله تعالى: (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين)([9]).
- قوله تعالى: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا..)([10]).
- قوله تعالى: (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها)([11]).
- قوله تعالى: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير..)([12]).
إن القدس في الاعتقاد الإسلامي سامية المكانة، عالية المـنـزلة، عزيزة الحمى.. لذلك اختيرت في هذه الورقة لتمثل قضايا المسلمين الكبرى.
ثانياً
من جانب آخر فإن موضوع وحدة المسلمين من أمهات الموضوعات التي تحوي معالم عديدة، وشعباً كثيرة، رأينا أن نلجها من مدخل قضايا المسلمين الكبرى التي لا تختلف فيها الآراء ولا تتعدد حولها التوجهات، فاختيرت فلسطين نموذجاً، لأنّ قضية فلسطين تقع في وجدان كل مسلم يشعر بانتمائه لهذه الأمة وينبض قلبه بالإيمان الصادق ويجيش صدره بعزة الإسلام، ذلك أن فلسطين تحوي القدس التي لها مكانتها الدينية المرموقة التي اتفق عليها المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم.
فالقدس هي القبلة الأولى التي توجه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه منذ أن فرضت الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة للبعثة قبل الهجرة بثلاث سنوات وظلت القدس قبلة المسلمين بعد هجرتهم إلى المدينة المنورة ستة عشر شهراً حتى نزل القرآن يأمرهم بالتوجه إلى الكعبة قال تعالى: (و من حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره)([4]).
كما أنّ القدس هي منتهى الإسراء ومنطلق المعراج إلى السماء وفيها أمّ الرسول صلى الله عليه وسلم الأنبياء في المسجد الأقصى ـ على أرجح الأقوال ـ وفي ذلك دليل على ختم الإسلام للنبوات وشموله للرسالات السماوية السابقة، وبدء الإسراء من المسجد الحرام وانتهاؤه بالمسجد الأقصى فيه ربط للمسجدين لن يزول مهما فعل اليهود، يقول سبحانه وتعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير)([5])، ثم إن المسجد الحرام هو ثالث الحرمين الشريفين: الأول هو المسجد الحرام في مكة، والثاني هو المسجد النبوي في المدينة، وثالثهما هو المسجد الأقصى في القدس قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا))([6]).
والقدس قبل هذا كله أرض النبيين ودار المرسلين ومأوى الصالحين،أرض المحشر والمنشر، مُهَاجر الخليل إبراهيم، وديار أيوب ومحراب داود، وعجائب سليمان ومهد عيسى عليهم جميعاً السلام.. أرض البركة التي وصفها الله بأنها مباركة في خمسة مواضع في القرآن([7]) هي:
- قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله..)([8]).
- قوله تعالى: (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين)([9]).
- قوله تعالى: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا..)([10]).
- قوله تعالى: (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها)([11]).
- قوله تعالى: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير..)([12]).
إن القدس في الاعتقاد الإسلامي سامية المكانة، عالية المـنـزلة، عزيزة الحمى.. لذلك اختيرت في هذه الورقة لتمثل قضايا المسلمين الكبرى.
ثانياً
الرسالة
الإعلامية وتوحيد المسلمين حول
قضاياهم الكبرى
وفقاً لما
يراه عدد من المختصين([13]) يمكن أن يلعب الإعلام دوراً كبيراً في توحيد المسلمين حول
قضاياهم المصيرية ـ والنموذج المختار هنا هو قضية فلسطين ـ وذلك عبر السعي لإحداث تغيير
إيجابي في:
- الجانب المعرفي
- المواقف والاتجاهات
- التنشئة الاجتماعية
وسنفرد هذه المحاور بشيء من التفصيل:
(أ) دور الرسالة الإعلامية في التغيير المعرفي:
في ظل واقع التشتت العربي والتفرق الإسلامي والاستكبار الأمريكي والتجاهل العالمي يمكن للإعلاميين أن يقوموا بدور كبير في إحداث تغيير معرفي يهدف لجمع الصف وتوحيد الكلمة حول:
(1) التصور الصحيح للوحدة الإسلامية:
ويتشكل هذا التصورفي عدة نقاط أهمها:
1. الروابط الاجتماعية بين البشر كثيرة، جمعها قوله تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبييله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين)([14]) فحوت الآية: الرابطة العائلية،والرابطة القومية، ورابطة الإقامة (الوطن)، ورابطة المصلحة، والرابطة الاسلامية، وبيَّنت أن الرابطة العقدية هي التي ينبغي أن يقدمها المسلمون في فلسطين وغيرها، ويبذلوا في سبيلها الغالي والمرتخص وإلا فلنتربص حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين.
2. الوحدة الإسلامية لا تعني أن تتطابق المجتمعات الإسلامية ولا تختلف عن بعضها في كثير أو قليل؛ ليس هذه مقصود الوحدة الإسلامية، بل لم يكن المسلمون كذلك عندما كانوا قلة قليلة، قامت على أكتافها دولة المدينة، فلم يكن المهاجرون والأنصار متفقين في كل شيء بل وجد الفرق بين اللهجتين المكية والمدنية، وبين الأسلوبين اللغويين: المكي والمدني، وما يراه الدارسون للسيرة النبوية من الاتحاد الكلي فيما بين المجتمعين المكي والمدني، والمدنيتين: المكية والمدنية، ليس من الصحة في شيء، فإن الدراسة الحديثة للسيرة النبوية تقرر أن اختلافاً واضحاً كان يوجد بين المدنيتين، وكان أهل مكة ـ ولا سيما قريشاًـ يحملون الشعور الزائد بالتفوق، يدل على ذلك ما دار بين القرشيين الثلاثة وبين الأنصار، في غزوة بدر الكبرى، حين قالوا للأنصار الذين خرجوا لمبارزتهم: مالنا بكم من حاجة ثم نادى مناديهم: يا محمد أخرجوا إلينا أكفاءنا من قومنا، فلما برز لهم عبيدة وحمزة وعلي رضي الله عنهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: نعم أكفاء كرام مما يدل على نخوتهم القبلية وأنهم كانوا يعتزون بقبيلتهم وجنسهم، ولا يرون غيرهم أكفاءً لهم في قليل أو كثير. ولم تكن القضية قضية المهاجرين والأنصار فحسب بل كانت الأنصار تتوزعهما القبيلتان العظيمتان: الأوس والخزرج اللتان كانت بينهما معارك وحروب في الماضي القريب، هذا بالإضافة إلى أن الحياة المكية كان عمادها التجارة، على حين كانت الحياة المدنية تتوقف على الزراعة، والفلاحة، والغرس والتشجير، كما كان هناك فرق بين الحياتين بالنسبة إلى المعاشرة العائلية والحياة الأسرية ـ كما أشار إلى ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إحدى المناسبات ـ، ومع كل هذا، لا يعرف التاريخ أنه قامت أخوة من قبلُ أو وجدت آصرة في مثل هذا التنسيق والدقة والوضوح على مجرد أساس الوحدة في العقيدة والغاية، قامت هذه الأخوة فيما بين المؤمنين المخلصين الذين كانوا يتمتعون بالثبات على وحدة العقيدة ووحدة الهدف، وكان ذلك قوة جديدة أنشئت لانقاذ العالم المنهار وتخليص الإنسانية من بؤسها وشقوتها([15]).
3. إن الإعلام مطالب بأن يقتبس من دولة المدينة النور الذي جعلها تشع إيماناً وأمنا، وحضارة ورقياً، وقوة ومنعة، وأن يذكِّر المسلمين بقوله تعالى: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، وكما قال أهل التفسير فإن هذا الموضع هو الموضع الوحيد الذي طالب فيه القرآن المسلمين بالتأسي بالكفار، الذين يوالي بعضهم بعضا.
4. لم يؤتَ المسلمون في فلسطين إلا من قبل التفرق، فعندما كان المسلمون تحت ظل خلافة إسلامية لم يستطع العدو إليهم سبيلاً ولكن بعد أن سقطت الخلافة استطاع العدو أن يحتل فلسطين، ولن ترجع فلسطين للمسلمين بغير وحدة جامعة.
5. قضية فلسطين هي قضية الأمة الإسلامية ومن الخطأ الجسيم أن يظن بعضهم أن قضية فلسطين شأن فلسطيني يخص الفلسطينيين وحدهم، والأصل أنهَّا قضية الأمة عربيِّها وعجميِّها، ويتعين علي الجميع العمل على حلها، ذلك لجملة أسباب منها:
أ-فلسطين أرض عربية إسلامية لها مكانتها المقدسة السامية التي تستوجب على الجميع العمل على حل قضيتها.
ب-قضية فلسطين تعتبر قاسماً مشتركاً بين كل التيارات العربية والإسلامية فهي همٌّ إسلامي وهاجس وطني وأرق قومي.
ت-المشروع الصهيوني لا يرمي إلى احتلال فلسطين وحدها بل يهدف إلى إسرائيل الكبرى التي تمتد من الفرات إلى النيل ويهدد الأمة بأسرها فالخطر يطال الجميع.
6. مواجهة المشروع الصهيوني المتعدد الأذرع تتطلب العمل على الأصعدة كافة: اقتصادياً وثقافياً وسياسياً وإعلامياً ـ صحافة وإذاعة وتلفزيون ومسرح ـ واجتماعياً وهذا لا يتم إلاَّ بتضافر الجهود، وتوحيد الصفوف، ومشاركة علماء الأمة ومفكريها وقواها الحية من فصائل جهادية وتنظيمات سياسية وتجمعات قومية في هذه المعركة.
7. الوحدة والتجمعات التي تقام على غير الرابطة العقدية ليس لها من حظ الوحدة إلا الاسم، الذي لا يقدِّم ولا يؤخر، والذي ربما يكون سبباً للاختلاف والتفرق، وقد جرَّبت أمتنا الوحدات القومية، والنزعات الوطنية، والولاءات الحزبية، فما زادتها إلا خبالاً على خبال، والإعلام مطالب بأن يردد مع الشيخ الندوي: إنه لو تطلبت مصالح الأمة أن تمُحى هذه الأحزاب والجماعات كما تُمحى العبارة الخاطئة لأكون أول من يتشرف بهذه السعادة ويحوز هذه الكرامة([16]).
إن التصور الصحيح لقضية الوحدة الإسلامية رغم تنوع المجتمعات واختلافها يُعدُّ مقصداً رئيساً للإعلام الهادف المسؤول، وسنداً متيناً للعمل الجهادي في فلسطين وسائر بقاع المسلمين.
(2) بيان الموقف الصحيح من الأحداث الجارية:
من الأهداف المعرفية المهمة التي يجب أن تعمل الرسالة الإعلامية على حشد الناس حولها وتجميع الصف عليها؛ توضيح الموقف الصحيح من الأحداث الجارية، حتى يكون الناس على بصيرة من أمرهم، ولا تخدعهم الآلة الإعلامية الغربية؛ فتزلَّ أقدام بعد ثبوتها.
وفي قضية فلسطين يمكن للرسالة الإعلامية أن تعلب دوراً رائداً في تصحيح الموقف من قضايا كثيرة أهما السلام المزعوم الذي يقتضي تسلُّم الفلسطينيين جزءاً من أرض فلسطين مقابل اعترافهم بالكيان الصهيوني، يمكن للرسالة الإعلامية أن تديم الطرق على هذا الموضوع مبينة أنه سراب خادع لن يدوم طويلا للأسباب الآتية:
- الشعوب المسلمة ممثَّلة في تجمعاتها القومية والوطنية والإسلامية أجمعت على رفض هذا السلام المزعوم وعده استسلاماً لا سلاماً، وتنازلاً عن حقوق ضخمة لا يملك أحد حق منحها لليهود.
- فلسطين ليست ملكاً للفسلطينيين بل ملك للأجيال المسلمة إلى قيام الساعة والتنازل عن شبر منها لا يجوز.
- اليهود لن يسلِّموا شبرا من أرض فلسطين للفلسطينيين إلا وهم مكرهون ومتى زال الإكراه عادوا للتوسع واغتصاب الأراضي.
- السلام يخدم أهداف الكيان الصهيوني في المرحلة الراهنة ويساعده على وأد الانتفاضة الفلسطينية وإثارة النـزاعات بين أهلها، كما يحملهم على الإقرار بحق المغتصب وتبعيتهم له، كما لا يخفى أنّ هذا السلام الموهوم يعمل على اختراق العالمين العربي والإسلامي.
- يجب التأكيد على خطورة الاعتراف بالكيان الصهيوني، وبيان خطل مقولة أنّ السلام هو الخيار الاستراتيجي الأوحد لحل القضية، وتثبيت خيار المقاومة والجهاد بشتى صوره وأشكاله.
(3) دحض شبهات الأعداء:
لقد دأبت الرسالة الإعلامية الغربية في إثارة الشبهات حول الإسلام والمسلمين بشتى السبل، ومختلف الطرق، لذلك وجب على الرسالة الإعلامية الإسلامية أن تعطي هذه الشبهات حقها من النظر بالرد عليها ودحضها، على أن لا تستغرقها الردود أو تلهيها عن دورها في تصحيح التصورات، والتأصيل للمواقف المتجددة.
وقد التبس على كثير من الناس ـ في الشأن الفلسطيني ـ أمر الصراع بين المسلمين واليهود حتى أصبح بعضهم يصدق أنّ لليهود حقاً تاريخياً ودينياً في فلسطين، هذا الاعتقاد الخاطئ يوجب بذل جهدٍ إعلامي مقابل يعمل على توعية الشعوب العربية والمسلمة بالحقائق التالية:
أولاً: فرية الحق التاريخي:
لا حق لليهود في القدس ولا في فلسطين إذ إنَّ القدس عربية إسلامية فالمعروف تاريخياً أنّ الذي بنى القدس هم اليبوسيون وهم العرب القدامى الذين نزحوا من شبه الجزيرة العربية مع الكنعانيين. وسكنوها إلى أن جاء إبراهيم عليه السلام مهاجراً من وطنه الأصلي بالعراق غريباً ووُلد له إسحاق عليه السلام الذي وُلد له يعقوب عليه السلام الذي ارتحل بذريته إلى مصر (معنى هذا أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام دخلوا غرباء إلى فلسطين وخرجوا غرباء لم يمتلكوا فيها شيئاً).
كذلك مات موسى عليه السلام ولم يدخل أرض فلسطين وإنما دخل شرق الأردن(1) والذي دخلها بعده يشوع (يوشع) وبقي فيها حتى الغزو البابلي الذي سحقها سحقاً ودمَّر أورشليم وأحرق التوراة. فلو جمعت كل السنوات التي عاشوها ـ أي اليهود ـ في فلسطين غزاة مخربين ما بلغت المدة التي قضاها الإنجليز في الهند أو الهولنديون في إندونيسيا(2) فمن أين لهم الحق التأريخي فيها؟
والأدلة التاريخية تؤكد أنّ أكبر رقعة استطاع الكيان الصهيوني السيطرة عليها في أي وقت من الأوقات لم تكن في العصور القديمة وإنما في العصر الحديث عند احتلالها مجمل أرض فلسطين ومرتفعات الجولان وجنوبي لبنان وأرض سيناء وكان ذلك للمرة الأولى عام 1967 م(3). إن الحق التاريخي لليهود في أرض فلسطين فرية شوهاء وكذبة بلقاء، لا تقوم على ساق ولا تنهض بها حجة وهي أوهى من بيت العنكبوت.
ثانياً فرية الحق الديني:
القول بأنّ لليهود حقاً دينياً في فلسطين لا يقوى أمام التحقيق العلمي وإعلان أنّ تأسيس الكيان الصهيوني تحقيق للنبوءة التوراتية التي تقول إنَّ الله وعد إبراهيم عليه السلام بأن يعطي لنسله أرض فلسطين وكذلك وعد ابنه إسحق وحفيده يعقوب ـ الذي سموه إسرائيل ـ وسمَّوا فلسطين أرض الميعاد.. كل ذلك وهم كبير.. فإنّ أولى الناس بإبراهيم هو الرسول صلى الله عليه وسلم والذين اتبعوه كما ورد في القرآن: (إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتّبعوه وهذا النبيّ والذين آمنوا)(1). فالإمامة لا تنتقل بالوراثة (قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)(2).
ثم أليس إسماعيل جدُّ نبينا عليه السلام من نسل إبراهيم؟ فلماذا فَهِم اليهود أنّ النبوءة لا يدخل فيها إسماعيل عليه السلام وهو الابن البكر لإبراهيم عليه السلام.. إنّ منطق استيلاء اليهود على فلسطين لا يسنده شرع ولا يقرُّه دين وكل تبرير لهم ما هو إلا اختلاق وكذب.
(4) فضح مخططات الأعداء:
إن واقع العجز العربي والوهن الإسلامي والمكر العالمي فتح الباب على مصراعيه لعدد من مخططات الأعداء لتجد لها موطئاً في أرض المسلمين، لتُعمل معولها في مجتمعاتهم هدماً وتشتيتاً وتمزيقا، وحرصاً على وحدة المسلمين لزم أن يراعي الإعلاميون في رسالتهم الإعلامية أن يفضحوا هذه المخططات، ويسعوا إلى تعريتها حتى يحذرها الناس.
وأكبر مخططات الأعداء في الشأن الفلسطيني هو المشروع الصهيوني الذي يراد له أن يتمدد وينتشر ليُحكم السيطرة على المنطقة كلها اقتصادياً وثقافياً وأمنياً وسياسياً.. تحقيقاً لفكرة إسرائيل الكبرى.. قاعدة الحضارة وقائدة الديمقراطية.. مستخدمين في ذلك سلاح الإعلام والسلام والتسوية والتطبيع ونحوه من الوسائل.
إنّ التهوين من خطر المشروع الصهيوني دفنٌ للرؤوس في الرمال.. فقد هوّن البعض من خطره قبل خمسين عاماً، وقال كيف يمكن لدويلة صغيرة أن تهيمن على منطقتنا وأمتنا، وهاهي الدويلة الصغيرة تفرض وجودها على الحكومات العربية والإسلامية وتملى شروطها وتهدد وتتوعد.. وهاهي أمتنا تدين وتشجب وتستنكر ولا تكاد تتجاوز ذلك.
يجب على الإعلاميين فضح المشروع الصهيوني وتعريته.. وذلك بــ:
- فضح اليهود وطبيعتهم
- مواجهة التطبيع وأخطاره
أولاً: فضح اليهود وطبيعتهم
على الإعلاميين أن يعرِّفوا الشعوب بعدوها.. مستندين على القرآن الكريم وما فيه من وصف مفصل لليهود، وعلى السنة المطهرة، ثم كتب اليهود المقدسة عندهم كالتوراة وأسفار الأنبياء والتلمود والماشناه، وكتب التاريخ، وكتابات المعاصرين عنهم ـ المسلمين وغير المسلمين ـ المكتوبة باللغة العربية أو غيرها من اللغات مثل كتاب أحلام الصهيونية وأضاليلها للمفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي، ومن الواقع المعاش فبين أيدينا تجارب كثيرة في الحرب والسلم وسلسلة من الهدنات والاتفاقات والمعارضات كلها تبين أنّ اليهود لا يعرفون غير منطق القوة وأنهّم لا أيمان لهم ولا عهد ولا ذمة وأنّ أبرز صفاتهم هي العنصرية فهم يرون أنفسهم شعب الله المختار وما سواهم أميين ليس عليهم منهم شيء والعنف والطبيعة العدوانية متأصلة فيهم فقلوبهم قاسية كما وصفهم القرآن الكريم وتطلعاتهم التوسعية لإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ومن الأرز إلى النخيل لا تخفى بل هم يريدون السيطرة على العالم كله، ثم كذلك من صفاتهم التحرر من الأخلاق وعدم ثباتها واستخدام المعايير المزدوجة: معيار مع النفس ومعيار مع الأغيار (الأميين) (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)(1)، وهم يرون أنّ الغاية تبرر الوسيلة ويحترمون العهود والمواثيق متى ماكانت في صالحهم ويتجاهلونها متى مالم ترُق لهم وهم أحرص الناس على حياة وأكثر الناس شحاً وحباً للمال.. كل هذه المعاني وما شاكلها تحتاجها الشعوب المسلمة لتعرف عدوها وتقدره قدره وتعد العدة المناسبة لدفعه.. وهذا هو واجب الإعلاميين.
ثانياً: فضح التطبيع وخطورته:
أخذ التطبيع مع العدو الصهيوني صوراً عديدة منها:
- التطبيع الدبلوماسي: ومن ذلك الاعتراف بدولة لليهود في فلسطين، وتبادل البعثات الدبلوماسية معها واعتبارها دولة جوار وإشراكها في البيئة والمياه.
- التطبيع الاجتماعي: ومن ذلك دمج اليهود في المجتمعات العربية والمسلمة عن طريق السياحة والرحلات ونحوه.
- التطبيع الثقافي والإعلامي: ومن ذلك دخول اليهود في المجتمعات العربية والمسلمة عن طريق المؤتمرات والندوات والمعارض والمهرجانات والسينما والمسرح والصحافة والإعلام والجامعات ومراكز البحث العلمي.
- التطبيع التربوي: ومن ذلك توجيه المناهج الدراسية والبرامج التعليمية ـ في بعض الدول العربية ـ عن طريق حذف كل ما يتعلق باليهود ويكشف حقدهم وتآمرهم على الأمة.
- التطبيع الاقتصادي: ومن ذلك فتح الأسواق العربية والإسلامية لبضائع الكيان الصهيوني.
إن الشعوب العربية والمسلمة ترفض التطبيع الظاهر والخفي كما ترفض الاعتراف العلني والضمني بالكيان الصهيوني، وواجب الإعلاميين أن يحافظوا على هذه الجذوة متقدة ويقاوموا كل سعي نحو التطبيع مع العدو وذلك بـالآتي:
(1) دعوة الشعوب لمقاطعة الكيان الصهيوني اقتصادياً وذلك بمقاطعة السلع والبضائع القادمة منه، وذلك لحرمتها لأنّ أرباحها تقوي اليهود على إخواننا في فلسطين، وواجبنا أن لا نعينهم على ذلك، كذلك تجب مقاطعة البضائع الأمريكية شجباً لموقف الإدارة الأمريكية المتذيل أبداً للصهاينة والداعم للعدوان على مقدّساتنا، وكذلك الشركات التي يقف من خلفها اليهود في كل بلاد العالم.
(2) وقف التعامل مع الكيان الصهيوني دبلوماسياً وتجارياً وثقافياً ونحوه.
(3) إعلان أن السفر إلى الكيان الصهيوني لا يحلُّ لمسلم ولو بدعوى الصلاة في المسجد الأقصى فإنما يشد المسلم رحاله إلى هذا المسجد حينما يتحرر من سلطان اليهود(1).
(4) مقاومة الغزو الثقافي للكيان الصهيوني ومقاومة التبشير بسياسات التطبيع وخاصة التطبيع التربوي وما يتضمنه من تغيير في المناهج التعليمية إرضاءً لليهود، ومقاومة كل محاولة لاختراق العقل العربي والإسلامي.
(5) رفع الروح المعنوية للشعوب المسلمة:
إن الأمة الإسلامية أمة قوية: عقدياً واقتصادياً واجتماعياً بدليل أن النظام العالمي الجديد لا يرى عائقاً يحول دون إكماله لبسط نفوذه سوى الإسلام، لذلك أجلب بخيله ورجله محذراً من خطره.
والرسالة الإعلامية منوط بها أن تنهض بعبء تذكير المسلمين بعظم الثروة التي يمتلكون والتي تتمثل في الكتاب الخالد (القرآن)، والمثال العملي لتطبيقه (سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم)، والتاريخ الناصع (سيرة السلف الصالح والأئمة المصلحين، والقادة الفاتحين)، والموقع الجغرافي المتميز، والثروات المتعددة (بشرية، زراعية، حيوانية، مائية، معدنية، بترول..)، إن التذكير بهذه الثروات يعد عاملاً مهما في استعادة الأمة لسيادتها وريادتها.
والرسالة الإعلامية منوط بها أن تذيع المبشرات ـ من القرآن والحديث واستقصاء التاريخ ـ بانتصار الإسلام والمسلمين، وتشيع التوعية بأنّ الأمة الإسلامية قد مرَّت عليها أعوام حالكة من قبل مُنِعَت فيها الجمعة والجماعة في المسجد الأقصى، ولم يُرفع فيه أذان ولم تقم فيه صلاة لمدة واحد وتسعين عاماً غير أنّ الله هيأ قادة مصلحين ظهروا ونبغوا في أحوال غير مساعدة وفي أجواء غير موافقة بل وفي أزمنة مظلمة حالكة وفي بيئات قاتلة فاتكة وفي شعب أصيب بشلل الفكر وخواء الروح وخمود العاطفة وضعف الإرادة وخور العزيمة وسقوط الهمة ورخاوة الجسم ورقة العيش وفساد الأخلاق والإخلاد إلى الراحة والخضوع للقوة واليأس من الإصلاح([17]). تماماً في ظروف كالتي نعيشها الآن فعملوا على البناء في مجالات عدة: البناء للشخصية المسلمة والبناء للنظام الإداري والبناء للأمة المتوحدة ونحوه حتى استطاعوا استرداد المسجد الأقصى من قبضة الصليبيين. إن الشعوب المسلمة تحتاج إلى أن تبصّر بسيرة أبطال الإسلام الذين استردوا البيت المقدّس من قبضة الصليبيين مثل عماد الدين زنكي ونور الدين محمود زنكي وصلاح الدين الأيوبي وسائر الأبطال الذين بذلوا الغالي والمرتخص وحققوا النصر المؤزر.
إنّ مدارسة سير العلماء الصالحين والأبطال الفاتحين تنفخ العزم في الروح وتجدد الثقة في النفس وتحفز الجوارح للعمل.
(ب) دور الرسالة الإعلامية في تغيير المواقف والاتجاهات:
إن تأثير الإعــلام على كثير من القيادات السياسية في العالم أمر مقرر مألوف، ودوره في كثير من القرارات الحاسمة في تاريخ الأمم والشعوب مثبت معروف، وقبلاً قال الأمـيـــن العام السابق للأمم المتحدة إن وكالة الأنباء التلفزيونية هي العضو رقم 6 في مجلس الأمن!
دور الرسالة الإعلامية الغربية:
لقد أدرك أعداء الأمة أهمية الإعلام في تغيير المواقف والاتجاهات، واستخدموه لتحقيق مآربهم فلم ينجحوا في تغيير رأي شعوبهم فحسب بل نجحوا في تشكيل الرأي العالمي كذلك؛ نقلت صحيفة الصنداي تايمز في أحد أعداد عام 1981م عن الصحفية الأمريكية اليهودية: سارة إيهرمان أن مؤسسة الضغط اليهودية إيباك قد تمكنت باستخدام الوسائل الإعلامية من تغيير الرأي العام الأمريكي خلال 48 ساعة فقط عقب قصف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي. وتدَّعي الصحيفة بكل فخر نجاح الضغط الإعلامي في تحويل الرأي العام الأمريكي من الموقف الغاضب جداً ضد إسرائيل إلى تقبل وجهة النظر اليهودية، بل والقناعة بأن ضرب المفاعل كان عملاً شجاعاً من أجل سلام العالم.
وبيَّنت دراسة متخصصة عن القضية الفلسطينية والإعلام الأمريكي، قام بها ر. س. زهارنة الأثر الكبير للرسالة الإعلامية في كسب التأييد لإسرائيل؛ حيث تعقّب دور أكبر المجلات الأمريكية بل والعالمية ـ مجلة التايمز ـ في تغيير اتجاهات ومواقف الشعب الأمريكي حتى أصبح في غالبه يرى أن للإسرائليين حقاً مشروعاً في فلسطين؛ ذكر الباحث أن مجلة التايمز تدرجت بقرائها عبر المراحل التالية:
- منذ عام 1946 وحتى 1949م بدأت بتغيير كلمة الفسلطينيين إلى كلمات أخرى من مثل سكان فلسطين وعرب فلسطين وذلك لإخفاء الهوية الحقيقية للسكان الأصليين في المنطقة.
- ثم تغيَّرت هذه المصطلحات خلال الفترة من 1950م إلى نهاية الستينيات إلى: العرب غير الأردنيين والعرب الإسرائيليين والأردنيين.
- وصاحَبَ ذلك تطور آخر وهو التركيز على خصوصية العلاقة بين أمريكا وإسرائيل لدرجة أن مجلة التايمز قامت بنقل الموضوعات الخاصة بقضية إسرائيل من صفحات القضايا الدولية في المجلة إلى الصفحات المحلية. واستمر هذا التغيير منذ ذلك الحين.
- أما من ناحية اللقاءات الصحفية فقد كان أغلبها يتم مع مسؤولين أمريكيين أو إسرائيليين مما جعل الطرح الصحفي دائماً متحيزاً للجانب الإسرائيلي من النزاع، وكان لتصوير الفلسطينيين أنهم من العرب أثر إعلامي قوي في أمريكا بين مختلف فئات الشعب الأمريكي لاستغلال الكراهية المترسخة نحو العرب من جراء سنوات من الإعلام السلبي، إضافة إلى تصوير إسرائيل كياناً صغيراً في مقابل عدو ضخم هم العرب، بدلاً من التركيز على المجازر الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
دور الرسالة الإعلامية الإسلامية:
يمكن لإعلامنا أن يلعب دوراً كبيراً في تغيير المواقف والاتجاهات وذلك عبر:
(1) توحيد الخطاب الإعلامي وتصحيحه ومن ذلك:
- البعد عن استخدام المصطلحات التي تتضمن اعترافاً بالكيان الصهيوني أو تمييعاً للقضية، واستبدالها بمصطلحات أخرى، تحمل صبغة إسلامية، ورؤية إيمانية ومن ذلك استبدال مصطلح: أزمة الشرق الأوسط بأزمة المشرق الإسلامي، لأن مصطلح الشرق الأوسط لم يكن له جذور في الاستخدام العربي والإسلامي، بل كان تعبيراً عن تقسيمات للعالم في إطار الحقبة الاستعمارية، كما أنه لم يظهر إلا في فترة تدهور دولة الخلافة في شكلها الأخير (الدولة العثمانية)، وأنه لم يصبح قابلاً للاستخدام على نطاق واسع إلا بعد انهيار الدولة العثمانية، هذا بالإضافة إلى أن الكيان الصهيوني لا يستخدمه بوصفه تعبيراً جغرافياً بل بوصفه مفهوماً شاملاً لتغيير هوية الصراع، ولإعادة ترتيب المنطقة، بإدخال هذا الكيان ضمن منظومة المنطقة، وبوصفه مصطلحاً تحته مفهومات أخرى متعددة مثل التعاون الإقليمي والسوق الشرق أوسطية، والشرق الأوسط الكبير([18]).
- استبدال الأسماء اليهودية لمعالم المدن الفلسطينية بالأسماء الإسلامية فنقول: حائط البراق بدلاً من حائط المبكى، وفلسطين المحتلة بدلاً من يهودا والسامرة والجليل، والمصلى المرواني بدلاً من إسطبلات سليمان، وقبة الصخرة بدلاً من قدس الأقداس، والبلدة القديمة بدلاً من الحوض المقدس، وحارة المغاربة وحارة الشرف بدلاً من حارة اليهود، وجبل بيت المقدس بدلاً من جبل الهيكل.
- استخدام المصصلحات الإسلامية التي تشعر بحالة الصراع مع اليهود، فنقول: العمليات الاستشهادية بدلاً من العمليات الانتحارية، الأسير الفلسطيني بدلاً من المعتقل الفلسطيني، والمغتصبة اليهودية بدلاً من المستوطنة اليهودية، والمغتصِب بدلاً من المستوطِن، وتحرير كل شبر من أرض فلسطين المحتلة بدلاً من دحر الاحتلال.
- البعد عن المصطلحات اليهودية واستبدالها بالمصطحات الإسلامية: فنقول فلسطين بدلاً من أرض الميعاد، وفلسطينيي مناطق الـ 48 بدلاً من عرب إسرائيل، وأسطورة المحرقة النازية بدلاً من الهولوكست، والحقوق الفلسطينية بدلاً من المطالب الفلسطينية.
- البعد عن المصطلحات الغربية التي تسئ إلى المقاومة الفلسطينية وتصفها بالعنف والإرهاب والدموية وتتجاهل أن هذا حق مشروع في الدفاع عن النفس ورفع الظلم واسترداد الحقوق.
(2) دعوة القيادات العربية والرسمية إلى وقف التطبيع مع الكيان الصهيوني.
(3) دعوة القيادات العربية والرسمية إلى تبني الخيار الصحيح والناجع في التعامل مع العدو الصهيوني والذي تبنته حركات المقاومة الإسلامية (حماس والجهاد الإسلامي، وكتائب الأقصى) وهو خيار المقاومة والصمود وتعبئة الأمة.
(4) محاولة تأثيم الضمير الإنساني العالمي لسكوته عن الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني وغضه الطرف عن الصلف اليهودي، وتحري مخاطبة المنظمات الإنسانية العالمية بأسلوب مؤثر جذاب بغية توجيهها والتأثير عليها لنشر رسالة إعلامية تخدم الهدف الإسلامي.
(5) توضيح أنّ الإرهاب هو ما يقوم به الكيان الصهيوني وليس ما تقوم به الحركات الجهادية من مقاومة مشروعة ومتعيِّنة للاحتلال الغاشم.
(6) تحميل أمريكا مسؤولية ما يحدث للشعب الفلسطيني وفضح تحالفها مع العدو خصماً على حقوق أمتنا، واستخدامها المعايير المزدوجة التي تتبناها دوماً لصالح بني صهيون.
(7) مطالبة المنظمات الدولية أن تتحرى العدل في قراراتها، بعيداً عن اختلال الموازيين الذي يؤدي إلى فقدان مصداقيتها.
(8) فضح أكاذيب وادعاءات اليهود حول أسطورة المحرقة النازية والمذابح التي تعرضوا لها، والعمل على إظهارهم على حقيقتهم العدوانية الإرهابية ونزع قناع البراءة والمسكنة والاستضعاف عنهم.
(ت) دور الرسالة الإعلامية في التنشئة الاجتماعية:
ويمكن أن تتم عبر عدة أمور منها:
(1) إشعار الأجهزة الإعلامية بمسؤوليتها تجاه إبقاء قضية وحدة الأمة الإسلامية حول قضاياها الكبرى ـ خاصة فلسطين ـ حاضرة في أذهان الناشئة، والسعي لتنبيه قطاعات المجتمع كافة بمسؤوليتها في هذا الصدد.
(2) دعوة القيادات العربية والرسمية إلى إعطاء أمر وحدة الأمة حول قضية فلسطينية حقها في مناهج التعليم ووسائل الإعلام عبر التركيز على:
- أساس الصراع مع اليهود وخلفياته الفكرية والتاريخية والسياسية.
- مراحل تطور القضية الفلسطينية.
- أهمية القضية ومكانتها في أولويات العمل الإسلامي.
- جرائم اليهود ضد الشعب الفلسطيني.
(3) السعي لإنفاذ برنامج إعلامي ثقافي متكامل عبر الأجهزة الإعلامية المختلفة (المقروءة، والمسموعة، والمرئية) يهدف إلى:
- توعية أبناء المسلمين بأهمية فلسطين، وربطهم بها والتركيز بشكل خاص على القدس والمقدسات الإسلامية (المسجد الأقصى، قبة الصخرة والحرم الإبراهيمي..) واستغلال المناسبات الدينية كالإسراء والمعراج وذكرى إحراق المسجد الأقصى وقيام الانتفاضة الإسلامية والأحداث الطارئة الهامة على الساحة الفلسطينية لمناصرة القضية الفلسطينية.
- العمل على المحافظة على جذوة الانتفاضة مشتعلة وعلى تطويرها وذلك باستثارة الحماس في الشعوب وقطع الطريق على حلول التسوية والاستسلام ودراسة الانتفاضة السابقة والأسباب التي أدت إلى إجهاضها.
- السعي لإيجاد مؤسسات الدعم لقضيتنا المحورية كجمعيات المناصرة للشعب الفلسطيني وهيئات الدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية ونحوه.
- حث الشعوب على تقديم الدعم المادي والمعنوي لقضية أمتنا وجمع الأموال لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني.
- السعي لحشد الكفاءات والطاقات السياسية والإعلامية لدعم قضية الأمة المركزية في الجانب السياسي والإعلامي وذلك بالتعبير بمختلف الوسائل الممكنة عن معارضة الخطوات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية والتفريط بمقدساتها وفي الجانب الجهادي بدعم حركات المقاومة الإسلامية والتشجيع على كفالة عائلات الشهداء والمعتقلين ودعم مشاريع البنية التحتية للحركات والتنظيمات داخل الأرض المحتلة وتأكيد مشروعية جهادها ومقاومتها للاحتلال ومواجهة محاولات إلصاق تهمة الإرهاب بها.
- مخاطبة المؤسسات الرسمية والحكومية وحضُّها على التراجع عن خيار التسوية السياسية ومبدأ الأرض مقابل السلام وتوضيح عدم جدوى هذه التسوية سيما وقد تكشفت الحقيقة العدوانية والتوسعية المتعنتة للكيان الصهيوني. والعمل على إنهاء القطيعة بين التجمعات السياسية المتعددة (لتحقيق التصالح الوطني)، وبين الأنظمة الحاكمة وشعوبها لتحقيق وحدة الجبهة الداخلية وإحياء التنافس السلمي المشروع عبر إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وكفالة الحريات وحشد طاقات الأمة وتجميعها حول هذه القضية.
خاتمة:
إنَّ الإعلاميين اليوم أمام مسؤولية عظيمة تتطلب منهم النظر في ثوابت التأريخ وسنن الكون ومعطيات الواقع وحقائق الغيب واستنطاق الوحيين لتقديم رسالة إعلامية فاعلة تعمل على توحيد الأمة والرجوع بالشعوب إلي الحركة وفق منهج الله في طريق الجهاد والمقاومة لترتفع راية الدين وتُمكن قيم الصدق والعدالة ويُستعاد الحق وتحرر الأرض، ويؤذن المؤذن (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)([19]).
------------------------------------------------------------------------------- الجانب المعرفي
- المواقف والاتجاهات
- التنشئة الاجتماعية
وسنفرد هذه المحاور بشيء من التفصيل:
(أ) دور الرسالة الإعلامية في التغيير المعرفي:
في ظل واقع التشتت العربي والتفرق الإسلامي والاستكبار الأمريكي والتجاهل العالمي يمكن للإعلاميين أن يقوموا بدور كبير في إحداث تغيير معرفي يهدف لجمع الصف وتوحيد الكلمة حول:
(1) التصور الصحيح للوحدة الإسلامية:
ويتشكل هذا التصورفي عدة نقاط أهمها:
1. الروابط الاجتماعية بين البشر كثيرة، جمعها قوله تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبييله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين)([14]) فحوت الآية: الرابطة العائلية،والرابطة القومية، ورابطة الإقامة (الوطن)، ورابطة المصلحة، والرابطة الاسلامية، وبيَّنت أن الرابطة العقدية هي التي ينبغي أن يقدمها المسلمون في فلسطين وغيرها، ويبذلوا في سبيلها الغالي والمرتخص وإلا فلنتربص حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين.
2. الوحدة الإسلامية لا تعني أن تتطابق المجتمعات الإسلامية ولا تختلف عن بعضها في كثير أو قليل؛ ليس هذه مقصود الوحدة الإسلامية، بل لم يكن المسلمون كذلك عندما كانوا قلة قليلة، قامت على أكتافها دولة المدينة، فلم يكن المهاجرون والأنصار متفقين في كل شيء بل وجد الفرق بين اللهجتين المكية والمدنية، وبين الأسلوبين اللغويين: المكي والمدني، وما يراه الدارسون للسيرة النبوية من الاتحاد الكلي فيما بين المجتمعين المكي والمدني، والمدنيتين: المكية والمدنية، ليس من الصحة في شيء، فإن الدراسة الحديثة للسيرة النبوية تقرر أن اختلافاً واضحاً كان يوجد بين المدنيتين، وكان أهل مكة ـ ولا سيما قريشاًـ يحملون الشعور الزائد بالتفوق، يدل على ذلك ما دار بين القرشيين الثلاثة وبين الأنصار، في غزوة بدر الكبرى، حين قالوا للأنصار الذين خرجوا لمبارزتهم: مالنا بكم من حاجة ثم نادى مناديهم: يا محمد أخرجوا إلينا أكفاءنا من قومنا، فلما برز لهم عبيدة وحمزة وعلي رضي الله عنهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: نعم أكفاء كرام مما يدل على نخوتهم القبلية وأنهم كانوا يعتزون بقبيلتهم وجنسهم، ولا يرون غيرهم أكفاءً لهم في قليل أو كثير. ولم تكن القضية قضية المهاجرين والأنصار فحسب بل كانت الأنصار تتوزعهما القبيلتان العظيمتان: الأوس والخزرج اللتان كانت بينهما معارك وحروب في الماضي القريب، هذا بالإضافة إلى أن الحياة المكية كان عمادها التجارة، على حين كانت الحياة المدنية تتوقف على الزراعة، والفلاحة، والغرس والتشجير، كما كان هناك فرق بين الحياتين بالنسبة إلى المعاشرة العائلية والحياة الأسرية ـ كما أشار إلى ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إحدى المناسبات ـ، ومع كل هذا، لا يعرف التاريخ أنه قامت أخوة من قبلُ أو وجدت آصرة في مثل هذا التنسيق والدقة والوضوح على مجرد أساس الوحدة في العقيدة والغاية، قامت هذه الأخوة فيما بين المؤمنين المخلصين الذين كانوا يتمتعون بالثبات على وحدة العقيدة ووحدة الهدف، وكان ذلك قوة جديدة أنشئت لانقاذ العالم المنهار وتخليص الإنسانية من بؤسها وشقوتها([15]).
3. إن الإعلام مطالب بأن يقتبس من دولة المدينة النور الذي جعلها تشع إيماناً وأمنا، وحضارة ورقياً، وقوة ومنعة، وأن يذكِّر المسلمين بقوله تعالى: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، وكما قال أهل التفسير فإن هذا الموضع هو الموضع الوحيد الذي طالب فيه القرآن المسلمين بالتأسي بالكفار، الذين يوالي بعضهم بعضا.
4. لم يؤتَ المسلمون في فلسطين إلا من قبل التفرق، فعندما كان المسلمون تحت ظل خلافة إسلامية لم يستطع العدو إليهم سبيلاً ولكن بعد أن سقطت الخلافة استطاع العدو أن يحتل فلسطين، ولن ترجع فلسطين للمسلمين بغير وحدة جامعة.
5. قضية فلسطين هي قضية الأمة الإسلامية ومن الخطأ الجسيم أن يظن بعضهم أن قضية فلسطين شأن فلسطيني يخص الفلسطينيين وحدهم، والأصل أنهَّا قضية الأمة عربيِّها وعجميِّها، ويتعين علي الجميع العمل على حلها، ذلك لجملة أسباب منها:
أ-فلسطين أرض عربية إسلامية لها مكانتها المقدسة السامية التي تستوجب على الجميع العمل على حل قضيتها.
ب-قضية فلسطين تعتبر قاسماً مشتركاً بين كل التيارات العربية والإسلامية فهي همٌّ إسلامي وهاجس وطني وأرق قومي.
ت-المشروع الصهيوني لا يرمي إلى احتلال فلسطين وحدها بل يهدف إلى إسرائيل الكبرى التي تمتد من الفرات إلى النيل ويهدد الأمة بأسرها فالخطر يطال الجميع.
6. مواجهة المشروع الصهيوني المتعدد الأذرع تتطلب العمل على الأصعدة كافة: اقتصادياً وثقافياً وسياسياً وإعلامياً ـ صحافة وإذاعة وتلفزيون ومسرح ـ واجتماعياً وهذا لا يتم إلاَّ بتضافر الجهود، وتوحيد الصفوف، ومشاركة علماء الأمة ومفكريها وقواها الحية من فصائل جهادية وتنظيمات سياسية وتجمعات قومية في هذه المعركة.
7. الوحدة والتجمعات التي تقام على غير الرابطة العقدية ليس لها من حظ الوحدة إلا الاسم، الذي لا يقدِّم ولا يؤخر، والذي ربما يكون سبباً للاختلاف والتفرق، وقد جرَّبت أمتنا الوحدات القومية، والنزعات الوطنية، والولاءات الحزبية، فما زادتها إلا خبالاً على خبال، والإعلام مطالب بأن يردد مع الشيخ الندوي: إنه لو تطلبت مصالح الأمة أن تمُحى هذه الأحزاب والجماعات كما تُمحى العبارة الخاطئة لأكون أول من يتشرف بهذه السعادة ويحوز هذه الكرامة([16]).
إن التصور الصحيح لقضية الوحدة الإسلامية رغم تنوع المجتمعات واختلافها يُعدُّ مقصداً رئيساً للإعلام الهادف المسؤول، وسنداً متيناً للعمل الجهادي في فلسطين وسائر بقاع المسلمين.
(2) بيان الموقف الصحيح من الأحداث الجارية:
من الأهداف المعرفية المهمة التي يجب أن تعمل الرسالة الإعلامية على حشد الناس حولها وتجميع الصف عليها؛ توضيح الموقف الصحيح من الأحداث الجارية، حتى يكون الناس على بصيرة من أمرهم، ولا تخدعهم الآلة الإعلامية الغربية؛ فتزلَّ أقدام بعد ثبوتها.
وفي قضية فلسطين يمكن للرسالة الإعلامية أن تعلب دوراً رائداً في تصحيح الموقف من قضايا كثيرة أهما السلام المزعوم الذي يقتضي تسلُّم الفلسطينيين جزءاً من أرض فلسطين مقابل اعترافهم بالكيان الصهيوني، يمكن للرسالة الإعلامية أن تديم الطرق على هذا الموضوع مبينة أنه سراب خادع لن يدوم طويلا للأسباب الآتية:
- الشعوب المسلمة ممثَّلة في تجمعاتها القومية والوطنية والإسلامية أجمعت على رفض هذا السلام المزعوم وعده استسلاماً لا سلاماً، وتنازلاً عن حقوق ضخمة لا يملك أحد حق منحها لليهود.
- فلسطين ليست ملكاً للفسلطينيين بل ملك للأجيال المسلمة إلى قيام الساعة والتنازل عن شبر منها لا يجوز.
- اليهود لن يسلِّموا شبرا من أرض فلسطين للفلسطينيين إلا وهم مكرهون ومتى زال الإكراه عادوا للتوسع واغتصاب الأراضي.
- السلام يخدم أهداف الكيان الصهيوني في المرحلة الراهنة ويساعده على وأد الانتفاضة الفلسطينية وإثارة النـزاعات بين أهلها، كما يحملهم على الإقرار بحق المغتصب وتبعيتهم له، كما لا يخفى أنّ هذا السلام الموهوم يعمل على اختراق العالمين العربي والإسلامي.
- يجب التأكيد على خطورة الاعتراف بالكيان الصهيوني، وبيان خطل مقولة أنّ السلام هو الخيار الاستراتيجي الأوحد لحل القضية، وتثبيت خيار المقاومة والجهاد بشتى صوره وأشكاله.
(3) دحض شبهات الأعداء:
لقد دأبت الرسالة الإعلامية الغربية في إثارة الشبهات حول الإسلام والمسلمين بشتى السبل، ومختلف الطرق، لذلك وجب على الرسالة الإعلامية الإسلامية أن تعطي هذه الشبهات حقها من النظر بالرد عليها ودحضها، على أن لا تستغرقها الردود أو تلهيها عن دورها في تصحيح التصورات، والتأصيل للمواقف المتجددة.
وقد التبس على كثير من الناس ـ في الشأن الفلسطيني ـ أمر الصراع بين المسلمين واليهود حتى أصبح بعضهم يصدق أنّ لليهود حقاً تاريخياً ودينياً في فلسطين، هذا الاعتقاد الخاطئ يوجب بذل جهدٍ إعلامي مقابل يعمل على توعية الشعوب العربية والمسلمة بالحقائق التالية:
أولاً: فرية الحق التاريخي:
لا حق لليهود في القدس ولا في فلسطين إذ إنَّ القدس عربية إسلامية فالمعروف تاريخياً أنّ الذي بنى القدس هم اليبوسيون وهم العرب القدامى الذين نزحوا من شبه الجزيرة العربية مع الكنعانيين. وسكنوها إلى أن جاء إبراهيم عليه السلام مهاجراً من وطنه الأصلي بالعراق غريباً ووُلد له إسحاق عليه السلام الذي وُلد له يعقوب عليه السلام الذي ارتحل بذريته إلى مصر (معنى هذا أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام دخلوا غرباء إلى فلسطين وخرجوا غرباء لم يمتلكوا فيها شيئاً).
كذلك مات موسى عليه السلام ولم يدخل أرض فلسطين وإنما دخل شرق الأردن(1) والذي دخلها بعده يشوع (يوشع) وبقي فيها حتى الغزو البابلي الذي سحقها سحقاً ودمَّر أورشليم وأحرق التوراة. فلو جمعت كل السنوات التي عاشوها ـ أي اليهود ـ في فلسطين غزاة مخربين ما بلغت المدة التي قضاها الإنجليز في الهند أو الهولنديون في إندونيسيا(2) فمن أين لهم الحق التأريخي فيها؟
والأدلة التاريخية تؤكد أنّ أكبر رقعة استطاع الكيان الصهيوني السيطرة عليها في أي وقت من الأوقات لم تكن في العصور القديمة وإنما في العصر الحديث عند احتلالها مجمل أرض فلسطين ومرتفعات الجولان وجنوبي لبنان وأرض سيناء وكان ذلك للمرة الأولى عام 1967 م(3). إن الحق التاريخي لليهود في أرض فلسطين فرية شوهاء وكذبة بلقاء، لا تقوم على ساق ولا تنهض بها حجة وهي أوهى من بيت العنكبوت.
ثانياً فرية الحق الديني:
القول بأنّ لليهود حقاً دينياً في فلسطين لا يقوى أمام التحقيق العلمي وإعلان أنّ تأسيس الكيان الصهيوني تحقيق للنبوءة التوراتية التي تقول إنَّ الله وعد إبراهيم عليه السلام بأن يعطي لنسله أرض فلسطين وكذلك وعد ابنه إسحق وحفيده يعقوب ـ الذي سموه إسرائيل ـ وسمَّوا فلسطين أرض الميعاد.. كل ذلك وهم كبير.. فإنّ أولى الناس بإبراهيم هو الرسول صلى الله عليه وسلم والذين اتبعوه كما ورد في القرآن: (إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتّبعوه وهذا النبيّ والذين آمنوا)(1). فالإمامة لا تنتقل بالوراثة (قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)(2).
ثم أليس إسماعيل جدُّ نبينا عليه السلام من نسل إبراهيم؟ فلماذا فَهِم اليهود أنّ النبوءة لا يدخل فيها إسماعيل عليه السلام وهو الابن البكر لإبراهيم عليه السلام.. إنّ منطق استيلاء اليهود على فلسطين لا يسنده شرع ولا يقرُّه دين وكل تبرير لهم ما هو إلا اختلاق وكذب.
(4) فضح مخططات الأعداء:
إن واقع العجز العربي والوهن الإسلامي والمكر العالمي فتح الباب على مصراعيه لعدد من مخططات الأعداء لتجد لها موطئاً في أرض المسلمين، لتُعمل معولها في مجتمعاتهم هدماً وتشتيتاً وتمزيقا، وحرصاً على وحدة المسلمين لزم أن يراعي الإعلاميون في رسالتهم الإعلامية أن يفضحوا هذه المخططات، ويسعوا إلى تعريتها حتى يحذرها الناس.
وأكبر مخططات الأعداء في الشأن الفلسطيني هو المشروع الصهيوني الذي يراد له أن يتمدد وينتشر ليُحكم السيطرة على المنطقة كلها اقتصادياً وثقافياً وأمنياً وسياسياً.. تحقيقاً لفكرة إسرائيل الكبرى.. قاعدة الحضارة وقائدة الديمقراطية.. مستخدمين في ذلك سلاح الإعلام والسلام والتسوية والتطبيع ونحوه من الوسائل.
إنّ التهوين من خطر المشروع الصهيوني دفنٌ للرؤوس في الرمال.. فقد هوّن البعض من خطره قبل خمسين عاماً، وقال كيف يمكن لدويلة صغيرة أن تهيمن على منطقتنا وأمتنا، وهاهي الدويلة الصغيرة تفرض وجودها على الحكومات العربية والإسلامية وتملى شروطها وتهدد وتتوعد.. وهاهي أمتنا تدين وتشجب وتستنكر ولا تكاد تتجاوز ذلك.
يجب على الإعلاميين فضح المشروع الصهيوني وتعريته.. وذلك بــ:
- فضح اليهود وطبيعتهم
- مواجهة التطبيع وأخطاره
أولاً: فضح اليهود وطبيعتهم
على الإعلاميين أن يعرِّفوا الشعوب بعدوها.. مستندين على القرآن الكريم وما فيه من وصف مفصل لليهود، وعلى السنة المطهرة، ثم كتب اليهود المقدسة عندهم كالتوراة وأسفار الأنبياء والتلمود والماشناه، وكتب التاريخ، وكتابات المعاصرين عنهم ـ المسلمين وغير المسلمين ـ المكتوبة باللغة العربية أو غيرها من اللغات مثل كتاب أحلام الصهيونية وأضاليلها للمفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي، ومن الواقع المعاش فبين أيدينا تجارب كثيرة في الحرب والسلم وسلسلة من الهدنات والاتفاقات والمعارضات كلها تبين أنّ اليهود لا يعرفون غير منطق القوة وأنهّم لا أيمان لهم ولا عهد ولا ذمة وأنّ أبرز صفاتهم هي العنصرية فهم يرون أنفسهم شعب الله المختار وما سواهم أميين ليس عليهم منهم شيء والعنف والطبيعة العدوانية متأصلة فيهم فقلوبهم قاسية كما وصفهم القرآن الكريم وتطلعاتهم التوسعية لإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ومن الأرز إلى النخيل لا تخفى بل هم يريدون السيطرة على العالم كله، ثم كذلك من صفاتهم التحرر من الأخلاق وعدم ثباتها واستخدام المعايير المزدوجة: معيار مع النفس ومعيار مع الأغيار (الأميين) (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)(1)، وهم يرون أنّ الغاية تبرر الوسيلة ويحترمون العهود والمواثيق متى ماكانت في صالحهم ويتجاهلونها متى مالم ترُق لهم وهم أحرص الناس على حياة وأكثر الناس شحاً وحباً للمال.. كل هذه المعاني وما شاكلها تحتاجها الشعوب المسلمة لتعرف عدوها وتقدره قدره وتعد العدة المناسبة لدفعه.. وهذا هو واجب الإعلاميين.
ثانياً: فضح التطبيع وخطورته:
أخذ التطبيع مع العدو الصهيوني صوراً عديدة منها:
- التطبيع الدبلوماسي: ومن ذلك الاعتراف بدولة لليهود في فلسطين، وتبادل البعثات الدبلوماسية معها واعتبارها دولة جوار وإشراكها في البيئة والمياه.
- التطبيع الاجتماعي: ومن ذلك دمج اليهود في المجتمعات العربية والمسلمة عن طريق السياحة والرحلات ونحوه.
- التطبيع الثقافي والإعلامي: ومن ذلك دخول اليهود في المجتمعات العربية والمسلمة عن طريق المؤتمرات والندوات والمعارض والمهرجانات والسينما والمسرح والصحافة والإعلام والجامعات ومراكز البحث العلمي.
- التطبيع التربوي: ومن ذلك توجيه المناهج الدراسية والبرامج التعليمية ـ في بعض الدول العربية ـ عن طريق حذف كل ما يتعلق باليهود ويكشف حقدهم وتآمرهم على الأمة.
- التطبيع الاقتصادي: ومن ذلك فتح الأسواق العربية والإسلامية لبضائع الكيان الصهيوني.
إن الشعوب العربية والمسلمة ترفض التطبيع الظاهر والخفي كما ترفض الاعتراف العلني والضمني بالكيان الصهيوني، وواجب الإعلاميين أن يحافظوا على هذه الجذوة متقدة ويقاوموا كل سعي نحو التطبيع مع العدو وذلك بـالآتي:
(1) دعوة الشعوب لمقاطعة الكيان الصهيوني اقتصادياً وذلك بمقاطعة السلع والبضائع القادمة منه، وذلك لحرمتها لأنّ أرباحها تقوي اليهود على إخواننا في فلسطين، وواجبنا أن لا نعينهم على ذلك، كذلك تجب مقاطعة البضائع الأمريكية شجباً لموقف الإدارة الأمريكية المتذيل أبداً للصهاينة والداعم للعدوان على مقدّساتنا، وكذلك الشركات التي يقف من خلفها اليهود في كل بلاد العالم.
(2) وقف التعامل مع الكيان الصهيوني دبلوماسياً وتجارياً وثقافياً ونحوه.
(3) إعلان أن السفر إلى الكيان الصهيوني لا يحلُّ لمسلم ولو بدعوى الصلاة في المسجد الأقصى فإنما يشد المسلم رحاله إلى هذا المسجد حينما يتحرر من سلطان اليهود(1).
(4) مقاومة الغزو الثقافي للكيان الصهيوني ومقاومة التبشير بسياسات التطبيع وخاصة التطبيع التربوي وما يتضمنه من تغيير في المناهج التعليمية إرضاءً لليهود، ومقاومة كل محاولة لاختراق العقل العربي والإسلامي.
(5) رفع الروح المعنوية للشعوب المسلمة:
إن الأمة الإسلامية أمة قوية: عقدياً واقتصادياً واجتماعياً بدليل أن النظام العالمي الجديد لا يرى عائقاً يحول دون إكماله لبسط نفوذه سوى الإسلام، لذلك أجلب بخيله ورجله محذراً من خطره.
والرسالة الإعلامية منوط بها أن تنهض بعبء تذكير المسلمين بعظم الثروة التي يمتلكون والتي تتمثل في الكتاب الخالد (القرآن)، والمثال العملي لتطبيقه (سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم)، والتاريخ الناصع (سيرة السلف الصالح والأئمة المصلحين، والقادة الفاتحين)، والموقع الجغرافي المتميز، والثروات المتعددة (بشرية، زراعية، حيوانية، مائية، معدنية، بترول..)، إن التذكير بهذه الثروات يعد عاملاً مهما في استعادة الأمة لسيادتها وريادتها.
والرسالة الإعلامية منوط بها أن تذيع المبشرات ـ من القرآن والحديث واستقصاء التاريخ ـ بانتصار الإسلام والمسلمين، وتشيع التوعية بأنّ الأمة الإسلامية قد مرَّت عليها أعوام حالكة من قبل مُنِعَت فيها الجمعة والجماعة في المسجد الأقصى، ولم يُرفع فيه أذان ولم تقم فيه صلاة لمدة واحد وتسعين عاماً غير أنّ الله هيأ قادة مصلحين ظهروا ونبغوا في أحوال غير مساعدة وفي أجواء غير موافقة بل وفي أزمنة مظلمة حالكة وفي بيئات قاتلة فاتكة وفي شعب أصيب بشلل الفكر وخواء الروح وخمود العاطفة وضعف الإرادة وخور العزيمة وسقوط الهمة ورخاوة الجسم ورقة العيش وفساد الأخلاق والإخلاد إلى الراحة والخضوع للقوة واليأس من الإصلاح([17]). تماماً في ظروف كالتي نعيشها الآن فعملوا على البناء في مجالات عدة: البناء للشخصية المسلمة والبناء للنظام الإداري والبناء للأمة المتوحدة ونحوه حتى استطاعوا استرداد المسجد الأقصى من قبضة الصليبيين. إن الشعوب المسلمة تحتاج إلى أن تبصّر بسيرة أبطال الإسلام الذين استردوا البيت المقدّس من قبضة الصليبيين مثل عماد الدين زنكي ونور الدين محمود زنكي وصلاح الدين الأيوبي وسائر الأبطال الذين بذلوا الغالي والمرتخص وحققوا النصر المؤزر.
إنّ مدارسة سير العلماء الصالحين والأبطال الفاتحين تنفخ العزم في الروح وتجدد الثقة في النفس وتحفز الجوارح للعمل.
(ب) دور الرسالة الإعلامية في تغيير المواقف والاتجاهات:
إن تأثير الإعــلام على كثير من القيادات السياسية في العالم أمر مقرر مألوف، ودوره في كثير من القرارات الحاسمة في تاريخ الأمم والشعوب مثبت معروف، وقبلاً قال الأمـيـــن العام السابق للأمم المتحدة إن وكالة الأنباء التلفزيونية هي العضو رقم 6 في مجلس الأمن!
دور الرسالة الإعلامية الغربية:
لقد أدرك أعداء الأمة أهمية الإعلام في تغيير المواقف والاتجاهات، واستخدموه لتحقيق مآربهم فلم ينجحوا في تغيير رأي شعوبهم فحسب بل نجحوا في تشكيل الرأي العالمي كذلك؛ نقلت صحيفة الصنداي تايمز في أحد أعداد عام 1981م عن الصحفية الأمريكية اليهودية: سارة إيهرمان أن مؤسسة الضغط اليهودية إيباك قد تمكنت باستخدام الوسائل الإعلامية من تغيير الرأي العام الأمريكي خلال 48 ساعة فقط عقب قصف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي. وتدَّعي الصحيفة بكل فخر نجاح الضغط الإعلامي في تحويل الرأي العام الأمريكي من الموقف الغاضب جداً ضد إسرائيل إلى تقبل وجهة النظر اليهودية، بل والقناعة بأن ضرب المفاعل كان عملاً شجاعاً من أجل سلام العالم.
وبيَّنت دراسة متخصصة عن القضية الفلسطينية والإعلام الأمريكي، قام بها ر. س. زهارنة الأثر الكبير للرسالة الإعلامية في كسب التأييد لإسرائيل؛ حيث تعقّب دور أكبر المجلات الأمريكية بل والعالمية ـ مجلة التايمز ـ في تغيير اتجاهات ومواقف الشعب الأمريكي حتى أصبح في غالبه يرى أن للإسرائليين حقاً مشروعاً في فلسطين؛ ذكر الباحث أن مجلة التايمز تدرجت بقرائها عبر المراحل التالية:
- منذ عام 1946 وحتى 1949م بدأت بتغيير كلمة الفسلطينيين إلى كلمات أخرى من مثل سكان فلسطين وعرب فلسطين وذلك لإخفاء الهوية الحقيقية للسكان الأصليين في المنطقة.
- ثم تغيَّرت هذه المصطلحات خلال الفترة من 1950م إلى نهاية الستينيات إلى: العرب غير الأردنيين والعرب الإسرائيليين والأردنيين.
- وصاحَبَ ذلك تطور آخر وهو التركيز على خصوصية العلاقة بين أمريكا وإسرائيل لدرجة أن مجلة التايمز قامت بنقل الموضوعات الخاصة بقضية إسرائيل من صفحات القضايا الدولية في المجلة إلى الصفحات المحلية. واستمر هذا التغيير منذ ذلك الحين.
- أما من ناحية اللقاءات الصحفية فقد كان أغلبها يتم مع مسؤولين أمريكيين أو إسرائيليين مما جعل الطرح الصحفي دائماً متحيزاً للجانب الإسرائيلي من النزاع، وكان لتصوير الفلسطينيين أنهم من العرب أثر إعلامي قوي في أمريكا بين مختلف فئات الشعب الأمريكي لاستغلال الكراهية المترسخة نحو العرب من جراء سنوات من الإعلام السلبي، إضافة إلى تصوير إسرائيل كياناً صغيراً في مقابل عدو ضخم هم العرب، بدلاً من التركيز على المجازر الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
دور الرسالة الإعلامية الإسلامية:
يمكن لإعلامنا أن يلعب دوراً كبيراً في تغيير المواقف والاتجاهات وذلك عبر:
(1) توحيد الخطاب الإعلامي وتصحيحه ومن ذلك:
- البعد عن استخدام المصطلحات التي تتضمن اعترافاً بالكيان الصهيوني أو تمييعاً للقضية، واستبدالها بمصطلحات أخرى، تحمل صبغة إسلامية، ورؤية إيمانية ومن ذلك استبدال مصطلح: أزمة الشرق الأوسط بأزمة المشرق الإسلامي، لأن مصطلح الشرق الأوسط لم يكن له جذور في الاستخدام العربي والإسلامي، بل كان تعبيراً عن تقسيمات للعالم في إطار الحقبة الاستعمارية، كما أنه لم يظهر إلا في فترة تدهور دولة الخلافة في شكلها الأخير (الدولة العثمانية)، وأنه لم يصبح قابلاً للاستخدام على نطاق واسع إلا بعد انهيار الدولة العثمانية، هذا بالإضافة إلى أن الكيان الصهيوني لا يستخدمه بوصفه تعبيراً جغرافياً بل بوصفه مفهوماً شاملاً لتغيير هوية الصراع، ولإعادة ترتيب المنطقة، بإدخال هذا الكيان ضمن منظومة المنطقة، وبوصفه مصطلحاً تحته مفهومات أخرى متعددة مثل التعاون الإقليمي والسوق الشرق أوسطية، والشرق الأوسط الكبير([18]).
- استبدال الأسماء اليهودية لمعالم المدن الفلسطينية بالأسماء الإسلامية فنقول: حائط البراق بدلاً من حائط المبكى، وفلسطين المحتلة بدلاً من يهودا والسامرة والجليل، والمصلى المرواني بدلاً من إسطبلات سليمان، وقبة الصخرة بدلاً من قدس الأقداس، والبلدة القديمة بدلاً من الحوض المقدس، وحارة المغاربة وحارة الشرف بدلاً من حارة اليهود، وجبل بيت المقدس بدلاً من جبل الهيكل.
- استخدام المصصلحات الإسلامية التي تشعر بحالة الصراع مع اليهود، فنقول: العمليات الاستشهادية بدلاً من العمليات الانتحارية، الأسير الفلسطيني بدلاً من المعتقل الفلسطيني، والمغتصبة اليهودية بدلاً من المستوطنة اليهودية، والمغتصِب بدلاً من المستوطِن، وتحرير كل شبر من أرض فلسطين المحتلة بدلاً من دحر الاحتلال.
- البعد عن المصطلحات اليهودية واستبدالها بالمصطحات الإسلامية: فنقول فلسطين بدلاً من أرض الميعاد، وفلسطينيي مناطق الـ 48 بدلاً من عرب إسرائيل، وأسطورة المحرقة النازية بدلاً من الهولوكست، والحقوق الفلسطينية بدلاً من المطالب الفلسطينية.
- البعد عن المصطلحات الغربية التي تسئ إلى المقاومة الفلسطينية وتصفها بالعنف والإرهاب والدموية وتتجاهل أن هذا حق مشروع في الدفاع عن النفس ورفع الظلم واسترداد الحقوق.
(2) دعوة القيادات العربية والرسمية إلى وقف التطبيع مع الكيان الصهيوني.
(3) دعوة القيادات العربية والرسمية إلى تبني الخيار الصحيح والناجع في التعامل مع العدو الصهيوني والذي تبنته حركات المقاومة الإسلامية (حماس والجهاد الإسلامي، وكتائب الأقصى) وهو خيار المقاومة والصمود وتعبئة الأمة.
(4) محاولة تأثيم الضمير الإنساني العالمي لسكوته عن الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني وغضه الطرف عن الصلف اليهودي، وتحري مخاطبة المنظمات الإنسانية العالمية بأسلوب مؤثر جذاب بغية توجيهها والتأثير عليها لنشر رسالة إعلامية تخدم الهدف الإسلامي.
(5) توضيح أنّ الإرهاب هو ما يقوم به الكيان الصهيوني وليس ما تقوم به الحركات الجهادية من مقاومة مشروعة ومتعيِّنة للاحتلال الغاشم.
(6) تحميل أمريكا مسؤولية ما يحدث للشعب الفلسطيني وفضح تحالفها مع العدو خصماً على حقوق أمتنا، واستخدامها المعايير المزدوجة التي تتبناها دوماً لصالح بني صهيون.
(7) مطالبة المنظمات الدولية أن تتحرى العدل في قراراتها، بعيداً عن اختلال الموازيين الذي يؤدي إلى فقدان مصداقيتها.
(8) فضح أكاذيب وادعاءات اليهود حول أسطورة المحرقة النازية والمذابح التي تعرضوا لها، والعمل على إظهارهم على حقيقتهم العدوانية الإرهابية ونزع قناع البراءة والمسكنة والاستضعاف عنهم.
(ت) دور الرسالة الإعلامية في التنشئة الاجتماعية:
ويمكن أن تتم عبر عدة أمور منها:
(1) إشعار الأجهزة الإعلامية بمسؤوليتها تجاه إبقاء قضية وحدة الأمة الإسلامية حول قضاياها الكبرى ـ خاصة فلسطين ـ حاضرة في أذهان الناشئة، والسعي لتنبيه قطاعات المجتمع كافة بمسؤوليتها في هذا الصدد.
(2) دعوة القيادات العربية والرسمية إلى إعطاء أمر وحدة الأمة حول قضية فلسطينية حقها في مناهج التعليم ووسائل الإعلام عبر التركيز على:
- أساس الصراع مع اليهود وخلفياته الفكرية والتاريخية والسياسية.
- مراحل تطور القضية الفلسطينية.
- أهمية القضية ومكانتها في أولويات العمل الإسلامي.
- جرائم اليهود ضد الشعب الفلسطيني.
(3) السعي لإنفاذ برنامج إعلامي ثقافي متكامل عبر الأجهزة الإعلامية المختلفة (المقروءة، والمسموعة، والمرئية) يهدف إلى:
- توعية أبناء المسلمين بأهمية فلسطين، وربطهم بها والتركيز بشكل خاص على القدس والمقدسات الإسلامية (المسجد الأقصى، قبة الصخرة والحرم الإبراهيمي..) واستغلال المناسبات الدينية كالإسراء والمعراج وذكرى إحراق المسجد الأقصى وقيام الانتفاضة الإسلامية والأحداث الطارئة الهامة على الساحة الفلسطينية لمناصرة القضية الفلسطينية.
- العمل على المحافظة على جذوة الانتفاضة مشتعلة وعلى تطويرها وذلك باستثارة الحماس في الشعوب وقطع الطريق على حلول التسوية والاستسلام ودراسة الانتفاضة السابقة والأسباب التي أدت إلى إجهاضها.
- السعي لإيجاد مؤسسات الدعم لقضيتنا المحورية كجمعيات المناصرة للشعب الفلسطيني وهيئات الدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية ونحوه.
- حث الشعوب على تقديم الدعم المادي والمعنوي لقضية أمتنا وجمع الأموال لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني.
- السعي لحشد الكفاءات والطاقات السياسية والإعلامية لدعم قضية الأمة المركزية في الجانب السياسي والإعلامي وذلك بالتعبير بمختلف الوسائل الممكنة عن معارضة الخطوات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية والتفريط بمقدساتها وفي الجانب الجهادي بدعم حركات المقاومة الإسلامية والتشجيع على كفالة عائلات الشهداء والمعتقلين ودعم مشاريع البنية التحتية للحركات والتنظيمات داخل الأرض المحتلة وتأكيد مشروعية جهادها ومقاومتها للاحتلال ومواجهة محاولات إلصاق تهمة الإرهاب بها.
- مخاطبة المؤسسات الرسمية والحكومية وحضُّها على التراجع عن خيار التسوية السياسية ومبدأ الأرض مقابل السلام وتوضيح عدم جدوى هذه التسوية سيما وقد تكشفت الحقيقة العدوانية والتوسعية المتعنتة للكيان الصهيوني. والعمل على إنهاء القطيعة بين التجمعات السياسية المتعددة (لتحقيق التصالح الوطني)، وبين الأنظمة الحاكمة وشعوبها لتحقيق وحدة الجبهة الداخلية وإحياء التنافس السلمي المشروع عبر إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وكفالة الحريات وحشد طاقات الأمة وتجميعها حول هذه القضية.
خاتمة:
إنَّ الإعلاميين اليوم أمام مسؤولية عظيمة تتطلب منهم النظر في ثوابت التأريخ وسنن الكون ومعطيات الواقع وحقائق الغيب واستنطاق الوحيين لتقديم رسالة إعلامية فاعلة تعمل على توحيد الأمة والرجوع بالشعوب إلي الحركة وفق منهج الله في طريق الجهاد والمقاومة لترتفع راية الدين وتُمكن قيم الصدق والعدالة ويُستعاد الحق وتحرر الأرض، ويؤذن المؤذن (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)([19]).
([1]) انظر رسالة من مكة.. عن أي شئ ندافع، الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي، ص 57.
([2]) التطلع للوحدة، حسن الصفار، ص 13.
([3]) هل الإسلام هو الهدف، محمد السماك،، مجلة (الوعي الإسلامي) الكويتية، ص42، عدد 338، شوال 1414هـ.
([4]) سورة البقرة: 150.
([5]) سورة الإسراء: 1.
([6]) متفق عليه.
([7]) انظر القدس قضية كل مسلم د. القرضاوي ص 11.
([8]) سورة الإسراء: 1.
([9]) سورة الأنبياء: 71.
([10]) سورة الأعراف: 137.
([11]) سورة الأنبياء: 81.
([12]) سورة سبأ: 18.
([13]) انظر التأثير الإعلامي في الظواهر الاجتماعية بين السلب والإيجاب، ورقة بحثية لـ د. أحمد حسن محمد، ص 1-2. وانظر مقال حملة سبتمبر عملية اقتلاع حقيقي، د. محمد الحضيف، موقع لها أون لاين.
([14]) سورة التوبة: 24.
([15]) الطريق إلى السعادة والقيادة للدول والمجتمعات الإسلامية، أبو الحسن الندوي، ص40-42 بتصرف يسير.
([16]) المرجع السابق، ص 24.
(1) القدس قضية كل مسلم د. القرضاوي ص 60.
(2) المرجع السابق ص 64.
(3) انظر تاريخ اليهود لأحمد عثمان 1/136، القدس قضية كل مسلم ص 64.
(1) سورة آل عمران: 68.
(2) سورة البقرة: 124.
(1) سورة آل عمران: 75.
(1) القدس قضية كل مسلم – ص 182.
([17]) أبو الحسن الندوي – مقدمة مذكرات الدعوة والداعية ص4.
([18]) مصطلح الشرق الأوسط من التعبير الجغرافي إلى البديل، بحث نشر ضمن التقرير الارتيادي الأول لمجلة البيان، طلعت رميح، ص 368-369.
([19]) سورة الأنعام: 45.